زوجي يسرقني، ماذا أفعل؟

منذ 2019-09-15

فيجب عليك شرعًا النفقة على الأولاد والزوج بما تستطيعين، والمشاركة مع الزوج في نفقات المنزل، وهذا الحكم من محاسن الشريعة الغراء، أن تنتقل النفقة للزوجة إذ عجز الزوج عنها، وهذا بمفرده كاف في حل مشكلة أخذ المال بغير إذنك..

السؤال:

اشك في زوجي يسرقني السلام عليكم، زوجي طيب وحنون الا انه لا يملك حسن التصرف في كثير من الامور وخاصة الماليه لدرجه وضع نفسه في ديون لا ترحمه وضائقه ماليه نعاني منها جميعا. كنت دائما اجد فلوسي ناقصه واشك في الخدم وبمجرد ما اكتشف النقص واكون حزينه القاه يركض ويحاول يسدد النقص في المبالغ الي احتفظ فيها لاستخدامي الشهري من راتبي. مؤخرا كان عندي مبلغ امانه من احدى قريباتي موجود عندي في خزنة البيت وكنت برجعه لصاحبته ثاني يوم وهو يعلم بذلك. في يوم التسليم وجدته ناقص سألته هل اخذت المال. قالي نعم وكنت ناوي ارجعه. طيب ليش تاخذه من وراي. وليش تحطني امام الامر الواقع. ماتخبرني انك محتاج عشان اتصرف. نعم وضعي المالي افضل منه بقليل لكن هل انا ملزومه بتحمل المسئوليه. وهل يحق له الاخذ بدون الاستئذان. صرت اشك فيه اكثر واشك ان اي شي ناقص من قبل يمكن يكون له يد فيه. علموني كيف اتصرف معاه

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فالشريعة الإسلامية حفظت أموال الناس حتى بين الزوجين، فلا يحل مال أحد إلا بطيب نفس منه،  فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]، فالشارع الحكيم جَعَلَ أَخْذَ أموالِ الناسِ بغيرِ حقٍّ إثمًا عظيمًا، وذنبًا جسيمًا، يُوجِبُ عَلَى صاحبه التوبةَ إلى الله توبةً نصوحًا،  وروى أحمدُ، وأصحابُ السنن - وصححه الحاكم -: أن رسول الله - صلى الله ‏عليه وسلم - قال: "عَلَى اليَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ".

ولم يجز أخذ أموال الغير سواء كانوا أقارب أم أباعد إلا إذا سمحن به عن رضا واختيار؛ كما روى أحمد وغيره عن أبى حرة الرقاشى عن عمه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل مال امرىء مسلم إلا بطيب نفس منه ".

وهذا الشرط موجود حتى بين الأزواج، قال الله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4].

أما ما يجب عليك فعله، فإن الشريعة الإسلامية أوجبت على الزوجة النفقة على الزوج والأبناء إن كانت مستطيعة وموسرة، إذا عجز الزوج عن النفقة؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233]، أي وارث الطفل، فأوجب الله عليه مثل ما يجب على الأب من النفقة، وهو أصح قولي أهل العلم في المسألة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "جامع المسائل":

"فإنه لما ثبت بالنص والإجماع أنه إذا اجتمع الأبوان كانت النفقة على الأب، علم أن العصبة في ذلك يقدم على غيره، وإن كان وارثًا بفرض، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد، وعلم أن قوله: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233]، هو الوارث المطلق، وهو العاصب إن كان موجودًا، لأن عمر جبر بني عم منفوس على نفقته، وهذه الآية صريحة في إيجاب نفقة الصغير على الوارث العاصب، وقال بها جمهور السلف، وليس لمن خالفها حجة أصلاً". اهـ.

وقال في مجموع الفتاوى (34/ 134):

"إذا كان الابن في حضانة أمه فأنفقت عليه تنوي بذلك الرجوع على الأب، فلها أن ترجع على الأب في أظهر قولي العلماء، وهو مذهب مالك وأحمد في ظاهر مذهبه الذي عليه قدماء أصحابه؛ فإن من أصلهما أن من أدى عن غيره واجبًا رجع عليه وإن فعله بغير إذن، مثل أن يقضي دينه أو ينفق على عبده أو يخشى أن يقتله العدو". اهـ.

وقال ابن قدامة في "المغني"(8/ 212): "إن أعسر الأب، وجبت النفقة على الأم، ولم ترجع بها عليه إن أيسر، وقال أبو يوسف ومحمد: ترجع عليه.

ولنا، أن من وجب عليه الإنفاق بالقرابة، لم يرجع به، كالأب". اهـ.

وقال أبو محمد بن حزم الظاهري في "المحلى"(114/ 10): "إن عجز الزوج عن نفقة نفسه، وامرأتُه غنية، كلفت النفقة عليه، ولا ترجع عليه بشيء مما أنفقته إن أيسر؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233]، قال علي رضي الله عنه: "الزوجة وارثة، فعليها نفقته بنص القرآن". اهـ.

 إذا تقرر هذا، فيجب عليك شرعًا النفقة على الأولاد والزوج بما تستطيعين، والمشاركة مع الزوج في نفقات المنزل، وهذا الحكم من محاسن الشريعة الغراء، أن تنتقل النفقة للزوجة إذ عجز الزوج عنها، وهذا بمفرده كاف في حل مشكلة أخذ المال بغير إذنك، ورافع للحرج عن الزوج؛ وتأملي كيف أن الله تعالى جعل في الزواج التقاء لشطري النفس الواحدة، ولا يكون هذا إلا بالعمل والتضحية والبذل والصبر، لتتحقق الحكمة من الزواج، من سكن النفس، وهدوء العصب، وطمأنينة للروح، وراحة للجسد؛ قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].

فالله تعالى كما خلق لنا من أنفسنا أزواجًا، أودع في أنفسنا العواطف والمشاعر الجميلة، وجعل فيها الصلة والسكن، وراحة القلب، واستقرار الحياة، كما قال الله تعالى:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [النحل: 72]، قال الله تعالى:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} [النحل: 80].

قال السعدي في تفسيره (ص: 639):

"فحصل بالزوجة الاستمتاع واللذة، والمنفعة بوجود الأولاد وتربيتهم، والسكون إليها، فلا تجد بين أحد في الغالب مثل ما بين الزوجين من المودة والرحمة".

هذا؛ والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 3
  • 6
  • 26,184

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً