*[طلب العلم والاستذكار في ساعة الاحتضار]* 1 – أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري (ت: 182هـ)، ...

*[طلب العلم والاستذكار في ساعة الاحتضار]*

1 – أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري (ت: 182هـ)، قاضي القضاة، الإمام المجتهد صاحب الإمام أبي حنيفة النعمان، وتلميذه، وناشر مذهبه.
قال إِبْرَاهِيم بن الْجراح [وهو آخر من روى عن أبى ‌يوسف]: دخلت على أبي ‌يوسف - رحمه الله تعالى - في مرضه الذي مات فيه ففتح عينيه وقال: الرمي راكباً أفضل أم ماشيا؟ فقلت: ماشياً. فقال: أخطأت. فقلت: راكباً. فقال: أخطأت، ثم قال: كل رمي كان بعده وقوف فالرمي فيه ماشياً أفضل، وما ليس بعده وقوف فالرمي راكباً أفضل. فقمت من عنده فما انتهيت إلى باب الدار ‌حتى ‌سمعت ‌الصراخ لموته، فتعجبت من حرصه على العلم في مثل تلك الحالة..
[مختصر اختلاف العلماء للطحاوي: 2/159، والمبسوط للسرخسي: 4/23 واللفظ منه، والجوهر المضية: 1/76]

2 – أبو زُرْعَة الرَّازِي، عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فرّوخ الرازي (ت: 264هـ)، الإمام المحدّث الحافظ المُسنِد.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: مات أبو ‌زُرْعَة مطعوناً مبطوناً يعرق جبينه في النزع، فقلت لمحمد بن مسلم: ما تحفظ في تلقين الموتى ‌لا ‌إله ‌إلا ‌الله؟ فقال محمد بن مسلم: يروى عن ‌معاذ بن جبل - فمِن قبل أن يستتم رفع أبو ‌زُرعة ‌رأسه وهو في النزع فقال: روى عبد الحميد بن جعفر عن صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرة عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة".
فصار البيت ضجّة بِبُكاء مَن حَضر.
[الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي: 1/346]

3 – أبو حاتم الرَّازِي، محمد بن إدريس بن المُنذر الحنظّلي الغطفاني الرَّازي (ت: 277هـ)، الإمام المحدّث الثبت المصنّف.
قال ابن أبي حاتم: حضرت أبي -رحمه الله- ‌وكان ‌في ‌النّزع وأنا لا أعلم، فسألته عن عقبة بن عبد الغافر يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: له صحبة؟ فقال: برأسه: لا. فلم اقنع منه، فقلت: فهمتَ عني: له صحبة؟ قال: هو تابعي.
قلت [ابن أبي حاتم]: فكان سيد عمله معرفة الحديث، وناقِلَة الأخبار، فكان في عمره يُقتَبَس منه ذلك، فأراد الله أن يُظهر عند وفاته ما كان عليه في حياته.
[الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 1/367-368]
4 –محمد بن جرير الطبري (ت: 310هـ)، الإمام الكبير المُفسِّر المحدّث المؤرخ، إمام المفسّرين، وصاحب المُصَنّفات.
قال القاضي [المعافى الجريري]: كنت منذ سنين كثيرة دعوت الله عز وجل وقلت: يا سابق الفوت، وقلت في وقت آخر: يا سابق كل فوت، وكان عندي أنه شيء خطر لي ولم أكن ذاكراً لهذه الرواية ولا عالماً بها في الوقت، فاستحسنت هذه الدعوة ثم وجدتها عندي فيما سمعته وكتبته ورويته. وحكى لي بعض بني الفرات عن رجل منهم، أو من غيرهم، أنه كان بحضرة أبي جعفر الطبري رحمه الله قبل موته وتوفي بعد ساعة أو أقل منها، فذكر له هذا الدعاء عن جعفر بن محمد عليهما السلام، فاستدعى محبرة وصحيفة فكتبها، فقيل له: أفي هذه الحال؟ فقال: ينبغي للإنسان أن لا يدع ‌اقتباس ‌العلم ‌حتى يموت.
[الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي: 527، وتاريخ دمشق: 52/199]

5 – ‌‌ محمد بن محمد بن محمش بن علي بن داود، أبو طاهر الزيادي (ت: 410هـ)، إمام المحدثين، والفقهاء بنيسابور في زمانه.
قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح: ومن أعجب ذلك ما وجدته بخط بعض أصحاب القاضي الإمام حسين بن محمد المروروذي، عنه: أنه سمع الإمام أبا عاصم العَبَّادي يذكر أنه كان عند الأستاذ أبي طاهر وهو الإمام ‌الزيادي شيخ خراسان حين احتضر ‌فسُئِل ‌عن ‌ضَمان ‌الدَّرَك، وكان في النَّزع، فقال: إن قَبَض الثمن فَيَصحُّ، وإن لم يقْبِضْ فلا يَصِح، قال: لأنه بعد قبض الثمن يكون ضَمان ما وَجَب. والله أعلم.
[أدب المفتي والمستفتي لابن الصلاح: 113-114]

6 - محمد بن أحمد أبو الريحان البيروني الخوارزمي، (ت: 440هـ]، الفيلسوف، الرياضي، المؤرخ، الطبيب، الفلكي، صاحب العلوم.
قال [الفقيه] أبو الحسن علي بن عيسى الوَلوَالجي: دخلتُ على أبي الرّيحان وهو يجود بنفسِه، وقد حَشْرج نفَسُه، وضاقَ به صدرُه، فقال لي في تلك الحالة: كيف قلت لي يومًا حساب الجدَّات الفاسِدَة؟ فقلت له -إشفاقًا عليه-: أفي هذه الحالةِ؟! قال لي: يا هذا! أُوَدِّعُ الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة ألا يكون خيرًا من أن أُخلِّيها وأنا جاهلٌ بها. فأعدتُ ذلك عليه، وحَفِظَ، وعلّمني مَا وعد، وخرجتُ من عِنْده، وأنا في الطريق، فسمعتُ الصُّرَاخ.
[معجم الأدباء لياقوت الحموي: 2332]

7 – ‌‌محمد بن عبد الرحيم بن محمد، صفي الدين الهندي الشافعي، (ت: 715هـ)، العلامة الأصولي البارع.
قال الإمام الذهبي: وكان يحفظ ربع يس، روى لنا عند موته أحاديث، وكان ذا حَظٍّ من صلاة وتعبد، وتصوف وحسن معتقد...
أخبرنا محمد بن عبد الرحيم الأرموي، أنا علي بن أحمد، أنا عمر بن طبرزد، فذكر حديثين ليسا هما عندي، ‌قرأتهما ‌عليه ‌ونَفَسُه ‌يُحشرج ‌في ‌الصدر، فتوفي يومئذ، عفا الله عنه وعنا، آمين.
[معجم الشيوخ الكبير للذهبي: 2/216]

8 - شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي ‌طالب ‌الحَجَّار المعروف بابن الشحنّة (ت: 730هـ)، المعمر الكبير، رحلة الآفاق، وأعلى أهل عصره إسناداً.
قال الإمام الذهبي: وكان أمياً لا يكتب ولا يقرأ إلا اليسير من القرآن، حدّث في صفر سنة ثلاثين وسبع مائة تحدثوا بموته، وأفاق فقرءوا عليه أجزاء ثم مات يوم الخامس والعشرين من الشهر.
[انظر: معجم الشيوخ الكبير للذهبي: 1/119]

9 - زين الدّين عبد الرحمن بن علي الأجهوري (ت: 961هـ)، المصري المالكي، الشيخ الإمام العلامة الزاهد الخاشع، زين الدين مفتي المسلمين.
قال الشعراوي: لمّا مَرِض دخلت إليه فوجدته ‌لا ‌يقدر ‌يبلع ‌الماء ‌من ‌غصة ‌الموت، فدخل عليه شخص بسؤال، فقال: أجلسوني. قال: فأجلسناه وأسندناه، فكتب على السؤال ولم يغب له ذهن مع شدة المرض، وقال: لعل ذلك آخر سؤال نكتب عليه، فمات تلك الليلة ودفن بالقرافة.
[شذرات الذهب: 10/477]

وكتبه: محمد علي حميسان غفر الله تعالى له ولوالديه وأهله ومشايخه وأحبابه والمسلمين... اللهم آمين.
...المزيد

*[من كان له مزيد اهتمام بكتاب فنُسب إليه]* مما يُستملح ذكره تلقيب بعض الأعلام بأسماء الكتب التي ...

*[من كان له مزيد اهتمام بكتاب فنُسب إليه]*

مما يُستملح ذكره تلقيب بعض الأعلام بأسماء الكتب التي كان لهم مزيد اهتمام بها إما حفظاً أو شرحاً وتدريساً، ومن تلك الألقاب على سبيل المثال:
*1 – الوجيزي*
نسبة لكتاب الوجيز في فقه مذهب الإمام الشافعي للإمام أبي حامد الغزالي -رحمه الله تعالى- (ت: 505 هـ) وممن لُقب بهذا الكتاب:
• الشيخ الفقيه، وجيه الدين، أبو ‌الحجّاج، ‌يوسف ‌بن ‌الصارم عبد الله بن إبراهيم الدمشقي، ثم القاهري، الشافعيّ (ت: 667 هـ)، ويُعرف بالوجيزيّ نسبة إلى حِفْظ كتاب "الوجيز".

• أحمد بن محمد بن أحمد ‌الواسطي الأشموني الشافعي المصري، ‌جمال ‌الدين أبو العباس، (ت: 728 وقيل 729 هـ) عُرف بالوجيزى لكثرة قراءته وحفظه لكتاب "الوجيز" في الفقه، وكان فقيها معدوداً من فقهاء الشافعية.

• ‌أَحمد ‌بن ‌محمد ‌بن ‌أَحمد بن ‌عَرَنْدة المحلَّى، شهاب الدين الوجيزى الناسخ (ت: 818 هـ)، وعُرف بالوجيزي لحفظه كتاب "الوجيز".

*2 – المنهاجي.*
نسبة لكتاب "منهاج الطالبين وعمدة المفتين" لشيخ الإسلام النووي (ت: 631 هـ)، وهو عمدة الفتوى في مذهب الإمام الشافعي وعليه الكثير من الشروح، ومن شرف الكتاب أن من حفظه نُسب إليه، ومن أولئك:
• العلامة بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (ت: 797هـ)، الفقيه الأصولي، صاحب المؤلفات النافعة، كان تركي الأصل ولد بالقاهرة وتفقه بمذهب الشافعي، وحفظ المنهاج للنووي فلٌقب بالمنهاجي.

• شمس الدين ‌محمد ‌بن ‌أحمد ‌بن ‌علي بن عبد الخالق ‌المنهاجي الأسيوطي ثم القاهري الشافعي (ت: 880 هـ)، وكان من محفوظاته المنهاج الفرعي، والأصلي.

*3 – الكافياجي*
لُقِّب به محمَّدُ بنُ سليمانَ بنِ سعيدٍ، المحيوي، أبو عبدِ الله، الكافياجي، الحنفيُّ، (ت: 879 هـ) الإمام في اللغة والنحو، تصدى للتدريس والتأليف حتى زادت تصانيفه على المئة، وغالبها صغير.
والكافياجي: ‌نسبة ‌إلى ‌كتاب: الكافية في النحو لابن الحاجب، فقد أكثر من قراءته وتدريسه حتى نسب إليه، بزيادة جيم كما هي عادة الترك في النسب.

*4 – المُقْتَرَح*
لُقب به أبو العز ‌مظفّر ‌بن ‌عبد ‌الله ‌بن ‌علي ‌بن ‌الحسين، الإمام الفقيه تقي الدين المِصري الشافعي (ت: 612 هـ)، جد ابن دقيق العيد لأمه، وسبب اللقب أنه كان حافظًا ثم شارحًا لكتاب "المقترح في المصطلح" للشيخ أبي منصور البروي (ت: 567 هـ) فعُرف به.

*5 – التعجيزي*
نسبة لكتاب "التعجيز في الفقه على مذهب الإمام الشافعي"، وهو مختصر الوجيز للإِمام الغزالي، اختصره وشرحه أيضًا تاج الدين عبد الرحيم بن محمَّد بن محمَّد بن يونس الموصلي الشافعي (ت: 671 هـ)، وعُرف به:
• عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عمر الفقيه الزاهد أبو المجد ابن المحدث أبي عبد الله الإسفراييني ثم الدمشقي الشافعي (ت: 701 هـ)، ولقب بالتعجيزي؛ لأنه حفظ ‌كتاب ‌التعجيز في المذهب وجوده حفظاً وفهما.

• ‌أحمد ‌بن ‌محمد بن إسماعيل الإربلي (ت 728 هـ)، وعُرف بالتعجيزي؛ لأنه كان يحفظ ‌كتاب ‌التعجيز في الفقه على مذهب الإِمام الشافعي.


*6 – الفصيحي*
لُقب به عليّ بن أبي زيد محمد بن علي ‌الفصيحيّ (ت 516 هـ). وقد سمّي بالفصيحيّ لكثرة إعادته ودرسه كتاب (الفصيح) لثعلب.

*7 – المستبشري*
وهو كتاب في التصوف اسمه: "المستبشر للمستبصر" ألّفه محمد بن أحمد بن أبي بكر الصوفي، فعُرف بالمستبشري.

ويمكن لمن بحث ونقب أن يجعل أن يضيف إلى هذه النبذة فيحيلها كتاباً لطيف الحجم.
...المزيد

*[طرائف ونوادر أهل الحديث] (المجموعة الأخيرة)* *41 -* عن ابن شهاب: أنه كان يسمع العلم من عروة ...

*[طرائف ونوادر أهل الحديث] (المجموعة الأخيرة)*

*41 -* عن ابن شهاب: أنه كان يسمع العلم من عروة وغيره فيأتي إلى جارية له وهي نائمة فيوقظها فيقول: اسمعي، حدثني فلان كذا، وفلان كذا. فتقول: مالي وما لهذا الحديث؟ فيقول: قد علمت أنك لا تنتفعين به، ولكن سمعته الآن فأردت أن أستذكره.
قال زياد بن سعد: ذهبنا مع الزهري إلى أرضه بالشعب، قال: وكان الزهري يجمع الأعاريب فيحدثهم، يريد الحفظ.
[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 2/268]

*42 -* قال الأعمش: كان إسماعيلُ بنُ رَجَاء يجمعُ صبيانَ الكُتَّاب يحدِّثهم، يتحفَّظُ بذلك.
[مسند الدارمي: 1/481 رقم (629)، وعيون الأخبار لابن قتيبة الدينوري: 2/150]

*43 –* جاء في ترجمة عبد الله بن فروخ الفارسي القيرواني أن قال: كنت يوماً عند أبي حنيفة، فسقطت آجرة من أعلى داره على رأسي فدمي، فقال لي: اختر، إن شئت أرش الجرح، وإن شئت ‌ثلاثمائة حديث. فقلت: الحديث خير لي، فحدثني ‌ثلاثمائة حديث.
[رياض النفوس لأبي بكر المالكي: 1/181]

*44 –* قال عبد الله بن فروخ أيضاً: لما أتيت الكوفة، وأكثر أملي السماع من سليمان بن مهران الأعمش فسألت عنه، فقيل لي: غضب على أصحاب الحديث، فحلف ألا يسمعهم مدة. فكنت أختلف إلى باب داره، لعلي أصل إليه، فلم أقدر على ذلك، فجلست يوماً على بابه، وأنا متفكر في غربتي وما حرمته من السماع منه، إذ فتحت جارية بابه يوماً وخرجت منه، فقالت لي: ما بالك على بابنا؟
فقلت: أنا رجل غريب، وأعلمتها بخبري.
قالت: وأين بلدكم؟
قلت: إفريقية، فانشرحت إلي، وقالت: تعرف القيروان؟
قلت: أنا من أهلها.
قالت: تعرف دار ابن فروخ؟
قلت: أنا هو؟! فتأملتني، ثم قالت: عبد الله؟
قلت: نعم، وإذا هي ‌جارية ‌كانت ‌لنا ‌بعناها ‌صغيرة، فسارعت إلى الأعمش، وقالت له: إن مولاي الذي كنت أخبرك بخبره بالباب. فأمرها بإدخالي، فدخلت وأسكنني قبالة بيته، فسمعت منه وحدثني، وقد حرم سائر الناس إلى أن قضيت أربي منه.
[ترتيب المدارك للقاضي عياض: 3/110]

*45 –* ومن الطرائف المحفزة للهمم والتي تدعو إلى العجب ما جاء في ترجمة الحافظ أبي عبد الرحمن بقي بن مخلد الأندلسي رحمه الله (ت 276 هـ) فقد نقل بعض العلماء من كتاب حفيده قوله: سمعت أبي يقول: رحل أبي من مكة إلى بغداد، وكان رجلا بغيته ملاقاة أحمد بن حنبل.
قال: فلما قربت بلغتني المحنة، وأنه ممنوع، فاغتممت غمًا شديدًا، فاحتللت بغداد، واكتريت بيتًا في فندق، ثم أتيت الجامع، وأنا أريد أن أجلس إلى الناس، فدفعت إلى حلقة نبيلة، فإذا برجل يتكلم في الرجال، فقيل لي: هذا يحيى بن معين، ففرجت لي فرجة، فقمت إليه، فقلت: يا أبا زكريا ـ رحمك الله ـ رجل غريب، ناء عن وطنه، أردت السؤال فلا تستخفني.
فقال: قل. فسألت عن بعض من لقيته فبعضًا زكى، وبعضًا جرح، فسألته عن هشام بن عمار، فقال لي أبو الوليد: صاحب صلاة دمشق ثقة وفوق الثقة، لو كان تحت ردائه كبر أو متقلدًا كبرًا ما ضره شيئًا لخيره وفضله.
فصاح أصحاب الحلقة: يكفيك ـ رحمك الله ـ غيرك له سؤال.
فقلت: ـ وأنا واقف على قدم اكشف عن رجل واحد ـ أحمد بن حنبل .
فنظر إليَّ كالمتعجب فقال لي: ومثلنا نحن نكشف عن أحمد، ذاك إمام المسلمين وخيرهم وفاضلهم.
فخرجت أستدل على منزل أحمد بن حنبل، فدللت عليه، فقرعت بابه فخرج إليَّ فقلت: يا أبا عبد الله، رجل غريب، نائي الدار، هذا أول دخولي هذا البلد، وأنا طالب حديث، ومقيد سنة، ولم تكن رحلتي إلا إليك.
فقال: ادخُل الأسطوان ـ يعني به الممر إلى داخل الدار ـ ولا يقع عليك عين. فدخلت فقال لي: وأين موضعك؟! قلت: المغرب الأقصى.
فقال لي: إفريقية؟ قلت: أبعد من إفريقية، أجوز من بلدي البحر إلى إفريقية بلدي الأندلس.
قال: إن موضعك لبعيد، وما كان شيءٌ أحب إليَّ من أن أحسن عون مثلك على مطلبه، غير أنِّي في حيني هذا ممتحن بما لعله قد بلغك.
فقلت: بلى قد بلغني، وأنا قريب من بلدك، مقبل نحوك.
فقلت له: يا أبا عبد الله، هذا أول دخولي، وأنا مجهول العين عندكم، فان أذنت لي أن آتي كل يوم زي السؤال، فأقول عند الباب ما يقولونه، فتخرج إلى هذا الموضع، فلو لم تحدثني في كل يوم إلا بحديث واحد لكان لي فيه كفاية.
فقال لي: نعم على شرط أن لا تظهر في الحِلق، ولا عند المحدثين.
فقلت: لك شرطك.
فكنت آخذ عصا بيدي، وألف رأسي بخرقة مدنسة، وأجعل كاغدي ـ أي … ورقي ـ ودواتي في كمي، ثمَّ آتي بابه، فأصيح: الأجر ـ رحمك الله ـ والسؤال هناك كذلك، فيخرج إلي ويُغلق باب الدار، ويحدثني بالحديثين والثلاثة والأكثر، فالتزمت ذلك حتى مات الممتحن له، وولي بعده من كان على مذهب السنة، فظهر أحمد، وعلت إمامته، وكانت تضرب إليه آباط الإبل، فكان يعرف لي حق صبري، فكنت إذا أتيت حلقته فسح لي، ويقص على أصحاب الحديث قصتي معه، فكان يناولني الحديث مناولة، ويقرؤه عليَّ، وأقرؤه عليه...
[سير أعلام النبلاء: 13/292، وتاريخ الإسلام: 6/526]

*46 –* قال السمعاني سمعت إسماعيل الحافظ بأصبهان يقول: رحل أبو سعد البغدادي [وعمره ست عشرة سنة] إلى أبي نصر الزينبي، فدخل بغداد، ولم يلحقه، فحين أخبر بموته خرق ثوبه، ولطم، وجعل يقول: ‌من ‌أين ‌لي ‌علي ‌بن ‌الجعد، ‌عن ‌شعبة؟ فسألت إسماعيل عن الزينبي، فقال زاهد، صحيح السماع، آخر من حدث عن المخلص.
[طبقات علماء الحديث: 4/58، وتذكرة الحفاظ: 4/54، والسير: 18/444]

*47 –* قال أبو العباس البكري- من ولد أبي بكر الصديق رضي الله عنه-: ‌جمعت ‌الرحلة بين مُحَمَّد بْن ‌جرير، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، ومحمد بن نصر المروزي، ومحمد بْن هارون الروياني بمصر، فأرملوا ولم يبق عندهم ما يقوتهم، وأضربهم الجوع، فاجتمعوا ليلة في منزل كانوا يأوون اليه، فاتفق رأيهم على أن يستهموا ويضربوا القرعة، فمن خرجت عليه القرعة سأل لأصحابه الطعام، فخرجت القرعة على محمد بن إسحاق بن خزيمة، فقال لأصحابه: أمهلوني حتى أتوضأ وأصلي صلاة الخيرة، قَالَ: فاندفع في الصلاة فإذا هم بالشموع وخصي من قبل والى مصر يدق الباب، ففتحوا الباب، فنزل عن دابته، فَقَالَ: أيكم مُحَمَّد بْن/ نصر؟ فقيل: هو هذا، فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه، ثم قَالَ: أيكم مُحَمَّد بْن جرير؟ فقالوا: هذا، فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه، ثم قَالَ: أيكم مُحَمَّد بْن هارون؟ فقالوا: هو هذا، فأخرج صرة في خمسون دينارا فدفعها إليه، ثم قَالَ: أيكم مُحَمَّد بْن إسحاق بْن خزيمة، فقالوا: هو هذا يصلي، فلما فرغ دفع إلَيْهِ صرة فيها خمسون دينارا، ثم قَالَ: إن الأمير كَانَ قائلا بالأمس فرأى في المنام خيالا قَالَ: إن المحامد طووا كشحهم جياعا. فأنفذ إليكم هذه الصرر وأقسم عليكم إذا نفدت فابعثوا إليّ أحدكم.
[تاريخ بغداد: 2/552، وتاريخ دمشق: 52/193، والمنتظم لابن الجوزي: 13/235].

*48 -* سئل الإمام أبو علي صالح بن محمد الأسدي البغدادي عن سبب تسميته بصالح جزرة فقال: قدم علينا بعض الشيوخ من الشام وكان عنده عن حريز بن عثمان، فقرأت أنا عليه: حدثكم حريز بن عثمان قال: " كان لأبي أمامة خرزة يرقي بها المريض، فصحفت أنا الخرزة، فقلت: وكان لأبي أمامة ‌جزرة، وإنما هو خرزة ".
قال الإمام الذهبي: قد كان صالح صاحب ‌دعابة، ولا يغضب إذا واجهه أحد بهذا اللقب.
[سير أعلام النبلاء: 14/25، والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 1/294]

*50 –* من طريف ما يُذكر في حرص السلف على مجالس الحديث، والتبكير والسباق إليه، ما حكاه جَعْفَرُ بْنُ دُرُسْتَوَيْهِ قال: كُنَّا نَأْخُذُ الْمَجْلِسَ فِي مَجْلِسِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَقْتَ الْعَصْرِ، الْيَوْمَ لِمَجْلِسِ غَدٍ، فَنَقْعُدُ طُولَ اللَّيْلِ مَخَافَةَ أَنْ لَا نَلْحَقَ مِنْ الْغَدِ مَوْضِعًا نَسْمَعُ فِيهِ، فَرَأَيْت شَيْخًا فِي الْمَجْلِسِ ‌يَبُولُ فِي طَيْلَسَانِهِ، وَيُدْرِجُ الطَّيْلَسَانَ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْخَذَ مَكَانُهُ إنْ قَامَ لِلْبَوْلِ.
[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 2/138، والآداب الشرعية لابن مفلح: 2/139]

وكتبه: محمد علي حميسان، غفر الله له ولوالديه وأهله ومشايخه وأحبابه والمسلمين.. اللهم آمين.
...المزيد

*[طرائف ونوادر أهل الحديث] (المجموعة الرابعة)* *31 -* قال جرير: كنا نأتي الأعمش، وكان له كلب، ...

*[طرائف ونوادر أهل الحديث] (المجموعة الرابعة)*

*31 -* قال جرير: كنا نأتي الأعمش، وكان له كلب، يؤذي أصحاب الحديث. قال: فجئناه يوماً، وقد مات، فهجمنا عليه، فلما رآنا بكى، ثم قال: هلك من كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. [يعني الكلب].
قال أبو بكر: وأخبار الأعمش في هذا المعنى كثيرة جداً. وكان مع سوء خلقه، ثقة في حديثه، عدلا في روايته، ضابطا لما سمعه، متقنا لما حفظه، فرحل الناس إليه، وتهافتوا في السماع عليه. فكان أصحاب الحديث ربما طلبوا منه أن يحدثهم، فيمتنع عليهم، ويلحون في الطلب، ويبرمونه بالمسألة، فيغضب ويستقبلهم بالذم حتى إذا سكنت فورته، وذهبت ضجرته، أعقب الغضب صلحاً، وأبدل الذم مدحا.
[شرف أصحاب الحديث: 134]

*32 -* عن حفص بن غياث، قال: بعث العباس بن موسى أمير الكوفة إلى الأعمش بألف درهم وصحيفة، فقال: اكتب لي فيها من حديثك، فأخذ الألف درهم وكتب له فاتحة الكتاب فبعث بها إليه، فبعث إليه: أبلغك أنا لا نحسن القرآن؟ فبعث إليه: أبلغك أنا ‌نبيع ‌العلم.
[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 1/356]

*33 -* قال حفص بن غياث: قال لي سليمان الأعمش: إذا كان غدا فبكر عليّ حتى أحدثك بعشرة أحاديث نخب، وأطعمك عصيدة، واحذر أن تجيئني معك بثقيل.
قال: فلما كان من غد ثم أصبحت غدوت إليه فتلقاني ابن إدريس فقال: حفص؟: قلت: نعم. قال: أين تريد؟ قلت: الأعمش. قال: مكانك حتى أجيء معك. قال: فلما بصر بنا قام ودخل، وقام وراء الباب، فلما دققت الباب قال: من هذا؟ قلت: حفص. قال: يا حفص: لا تأكل العصيد إلا بجوز، ألم أقل لك: لا تجيئني معك بثقيل؟ قال: ولم يخرج، فلما كان العشي جئت فدققت الباب قلت: يا جارية، أبو محمد في الدار؟ قال: فدخل البيت وقال: قولي له: لا. قال: فلما كان من غد، جئت فدققت الباب فقلت: يا جارية، أبو محمد في البيت؟ فخرج إلى الدار، وقال: قولي له: لا. قال: فلما كان بعد شهر لقيته في الطريق فقلت: يا أبا محمد، إن إتيانك لذل، وإن تركك لحسرة، قال: كذا وحقك أشتهي، فانصرف.
[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 1/307]

*34 –* قال محمد بن عبيد: كان الأعمش لا يدع أحداً يقعد بجنبه. فإن قعد إنسان، قطع الحديث وقام. وكان معنا رجل، يستثقله. قال: فجاء، فجلس بجنبه، وظن أن الأعمش لا يعلم. وفطن الأعمش، ‌فجعل ‌يتنخم، ‌ويبزق ‌عليه، والرجل ساكت، مخافة أن يقطع الحديث.
[شرف أصحاب الحديث: 133، والمشيخة البغدادية لأبي طاهر السلفي: 2/184]

*35 –* قال عيسى بن يونس: خرجنا في جنازة، ورجل من أصحاب الحديث يقود الأعمش. فلما رجعنا من الجنازة، عدل به عن الطريق. فلما أصحر، قال له: يا أبا محمد أتدري أين أنت؟ أنت في جبانة كذا. لا والله لا أردك حتى تملأ ألواحي حديثا. قال: اكتب. فلما ملأ الألواح، وضعها في حجره، وأخذ بيد الأعمش، يقوده. فلما دخل الكوفة، لقيه بعض معارفه، فدفع الألواح إليه، فلما انتهى الأعمش إلى بابه، تعلق به، وقال: خذوا الألواح من الفاسق. قال: يا أبا محمد قد فاتت. فلما أيس منه، قال: كل ما حدثتك كذب. قال الفتى: أنت أعلم بالله من أن تكذب.
[شرف أصحاب الحديث: 132، والمشيخة البغدادية: 2/355]

*36 -* قال أبو أسامة: سأل حفص بن غياث الأعمش عن إسناد حديث، فأخذ بحلقه فأسنده إلى حائط، وقال: هذا إسناده.
[شرف أصحاب الحديث: 133]

*37 –* قال عبد الله بن إدريس: قلت للأعمش: يا أبا محمد! ما يمنعك من أخذ شعرك؟
قال: كثرة فضول الحجامين.
قلت: ‌فأنا ‌أجيئك ‌بحجام ‌لا ‌يكلمك حتى تفرغ.
فأتيت جنيدا الحجام، وكان محدّثاً، فأوصيته، فقال: نعم.
فلما أخذ نصف شعره، قال: يا أبا محمد! كيف حديث حبيب بن أبي ثابت في المستحاضة؟
فصاح صيحة، وقام يعدو، وبقي نصف شعره بعد شهر غير مجزوز.
سمعها: علي بن خشرم منه.
[سير أعلام النبلاء: 6/238]

*38 –* قال عطاء بن مسلم الحلبي: كان الأعمش إذا غضب على أصحاب الحديث قال: لا أحدثكم ولا كرامة، ولا تستأهلونه، ولا يرى عليكم أثره. فلا يزالون به حتى يرضى، فيقول: نعم وكرامة، وكم أنتم في الناس والله لأنتم أعز من الذهب الأحمر.
[شرف أصحاب الحديث: 135، والمشيخة البغدادية: 2/184]

*39 –* قال الإمام الترمذي: حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ وَهُوَ يَتَّكِئُ عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَلَيْهِ ثَوْبٌ قِطْرِيٌّ قَدْ تَوَشَّحَ بِهِ، فَصَلَّى بِهِمْ. وَقَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: سَأَلَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَوَّلَ مَا جَلَسَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، فَقَالَ: لَوْ كَانَ مِنْ كِتَابِكَ، فَقُمْتُ لِأُخْرِجَ كِتَابِي فَقَبَضَ عَلَى ثَوْبِي ثُمَّ قَالَ: أَمْلِهِ عَلَيَّ؛ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَلْقَاكَ، قَالَ: ‌فَأَمْلَيْتُهُ ‌عَلَيْهِ، ‌ثُمَّ ‌أَخْرَجْتُ ‌كِتَابِي ‌فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ.
[الشمائل المحمدية للترمذي: حديث رقم (60) صفحة (69)]

*40 –* جاء شعبة إلى خالد الحذاء، فقال: يا أبا منازل عندك حديث حدثني به؟ وكان خالد عليلا، فقال له: أنا وجع. فقال: إنما هو واحد؟ فحدّثه به، فلما فرغ قال: مت إذا شئت.
[شرف أصحاب الحديث: 116]

وكتبه: محمد علي حميسان، غفر الله له ولوالديه وأهله ومشايخه وأحبابه والمسلمين.. اللهم آمين.
...المزيد

*[ استجابات الأمراء لاستغاثات النساء ]* للمرأة في الإسلام خصوصاً وعند العرب وغيرهم من الأحرار ...

*[ استجابات الأمراء لاستغاثات النساء ]*

للمرأة في الإسلام خصوصاً وعند العرب وغيرهم من الأحرار عموماً، مكانة لا توازيها مكانة، فهي الدرة المصونة، والجوهرة المكنونة، فلِمَسّ كرامتها تغلي القلوب، وتشتعل الحروب، فلأجلها قامت غزوة بني قينقاع، فشتتهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في النواحي والبقاع، وحين أراد الخليفة العبيدي أن يستغيث بالصارم المنكي، السلطان نور الدين محمود زنكي، ليدفع عنه زحف الروم، أرسل له كتابا مكلوم، يحوي قصات شعر النساء والبنات، ليستثير فيه الحمية والنخوة والمكرمات، فلبى نداءه، وصدّ أعداءه، وقد جمعت هنا قطوفاً مستلذات، وصفحات نيرات، وشواهد بينات، لا يجد قارئها بداً من الاعتراف، على عظم السادة الأسلاف، فأبدأ مستعيناً بالله، متبرئاً من كل معبود سواه.


*1 – الحجاج بن يوسف الثقفي (ت: 95 هـ)*
رغم ما يُروى عن الحجاج من شدة وسفكٍ للدماء، إلا أن له محاسناً لم يبلغ بعضها الكثير ممن جاء بعده، وقد ذكر الحجاج عند عبد الوهاب الثقفي بسوء، فغضب، وقال: إنما تذكرون المساوئ، أو ما تعلمون أنه أول من ضرب درهما عليه (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وأول من بنى مدينة بعد الصحابة في الإسلام، وأول من اتخذ المحامل، وأن امرأة من المسلمين سبيت بالهند فنادت يا ‌حجاجاه! فاتصل به ذلك، فجعل يقول: لبيك، لبيك، وأنفق سبعة آلاف ألف درهم حتى افتتح الهند، واستنقذ المرأة، وأحسن إليها، واتخذ المناظر بينه وبين قزوين، وكان إذا دخن أهل قزوين دخنت المناظر إن كان نهارا، إن كان ليلا أشعلوا نيرانا فتجرد الخيل إليهم، فكانت المناظر متصلة بين قزوين وواسط، وكان قزوين ثغرا حينئذ.
[معجم البلدان: 5/350، والبلدان لابن الفقيه: 267]
فهذه المرأة كانت سبباً في فتح بلاد الهند ودخول الإسلام إليها، قال الحميري في كتابه الروض المعطار في خبر الأقطار ص 596: أرض الهند فتحها محمد بن القاسم الثقفي سنة أربع وتسعين، وكان السبب في ذلك أن امرأة مسلمة ممن سباها أهل الهند أرادوها على نفسها، فصرخت: وا ‌حجاجاه، فجهز الجنود إلى أرض الهند مع محمد بن القاسم، وكان معسكره بشيراز، فاتخذه الولاة منزلاً إلى الآن.

*2 – الحكم بن هشام الأموي الأندلسي. (ت: 206هـ)*
في سنة (194هـ)، غزا الحَكَم إلى أرض الشرك، وكان السبب في هذه الغزاة أن عباس بن ناصح الشاعر كان بمدينة الفرج (وهي وادي الحجارة). وكان العدو، بسبب اشتغال الحَكَم بماردة وتوجيه الصوائف إليها مدة من سبعة أعوام، قد عظمت شوكته، وقوي أمره. فشن الغارات في أطراف الثغور، يسبي ويقتل، وسمع عباس بن ناصح امرأة في ناحية وادي الحجارة، وهي تقول: (واغوثاه يا حكم! ‌قد ‌ضيعتنا ‌وأسلمتنا ‌واشتغلت ‌عنا، حتى استأسد العدو علينا!). فلما وفد عباس على الحكم، رفع إليه شعرا يستصرخه فيه، ويذكر قول المرأة واستصراخها به؛ وأنهى إليه عباس ما هو عليه الثغر من الوهن والتياث الحال. فرثى الحكم للمسلمين، وحمى لنصر الدين، وأمر بالاستعداد للجهاد، وخرج غازيا إلى أرض الشرك؛ فأوغل في بلادهم، وافتتح الحصون، وهدم المنازل، وقتل كثيرا، وأسر كذلك، وقفل على الناحية التي كانت فيها المرأة، وأمر لأهل تلك الناحية بمال من الغنائم، يصلحون به أحوالهم ويفدون سباياهم؛ وخص المرأة وآثرها، وأعطاهم عددا من الأسرى عونا. وأمر بضرب رقاب باقيهم، وقال لأهل تلك الناحية وللمرأة: (هل أغاثكم الحكم؟) قالوا: (شفا والله الصدور، ونكى في العدو، وما غفل عنا إذ بلغه أمرنا! فأغاثه الله وأعز نصره!).
[البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب: 2/73].

*3 – المعتصم بالله بن هارون الرشيد العباسي (ت: 227 هـ)*
وقصة فتحه لمدينة عمّورية مشهورة جدّاً، والسبب أن ملك الروم قتل وسبى وأسر من المسلمين، وكان بين السبي امرأة هاشمية، فصاحت: وا معتصماه!، فسمعها رجل مسلم، حملته الحمية فرحل من عمّورية -أنقرة حالياً- إلى دار الخلافة بغداد فدخل على خليفة المسلمين المعتصم بالله، وأخبره الخبر، فحملته النخوة والغيرة والمسؤولية على تلبية ندائها، فأجابها وهو جالس على سريره: لبيكِ لبيكِ! ونهض من ساعته، وصاح في قصره: النفير النفير، ثم ركب دابته، واستحث الجيوش، وقاد الجيش بنفسه، ففتح عمّوريّة سنة (223هـ)، وأطلق المرأة وأكرمها.
[يُنظر على سبيل المثال: الكامل في التاريخ: 6/38، ومآثر الإنافة في معالم الخلافة: 1/221]

*4 – الصلت بن مالك الخروصي (ت: 275 هـ)*
في عهده هجم الأحباش الصليبيون على جزيرة سقطرى والتي كانت تتبع سلطان عمان في حينها الصلت بن مالك الخروصي، فاحتلوها، وقتلوا واليها، وعاثوا فيها فساداً، فدمروها وأحرقوا مساجدها واستباحوا نساءها وقتلوا رجالها.
فاستغاثت فاطمة بنت حمد بن خلفان بن حميد الجهضمية -والتي تُعرف بلقب الزهراء السقطرية لارتباط اسمها بقصة تحرير جزيرة سقطرى- بالإمام الصلت بن مالك الخروصي تستنهضه ليغيث الجزيرة وأهلها من بطش الأحباش الذين نقضوا العهد، فأرسلت له قصيدة مكلومة تقول فيها:
قــل للإمـام الذي ترجى فضائله * * ابن الكــرام وابن السـادة النجبِ
وابن الجحاجحة الشــــم الذين هم * * كانوا سناها وكانـوا ســادة العربِ
أمست سقطـرى من الإسلام مقفرة * * بعـد الشرائـع والفرقـان والكتبِ
وبـعـد حـي حـلال صـار مـغتبطـا * * في ظل دولتهم بالمال والحسبِ
لم تُبقِ فيها سنـون المـحل ناضـرةً * * من الغصـون ولا عـوداً من الرُطَبِ
واستبدلت بالهـدى كفـراً ومعصيةً * * وبـالأذان نواقـيساً مـن الـخشبِ
وبالذراري رجـالاً لا خَــلاَقَ لـهم * * من اللئـام علـوا بالقهـر والغـلبِ
جارَ النصارى علـى واليـكَ وانتهبوا * * من الحريـم ولـم يألـوا من السلبِ
إذ غادروا قاسمـاً فـي فتيـةٍ نُجُـبِ * * عقوى مسامعهم فـي سبسبٍ خـربِ
مُجـدّلين سِراعـاً لا وسـاد لـهم * * للعـاديـات لسبـعٍ ضـارئ كـلبِ
وأخرجـوا حُـرم الإسـلام قـاطبة * * يهتفـن بالويـل والأعـوال والكُربِ
قـل للإمـام الذي تُرجـى فضائله * * بـأن يـغيث بنـات الدين والـحسب
كـم مـن مُنعـمةً بـكرٍ وثـيبـةٍ * * مـن آل بيـتٍ كريـم الجد والنسب
تـدعو أبـاها إذا ما العِلـجُ همّ بها * * وقـد تلقّـف منهـا موضـع اللبـب
وباشر العِلـجُ ما كـانت تَضُـنُ به * * على الحلال بوافـي الـمهر والقـهب
وحـلّ كـلَ عـراءٍ من مُـلمتـها * * عن سـوءةٍ لـم تزل في حوزةِ الحُجُبِ
وعن فخـوذٍ وسيقـانٍ مـدملجـةٍ * * وأجعـدٍ كعنـاقيــدٍ مـن العـنب
قهراً بغيـر صـداقٍ لا ولا خُطِبت * * إلا بضـرب العوالـي السُمرِ والقُضُبِ
أقولُ للعيـن والأجفـان تسعدنـي * * يا عين جودي على الأحبـاب وانسكب
ما بال صلـتٍ ينـام الليـلَ مُغتبطاً * * وفـي سقطـرى حريـم عُرضة النهب
يـا للرجـال أغيثـوا كـل مسلمةٍ * * ولو حبوتـم علـى الأذقـانٍ والرُكبِ
حتـى يعـودَ نصـاب الدين منتصباً * * ويهـلك الله أهـل الـجور والـريب
وثم يصبح دعـى الزهراء صــادقة * * بعد الفســـوق وتحيى سنـة الكتب
ثم الصلاة علـى الـمختـار سيـدنا * * خيـر البـريـة مـأمـونٍ ومنتـخبِ

فلبى الإمام نداءها، وأرسل أسطولاً يتكون من مائة سفينة محملة بالجند، فكسروا شوكة الأحباش، ورفعوا راية الإسلام على الجزيرة من جديد.
[ينظر لتفصيل ذلك: "عمان عبر التاريخ" لحمود السيابي، وكتاب "تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان" لنور الدين عبد الله بن حميد السالمي].

*5 – المنصور ابن أبي عامر (ت: 392 هـ)*
مر معنا في بعض المواضيع سيرة الأمير المنصور محمد بن أبي عامر المعافري الأندلسي، وأنه كان يغوز بلاد الفرنجة مرتين في السنة واحد في الشتاء وأخرى في الصيف، فغزاهم نيفاً وخمسين غزوة لم تسقط له راية.
ومن مفاخر المنصور: أنه قدم من غزوة، فتعرضت له امرأة عند القصر، فقالت: يا منصور! يفرح الناس وأبكي؟ إن ابني أسير في بلاد الروم.
فثنى عنانه وأمر الناس بغزو الجهة التي فيها ابنها.
[سير أعلام النبلاء: 17/125-126]

ومن ذلك أيضاً ما حكاه ابن عذاري المراكشي قائلاً: ومن أوضح الأمور هنالك، وأفصح الأخبار في ذلك، أن أحد رسله -أي المنصور- كان كثير الانتياب، لذلك الجناب، فسار في بعض مسيراته إلى غرسية (ت 390هـ / 1000م) صاحب البشكنس (ممكلة نبره أو نافار النصرانية) فوالى في إكرامه، وتناهى في برِّه واحترامه، فطالت مدَّته فلا متنزَّه إلا مرَّ عليه متفرِّجا، ولا منزل إلا سار عليه معرِّجا، فحلَّ في ذلك، أكثر الكنائس هنالك، فبينا هو يجول في ساحتها، ويجيل العين في مساحتها، إذ عرضت له امرأة قديمة الأسر، قويمة على طول الكسر، فكلمته، وعرَّفته بنفسها وأعلمته، وقالت له: أيرضى المنصور أن ينسى بتنعمه بوسها، ويتمتَّع بلبوس العافية وقد نضت لبوسها، وزعمت أن لها عدة سنين بتلك الكنيسة محبسة، وبكل ذل وصغار ملبسة، وناشدته الله في إنهاء قصتها، وإبراء غصَّتها، واستحلفته بأغلظ الأيمان، وأخذت عليه في ذلك أوكد مواثيق الرحمن. فلمَّا وصل إلى المنصور عرَّفه بما يجب تعريفه به وإعلامه، وهو مصغٍ إليه حتى تم كلامه، فلما فرغ قال له المنصور: هل وقفت هناك على أمر أنكرته، أم لم تقف على غير ما ذكرته؟ فأعلمه بقصة المرأة وما خرجت عنه إليه، وبالمواثيق التي أخذت عليه. فعتبه ولامه، على أن لم يبدأ بها كلامه، ثم أخذ للجهاد من فوره، وعرض من من الأجناد في نجده وغوره، وأصبح غازيًا على سرجه، مباهيًا مروان يوم مرجه، حتى وافى ابن شانجة في جمعه، فأخذت مهابته ببصره وسمعه، فبادر بالكتاب إليه يتعرف ما الجليَّة، ويحلف له بأعظم أليَّة، أنه ما جنى ذنبًا، ولا جفا عن مضجع الطاعة جنبًا، فعنف أرساله، وقال لهم -أي المنصور: كان قد عاقدني أن لا يبقى ببلاده مأسورةٌ ولا مأسور، ولو حملته في حواصلها النسور، وقد بلغني بعد بقاء فلانة المسلمة في تلك الكنيسة، ووالله لا أنتهي عن أرضه حتى أكتسحها. فأرسل إليه المرأة في اثنتين معها، وأقسم أنه ما أبصرهنَّ ولا سمع بهنَّ، وأعلمه أن الكنيسة التي أشار بعلمها، قد بالغ في هدمها، تحقيقًا لقوله، وتضرع إليه في الأخذ في بطوله، فاستحيا منه، وصرف الجيش عنه، وأوصل المرأة إلى نفسه، وألحف توحشها بأنسه، وغيَّر من حالها، وعاد بسواكب نعماه على جدبها وإمحالها، وحملها إلى قومها، وكحلها بما كان شرد من نومها.
[البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب: 2/297]

*6 – بيبرس البندقداري المملوكي. (ت: 676 هـ)*
للسلطان الظاهر بيبرس مواقف محمودة في التصدي للتتار ومحاربة الفرنج، ومما يتعلق بموضوعنا هنا أنه لما كان السلطان بيبرس بالشام، فى سنة (667هـ)، وقفت له امرأة ذكرت أنها كانت أسيرة في صور، وأنها اشترت نفسها، ثم قطعت على بنت لها قطيعة، وحصلت من أوقاف دمشق مبلغاً اشترتها به من صور بمكاتبة عليها خط الفرنج، ولما خرجت بها إلى قرب بلاد صفد سير خلفها جماعة من صور أخذوا البنت منها ونصّروها.
فلما سمع السلطان كلامها غضب لله تعالى، وكتب يطلب هذه البنت، فاعتذروا بأنها تنصرت، وكان بالنواقير من جهة صفد جماعة من المسلمين سيّر صاحب صور أمسكهم، وقتل منهم نفرين، واعتقل الباقين، وطلبهم السلطان فأصروا على منعهم، فركب السلطان في العشرين من شهر رمضان، وساق بنفسه ومن معه من العسكر الخفيف، وتوجه الأمير جمال الدين المحمدي من جهة، والأتابك من جهة، ووصلوا إلى صور، فأمسكوا جماعة من الرجال والنساء والصغار، وهرب في ذلك الوقت مملوك للأمير جمال الدين أقوش الرومي فنصّره صاحب صور لوقته، وطلب منه فدافع عنه، وأمسك السلطان عن إتلاف زرعه، ورد الحريم والأطفال وكانوا جملة كبيرة، ورجع السلطان إلى المخيم، وأمهل عليه مدة، فلما استمر على منع البنت والمملوك، جرد السلطان جماعة لاستغلال بلاده، وقطع الميرة عنها.
[الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر: 347، و نهاية الأرب في فنون الأدب: 30/320]


*7 – كنكا منسى موسى امبراطور مالي (1373 هـ)*
ومما يمكن ذكره هنا ما ذكره صاحب كتاب "ما أخفاه التاريخ: قصص منسية لبطولات أسطورية" قال: كان الملك المسلم كنكا موسى يسترد قرية اغتصبها النصارى في الحبشة وأخذ جيشه وحرر القرية واخرج كل جيش النصارى في ساحة القرية أسرى بما فيهم قائد جيشهم وكبير القساوسة وزوجة قائد جيش النصارى وأمه وأولاده فجاء طفل صغير للملك كنكا موسى وهو راكب على فرسه فمسكه الطفل من قدمه وقال له يا سيدي يا سيد فرد عليه الملك وقال للطفل : هل أنت مسلم يا غلام ؟
قال : نعم يا سيدي .
فقال له الملك كنكا ناظرا بعينه لقائد النصارى والقس : لبيك يا شبل الإسلام .
فانهار القس مطروحا على الأرض من الغيظ .
فقال له الطفل : يا سيدي لقد خطف قائد جيش النصارى أمي واختي .
فقال الملك للجنود : آتوني بقائد الجيش والقس والطفل إلى خيمتي .
وقال لقائد الجيش : اين أم الغلام وأخته ؟ .
قال له بعد تردد : ذهبت بهما إلى دير القديسة هيلانا تخدم في حظيرة خاصة بالدير .
فقال لهم الملك : أرسل من يأتي بهما في موكب من 70 فرس و70 جمل و 1000 من العبيد والجنود يحوطون بالموكب وسوف تبقى أنت والقس تعملون خدما في حظيرة المسلمون تخدمون دوابهم حتى تعود المسلمة وابنتها.
فقال قائد النصارى : إن كانوا أحياء حتى اليوم سنأتي بهم وإن كانوا غير ذلك يمكن إن تدفع البرتغال وبريطانيا المال والذهب فداء لهما .
فقال لهم الملك كنكا بغيظ والشرر يطير من عينيه : اسمعا ما اقول ( والله الذي لا إله إلا هو لو جعلتم بريطانيا حذاء في يميني والبرتغال حذاء في شمالي لن اقبل لهما دية اقل من رأس ملك مقابل البنت وراس ملك مقال أمها ) .
فأرسل قائد الجيش والقس برسائل مع رسل منهم وأتو بالأم وابنتها وكانتا على قيد الحياة من تقدير الله الحليم العظيم .
وكان ما امر ملك المسلمين .
وقال الملك كنكا: ستبقى المعركة قائمة ولن نعلن النصر إلا بعد أن يصل نساء المسلمين إلى بيوتهم .
وأرسل قساوسة الدير الأم وبنتها في الموكب كما طلب ملك المسلمين بالضبط .
فقال الملك للأم وبنتها معتذرا عن ما حدث : هل تسامحونا فيما حدث لكما؟
فقالت الأم : نسامحك وبكل فخر يا سيدي !
فقال كنكا : وأنا والله لن اسامح نفسي أن تبيت مسلمة أسيرة خارج بيتها ولو ليلة واحدة وبكى وبكت المرأة وبنتها والغلام وبكى الجميع لبكاء ملك المسلمين .
هذا يوم أن كنا عظماء .
وما دام الإسلام ديننا فسنبقى عظماء مهما أكل علينا الدهر أو شرب .
وسيأتي اليوم الذي يرفع أذان المسلمين من فوق برج روما خمس مرات في اليوم والليلة فأبشروا وبشروا من تعرفون بأن عز الإسلام باق ما بقيت الدنيا.
[ما أخفاه التاريخ: قصص منسية لبطولات أسطورية: 39، نقلاً عن "وثائق غرائب الأمصار" للمؤرخ يعقوب فرح].
والحمد لله رب العالمين

وكتبه: محمد علي حميسان غفر الله له ولوالديه وأهله ومشايخه وأحبابه والمسلمين.. اللهم آمين.
...المزيد

*[ مَنْ كان يجمع غبار معاركه ليكون معه في قبره ]* روى الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- وغيره عن أبي ...

*[ مَنْ كان يجمع غبار معاركه ليكون معه في قبره ]*

روى الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- وغيره عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "‌لَا ‌يَجْتَمِعُ ‌غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي جَوْفِ عَبْدٍ مُسْلِمٍ"، وكان هذا الحديث حافزاً للعديد من القادة المسلمين لكي يحرصوا على جمع ما لصق بثيابهم من غبار المعارك ليكون معهم في قبورهم، وإليك أيها القارئ الكريم ذكر من فعل ذلك:

*1 - أبو الحسن على بن عبد الله بن حمدان، الملقَّب بسيف الدولة ‌الحمدانى،* أحد الأمراء الشجعان. ولد سنة (303 هـ = 916 م)، وأسس إمارة الحمدانيين بحلب عندما استولى عليها سنة (333 هـ = 934 م)، ودامت تلك الإمارة نحوًا من ستين سنة، منها (23) سنة تحت حكم ‌سيف ‌الدولة. وسجَّل التاريخ له ولدولته جهادهما العظيم في صد غارات الروم المتوالية على مشارف الدولة الإسلامية، وكانت الحرب بينهما سجالا، وتحقق أعظم انتصار له على الروم سنة (343 هـ = 954 م) فى معركة الحدث. اشتهر سيف بالكرم والجود، فقصده الشعراء والكتاب والعلماء، حتى قيل إنه لم يجتمع بباب أحد من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع بباب ‌سيف ‌الدولة من الشعراء، ويأتى فى مقدمتهم المتنبى، الذي مدحه بقصائد كثيرة عرفت في تاريخ الأدب باسم السيفيَّات.
وتوفي ‌سيف ‌الدولة بحلب سنة (356 هـ) عن (53) عامًا، وحُمل جثمانه إلى ميافارقين فدفن بها. [موسوعة سفير للتأريخ الإسلامي: 10/292].
جاء في كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف: 6/22 ما نصه: ولم يلبث البطل العظيم أن أصابه فى سنة 352 فالج فى يده ورجله ورغم هذا الفالج النصفى نهض البطل من فراشه وصدّ بقوة هجومًا للروم على حصن من حصون حلب. وفى سنة 356 لبّى البطل نداء ربه، وكان قد أوصى بأن يوضع خده في لحده على لبنة بقدر الكف جمعها مما علق بثيابه ودروعه وسلاحه من ‌غبار غزواته للروم. ونفّذت وصيته.

*2 - أبو عامر محمد بن عبد الله بن أبي عامر محمد بن وليد القحطاني، المعافري، القرطبي،* (ت:393هـ)، القائم بأعباء دولة الخليفة المرواني المؤيد بالله هشام بن الحكم أمير الأندلس.
طلب العلم والأدب، ورأس وترقى، وساعدته المقادير، واستمال الأمراء والجيش بالأموال، ودانت لهيبته الرجال، وتلقب بالمنصور، واتخذ الوزراء لنفسه، وبقي المؤيد معه صورة بلا معنى، لأن المؤيد كان أخرق ضعيف الرأي.
وكان له مجلس معروف في الأسبوع يجتمع فيه أهل العلوم للكلام فيها بحضرته ما كان مقيماً بقرطبة؛ لأنه كان ذا همة ونية في الجهاد، مواصلاً لغزو الروم، حتى أنه كان ربما يخرج إلى المصلى يوم العيد فتقع له نية في ذلك اليوم فلا يرجع إلى قصره، ويخرج بعد انصرافه من الصلاة كما هو من فوره إلى الجهاد فتتبعه العساكر، وتلحق به أولاً فأولاً فلا يصل إلى أوائل الدروب إلا وقد لحقه كل من أراده من العساكر.
غزا نيفاً وخمسين غزوة ذكرت في المآثر العامري بأوقاتها وآثاره فيها، وفتح فتوحاً كثيرة، ووصل إلى معاقل جهة امتنعت على من كان قبله، ملأ الأندلس بالغنائم والسبي، وكان في أكثر زمانه لا يخل بغزوتين في السنة، وكان كلما انصرف من قتال العدو إلى سرادقه يأمر بأن ينفض غبار ثيابه التي حضر فيها معركة القتال وأن يجمع ويتحفظ به، فلما حضرته المنية أمر بما اجتمع من ذلك أن ينثر على كفنه إذا وضع في قبره، وتوفى في طريق الغزو في أقصى الثغور بمدينة سالم.
[ يُنظر: بغية الملتمس: 115، وسير أعلام النبلاء: 17/15، و17/123].

*3 - ‌عماد ‌الدين ‌زنكى بن قسيم الدولة الحاجب آق سنقر،* ولد سنة (478هـ). وكان والده أول ملوك الدولة الأتابكية فى الموصل، وحينما مات كان ابنه ‌زنكى صغيرًا، فتواصى به أصحاب أبيه إلى أن شبَّ وتولى مدينة واسط. وقاد ميمنة الجيش في حرب الخليفة المسترشد بالله وسلَّم إليه السلطان محمود ولديه ألب أرسلان والخفاجى ليربيهما؛ ولذا أُطلق عليه لقب أتابك.
استولى ‌زنكى على بلاد كثيرة بعد أن عظم أمره فافتتح الرها وتملك حلب والموصل وحماة وحمص وبعلبك وبانياس، وحرر كفرطاب والمعرة من الفرنج، ودانت له البلاد فعمرها وتحرى العدل في الرعية؛ فامتلأت البلاد بالحركة والحياة، بعد أن خربها الفرنج وظلموا أهلها. وأراد ‌زنكى الاستيلاء على قلعة جعبر سنة (541هـ)، فحاصر ملكها علي بن مالك وأوشك أن يفتحها، إلا أن جماعة من مماليكه غدروا به ليلاً فقتلوه [ سنة 594 هـ] عن عمر يزيد على الستين عامًا. [موسوعة سفير: 10/817].
قال ابن العديم الحلبي في كتابه "بغية الطلب في تاريخ حلب" 8/429: قال لي ابن خَيْر الله: وكان له غَزَواتٌ مُتَعدِّدة رحمه الله، وكان قد جَمَعَ الغُبَار الّذي صَارَ على دِرْعه في غَزَواتهِ، وادَّخَرها لتُجْعَل في أكْفَانهِ، فجُعِلَتْ في أكْفَانهِ حينَ ماتَ، رحمه الله.
قال: وكان كَثِيْر الخَيْر والمَعْرُوف، وبَنى بسِنْجَار مَدْرِسَةً، هو مَدْفُونٌ بِهَا، وبِيْمَارِسْتانًا، وبَنى بنصِيبِيْن مَدْرسَةً لأصْحَاب أبي حَنِيْفَة، ووقَفَ على ذلك وُقُوفًا كَثِيْرة.

*4 - ‌‌صلاح الدين الأيوبى،* هو يوسف بن نجم الدين أيوب بن شادي، مؤسس الدولة الأيوبية. ولد سنة 526هـ ونشأ في بلاط "نور الدين زنكي" بالموصل وعُرف باسم "صلاح الدين"، وقضى طفولته في ظل والده أيوب ببعلبك، وأخذ عنه براعته في السياسة، وشجاعته في الحروب، فشب خبيرًا بالسياسة وفنون الحرب، وتعلم علوم عصره وتثقف بثقافة أهل زمانه، وحفظ القرآن، ودرس الفقه والحديث. رحل صلاح الدين يوسف مع والده إلى دمشق بعد وفاة عماد الدين زنكى، ثم دخل في خدمة نور الدين بن عماد الدين زنكى سلطان حلب، فاستعان نور الدين بشيركوه وابن أخيه صلاح الدين في ضم مصر إليه.
بعد وفاة نور الدين زنكي سعى صلاح الدين لإقامة دولة إسلامية يكون هو مؤسسها وسلطانها، فظل يعمل على توحيد العالم الإسلامي مدة عشر سنوات في الفترة من سنة (572هـ) إلى سنة (582هـ)، حتى تحقق له ما أراد، واستعد لمواجهة الصليبيين المتربصين بالعالم الإسلامي، ثم تصدَّى لهم، فسجل التاريخ أبرز صور البطولة، وأسمى درجات الفداء والجهاد ضد هؤلاء المغتصبين، وكان من أبرز هذه المعارك واقعة حِطِّين [583هـ = يولية 1187م] التي تعد "حِطِّين" من أشهر الحروب التي خاضها صلاح الدين ضد الصليبيين وانتصر عليهم فيها انتصاراً عظيماً، وكان هذا الانتصار فاتحة خير على المسلمين، وبداية لسلسلة من الانتصارات على الصليبيين، واستسلمت قلعة طبرية وسلمت لصلاح الدين عقب هذا الانتصار، واتجه صلاح الدين صوب الساحل وحاصر عكا حتى استسلمت بعهد وأمان، ثم تتابع -بعد ذلك - استسلام باقي المدن الساحلية التي تقع جنوب عكا وهى: نابلس و الرملة و قيسارية و أرسوف و يافا و بيروت، وكذا المدن الواقعة شمال عكا مثل: الإسكندرونة، وكلها حصلت على العهد بالأمان من صلاح الدين الذى لم يبق أمامه سوى أن يمضى في طريقه إلى فلسطين، فاستسلمت عسقلان له أثناء مروره بها، وحانت المواجهة الحاسمة لتحرير بيت المقدس التي نجح في فتحها بعد حصار شديد حتى اضطر مَنْ بداخلها إلى الاستسلام وطلب الصلح. وتوفى صلاح الدين في سنة (589هـ = 1193م)، وله من العمر خمسة وخمسون عامًا، بعد أن أسر الناس بجليل أعماله، وقهر الصليبيين بشجاعته، وخلَّص العالم الإسلامي بقوة إيمانه من كوارث داخلية وخارجية كادت تودي به وتوقعه في أيدي الأعداء. [موسوعة سفير: 10/294 باختصار وتصرف]
جاء في كتاب "بهجة النفوس والأسرار في تاريخ دار هجرة النبي المختار" 1/420: ويذكر أن السلطان ‌صلاح ‌الدين أبو المظفر يوسف بن أيوب بن شادي ابن مروان الملك الناصر، كان إذا عاد من الغزو نفض ثيابه من ‌غبار الغزو على نطع وأمر من يجمعه، وإن ذلك الغبار عجن بماء زمزم وجعل لبنة لطيفة وجعلت تحت رأسه في قبره.

*5 - سيف الدين الدواداري الصالحي النجمي* (ت: 699هـ) كان كبير القدر، فإنه عمل دوادارية* الملك الصالح، وبقى بعده ينتقل من حال إلى حال إلى أن كان له مائة فارس بمصر وخمسون بدمشق، وما زال معظما في سائر الدول، وكان له سماع عال في الحديث، وله علم وفقه وديانة، وهو الذى أنشأ القاضي بدر الدين بن جماعة وأنشأ فقهاء كثيرين، ومع هذا كان صاحب شجاعة وفروسية، وله غارات كثيرة حتى نقل عن بعض مماليكه أنه صنع له طوبة من ‌غبار الغزوات التي حضرها وغزا فيها، وأوصى أن تكون هذه الطوبة تحت رأسه إذا دفن، وكان إذا ركب يكون شعره على قربوس سرجه الوراني وجميعه أبيض، وكانت له صدقات وبرّ وأوقاف على عتقائه، وله بالقدس الشريف رباط رتب فيها شيخا وفقراء ووقفا جاريا، ولما ورد خبره إلى دمشق صلّوا عليه صلاة الغائب في جامع بنى أمية وسائر جوامع دمشق، وكذلك صلوا عليه صلاة الغائب بمصر.
[عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان لبد الدين العيني: 4/19].
*المقصود بالدوادارية: صاحب هذه الوظيفة هو الدوادار: وهو الذي يحمل دواة السلطان أو الأمير، ويتولى أمرها، وما يلحق ذلك من المهمات، مثل تبليغ الرسائل وغيرها.
...المزيد

*[ مَن قرأ على شيخ واحد أربعين ختمة فأكثر ]* 1 - أبو محمد إسحاق بن أحمد بن إسحاق بن نافع بن أبي ...

*[ مَن قرأ على شيخ واحد أربعين ختمة فأكثر ]*

1 - أبو محمد إسحاق بن أحمد بن إسحاق بن نافع بن أبي بكر الخزاعي، المكي (ت: 308هـ)، الإمام في قراءة المكيين، قرأ على ابن فليح نحو العشرين ومائة ختمة.
[جامع البيان في القراءات السبع لأبي عمرو الداني: 1/317، وفي بعض المصادر أقل من ذلك]

2 - محمد بن هارون بن نافع بن قريش بن سلامة أبو بكر الحنفي البغدادي، المعروف بالتمار (ت: بعد سنة 310هـ)، مقرئ البصرة وشيخها في القراءة، من أجلّ أصحاب رويس وأضبطهم، قرأ على رويس سبعاً وأربعين ختمة.
[النشر في القراءات العشر: 1/187]

‌3 - حمدان ‌بْن ‌عَوْن أَبُو جعْفَر الخولانيّ الْمَصْريّ المقرئ (ت: 340هـ تقريباً)، قرأ على أحمد بن هلال ثلاث مائة ختمة.
[معرفة القراء الكبار للذهبي: 170].

4 - محمّد بن عبد الله بن محمّد بن مرّة، أبو الحسن بن أبي عمر المقرئ ‌النّقّاش (ت: 352هـ)، قرأ على علي بن محمد بن الحسين بن نازك ويقال ابن نيزك الطوسي نحواً من مائة ختمة أقل أو أكثر.
[المبسوط في القراءات العشر لأبي بكر النيسابوري: 84]

5 - أبو علي الحسن بن داود بن الحسن بن عون بن منذر بن صبيح القرشي، الأموي، الكوفي، المعروف بالنقار (ت: 352هـ)، قرأ على على أبي محمد القاسم بن أحمد بن يوسف بن يزيد التميمي الخياط المقرئ ‌أربعين ختمة ثم ترك العد وختم بعد ذلك ختمات كثيرة.
[جامع البيان في القراءات السبع لأبي عمرو الداني: 1/351]

6 - أبو عبد الله محمّد بن الحسين بن محمّد بن إبراهيم بن النعمان القرشيّ، الفهريّ، المقرئ، من أهل القيروان (ت: 368هـ)، قرأ على أحمد بن عبد العزيز بن موسى الخوارزميّ المعروف بابن بدهن مائة وثلاثين ختمة.
[المقفى الكبير للمقريزي: 5/320]

7 - علي بن عبد الغني أبو الحسن الفهري القيرواني الحصري (ت:488)، قرأ على الشيخ أبي بكر القصري السبع تسعين ختمة، كلما ختم ختمة قرأ غيرها حتى أكمل ذلك في مدة عشر سنين حسبما أشار إليه بقوله في قصيدته:
وأذكر أشياخي الذين قرأتها … عليهم فأبدأ بالإمام أبي بكر
قرأت عليه السبع ‌تسعين ‌ختمة … بدأت ابن عشر ثم أكملت في عشر
[غاية النهاية في طبقات القراء: 1/550، والأبيات في النشر في القراءت العشر لابن الجزري: 2/194]

8 - شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، (ت:748هـ) الإمام، العلامة، المقرئ، المحدث، المؤرخ. لقنه الشيخ مسعود بن عبد الله الأغزازي جميع القرآن الكريم، ثم جرده عليه نحواً من أربعين ختمة.
[معجم الشيوخ الكبير للذهبي: 2/339]

9 - عبد الوهاب بن محمد بن عبد الرحمن بن يحيى بن أسد أبو محمد القروي الإسكندري (ت: 788هـ)، قرأ على محمد بن محمد بن أحمد القوصي ‌أربعين ‌ختمة بمضمن الإعلان للصفراوي.
[غاية النهاية: 1/482]

10 - موسى بن إبراهيم أبو عيسى ويقال: أبو القاسم الهاشمي الزينبي البغدادي (ت: ؟)، قرأ على إبراهيم بن حماد سجادة أربعين ختمة.
[غاية النهاية: 2/316، توفي شيخه بعد الستين ومائتين، فيظهر أنه عاش في النصف الثاني من القرن الثالث]

محمد علي حميسان غفر الله له ولوالديه وأهله ومشايخه والمسلمين... اللهم آمين.
...المزيد

[ نماذج ممن تعسر عليه العلم ثم فتح الله تعالى عليه ] *1 - أبو هلال ‌العسكريّ (ت: ...

[ نماذج ممن تعسر عليه العلم ثم فتح الله تعالى عليه ]

*1 - أبو هلال ‌العسكريّ (ت: 395هـ).*
‌الحَسَن ‌بْن ‌عَبْد ‌الله ‌بْن ‌سهل بْن سَعِيد بْن يحيى بْن مِهْران اللُّغَويّ، الأديب، صاحب المصنَّفات الأدبيّة.
قال في رسالته لأحد إخوانه والموسومة باسم "الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه" ص: 71، متحدثاً عن نفسه: وكان ‌الحفظ ‌يتعذر ‌علي حين ابتدأت أرومه، ثم عودته نفسي، إلى أن حفظت قصيدة رؤبة (وقاتم الأعماق خاوي المخترق … ) في ليلة وهي قريب من مائتي بيت.

*2 – أبو بكر القفال المروزي (ت: 417 هـ)*
قال ياقوت الحموي: عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله أبو بكر القفّال المروزي وحيد زمانه فقهاً وعلماً، ... وهو أحد أركان مذهب الشافعي، وتخرّج به جماعة، وانتشر علمه في الآفاق، وكان ابتداء اشتغاله بالفقه على كبر السن، حدثني بعض فقهاء مرو بفنين من قراها أن القفّال الشاشي صنع قفلاً ومفتاحاً وزنه دانق واحد، فأعجب الناس به جدّا وسار ذكره وبلغ خبره إلى القفّال هذا فصنع قفلاً مع مفتاحه وزنه طسّوج، وأراه الناس فاستحسنوه ولم يشع له ذكر، فقال يوما لبعض من يأنس إليه: ألا ترى كلّ شيء يفتقر إلى الحظ؟ عمل الشاشي قفلاً وزنه دانق وطنّت به البلاد، وعملت أنا قفلاً بمقدار ربعه ما ذكرني أحد! فقال له: إنما الذكر بالعلم لا بالأقفال. فرغب في العلم واشتغل به وقد بلغ من عمره أربعين سنة، وجاء إلى شيخ من أهل مرو وعرّفه رغبته فيما رغب فيه، فلقّنه أول كتاب المزني، وهو: ‌"هذا ‌كتاب ‌اختصرته" ، فرقي إلى سطحه وكرّر عليه هذه الثلاثة ألفاظ من العشاء إلى أن طلع الفجر فحملته عينه فنام ثم انتبه وقد نسيها فضاق صدره وقال: أيش أقول للشيخ؟
وخرج من بيته فقالت له امرأة من جيرانه: يا أبا بكر لقد أسهرتنا البارحة في قولك ‌"هذا ‌كتاب ‌اختصرته"، فتلقنها منها وعاد إلى شيخه وأخبره بما كان منه، فقال له: لا يصدّنّك هذا عن الاشتغال فإنك إذا لازمت الحفظ والاشتغال صار لك عادة. فجدّ ولازم الاشتغال حتى كان منه ما كان.
[معجم البلدان: 5/116] ذكر من ترجم للقفال أنه ابتدأ في طلب العلم وله ثلاثون سنة وليس أربعين كما ذكر الحموي.

*3 - ‌‌المختار بن بون الجكني*
العالم الكبير المختار بن محمد سعيد، المعروف ببونا، ولد في العقود الأولى من القرن الثاني عشر، اشتهر بعلوم العربية والمعقول من نحو، ولغة، وبيان، وكلام، ومنطق، وأصول، وغير ذلك.
نشأ المختار بن بون في بيت أبيه، ولم يشتغل بالقراءة إلا بعد أن كبر، وكان في أول أمره، يضرب أقرانه من الصبيان، وينزع منهم ما بأيديهم: فاتفق أنه سطى ذات يوم على صبي فضربه، فانتصرت له أمه، وسبّت المختار بن بون سباً قبيحاً، وعيرته بالجهل، فأنف لذلك، وسار من غير علم أبويه، يريد المختار ابن حبيب، فوصل اليه، وشرع في قراءة الأجرومية، فلم يفهمها، ثم فتح الله عليه.
قيل: إنه لمّا لم يفلح بفهم الآجرّومية انزعج وذهب تحت شجرة وجلس يبكي حزناً على أنه لم يستطع استيعاب النحو، فرأى نملة تصعد على غصن عليه قطعة صغيرة من الشحم، فصعدت ووقعت، وصعدت ووقعت حتى عد ذلك سبع مرات، وفي السابعة وصلت، فقال: لن تكون هذه النملة أقوى همة مني، فرجع يدرسُ الآجرُّمية فاستوعبها، وبعد ذلك عُرف بالذكاء المفرط، والنبوغ الفذ.
له مؤلفات عديدة، طار صيتها، ولقيت قبولا عظيما، منها الجامع بين التسهيل والخلاصة، المعروف بالاحمرار والطرة، ومنها وسيلة السعادة في علم الكلام، وتحفة المحقق في علم المنطق، ومبلغ المأمول من علم الأصول، نظم به جمع الجوامع، ومؤلفات أخرى.
توفي رحمه الله تعالى في حدود عام 1230 هـ
[انظر: الوسيط في تراجم أدباء شنقيط: 278، وفقه العصر: ص 124]
...المزيد

نماذج من اهتمام أهل العلم بصحيح الإمام مسلم كان لبعض العلماء مزيد اهتمام بصحيح الإمام مسلم بن ...

نماذج من اهتمام أهل العلم بصحيح الإمام مسلم

كان لبعض العلماء مزيد اهتمام بصحيح الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى لسببين؛ الأول: أنه ثاني أصح كتب الحديث النبوي بعد صحيح الإمام البخاري، والثاني: حسن ترتيبه وجمعه.

فممن كان له مزيد اهتمام وعناية بصحيح الإمام مسلم: الإمام عبد ‌الغافر ‌بن ‌محمد ‌بن ‌عبد ‌الغافر الفارسي، المتوفى سنة 448هـ بنيسابور، قرأ صحيح الإمام مسلم على الجلودي، وقرأه عليه الكثير من الأئمة والحفاظ، فقرأه عليه الحسن السَّمرقنديّ الحافظ نيّفا وثلاثين مرّة، وقرأه عليه الشّيخ أبو سعد البحيريّ نيَّفا وعشرين مرة. هذا سوى ما قرأه عليه المشاهير من الأئّمة.
انظر: [سير أعلام النبلاء: 18/19]

ومنهم: الإمام أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد بن محمد بن أبي العباس أبو عبد الله الصاعدي الفراوي النيسابوري المتوفى سنة 607 هـ، سمع "صحيح مسلم" على عبد الغافر الفارسي، وقرأه عليه أبو المحاسن عبد الرزاق الطَّبَسِيّ سبع أو ثماني عشرة ‌مرَّة للنّاس.
قال أبو سعد السمعاني: وصُلِّي عليه بكرة، وما وُصِلَ به إلى المقبرة إلى بعد الظُّهر من الزِّحام، وأذكر أنَّا كُنَّا في رمضان سنة ثلاثين، وحملنا محفَّته على رقابنا إلى قبر مسلم لإتمام الصحيح، فلما فرغ القارئ من الكتاب بكى الشَّيْخ ودعا وأبكى الحاضرين، وقال: لعلَّ هذا الكتاب لا يُقرأ عليَّ بعد هذا. فتُوفي رحمه الله في الحادي والعشرين من شوَّال، ودُفِنَ عند قبر إمام الأئمة ابن خُزَيمة، وقد أملى أكثر من ألف مجلس.
انظر: [سير أعلام النبلاء: 19/615، وترجمة الطبسي في تاريخ الإسلام: 36/440].

ومنهم: الإمام إبراهيم بن محمد بن خليل ‌البرهان ‌الطرابلسي الأصل الشامي المولد والدار، الشافعي المتوفى سنة 841هـ، جاء في ترجمته أنه قرأ "صحيح ‌مسلم" نحو العشرين، وإن كان اهتمامه بصحيح البخاري أكثر حيث قرأه على الناس في الجوامع والمساجد وغير ذلك -خارجا عما قرأه في الطلب وقرئ عليه -: ‌ستين ‌مرة.
انظر: [البدر الطالع للشوكاني: 1/28، والضوء اللامع للسخاوي: 1/141].

ومنهم: الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله آل باز، مفتي عام المملكة العربية السعودية، المتوفى سنة 1420هـ، فقد ذكر الدكتور البحاثة علي العمران -حفظه الله تعالى- على صفحته في "تويتر" بتاريخ 11 أكتوبر 2017م ما نصه: سئل شيخنا الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله عن أحسن كتاب قرأه فقال: (شرح النووي على مسلم) وأنه قرأه ستين مرة.
...المزيد

[ من كرر صحيح البخاري أكثر من عشرين مرة ] ‌ 1 - الإمام المحدث الزاهد حسين ‌بن ‌محمد ‌بن ...

[ من كرر صحيح البخاري أكثر من عشرين مرة ]


‌ 1 - الإمام المحدث الزاهد حسين ‌بن ‌محمد ‌بن ‌حيون بن فيّاره الصدفي أبو علي المعروف بابن ‌سُكَّرة القاضي. والمتوفى شهيداً في عام 415هـ.
جاء في ترجمة صهره موسى بن سعادة أن الفقيه أبا محمد عاشر بن محمد حكى أن الصحيحين البخاري ومسلم سُمِعَا على أبي علي نحو ستين مرة.[1]

2 - الإمام، الحافظ، الناقد، المجود، أبو بكر غالب بن عبد الرحمن ابن غالب بن تمام بن عطية المحاربي، الأندلسي، الغرناطي، المالكي. المعروف بابن عطية الأندلسي. والمتوفى سنة 542هـ.
قال ابن بشكوال: وكان حافظاً للحديث، وطرقه، وعلله. عارفاً بأسماء رجاله ونقلته، منسوباً إلى فهمه، ذاكراً لمتونه ومعانيه. وقرأت بخط بعض أصحابنا أنه سمع أبا بكر بن عطية يذكر أنه كرر صحيح البخاري سبع مائة مرة...[2]

3 - الْهَاشِمِي الْقصّار ‌يُونُس ‌بن ‌يحيى ‌بن ‌أبي ‌الْحسن ‌بن ‌أبي ‌البركات بن أَحْمد ابْن حَمْزَة بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن مُوسَى بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس ابْن عبد الْمطلب. أَبُو مُحَمَّد الْهَاشِمِي الْقصار. المتوفى سنة 608هـ.
قَالَ محب الدّين بن النجار: سمعته يَقُول حدثت بِصَحِيح البُخَارِيّ سِتا وَثَلَاثِينَ مرّة....[3]

‌ 4 - عُثْمَان ‌بن ‌مُحَمَّد ‌بن ‌عُثْمَان ‌بن ‌أبي ‌بكر. الشَّيْخ الإِمَام الْمُقْرِئ الْفَقِيه الزَّاهِد مُفِيد الديار المصرية. فَخر الدّين، أَبُو عَمْرو المغربي التوزري ثمَّ الْمصْرِيّ الْمَالِكِي، المجاور، المتوفّى سنة 713هـ.
ذكر أَنه قَرَأَ صَحِيح البُخَارِيّ أكثر من ثَلَاثِينَ مرّة على أكثر من ثلاثين شيخاً،.[4]

5 - مسند الدّنيا شهاب الدّين ‌أحمد ‌بن ‌أبي ‌طالب ‌بن ‌نعمة ‌بن ‌حسن الصّالحي الحجّار ابن الشّحنة. المتوفى سنة 730هـ. انفرد بالرواية عن الحسين الزّبيدي، وبين سماعه للصحيح وموته مائة سنة.
قرئ عليه صحيح " البخاري " أكثر من ستين مرة، وقيل: بضعاً وسبعين مرة.[5]

‌ 6 - جلال ‌الدّين ‌أسعد ‌بن ‌محمد ‌بن ‌محمود ‌الشّيرازي ‌الحنفي. المتوفى سنة 803هـ. اشتغل على الشيخ شمس الدّين السّمرقندي، والشمس الكرماني، وقرأ عليه «صحيح البخاري» أكثر من عشرين مرة.[6]

7 - أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عبد الله ‌بن ‌مقبل ‌الزين، ‌القاهري، الْحَنَفِيّ، وَيعرف بالتاجر. المتوفى سنة 805هـ.
قَالَ الْبُرْهَان الْحلَبِي أَنه أخبرهُ أَنه قَرَأَ صَحِيح البُخَارِيّ إِلَى سنة ثَمَانِينَ خمْساً وَتِسْعين مرّة وقرأه بعد ذَلِك مرَارًا كَثِيرَة.[7]

‌ 8 - إِبْرَاهِيم ‌بن ‌مُحَمَّد ‌بن ‌صديق بن إِبْرَاهِيم بن يُوسُف برهَان الدّين الدِّمَشْقِي، الشَّافِعِي، الصُّوفِي، الْمُؤَذّن بالجامع الْأمَوِي بِدِمَشْق، نزيل الْحرم، بل يُقَال لَهُ المجاور بالحرمين، وَيعرف بِابْن صِدِّيق، وبابن الرسّام وَهِي صَنْعَة أَبِيه، وَرُبمَا قيل لصَاحب التَّرْجَمَة: الرسّام، وَكَانَ أَبوهُ أَيْضاً بواب الظَّاهِرِيَّة بِدِمَشْق. توفي سنة 806هـ.
قُرِئَ عَلَيْهِ البُخَارِيّ بمدينة حَلَب أَربع مرار، وبمكة أَزِيد من عشْرين مرّة.[8]

‌ 9 - محمد ‌بن ‌يعقوب ‌بن ‌محمد ‌بن ‌إبراهيم ‌بن ‌عمر، أبو طاهر، مجد الدين الشيرازي الفيروزآبادي صاحب "القاموس المحيط": من أئمة اللغة والأدب. توفي سنة 817هـ.
قال عبد الحي الكتاني: ووجدت في ثبت الشهاب أحمد بن قاسم البوني: " رأيت خط الفيروزبادي في آخر جزء من صحيح الإمام البخاري قال: إنه قرأ صحيح البخاري أزيد من خمسين مرة ".[9]

‌ 10 - سُلَيْمَان ‌بن ‌إبراهيم ‌بن ‌عمر بن علي بن عمر بن نَفِيس الدَّين العكي العدنانى الزبيدى التعزي الحنفي. المتوفى سنة 825هـ.
ذكر أنه مَرّ على صحيح البخاري مائة وخمسين مرة ما بين قراءة وسماع وإسماع ومقابلة.[10]

‌ 11 - عبدُ ‌الرَّحيمِ ‌بنُ ‌عبدِ ‌الكَريمِ ‌بنِ ‌نصرِ ‌اللهِ بنِ سعدِ الله ابنِ الخطيبِ أبي حامدِ ابنِ الطاهرِ بن عمرَ بنِ خليفةَ ابنِ الوليِّ أبي محمَّدٍ عبدِ الله بَنِ أحمدَ، الشَّرفُ أبو السَّعاداتِ ابنُ كريمِ الدِّينِ ابنِ كمالِ الدِّينِ القُرشيّ، البكريَّ، الجيانيُّ، الجرهيُّ، الشافعيُّ. المتوفى سنة 828هـ.
كان كثير المسموعات والشيوخ حَتَّى إنه سمع البُخَارِيّ على نَيف وَسبعين شَيخاً من قبل الْخمسين إِلَى بعد السّبْعين، وصحيح مُسلم على عشرَة فَأكْثر، وكمل لَهُ سَماع الْكتب السِّتَّة والموطأ ومسند الشَّافِعِي والدارمي وَغَيرهَا.[11]

‌ 12 - أحمد ‌بن ‌عثمان ‌بن ‌محمد ‌بن ‌عبد ‌الله، المسند المعمر المحدث، شهاب الدين الكلوتاتي، الحنفي. المتوفى سنة 835هـ.
قرأ صحيح البخاري نحواً من خمسين مرة.[12]
وقيل: إنه قَرَأَ البُخَارِيّ أَكثر من سِتِّينَ مرّة، وشيوخه فِيهِ نَحْو من ذَلِك إِلَى غَيره من الْكتب الْكِبَار والمعاجم والمشيخات وَالْمَسَانِيد والأجزاء مِمَّا لَا ينْحَصر.[13]

13 - إبراهيم بن مُحَمَّد بن خَلِيل ‌الْبُرْهَان ‌الطرابلسي، الأَصْل الشامي المولد وَالدَّار الشافعي. والمتوفى سنة 841هـ.
قرأ البخاري أكثر من ستين مرة، ومسلماً نحو العشرين سوى قراءته لهما في الطلب أو قراءتهما من غيره عليه.[14]

‌ 14 - عبد ‌الله ‌بن ‌أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد، السَّيِّد أصيل الدّين بن أَمَام الدّين بن شمس الدّين بن قطب الدّين بن جلال الدّين الْحُسَيْنِي ‌الأيجي الشَّافِعِي، نزيل مَكَّة وَمن بَيت الصفى والعفيف الأيجيين، وَيعرف بالسيد أصيل الدّين. المتوفى سنة 904هـ.
نقل السَّيِّد جمال الدّين الْمُحَدِّث عَن أستاذه السَّيِّد أصيل الدّين أَنه قَالَ: قَرَأت صَحِيح البُخَارِيّ نَحْو عشْرين وَمِائَة مرّة ‌فِي ‌الوقائع ‌والمهمات ‌لنَفْسي وَلِلنَّاسِ الآخرين فَبِأَي نِيَّة قرأته حصل الْمَقْصُود وَكفى الْمَطْلُوب.[15]

15 - الشيخ العالم المحدّث عناية الله الكشميري، أحد العلماء المبرزّين في المعقول والمنقول ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، المتوفى سنة 1125هـ.
قرئ عليه "صحيح البخاري" سِتّاً وثلاثين مرّة.[16]

16 - العلامة المحدِّث أبي عبد الله محمد التاودي ابن سودة المرِّي الفاسي ت (1209) من كتاب ((فِهْرس الفهارس)) للكتاني أنه:
كان مُثابرًا على إقراء ((صحيح البخاري)) حتى جاوزت ختماتُه الأربعين مرة، فلم يكن يدعه، لا سيما في شهر رمضان، يفتتحه في أول يومٍ منه، ويختمه آخره. وله عليه حاشية تسمَّى بـ ((زاد المجد الساري)) نحو أربع مجلدات.
وأقرأ أيضاً صحيح مسلم كثيراً...
وأقرأ ((الألفية)) في النحو نحوًا من ثلاثين مرَّة، وربما أقرأها في الشهر الواحد بَدْءًا وخَتْمًا.
وأقرأ ((مختصر خليل)) نحو ثلاثين مرة.
وغيرها الكثير.


17 - العلامة الفقيه المحدث النسابة الصوفي صالح علماء فاس وحامل راية المذهب المالكي على كاهله أبي المواهب جعفر بن إدريس الكتّاني الحسني المتوفى بفاس سنة 1323هـ عن نيف وسبعين سنة.
ختم الصحيح بالزاوية الكتانية بفاس أزيد من عشرين مرة.[17]

18 - الإمام المُحَدِّث المحقق الجهبذ القدوة الزاهد محمد يونس بن شَبّير أحمد بن شير علي الجَوْنْفوري السَّهَارَنْفوري، شيخ الحديث في جامعة مظاهر العلوم بسَهَارَنْفور، وشارح صحيح البخاري وغيره، بل أحد أبرز المتخصصين فيه منذ دهر. والمتوفى سنة 1438هـ.
أتم تدريس البخاري خمسين دورة، سوى ما قرئ عليه في أسفاره في الحجاز وإنجلترا وغيرهما.[18]

إعداد: محمد علي حميسان عفا الله تعالى عنه.
..................................

[1] التكملة لكتاب الصلة 2/177، ومعجم أصحاب القاضي أبي علي الصدفي 1/188.
[2] الصلة لابن بشكوال: 433، وتذكرة الحفاظ: 4/45، وسير أعلام النبلاء: 19/586.
[3] الوافي بالوفيات: 29/188.
[4] والوافي بالوفيات: 19/334، وانظر: البداية والنهاية: 18/133، وأعيان العصر: 3/228، والدرر الكامنة: 3/262.
[5] أعيان العصر وأعوان النصر للصفدي: 1/405، ومعجم الشيوخ للسبكي: 62، والبداية والنهاية: 18/327، والوافي بالوفيات: 8/142.
[6] شذرات الذهب: 9/44، وإنباء الغمر بأبناء العمر: 2/157.
[7] الضوء اللامع: 11/79، بتصرف.
[8] الضوء اللامع: 1/147، بتصرف.
[9] فهرس الفهارس. 2/1046.
[10] إنباء الغمر بأبناء العمر: 3/286، والضوء اللامع: 3/259، وشذرات الذهب: 9/274، والبدر الطالع: 1/265.
[11] الضوء اللامع: 4/181، والتحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة: 4/340.
[12] المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي: 1/388.
[13] الضوء اللامع: 1/378، والتنبيه والإيقاظ: 137.
[14] البدر الطالع بمحاسن مَن بعد القرن السابع للشوكاني: ص 1/28 والضوء اللامع لأهل القرن التاسع": 1/144.
[15] فهرس الفهارس للكتاني: 2/1045، والحطة في ذكر الصحاح الستة، لصدِّيق حسن خان: 179.
[16] الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام المسمى بـ (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر: 6/769، والبدور المضية في تراجم الحنفية: 13/192.
[17] فهرس الفهارس والأثبات: 1/186.
[18] من مقال على النت لتلميذه الشيخ محمد زياد التكلة.
...المزيد

[ حكم أخذ الأجرة على أعمال القربة، كالأذان والحج وتعليم القرآن الكريم والعلوم الشرعية ] ...

[ حكم أخذ الأجرة على أعمال القربة، كالأذان والحج وتعليم القرآن الكريم والعلوم الشرعية ]

اختلف العلماء في هذه المسألة إلى قولين:
الأول: عدم الجواز، وهو مذهب المتقدمين من أتباع أبي حنيفة،[1] وأحمد في أصح الروايتين.[2]
قال محمد بن الحسن: "قال أبو حنيفة: لا يجوز أن يستأجر الرجل رجلاً ليُعلِّم له ولده القرآن أو يستأجر الرجل الرجل يؤمهم في رمضان. وكذلك لا تجوز الإجارة على الأذان ولا على تعليم القرآن ولا على الصلاة".[3]
قال الكاساني في بدائع الصنائع: " ولا يصح الاستئجار على تعليم العلم؛ لأنه فرض عين ولا على تعليم القرآن عندنا".[4]
وقال في منار السبيل: " لا تصح الإجارة لأذان، وإقامة، وتعليم قرآن، وفقه، وحديث، ونيابة في حج، وقضاء ولا يقع إلا قربة لفاعله، ويحرم أخذ الأجرة عليه".[5]
ودليل أصحاب هذا القول ما يلي:
1 - عن عثمان بن أبي العاص –رضي الله عنه- قال: إن من آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن "اتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجرا"[6].
قال الترمذي: حديث عثمان حديث حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرا، واستحبوا للمؤذن أن يحتسب في أذانه.
2 - عن أبي بن كعب –رضي الله عنه- قال: علّمت رجلاً القرآن، فأهدى إليّ قوساً، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "إن أخذتها أخذت قوسا من نار"، فرددتها.[7]
3 - عن عبادة بن الصامت –رضي الله عنه- قال: علمت ناساً من أهل الصفة الكتابة والقرآن، فأهدى إلي رجل منهم قوسا فقلت: ليست لي بمال، وأرمي عنها في سبيل الله، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إن سرك أن تطوق بها طوقاً من نار فاقبلها ".[8]
4 – عن عبد الرحمن بن شبل الأنصاري –رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اقرءوا القرآن، ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به ".[9]
5 -ولأن القربة متى وقعت كانت للعامل فلا يجوز له أن يأخذ الأجر على عمل وقع له.[10]
6 -ولأن التعليم مما لا يقدر عليه المعلم إلا بمعنى من جهة المتعلم فيكون ملتزما ما لا يقدر على تسليمه فلا يجوز.[11]
7 – ولأن الاستئجار على الأذان، والإقامة، والإمامة، وتعليم القرآن والعلم سبب لتنفير الناس عن الصلاة بالجماعة وعن تعليم القرآن والعلم؛ لأن ثقل الأجر يمنعهم عن ذلك، وإلى هذا أشار الرب - جل شأنه - في قوله عز وجل: ﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ ﴾ [الطور: 40] فيؤدي إلى الرغبة عن هذه الطاعات وهذا لا يجوز وقال – تعالى: ﴿ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [يوسف: 104] أي على ما تبلغ إليهم أجرا وهو كان - صلى الله عليه وسلم - يبلغ بنفسه وبغيره بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا فليبلغ الشاهد الغائب"[12]، فكان كل معلم مبلغاً فإن لم يجز له أخذ الأجر على ما يبلغ بنفسه لما قلنا؛ فكذا لمن
يبلغ بأمره؛ لأن ذلك تبليغ منه.[13]

القول الثاني: الجواز.
وهذا مذهب مالك،[14] والشافعي،[15] ورواية عن أحمد،[16] وهو المختار عند متأخري الحنفية.[17]
قال في جامع الأمهات: " وتجوز الإجارة على الأذان وعلى الأذان والصلاة معا، وكره إجارة قسام القاضي، ولا بأس بما يأخذه المعلم على تعليم القرآن وإن لم يشترط، وإن شرط شيئا معلوما جاز".[18]
وقال في فتح المعين: " لا يصح الاستئجار لعبادة تجب فيها نية غير نسك كالصلاة لان المنعة في ذلك للأجير لا المستأجر والإمامة ولو نقل كالتراويح لان الإمام مصل لنفسه فمن أراد اقتدي به وإن لم ينو الإمامة أما ما لا يحتاج إلى نية كالأذان والإقامة فيصح الاستئجار عليه والأجرة مقابلة لجميعه مع نحو رعاية الوقت وتجهيز الميت وتعليم القرآن كله أو بعضه وإن تعين على المعلم".[19]
وقال ابن قدامة في الكافي: " وما يخص فاعله أن يكون من أهل القربة، وهم المسلمون، كالحج وتعليم القرآن، ففيه روايتان: إحداهما: يجوز الاستئجار عليه".[20]
قال ملا خسرو في درر الحكام: "الأصل أن الإجارة لا تجوز عندنا على الطاعات والمعاصي، لكن لمّا وقع
الفتور في الأمور الدينية جوزها المتأخرون ولذا قال: ويفتى اليوم بصحتها أي الإجارة لتعليم القرآن والفقه
والإمامة والأذان ويجبر المستأجر على دفع الأجر ويحبس به".[21]
واستدلوا بالأدلة التالية:
1 - عن ابن عباس –رضي الله عنهما-: أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء، فيهم لديغ أو سليم، فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم من راق، إن في الماء رجلا لديغا أو سليما، فانطلق رجل منهم، فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء، فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك وقالوا: أخذت على كتاب الله أجراً، حتى قدموا المدينة، فقالوا: يا رسول الله، أخذ على كتاب الله أجرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله".[22]
2 – أن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الواهبة نفسها زوج أحد الصحابة بما معه من القرآن، فقال عليه الصلاة والسلام: "ملكتها بما معك من القرآن".[23]
وجه الاستدلال:
أنه إذا جاز تعليم القرآن عوضا في باب النكاح، وقام مقام المهر، جاز أخذ الأجرة عليه في الإجارة.[24]
3 -عن أبي سعيد –رضي الله عنه-: أن رهطا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلقوا في سفرة سافروها، حتى نزلوا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين قد نزلوا بكم، لعله أن يكون عند بعضهم شيء، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيدنا لدغ، فسعينا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فهل عند أحد منكم شيء؟ فقال بعضهم: نعم، والله إني لراق، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق فجعل يتفل ويقرأ: الحمد لله رب العالمين حتى لكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي ما به قلبة، قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له، فقال: "وما يدريك أنها رقية؟ أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم بسهم".[25]
وجه الاستدلال:
إذا جاز أخذ الجُعل فيجوز أخذ الأجرة.[26]
4 -ولأنه يجوز أخذ الرزق عليه من بيت المال، فجاز أخذ الأجر عليه، كبناء المساجد والقناطر.[27]
5 - ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك، فلو لم يجز أخذ الأجرة لندر وجود المتبرعين بذلك، فتتعطل الكثير من المصالح.[28]

الترجيح:
الظاهر –والله- أعلم أن القول بالجواز هو الأوجه؛ حتى لا يقع الناس في حرج بسبب قلة المتبرعين لتلك الأعمال.
كما أن الوظائف التي تكون تابعة للأوقاف من إمامة وأذان وتعليم القرآن الكريم والعلوم الشرعية، يُعطى القائمون عليها من بيت المال، فيجوز ذلك، بل فيه تشجيع الناس على الخير والعلم.
ويمكن تأويل أحاديث المنع بمن يمتنع عن فعل الخير إلا إذا أعطي أجراً، كأن يقول: لن أؤذن إلا بكذا، أو: لن أصلي إلا بكذا.
حتى أن متأخري الأحناف افتوا بالجواز للحاجة إليها أكثر من ذي قبل، فقالوا: " ويفتى اليوم بالجواز أي بجواز أخذ الأجرة على الإمامة وتعليم القرآن، والفقه ، والأذان كما في عامة المعتبرات، وهذا على مذهب المتأخرين من مشايخ بلخي استحسنوا ذلك، وقالوا: بنى أصحابنا المتقدمون الجواب على ما شاهدوا من قلة الحفاظ ورغبة الناس فيهم، وكانت لهم عطيات من بيت المال وافتقاد من المتعلمين في مجازاة الإحسان بالإحسان من غير شرط مروءة يعينونهم على معاشهم ومعادهم، وكانوا يفتون بوجوب التعليم خوفا من ذهاب القرآن وتحريضا على التعليم حتى تنهضوا لإقامة الواجب فيكثر حفاظ القرآن، وأما اليوم فذهب ذلك كله وانقطعت العطيات من بيت المال بسبب استيلاء الظلمة واشتغل الحفاظ بمعاشهم وقلما يعلمون الحسبة ولا يتفرغون له أيضا، فإن حاجتهم يمنعهم من ذلك فلو لم يفتح باب التعليم بالأجر لذهب القرآن فأفتوا بجوازه لذلك ورأوه حسنا، وقالوا: الأحكام قد تختلف باختلاف الزمان ألا يرى أن «النساء كن تخرجن إلى الجماعات في زمانه - عليه الصلاة والسلام - وزمان أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - حتى منعهن عمر - رضي الله تعالى عنه - واستقر الأمر عليه» وكان ذلك هو الصواب كما في التبيين.
وفي النهاية يفتى بجواز الاستئجار على تعليم الفقه أيضاً في زماننا.
وفي الخانية خلافه تتبع، وفي المجمع يفتي بجواز الاستئجار على التعليم، والفقه، والإمامة كذا في الذخيرة، والروضة ولا يجوز استئجار المصحف وكتب الفقه لعدم التعارف كما في شرح الكنز للعيني".[29]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] بدائع الصنائع: 4/191، وتبيين الحقائق: 5/124، والتجريد للقدوري: 9/4634.
[2] المغني: 5/410، ومنار السبيل: 1/417، والمحرر في الفقه: 1/357، وكشاف القناع: 4/12
[3] الأَصْلُ: 4/15.
[4] بدائع الصنائع: 4/191.
[5] منار السبيل: 1/417.
[6] أبو داود، كتاب الصلاة، باب أخذ الأجر على التأذين، برقم 531، والترمذي، أبواب الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرا، برقم 209، والنسائي، كتاب الأذان، باب اتخاذ المؤذن الذي لا يأخذ على أذانه أجرا، برقم 672، وهو في مسند الإمام أحمد: 26/200، برقم 16270.
[7] أخرجه بن ماجه، كتاب التجارات، باب الأجر على تعليم القرآن، برقم 2158. وهو ضعيف كما ذكر الشيخ شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لسنن ابن ماجه، إلا أن الشيخ الألباني صححه لشواهده، كما في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: 5/316، برقم 1493.
[8] سنن أبي داود، أبواب الإجارة، باب من كسب في العلم، برقم 3416، وابن ماجه، كتاب التجارات، باب الأجر على تعليم القرآن، برقم 2157، وأحمد في المسند: 37/363، برقم 22689، والحاكم في المستدرك: 2/48، برقم 2277، وحسن إسناده الشيخ شعيب الأنؤوط في تحقيقه لسنن أبي داود، ومسند الإمام أحمد، وصححه الشيخ الألباني في: سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها: 1/515.
[9] مسند أحمد: 24/288، برقم 15529، ومصنف ابن أبي شيبة: كتاب صلاة التطوع والإمامة، وأبواب متفرقة، باب في الرجل يقوم بالناس في رمضان فيُعطى، ومسند أبي يعلى: 3/88، برقم 1518، والمعجم الأوسط للطبراني: 3/86 برقم 2574.
[10] تبيين الحقائق: 5/124، والمبسوط للسرخسي: 16/37، والمغني 3/224.
[11] المحيط البرهاني: 7/484، وتبيين الحقائق: 5/124، والتجريد للقدوري: 7/3697.
[12] جزء من حديث أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب، برقم 104، وأخرجه مسلم في الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها، برقم 1354.
[13] المبسوط للسرخسي: 16/37، وبدائع الصنائع: 4/191، واللباب في الجمع بين السنة والكتاب: 2/535.
[14] جامع الأمهات: 436، الجامع لمسائل المدونة: 15/424، و التبصرة: 10/4954-4955.
[15] فتح المعين: 376، وإعانة الطالبين: 3/133، و فتح الرحمن بشرح زبد ابن رسلان: 976، و التعليقة للقاضي حسين على مختصر المزني: 2/662.
[16] الكافي: 2/171، والمغني: 5/411، ومنار السبيل: 1/417.
[17] المبسوط للسرخسي: 16/37، ودرر الحكام: 2/233، وملتقى الأبحر: 533، والدر المختار: 581.
[18] جامع الأمهات: 436.
[19] فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين: 376.
[20] الكافي لابن قدامة: 2/171.
[21] درر الحكام شرح غرر الأحكام: 2/233؛ المؤلف: محمد بن فرامرز بن علي الشهير بملا - أو منلا أو المولى - خسرو المتوفى: 885هـ؛ الناشر: دار إحياء الكتب العربية؛ الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ؛ عدد الأجزاء: 2.
[22] أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب الشرط في الرقية بقطيع من الغنم، برقم 5737.
[23] أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب القراءة عن ظهر قلب، برقم 5030، وأخرجه مسلم في النكاح باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد، برقم 1425.
[24] المغني: 5/411.
[25] البخاري، كتاب الطب، باب النفث في الرقية، برقم 5749.
[26] المغني: 5/411.
[27] المرجع السابق.
[28] المرجع السابق.
[29] مجمع الأنهر: 2/385، وينظر على سبيل المثال: البناية شرح الهداية: 10/281، وحاشية ابن عابدين: 6/55، والعناية: 9/98.
...المزيد

[ من توسل إلى شيخه بشعر ليقبل تعليمه ] (١) ١ - قال الإمام ابن أبي حاتم - رحمه الله تعالى - في ...

[ من توسل إلى شيخه بشعر ليقبل تعليمه ] (١)

١ - قال الإمام ابن أبي حاتم - رحمه الله تعالى - في كتابه "الجرح والتعديل" ١ / ٢٧٥ : باب ما أنشد في عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى: حدثنا عبد الرحمن، نا أحمد بن سلمة النيسابوري قال: سمعت أبا بكر بن أسلم يقول: رحل أبي من نيسابور إلى مرو ليكتب عن ابن المبارك؛ فقال أبيات شعر أنشدها لابن المبارك:

خلَّفْتُ عُرْسي يومَ السَّير باكيةً
يابنَ المبـارك تبكيني برنَّـاتِ

خلَّفتُها سحَراً في النوم لم أرَها
ففي فـؤادي منها شِبْهُ كيَّاتِ

أهلي وعرسي وصبياني رفضتْهُم
وسرْتُ نحوَك في تلك المفازاتِ

أخافُ واللهِ قطَّاعَ الطريق بها
وما أمنتُ بِها من لدْغِ حيـَّاتِ

مستوفزاتٍ بها رقْشٌ مشوهةٌ
أخاف صولتـَها في كل ساعاتي

اجلسْ لنا كلَّ يومٍ ساعةً بُكَراً
إنْ خفَّ ذاك والا بالعشيَّـاتِ

يا أهل مرْوَ أعينونا بكفِّـكُم
عنَّـا وإلا رمينـاكُم بأبيـاتِ

لا تُضجِرونا فإنا معشَرٌ صبُرٌ
وليس نرجـو سوى ربّ البريـَّاتِ​

٢ - كتب القاضي محمد بن عبد الملك في سلخ صفر سنة ١٣٠١هـ إلى شيخه القاضي محمد العمراني - [جد شيخنا القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني رحمه الله تعالى] - هذه الأبيات يطلب إسعاده سماع الموطأ برواية يحيى بن يحيى الليثي وسنن ابن ماجه، مطلعها:

سقى سحب الرضى دهراً حباني
وصال أحبتي فلبست تاجَهْ

إلى أن قال:

أبن لي أيها المولى أيقضي
لنا الدهر الذي أبدا اعوجاجهْ

بجمع الشمل والمقصود وقت
لإملاء الموطأ وابن ماجهْ

ونجني زهر روض العلم غضّاً
ونسلك في الحديث به فجاجهْ

ونحيي للقا بيتاً قديماً
ونوسع في تنائينا شجاجهْ

فهب لي منك في الأسبوع يوماً
يدير الأنس فيه لنا زجاجهْ

فما كان من أستاذه وشيخه إلا أن عين له بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع لدرس الموطأ، وبعد إكماله شرع في درس سنن ابن ماجه حتى عاقه - [أي شيخه] الحِمام عن التمام فمات ليلة الأربع وعشرين من شعبان سنة ١٣٠٢هـ.
(القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني: حياته العلمية والدعوية ص ١٥٧، تأليف: عبد الرحمن عبد الله سلمان الأغبري)

٣ - قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله تعالى- متحدثا عن فترة طلبه للعلم: قَدِمْتُ عَلَى بَعْضِ الْمَشَايِخِ لِأَدْرُسَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ يَعْرِفُنِي مِنْ قَبْلُ، فَسَأَلَ عَنِّي مَنْ أَكُونُ، وَكَانَ فِي مَلَأٍ مِنْ تَلَامِذَتِهِ فَقُلْتُ مُرْتَجِلًا:

هَذَا فَتىً مِنْ بَنِي جَاكَانَ قَدْ نَزَلَا
بِهِ الصِّبَا عَنْ لِسَانِ الْعُرْبِ قَدْ عَدَلَا

رَمَتْ بِهِ هِمَّةٌ عَلْيَاءُ نَحْوَكُم
إِذْ شَامَ بَرْقَ عُلُومٍ نُورُهُ اشْتَعَلَا

فَجَاءَ يَرْجُو رُكَامًا مِنْ سَحَائِبِهِ
تَكْسُو لِسَانَ الْفَتَى أَزْهَارُهُ حُلَلًا

إِذْ ضَاقَ ذَرْعًا بِجَهْلِ النَّحْوِ ثُمَّ أَبَا
أَلَّا يُمَيِّزَ شَكْلَ الْعَيْنِ مِنْ فَعَلَا

وقَدْ أَتَى الْيَوْمَ صَبًّا مُولَعًا كَلِفًا
"بِالْحَمْدِ لِلَّهِ لَا أَبْغِي لَهُ بَدَلًا"


يريد دراسة لامية الأفعال.

(مقدمة تفسيره المُسمى "أضواء البيان في إضاح القرآن بالقرآن، وكتاب "علو الهمة" 152، للشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم)
*ولامية الأفعال منظومة في الصرف لإمام العربية محمد بن مالك –رحمه الله تعالى-صاحب "الخلاصة في النحو"، والشهيرة بألفية ابن مالك.
وفي الشطر الثاني من البيت الأخير من نظم الشيخ محمد الأمين تضمين لمطلع لامية الأفعال، حيث يقول ابن مالك فيها:

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ لاَ أَبْغِي بِهِ بَدَلاَ
حَمْدًا يُبَلِّغُ مِنْ رِضْوَانِهِ الأَمَلاَ

.... إلخ
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً