الدعاء في السجود، والجمع بين أكثر من ذكر

منذ 2016-08-18
السؤال:

السلام عليكم،،،

أنا قرأتُ هذا الحديثَ عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أقربُ ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء»، هل يجوز الدعاء بأمر دنيوي أثناء السجود؟ وهل يكون الدعاء بعد قول سبحان ربي الأعلى 3 مرات؟

وعندي سؤال: في كتاب "حصن المسلم"، يوجد أكثر من دعاء للسجود والركوع غير سبحان ربي الأعلى، وسبحان ربي العظيم، هل يجوز قولهُا؟ 

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فإن الدعاء - حال السجود – مشروعٌ، بل إن السجود يُعتبر من مواطن إجابة الدعاء التي ينبغي تحريها، والاجتهادُ في الدعاء فيها؛ فقد جاء في "صحيح مسلمعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فَأَمَّا الركوع، فعظموا فيه الربَّ - عز وجل - وأما السجود، فاجتهدوا في الدعاء، فَقَمِنٌ أن يستجاب لكم».

ولِما أخرجه مسلمٌ، وغيره، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أقربُ ما يكونُ العبد من ربه وهو ساجد؛ فأكثروا الدعاء».

وذهب جمهور الفقهاء إلى جواز كل دعاء دنيوي ما لم يكن إثمًا، أو قطيعة رحم، واتفقوا على أن الدعاء بالمأثور أفضلُ من غيره.

ودليل الجواز: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ثم لْيَتَخَيَّرْ من الدعاء أعجَبَهُ إليه»؛ متفق عليه، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ثم لْيَتَخَيَّرْ من المسألة ما شاء، وما أحبَّ»؛ رواه مسلم.

قال ابن حجر - في "فتح الباري" (3 / 239) -: "واستُدل به على جواز الدعاء - في الصلاة - بما اختار المصلِّي من أمر الدنيا والآخرة".

قال ابن بطال (4 / 51): "اختلف العلماء في هذا الباب، فقال مالكٌ، والشافعيُّ، وجماعةٌ: لا بأس أن يدعو الرجل في صلاته بما شاء من حوائج الدنيا، وقال أبو حنيفةَ: لا يجوز أن يدعو في الصلاة إلا بما يوجد في القرآن، وهو قول النخعيِّ، وطاوس...، ولو كان لا يجوز الدعاء إلا بما في القرآن، ما ترك - عليه السلامُ - بيانَ ذلك، ولقال: ثم ليدعُ بما شاء مما في القرآن، فلما عَمَّ جميع الدعاء، لم يُخَصَّ بعضه إلا بدليل...، وقد كان - عليه السلام - يدعو في سجوده: «أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك»، وهذا مما ليس في القرآن، فسقط قول المخالف، وَرُوِىَ عن ابن سيرين، أنه قال: يجوز الدعاء في المكتوبة بأمر الآخرة، فأما الدنيا، فلا، فقال ابن عون: أليس في القرآن: {وَاسْأَلُوا اللهَ مِن فَضْلِهِ} [النساء: 32]؟، فسكت". اهـ. باختصار يسير.

قال ابن قدامة - في "المغني" (2 / 453) -: "وهذا هو الصحيح - إن شاء الله تعالى - لظواهر الأحاديث".

أما قول ذكرٍ آخرَ - في السجود أو الركوع - مما صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير سبحان ربي الأعلى وسبحان ربي العظيم، فهو مستحب، مثل ما صح عند مسلم: «سُبُّوحٌ قُدُّوٌس ربُّ الملائكة والروحِ».

وفي "الصحيحين": «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي»، وكان يكثر منه في ركوعه وسجوده، يتأول القرآن.

وروى مسلم: «اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين».

وعند مسلم: «اللهم اغفر لي ذنبي كله، ودقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره».

وروى أبو داود والنسائي: «سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة»، وغير ذلك مما تجده في كتب السنة.

وإنما اختلفوا في تَعَيُّن: "سبحان ربي العظيم"، و"سبحان ربي الأعلى"، عند من قال بوجوب التسبيح في الركوع والسجود.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – في "مجموع الفتاوى": "فالمشهور عن أحمدَ، وإسحاقَ، وداودَ، وغيرهم، وُجُوبُهُ، وعن أبي حنيفة، والشافعي، استحبابه، والقائلون بالوجوب: منهم من يقول: يتعين "سبحان ربي العظيم"؛ للأمر بهما؛ وهو قول كثير من أصحاب أحمد، ومنهم من يقول: بل يذكر بعض الأذكار المأثورة.

والأقوى أنه يتعين التسبيح إما بلفظ: "سبحان"، وإما بلفظ: "سبحانك"، ونحو ذلك؛ وذلك أن القرآن سماها: "تسبيحًا"، فدل على وجوب التسبيح فيها، وقد بينت السنة أن محل ذلك الركوعُ والسجودُ؛ كما سماها الله: "قرآنًا"، وقد بينت السنة أن محل ذلك القيام. وسماها: "قيامًا"، و "سجودًا"، و "ركوعًا"، وبينت السنة علة ذلك ومحله. وكذلك التسبيح، يسبح في الركوع والسجود.

وقد نقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول: «سبحان ربي العظيم» ، و «سبحان ربي الأعلى»، وأنه كان يقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي»، و «سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت»، وفي بعض روايات أبي داود: «سبحان ربي العظيم وبحمده»، وفي استحباب هذه الزيادة عن أحمد روايتان.

وفي صحيح مسلم، عن عائشة: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول - في ركوعه وسجوده -: سبوح قدوس رب الملائكة والروح»، وفي السنن: «أنه كان يقول: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة»، فهذه كلها تسبيحات. وقد عُلِمَ أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يداوم على التسبيح بألفاظ متنوعة.

وقوله: «اجعلوها في ركوعكم»، و «في سجودكم»، يقتضي أن هذا محلٌ لامتثال هذا الأمر، لا يقتضي أنه لا يقال إلا هي، مع ما قد ثبت أنه كان يقول غيرها.

والجمع بين صيغتَيْ تسبيحٍ بعيدٌ، بخلاف الجمع بين التسبيح والتحميد والتهليل والدعاء؛ فإن هذه أنواع، والتسبيح نوع واحد، فلا يُجْمع فيه بين صيغتين". اهـ. مختصرًا.

أما توقيت الدعاء في السجود، فلا نعلم في ذلك سنة مؤقتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فالأمر فيها واسع، فله أن يدعو، ثم يسبح، أو العكس،،

والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 26
  • 3
  • 167,773

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً