لله لا للوطن "١" • إنَّ المرءَ مجبولٌ على حبِّ الديار التي وُلد أو عاش فيها، فهذه محبّة فِطريّة ...

لله لا للوطن "١"

• إنَّ المرءَ مجبولٌ على حبِّ الديار التي وُلد أو عاش فيها، فهذه محبّة فِطريّة لا يجحدُها إلا من انحرفتْ فطرتُه، ومثلُ هذا الحبِّ، كباقي أنواع المحابِّ الفطرية التي جُبل الإنسان عليها، ليس بمحظور ولا مكروه، لكنْ بشرط أن لا تتجاوز المحابُّ حدَّها، ولا تتعارض مع ما أمر الله به ونهى، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: ٢٤]، فمحبّة الإنسان للنفس والأهل والعشيرة والمال والموطن محبّة طبيعية لم يحرّمها الشّرع ما لم تتجاوز حدّها، ومجاوزة الحدّ هنا هو تقديم هذه المحابّ على محبّة الله ورسوله والجهاد في سبيله، ومن أشكال المجاوزة في حبّ البلاد ضلالة "الوطنية" الخبيثة التي انتشرت بين أبناء الإسلام.

• الوطنيّة بنتُ القوميّة:

القوميّة لغةً من (القوم)، وقومُ الرجل: شيعتُه وعشيرتُه، أما القوميّة اصطلاحاً فهي رابطة للمجتمع تربط بين مجموعة من البشر يشتركون بخصائص وصفات مشتركة، كاللغة أو اللون أو العرق أو التاريخ... إلخ. فالقوميّة من المناهج الجاهليّة المنحرفة التي غزت ديار الإسلام، حيث كانت نابتةُ القوميّة من أُولى معاول الهدم التي دكّت أسس العقيدة الإسلامية، وجعلت من الانتماء للقوميّة -العربيّة أو الخليجيّة أو الإفريقيّة أو التركيّة... أو غيرها- أساساً للاجتماع والولاء والنّصرة! ومن رَحِم هذه "القوميّة" الخبيثة وُلدتْ "الوطنية" المقيتة، فمبدؤهما واحد وحكمُهما واحد.

• حُكْمُ الوطنيّة في الإسلام:

بحسب ما عُرضَ آنفاً مِنْ أنَّ الوطنيّة تعني ترك عقيدة الولاء والبراء الإسلاميّة وإحلال عقيدة الولاء والبراء الوطنيّة؛ فإنَّ الوطنية كفرٌ أكبرُ مخرجٌ من الملّة، وكلُّ مَن اعتنقها أو دعا لها أو عمل لأجلها فهو مرتدٌّ عن دين الإسلام، والنقطة التالية ستبيّن جانباً من ذلك.

• بعضُ مفاسدِ دينِ الوطنيّة:

أولا: الوطنية شركٌ بالله تعالى: الوطنية دينٌ باطلٌ، ومنهجٌ جاهليٌّ يدعو لاتخاذ الوطن وثناً وطاغوتاً يُعبد من دون الله، فهي تُلزم الناس بالعمل لها وحدها، والتضحية والقتال في سبيلها، وصرف البغض والبراء لكل خارج عن حدود أرضها وإن كانوا أولياء لله، وصرف الحبّ والولاء لكل داخل في حدودها وإنْ كانوا من أعظم الناس كفراً وأغلظهم شركاً؛ وهي بهذا تكون نداً معبوداً من دون الله، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: ١٦٥].

ثانياً: الوطنية تنقضُ عقيدةَ الولاء والبراء: ذلك أنَّ أصل الولاء والبراء في الإسلام قائمٌ على المفاصلة والمفارقة بين المسلمين وغيرهم على أساس الدّين، كما قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: ٥٥]، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ} [المائدة: ٥٧]، أما الوطنيّون فالموالاة عندهم قائمة على أساس الانتماء للأرض التي تحيطها حدود الوطن، وهذا يلزم منه إزالة الفوارق التي وضعها اللهُ سبباً شرعياً للمفاصلة مع الكفار، وتلك مصادمة صريحة لنصوص الشّرع الصّحيحة، قال تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: ١٣٨-١٣٩].

• مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 5
مقال: "لله لا للوطن"
السنة السابعة - السبت 2 صفر 1437 هـ
...المزيد

[ من كرر صحيح البخاري أكثر من عشرين مرة ] ‌ 1 - الإمام المحدث الزاهد حسين ‌بن ‌محمد ‌بن ...

[ من كرر صحيح البخاري أكثر من عشرين مرة ]


‌ 1 - الإمام المحدث الزاهد حسين ‌بن ‌محمد ‌بن ‌حيون بن فيّاره الصدفي أبو علي المعروف بابن ‌سُكَّرة القاضي. والمتوفى شهيداً في عام 415هـ.
جاء في ترجمة صهره موسى بن سعادة أن الفقيه أبا محمد عاشر بن محمد حكى أن الصحيحين البخاري ومسلم سُمِعَا على أبي علي نحو ستين مرة.[1]

2 - الإمام، الحافظ، الناقد، المجود، أبو بكر غالب بن عبد الرحمن ابن غالب بن تمام بن عطية المحاربي، الأندلسي، الغرناطي، المالكي. المعروف بابن عطية الأندلسي. والمتوفى سنة 542هـ.
قال ابن بشكوال: وكان حافظاً للحديث، وطرقه، وعلله. عارفاً بأسماء رجاله ونقلته، منسوباً إلى فهمه، ذاكراً لمتونه ومعانيه. وقرأت بخط بعض أصحابنا أنه سمع أبا بكر بن عطية يذكر أنه كرر صحيح البخاري سبع مائة مرة...[2]

3 - الْهَاشِمِي الْقصّار ‌يُونُس ‌بن ‌يحيى ‌بن ‌أبي ‌الْحسن ‌بن ‌أبي ‌البركات بن أَحْمد ابْن حَمْزَة بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن مُوسَى بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس ابْن عبد الْمطلب. أَبُو مُحَمَّد الْهَاشِمِي الْقصار. المتوفى سنة 608هـ.
قَالَ محب الدّين بن النجار: سمعته يَقُول حدثت بِصَحِيح البُخَارِيّ سِتا وَثَلَاثِينَ مرّة....[3]

‌ 4 - عُثْمَان ‌بن ‌مُحَمَّد ‌بن ‌عُثْمَان ‌بن ‌أبي ‌بكر. الشَّيْخ الإِمَام الْمُقْرِئ الْفَقِيه الزَّاهِد مُفِيد الديار المصرية. فَخر الدّين، أَبُو عَمْرو المغربي التوزري ثمَّ الْمصْرِيّ الْمَالِكِي، المجاور، المتوفّى سنة 713هـ.
ذكر أَنه قَرَأَ صَحِيح البُخَارِيّ أكثر من ثَلَاثِينَ مرّة على أكثر من ثلاثين شيخاً،.[4]

5 - مسند الدّنيا شهاب الدّين ‌أحمد ‌بن ‌أبي ‌طالب ‌بن ‌نعمة ‌بن ‌حسن الصّالحي الحجّار ابن الشّحنة. المتوفى سنة 730هـ. انفرد بالرواية عن الحسين الزّبيدي، وبين سماعه للصحيح وموته مائة سنة.
قرئ عليه صحيح " البخاري " أكثر من ستين مرة، وقيل: بضعاً وسبعين مرة.[5]

‌ 6 - جلال ‌الدّين ‌أسعد ‌بن ‌محمد ‌بن ‌محمود ‌الشّيرازي ‌الحنفي. المتوفى سنة 803هـ. اشتغل على الشيخ شمس الدّين السّمرقندي، والشمس الكرماني، وقرأ عليه «صحيح البخاري» أكثر من عشرين مرة.[6]

7 - أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عبد الله ‌بن ‌مقبل ‌الزين، ‌القاهري، الْحَنَفِيّ، وَيعرف بالتاجر. المتوفى سنة 805هـ.
قَالَ الْبُرْهَان الْحلَبِي أَنه أخبرهُ أَنه قَرَأَ صَحِيح البُخَارِيّ إِلَى سنة ثَمَانِينَ خمْساً وَتِسْعين مرّة وقرأه بعد ذَلِك مرَارًا كَثِيرَة.[7]

‌ 8 - إِبْرَاهِيم ‌بن ‌مُحَمَّد ‌بن ‌صديق بن إِبْرَاهِيم بن يُوسُف برهَان الدّين الدِّمَشْقِي، الشَّافِعِي، الصُّوفِي، الْمُؤَذّن بالجامع الْأمَوِي بِدِمَشْق، نزيل الْحرم، بل يُقَال لَهُ المجاور بالحرمين، وَيعرف بِابْن صِدِّيق، وبابن الرسّام وَهِي صَنْعَة أَبِيه، وَرُبمَا قيل لصَاحب التَّرْجَمَة: الرسّام، وَكَانَ أَبوهُ أَيْضاً بواب الظَّاهِرِيَّة بِدِمَشْق. توفي سنة 806هـ.
قُرِئَ عَلَيْهِ البُخَارِيّ بمدينة حَلَب أَربع مرار، وبمكة أَزِيد من عشْرين مرّة.[8]

‌ 9 - محمد ‌بن ‌يعقوب ‌بن ‌محمد ‌بن ‌إبراهيم ‌بن ‌عمر، أبو طاهر، مجد الدين الشيرازي الفيروزآبادي صاحب "القاموس المحيط": من أئمة اللغة والأدب. توفي سنة 817هـ.
قال عبد الحي الكتاني: ووجدت في ثبت الشهاب أحمد بن قاسم البوني: " رأيت خط الفيروزبادي في آخر جزء من صحيح الإمام البخاري قال: إنه قرأ صحيح البخاري أزيد من خمسين مرة ".[9]

‌ 10 - سُلَيْمَان ‌بن ‌إبراهيم ‌بن ‌عمر بن علي بن عمر بن نَفِيس الدَّين العكي العدنانى الزبيدى التعزي الحنفي. المتوفى سنة 825هـ.
ذكر أنه مَرّ على صحيح البخاري مائة وخمسين مرة ما بين قراءة وسماع وإسماع ومقابلة.[10]

‌ 11 - عبدُ ‌الرَّحيمِ ‌بنُ ‌عبدِ ‌الكَريمِ ‌بنِ ‌نصرِ ‌اللهِ بنِ سعدِ الله ابنِ الخطيبِ أبي حامدِ ابنِ الطاهرِ بن عمرَ بنِ خليفةَ ابنِ الوليِّ أبي محمَّدٍ عبدِ الله بَنِ أحمدَ، الشَّرفُ أبو السَّعاداتِ ابنُ كريمِ الدِّينِ ابنِ كمالِ الدِّينِ القُرشيّ، البكريَّ، الجيانيُّ، الجرهيُّ، الشافعيُّ. المتوفى سنة 828هـ.
كان كثير المسموعات والشيوخ حَتَّى إنه سمع البُخَارِيّ على نَيف وَسبعين شَيخاً من قبل الْخمسين إِلَى بعد السّبْعين، وصحيح مُسلم على عشرَة فَأكْثر، وكمل لَهُ سَماع الْكتب السِّتَّة والموطأ ومسند الشَّافِعِي والدارمي وَغَيرهَا.[11]

‌ 12 - أحمد ‌بن ‌عثمان ‌بن ‌محمد ‌بن ‌عبد ‌الله، المسند المعمر المحدث، شهاب الدين الكلوتاتي، الحنفي. المتوفى سنة 835هـ.
قرأ صحيح البخاري نحواً من خمسين مرة.[12]
وقيل: إنه قَرَأَ البُخَارِيّ أَكثر من سِتِّينَ مرّة، وشيوخه فِيهِ نَحْو من ذَلِك إِلَى غَيره من الْكتب الْكِبَار والمعاجم والمشيخات وَالْمَسَانِيد والأجزاء مِمَّا لَا ينْحَصر.[13]

13 - إبراهيم بن مُحَمَّد بن خَلِيل ‌الْبُرْهَان ‌الطرابلسي، الأَصْل الشامي المولد وَالدَّار الشافعي. والمتوفى سنة 841هـ.
قرأ البخاري أكثر من ستين مرة، ومسلماً نحو العشرين سوى قراءته لهما في الطلب أو قراءتهما من غيره عليه.[14]

‌ 14 - عبد ‌الله ‌بن ‌أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد، السَّيِّد أصيل الدّين بن أَمَام الدّين بن شمس الدّين بن قطب الدّين بن جلال الدّين الْحُسَيْنِي ‌الأيجي الشَّافِعِي، نزيل مَكَّة وَمن بَيت الصفى والعفيف الأيجيين، وَيعرف بالسيد أصيل الدّين. المتوفى سنة 904هـ.
نقل السَّيِّد جمال الدّين الْمُحَدِّث عَن أستاذه السَّيِّد أصيل الدّين أَنه قَالَ: قَرَأت صَحِيح البُخَارِيّ نَحْو عشْرين وَمِائَة مرّة ‌فِي ‌الوقائع ‌والمهمات ‌لنَفْسي وَلِلنَّاسِ الآخرين فَبِأَي نِيَّة قرأته حصل الْمَقْصُود وَكفى الْمَطْلُوب.[15]

15 - الشيخ العالم المحدّث عناية الله الكشميري، أحد العلماء المبرزّين في المعقول والمنقول ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، المتوفى سنة 1125هـ.
قرئ عليه "صحيح البخاري" سِتّاً وثلاثين مرّة.[16]

16 - العلامة المحدِّث أبي عبد الله محمد التاودي ابن سودة المرِّي الفاسي ت (1209) من كتاب ((فِهْرس الفهارس)) للكتاني أنه:
كان مُثابرًا على إقراء ((صحيح البخاري)) حتى جاوزت ختماتُه الأربعين مرة، فلم يكن يدعه، لا سيما في شهر رمضان، يفتتحه في أول يومٍ منه، ويختمه آخره. وله عليه حاشية تسمَّى بـ ((زاد المجد الساري)) نحو أربع مجلدات.
وأقرأ أيضاً صحيح مسلم كثيراً...
وأقرأ ((الألفية)) في النحو نحوًا من ثلاثين مرَّة، وربما أقرأها في الشهر الواحد بَدْءًا وخَتْمًا.
وأقرأ ((مختصر خليل)) نحو ثلاثين مرة.
وغيرها الكثير.


17 - العلامة الفقيه المحدث النسابة الصوفي صالح علماء فاس وحامل راية المذهب المالكي على كاهله أبي المواهب جعفر بن إدريس الكتّاني الحسني المتوفى بفاس سنة 1323هـ عن نيف وسبعين سنة.
ختم الصحيح بالزاوية الكتانية بفاس أزيد من عشرين مرة.[17]

18 - الإمام المُحَدِّث المحقق الجهبذ القدوة الزاهد محمد يونس بن شَبّير أحمد بن شير علي الجَوْنْفوري السَّهَارَنْفوري، شيخ الحديث في جامعة مظاهر العلوم بسَهَارَنْفور، وشارح صحيح البخاري وغيره، بل أحد أبرز المتخصصين فيه منذ دهر. والمتوفى سنة 1438هـ.
أتم تدريس البخاري خمسين دورة، سوى ما قرئ عليه في أسفاره في الحجاز وإنجلترا وغيرهما.[18]

إعداد: محمد علي حميسان عفا الله تعالى عنه.
..................................

[1] التكملة لكتاب الصلة 2/177، ومعجم أصحاب القاضي أبي علي الصدفي 1/188.
[2] الصلة لابن بشكوال: 433، وتذكرة الحفاظ: 4/45، وسير أعلام النبلاء: 19/586.
[3] الوافي بالوفيات: 29/188.
[4] والوافي بالوفيات: 19/334، وانظر: البداية والنهاية: 18/133، وأعيان العصر: 3/228، والدرر الكامنة: 3/262.
[5] أعيان العصر وأعوان النصر للصفدي: 1/405، ومعجم الشيوخ للسبكي: 62، والبداية والنهاية: 18/327، والوافي بالوفيات: 8/142.
[6] شذرات الذهب: 9/44، وإنباء الغمر بأبناء العمر: 2/157.
[7] الضوء اللامع: 11/79، بتصرف.
[8] الضوء اللامع: 1/147، بتصرف.
[9] فهرس الفهارس. 2/1046.
[10] إنباء الغمر بأبناء العمر: 3/286، والضوء اللامع: 3/259، وشذرات الذهب: 9/274، والبدر الطالع: 1/265.
[11] الضوء اللامع: 4/181، والتحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة: 4/340.
[12] المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي: 1/388.
[13] الضوء اللامع: 1/378، والتنبيه والإيقاظ: 137.
[14] البدر الطالع بمحاسن مَن بعد القرن السابع للشوكاني: ص 1/28 والضوء اللامع لأهل القرن التاسع": 1/144.
[15] فهرس الفهارس للكتاني: 2/1045، والحطة في ذكر الصحاح الستة، لصدِّيق حسن خان: 179.
[16] الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام المسمى بـ (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر: 6/769، والبدور المضية في تراجم الحنفية: 13/192.
[17] فهرس الفهارس والأثبات: 1/186.
[18] من مقال على النت لتلميذه الشيخ محمد زياد التكلة.
...المزيد

[ حكم أخذ الأجرة على أعمال القربة، كالأذان والحج وتعليم القرآن الكريم والعلوم الشرعية ] ...

[ حكم أخذ الأجرة على أعمال القربة، كالأذان والحج وتعليم القرآن الكريم والعلوم الشرعية ]

اختلف العلماء في هذه المسألة إلى قولين:
الأول: عدم الجواز، وهو مذهب المتقدمين من أتباع أبي حنيفة،[1] وأحمد في أصح الروايتين.[2]
قال محمد بن الحسن: "قال أبو حنيفة: لا يجوز أن يستأجر الرجل رجلاً ليُعلِّم له ولده القرآن أو يستأجر الرجل الرجل يؤمهم في رمضان. وكذلك لا تجوز الإجارة على الأذان ولا على تعليم القرآن ولا على الصلاة".[3]
قال الكاساني في بدائع الصنائع: " ولا يصح الاستئجار على تعليم العلم؛ لأنه فرض عين ولا على تعليم القرآن عندنا".[4]
وقال في منار السبيل: " لا تصح الإجارة لأذان، وإقامة، وتعليم قرآن، وفقه، وحديث، ونيابة في حج، وقضاء ولا يقع إلا قربة لفاعله، ويحرم أخذ الأجرة عليه".[5]
ودليل أصحاب هذا القول ما يلي:
1 - عن عثمان بن أبي العاص –رضي الله عنه- قال: إن من آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن "اتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجرا"[6].
قال الترمذي: حديث عثمان حديث حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرا، واستحبوا للمؤذن أن يحتسب في أذانه.
2 - عن أبي بن كعب –رضي الله عنه- قال: علّمت رجلاً القرآن، فأهدى إليّ قوساً، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "إن أخذتها أخذت قوسا من نار"، فرددتها.[7]
3 - عن عبادة بن الصامت –رضي الله عنه- قال: علمت ناساً من أهل الصفة الكتابة والقرآن، فأهدى إلي رجل منهم قوسا فقلت: ليست لي بمال، وأرمي عنها في سبيل الله، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إن سرك أن تطوق بها طوقاً من نار فاقبلها ".[8]
4 – عن عبد الرحمن بن شبل الأنصاري –رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اقرءوا القرآن، ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به ".[9]
5 -ولأن القربة متى وقعت كانت للعامل فلا يجوز له أن يأخذ الأجر على عمل وقع له.[10]
6 -ولأن التعليم مما لا يقدر عليه المعلم إلا بمعنى من جهة المتعلم فيكون ملتزما ما لا يقدر على تسليمه فلا يجوز.[11]
7 – ولأن الاستئجار على الأذان، والإقامة، والإمامة، وتعليم القرآن والعلم سبب لتنفير الناس عن الصلاة بالجماعة وعن تعليم القرآن والعلم؛ لأن ثقل الأجر يمنعهم عن ذلك، وإلى هذا أشار الرب - جل شأنه - في قوله عز وجل: ﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ ﴾ [الطور: 40] فيؤدي إلى الرغبة عن هذه الطاعات وهذا لا يجوز وقال – تعالى: ﴿ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [يوسف: 104] أي على ما تبلغ إليهم أجرا وهو كان - صلى الله عليه وسلم - يبلغ بنفسه وبغيره بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا فليبلغ الشاهد الغائب"[12]، فكان كل معلم مبلغاً فإن لم يجز له أخذ الأجر على ما يبلغ بنفسه لما قلنا؛ فكذا لمن
يبلغ بأمره؛ لأن ذلك تبليغ منه.[13]

القول الثاني: الجواز.
وهذا مذهب مالك،[14] والشافعي،[15] ورواية عن أحمد،[16] وهو المختار عند متأخري الحنفية.[17]
قال في جامع الأمهات: " وتجوز الإجارة على الأذان وعلى الأذان والصلاة معا، وكره إجارة قسام القاضي، ولا بأس بما يأخذه المعلم على تعليم القرآن وإن لم يشترط، وإن شرط شيئا معلوما جاز".[18]
وقال في فتح المعين: " لا يصح الاستئجار لعبادة تجب فيها نية غير نسك كالصلاة لان المنعة في ذلك للأجير لا المستأجر والإمامة ولو نقل كالتراويح لان الإمام مصل لنفسه فمن أراد اقتدي به وإن لم ينو الإمامة أما ما لا يحتاج إلى نية كالأذان والإقامة فيصح الاستئجار عليه والأجرة مقابلة لجميعه مع نحو رعاية الوقت وتجهيز الميت وتعليم القرآن كله أو بعضه وإن تعين على المعلم".[19]
وقال ابن قدامة في الكافي: " وما يخص فاعله أن يكون من أهل القربة، وهم المسلمون، كالحج وتعليم القرآن، ففيه روايتان: إحداهما: يجوز الاستئجار عليه".[20]
قال ملا خسرو في درر الحكام: "الأصل أن الإجارة لا تجوز عندنا على الطاعات والمعاصي، لكن لمّا وقع
الفتور في الأمور الدينية جوزها المتأخرون ولذا قال: ويفتى اليوم بصحتها أي الإجارة لتعليم القرآن والفقه
والإمامة والأذان ويجبر المستأجر على دفع الأجر ويحبس به".[21]
واستدلوا بالأدلة التالية:
1 - عن ابن عباس –رضي الله عنهما-: أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء، فيهم لديغ أو سليم، فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم من راق، إن في الماء رجلا لديغا أو سليما، فانطلق رجل منهم، فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء، فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك وقالوا: أخذت على كتاب الله أجراً، حتى قدموا المدينة، فقالوا: يا رسول الله، أخذ على كتاب الله أجرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله".[22]
2 – أن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الواهبة نفسها زوج أحد الصحابة بما معه من القرآن، فقال عليه الصلاة والسلام: "ملكتها بما معك من القرآن".[23]
وجه الاستدلال:
أنه إذا جاز تعليم القرآن عوضا في باب النكاح، وقام مقام المهر، جاز أخذ الأجرة عليه في الإجارة.[24]
3 -عن أبي سعيد –رضي الله عنه-: أن رهطا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلقوا في سفرة سافروها، حتى نزلوا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين قد نزلوا بكم، لعله أن يكون عند بعضهم شيء، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيدنا لدغ، فسعينا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فهل عند أحد منكم شيء؟ فقال بعضهم: نعم، والله إني لراق، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق فجعل يتفل ويقرأ: الحمد لله رب العالمين حتى لكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي ما به قلبة، قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له، فقال: "وما يدريك أنها رقية؟ أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم بسهم".[25]
وجه الاستدلال:
إذا جاز أخذ الجُعل فيجوز أخذ الأجرة.[26]
4 -ولأنه يجوز أخذ الرزق عليه من بيت المال، فجاز أخذ الأجر عليه، كبناء المساجد والقناطر.[27]
5 - ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك، فلو لم يجز أخذ الأجرة لندر وجود المتبرعين بذلك، فتتعطل الكثير من المصالح.[28]

الترجيح:
الظاهر –والله- أعلم أن القول بالجواز هو الأوجه؛ حتى لا يقع الناس في حرج بسبب قلة المتبرعين لتلك الأعمال.
كما أن الوظائف التي تكون تابعة للأوقاف من إمامة وأذان وتعليم القرآن الكريم والعلوم الشرعية، يُعطى القائمون عليها من بيت المال، فيجوز ذلك، بل فيه تشجيع الناس على الخير والعلم.
ويمكن تأويل أحاديث المنع بمن يمتنع عن فعل الخير إلا إذا أعطي أجراً، كأن يقول: لن أؤذن إلا بكذا، أو: لن أصلي إلا بكذا.
حتى أن متأخري الأحناف افتوا بالجواز للحاجة إليها أكثر من ذي قبل، فقالوا: " ويفتى اليوم بالجواز أي بجواز أخذ الأجرة على الإمامة وتعليم القرآن، والفقه ، والأذان كما في عامة المعتبرات، وهذا على مذهب المتأخرين من مشايخ بلخي استحسنوا ذلك، وقالوا: بنى أصحابنا المتقدمون الجواب على ما شاهدوا من قلة الحفاظ ورغبة الناس فيهم، وكانت لهم عطيات من بيت المال وافتقاد من المتعلمين في مجازاة الإحسان بالإحسان من غير شرط مروءة يعينونهم على معاشهم ومعادهم، وكانوا يفتون بوجوب التعليم خوفا من ذهاب القرآن وتحريضا على التعليم حتى تنهضوا لإقامة الواجب فيكثر حفاظ القرآن، وأما اليوم فذهب ذلك كله وانقطعت العطيات من بيت المال بسبب استيلاء الظلمة واشتغل الحفاظ بمعاشهم وقلما يعلمون الحسبة ولا يتفرغون له أيضا، فإن حاجتهم يمنعهم من ذلك فلو لم يفتح باب التعليم بالأجر لذهب القرآن فأفتوا بجوازه لذلك ورأوه حسنا، وقالوا: الأحكام قد تختلف باختلاف الزمان ألا يرى أن «النساء كن تخرجن إلى الجماعات في زمانه - عليه الصلاة والسلام - وزمان أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - حتى منعهن عمر - رضي الله تعالى عنه - واستقر الأمر عليه» وكان ذلك هو الصواب كما في التبيين.
وفي النهاية يفتى بجواز الاستئجار على تعليم الفقه أيضاً في زماننا.
وفي الخانية خلافه تتبع، وفي المجمع يفتي بجواز الاستئجار على التعليم، والفقه، والإمامة كذا في الذخيرة، والروضة ولا يجوز استئجار المصحف وكتب الفقه لعدم التعارف كما في شرح الكنز للعيني".[29]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] بدائع الصنائع: 4/191، وتبيين الحقائق: 5/124، والتجريد للقدوري: 9/4634.
[2] المغني: 5/410، ومنار السبيل: 1/417، والمحرر في الفقه: 1/357، وكشاف القناع: 4/12
[3] الأَصْلُ: 4/15.
[4] بدائع الصنائع: 4/191.
[5] منار السبيل: 1/417.
[6] أبو داود، كتاب الصلاة، باب أخذ الأجر على التأذين، برقم 531، والترمذي، أبواب الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرا، برقم 209، والنسائي، كتاب الأذان، باب اتخاذ المؤذن الذي لا يأخذ على أذانه أجرا، برقم 672، وهو في مسند الإمام أحمد: 26/200، برقم 16270.
[7] أخرجه بن ماجه، كتاب التجارات، باب الأجر على تعليم القرآن، برقم 2158. وهو ضعيف كما ذكر الشيخ شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لسنن ابن ماجه، إلا أن الشيخ الألباني صححه لشواهده، كما في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: 5/316، برقم 1493.
[8] سنن أبي داود، أبواب الإجارة، باب من كسب في العلم، برقم 3416، وابن ماجه، كتاب التجارات، باب الأجر على تعليم القرآن، برقم 2157، وأحمد في المسند: 37/363، برقم 22689، والحاكم في المستدرك: 2/48، برقم 2277، وحسن إسناده الشيخ شعيب الأنؤوط في تحقيقه لسنن أبي داود، ومسند الإمام أحمد، وصححه الشيخ الألباني في: سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها: 1/515.
[9] مسند أحمد: 24/288، برقم 15529، ومصنف ابن أبي شيبة: كتاب صلاة التطوع والإمامة، وأبواب متفرقة، باب في الرجل يقوم بالناس في رمضان فيُعطى، ومسند أبي يعلى: 3/88، برقم 1518، والمعجم الأوسط للطبراني: 3/86 برقم 2574.
[10] تبيين الحقائق: 5/124، والمبسوط للسرخسي: 16/37، والمغني 3/224.
[11] المحيط البرهاني: 7/484، وتبيين الحقائق: 5/124، والتجريد للقدوري: 7/3697.
[12] جزء من حديث أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب، برقم 104، وأخرجه مسلم في الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها، برقم 1354.
[13] المبسوط للسرخسي: 16/37، وبدائع الصنائع: 4/191، واللباب في الجمع بين السنة والكتاب: 2/535.
[14] جامع الأمهات: 436، الجامع لمسائل المدونة: 15/424، و التبصرة: 10/4954-4955.
[15] فتح المعين: 376، وإعانة الطالبين: 3/133، و فتح الرحمن بشرح زبد ابن رسلان: 976، و التعليقة للقاضي حسين على مختصر المزني: 2/662.
[16] الكافي: 2/171، والمغني: 5/411، ومنار السبيل: 1/417.
[17] المبسوط للسرخسي: 16/37، ودرر الحكام: 2/233، وملتقى الأبحر: 533، والدر المختار: 581.
[18] جامع الأمهات: 436.
[19] فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين: 376.
[20] الكافي لابن قدامة: 2/171.
[21] درر الحكام شرح غرر الأحكام: 2/233؛ المؤلف: محمد بن فرامرز بن علي الشهير بملا - أو منلا أو المولى - خسرو المتوفى: 885هـ؛ الناشر: دار إحياء الكتب العربية؛ الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ؛ عدد الأجزاء: 2.
[22] أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب الشرط في الرقية بقطيع من الغنم، برقم 5737.
[23] أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب القراءة عن ظهر قلب، برقم 5030، وأخرجه مسلم في النكاح باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد، برقم 1425.
[24] المغني: 5/411.
[25] البخاري، كتاب الطب، باب النفث في الرقية، برقم 5749.
[26] المغني: 5/411.
[27] المرجع السابق.
[28] المرجع السابق.
[29] مجمع الأنهر: 2/385، وينظر على سبيل المثال: البناية شرح الهداية: 10/281، وحاشية ابن عابدين: 6/55، والعناية: 9/98.
...المزيد

جَفَافِ الأَصَاحِبِ خُذِلْتُ فِي زَمَنِ الأَحِبَّةِ وَالعِشْرَةِ تَرَكُونِي وَحِيدًا فِي ...

جَفَافِ الأَصَاحِبِ
خُذِلْتُ فِي زَمَنِ الأَحِبَّةِ وَالعِشْرَةِ
تَرَكُونِي وَحِيدًا فِي جُنَاحِ العُتْمَةِ

نَادَيْتُهُمْ فِي لَيْلِ وَحْدَتِي حَائِرًا
فَمَا سَمِعُوا إِلَّا صَدَى الوَحْدَةِ

أَيْنَ الَّذِينَ إِذَا تَأَلَّمْتُ جَاؤُوا؟
لِمَ الهَجْرُ وَالخِذْلَانُ بَعْدَ الوُدَّةِ؟

يَا نَفْسُ، صَبْرًا فِي جَفَافِ الأَصَاحِبِ
فَالرَّبُّ قُرْبَكِ فِي لُطْفِ رَحْمَتِهِ


أَيْنَ الَّذِينَ إِذَا ضَاقَتْ بِنَا سُبُلِي
بَسَطُوا أَيَادِيَهُمُ فِي غَمْرَةِ النُّصُرِ؟

أَيْنَ الَّذِينَ إِذَا مَا مَسَّنِي تَعَبٌ
كَانُوا بِلَسْمَاتِهِمْ أَمْنِي وَمُسْتَتَرِي؟

مَضَوْا، تَخَلَّوْا، وَكَمْ أَحْسَسْتُهُمْ سَنَدًا
حَتَّى ظَنَنْتُ دُرُوبَ العُمْرِ لَمْ تَذَرِ

نَادَيْتُهُمْ وَالقَلْبُ مَكْسُورٌ بِلا أَمَلٍ
فَمَا سَمِعْتُ سِوَى الصَّدَى يَتْبَعُ الصَّخَرِ

يَا نَفْسُ، صَبْرًا إِذَا وَلَّوْا وَمَا رَجَعُوا
فَاللهُ قُرْبَكِ فِي السَّرَّاءِ وَالعَسَرِ

يَمْحُو بِقُرْبِهِ وَحْشَةً أَشْقَتْ جَوَانِحَنَا
فَاقْرَعِي بَابَهُ بَيْنَ الضَّرَاعَةِ وَالشَّجَرِ

#صلاح_هيكل
...المزيد

🌃رسائل الفجر١٤٤٦/٥/٨🌃 سئل وهب بن منبه-رحمه الله-: يا أبا عبد الله، رجلان يصليان، أحدهما أطول ...

🌃رسائل الفجر١٤٤٦/٥/٨🌃
سئل وهب بن منبه-رحمه الله-:
يا أبا عبد الله، رجلان يصليان، أحدهما أطول قنوتا وصمتا، والآخر أطول سجودا، أيهما أفضل؟ قال: «أنصحهما لله عز وجل»
🔻 🔻 🔻
كتب وهب بن منبه –رحمه الله-إلى مكحول:
«إنك قد أصبت بما ظهر من علم الإسلام عند الناس محبة وشرفا، فاطلب بما بطن من علم الإسلام عند الله تعالى محبة وزلفى، واعلم أن إحدى المحبتين سوف تمنعك عن الأخرى»
🔻 🔻 🔻
جاء رجل لوهب بن منبه فقال له: مررت بفلان وهو يشتمك فغضب، فقال:ما وجد الشيطان رسولا غيرك. فما برحت من عنده حتى جاء ذلك الرجل الشاتم فسلم على وهب فرد عليه ومد يده وصافحه وأجلسه إلى جنبه»
https://t.me/azzadden
...المزيد

وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا • النهي عن الحزن وأما "الحزن" فلم يأمر الله به ولا رسوله، بل ...

وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا

• النهي عن الحزن

وأما "الحزن" فلم يأمر الله به ولا رسوله، بل قد نهى عنه في مواضع وإن تعلق بأمر الدين، كقوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، وقوله: {لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}، وأمثال ذلك كثير.

• حكمة النهي عنه

وذلك لأنه لا يجلب منفعة ولا يدفع مضرة فلا فائدة فيه، وما لا فائدة فيه لا يأمر الله به.

• حزن مباح

لا يأثم صاحبه إذا لم يقترن بحزنه محرّم، كما يحزن على المصائب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يؤاخذ على دمع العين ولا على حزن القلب، ولكن يؤاخذ على هذا أو يرحم، وأشار بيده إلى لسانه).

• حزن محمود

وقد يقترن بالحزن ما يُثاب صاحبه ويُحمد عليه، فيكون محمودا من تلك الجهة لا من جهة الحزن، كالحزين على مصيبة في دينه، وعلى مصائب المسلمين عموما، فهذا يُثاب على ما في قلبه من حب الخير، وبغض الشر، وتوابع ذلك ولكن الحزن على ذلك، إذا أفضى إلى ترك مأمور من الصبر والجهاد، وجلب منفعة ودفع مضرة؛ نُهي عنه.

• حزن مذموم

وأما إن أفضى إلى ضعف القلب واشتغاله به عن فعل ما أمر الله ورسوله به؛ كان مذموما عليه من تلك الجهة، وإن كان محمودا من جهة أخرى.

[مجموع الفتاوى] لابن تيمية -رحمه الله-


▫المصدر: إنفوغرافيك النبأ - وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468
الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ
...المزيد

حكم بين العدل والظلم ◾ {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} وإن مما يجب على المؤمن التسليم به أن ...

حكم بين العدل والظلم

◾ {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}

وإن مما يجب على المؤمن التسليم به أن الله تعالى عدل لا يظلم أحدا بل هو سبحانه حرم الظلم على نفسه كما جاء في الحديث القدسي الصحيح: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي..)، وقال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} وقال: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ} وقال: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}، وما يحصل في هذه الدنيا من مصائب ومحن ونوازل فهي من جنس الابتلاءات التي تعم الكافر والمؤمن، فترفع درجة المؤمن وتمحق الكافر، ويكون تمام العدل في أحكام الآخرة عندما يساق المؤمنون إلى الجنة ويساق الكافرون إلى النار.

فلا ينبغي للعبد أن يشك في عدل الله تعالى في شيء، ولا يعترض عليه في أحكامه وأوامره وقضائه، فهو سبحانه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ} فلا يخرج المؤمن عن طاعة ربه، بل يقابل قضاءه بأتم التسليم ولو غابت الحكمة عنه، وذلك من حسن الظن بالله وأنه ما منع إلا ليعطي وما أخَّر إلا ليجزل، وهو أعلم بعباده وبما يصلح لهم وهو كله راجع لعلمه سبحانه وحكمته قال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}، فلا يعترض العبد على القدر إن جانب هواه وخالف مبتغاه، فقد قال تعالى منكرا ذلك: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} بل يكون من المهتدين الذين قال الله فيهم: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، ولا ينتظر أن تصيبه الحسنة حتى يحسن وأن لا يكون ممن إذا أصابتهم السيئة أساؤوا، بل إن العبد هو من يبادر ويقبل ولا يشترط على ربه، ومن ذلك كراهة النذور فكما في الصحيحين وغيرهما قد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النذر وقال: (إنّه لا يردّ شيئا، وإنّما يستخرج به من البخيل).

وليتأمل العبد مشهدا من مشاهد العدل المطلق يوم القيامة فيما رواه مسلم عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يؤتى بأنعم أهل الدّنيا من أهل النّار يوم القيامة، فيصبغ في النّار صبغة، ثمّ يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قطّ؟ هل مرّ بك نعيم قطّ؟ فيقول: لا واللّه يا ربّ. ويؤتى بأشدّ النّاس بؤسا في الدّنيا من أهل الجنّة، فيصبغ صبغة في الجنّة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قطّ؟ هل مرّ بك شدّة قطّ؟ فيقول: لا واللّه يا ربّ، ما مرّ بي بؤس قطّ، ولا رأيت شدّة قطّ).

وأنه في ذلك اليوم سيقتص الله للمظلومين من الظالمين أجمعين، وحاشاه أن يترك ظالما بغير حساب ففي الصحيحين عن أبي موسى قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنّ اللّه ليملي للظّالم حتّى إذا أخذه لم يفلته)، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}، وذلك وعد الله لا يخلفه يوم يقوم الناس لرب العالمين فيحكم بينهم ويقول: {الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}، وسيجد المؤمنون والكافرون ما وعدهم ربهم حقا قال تعالى: {وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}.

وفي ذلك اليوم أيضا يشهد الكون كله لله بالعدل -وكفى بالله شهيدا- وينطقون حامدين لربهم على فضله قال تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال ابن كثير: "ونطق الكون أجمعه -ناطقه وبهيمه- لله رب العالمين بالحمد في حكمه وعدله؛ ولهذا لم يسند القول إلى قائل بل أطلقه، فدل على أن جميع المخلوقات شهدت له بالحمد". فلا يجزعنَّ المؤمن ولا يسخط وليرَ اللهُ منه الرضا والتسليم، فلا يظن بربه إلا حسنا، ولا يقول إلا طيبا، ولا يفعل إلا خيرا، والحمد لله رب العالمين.


▫ المصدر: مقالات النبأ - حِكمٌ بين العَدل والظلم
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468
الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ
...المزيد

حكم بين العدل والظلم ◾ كل العدل في الشرع ومما زاد رقعة الظلم في زماننا تغييب حكم الشريعة من ...

حكم بين العدل والظلم

◾ كل العدل في الشرع

ومما زاد رقعة الظلم في زماننا تغييب حكم الشريعة من حياة الناس وإبدالها بأحكام البشر وتشريعاتهم الناقصة الخاطئة، فهي وضعت بناء على وجهات نظر قاصرة لا تخلو من حظوظ النفس وأهوائها ونزواتها وشهواتها، وهي كثيرة التقلبات عديدة الثغرات مستمرة التناقضات، حتى إن العامة تستهزأ بها فتقول: القانون للضعفاء والفقراء والثغرات للأقوياء والأغنياء، فتلك حقيقة العدل عند المخلوق وطبيعة الإنسان الذي وصفه الله بقوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}، وهو الأمر الذي أدركته الملائكة بعلمها المحدود بادئ ذي بدء، عندما أطلعهم الله سبحانه أنه {جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}، فعجبوا وسألوه سبحانه: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}، إلا أن الله أجابهم: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.

◾ عدل الدنيا قاصر

وإن مما لا يطيقه البشر إنصاف الجميع في الدنيا، ولذلك يوضع الميزان يوم القيامة ليحكم الله بين الخلائق البشر وغيرهم، كما عند مسلم وغيره من حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لتؤدّنّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتّى يقاد للشّاة الجلحاء من الشّاة القرناء)؛ لذا فعدل الدنيا مهما بلغ يبقى قاصرا، فمن ينصف المقتول ظلما وقد فارق دنياه، ومن يرد حق الذين هدمت بيوتهم وشردوا وقتل أبناؤهم؟، من يرد حق الأيتام والأرامل؟، وحق كل المستضعفين من المسلمين الذين تسلط عليهم الكفار في ديار الكفر؟ لا شك أن هؤلاء وغيرهم حقهم محفوظ عند الله تعالى يوم الحساب، سترد إليهم حقوقهم كاملة غير منقوصة.

◾ {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}

وإن مما يجب على المؤمن التسليم به أن الله تعالى عدل لا يظلم أحدا بل هو سبحانه حرم الظلم على نفسه كما جاء في الحديث القدسي الصحيح: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي..)، وقال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} وقال: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ} وقال: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}، وما يحصل في هذه الدنيا من مصائب ومحن ونوازل فهي من جنس الابتلاءات التي تعم الكافر والمؤمن، فترفع درجة المؤمن وتمحق الكافر، ويكون تمام العدل في أحكام الآخرة عندما يساق المؤمنون إلى الجنة ويساق الكافرون إلى النار.

فلا ينبغي للعبد أن يشك في عدل الله تعالى في شيء، ولا يعترض عليه في أحكامه وأوامره وقضائه، فهو سبحانه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ} فلا يخرج المؤمن عن طاعة ربه، بل يقابل قضاءه بأتم التسليم ولو غابت الحكمة عنه، وذلك من حسن الظن بالله وأنه ما منع إلا ليعطي وما أخَّر إلا ليجزل، وهو أعلم بعباده وبما يصلح لهم وهو كله راجع لعلمه سبحانه وحكمته قال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}، فلا يعترض العبد على القدر إن جانب هواه وخالف مبتغاه، فقد قال تعالى منكرا ذلك: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} بل يكون من المهتدين الذين قال الله فيهم: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، ولا ينتظر أن تصيبه الحسنة حتى يحسن وأن لا يكون ممن إذا أصابتهم السيئة أساؤوا، بل إن العبد هو من يبادر ويقبل ولا يشترط على ربه، ومن ذلك كراهة النذور فكما في الصحيحين وغيرهما قد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النذر وقال: (إنّه لا يردّ شيئا، وإنّما يستخرج به من البخيل).

وليتأمل العبد مشهدا من مشاهد العدل المطلق يوم القيامة فيما رواه مسلم عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يؤتى بأنعم أهل الدّنيا من أهل النّار يوم القيامة، فيصبغ في النّار صبغة، ثمّ يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرا قطّ؟ هل مرّ بك نعيم قطّ؟ فيقول: لا واللّه يا ربّ. ويؤتى بأشدّ النّاس بؤسا في الدّنيا من أهل الجنّة، فيصبغ صبغة في الجنّة، فيقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسا قطّ؟ هل مرّ بك شدّة قطّ؟ فيقول: لا واللّه يا ربّ، ما مرّ بي بؤس قطّ، ولا رأيت شدّة قطّ).

▫ المصدر: مقالات النبأ - حِكمٌ بين العَدل والظلم
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468
الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ
...المزيد

حكم بين العدل والظلم • الحمد لله العدل الديان، منزل الكتاب والميزان، ومبتلي عباده بالإعطاء ...

حكم بين العدل والظلم

• الحمد لله العدل الديان، منزل الكتاب والميزان، ومبتلي عباده بالإعطاء والحرمان، والصلاة والسلام على نبيه العدنان، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد.

كان العدل وما يزال مطلب الحاضرين والغابرين، وفي هذا المقال بين أيدينا أصول وحِكم بين العدل والظلم، ذكرى للغافلين وبشرى للمؤمنين وسلوى للمظلومين، علّ الله أن يجعلها سببا في أمان قلب جازع وبال مضطرب ونفس يائسة لتعود إلى ربها حق العودة وتؤمن به ربا حكما عدلا كما تؤمن به ربا غفورا رحيما.

◾ الابتلاء سنة عادلة

اقتضت سنة الله ابتلاء المؤمنين بالكافرين والعكس، وابتلاء الناس بعضهم ببعض وكل ذلك من حكمة الله ليعلم من يطيعه ممن يعصيه، وليرفع الله الصابرين درجات قال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان]؛ قال الإمام الطبري: "وامتحنا أيها الناس بعضكم ببعض، جعلنا هذا نبيا وخصصناه بالرسالة، وهذا ملِكا وخصصناه بالدنيا، وهذا فقيرًا وحرمناه الدنيا لنختبر الفقير بصبره على ما حرم مما أعطيه الغنيّ، والملك بصبره على ما أعطيه الرسول من الكرامة، وكيف رضي كل إنسان منهم بما أُعطى وقُسم له، وطاعته ربه مع ما حُرم مما أُعطى غيره، يقول: فمن أجل ذلك لم أُعطِ محمدا الدنيا، وجعلته يطلب المعاش في الأسواق، ولأبتليكم أيها الناس وأختبر طاعتكم ربكم وإجابتكم رسوله إلى ما دعاكم إليه، بغير عرض من الدنيا ترجونه من محمد أن يعطيكم على اتباعكم إياه، لأني لو أعطيته الدنيا لسارع كثير منكم إلى اتباعه طمعا في دنياه أن يَنال منها". [التفسير]

فالله بصير بكل ما يحل بعباده من جراح ومحن، وهو سبحانه قادر على تغيير حالهم، ولكنه سبحانه خلقنا ليختبرنا، قال تعالى: {ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ}، وهو أيضا بصير بأفعال الكافرين بحق عباده المؤمنين، وهو سبحانه يملي لهم ويستدرجهم ليعذبهم عذابا مهينا قال تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}، وما كان الله تاركا عباده دون أن ينتصر لهم، بل يهيئ الأسباب لجنده المؤمنين، وليس لنا في ذلك أن نطَّلع على الغيب، فقال تعالى تلو الآية السابقة: {مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.

وفي هذا قد بيَّن الإمام ابن القيم أصولا وحقائق إيمانية ثابتة، ذكر فيها وجوها من حكم الابتلاء التي لا تخرج في كل أحوالها وصورها عن عدل الله تعالى المطلق ومنها: "أن ما يصيب المؤمنين -من الشرور والمحن والأذى- دون ما يصيب الكفار، والواقع شاهد بذلك، وكذلك ما يصيب الأبرار في هذه الدنيا: دون ما يصيب الفجار والفساق والظلمة بكثير، وأن ما يصيب الكافر والفاجر والمنافق -من العز والنصر والجاه- دون ما يحصل للمؤمنين بكثير، بل باطن ذلك ذل وكسر وهوان، وإن كان في الظاهر بخلافه، قال الحسن رحمه الله: "إنهم وإن هملجت بهم البغال، وطقطقت بهم النعال؛ إن ذل المعصية لفي قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه"، وأن ابتلاء المؤمن كالدواء له، يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه أهلكته، أو نقصت ثوابه، وأنزلت درجته، فيستخرج الابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء، ويستعدُّ به لتمام الأجر، وعلو المنزلة، وأن ما يصيب المؤمن في هذه الدار -من إدالة عدوه عليه، وغلبته له، وأذاه له في بعض الأحيان-: أمر لازم، لا بد منه، وهو كالحر الشديد والبرد الشديد، والأمراض والهموم والغموم، فهذا أمر لازم للطبيعة والنشأة الإنسانية في هذا الدار، حتى للأطفال والبهائم لما اقتضته حكمة أحكم الحاكمين، فلو تجرد الخير في هذا العالم عن الشر، والنفع عن الضر، واللذة عن الألم: لكان ذلك عالما غير هذا، ونشأة أخرى غير هذه النشأة، وكانت تفوت الحكمة التي مزج لأجلها بين الخير والشر، والألم واللذة، والنافع والضار، وأن ابتلاء المؤمنين بغلبة عدوهم لهم وقهرهم وكسرهم لهم أحيانا، فيه حكم عظيمة لا يعلمها على التفصيل إلا الله عز وجل فمنها: استخراج عبوديتهم وذلهم لله وانكسارهم له، وافتقارهم إليه وسؤاله نصرهم على أعدائهم، ولو كانوا دائما منصورين قاهرين غالبين، لبطروا وأشِروا، ولو كانوا دائما مقهورين مغلوبين منصورا عليهم عدوهم، لما قامت للدين قائمة ولا كانت للحق دولة". [إغاثة اللهفان باختصار]


▫ المصدر: مقالات النبأ - حِكمٌ بين العَدل والظلم
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468
الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ
...المزيد

هم العدو فاحذرهم • ولا يخرج حال أولئك الخونة عن اثنين، إما توافق كامل مع أجهزة المخابرات ...

هم العدو فاحذرهم

• ولا يخرج حال أولئك الخونة عن اثنين، إما توافق كامل مع أجهزة المخابرات لبلدانهم التي يعيشون بها نصرانية كانت أو علمانية أو منتسبة للإسلام، حيث إنهم يرون في الإخبار عمن تجاوز الحدود التي وضعها الطواغيت، واجبا متحتما عليهم، يحفظون به حظائرهم التي يقتاتون منها ويطيعون فيها راعيهم، أو أنه التقاء مصالح نابع عن حقد دفين لديهم، والمبدأ عندهم أن لا تنفض الناس من حولهم وتلتحق بالمجاهدين، فتخبو سوقهم وتكسد بضاعتهم التي لم يريدوا بها وجه الله أصلا، فإذا ظهرت الاستقامة على الفتى ونأيه عن كل تلك المناهج الضالة، صرخوا بهم إنهم أناس يترفعون، لتكمل "أجهزة الترويع" عملها معهم!

يضاف إليهم الجماعات المنحرفة التي حملت السلاح، وتعلقت بنفس التيار، وأملوا المساكين بالشريعة ومنوهم بالخلافة وخدروهم بالنضال والمقاومة، فاستزلوا بذلك كثيرا من الشباب، ثم وبغمضة عين سلموا أسلحتهم وصافحوا قاتلهم ورضوا بقليل من الفتات وكثير من الذل، ويخيل لهم أنهم الذين ختموا الجهاد ونجحوا بامتحاناته وتخرجوا في خنادقه، ووصلوا الغاية وبلغوا المرام، وتراهم الآن يزاولون مهنهم "المدنية" بلقب مجاهد!، ويعطلون أي عمل جهادي باسم التجربة والخبرة!.

والحقيقة أن أولئك وغيرهم رأوا في القعود حكمة، وأن الجهاد ليس له مستقبل!، فوضعوا له شروطا مستحيلة من الإعداد والتنفيذ، ودخلوا عوالم أخرى من الخيالات، ببرامج هي أطول من تدرج الإخوان المرتدين، ونظريات إلى تغلغل في أنظمة الحكم وقوات الجيش، ثم انقلابات عسكرية، ومنهم من اكتفى بمخططات لإصلاحات لا تسمن بل وبعيدة المدى، ولا يخفى على أحد كم حوت هذه الطرق من انحرافات منهجية، زد عليها أنه لا أرضية واقعية عند أصحابها للبدء بتطبيقها.

بل الأمر أنهم غاصوا عميقا في الحسابات المادية، ولجؤوا إليها واستعاذوا بها فزادتهم رهقا، وسبب ذلك كله انعدام الإيمان بالله، وعدم الوثوق بموعوده لعباده، سواء في الآخرة أو في الدنيا من الغلبة والتمكين، ذلك بأنهم وقعوا في فخاخ "القوى العالمية" وما معها من الأرقام والأوهام، فظنوا ألن يقدر عليها أحد، فأخلدوا حتى تورمت جنوبهم من طول القعود، وصاروا حجر عثرة في طريق أي مجاهد، لأن نجاح أي عمل يكشف باطلهم ويؤكد أن تنظيراتهم سراب في سراب، فأطلقوا عدوانهم على المجاهدين في البداية، ثم ابتلاهم الله بأن صاروا أنصارا لطوائف ردتها وطوامها كعين الشمس، وما كل ذلك إلا بغيا وحسدا من عند أنفسهم، وكبرا عن التنازل والاعتراف بالحق، فغدوا على علمهم أجهل الجهال كما قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}، وهذا جواب لمن يتساءل حين يرى تخبطهم الشرعي، كيف تخفى المسائل التي يعلمها الغلمان عن تلك اللحى؟!؛ إنما هو نور الله يقذفه حيث شاء وينزعه ممن شاء.

فيا طالب الحق ومريد الجهاد، الساعي خلف الهداية، لا تبالِ بتنظيرات المرجفين، وتقريرات المنحرفين، ولتنفض عنك ذنب ومذلة القعود، وتخفف من كل تلك الشروط والقيود المبتدعة التي وضعوها لتعقيد الجهاد، فالأمر في أصله أيسر بكثير، أخرج البخاري في صحيحه عن البراء: "أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم رجل مقنّع بالحديد، فقال : يا رسول اللّه، أقاتل وأسلم؟ قال: (أسلم ثمّ قاتل)، فأسلم ثمّ قاتل، فقتل، فقال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: (عمل قليلا وأجر كثيرا)، فمن أراد القعود وجد في المنظرين ملاذا من تأنيب النفس، وأما من صدق وعزم فلا موطأ له معهم، ومن أدمن الفلسفة والتنظير بدون امتثال خرج من الجهاد، ودوننا علماء السلف وأئمة الجهاد السابقين، كلهم وضعوا أسس الجهاد بدمائهم ومهّدوا سبيله بأشلائهم، فدونك يا طالب الحق العلماء المجاهدين العالمين العاملين الذين قضوا نحبهم في ساحاته وارحم نفسك ولا تطع من أعمى الله بصيرته {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}.


▫ المصدر: مقتطف من افتتاحية النبأ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468
الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ
...المزيد

هم العدو فاحذرهم • ولا يخرج حال أولئك الخونة عن اثنين، إما توافق كامل مع أجهزة المخابرات ...

هم العدو فاحذرهم

• ولا يخرج حال أولئك الخونة عن اثنين، إما توافق كامل مع أجهزة المخابرات لبلدانهم التي يعيشون بها نصرانية كانت أو علمانية أو منتسبة للإسلام، حيث إنهم يرون في الإخبار عمن تجاوز الحدود التي وضعها الطواغيت، واجبا متحتما عليهم، يحفظون به حظائرهم التي يقتاتون منها ويطيعون فيها راعيهم، أو أنه التقاء مصالح نابع عن حقد دفين لديهم، والمبدأ عندهم أن لا تنفض الناس من حولهم وتلتحق بالمجاهدين، فتخبو سوقهم وتكسد بضاعتهم التي لم يريدوا بها وجه الله أصلا، فإذا ظهرت الاستقامة على الفتى ونأيه عن كل تلك المناهج الضالة، صرخوا بهم إنهم أناس يترفعون، لتكمل "أجهزة الترويع" عملها معهم!

يضاف إليهم الجماعات المنحرفة التي حملت السلاح، وتعلقت بنفس التيار، وأملوا المساكين بالشريعة ومنوهم بالخلافة وخدروهم بالنضال والمقاومة، فاستزلوا بذلك كثيرا من الشباب، ثم وبغمضة عين سلموا أسلحتهم وصافحوا قاتلهم ورضوا بقليل من الفتات وكثير من الذل، ويخيل لهم أنهم الذين ختموا الجهاد ونجحوا بامتحاناته وتخرجوا في خنادقه، ووصلوا الغاية وبلغوا المرام، وتراهم الآن يزاولون مهنهم "المدنية" بلقب مجاهد!، ويعطلون أي عمل جهادي باسم التجربة والخبرة!.

والحقيقة أن أولئك وغيرهم رأوا في القعود حكمة، وأن الجهاد ليس له مستقبل!، فوضعوا له شروطا مستحيلة من الإعداد والتنفيذ، ودخلوا عوالم أخرى من الخيالات، ببرامج هي أطول من تدرج الإخوان المرتدين، ونظريات إلى تغلغل في أنظمة الحكم وقوات الجيش، ثم انقلابات عسكرية، ومنهم من اكتفى بمخططات لإصلاحات لا تسمن بل وبعيدة المدى، ولا يخفى على أحد كم حوت هذه الطرق من انحرافات منهجية، زد عليها أنه لا أرضية واقعية عند أصحابها للبدء بتطبيقها.

بل الأمر أنهم غاصوا عميقا في الحسابات المادية، ولجؤوا إليها واستعاذوا بها فزادتهم رهقا، وسبب ذلك كله انعدام الإيمان بالله، وعدم الوثوق بموعوده لعباده، سواء في الآخرة أو في الدنيا من الغلبة والتمكين، ذلك بأنهم وقعوا في فخاخ "القوى العالمية" وما معها من الأرقام والأوهام، فظنوا ألن يقدر عليها أحد، فأخلدوا حتى تورمت جنوبهم من طول القعود، وصاروا حجر عثرة في طريق أي مجاهد، لأن نجاح أي عمل يكشف باطلهم ويؤكد أن تنظيراتهم سراب في سراب، فأطلقوا عدوانهم على المجاهدين في البداية، ثم ابتلاهم الله بأن صاروا أنصارا لطوائف ردتها وطوامها كعين الشمس، وما كل ذلك إلا بغيا وحسدا من عند أنفسهم، وكبرا عن التنازل والاعتراف بالحق، فغدوا على علمهم أجهل الجهال كما قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}، وهذا جواب لمن يتساءل حين يرى تخبطهم الشرعي، كيف تخفى المسائل التي يعلمها الغلمان عن تلك اللحى؟!؛ إنما هو نور الله يقذفه حيث شاء وينزعه ممن شاء.

فيا طالب الحق ومريد الجهاد، الساعي خلف الهداية، لا تبالِ بتنظيرات المرجفين، وتقريرات المنحرفين، ولتنفض عنك ذنب ومذلة القعود، وتخفف من كل تلك الشروط والقيود المبتدعة التي وضعوها لتعقيد الجهاد، فالأمر في أصله أيسر بكثير، أخرج البخاري في صحيحه عن البراء: "أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم رجل مقنّع بالحديد، فقال : يا رسول اللّه، أقاتل وأسلم؟ قال: (أسلم ثمّ قاتل)، فأسلم ثمّ قاتل، فقتل، فقال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: (عمل قليلا وأجر كثيرا)، فمن أراد القعود وجد في المنظرين ملاذا من تأنيب النفس، وأما من صدق وعزم فلا موطأ له معهم، ومن أدمن الفلسفة والتنظير بدون امتثال خرج من الجهاد، ودوننا علماء السلف وأئمة الجهاد السابقين، كلهم وضعوا أسس الجهاد بدمائهم ومهّدوا سبيله بأشلائهم، فدونك يا طالب الحق العلماء المجاهدين العالمين العاملين الذين قضوا نحبهم في ساحاته وارحم نفسك ولا تطع من أعمى الله بصيرته {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}.


▫ المصدر: مقتطف من افتتاحية النبأ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468
الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ
...المزيد

هم العدو فاحذرهم • ليس على المسلمين شيء أشد ضررا من دعاة جهنم، الذين تفننوا في صد الناس بالدين ...

هم العدو فاحذرهم

• ليس على المسلمين شيء أشد ضررا من دعاة جهنم، الذين تفننوا في صد الناس بالدين عن الدين!، ودعوتهم الناس إلى الكفر من على المنابر!، أولئك الذين قال عنهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث حذيفة بن اليمان: (يَكُونُ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا)، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: (هُمْ قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا، يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا).

ومن أغرب تناقضاتهم اليوم، مناداتهم بالناس للقعود سعيا للجهاد!، إذ يحاول منظرو تيار القعود إثبات أنه "قعود في سبيل الله!"، فجعلوا الجهاد سرابا، وسدوا أبوابه وعطلوا ركابه، وبسبب فتاواهم وضلالهم قعد الكثيرون عن الجهاد، بعد أن لعبوا بالعواطف بكلام ظاهره شرعي وباطنه بدعي، هذا مع تسلط الكفار على بلاد المسلمين، وقد بغوا وهدموا مساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا، في ظل تفريق عجيب من السائرين عكس سبيل الجهاد بين قضايا الأمة ومسائل الدين، فيتخيّرون ما يشاؤون وما يتماشى مع أهوائهم ومصالحهم، ويتجاهلون الطارئ وما تحتاجه الأمة.

ومثلهم وأنكى منهم، المنتكسون الهاربون من ميادين الجهاد المستلمون لزمام التنظير، وهم مقتنعون في أعماقهم أنهم قد جاوزوا القنطرة وأخذوا صكا بالعصمة من الضلال مدى الحياة!، وأشد وطأة منهم أولئك الذين لم يعرفوا من الجهاد غباره ولا من البارود ريحه، وتراهم في كل مرة يناوئون المجاهدين ويخالفونهم.

لقد كان ضررهم -جميعا على اختلافهم- أعظم من ضرر المحاربين أنفسهم على الجهاد والمجاهدين، بل حتى ما لبث كثير منهم أن أصبح رأسا في الحرب على الجهاد، وسببا في انتكاس الكثيرين وتقاعس القاعدين، وتمكن الطواغيت من كثير من الشباب الذي أبدى منهجه متحمسا للجهاد، فغدا مصيرهم الأسر والتنكيل.

في حين يبقى المنظرون في صولة وجولة افتراضية بقول دون عمل، بينما يختفي من ينبس ببنت شفة من شباب المسلمين بكلمة الحق، فلا هم خلُّوهم وشأنهم لينفروا إلى الجهاد، ولا هم تركوهم مستورين بعيدا عن أعين الطواغيت وجواسيسهم، بل قدموهم على طبق من ذهب لعدوهم يفتنهم في دينهم.

خدمة لو دفعت الطواغيت دماء عروقهم لم يحصِّلوها، ولو تبدت لهم في صقع غائر لضربوا لأجلها أكباد الإبل، لكنهم وجدوها مجانا بخيانة دنيئة تنبي أن الأمور حصلت بالتراضي بين الطرفين، ولسان حال الطواغيت لدعاة السوء غضوا عنا ودعوا عداوتنا ونغض عنكم ونمد لكم الطِوَل، فتركوهم يلعبون بالناس وسمحوا لهم الإنكار على الطواغيت الذين لا يتفقون معهم سياسيا، وللقصص والحكايا، وبمجتمع صغير حولهم تسير به أعمالهم!

ولا يخرج حال أولئك الخونة عن اثنين، إما توافق كامل مع أجهزة المخابرات لبلدانهم التي يعيشون بها نصرانية كانت أو علمانية أو منتسبة للإسلام، حيث إنهم يرون في الإخبار عمن تجاوز الحدود التي وضعها الطواغيت، واجبا متحتما عليهم، يحفظون به حظائرهم التي يقتاتون منها ويطيعون فيها راعيهم، أو أنه التقاء مصالح نابع عن حقد دفين لديهم، والمبدأ عندهم أن لا تنفض الناس من حولهم وتلتحق بالمجاهدين، فتخبو سوقهم وتكسد بضاعتهم التي لم يريدوا بها وجه الله أصلا، فإذا ظهرت الاستقامة على الفتى ونأيه عن كل تلك المناهج الضالة، صرخوا بهم إنهم أناس يترفعون، لتكمل "أجهزة الترويع" عملها معهم!

يضاف إليهم الجماعات المنحرفة التي حملت السلاح، وتعلقت بنفس التيار، وأملوا المساكين بالشريعة ومنوهم بالخلافة وخدروهم بالنضال والمقاومة، فاستزلوا بذلك كثيرا من الشباب، ثم وبغمضة عين سلموا أسلحتهم وصافحوا قاتلهم ورضوا بقليل من الفتات وكثير من الذل، ويخيل لهم أنهم الذين ختموا الجهاد ونجحوا بامتحاناته وتخرجوا في خنادقه، ووصلوا الغاية وبلغوا المرام، وتراهم الآن يزاولون مهنهم "المدنية" بلقب مجاهد!، ويعطلون أي عمل جهادي باسم التجربة والخبرة!.

والحقيقة أن أولئك وغيرهم رأوا في القعود حكمة، وأن الجهاد ليس له مستقبل!، فوضعوا له شروطا مستحيلة من الإعداد والتنفيذ، ودخلوا عوالم أخرى من الخيالات، ببرامج هي أطول من تدرج الإخوان المرتدين، ونظريات إلى تغلغل في أنظمة الحكم وقوات الجيش، ثم انقلابات عسكرية، ومنهم من اكتفى بمخططات لإصلاحات لا تسمن بل وبعيدة المدى، ولا يخفى على أحد كم حوت هذه الطرق من انحرافات منهجية، زد عليها أنه لا أرضية واقعية عند أصحابها للبدء بتطبيقها.


▫ المصدر: مقتطف من افتتاحية النبأ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 468
الخميس 5 جمادى الأولى 1446 هـ
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
25 جمادى الأولى 1446
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً