عمل الأب بمصنع سجائر وموقف الأبناء

منذ 2015-12-07
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

آبائي وإخواني الكرام، أنا في بلاءٍ شديد، والسبب أبي؛ فهو يعمل في شركةٍ لصناعة الدخان والسجائر، وأنا أعلم أن العمَل فيها حرام، ولكن علمْتُ هذا مؤخَّرًا، ونصَحْتُه بتَرْك العمَل، ولكنَّه لَم يسْتَجِبْ، وأنا أخاف من أكْل الحرام؛ لأن هذا هو مصْدر رِزْق أبي الوحيد.

ماذا أفعل: هل أترك البيت، وأمتنع من العيش في هذا البيت؟ أو ماذا أفعل؟

دلوني أرجوكم، وجزاكم الله خيرًا

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:

فإنَّ التدخين مُحرَّم؛ لكونه خبيثًا، يشتمل على أضرار كثيرةٍ، ومفاسدَ عظيمةٍ، وقد بيَّنَّا ذلك في فتوى: "حكم التدخين".

ولهذا؛ فلا يجوز العمل في شركات الدخان ولو لَم يباشر العامل فيها الصناعة أو البيع؛ لأنَّ ذلك من التعاوُن على الإثم والعدوان، وقد قال الله تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2].

وروى أحمد وأبو داود وابن حبان في
"صحيحه" عن ابن عباس أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ الله إذا حرَّم على قومٍ أَكْلَ شيءٍ، حرَّم عليهم ثمنه».

وعليه؛ فالواجبُ عليك أن تنصحَ والدك بأن يسارعَ إلى تَرْك هذا العمل، والبحث عن عمل آخر، وأن تذكره بقول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3].

أمَّا أكلك مِنْ مال والدك، فاعلم أنه إن لَم يكنْ للوالد مصدرٌ آخر للرزق غير هذا، كما هو الظاهر من كلامكَ - فلا يجوز لكَ الأكل منه؛ إن كان بإمكانك الإنفاق على نفسك، أمَّا إن لَم يكن ذلك بإمكانك، فيجوز لك الأكل من مال والدك بالقدْر الذي تدفع به الضرورة عن نفسك، ويلزمك البحث عن عمل تُنفق به على نفسك، ولا ننصحك بترك منزل والدكَ؛ لأن ما يترتب عليه من ضرر في دينك ودنياك، وقطع رحمك يفوق ما أنت فيه؛ والواقع خير شاهد على ذلك وراجع فتوى: "زوْجي يتعامَل بِالرِّبا".

قال الشيخ ابن عُثيمين - رحمه الله -: "إذا كان مكسب الوالد حرامًا، فإنَّ الواجب نصْحه، فإما أن تقوموا بنُصحه بأنفسكم إن استطعتم إلى ذلك سبيلاً، أو تستعينوا بأهل العلم ممن يمكنهم إقناعه، أو بأصحابه؛ لعلهم يقنعونه حتى يتجنَّب هذا الكسْب الحرام، فإذا لم يتيسرْ ذلك، فلكم أن تأكلوا بقدْر الحاجة، ولا إثم عليكم في هذه الحالة، لكن لا ينبغي أن تأخذوا أكثر من حاجتكم؛ للشبْهة في جواز الأكْل ممن كسْبه حرام". اهـ،،

والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 1
  • 1
  • 16,021

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً