معالجتي من آثار التحرش
تعرضتُ وأختي للتحرش الجنسي، فكيف نتجاوز الآثار النفسية؟
أنا فتاة عمري 20 سنة، في العاشرة من عمري تعرضت للتحرش الجنسي من قبل شخص ليس قريبي، ويكبرني بست سنوات، كنا نلعب الغميضة، وعندما اختبأت كان معي فقبّلَني ولمسني، ولم أكن أفهم ذلك، في نفس اليوم وبعدها بساعة تقريبًا، لمحته يأخذ أختي -8 سنوات- إلى دورة المياه، فطرقت عليه الباب بقوة، فكان يدعي إنه لوحده، ولم أكن أعرف كيف أتصرف، خاصة أن حصل لي نفس الشيء، كنت أُهَدِدَه بأنني سوف أخبر أهلي، لكنه لم يبالي بتهديدي، ذهبت لأخبرهم، لكن لم أمتلك الشجاعة فرجعت ووجدت أختي في الغرفة، وهو جالس ومبتسم، عرفت بعدها أنه جعلها عارية أمامه، وبعدها تحرش بها.
بدأت المشكلة منذ ذلك اليوم، فأنا لست أنا، أحس بشعور غريب، وكل يوم في تغير، أحزن، أتوتر، أغضب، أبكي بسرعة جدًا، مشاعر مختلطة ومتنوعة، وفي الليل أجلس ساعات أفكر أنني شخص آخر، بأنني شخص كامل، ولكن الكل يكرهني، وأنني مظلومة ومقيدة، ولا أعلم كيف ينتهي بي المطاف في تخيلي الجنسي.
كنت أشاهد الرسوم الإباحية، وأمارس العادة السرية، إلى أن عرفت أنها محرمة، وتوقفت عنها بعد عدة محاولات فاشلة، فأنا أصلي، وأثق بحب الله لي وبرحمته، وأنه غفور رحيم، لكن لا أستطيع التوقف عن التخيلات الجنسية.
عند بلوغي 15 سنة، عرفت أمي وزاد همي، وعرفت بعدها أن أختي تشاهد الرسوم الإباحية، فصارحتها ونهرتها، وأنا متأكدة أنها توقفت عن مشاهدتها.
المشكلة أنني لا أستطيع النسيان، وأحس بنقص كبير جدًا، وأتحسر على أختي كثيرًا، فلو أنني تكلمت لما حدث لها ما حدث، ولا أستطيع مصارحتها بالحادثة، هل تفكر وتحزن وتبكي مثلي، أريد أن أكون لها عونًا، لكنني أخجل وأخاف أن تكون قد نسيت وأذكرها، أو تكون تفكر بها وتجيب بالنفي، لا أملك الشجاعة، ولا أعرف ما العمل؟
هل هذا بسبب ما حدث لي في صغري؟ وإلى أين سيأخذني؟ كيف أساعد أختي؟ أرجو من الله أن أجد الإجابة الشافية التي تريحني.
لا شك أن الكثير مما ورد في سؤالك، من المشكلات وصعوبات أو من العصبية والشعور بأنك شخص آخر، إن الكثير من هذه المشاعر والعواطف هي نتيجة مباشرة للتحرش الجنسي الذي تعرضتِ له في العاشرة من العمر، فكثير من ضحايا التحرش الجنسي يعانون من المشكلات السلوكية والعاطفية والنفسية، وحتى بعض الممارسات الجنسية والمواقع والعادة السرية، هي أيضًا نتيجة هذا التحرش في الصغر، وساء عندك أو عند أختك الأصغر.
ومع الأسف فالتحرش الجنسي موجود في كل المجتمعات، وعلى نسب متفاوتة، إلا أنه ليس هناك مجتمع ممنّع من سوء المعاملة هذه، وصحيح أن الوازع الديني له تأثير كبير في منع سوء المعاملة هذه، إلا أن هذا الوازع الديني عند الناس شديد التفاوت من شخص لآخر.
وإذا كان الامتهان من قبل فرد من أفراد الأسرة، أي سفاح المحارم، فالغالب أن الفاعل المعتدي هو الأب أو زوج الأم، أو الأخ، أو العم أو الخال. ومن خارج الأسرة هناك الجار أو البائع أو السائق أو الخادم أو المعلم أو المدرب الرياضي، والشيء المؤلم في الامتهان الجنسي أنه يقع من قبل الشخص المطلوب منه أصلًا حماية الطفلة ورعايتها!!
ومشكلة التحرش أنه عندما ينكشف أمره فقد يؤدي لتفكك كامل الأسرة في حال المتحرش من الأسرة، وما ينتج عن ذلك من مضاعفات فردية وأسرية واجتماعية.
وتتعرض الفتاة الضحية لمشاعر مختلطة متناقضة مزعجة، فمن جهة تحب قريبها، وفي نفس الوقت تكرهه على صنيعه، وقد تشعر أيضًا بالغضب الشديد تجاهه لأنه لم يحمها من هذا الامتهان.
ومع عدم توفر الرعاية الصحية النفسية المناسبة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فقد تعيش الضحية مع كل آلامها وحيدة لسنوات وسنوات لا يعلم أحد عن معاناتها إلا الله والمعتدي، فهي تخشى أن تبوح بالأمر وما يمكن أن ينتج عن هذا على أفراد الأسرة، وخاصة مع الوصمة الاجتماعية من البنت والمعتدي وكامل الأسرة.
وكثير من الضحايا يألفون حياة معينة، ومن دون تلقي العلاج أو الإرشاد النفسي المطلوب، ولكن بعضهم يحتاجون للعلاج النفسي المتخصص.
وأريد هنا أن أذكر لك ما تعرفيه بالطبع، فأولًا، إن ما حدث ليس من صنعك أو صنع أختك، ولا دور لكما فيه، وأن ما حدث جريمة لا يُسأل عنها إلا مرتكبها، فأنت كنت طفلة صغيرة، وكذلك أختك لا تعي ما يحصل، ومن أين لكما وأنتما طفلتان أن تعلما ما يصلح وما لا يصلح! فأنتما لا تتحملان أي مسؤولية عما حدث، فلا تشعرا باللوم الذي قد يوحيه إليكما من ليس لديه خبرة في هذا الأمر.
أنا أقترح إنك إن وجدت صعوبة في التكيّف مع حياتك، وصعوبة في تجاوز ما حدث، فأنصحك بمراجعة أخصائية نفسية، حيث تتاح لك فرصة الحديث عما جرى، وتفرغين ما في نفسك من العواطف والمشاعر الكثيرة، وبشكل آمن، وإذا حصل ما حصل وأنت طفلة صغيرة، فأنت الآن في عمر المفروض أن تقرري ما هو الخير لك، ويمكن للأخصائية النفسية أن توفر لك العلاج النفسي المطلوب، مما يعينك على تحقيق ما تطلبين من الخيال والكتابة القصصية.
أرجو أن تفكري أولًا في علاج نفسك والتكيف مع ما حدث، ومن ثم يمكنك أيضًا التفكير في فتح الموضوع مع أختك الأصغر، ويمكنكما أن تعينا بعضكما وبشيء من الصراحة والشفافية، وتكونا مصدرًا للدعم والتشجيع، وإذا صعب عليك القيام بهذا فيمكن أيضًا أن تنصحي أختك بمراجعة أخصائية نفسية.
وفقك الله وأختك، وحفظكما من أي سوء، وأعانكما على تجاوز ما حدث، ويسّر لكما سبل النجاح والتوفيق.
- التصنيف:
- المصدر: