الفطر في رمضان بسبب العمل الشَّاق
عندنا عمال في الشَّرِكة، يعملون في الشمس أعمال الأسمنت والحَفْر وغيرها، وسيأتي رمضان إن شاء الله والعَمَلُ سَيَسْتَمِرُّ على هذا الحال، فهل يَجُوز لهم الفطر، إذا شقَّ الصِّيام عليهم؟ وماذا يجب عليهم؟ وبعض العمال يفطر بحُجَّة أن غيره قد أفطر، مع أنَّ عَمَلَه غيرُ شاقٍّ؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقد ورد سؤال مشابه للجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية، فأجابت بالآتي:
"منَ المعلوم مِن دين الإسلام بالضَّرورة: أنَّ صيام شهر رمضان فَرْضٌ على كل مُكَلَّف، ورُكْنٌ مِن أركان الإسلام، فعَلَى كلِّ مُكَلَّفٍ أن يحرصَ على صيامِه؛ تحقيقًا لِمَا فَرَضَ اللهُ عليه؛ رجاء ثوابه، وخوفًا من عقابه، دون أن ينسى نصيبه منَ الدنيا، ودون أن يُؤْثِرَ دُنياه على أُخْرَاه، وإذا تَعَارَض أداء ما فرضه الله عليه من العبادات مع عَمَلِه لِدُنياه، وَجَبَ عليه أن يُنَسِّقَ بينهما؛ حتى يَتَمَكَّنَ منَ القيام بهما جميعًا، ففي المثال المذكور في السؤال، يجعل الليل وقتَ عمله لدنياه، فإن لم يَتَيَسَّرْ ذلك أخذ إجازة من عمله شهرَ رمضان، ولو بدون مُرَتب، فإن لم يتيسر ذلك، بَحَثَ عن عملٍ آخر، يمكنه فيه الجَمْع بين أداء الواجبينِ، ولا يُؤْثِر جانب دُنْياه على جانب آخرته؛ فالعَمَل كثيرٌ، وطُرُق كسب المال ليستْ قاصِرةً على مثل ذلك النوع منَ الأعمال الشَّاقَّة، ولن يُعْدَم المسلم وَجْهًا من وُجُوه الكسب المُبَاح، الذي يمكنه معه القيام بما فَرَضَه الله عليه من العبادة بإذن الله: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 2، 3].
وعلى تقدير أنَّه لم يجدْ عملاً دون ما ذكر مما فيه حَرَج، وخشي أن تأخذه قوانينُ جائرة، وتفرض عليه ما لا يَتَمَكَّن معه من إقامة شعائر دينه، أو بعض فرائضه - فَلْيَفِرَّ بدينه مِن تلك الأرض إلى أرض يَتَيَسَّر له فيها القيام بواجب دينه ودنياه، وَيَتَعَاوَن فيها مع المسلمينَ على البِرِّ والتَّقوى، فأرضُ الله واسِعة؛ قال الله تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء: 100]، وقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]، فإذا لم يَتَيَسَّرْ له شيء من ذلك كله، واضْطُرَّ إلى مثل ما ذُكر في السؤال منَ العَمَل الشَّاق - صام حتى يحسَّ بمبادئ الحرج، فيتناولَ منَ الطعام والشراب ما يحول دون وُقُوعه في الحرج، ثم يُمسكَ، وعليه القَضَاء في أيام يسهل عليه فيها الصِّيام".اهـ.
"فتاوى اللَّجنة الدَّائمة للبُحُوث العلميَّة والإفتاء" (10 / 234 - 236). انتهى، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: