حكم التعاقد مع شركات (ضمان الحياة)
عندنا هنا إذا ماتَ المُسلم فإنَّ المتعارف عليه هو نقلُه لبَلَدِه الأصليّ، لعدم وجود مقابرَ خاصَّة للمسلمين، وهذا ما يكلّف من النَّاحية المادّيَّة أموالاً كثيرة، قد لا يستطيعُها أغلبُ النَّاس هنا.
فليجأ البعضُ إلى الدّخول مع التَّأمينات، هو وجَميع أسرته، وفي حالةِ ما إذا تُوُفِّي أحد أفراد الأسرة فإنَّ شركة التَّأمين تتكفَّل بتكاليف نقْلِه إلى بلده الأصليّ بدون أن تكلّف المشترك مالا زائدًا، وهذا من مصلحةِ حفظ الموتى في المستشفى إلى البلد الأصلي.
وطبعًا هذا يكون عن طريق دفعِ اشتِراكٍ سنويّ أو شهريّ بِحسب ما يَقتضيه العقد.
وبعض الشَّركات تقترِح ما يسمَّى (ضمان الحياة) (Assurance vie)، وهذا منتشرٌ جدّا. فيرثُ أفراد الأسرة مالاً، إذا ما تُوُفّي صاحب العقد [وهو هدفُ أغلب مَن يشترك، بحجَّة أن سيترك لأولاده مالاً يحتاجون إليه].
فما حكم التَّعاقُد مع هذه الشَّركات؟
والبعضُ الآخَر يلجأُ إلى بعض الجمعيَّات، عن طريق اشتِراك سنويّ، وفي حالة وفاة المشتَرِك فإنَّ الجمعية تتكفَّل بنقله إلى بلدِه الأصلي، مع العلم أنَّ الاشتراك قد يطول لسنوات كثيرة.
فما حكم الاشتِراك في هذه الجمعيَّات؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن السائل الكريم قد ذكر في سؤاله ثلاث صور يستخدمها المسلمون في الغرب لنقل موتاهم لبلدانهم الأصلية.
الصورة الأولى: الاشتراك مع شركات التَّأمين لتتكفَّل بتكاليف نقْلِ الموتى لبلدهم الأصليّ نظير اشتراك محدد، وهذه الصورة غير جائز؛ لأن التأمين في تلك البلاد الأصل فيه أن يكون من التأمين التجاري المحرم، وقد سبق بيان الأوجه الكثيرة لحرمته ومنعه في الفتويين: "أسهم شركات التأمين".
الصورة الثانية: (ضمان الحياة) وهذا أيضا غير جائز لأشتمال العقد على المحاذير الشرعية الموجودة في التأمين التجاري، وتراجع بالتفصيل في فتوى: "حكم التأمين على الحياة".
الصورة الثالثة: الاشتِراك السنويّ مع بعض الجمعيَّات لتتكفَّل بالعمل المذكور، فإن كانت تلك الجمعيات تستخدم نفس طريقة التَّأمين التّجاري المشار إليها سابقًا؛ والتي تتلخص في دفع مبلغٍ من المال لمدَّة مَجهولة –قد تطول أو تقصر- في مقابل عملٍ ما، فهذه صورة باطلة كما سبق بيانه في الفتاوى المحال عليها؛ لأن مِن شروط صحَّة العقد أن تكون الأجرة معلومة وكذلك العوض؛ ومن ثمَّ فقد نصَّ الفقهاء على بطلان العقود المشتمِلة على الجهالة والغرَر؛ فقد يدفع الإنسان اشتراكًا أو اثنين ثم يُتَوفى فتتكلف الجمعية مبالغ أكثر بكثير مما أخذت منه، وقد يكون العكس، تطول مدة دفع الأقساط لسنوات كثيرة ولا ينتفع بها المشترك؛ وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29]، فالعقود المباحة هي التي لا غرَر فيها ولا جهالة ولا ضرَر بأحدِ الطَّرفيْن، ويتأكد التحريم إذا كانت تلك الجمعية تستثمر أموالها في البنوك الربوية المحرَّمة.
أما إن كان عمل تلك الجمعية قائم على المسامحة والارفاق وليس على المشاحة والمشارطة، فقد أفتى بجواز ذلك بعض أهل العلم بناء على أن التأمين التعاوني بديل عن التأمين التجاري.
ولكن البديل الحقيقي يكمن في قيام المسلمين في تلك البلاد بإنشاء صندوقٍ تعاونيٍّ لهذا الغرض، يتبرع كلّ شخص بمبلغٍ معيَّن شهريًّا أو سنويًّا على سبيل التبرع والتعاون لنفع النفس والغير كما هو الحال في التَّأمين التّجاري، ويتبرَّع الموسرون لغيرهم مِمَّن لا يَجدون ما يدفعونَه؛ فيدخل في عقود التبرّعات، التي لا يقصد المشتركون من ورائِها ربحًا، ولكن يقصد منه المواساة والإرفاق والتَّعاون على البرّ والتَّقوى المأمور به في قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 3]،، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: