الإسلام واستقرار الأسرة

منذ 2015-07-12

ما عنيت شريعة من الشرائع السابقة بالأسرة كما عني بها الإسلام، فقد يسر لها الطرق والوسائل التي تحفظ أمنها وتديم استقرارها وكفل لها أيضًا بعض الأمور التي تمنع انهيارها أو تدميرها، ونحن في عصرنا الحالي حيث تكثر الفواحش وتعمّ الفتن، لابد وأن نعود مرة أخرى إلى هذا المعين الذي لا ينضب من القرآن والسنة وأقوال السلف الصالح والتي تنير لنا طريقنا لحفظ هذا الاستقرار المنشود.

السؤال:

هل هناك ضوابط في الشرع تصون الأسرة المسلمة؟

الإجابة:


ما عنيت شريعة من الشرائع السابقة بالأسرة كما عني بها الإسلام، فقد يسر لها الطرق والوسائل التي تحفظ أمنها وتديم استقرارها وكفل لها أيضًا بعض الأمور التي تمنع انهيارها أو تدميرها، ونحن في عصرنا الحالي حيث تكثر الفواحش وتعمّ الفتن، لابد وأن نعود مرة أخرى إلى هذا المعين الذي لا ينضب من القرآن والسنة وأقوال السلف الصالح والتي تنير لنا طريقنا لحفظ هذا الاستقرار المنشود.

والأمور التي وضعها الإسلام حفظًا لاستقرار الأسرة والمجتمع الإسلامي كله أكثر من أن تعد أو تحصى، نكتفي منها في هذه المقالة بأمرين شرعهما الله تعالى بغرض الحفاظ على كيان الأسرة من التفكك، وحرصًا على وحدة المجتمع المسلم، وصموده أمام التحديات الجسام التي تواجهها أمتنا الإسلامية كلها، والتي تواجهها بالأخص الأسرة المسلمة والتي باتت هدفًا واضحًا لمخططات التغريب والإفساد التي يقودها أعداء الإسلام من اليهود وأعوانهم.

1- تضييق منافذ الطلاق صيانة للحياة الزوجية وحفظًا للمجتمع: فقد وضع الإسلام مراحل للصلح بين الزوجين، حتى لا يكون القرار الأول عند الخلاف هو الطلاق، ومن هذه الخطوات أو المراحل (مستفاد من: سماحة الإسلام، أحمد محمد الحوفي، ص: [20-41]، بتصرف).

2ـ وضع سياسة التحكيم بين الزوجين المختصمين، بل نبّه إلى هذا التحكيم قبل أن يستفحل الشقاق وتبدو شروره، واختار الحكمين من أهل الزوجة ومن أهل الزوج؛ ليكونا أحرص على التوفيق، وأقدر على معرفة الدخائل، ونبّه الحكمين إلى أن يُخلصا في الرغبة في بقاء العلاقة الزوجية؛ ليهيئ الله لهما أسباب الصفاء؛ قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء:35].

3ـ نبّه الإسلام الزوجين على أن يجتهدا في إصلاح ما بينهما إذا حدث شقاق أو نزاع؛ قال تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} [النساء:128].

"والآراء مجمعة على أن المقصود الزوجة الدميمة أو المسنة التي تحس من زوجها إعراضه عنها، أو استعلاءه عليها، أو ميلًا إلى غيرها، فلا حرج عليها في أن تصالحه على ترك بعض حقوقها عليه، لتستعطفه وتستديم العلاقة" (تفسير الطبري [5 /196-199]).

4 ـ حذر الإسلام من الخضوع للنزوات والأهواء، والاستجابة للعاطفة؛ لأن العاطفة تتغلب وتتقلب، فقد يشعر الزوج نحو زوجته بنفرة، ولكنه إذا تريث لا تلبث أن تزول، ولهذا؛ لا يصح أن يلجأ إلى الطلاق استجابة لهذه النفرة الموقوتة؛ قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء:19]، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر» (رواه مسلم).

ومعنى هذا، أن الزوج قد ينقم من زوجته شيئًا وهو غافل عن محاسن فيها، فليتبصر قبل أن يقدم على الطلاق، فلعله يؤثر بقاءها، ولعل نفوره يزول.

وقد استشار رجل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في طلاق زوجته، فقال له عمر: "لا تفعل"، فقال الرجل: "ولكنني لا أحبها"، فقال له عمر: "ويحك، ألم تبن البيوت إلا على الحب، فأين الرعاية، وأين التذمم؟!" (في ظلال القرآن، سيد قطب، [2/76]).

وفي قول عمر هذا تلخيص لحرص الإسلام على الاستمساك بعقد الزوجية، الذي وصفه القرآن الكريم وصفًا يدل على عظمته في قوله تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء من الآية:21]؛ لأن الحياة الزوجية إذا فقدت الحب فإنها جديرة بألا تفقد التعاون والتكافل، وجديرة بألا تفقد التحرج من التفريق الذي يُشقِي الزوجة، ويُشقِي أولادها، وكثيرًا ما يَشقَى الزوج نفسه.

5 ـ وإذا كان لابد من الطلاق، فأحسن حالاته أن يكون طلقة واحدة في طهر، لم يمس الرجل زوجته فيه، وهذا هو معنى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق من الآية:1]؛ ذلك لأن الفترة التي بها حيض فترة ركود أو نفور، أو استجابة لنوازع الغضب، أما فترة الطهر؛ فهي الزمن الملائم للامتزاج والتفاهم والاتصال.

فإذا طلّق الرجل زوجته في الطمث، أو طلّقها في طهر مسها فيه، كان طلاقه بدعيًّا مخالفًا لما سنه الشرع الحكيم، كما قال بذلك بعض السلف ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ لأنه مخالف لما أذن الله به، ولأنه بدعة لا تزيل عقد الزواج الذي تيقن بالكتاب والسنة والإجماع، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رده وأبطله (زاد المعاد، ابن القيم، [4/72]، وهذا بخلاف قول الجمهور، الذي يرى وقوع الطلاق البدعي)، فإن رأى الزوج أن يُطلِّق زوجته بعد أن طلّقها في الطمث أو في طُهرٍ مسّها فيه ثم راجعها، كان عليه أن يُطلِّقها الطلاق المشروع.

6- إباحة التعدد بشرط العدل بين الزوجات وما فيه من محاسن عظيمة، منها على سبيل المثال:

1 ـ أن الزوجة ربما كانت مريضة بمرض عضال، لا هي تأمَل البُرأَ منه، ولا زوجها يتوقع شفاءها، وهي عاجزة عن تدبير شئون البيت، والقيام بحقوق الزوج، ثم هي مع ذلك كله فقيرة ليس لها مال تنفق منه إذا سرّحها زوجها، وليس لها عائل يقوم بأمرها، فهل من المروءة أن يطلقها زوجها؟

لا، إن المروءة تقضي بأن يبقيها في عصمته، ولكن هل من الإنصاف أن يبقيها في عصمته، وهو في حاجة قصوى إلى من يرعاه ويدبر شئونه، ويعصمه من الزلل، ويكفل له الذرية وزينة الحياة الدنيا؟ لا، إن هذا قضاء عليه بالشقاء، بل إنه شقاء للزوجة وله معًا.

وإنما الإنصاف أن يباح له الزواج بأخرى، ولذا؛ فإن المروءة والإنصاف معًا يقضيان في مثل هذه الحالة بإباحة التعدد.

2 ـ وقد تكون الزوجة عقيمًا، وكثيرًا ما تجهد في العلاج لتلد، فلا ينجح علاجها، وكثيرًا ما يشركها زوجها في الأخذ بأسباب الإنسال، ولكن جهدهما يذهب عبثًا.

فبمَ تقضي العدالة والفطرة؟ أتقضي بأن يقمع الرجل شوقه إلى أن يكون له ولد يبهج حياته، ويرثه من بعده، ويوهمه بأنه خالد فيه وفي ذراريه؟! أم تقضي بأن يتزوج بعد أن صبر على عقم زوجته زمانًا، ويئس من إنسالها؟

ولقد تكون كسابقتها معدمة، لا عائل لها، فمن الوفاء للعشرة، ومن النخوة، ومن المروءة ألا يطلقها، بل يحرص عليها ويرعاها.

3 ـ وفي أكثر الأمم وبخاصة في بعض الظروف يزيد عدد النساء على عدد الرجال زيادة ملحوظة، فإذا اقتصر كل رجل على زوجة واحدة؛ فإن الكثرة من الفتيات والنساء يقضين حياتهن عوانس أو أيامى، ومعنى هذا أنهن يحقدن على المتزوجات وعلى المتزوجين، ومعنى هذا أيضًا أن سياج العفة لا يلبث أن يصاب بندوب واضطراب.

وفي هذا ما فيه من شرور تصيب الزوجات أنفسهن؛ لأن أولئك يشتركن معهن في أزواجهن خفية وخلسة، وهو شرور لا ينجو منه الرجال أيضًا؛ لأن هؤلاء العوانس والأيامى يتصلن بالرجال بصلات من القرابة، فالذي يخدش سمعتهن يؤذي أقاربهن.

يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله في معرض كلامه عن محاسن التعدد: "إن الله أجرى العادة بأن الرجال أقل عددًا من النساء في أقطار الدنيا، وأكثر تعرُّضًا لأسباب الموت منهن في جميع ميادين الحياة، فلو قصر الرجل على واحدة، لبقي عدد ضخم من النساء محرومًا من الزواج، فيضطرون إلى ركوب الفاحشة فالعدول عن هدي القرآن في هذه المسألة من أعظم أسباب ضياع الأخلاق، والانحطاط إلى درجة البهائم في عدم الصيانة، والمحافظة على الشـرف والمروءة والأخلاق، فسبحان الحكيم الخبير" (أضواء البيان، الشنقيطي، [3/115]).

4 ـ ثم إن الرجل قادر على الإنسال إلى الستين وما بعدها، وقلما تلد المرأة بعد الخامسة والأربعين، فإذا كان قد تزوج في سن متأخرة، أو كان ممن يحبون كثرة الذرية، فمن التضييق عليه أن نحظر عليه الزواج بأخرى، على أنه صالح لأداء وظيفة النسل طوال أيام السنة، أما المرأة غير صالحة؛ لأن الحمل يعوقها عن النسل.

الخلاصة:

أن الإسلام وضع الكثير من الضوابط التي تصون الأسرة المسلمة وتحفظها من التفكك، لأن الأسرة هي عماد المجتمع وحصنه الحصين، وهذا من تمام عدل هذه الشريعة وكمالها وحرصها على ما ينفع البشر في حالهم ومآلهم.

المراجع:

1- سماحة الإسلام، أحمد محمد الحوفي.
2- أضواء البيان، الشنقيطي.
3- زاد المعاد، ابن القيم.
4- في ظلال القرآن، سيد قطب.
5- تفسير الطبري.


أم عبد الرحمن محمد يوسف
 

  • 3
  • 1
  • 41,263

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً