عذاب القبر للجسد الرُّوح. وكيْف يعذَّب الجنَّ والشَّياطين بالنَّار؟
السَّلام عليْكم ورحْمة الله وبركاته،
في القبر، هل الجسد الَّذي يعذَّب أم الرُّوح؟
معروف أنَّ الجنَّ والشَّياطين مخلوقاتٌ من النَّار، فكيْف يعذَّبون بنفْس ما خلقوا منْه: النار؟
جزاكم الله الفِردوس الأعلى.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ عذاب القبْر يقع على الرُّوح والجسد معًا؛ على الصَّحيح من أقْوال أهْل العلم؛ لما في الصَّحيحَين، ومسند أحْمد، وأبي داود، والنَّسائي، من حديث أنسٍ: أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: « »، وغيره من الأدلَّة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحِمه الله -: "العذاب والنَّعيم على النَّفس والبدَن جميعًا باتِّفاق أهل السنَّة والجماعة، تُنعَّم النَّفس وتعذَّب منفرِدة عن البدن، وتعذَّب متَّصلة بالبدن، والبدن متَّصل بها، فيكون النَّعيم والعذاب عليْهِما في هذه الحال مُجتمعين، كما يكون للرُّوح منفرِدة عن البدن، وهل يكون العذاب والنَّعيم للبدَن بدون الرُّوح؟ هذا فيه قوْلان مشهوران لأهْل الحديث والسنَّة والكلام، وفي المسألة أقْوالٌ شاذَّة، ليْست من أقوال أهل السنَّة والحديث".
إلى أن قال: "فاعلم أنَّ مذهب سلف الأمَّة وأئمَّتها: أنَّ الميت إذا مات يكونُ في نعيم أو عذاب، وأنَّ ذلك يحصُل لروحه ولبدنِه، وأنَّ الروح تبقى بعد مفارقة البدَن منعَّمة أو معذَّبة، وأنَّها تتَّصل بالبدن أحيانًا فيحْصل له معها النَّعيم والعذاب، ثمَّ إذا كان يوم القيامة الكبرى أُعيدتِ الأرْواح إلى أجسادِها، وقاموا من قبورِهم لربِّ العالمين، ومعاد الأبْدان متَّفق عليْه عند المسلِمين واليهود والنصارى، وهذا كلُّه متَّفق عليه عند علماء الحديث والسنَّة، وهل يكون للبدَن دون الرُّوح نعيم أو عذاب؟ أثبتَ ذلك طائفةٌ منهم، وأنكَرَهُ أكثرهم".
والجن مَخلوقونَ من نارٍ؛ كما قال تعالى: {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ} [الحجر: 27]، وقال: {وَخَلَقَ الجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ} [الرحمن: 15].
أمَّا عذاب كافِرِهم بالنَّار، فثابتٌ أيضًا بنصِّ القُرآن الكريم؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الجِنِّ وَالإِنسِ} [الأعراف: 179]، وقال سبحانه: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 85]، ولا يَعْني كونُهم مخلوقين من نارٍ بقاءَهم على أصْل خَلْقهم، فالإنْسان خُلِق من تُراب، ثم بعد إيجادِه جعله الله لحمًا ودمًا،، ولو رُمِي بالتُّراب لآذاه، ولو ضرب بطين يابس لربما قتله، ولو عذِّب به بالدَّفن فيه، لاخْتنق، وكذلِك الجانُّ خُلِق من نارٍ، ثمَّ صار بعد ذلك إلى طبيعةٍ أُخْرى - الله أعلم بها - تُؤَثِّر فيه النَّارُ ويعذَّب بها؛ ولكن يمكن القوْل بأنَّ في الجنِّ صفاتٍ من صفات النَّار؛ كالخفَّة والطَّيش والرعونة، وأنَّ للبشر صفاتٍ من صفات التُّراب؛ كالثِّقَل والثَّبات والرَّصانة.
قال ابن عقيل في كتابه "الفنون": "اعلم أنَّ الله - تعالى - أضاف الشَّياطين والجنَّ إلى النَّار حسب ما أضاف الإنْسان إلى التُّراب والطِّين والفخَّار، والمراد به في حقِّ الإنسان: أنَّ أصْله الطِّين، وليس الآدمي طينًا حقيقةً؛ ولكنَّه كان طينًا، كذلِك الجانُّ كان نارًا في الأصْل، بدليلِ قوْل النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: « »، ومَن يكون نارًا مُحْرقةً، كيف يكون لعابه أو ريقه باردًا، أو له ريقٌ أصْلاً؟!
وممَّا يدلُّ على أنَّ الجنَّ ليْسوا بباقين على عُنْصُرِهم النَّاري: قوْل النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: إ « »، وبيان الدّلالة منْه: أنَّهم لو كانوا باقِينَ على عُنْصُرِهم النَّاري، لَما احتاجوا إلى أن يأتيَ الشَّيطان أو العِفْرِيتُ منهم بشُعلةٍ من نار، ولكانتْ يدُ الشَّيْطان أو العِفْريت أو شيءٍ من أعضائِه، إذا مسَّ ابنَ آدم أحْرَقه، كما تُحْرِق الآدميَّ النَّار الحقيقيَّة بمجرَّد المسِّ". اهـ،،
والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: