واجبات الدعاة نحو الحجيج
كما يعلم فضيلتكم بأن الحج شعيرة عظيمة يجتمع فيها مئات الألوف من المسلمين من أصقاع الأرض، مما يُحتم على العلماء والدعاة الاستفادة من اجتماعهم في أشرف مكان بدعوتهم وتبصيرهم بأمور دينهم وتصحيح ما لحق بعقائد بعضهم من شوائب.
لذا رأت مجلة الدعوة ـ ملحق الدعاة الشهري ـ طرح موضوع الدعوة في الحج في تحقيق صحفي والذي من ضمن محاوره (توجيهات العلماء الشرعية). أملين مشاركتنا في هذا الموضوع بالكتابة عن النقاط التالية أو ما تيسر لكم منها وهي:
1ـ واجب الدعاة في الحج، مع بيان أهم الأمور التي ينبغي للداعية التركيز عليها في دعوته.
2ـ حث الدعاة على المشاركة في وسائل الإعلام المختلفة لبيان مناسك الحج.
3ـ حث الدعاة على المشاركة في مؤسسات الطوافة ـ بالاستفادة من المترجمين عند الحاجة ـ والمشاركة في حملات الحجاج.
4ـ حث أصحاب الحملات ومؤسسات الطوافة على اصطحاب العلماء والدعاة لتبصير الحجاج بأمور دينهم.
5ـ مقترحاتكم للمسؤولين في وزارة الشؤون الإسلامية حول توجيه الحجاج وتبصيرهم بأحكام هذه الشعيرة.
6ـ محاور أخرى ترغبون التحدث عنها في هذا الموضوع؟
لا شك أن مناسك الحج ومشاعره من أفضل الأعمال والبقاع في ذلك الزمان الذي يتوافد إليه الحُجاج من كل فج عميق، ولا شك أن الكثير منهم يجهلون أغلب شعائر الدين؛ حيث عاشوا في جوانب من البلاد نازحين عن سماع القرآن والذكر والعلم منشغلين بأمور حياتهم وبتحصيل معاشهم، كما أن كثيرًا من الوافدين قد تأثروا بدعايات أهل الضلال والبدع، ووقعوا في الشركيات واعتقدوا الكثير من البدع والمحدثات التي تُنافي ما دل عليه القرآن والحديث وسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم- وسيرة أصحابه وأتباعه فلذلك نقول:
أولا: يجب على الدُعاة في مواسم الحج أن يُعلموا ويُبينوا للناس ما يخفى عليهم وما يجهلونه؛ فيشرحون لهم أركان الإسلام ويبينون لهم أركان الإيمان وما تستدعيه تلك الأركان من الأعمال التي هي ثمرة الإيمان، وهكذا على الدُعاة تتبع أولئك الوافدين والتأكد من سلامة عقائدهم وتحذيرهم من الشرك ووسائله ودعوة الأموات والاعتقاد في أهل القبور، وكذا التحذير من البدع التي ينتحلها الكثير ممن يتسمى بالإسلام سواء في العقيدة كالتعطيل والجبر ونفي القدر وسب الصحابة سيما الخُلفاء الأربعة، وكذا البدع العملية كإحياء الموالد والزيادة في العبادات بما لم يشرعه الله ورسوله، فإن ذلك من واجب كل عالم أعطاه الله القُدرة على البيان وحرم عليه الكتمان.
ثانيًا: يجب على الدُعاة المشاركة في وسائل الإعلام كالإذاعة المسموعة والمرئية والمقروءة كالصحافة، وذلك ببيان مناسك الحج لمن يجهلها حتى يعرف الحُجاج كيفية أداء هذه المناسك، وما يجب أن يعملوه في المشاعر، وتحذيرهم من دُعاء غير الله سواء في الطواف أو السعي أو يوم عرفة، وكذا تحذيرهم من تعظيم البقاع كالتمسّح بكسوة البيت أو زجاج الحجر و المقام أو غار حراء أو جبل الرحمة وما أشبه ذلك.
ثالثًا: على الدُعاة المشاركة مع المُطوفِين ومع أصحاب الحملات حيث يجتمع في تلك الحملات والمؤسسات الخلق الكثير الذين يحملون عقائد سيئة، وأفكارًا منحرفة توقعهم في الغلو والشرك الذي يُحبط الأعمال ويُسبب دخول النار، فمتى اشترك الدُعاة مع المُطوفين مُستفيدين من المُترجمين المأمونين فإنهم بلا شك يؤثرون بإذن الله؛ لأن أولئك الوافدين يعترفون بالجهل غالبًا، كما يعترفون بالعلم الصحيح لأهل هذه البلاد التي هي مهبط الوحي ومنبع الرسالة، فيقبلون قولهم ويتأثرون بهم في أمر العقيدة ويقبلون إرشاداتهم وتوجيهاتهم؛ حيث إن أكثر القائمين على تلك الحملات وتلك المؤسسات قصدهم دُنيوي يُريدون الاستفادة من أولئك الوافدين ماديًا، ويقتصرون على إسكانهم وإطعامهم وإنزالهم في المشاعر دون توجيه لهم أو تعليم أو تحذير ظنًا منهم أنه يكفي العمل ولو كان فيه شيء من الخلل والنقص، فمتى اشترك أولئك الدُعاة المُخلصون مع تلك المؤسسات والحملات رُجي بهذا الاشتراك التأثير على أولئك الوفود بحيث يرجعون إلى بلادهم وقد تغير ما عندهم من الاعتقاد من سيئ إلى حسن ومن حسن إلى أحسن، ويؤثرون كذلك فيمن ورائهم كما قال تعالى: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}.
رابعًا: يجب على أصحاب الحملات والمُطوفين اصطحاب العُلماء والدُعاة لتبصير الحُجاج بأمور دينهم، وتعليمهم ما يحتاجون إليه في مناسكهم وأعمالهم، فإن كثيرًا من أصحاب الحملات يعتقدون أن أولئك الذين صحبوهم لا يخفى عليهم شيء من أمور المناسك ولا من أمور العبادة؛ فتراهم يقتصرون على إسكانهم في المُخيمات ونقلهم إلى المشاعر دون أن يُعلموهم ما يقولون وما يفعلون وما يلزمهم من العبادات في تلك المشاعر المفضلة، وهذا فيه خلل فليس كل من صحبهم يكون عارفًا لما يجب فعله أو يجب تركه، وما يلزم ما فعل محذورًا أو ترك واجبًا أو ما أشبه ذلك.
خامسًا: لا شك أن واجب وزارة الشؤون الإسلامية من ذلك كبير وكذلك وزارة الحج، وقد أحسنت وزارة الشؤون الإسلامية في تأسيس التوعية الإسلامية في الحج وإكثار فروعها ولكن نقول إن الأمر بحاجة إلى زيادة عدد الدُعاة والمُعلمين سيما في المشاعركعرفة و مزدلفة و منى بحيث يتجول أولئك الدُعاة على المُخيمات ويتفقدون أعمالهم ويبينون لهم ما يجب فعله وما يحرم فعله وما يتم به الحج وما ينقص ثوابه، وكذلك يتفقدون الوافدين من الدول البعيدة الذين هم على جهل كبير بأمور دينهم والذين يعتقدون عقائد مُنحرفة، فمتى تتبعهم الدُعاة بواسطة هذه الوزارة وغيرها حصل بذلك الخير الكثير.
سادسًا: لا شك أن الكثير من الذين يشتركون في مواسم الحج عندهم القُدرة والمعرفة والعلم الكافي فيما يتعلق بأركان الإسلام وشعائر الدين، وبالحلال والحرام، فواجب على أولئك أن يقوموا بقدر جُهدهم بالبيان والإيضاح لما عندهم حتى لا يكونوا من الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهُدى، كما أن هناك أثرياء عندهم القُدرة المالية على طبع الرسائل والمطويات وتوزيعها على المُسلمين في تلك المشاعر، وكذلك تسجيل المُحاضرات والفوائد العلمية وبث أشرطتها على ما ينتفع بها، وترجمتها إلى عدة لغات حتى يُعذر هؤلاء، وحتى تنقطع الحجة، ولله الحجة البالغة، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: