طباعي لم تتغير بعد الالتزام

منذ 2021-01-25

فتاة بدأت تلتزم وارتدت الخِمار، لكن طباعها السيئة لم تستطع تغييرها، وأهلها يلحظون ذلك، ويشككون في التزامها، وخصوصًا والدتها، وتسأل: ما الحل؟

السؤال:

لقد التزمتُ منذ مدة، على أن طِباعي السيئة ما زالت موجودة فيَّ؛ لذا فإن أهلي لا يثقون في التزامي، فقد ارتديت الخِمار ولله الحمد، ومع ذلك فإن والدتي ليست مقتنعة بارتدائي الخمار؛ لأن أيًّا من طِباعي السيئة لم يتغير، أشعر بالعجز إزاء تغيير تلك الطِّباع، وأودُّ أن يدلَّني أحدٌ على كيفية تغييرها، أحاول التقرب إلى الله عز وجل بالإكثار من الطاعات، وهذه الفترة أصابني فُتورٌ عن حفظ القرآن والقراءة عن الالتزام، لا أدري ماذا أفعل حقًّا؛ فأنا ليس لديَّ القوة كي أُغيِّر تلك الطباع، ماذا أفعل؟ وجزاكم الله خيرًا.

 

الإجابة:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

 

أما بعد:

فمرحبًا بكِ ابنتي الغالية.

 

سَرَّني أنكِ ارتديتِ الخِمار، وألزمتِ نفسكِ بحفظ شيء من القرآن، والقراءة في تعاليم دينكِ الحنيف، فاللهم لك الحمد، ثبَّتكِ اللهُ، وأبعد عن قلبكِ كلَّ زَيْغٍ.

 

تفاءلي ابنتي الجميلة، ليس كل كلمة ذمٍّ من الأمِّ هي مقصودةٌ بذاتها، حتى يتزلزل كِيانُكِ هكذا، فكثير من الكلمات نتعمد أن تكون قاسية؛ رغبةً في توجيهكم توجيهًا معينًا نتمناه في أولادنا، نعم، أعترف أن هذا الأسلوب غير صحيح من الأمهات؛ فكم من كلمة كسرت نفوسنا! ولكنه للأسف من الموروثات الكثيرة الخاطئة التي نمارسها، دون تمريرها على عقلنا كأمهات.

 

بصراحة رسالتُكِ فيها غموض شديد، تقولين أنكِ التزمتِ وبدأتِ في طلب العلم الذي يوضِّح لكِ أوامرَ دينكِ، ولكن طِباعكِ السيئة ما زالت موجودة، دون أن تذكري تلك الطباع: ما هي؟ وما نوعها؟ حتى نستطيع توجيهكِ ومعاونتكِ في الإقلاع عنها، ثم إنك تشتكين الفُتُور في العبادة، والتقليل من الطاعات التي تفعلينها منذ الالتزام.

 

برغم أن سبب سؤالكِ الذي تتحدثين عنه مجهولٌ بالنسبة لي، فإنني أقول لكِ: أنتِ لستِ سيئة، بل أنتِ مُتَّزِنةٌ رائعة، فالسيئ لا يعترف أنه سيئ، بل العاقل وحده هو من يتفقد نفسه، ويعلم مواطن السوء فيها، وما دام عرفها، فقد بدأ علاجها؛ فمعرفة الداء هي بداية الدواء.

 

في العموم خُذِي بهذه النصائح؛ علَّها تُبعِدُ عنكِ هذا السوء الذي يضخِّمه الشيطان في عقلكِ؛ حتى تيأسي من الالتزام، وكأنه يجتهد ليصل بكِ للاعتقاد بأنه لا فائدةَ، ومن ثَمَّ تخلعين خماركِ وتنسين دينكِ.

 

♦ حسِّني أخلاقكِ مع الجميع، وذلك بخفض صوتكِ، والتأني في الردِّ، والتفكير قبل الاندفاع بالحديث.

 

♦ ابتعدي عن كل صديقة فيها صفة سيئة لا تحبينها، أو مرفوضة دينًا وعُرفًا؛ لأن شدة القرب تؤدي للمحاكاة شِئْنا أم أبَيْنا.

 

♦ عوِّدي لسانكِ على عبارات رقيقة تُرضِي الله، وتؤلِّف بين قلبكِ وقلب أهلكِ وأصدقائكِ؛ مثل: (أشكركم، جزاكم الله خيرًا، أثابكم الله، رفع الله قدرك ...)، خاصة مع الوالدين والإخوة الكبار؛ حتى يؤلف الله بين قلوبكم.

 

♦ أطيعي والديكِ بلا جدال؛ فالجدال كله شرٌّ، ولا يترك في النفس إلا الكراهية، وحب الانتصار على الآخر، مهما كانت مكانته؛ ولهذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «أنا زعيمٌ ببيت في رَبَضِ الجنة لمن ترك المِراءَ وإن كان مُحقًّا، وببيتٍ في وسط الجنة لمن ترك الكذب، وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسُن خلقه»، وهذا الحديث الشريف يرسم لكِ الطريق التي لو التزمتِ بها انصلحت علاقتكِ بالجميع، وفُزْتِ في دنياكِ بهدوء البال، وفي أُخراكِ ببيت في الجنة.

 

♦ أخيرًا: بخصوص مرحلة الفتور في العبادة، فهي ظاهرة طبيعية كانت تصيب من هم أعظم منا علمًا ودينًا، وأهم ما يجب أن يراعيَهُ المؤمن حتى تنقضيَ هذه الفترة أن يتمسَّكَ بالفرائض؛ فكما يُؤثَر عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه سُئل: أيزيد الإيمان وينقص؟ قال: نعم، فإن قلَّ إيمان أحدكم، فليلزمِ الفرائض.

 

♦ روِّضي نفسكِ على الخير؛ فالنفس كالطفل تعتاد ما تَأْلَفُهُ، ستبقى نفسكِ هكذا، كلما ارتقيتِ درجة في الدين والأخلاق تطلَّعتِ لغيرها، حتى يكون الله ورسوله أحب إليها ممن دونهما، ولن يحدث هذا إلا بالمجاهدة الدائمة، أما إذا استسلمتِ وأطعتِ أهواءها، فهذا هو الخسران، أُعيذكِ بالله منه، كوني ممن أفلح وزكِّيها ما استطعتِ؛ قال رب العزة يقسم بالنفس؛ لعِظَمِ شأنها وأهمية إصلاحها بالطاعة والتقوى قدر المستطاع: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7 - 10].

 

فاجتهدي بُنيَّتي ولا تستسلمي، وما دمتِ عرفتِ عَيبَ نفسكِ فعالجيه، وأنقذي دنياكِ وأُخراكِ، وفَّقكِ الله للخير، وأصلح بينكِ وبين أهلكِ، وشرح صدركِ لِما يرضيه.

  • 4
  • 0
  • 1,187

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً