هل يجوز حجز محل في المسجد للصلاة؟
منذ 2008-04-03
السؤال: بعض المسلمين في بلد أجنبي يقولون: نحن نتحرى الخير، وبعضنا يتقدم إلى
المسجد يوم الجمعة وغيرها، وبعضنا يضع سجادته، أو عصاه، أو منديله في
موضع من الصف الأول، قريب من الإمام، ويخرج لحاجته، وربما بعث الرجل
ولده؛ ليضع له ذلك في الصف، فجاءنا شيخ وأنكر علينا ذلك. وقال: إنه
حرام، وقام يزيل ما يراه مفروشاً من سجادة، أو منديل، أو نحوه، وأفتى
الناس بإزالته، والصلاة في محله. ويقول: إنه مغصوب، وصار أخذٌ وَرَدٌ
في ذلك، فلهذا كتبنا لفضيلتكم؛ مؤملين إيضاح حكم هذه المسألة؛ لأنها
مما يهم الجميع، جزيتم خيراً.
الإجابة: المساجد بيوت الله، ومن سبق إلى محل فيها فهو أحق به من غيره، ولا
يجوز لأحد أن يحجز فيها محلاً دون أن يجلس فيه، وهو بحجزه هذا لا يسمى
سابقاً لغيره إلى ذلك المحل، بل هو ظالم بصنيعه هذا؛ لأن السبق
والتقدم إلى المسجد إنما يكون بالبدن لا بالفراش والوطاء.
ففعل هذا ومنع الناس من هذه البقعة -والحالة هذه- لا يجوز، بل هو ظلم، وغصب لتلك البقعة من المسجد بدون حق.
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " " (1).
وأيضاً فعمارة المساجد بطاعة الله فيها من الذكر والقراءة والصلاة، ومتحجر تلك البقعة مانع لتلك العمارة المعنوية المطلوبة شرعاً، ولا يبعد دخوله تحت قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ الله أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} (2) الآية.
ولم يكن من عادة السلف الصالح وضع تلك المفارش، وتحجير المساجد، بل أنكروه، وعدوه بدعة في الدين، كما يروى عن مالك أنه أمر بحبس عبد الرحمن بن مهدي حين فرش مصلاه في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. فقال: "أما علمت أن هذا في مسجدنا بدعة".
وقال ابن الحاج في (المدخل): ليس للإنسان في المسجد إلا موضع قيامه وجلوسه وسجوده، وما زاد على ذلك فلسائر المسلمين، فإذا بسط سجادته وزاد يكون غاصباً لذلك القدر الزائد من المسجد، فيقع بسبب ذلك في الحرام المتفق عليه، المنصوص عن صاحب الشريعة حين قال: " "، إلى أن قال: فإن بعث بسجادته إلى المسجد في أول الوقت -أو قبله- ففرشت له، وقعد هو إلى أن امتلأ المسجد، ثم يأتي، كان غاصباً لذلك الموضع الذي وضعت السجادة فيه؛ لأنه ليس له أن يحجزه، وليس لأحد فيه إلا موضع صلاته.
وقال الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله في (الفتاوى المصرية): وأمّا ما يفعله كثير من الناس من تقديم المفارش إلى المسجد في أول الوقت -أو قبله- فتفرش له، ويقعد هو إلى أن يمتلئ المسجد بالناس، ثم يأتي، كان غاصباً لذلك الموضع الذي وضعت السجادة فيه؛ لأنه ليس له أن يحجزه، وليس لأحد فيه إلا موضع صلاته.أ.هـ.
وقال الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله أيضاً في (الفتاوى المصرية): وأما ما يفعله كثير من الناس من تقديم المفارش إلى المسجد يوم الجمعة، أو غيرها قبل ذهابهم إلى المسجد، فهذا منهي عنه باتفاق المسلمين، بل هو محرم. وهل تصح صلاته على ذلك المفروش؟ فيه قولان للعلماء... إلى أن قال: فإذا قدم المفروش، وتأخر فقد خالف الشريعة من وجهين: من وجهة تأخره، وهو مأمور بالتقدم، ومن وجهة غصبه لطائفة من المسجد، ومنع السابقين إلى المسجد من الصلاة فيها، وأن يتموا الصف الأول فالأول، ثم إنه يتخطى رقاب الناس إذا حضر. وفي الحديث: " " (3)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل كان يتخطى: " ".
ثم إذا فرش: فهل لمن سبقه أن يرفع ذلك ويصلي موضعه، فيه قولان للعلماء: أحدهما: ليس له ذلك؛ لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه، والثاني وهو الصحيح: أن لغيره رفعه والصلاة مكانه؛ لأن هذا السابق يستحق الصلاة في الصف المتقدم، وهو مأمور بذلك أيضاً، ولا يتمكن من فعل هذا المأمور إلا برفع ذلك المفروش، وما لا يتم المأمور إلا به فهو مأمور به أيضاً، فذلك المفروش وضع في مكان على وجه الغصب، وذلك منكر. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " " (4)، لكن ينبغي أن يراعى في ذلك أن لا يئول إلى منكر أعظم منه.
وأما إقامة غيره من مكانه والجلوس فيه، فهذا حرام؛ لما روى ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه (متفق عليه) (5)، ولأن المساجد بيوت الله، والناس فيها سواء، فمن سبق إلى مكان فهو أحق به؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " " (6).
فإن قدّم صاحبًا له فجلس حتى إذا جاء قام صاحبه وأجلسه مكانه فلا بأس؛ لأن النائب يقوم باختياره، وروي أن محمد بن سيرين كان يرسل غلاماً له يوم الجمعة فيجلس في مكانه، فإذا جاء قام الغلام وجلس محمد. فإن لم يكن نائباً فقام باختياره فلا بأس؛ لأنه قام باختياره، وأما إذا قام الرجل من موضعه لعارض لَحِقَه، ثم عاد إليه قريباً، فهو أحق به؛ لما روى مسلم (7): " "، والله أَعْلَمُ.
___________________________________________
1 - البخاري (2453)، ومسلم (1612).
2 - سورة البقرة: الآية (114).
3 - أخرجه أحمد (3/ 437)، والترمذي (513)، وابن ماجه (1116)، والطبراني في الكبير (20/ 189)، من طريقين: ابن لهيعة ورشدين بن سعد كلاهما عن زبان بن فائد، عن سهل بن معاذ بن أنس، عن أبيه، به، مرفوعاً، وابن لهيعة ورشدين فيهما مقال مشهور، وزبَّان بن فائد: ضعفه أحمد وابن معين وابن الجوزي والذهبي وابن حجر. وقال فيه ابن حبان: منكر الحديث، ينفرد عن سهل بن معاذ بنسخة كأنها موضوعة، لا يحتج به.
4 - أخرجه مسلم (49).
5 - البخاري (6269)، ومسلم (2177) بنحو هذا اللفظ.
6 - أبو داود (3071)، والبيهقي (6/ 142)، والطبراني في الكبير (1/ 280) من حديث أم الجنوب بنت نميلة، عن أمها سويدة بنت جابر، عن أمها عقيلة بنت أسمر، عن أبيها أسمر ابن مضرس مرفوعا، به. قلت: أم الجنوب، قال الذهبي فيها: لا تعرف، وكذا قال الحافظ ابن حجر: لا يعرف حالها. وكذا سويدة وأمها عقيلة. قال الذهبي في كل منهما: لا تعرف.
7 - مسلم (2179) من حديث أبي هريرة.
ففعل هذا ومنع الناس من هذه البقعة -والحالة هذه- لا يجوز، بل هو ظلم، وغصب لتلك البقعة من المسجد بدون حق.
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " " (1).
وأيضاً فعمارة المساجد بطاعة الله فيها من الذكر والقراءة والصلاة، ومتحجر تلك البقعة مانع لتلك العمارة المعنوية المطلوبة شرعاً، ولا يبعد دخوله تحت قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ الله أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} (2) الآية.
ولم يكن من عادة السلف الصالح وضع تلك المفارش، وتحجير المساجد، بل أنكروه، وعدوه بدعة في الدين، كما يروى عن مالك أنه أمر بحبس عبد الرحمن بن مهدي حين فرش مصلاه في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. فقال: "أما علمت أن هذا في مسجدنا بدعة".
وقال ابن الحاج في (المدخل): ليس للإنسان في المسجد إلا موضع قيامه وجلوسه وسجوده، وما زاد على ذلك فلسائر المسلمين، فإذا بسط سجادته وزاد يكون غاصباً لذلك القدر الزائد من المسجد، فيقع بسبب ذلك في الحرام المتفق عليه، المنصوص عن صاحب الشريعة حين قال: " "، إلى أن قال: فإن بعث بسجادته إلى المسجد في أول الوقت -أو قبله- ففرشت له، وقعد هو إلى أن امتلأ المسجد، ثم يأتي، كان غاصباً لذلك الموضع الذي وضعت السجادة فيه؛ لأنه ليس له أن يحجزه، وليس لأحد فيه إلا موضع صلاته.
وقال الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله في (الفتاوى المصرية): وأمّا ما يفعله كثير من الناس من تقديم المفارش إلى المسجد في أول الوقت -أو قبله- فتفرش له، ويقعد هو إلى أن يمتلئ المسجد بالناس، ثم يأتي، كان غاصباً لذلك الموضع الذي وضعت السجادة فيه؛ لأنه ليس له أن يحجزه، وليس لأحد فيه إلا موضع صلاته.أ.هـ.
وقال الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله أيضاً في (الفتاوى المصرية): وأما ما يفعله كثير من الناس من تقديم المفارش إلى المسجد يوم الجمعة، أو غيرها قبل ذهابهم إلى المسجد، فهذا منهي عنه باتفاق المسلمين، بل هو محرم. وهل تصح صلاته على ذلك المفروش؟ فيه قولان للعلماء... إلى أن قال: فإذا قدم المفروش، وتأخر فقد خالف الشريعة من وجهين: من وجهة تأخره، وهو مأمور بالتقدم، ومن وجهة غصبه لطائفة من المسجد، ومنع السابقين إلى المسجد من الصلاة فيها، وأن يتموا الصف الأول فالأول، ثم إنه يتخطى رقاب الناس إذا حضر. وفي الحديث: " " (3)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل كان يتخطى: " ".
ثم إذا فرش: فهل لمن سبقه أن يرفع ذلك ويصلي موضعه، فيه قولان للعلماء: أحدهما: ليس له ذلك؛ لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه، والثاني وهو الصحيح: أن لغيره رفعه والصلاة مكانه؛ لأن هذا السابق يستحق الصلاة في الصف المتقدم، وهو مأمور بذلك أيضاً، ولا يتمكن من فعل هذا المأمور إلا برفع ذلك المفروش، وما لا يتم المأمور إلا به فهو مأمور به أيضاً، فذلك المفروش وضع في مكان على وجه الغصب، وذلك منكر. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " " (4)، لكن ينبغي أن يراعى في ذلك أن لا يئول إلى منكر أعظم منه.
وأما إقامة غيره من مكانه والجلوس فيه، فهذا حرام؛ لما روى ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه (متفق عليه) (5)، ولأن المساجد بيوت الله، والناس فيها سواء، فمن سبق إلى مكان فهو أحق به؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " " (6).
فإن قدّم صاحبًا له فجلس حتى إذا جاء قام صاحبه وأجلسه مكانه فلا بأس؛ لأن النائب يقوم باختياره، وروي أن محمد بن سيرين كان يرسل غلاماً له يوم الجمعة فيجلس في مكانه، فإذا جاء قام الغلام وجلس محمد. فإن لم يكن نائباً فقام باختياره فلا بأس؛ لأنه قام باختياره، وأما إذا قام الرجل من موضعه لعارض لَحِقَه، ثم عاد إليه قريباً، فهو أحق به؛ لما روى مسلم (7): " "، والله أَعْلَمُ.
___________________________________________
1 - البخاري (2453)، ومسلم (1612).
2 - سورة البقرة: الآية (114).
3 - أخرجه أحمد (3/ 437)، والترمذي (513)، وابن ماجه (1116)، والطبراني في الكبير (20/ 189)، من طريقين: ابن لهيعة ورشدين بن سعد كلاهما عن زبان بن فائد، عن سهل بن معاذ بن أنس، عن أبيه، به، مرفوعاً، وابن لهيعة ورشدين فيهما مقال مشهور، وزبَّان بن فائد: ضعفه أحمد وابن معين وابن الجوزي والذهبي وابن حجر. وقال فيه ابن حبان: منكر الحديث، ينفرد عن سهل بن معاذ بنسخة كأنها موضوعة، لا يحتج به.
4 - أخرجه مسلم (49).
5 - البخاري (6269)، ومسلم (2177) بنحو هذا اللفظ.
6 - أبو داود (3071)، والبيهقي (6/ 142)، والطبراني في الكبير (1/ 280) من حديث أم الجنوب بنت نميلة، عن أمها سويدة بنت جابر، عن أمها عقيلة بنت أسمر، عن أبيها أسمر ابن مضرس مرفوعا، به. قلت: أم الجنوب، قال الذهبي فيها: لا تعرف، وكذا قال الحافظ ابن حجر: لا يعرف حالها. وكذا سويدة وأمها عقيلة. قال الذهبي في كل منهما: لا تعرف.
7 - مسلم (2179) من حديث أبي هريرة.
عبد الله بن عبد العزيز العقيل
كان الشيخ عضوا في مجلس القضاء الأعلى ومن هيئة كبار العلماء في المملكة. توفي رحمه الله عام 1432هـ .
- التصنيف: