التأثير السيئ للإباحيات
شاب نتيجة لطفولته السيئة لجأ إلى الإباحية، ثم تركها واستقام وحفظ القرآن، ثم عاد إليها، وتعلق بفتاة، وأراد أن يخطبها ليتخلص من الأمرين معًا: الإباحية وتعلقه بها، فرفضته، ويسأل: ما الحل؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أنا شاب في العشرينيات من عمري، عندي بعض المشاكل النفسية بسبب طفولتي السيئة، ثم لجأتُ إلى الإباحية حتى أتخلص من هذه المشاكل، وفي أثناء المرحلة الثانوية استقمت ولله الحمد، وحفظت القرآن، لكن بعدها عدت لمشاهدة الإباحية التي دمرتني نفسيًّا، وفي العام السابق فُتنت بفتاة تدرس معي في الجامعة إلى حد العشق، وكلمتها واتَّفقنا على موعد حتى أخطبها وأخلص نفسي من فتنة الإباحية، ومن فتنة عشقي لهاته الفتاة، وأعين نفسي على الاستقامة، وكنت أكلمها بين الحين والآخر، وكان موعدنا قبل شهر من الآن، قبل شهر كلمتها، فرفضت أن أخطبها، وجاء غيري وخطبها، والآن أنا مدمر نفسيًّا؛ بسبب عدم قدرتي على الخلاص من هاتين الفتنتين، وأخشى أن الله غاضب عليَّ؛ بسبب عدم قدرتي على ترك الإباحية، فصرف عني هاته البنت، ونجَّاها مني، مع العلم أني حاولت مرارًا أن أتخلص من الإباحية وفشِلت، وأردت خطبة الفتاة رغم ظروفي الصعبة، حتى أخلِّصَ نفسي من مرض العشق، وأخشى الآن أن أفقد عقلي أو أصاب بمرض بسبب سوء حالتي النفسية، إذا أمكن التفضل بأي حلٍّ يمكن أن يخرجني من هذه الحالة، وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فالقارئ لمشكلتك يلحظ الآتي:
١- يبدو من مشكلتك أنك تعرضت في طفولتك لشيء ما لم تفصح عنه، ربما أنه إهمال من الوالدين، وربما أنه اعتداء أخلاقي عليك، وربما أنه...
٢- وهذه الأمور التي تعرضت لها صار لها آثارٌ نفسية سيئة ملازمة لك، وتؤذيك كثيرًا.
٣- وتركتها مدة طويلة استقمت خلالها، وحفظت القرآن، ثم عدت لما تركته من أفلام إباحية، ولم تذكر أسباب عودتك: هل هي مثلًا تغير الجلساء، أو الفراغ العاطفي الكبير، أو نقص العبادات من صلاة وتلاوة وغيرها، ومن ثَمَّ نقص الإيمان، ثم استحواذ الشيطان عليك، أو كلها معًا؟ وهذا الذي يبدو لي؛ أي: كلها معًا، وعمومًا السؤال المهم: ما الحل؟ فأقول مستعينًا بالله:
أولًا: يبدو واضحًا من سؤالك أنك متضايق جدًّا من وضعك وما فيه من عدة معاصٍ؛ منها: إطلاق النظر للحرام، والعادة السرية.
ثانيًا: لا شك أن ما أنت فيه من ألَمٍ له جانبان: أحدهما إيجابي والثاني سلبي:
١- أما الجانب الإيجابي جدًّا هو أنه لا زال لديك شعاعُ إيمانٍ يجعلك تتألم بهذه الصورة من المعاصي، وتأمل الخلاص منها، وتبحث عن طريق ذلك.
٢- أما الجانب السلبي فهو أن ما يصيبك من توتر وقلق من أسبابه شؤم المعصية وآثارها المدمرة.
رابعًا: لِما سبق أُوصيك أن تستثمر شعاع الإيمان الموجود في قلبك بدعمه بمقويات الإيمان؛ ومنها:
أ- المحافظة على الصلوات كلها في أوقاتها بالمساجد.
ب- كثرة الدعاء بأن يرزقك الله التقوى والخوف منه سبحانه، وأن يصرفك عن الفتن، وأن يصرفها عنك، خاصة فتنة النساء.
ج- الإكثار من عموم الأعمال الصالحة المقوية للإيمان والمثبتة له؛ مثل: الإكثار من تلاوة القرآن، والصدقات، والاستغفار دائمًا، خاصة بعد كل معصية.
د- مجالسة الصالحين وترك جلساء السوء نهائيًّا.
ه- مجاهدة نفسك على عدم الدخول للمواقع الإباحية، ومحاسبة نفسك كلما عدت لها.
و- جرب ألَّا يكون معك إلا جوال صغير ليس فيه إلا المكالمات فقط.
ز- ذكِّر نفسك كثيرًا بالموت الذي قد يأتيك فجأة وأنت تشاهد فيلمًا إباحيًّا.
ح- أكْثِر من دعاء: « يا مقلب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك »، ومن دعاء: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8].
خامسًا: استثمر أوقاتك فيما ينفعك في دينك ودنياك؛ مثل: القراءة النافعة، والأعمال الدنيوية المفيدة، وإياك والفراغ والخلوات الكثيرة مع نفسك؛ فهي مواطن فتنٍ، ومراتع خصيبة لوساوس الشيطان، وجرِّب أن تجعل باب غرفتك مفتوحًا دائمًا.
سادسًا: حافظ على أذكار الصباح والمساء وعموم الذكر؛ فهي سياجات فولاذية عظيمة أمام وساوس الشيطان.
سابعًا: إن كنتَ مستطيعًا للزواج، فبادِر إليه في أقرب فرصةٍ، ولا تشغل نفسك بالأسى على التي لم تقبل بك، فهي أصلًا لم تُكتب لك، لذا ذهبت لمن كتَبها الله له، ولعل في ذلك خيرًا عظيمًا لك، فابحث عن المرأة الصالحة المكتوبة لك، وانسَ الأولى تمامًا.
ثامنًا: تذكر أن الله سبحانه عندما حذر من الزنا، ما قال: ولا تزنوا، وإنما قال: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32]؛ ليعم النهيُّ الزنا وكل ما قد يقرب له مثل: النظر الحرام.
تاسعًا: معنى ذلك أنك بالنظر الحرام عاصٍ لله عز وجل، مستوجب للعقوبة إن لم يعفُ عنك، وتذكَّر قوله سبحانه: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30]، والأمر هنا للوجوب، ومعناه: أن الذي يطلق بصره عاصٍ لله سبحانه، ومعرض نفسه للعقوبة.
عاشرًا: تذكَّر قوله عز وجل: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [يونس: 61]، فمَلَكٌ عن يمينك يكتب حسناتك، ومَلَكٌ عن يسارك يكتب سيئاتك؛ كما قال سبحانه: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18].
حادي عشر: عُدْ إلى ما كنت عليه من حفظ للقرآن ومجالسة للصالحين؛ فهي والله الكنز الذي يؤنسك في قبرك وفي يوم القيامة، أما هذه الأفلام، فهي صناعة يهودية لإضلال شباب المسلمين.
ثاني عشر: لعله يؤرقك سؤال مهم: هل لي من توبة، وأنا أكرر المعصية أو أن الله غضِبَ عليَّ ولن يقبل توبتي؛ لأني كذاب؟ فأقول ومن الله التوفيق:
أبْشِرْ؛ فلك توبة مقبولة بإذن الله ما دمت بهذه الحال، تتألم كثيرًا من المعصية، وتستغفر منها، ما الدليل؟ الدليل الآتي:
أولًا: قوله عز وجل: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70].
ولاحظ أن الآية كانت بعد أن ذكر الله المعاصي العظيمة: الشرك، والزنا، وقتل النفس بغير حق، ثم لاحظ أن الله سبحانه يقبل توبتهم، ويبدل سيئاتهم العظيمة إلى حسنات.
ثانيًا: تأمل في الأحاديث الآتية: عن هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه تبارك وتعالى قال: «أذنب عبدٌ ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال الله تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، قد غفرتُ لعبدي، فليفعل ما شاء»؛ [متفق عليه].
وليس في هذا الحديث دعوةٌ للتمادي في الذنوب، لكنه دعوة لعدم اليأس ما دام العاصي يستحضر عظمة الله سبحانه، ويندم على ذنبه، وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، وجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله تعالى، فيغفر لهم»؛ [رواه مسلم]، وعن أبي أيوب خالد بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لولا أنكم تذنبون، لخَلَقَ الله خلقًا يذنبون، فيستغفرون، فيغفر لهم»؛ [رواه مسلم].
ولكن من صدق توبتك ومما يعينك عليها أخذُكَ بالأسباب المعينة التي ذكرتها سابقًا.
حفظك الله، ورزقك الورع والتقوى والبعد عن المعاصي، ورزقك زوجة صالحة تسعدك.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.
- التصنيف: