المعاريض مندوحة عن الكذب
هل يجوز لي إذا سألني أحد، وقال: كم معك من المبلغ؟ قلت له: معي 10 ريالات - وهو هذا المبلغ الذي في جيبي الآن - وفي الأساس معي في البنك مبلغ آخر؟ فهل هذه تعتبر كذبة أم لا؟ وفي الأساس أنا لا أريد أن أخبره بذلك.
أفيدونا؛ جزاكم الله خيرًا،،
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن إيهامك للمتكلم بأن معك مبلغًا من المال، ويوجد غيره في مكان آخر، هو نوع من التعريض، وليس كذبًا، ويمكن للمسلم إذا دعته الحاجة أن يلجأ إلى ذلك؛ ففي المعاريض مندوحة عن الكذب، وهو أن يقول القائل كلامًا يحتمل معنيين يظهر منهما معنىً يتوهمه السامع، ولكن القائل يريد المعنى الآخر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى":
"تباح عند الحاجة الشرعية "المعاريضُ"، وقد تسمى كذبًا؛ لأن الكلام يَعْنِي به المتكلم معنىً، وذلك المعنى يريد أن يُفْهِمَهُ المخاطبَ، فإذا لم يكن على ما يعنيه، فهو الكذب المحض، وإن كان على ما يعنيه، ولكن ليس على ما يَفْهَمُهُ المخاطبُ، فهذه المعاريض، وهي كذب باعتبار الأفهام، وإن لم تكن كذبًا باعتبار الغاية السائغة، ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم –: « »، وهذه الثلاثة معاريض؛ وبها احتج العلماء على جواز التعريض للمظلوم، وهو أن يعني بكلامه ما يحتمله اللفظ، وإن لم يَفْهَمْهُ المخاطبُ.
وقال الإِمام النَّوَوي - في "الأذْكَار" (1 / 482) -:
"واعلم أن التوريةَ والتعريضَ معناهما: أن تُطلقَ لفظًا هو ظاهرٌ في معنىً، وتريدُ به معنىً آخر يتناوله ذلك اللفظ، لكنه خلافُ ظاهره، وهذا ضربٌ من التغرير والخداع، قال العلماء: فإن دعتْ إلى ذلك مصلحةٌ شرعيةٌ راجحةٌ على خداعِ المخاطب، أو حاجة لا مندوحةَ عنها إلا بالكذب، فلا بأس بالتعريض، وإن لم يكن شيءٌ من ذلك، فهو مكروهٌ وليس بحرام، إلا أن يُتوصَّل به إلى أخذ باطل، أو دفع حقٍّ، فيصيرُ - حينئذ - حرامًا، هذا ضابطُ الباب". اهـ.
وننبه الأخ السائل إلى أنه لا ينبغي الإكثار من المعاريض؛ حتى لا تَجُرَّ صاحبها إلى الكذب الصريح.
- التصنيف:
- المصدر: