من عجيب أحوال بعض الأئمة في حفظ الوقت للقراءة والسماع مر معنا في مقال سابق نماذج في طلب العلم ...

من عجيب أحوال بعض الأئمة في حفظ الوقت للقراءة والسماع

مر معنا في مقال سابق نماذج في طلب العلم تعلماً وتعليماً وسماعا عند ساعة الاحتضار، وفي هذا المقال سنذكر بعض الأعاجيب التي سطرتها كتب التاريخ في تراجم بعض الأعلام ممن حرص على القراءة والسماع في أحوال لا تخطر ببال الكثير منا، فمنهم من كان يسعى للاستزادة من العلم وبذله في كل أحواله حتى عند الأكل والمشي ودخول الخلاء، بل وعند صلاة النافلة، وهذه نماذج لبعض أولئك الأعلام رحمهم الله تعالى:

1 - الإمام ‌ابن ‌تيمية الجد (590-653هـ).
مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله ‌بن ‌تيمية الحراني الحنبلي.
قال ابن رجب الحنبلي: الفقيه، الإمام، المقريء، المحدث المفسر، الأصولي، النحوي، مجد الدين، أبو البركات، شيخ الإسلام، وفقيه الوقت، وأحد الأعلام.
قال الذهبي الحافظ: كان الشيخ مجد الدين معدوم النظير في زمانه، رأسا في الفقه وأصوله، بارعا في الحديث ومعانيه، له اليد الطولى في معرفة القرآن والتفسير، وصنف التصانيف، واشتهر اسمه، وبعد صيته، وكان فرد زمانه في معرفة المذهب، مفرط الذكاء، متين الديانة، كبير الشأن.
قال شيخنا أبو عبد الله بن القيم: حدثني -أخو شيخنا- عبد الرحمن ابن عبد الحليم بن تيمية -قلت: وقد أجازني عبد الرحمن هذا عن أبيه - قال: كان الجد إذا دخل ‌الخلاء يقول لي: اقرأ في هذا الكتاب، وارفع صوتك حتى أسمع.
قلت: يشير بذلك إلى قوة حرصه على العلم وحصوله، وحفظه لأوقاته.
[ذيل طبقات الحنابلة: 4/1].

2 – الإمام أبو حاتم الرّازي (195-277 هـ).
محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران، الإمام، الحافظ، الناقد، شيخ المحدثين، الحنظلي الغطفاني، من تميم بن حنظلة بن يربوع.
كان من بحور العلم، طوف البلاد، وبرع في المتن والإسناد، وجمع وصنف، وجرح وعدل، وصحح وعلل.
قال الحَسَنُ بنُ الحُسَيْن الدَّرَسْتِينِيَّ: سمعتُ أبا حاتم يقول: قال لي أبو زُرْعة: ما رأيتُ أحرَصَ على طَلَبِ الحديثِ منك! فقلتُ له: إنَّ عبد الرحمن ابني لَحَرِيصٌ. فقال: مَنْ أشبَهَ أباه فما ظَلَم. قال الرَّقَّام: فسألتُ عبد الرحمن عن اتفاقِ ‌كَثْرةِ ‌السماعِ ‌له ‌وسؤالاتِهِ لأبيه؟ فقال: ربَّما كان يأكُلُ وأقرَأُ عليه، ويَمْشِي وأقرَأُ عليه، ويدخُلُ الخَلَاءَ وأقرَأُ عليه، ويدخُلُ البيتَ في طَلَبِ شيء وأقرَأُ عليه!.
[سير أعلام النبلاء: 13/247].

3 – الإمام أبو الحسن الدارقطني (306-385 هـ).
أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار بن عبد الله البغدادي، الإمام، الحافظ، المجود، المقرئ، المحدث، شيخ الإسلام، علم الجهابذة.
قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: حدثني الصوري، قال: سمعت رجاء بن محمد الأنصناوي يقول: كنا عند الدارقطني يوما والقارئ يقرأ عليه، وهو قائم يصلي نافلة، فمر حديث فيه ذكر نسير بن ذعلوق، فقال القارئ: بشير بن ذعلوق، فقال الدارقطني: سبحان الله، فقال القارئ: بشير بن ذعلوق، فقال الدارقطني: سبحان الله، فقال القارئ: يسير بن ذعلوق، فقال الدارقطني (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) فقال القارئ: نسير بن ذعلوق ومر في قراءته، أو كما قال.
حدثني حمزة بن محمد بن طاهر، قال: كنت عند أبي الحسن الدارقطني، وهو قائم يتنفل فقرأ عليه أبو عبد الله ابن الكاتب حديثا لعمرو بن شعيب، فقال: عمرو بن سعيد، فقال أبو الحسن: سبحان الله، فأعاد الإسناد، وقال: عمرو بن سعيد، ووقف فتلا أبو الحسن: (يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا)، فقال ابن الكاتب: عمرو بن شعيب.
[تاريخ بغداد: 13/492-493].

والحمد لله رب العالمين.
...المزيد

قراءة صحيح الإمام مسلم في مجالس معدودة 1 - عبد الله بن سعيد بن ‌لُبَّاج الأموي أبو محمد ...

قراءة صحيح الإمام مسلم في مجالس معدودة

1 - عبد الله بن سعيد بن ‌لُبَّاج الأموي أبو محمد الشنتجيالي (ت: 436هـ) المحدّث العابد المجاور بمكة ما يقرب من أربعين عاماً، صحب بها أبا ذرٍ عبد بن أحمد الهروي الحافظ -راوي صحيح البخاري-، واختص به وأكثر عنه. ولقي أبا سعيد السجزي فسمع عنه صحيح مسلم، وغيرهما.
رجع إلى الأندلس في سنة 430هـ. ولحق بقرطبة يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة بقيت للحرم سنة 433هـ. فقرىء عليه "مسند مسلم بن الحجاج الصحيح" في نحو جمعة بجامع قرطبة في موعدين طويلين حفيلين كل يوم موعد غدوة، وموعد عشية.
[انظر: الصلة في تاريخ أئمة الأندلس لابن بشكوال: 263 وما بعدها]

2 - طَلْحَة بن مظفر بن غَانِم بن مُحَمَّد العلثى تقى الدّين (ت: 593هـ) الْفَقِيه الْخَطِيب الْمُحدث الفرضى الْمُفَسّر.
قال ابن مفلح الحفيد: ...وَسمع الحَدِيث الْكثير وَقَرَأَ صَحِيح مُسلم فى ثَلَاث مجَالِس وَكَانَ يقْرَأ كتاب الجمهرة على ابْن العصار فَمن سرعَة قِرَاءَته وفصاحته قَالَ ابْن العصار هَذَا طَلْحَة يحفظ هَذَا الْكتاب.
[المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد: 1/462]

3 – الحافظ العراقي، عبد ‌الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن، أبو ‌الفضل، زين الدين (ت: 806هـ)، الإمام المحدث الحافظ.
قال الفاسي في "ذيل التقييد" عند ترجمته للحافظ العراقي: وسمع "صحيح مسلم" بقراءته في ‌ستة ‌مجالس على محمد بن إسماعيل ابن الخباز بدمشق وقرأ عليه بها المسند لأحمد بن حنبل في نحو ثلاثين ميعادا.
[ذيل التقييد في رواة السنن والأسانيد: 2/106]
وفي لحظ الألحاظ: قرأ عليه صحيح مسلم في ‌ستة ‌مجالس متوالية قرأ في آخر مجلس منها أكثر من ثلث الكتاب وذلك بحضور الحافظ زين الدين بن رجب وهو معارض بنسخته...
[لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ: 145]

4 – محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر، أبو طاهر، مجد الدين الشيرازي ‌الفيروزآبادي، (ت: 817هـ)، الإمام في اللغة والأدب.
قال المقري التلمساني: وَمن أغرب مَا منح الله بِهِ الْمجد صَاحب الْقَامُوس أَنه قَرَأَ بِدِمَشْق بَين بَاب النَّصْر والفرج تجاه نَعْل النَّبِي، على نَاصِر الدّين أبي عبد الله مُحَمَّد بن جهبل صَحِيح مُسلم فِي ثَلَاثَة أَيَّام، وَصرح بذلك فِي ثَلَاثَة أَبْيَات فَقَالَ:

‌قَرَأْتُ ‌بِحَمْد ‌اللهِ ‌جَامِعَ ‌مُسْلِمٍ … بِجَوْفِ دِمَشْقِ الشَّامِ جَوْفاً لإسْلامِ
عَلَى نَاصِرِ الدِّينِ الإِمَام ابنِ جَهْبَلٍ … بِحَضْرَة حُفّاظ مَشاهِيرَ أَعْلَامِ
وتَمَّ بِتَوْفِيق الْإِلَه وفَضْله … قِرَاءَةَ ضَبْطٍ فِي ثَلاثَة أَيَّامِ
[زهر الرياض في أخبار القاضي عياض: 3/48، وانظر شذرات الذهب: 9/191]

5 - ‌أحمد بن علي بن محمد الكناني ‌العسقلاني، أبو الفضل، شهاب الدين، ابن ‌حَجَر (ت: 852هـ)، قاضي القضاة بمصر، العلامة المحدّث المؤرخ صاحب المصنفات المشهورة.
قال تلميذه الحافظ السخّاوي في كتابه الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر: وقرأ "صحيح مسلم" بالمدرسة المنكوتمرية على مسنِد مصر الشرف أبي الطاهر محمد بن العز محمد بن الكُويك الرَّبعي، في أربعة مجالس، سوى مجلس الختم، وذلك في نحو يومين وشيء، فإنه كان الجلوس مِنْ بُكرة النَّهار إلى الظهر، وحدثهم القارىء به عَن محمد بن ياسين الجزولي، وعن المفتي الشهاب أحمد بن أبي بكر بن العز الصالحي الحنبلي إذنًا منهما، برواية الأول عَنِ الشَّريف أبي طالب الموسوي حضورًا وإجازة، والثاني: عن القاضي سليمان بن حمزة إجازة بسندهما. وانتهى ذلك في يوم عرفة، وكان يوم الجمعة سنة ثلاث عشرة وثمانمائة.
[الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر: 1/162]
وذكر ذلك ابن حجر نفسه فقال في "المجمع المؤسِّس: 2/478" عند ترجمة محمد بن محمد ابن عبد اللطيف بن الكُوَيْك (ت:821 هـ) : وقرأتُ عليه "صحيح ‌مسلم" في خمسة ‌مجالس.
وقال في "إنباء الغمر: 3/187": وقرأتُ عليه كثيرًا من المرويَّات بالإجازة والسماع، من ذلك "‌صحيح ‌مسلم" في أربعة ‌مجالس سِوى مجلس الخَتْم.

6 - برهان الدّين إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر البقاعي الحنبلي ثم الشافعي (ت: 935هـ)، الشيخ الصالح العارف.
قال نجم الدين الغزي: قرأ على شيخ الإسلام الوالد -[أي البدر الغزي]- في الأصول والعربية، وحضر دروسه كثيراً، وقرأ عليه بداية الهداية للغزالي والبخاري، كاملاً في ستة أيام، أولها يوم السبت حادي عشري رمضان سنة ثلاثين وتسعمائة، وصحيح ‌مسلم كاملاً في رمضان سنة إحدى وثلاثين في خمسة أيام متفرقة في عشرين يوماً، أولها يوم الأحد حادي عشرة وآخرها آخره...
[الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة: 2/76، وانظر: شذرات الذهب: 10/288]

7 – أبو الحسن ‌علي ‌بن ‌عبد ‌الله ‌بن ‌أحمد ‌العلوي، المصري الحنفي (ت: 1198هـ)، الشيخ الأديب.
قال عبد الحيّ الكتاني: وفي ترجمة أبي الحسن عليّ بن عبد الله بن أحمد العلوي، التوقادي أصلاً، المصري داراً، الحنفي من معجم الحافظ مرتضى الزبيدي: " قرأ عليّ الصحيح في اثني عشر مجلساً في رمضان سنة 1188 في منزل[ي]، ثم سمع الصحيح ثاني مرة مشاركاً مع الجماعة مناوبة في القراءة في أربعة مجالس وكان مدة القراءة من طلوع الشمس إلى بعد كل عصر، وصحيح مسلم في ستة مجالس مناوبة بمنزلي.
[فهرس الفهارس: 2/1044]
...المزيد

من كان له أكثر من عشرة دروس في اليوم والليلة بذلاً أو تلقياً *(1)* أحمد حسن الحنفي البطالوي ثم ...

من كان له أكثر من عشرة دروس في اليوم والليلة بذلاً أو تلقياً

*(1)* أحمد حسن الحنفي البطالوي ثم الكانبوري (ت:322هـ)، العالم المشهور بكثرة الدروس والإفادة.
قال عبد الحي بن فخر الدين الحسني الطالبي (ت 1341هـ): كان إماماً علامة، خيّراً، ديّناً، وَرِعاً، متواضعاً، وافر العقل، حسن الأخلاق... كثير الإنصاف والبشر لمن يقصده للأخذ عنه، مواظباً على الاشتغال، والإقبال على الإقراء، صبوراً، مديم التدريس من غير ملل ولا ضجر، وإني لا أعلم أحدا اشتغل بالتدريس، كما اشتغل به هذا الحبر، كان يدرّس الكتب الدقيقة في المنطق والحكمة والأصول والكلام، ويباحث في المسائل العويصة من علوم متعدّدة زيادة على خمسة ‌عشر ‌درسا في كلّ يوم، وفي ذلك عرضتْ له البواسير، يهرق الدم الكثير، وهو لا يتعطّل عن التدريس، حتى غلب عليه الهزال، ومنعه الأطبّاء عن التدريس قاطبة، ولكنّه ما ترك، حتى توفي إلى رحمة الله سبحانه.
[الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام: 8/1180]

*(2)* أبو النجم محمد بن القاسم بن هبة الله التكريتي (ت:624هـ)، الفقيه الشافعي المفتي.
كان يشتغل كل يوم ‌عشرين ‌درساً، وليس له دأب إلا الاشتغال وتلاوة القرآن ليلاً ونهاراً، وكان بارعاً، كثير العلوم، قد أتقن المذهب والخلاف.
[البداية والنهاية: 17/170، وعقد الجمان في تاريخ أهل الزمان للعيني: 4/189]

*(3)* الإمام محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مرّي بن حسن الحزامي الحوراني، ‌النووي، الشافعيّ (631-676هـ)، ذو التصانيف المفيدة، والمؤلفات الحميدة، العالم الرباني المتَّفق على علمه وإمامته وجلالته وزهده وورعه وعبادته.
قال تلميذه علاء الدين بن العطار (ت:724هـ): وذكر لي الشيخ -قدَّس الله روحه- قال: "‌كنتُ ‌أقرأ ‌كلَّ ‌يومِ ‌اثنتي ‌عشر ‌درساً ‌على ‌المشايخِ؛ شرحاً وتصحيحاً: درسين في "الوسيط"، ودرساً في "المهذَّب"، ودرساً في "الجمع بين الصحيحين"، ودرساً في "صحيح مسلم"، ودرساً في "اللمع" لابن جُنِّي في النحو، ودرساً في "إصلاح المنطق" لابن السِّكِّيت في اللغة، ودروساً في التصريف، ودرساً في أصول الفقه؛ تارة في "اللمع" لأبي إسحاق، وتارة في "المنتخب" لفخر الدين الرازي، ودرساً في أسماء الرجال، ودرساً في أصول الدين".
قال: "وكنتُ أعلِّق جميع ما يتعلق بها؛ من شرح مُشْكِل، ووضوح عبارة، وضبط لغة".
قال: "وبارك الله لي في وقتي، واشتغالي، وأعانني عليه".
[تحفة الطالبين في ترجمة الإمام محيي الدين لابن العطار: 49-50]

*(4)* محمد بن أحمد بن عبد القوى نجم الدين بن ضياء الدين الإسنائى (ت: 763هـ)، المجاور بمكة، الصالح الزاهد، العالم المشارك في علوم كثيرة، قرأ فى صباه بقوص على قاضيها نور الدين الإسنائي، ثم رحل إلى القاهرة، فلازم الاشتغال بها ملازمة كثيرة شديدة، بحيث كان يبحث في اليوم والليلة على المشايخ نحو اثنا ‌عشر ‌درسا في عدة من العلوم، ويحرر في باقي الليل ما كان قد بحثه في ذلك اليوم...
[العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين: 2/25]

*(5)* أبو بكر بن علي بن محمد الحداد العَبَّادي الحنفي، الفقيه المعروف بالحدّادي (ت:800هـ)، الإمام العلامة، الهمام الفهامة، كان عالما عاملا، ناسكا فاضلا، عابدا زاهدا، قانعا. له مصنفات كثيرة نافعة، كان صبوراً على مشاق التعليم يقرئ في اليوم والليلة نحوا من خمسة ‌عشر ‌درساً في الفروع، والأصول، والنحو، واللغو، والحديث، والتفسير، والفرائض، وغير ذلك من فنون العلم.
[الأثمار الجنية في أسماء الحنفية: 2/800، وسلّم الوصول إلى طبقات الفحول: 1/83]

*(6)* عَلَاء الدّين عَليّ الايديني الملقب باليتيم (ت: 920هـ)، العالم الفاضل.
قال تلميذه عصام الدين طاشْكُبْري زَادَهْ (ت:968هـ): وبذل نَفسه لاقراء الْعلم، وَكَانَ يدرس لكل أحد وَلَا يمْنَع الدَّرْس عَن أحد، وَرُبمَا يدرس فِي يَوْم وَاحِد عشْرين درساً مَا بَين صرف وَنَحْو وَحَدِيث، وَكَانَت لَهُ مُشَاركَة فِي كل الْعُلُوم وَبِذَلِك -كذا- نَفسه لله تَعَالَى وابتغاء لمرضاته، وَلَا يَأْخُذ أجرة من أحد، وَلَا يقبل الا الْهَدِيَّة، فَلم يقبل وَظِيفَة أصلاً، وَلم يكن لَهُ الا الْعلم وَالْعِبَادَة، وَكَانَ مشتغلاً بِنَفسِهِ فَارغًا عَن احوال الدُّنْيَا رَاضِياً من الْعَيْش بِالْقَلِيلِ، وانا اقْرَأ عَلَيْهِ الصّرْف والنحو سَمِعت مِنْهُ مَا فَاتَهُ صَلَاة ابداً مُنْذُ بُلُوغه، وَلم يتَزَوَّج وَلم يقارف الْحَرَام أصلاً، وَقد جَاوز عمره التسعين وَمَا سقط مِنْهُ سنّ أصلاً، وَكَانَ يقرأ الخطوط الدقيقة، وَكَانَ يكْتب خطاً حسناً جداً وَكَانَ يَشْتَرِي الْكتاب أبتر ويكمله وَيعْمل لَهُ جلدا، وَكَانَ يعرف تِلْكَ الصَّنْعَة، وقد اجتمع لَهُ بِهَذَا الطَّرِيق كتب كَثِيرَة...
[الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية: 203]

*(7)* الإمام محمد بن عليّ محمد بن عبد الله الشوكاني (1173-1250هـ)، قاضي قضاة اليمن، العلامة المجتهد، والفقيه المفسِّر، والأديب المؤرخ، صاحب المؤلفات المشهورة، والتصانيف النافعة.
كان يبلغ دروسه في اليوم والليلة إلى نحو ثلاثة عشر درسا منها ما يأخذه عن مشايخه ومنها ما يأخذه عنه تلامذته واستمر على ذلك مدة حتى لم يبق عند احد من شيوخه مالم يكن من جملة ما قد قرأه صاحب الترجمة بل انفرد بمقروات بالنسبة إلى كل واحد منهم على انفراده إلا شيخه العلامة عبد القادر بن أحمد فإنه مات ولم يكن قد استوفى ما عنده ثم إن صاحب الترجمة فرغ نفسه لإفادة الطلبة فكانوا يأخذون عنه في كل يوم زيادة على عشرة دروس في فنون متعدة واجتمع منها في بعض الأوقات التفسير والحديث والأصول والنحو والصرف والمعاني والبيان والمنطق والفقه والجدل والعروض وكان في أيام قراءته على الشيوخ وإقرائه لتلامذته يفتى أهل مدينة صنعاء بل ومن وفد إليها بل ترد عليه الفتاوى من الديار التهامية وشيوخه إذ ذاك أحياء وكادت الفتيا تدور عليه من أعوام الناس وخواصتهم واستمر يفتى من نحو العشرين من عمره فما بعد ذلك وكان لا يأخذ على الفتيا شيئا تنزها فإذا عوتب في ذلك قال أنا أخذت العلم بلا ثمن فأريد إنفاقه كذلك.
[البدر الطالع: 2/218-219]
وقد ذكر في ترجمة أمير اليمن الإمام المنصور بالله علي بن الإمام المهدي العباس (1151-1224هـ) واصفاً حاله قبل أن يلي القضاء الأكبر، والفنون التي كان يٌدّرسها لطلابه، قال: وكنت إذ ذاك مشتغلا بالتدريس في علوم الاجتهاد والافتاء والتضنيف، منجمعاً عن الناس لاسيما أهل الأمر وأرباب الدولة فإني لا اتصل بأحد منهم كائنا من كان، ولم يكن لي رغبة في سوى العلوم، وكنت أدرس الطلبة في اليوم الواحد نحو ثلاثة عشر درساً، منها ما هو في التفسير كالكشاف وحواشيه، ومنها ما هو في الأصول كالعضد وحواشيه والغاية وحاشيتها وجمع الجوامع وشرحه وحاشيته، ومنها ما هو في المعاني والبيان كالمطول والمختصر وحواشيهما، ومنها ما هو في النحو كشرح الرضى على الكافية والمغني، ومنها ما هو في الفقه كالبحر وضوء النهار، ومنها ما هو في الحديث كالصحيحين وغيرهما مع ما يعرض من تحرير الفتاوى ويمكن من التصنيف، فلم أشعر إلا بطلاب لي من الخليفة...
[البدر الطالع: 1/464].

*(8)* أبو الثناء شهاب الدين محمود بن عبد الله الآلوسي البغدادي (1217-1270هـ)، الإمام المفسر، مفتي بغداد، صاحب تفسير " روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني"، والذي يُعد من التفاسير الفريدة عند أهل العلم.
كان -رحمه الله تعالى-حريصا على أن يزيد علمه في كل لحظة، لا يفتر عن اكتساب الفوائد، واقتناص الشوارد، فكان نهاره للإفتاء والتدريس، وأول ليله لمنادمة مستفيد أو جليس، ويكتب بأواخر الليل ورقات -من تفسيره-، فيعطيها صباح اليوم التالي للكتاب الذين وظفهم في داره، فلا يكلمونها تبييضاً إلا في عشر ساعات.
وكان يدرس في اليوم أربعة وعشرين درسا - كذا -، وكان أيام اشتغاله بالتفسير والإفتاء يدرس في اليوم ثلاثة عشر درسا في كتب مطولة، وكان يؤلف حتى في مرضه الأخير.
وتفسيره أعجوبة فريدة لدى العلماء من بين التفاسير، وكفاه به إمامة وفضلاً وعلماً، وقد ألفه في الليل كما علمت.
[قيمة الزمن عند العلماء لأبي غدّة: 80-81، ومجلة الرسالة: 954/13]

*(9)* عبد الحميد بن محمد المصطفى بن مكي بن باديس (1308ـ-1359هـ) العلامة المفسر والداعية المصلح، ومؤسس ورئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ورائد النهضة الإسلامية في الجزائر.
كان رحمه الله يعطي أكثر من ‌عشرة ‌دروس يومية، وفي أغلب الأحيان كان ينتقل بين البلدان مفتشًا في مدارس الجمعية مشرفًا على نظام السير فيها، وحضر مرة الشيخ ابن باديس افتتاح مدرسة في نواحي بسكرا، في جنوب الجزائر، وقامت طفلة تدعى "ثومة"، ترحب به، فقالت: "أحييك يا ابن باديس بلغة القرآن، وبلغة الأدباء والأجداد، وأعاهدك باسم كل زميلاتي وزملائي على استعمالها وتعليمها حتى تعود العربية لغة البلاد" فتأثر الشيخ تأثرًا واضحًا وقام قائلًا: "إني دخلت هذه البلاد ولم يكن فيها من يحترم هذه اللغة، دخلت الجزائر واللغة العربية فيها مجهولة مهجورة، فكافحت طويلًا وتألمت كثيرًا لأعيد اللغة العربية إلى الجزائر العربية، ولو لم يكن من جزاء لي إلا ما قالته ثومة لكفى".
[التفسير والمفسرون أساسياته واتجاهاته ومناهجه في العصر الحديث لفضل حسن عباس: 2/598-599]

*(10)* محمد البشير طالب الإبراهيمي الجزائري (1306-1385هـ)، الإمام العلامة الأديب الداعية المصلح.
قال رحمه الله تعالى: أنشأت فيها –[أي مدينة تلمسان]- مدرسة دار الحديث، وتبارى كرام التلمسانيين في البذل لها حتى برزت للوجود تحفة فنية من الطراز الأندلسي، وتحتوي على مسجد وقاعة محاضرات، وأقسام لطلبة العلم، واخترت لها نخبة من المعلمين الأكفاء للصغار، وتوليت بنفسي تعليم الطلبة الكبار من الوافدين وأهل البلد، فكنت ألقي ‌عشرة ‌دروس في اليوم، أبدأها بدرس في الحديث بعد صلاة الصبح، وأختمها بدرس في التفسير بين المغرب والعشاء وبعد صلاة العتمة أنصرف إلى أحد النوادي فألقي محاضرة في التاريخ الإسلامي، فألقيت في الحقبة الموالية لظهور الإسلام من العصر الجاهلي إلى مبدأ الخلافة العباسية بضع مئات من المحاضرات.
[آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي: 5/283]

*(11)* شيخنا العلامة الفقيه المفتي د. أحمد بن عبد العزيز الحداد -حفظه الله تعالى ورعاه- مدير إدارة الإفتاء بدبي.
ذكر لي -حفظه الله تعالى ورعاه- أنه كان يدرس في المدرسة الصّولتية بمكة المكرمة -وهي مدرسة تعنى بتدريس العلوم الشرعية- ست مواد -أي ستة دروس- وفي الحرم المكي الشريف من خمسة إلى ستة دروس، درسان أو ثلاثة بعد العصر عند بعض المشايخ في الصرف والبلاغة، وثلاثة بعد المغرب والعشاء عند العلامة عبد الله بن سعيد اللحجي (1343-1410هـ) -رحمه الله تعالى- في الحديث والفقه والنحو.
فكانت الدروس بين أحد عشر واثنا عشر درساً في اليوم والليلة.

*(12)* الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي -حفظه الله تعالى-.
قال متحدثاً عن نفسه: أذكر ذات يوم من الأيام أنني اشتكيت إلى الوالد –[محمد المختار الشنقيطي (1337-1405هـ]- رحمه الله من المشقة في طلب العلم، وكانت دروسه متواصلة أثناء اليوم، بعد ‌الفجر تفسير للقرآن، وبعد الظهر صحيح ‌البخاري، وبعد العصر درس الفقه، وبعد المغرب السنن، وبعد العشاء في صحيح مسلم، خمسة دروس بالإضافة إلى دروس الجامعة، فلما وجدت بعض التعب والمشقة، وأحببت أن أقتصر على البعض، شكوت إليه رحمه الله، فقال: يا بني! والله لقد كنت أوقد ‌الفتيل لأبحث عن مسألة من مسائل الفقه، فيخنقني الدخان فأطفئه ثم أوقده ثم أطفئه، ولا أنتهي من المسألة إلا قرابة منتصف الليل، وأنتم في الكهرباء والنعمة، يقول: والله يا بني.. لقد كان يمرّ عليَّ بعض الآلام والأسقام أسلو عنها بالعلم الذي أتعلّمه.
ومما ذكر –رحمة الله عليه- يقول: كانت ‌أذني تؤلمني حتى أجد من الجهد والألم ما الله به عليم، فأضع الفتيلة في ‌أذني لكيه من أجل يسكن الألم، وكتابي في حجري لا أتحول عنه"أ.هـ.
[معالم تربوية لطالبي أسنى الولايات الشرعية: ص45]
فمجموع الدروس أحد عشر درساً في اليوم والليلة.

تم بحمد الله تعالى
...المزيد

من كرر كتاباً مائة مرة فأكثر هذه اطلالة سريعة بذكر مَن علت همته، وسمت نفسه، وكان ذا صبر وجلد على ...

من كرر كتاباً مائة مرة فأكثر

هذه اطلالة سريعة بذكر مَن علت همته، وسمت نفسه، وكان ذا صبر وجلد على تكرار الكتاب الواحد تعلماً وتعليماً مائة مرة وأكثر، وجعلت الحد الأدنى مائة؛ لأن ما دون ذلك كثير جداً بحيث يحتاج إلى سِفر مستقل لا مقالة يتيمة، وقد بدأت بترتيب الأعلام هنا بالأعلى ابتداء بمن كرر الكتاب ألف مرة ثم الأقل دون مراعاة للترتيب الزمني، والله تعالى الموفق:

*(1)* عباس بن الوليد الفارسي التونسي (ت:218هـ)، العالم الحافظ المحدّث.
قَالَ أَبُو الْعَرَبِ: وَلَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي أَحْمَدُ بْنُ تَمِيمٍ، رحمه الله، أَنَّهُمْ رُبَّمَا وَجَدُوا فِي آخِرِ بَعْضِ كُتُبِ عَبَّاسِ بْنِ الْفَارِسِيِّ: ‌دَرَسْتُهُ ‌أَلْفَ ‌مَرَّةٍ.
[المحن: 292، وطبقات علماء إفريقية: 254 كلاهما لأبي العرب التميمي المغربي الإفريقي]

*(2)* أبو محمد عبد الله بن إسحاق المعروف بابن التَّبَّان (ت:371هـ)، الإمام الفقيه العالم.
قال عن نَفْسِه: ‌كنت ‌أول ‌ابتدائي ‌أدرس ‌الليل ‌كلَّه، ‌فكانت أُمي تنهاني عن القراءة بالليل، فكنت آخذ المصباح وأجعله تحت الجفنة وأتعمَّد النوم، فإذا رَقَدَتْ أخرجتُ المصباحَ وأقبلتُ على الدرس.
قال القاضي عياض: وكان كثير الدرس، ذكر أنه دَرَسَ كتابًا ألفَ مَرَّةٍ. -يعني: ‌المدوَّنة-.
[ترتيب المدارك: 6248]
وفي شجرة النور الزكية في طبقات المالكية لابن مخلوف 1/143 في ترجمة ابن التّبان: أخذ عن ابن اللباد وغيره، درس ‌المدونة نحو الألف مرة.

*(3)* عبد القديم بن حسين بن أبي بكر ‌النُّزيلي اليماني الشافعي الفقيه.
قال محمد مرتضى الزبيدي عنه: درَّس العُبَابَ ثمانمِائةِ مَرّة.
[تاج العروس من جواهر القاموس: 13/502]

*(4)* أبو بكر غالب بن عبد الرحمن ابن غالب بن تمام بن عطية المحاربي، الأندلسي (ت:542)، الإمام، الحافظ، الناقد، المجود، الغرناطي، المالكي. المعروف بابن عطية الأندلسي.
قال ابن بشكوال: وكان حافظاً للحديث، وطرقه، وعلله. عارفاً بأسماء رجاله ونقلته، منسوباً إلى فهمه، ذاكراً لمتونه ومعانيه. وقرأت بخط بعض أصحابنا أنه سمع أبا بكر بن عطية يذكر أنه كرر صحيح البخاري سبع مائة مرة.
[الصلة لابن بشكوال: 432-433]

*(5)* إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل، أبو إبراهيم ‌‌‌المُزَني المصري (175-264هـ)، الإمام المجتهد الزاهد، صاحب الإمام الشافعي.
قال عن نفسه: قرأت "كتاب الرسالة" للشافعي خمسمائة مرة، ما من مرة منها إلا واستفدت [منها] فائدة جديدة لم أستفدها في الأخرى.
وقال: أنا أنظر في "كتاب الرسالة" عن الشافعي منذ خمسين سنة، ما أعلم أني نظرت فيه من مرة إلا وأنا أستفيد شيئاً لم أكن عرفته.
[مناقب الشافعي للبيهقي: 1/236]

*(6)* محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح، أبو بكر التميمي الأبهري ‌القاضي ‌المالكي (ت:375هـ)، ‌شيخ ‌المالكية ‌العراقيين ‌في ‌عصره.
قال عن نفسه: قرأتُ مختصر ابن عبد ‌الحكم خمس مئة مرة، ‌والأسدية خمسًا وسبعين مرة، ‌والموطأ خمسًا وأربعين مرة، ومختصر البرقي سبعين مرة، والمبسوط ثلاثين مرة.
[ترتيب المدارك: 6/186، والديباج المذهب: 2/207، وفيه أنه قرأ الموطأ 75 مرة]

*(7)* أبو الفتح نصر الله بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني، المعروف بابن الأثير الجزري، الملقب ضياء الدين (585-622هـ). الصاحب، العلامة، الوزير.
قال عن نفسه: وكنت جردت من الأخبار النبوية كتابا يشتمل على ثلاثة آلاف خبر كلها تدخل في الاستعمال، وما زلت أواظب [على] مطالعته مدة تزيد على عشر سنين ‌فكنت ‌أنهي ‌مطالعته ‌في ‌كل ‌أسبوع ‌مرة، حتى دار على ناظري وخاطري ما يزيد على خمسمائة مرة، وصار محفوظا لا يشذ عني منه شيء، وهذا الذي أوردته ههنا في حل معاني الأخبار هو من هناك.
[المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر: 1/150]

*(8)* محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مرّي بن حسن الحزامي الحوراني، ‌النووي، الشافعيّ (631-676هـ)، ذو التصانيف المفيدة، والمؤلفات الحميدة، العالم الرباني المتَّفق على علمه وإمامته وجلالته وزهده وورعه وعبادته.
قال السخاوي: وفي كلام الإدفوي في " البدر السافر ": إن الشيخ نوزع مرة في نقل عن " ‌الوسيط " –[للغزالي]- فقال: تنازعوني في " الوسيط " وقد طالعته أربعمائة مرة؟!
[المنهل العذب الروي في ترجمة قطب الأولياء النووي: 115]

*(9)* سُلَيْمَان ‌بن ‌إبراهيم ‌بن ‌عمر بن علي بن عمر بن نَفِيس الدَّين العكي العدنانى الزبيدى التعزي الحنفي (ت:825هـ).
ذكر أنه مَرّ على صحيح البخاري مائة وخمسين مرة ما بين قراءة وسماع وإسماع ومقابلة.
[إنباء الغمر بأبناء العمر: 3/286]

*(10)* عبد ‌الله ‌بن ‌أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد، السَّيِّد أصيل الدّين بن أَمَام الدّين بن شمس الدّين بن قطب الدّين بن جلال الدّين الْحُسَيْنِي ‌الأيجي الشَّافِعِي (ت:904هـ)، نزيل مَكَّة وَمن بَيت الصفى والعفيف الأيجيين، وَيعرف بالسيد أصيل الدّين.
نقل السَّيِّد جمال الدّين الْمُحَدِّث عَن أستاذه السَّيِّد أصيل الدّين أَنه قَالَ: قَرَأت صَحِيح البُخَارِيّ نَحْو عشْرين وَمِائَة مرّة ‌فِي ‌الوقائع ‌والمهمات ‌لنَفْسي وَلِلنَّاسِ الآخرين فَبِأَي نِيَّة قرأته حصل الْمَقْصُود وَكفى الْمَطْلُوب.
[فهرس الفهارس للكتاني: 2/1045]

*(11)* أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عبد الله ‌بن ‌مقبل ‌الزين، ‌القاهري، الْحَنَفِيّ، (ت:805هـ)، وَيعرف بالتاجر.
قَالَ الْبُرْهَان الْحلَبِي أَنه أخبرهُ أَنه قَرَأَ صَحِيح البُخَارِيّ إِلَى سنة ثَمَانِينَ خمْساً وَتِسْعين مرّة وقرأه بعد ذَلِك مرَارًا كَثِيرَة.
[الضوء اللامع: 11/79]

*(12)* عبد ‌اللَّطِيف افتخار الدّين ‌الْكرْمَانِي الْحَنَفِيّ (توفي في القرن التاسع) الإمام العالم العلاّمة
القدوة.
حُكِى عنه، أنه كان يقول: طالعتُ "‌المحيط البُرْهانِيّ" مائة مَرَّة.
[الضوء اللامع لأهل القرن التاسع: 4/340]

*(13)* إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن الفراء الحراني، ثم الدمشقي (ت: 729هـ)، شيخ الحنابلة، الفقيه، الإمام، الزاهد، مجد الدين أبو الفداء.
كان كثير النقل، ‌له ‌خبرة ‌تامة ‌بالمذهب، يقرئ "المقنع" و"الكافي" ويعرفهما، وكتب بخطه "المغني" و"الكافي"، وغيرهما. ويقال: إنه أقرأ "المقنع" مائة مرة.
[ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب: 4/532-533]

*(14)* عبد الله بن محمد بن عيسى بن وليد النحوي، أبو محمد، يعرف: بابن الأسلمي
قال ابن بشكوال: وكان: من أهل الحفظ والذكاء. ذكر عنه أنه كان ‌يختم ‌كتاب ‌سيبويه في كل خمسة عشر يوماً رحمه الله.
[الصلة في تأريخ أئمة الأندلس: 253]
قلت: فلو استمر على ذلك خمس سنوات لختمه مائة وعشرين مرة.

*والحمد لله رب العالمين*
وكتبه: محمد علي حميسان غفر الله له ولأهله ومشايخه وأحبابه والمسلمين... اللهم آمين
...المزيد

نماذج لذهول العلماء أو استغراقهم بالعلم هذه مواقف لذهول بعض الأعلام عما حولهم وانشغالهم بالعلم، ...

نماذج لذهول العلماء أو استغراقهم بالعلم

هذه مواقف لذهول بعض الأعلام عما حولهم وانشغالهم بالعلم، إما تفكيراً، أو نسخاً، أو مذاكرة، فمنهم من لم يشعر بما يجري حوله أو منه، أو لم يشعر بالوقت في أسوأ الظروف، أو يظل قائماً يتدارس مع صاحبه من العتمة حتى الصبح، وصدق أبو الطيب حين قال:
إذا تغلغل فكر المرء في طَرَفٍ
مِن مجده غرقَتْ فيه خواطرهُ

فنشرع بذكرهم رحمهم الله تعالى، ورزقنا الاقتداء بهم:

‌(1) عبد ‌الله ‌بن ‌المبارك بن واضح الحنظلي أبو عبد الرحمن الحنظلي مولاهم، التركي، ثم المروزي (118-181هـ)، الإمام، شيخ الإسلام، عالم زمانه، وأمير الأتقياء في وقته، الحافظ، الغازي.
قال علي بن الحسن بن شقيق: ‌قمت ‌مع ‌ابن ‌المبارك ‌ليلة ‌باردة ليخرج من المسجد، فذاكرني عند الباب بحديث وذاكرته، فما زال يذاكرني حتى جاء المؤذن فأذن للفجر.
[تذكرة الحفاظ: 1/203]

(2) عبد الرحمن بن مهدي بن حسان بن عبد الرحمن العنبري، أبو سعيد البصري اللؤلؤي (135-198هـ)، الإمام، الحافظ، الناقد، المجود.
قال أبو داود السجستاني: التقى وكيع وعبد الرحمن [ابن مهدي] في الحرم بعد العشاء فتواقفا حتى سمعا أذان الصبح.
[سير أعلام النبلاء: 9/195]

(3) أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الذهلي، الشيباني، المروزي، ثم البغدادي(164-241هـ)، إمام أهل السنة، والصابر في المحنة، وأحد أئمة المذاهب الأربعة.
قال قُتَيْبة بن سعيد: كان وَكِيع إذا كانت العَتْمَة ينصرف معه أحمد بن حنبل، فيقف على الباب فيُذَاكره. فأخذ وَكِيع ليلةً بعضادتي الباب ثمّ قال: يا أبا عبد الله، أريد أن ألقي عليك حديث سُفْيان. قال: هات. قال: تحفظ عن سُفْيان، عن سَلَمَةَ بن كُهَيْل كذا؟ قال: نعم. ثنا يحيى. فيقول: سَلَمَةُ كذا وكذا، فيقول: ثنا عبد الرحمن. فيقول: وعن سَلَمَةَ كذا وكذا. فيقول: أنت حدَّثتنا. حتّى يفرغ من سَلَمَةَ، فيقول أحمد: فتحفظ عن سَلَمَةَ كذا وكذا؟ فيقول وكيع: لا. ثمّ يأخذ في حديث شيخ، شيخ.
فلم يزل قائمًا حتّى جاءت الجارية فقالت: ‌قد ‌طلع ‌الكوكب. أو قالت: الزُّهْرة.
[تاريخ الإسلام: 18/68]

(4) محمد بن عبد السلام (‌سَحْنُون) بن سعيد بن حبيب التنوخي، أبو عبد الله (202-256هـ) الفقيه المالكي المناظر صاحب التصانيف.
كانت لمحمد بن سحنون سرية -أي جارية- يقال لها أم قدام. فكان عندها يوماً، وقد شغل في تأليف كتاب الى الليل، فحضر الطعام، فاستأذنته، فقال لها: أنا مشغول الساعة. فلما طال عليها، جعلت ‌تلقمه الطعام، حتى أتت عليه. وتمادى هو على ما هو فيه الى أن أذن لصلاة الصبح. فقال: شغلنا عنك الليلة يا أم قدام. هات ما عندك. فقالت قد والله يا سيدي ألقمته لك. فقال لها: ما شعرت بذلك.
[ترتيب المدارك: 4/215]

(5) الإمام ‌مسلم ‌بن ‌الحجاج بن مسلم بن ورد القشيري، النيسابوري أبو الحسين (206-261هـ)، الإمام المحدّث الحافظ، صاحب الصحيح.
قال أحمد بن سلمة: ‌عُقِد ‌لمسلم ‌مجلس ‌المذاكرة، فذكر له حديثٌ لم يعرفه، فانصرفَ إلى منزله، وأوقدَ السِّراج، وقال لمن في الدار: لا يدخلنَّ أحدٌ منكم هذا البيت، فقيل له: أُهِديت لنا سلَّةٌ فيها تمرٌ، فقال: قدِّموها إليّ، فقدَّموها إليه، فكان يأكل تمرةً تمرة، فأصبح وقد فنيَ التمرُ ووجدَ الحديث.
وقال ابن عساكر: أقامَ مسلمٌ ليلةً يفتِّش على حديثٍ، وبينَ يديه سلَّة من تمر، فلم يزل يفتِّشُ عليه ويأكلُ من السلَّة، حتَّى لم يبقَ فيها شيء، فماتَ...
[مرآة الزمان في تواريخ الأعيان: 15/448]

(6) محمد بن محمد بن سليمان، أبو بكر الأزدي الواسطي، المعروف بابن ‌الباغندي (ت:312هـ)، الإمام، الحافظ، محدث العراق.
قال عمر بن أحمد الواعظ: قام أبو بكر ‌الباغندي ليصلي، فكبّر ثم قال: حدثنا محمد بن سليمان لوين، فسبحنا به. فقال: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * ‌الْحَمْدُ ‌لِلَّهِ ‌رَبِّ ‌الْعَالَمِينَ}.
[تاريخ بغداد: 4/345، وتاريخ دمشق: 55/169]

(7) محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان الأموي بالولاء الشهير بـ أبو العباس الأَصَمّ، (247 - 346هـ)، الإمام الثقة الحافظ الرُّحلة.
قالَ أبو عبد الله الحاكم: حضرتُ أَبَا العباس [الأصم] يوماً في مسجده، فخرج ليؤذّن لصلاة لعصر، فوقف موضع المئذنة، ثم قال بصوتٍ عال: أخبرنا الربيع بْن سُلَيْمَان قَالَ: أخبرنا الشّافعيّ، ‌ثمّ ‌ضحِك ‌وضحِك ‌النّاس، ثمّ أذَّن.
[تاريخ دمشق: 56/293، وطبقات علماء الحديث لابن عبد الهادي: 3/54، والسير للذهبي: 15/458].

(8) يحظيه ولد عبد الودود الجكني الشنقيطي (1265-1359هـ)، العلامة الكبير، وسيبويه زمانه.
حُكي أنه خرج بعد العصر ليأتي لشيخه بدلو ماء من الحي المجاور، فحان وقت المغرب وهو في الطريق عند نار قد أوقدها الرعاة في خشب، فصلى المغرب ثم جلس يدرس عند تلك النار، ويقرأ كتاب الإضافة من الألفية، ويردده، فلم يشعر إلا وقد طلع الفجر، ففاتته العشاء، حصل هذا وهو في ليلة شاتية فمن استغراقه في العلم لم يشعر بالبرد أو الجوع والعطش.

والحمد لله رب العالمين.
وكتبه: محمد علي حميسان غفر الله له ولأهله ومشايخه وأحبابه والمسلمين... اللهم آمين.
...المزيد

جَرْدُ المُطَوَّلات وتكرارها قراءة أو تدريساً (أكثر من عشر مرات (1) محمد بن عبد الله بن محمد بن ...

جَرْدُ المُطَوَّلات وتكرارها قراءة أو تدريساً (أكثر من عشر مرات

(1) محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح، أبو بكر التميمي الأبهري ‌القاضي ‌المالكي (ت:375هـ)، ‌شيخ ‌المالكية ‌العراقيين ‌في ‌عصره.
قال عن نفسه: قرأتُ مختصر ابن عبد ‌الحكم خمس مئة مرة، ‌والأسدية خمسًا وسبعين مرة، ‌والموطأ خمسًا وأربعين مرة، ومختصر البرقي سبعين مرة، *(والمبسوط [في الفقه المالكي])* ثلاثين مرة.
[ترتيب المدارك: 6/186، والديباج المذهب: 2/207، وفيه أنه قرأ الموطأ 75 مرة]

(2) عبد الله بن محمد بن أبى بكر بن إسماعيل بن أبى البركات بن مكي ابن أحمد الزريراتى، ثم البغدادى، تقى الدين أبو بكر (668-729هـ) الإمام فقيه العراق، ومفتي الآفاق.
ومن محفوظاته في المذهب كتاب "الخرقي" و"الهداية" لأبي الخطاب.
وذكر أنه ‌طالع *(‌المغني)* للشيخ موفق الدين ثلاثا وعشرين مرة، وكان يستحضر كثيراً منه، أو أكثره، وعلق عليه "حواشي وفوائد".
[الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب: 5/2]

(3) عبد ‌اللَّطِيف افتخار الدّين ‌الْكرْمَانِي الْحَنَفِيّ (توفي في القرن التاسع) الإمام العالم العلاّمة
القدوة.
حُكِى عنه، أنه كان يقول: طالعتُ *(‌المحيط البُرْهانِيّ)* مائة مَرَّة.
[الضوء اللامع لأهل القرن التاسع: 4/340]

(4) علي بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن محمد باعلوي الشريف الحسيني، نور الدين (818 - 895 هـ) العالم العارف الشاعر.
تربى بعمه الشيخ الكبير سراج الدين عمر بن الشيخ عبد الرحمن، ثم بأخيه الشيخ عبد الله بن أبي بكر، وأخذ العلم عن جماعة ممن أخذ عنهم أخوه حتى برع في العلم، ثم أمره أخوه الشيخ عبد الله بملازمة كتاب *(‌إحياء ‌علوم ‌الدين)* فقرأه على أخيه مدة حياته خمساً وعشرين ‌مرة، وكان الشيخ عبد الله يصنع عند كل ختمة ضيافة عامة للفقراء وطلبة العلم الشريف، ثم إن الشيخ عليا ألزم ولده الشريف الشيخ عبد الرحمن بن علي قراءته عليه مدة حياته، فختمه أيضا عليه خمساً وعشرين ‌مرة، فمجموع ذلك قراءة وإقراء خمسون ‌مرة.

(5) عبد الرحمن بن الشيخ علي بن أبي بكر العيدروس الشافعي (850 – 923هـ)، العلامة، العابد، الزاهد.
قال في النور السافر: وَحكي من مجاهداته أَنه كَانَ وَهُوَ صَغِير يخرج هُوَ وَابْن عَمه الشَّيْخ أَبُو بكر العيدروس إِلَى شعب من شعاب تريم يُقَال لَهُ النعير بعد مُضِيّ نصف اللَّيْل فينفرد كل مِنْهُمَا يقْرَأ عشرَة أَجزَاء فِي صَلَاة ثمَّ يرجعان إِلَى منازلهما قبل الْفجْر وَقَرَأَ *(الإحياء)* على وَالِده أَرْبَعِينَ مرّة وَبَلغنِي أَنه كَانَ يغْتَسل لكل فرض...
[النور السافر عن أخبار القرن العاشر: 105]

‌(6) على ‌بن ‌عبد ‌الْوَاحِد ‌بن ‌مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الله بن يحيى بن أَبى يحيى بن أَحْمد ابْن السراج أَبُو الْحسن الانصارى السِّجِلْماسِي الجزائرى (ت: 1057هـ).
بلغ الْغَايَة القصوى في الرِّوَايَة والمحفوظات وَكَثْرَة الْقِرَاءَة وَحكى بعض تلامذته انه قَرَأَ السِّتَّة على مشايخه دراية وَقَرَأَ ‌البخاري سبع عشرَة مرّة بالدرس قِرَاءَة بحث وتدقيق وَمر على *(‌الْكَشَّاف)* من أَوله الى آخِره ثَلَاثِينَ مرّة مِنْهَا قِرَاءَة وَمِنْهَا مطالعة.
(خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر: 3/173)

‌‌(7) محمد ‌أبو ‌اليسر بن محمد أبي الخير ‌عابدين، (1307 - 1401 هـ)، العالم العلَاّمة، الأديب، المجاهد، مفتي سورية.
قال الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله تعالى في ذكرياته: فالشيخ أبو ‌اليسر ‌عابدين كان نموذجاً لهؤلاء العلماء، ولكنه كان نموذجاً كاملاً. قرأ على أبيه الشيخ أبي الخير عابدين *(الحاشية)* -مثلاً- بأجزائها الخمسة الكبار ثلاث مرات، وأقرأها من بَعْدُ أكثر من ثلاث عشرة مرة. وقرأ عشرات من الكتب، لا كما قرأت أنا قراءة سرد لأعرف ما فيها ولأرجع عند الحاجة إليها، بل كما عهدنا طلاّب الأزهر يقرؤون قبل أن ينتقل الأزهر إلى رحمة الله وتسكن منازلَه هذه الجامعةُ … وَرِثَتْهُ وليست من وَرَثَته الشرعيين!
[ذكريات علي الطنطاوي: 2/180]

(8) محمد عالي ولد عبد الودود الهاشمي الشنقيطي (ت:1401 هـ) العلامة الكبير، المتفنن.
جاء في ترجمته أنه كان له درس ثابت في كتاب *(فتح الباري بشرح صحيح البخاري)* وقد ختمه أربع عشرة مرة تقريباً، وأما *(تفسير القرطبي)* فأكثر من ذلك.

‌(9) حماد بن محمد ‌الأنصاري الخزرجي السعدي - نسبة إلى سعد بن عبادة - الصحابي الجليل – (1343هـ - 1418هـ)، العلامة، المتفنن.
قال ابنه عبد الأول بن حماد الأنصاري عن حال أبيه مع القراءة: ومِن جلَدِه على القراءة: أنه كان يمضي الساعات الطويلة ناظرًا في المطبوعات أو مفتِّشًا في المخطوطات؛ وإذا جاءه مخطوط نادر أو كتابٌ جديد فإنه لا ينام حتى يتمّ قراءته كاملاً حتى يطلع عليه الفجر ولم يكمله، وقد يجيء الضحى وهو مستغرقٌ في القراءة والإطلاع، وكان إدمانه على القراءة "سيّما المخطوطات" أحد أسباب مرض عينيه "يرحمه الله"؛ وقد ذكر لي أنه قرأ *(فتح الباري)* عشرين مرّة، وما ذلك إلاّ لصبرٍ طويل ودأبٍ على التحصيل.

(10) عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله آل باز (ت:1420هـ) العلامة، العابد، مفتي عام المملكة العربية السعودية
ذكر الدكتور البحاثة على العمران -حفظه الله تعالى- على صفحته في "تويتر" بتاريخ 11 أكتوبر 2017م ما نصه: سئل شيخنا الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله عن أحسن كتاب قرأه فقال: *(شرح النووي على مسلم)* وأنه قرأه ستين مرة.

والحمد لله رب العالمين
وكتبه: محمد علي حميسان غفر الله له ولأهله ومشايخه وأحبابه والمسلمين... اللهم آمين.
...المزيد

مَن باع داره لأجل العلم (1) زياد بن عبد الله بن الطفيل، أبو محمد البكائي الكوفي (ت: 183هـ)، ...

مَن باع داره لأجل العلم

(1) زياد بن عبد الله بن الطفيل، أبو محمد البكائي الكوفي (ت: 183هـ)، الشيخ، الحافظ، المحدّث، راوي السيرة النبوية عن ابن إسحاق.
قال أبو علي صالح بن محمد –[جزرة]-: ليس كتاب المغازي عند أحد أصح منه عند زياد البكائي، وزياد في نفسه ضعيف، ولكنه هو من أثبت الناس في هذا الكتاب، وذلك أنه باع ‌داره وخرج يدور مع ابن إسحاق حتى سمع منه الكتاب.
[تاريخ بغداد: 9/502، وسير أعلام النبلاء: 9/6]

(2) هشام ‌بن ‌عمّار بن نصير بن ميسرة بن أبان أبو الوليد السُّلَمي، ويقال: الظفري، الدمشقي (153 – 245هـ)، الإمام، الحافظ، العلامة، خطيب دمشق ومفتيها ومقرؤها ومحدّثها.
قال مُحَمَّد بْن الفيض الغساني: سمعت هِشَام بْن عمار بن نصير يقول: ‌باع ‌أبي ‌بيتا ‌له ‌بعشرين دينارا، وجهزني للحج، فلما صرت إِلَى المدينة، أتيت مجلس مالك بن أنس، ومعي مسائل أريد أن أسأله عنها، فأتيته وهو جالس فِي هيئة الملوك وغلمان قيام والناس يسألونه وهو يجيبهم، فلما انقضى المجلس، قال لي بعض أصحاب الحديث: سل عَنْ ما معك، فقلت لَهُ: يا أَبَا عَبد اللَّهِ ما تقول فِي كذا وكذا؟ فَقَالَ: حصلنا عَلَى الصبيان، يا غلام احمله! فحملني كما يحمل الصبي وأنا يومئذ غلام مدرك فضربني بدرة مثل درة المعلمين سبع عشرة درة، فوقفت أبكي، فَقَالَ لي مالك بن أنس: ما يبكيك؟ أوجعتك هذه، يعني الدرة؟ قلت: إن أبي باع منزله ووجه بي أتشرف بك وبالسماع منك، فضربتني، فَقَالَ: اكتب. فحَدَّثَنِي سبعة عشر حديثا، وسألته عما كان معي من المسائل فأجابني.
وعَنْ صالح بن محمد الحافظ: سمعت هشام بن عمار يقول: دخلت عَلَى مالك ابن أنس، فقلت له: حَدَّثَنِي. فَقَالَ: اقرأ. فقلت: لا بل حَدَّثَنِي.
فَقَالَ: اقرأ، فلما أكثرت عليه. قال: يا غلام تعال اذهب بهذا فاضربه خمسة عشر. قال: فذهب بي فضربني خمس عشرة درة. ثم جاء بي إليه، فَقَالَ: قد ضربته. فقلت له: لقد ظلمتني، ضربتني خمس عشرة درة بغير جرم، لا أجعلك فِي حل، فَقَالَ مالك: فما كفارته؟ قلت: كفارته أن تحَدَّثَنِي بخمسة عشر حديثا، قال: فحَدَّثَنِي بخمسة عشر حديثا. فقلت له: زد من الضرب، وزد فِي الحديث. قال: فضحك مالك وَقَال: اذهب.
[تهذيب الكمال: 30/251-252، وسير أعلام النبلاء: 11/428-429]

(3) الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل بن سلمة بن عثكل بن حنبل بن إسحاق الهمذاني أبو العلاء الهمذاني (488 - 569 هـ)، المقرئ، المحدث، الحافظ، الأديب، اللغوي، الزاهد، أبو العلاء، المعروف بـ "العطار" شيخ "همذان".
قال الإمام طلحة بن مظفر العلثي قال: ‌بيعت ‌كتب ‌ابن ‌الجواليقي ‌في "‌بغداد" فحضرها الحافظ أبو العلاء الهمذاني، فنادوا على قطعة منها: بستين دينارا، فاشتراها الحافظ أبو العلاء الهمذاني، بستين دينارا، والانظار من يوم الخميس، إلى يوم الخميس، فخرج الحافظ، واستقبل طريق "همذان"، فوصل فنادى على دار له، فبلغت بستين دينارا، فقال: بيعوا، قالوا تبلغ أكثر من ذلك، قال: بيعوا، فباعوا الدار بستين دينارا فقبضها، ثم رجع إلى "بغداد" فدخلها يوم الخميس، فوفى ثمن الكتب، ولم يشعر أحد بحاله إلا بعد مدة.
قال ابن الجوزي: وبلغني: أنه رئي في المنام في مدينة جميع جدرانها من الكتب، وحوله كتب لا تحد، وهو مشتغل بمطالعتها، فقيل له: ما هذه الكتب؟ قال: سألت الله تعالى أن يشغلني بما كنت أشتغل به في الدنيا، فأعطاني.
[ذيل طبقات الحنابلة: 2/270 وما بعدها]

(4) عبد الله بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن نَصْر أبو محمد بن الخَشَّاب، البغدادي (492 – 567 هـ)، النَّحْوي، المحدَّث، الفقيه الحنبلي، العلَّامة. وأعلم أهل عصره بالعربية. جمع الكتب الكثيرة، ووقفها على أهل العلم قبيل وفاته.
كان يقول: إني متقنٌ في ثمانية علوم، ما يسألني أحدٌ عن علم منها، ولا أجد لها أهلاً!!.
وكان لا يخلو كمه من كتب العلم. وكان يكتب خطًا حسنًا، ويضبط ضبطًا متقنًا، فكتب كذلك كثيرًا من الأدب والحديث وسائر الفنون، وحصل من الكتب والأصول وغيرها ما لا يدخلُ تحت الحَصْر، ومن خطوط الفضلاء وأجزاء الحديث شيئًا كثيرًا.
وذكر ابن النجَّار: أنه لم يمت أحد من أهل العلم وأصحاب الحديث إلا وكان يشتري كتبه كلها، فحَصَلَتْ أصول المشايخ عنده، وذكر عنه: أنه اشترى يومًا كتبًا بخمس مئة دينار، ولم يكن عنده شيء، وأنه استمهلهم ثلاثة أيام، ثم مضى ونادى على داره فبلغت خمس مئة دينار، فباعها ونَقَد الثمن لصاحب الكتب، ولما مرض أشهد عليه بوقف الكتب، فتفرقت وبيع أكثرها، ولم يبق إلا عشرها فتركت في رباط المأمونية وقفًا.
[ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب: 2/242 وما بعدها، وتسهيل السابلة لمريد معرفة الحنابلة: 2/622 وما بعدها]

(5) أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي القرشي التيمي البكري البغدادي، جمال الدين الحنبلي (508 - 597 هـ)، الشيخ، الإمام، العلامة، الحافظ، المفسر، شيخ الإسلام، مفخر العراق، الواعظ صاحب التصانيف.
قال في رسالته لابنه والتي بعنوان: "لَفْتَةُ الكِبْدِ إلى نصيحَةِ الوِلْدِ" يخبره عن نشأته وابتداء أمره، وعلو همته: واعلم يا بني، أن أبي كان موسراً وخلف ألوفاً من المال، فلما بلغت دفعوا لي ‌عشرين ‌ديناراً ‌ودارين، وقالوا لي: هذه التركة كلها، فأخذت الدنانير واشتريت بها كتباً من كتب العلم، وبعت الدارين وأنفقت ثمنها في طلب العلم، ولم يبق لي شيء من المال. وما ذل أبوك في طلب العلم قط، ولا خرج يطوف في البلدان من الوعاظ، ولا بعث رقعةً إلى أحدٍ يطلب منه شيئاً قط، وأموره تجري على السداد: {وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}.

(6) محمد نعيم بن عبد الحكيم بن عبد الرب بن ملك العلماء بحر العلوم عبد العلي محمد الأنصاري اللكهنوي (ت: 1318هـ)، كان عالما كبيرا، فقيها، أصوليا، متكلّما، ناصحا، مفيدا، مع البر، والدين، والتودّد، والتواضع، والحلم والأناة، والاستقامة.
وكان حريصا على جمع الكتب النفيسة، يقبل هدايا الكتب، وإنه باع داره التي كانت على جسر "فرنكي محل"، واشترى بثمنها "حاشية الطحطاوي على الدر المختار" بستين ربية...
[الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام المسمى بـ (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر): 8/135]
...المزيد

مَن فسّر القرآن الكريم عدة مرات إلقاءً وتأليفاً (1) عبد ‌الله ‌بن ‌العباس ‌بن ‌عبد ‌المطلب ...

مَن فسّر القرآن الكريم عدة مرات إلقاءً وتأليفاً

(1) عبد ‌الله ‌بن ‌العباس ‌بن ‌عبد ‌المطلب الهاشمي القرشي(3 ق هـ - 68 هـ)، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه وحبر الأمة والبحر وترجمان القرآن، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبويه والخلفاء الأربعة وخلق من الصحابة، وروى عنه أنس وأبو أمامة بن سهل وابن المسيب وسعيد بن جبير في خلائق من التابعين، توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس عشرة سنة على الصحيح، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم فقهه في الدين". له في الصحيحين وغيرهما 1660 حديثا.
كان أبيضاً، طويلا، مشربا صفرة، جسيما، وسيما، صبيح الوجه، له وفرة، يخضب بالحناء. وكان الناس يأتونه فيسألونه في التفسير، والفقه، والفرائض، والوصايا، والمغازي، والعربية، والأنساب، والشعر.
وكان آية في الحفظ والفهم، وأكثر صحابي روي عنه في تفسير الكتاب العزيز، وقد عرض عليه العديد من التلاميذ مرات كثيرة، وفسر القرآن الكريم عدة مرات، ويكفي أن نذكر هنا قول تلميذه مجاهد بن جبر: "قرأت ‌القرآن على ابن ‌عباس ‌ثلاث ‌عرضات أقف عند كل آية أسأله فيم نزلت وكيف كانت".

(2) علي بن عبد الله بن أحمد النّيسابوريّ المعروف بابن أبي الطيب (ت: 458 هـ)، الإمام العلامة، المفسر الأوحد، كان آية في الحفظ، مع الورع والعبادة والتأله.
له ‌عدة ‌تفاسير: التفسير الكبير وهو في ثلاثين مجلدا، والتفسير الوسيط في خمسة عشر مجلدا، والتفسير الصغير في ثلاث مجلدات، وقد أملاها جميعها من حفظه، وكانت مباحثه فيها معتبرة.
قيل إنه لما توفى رحمه الله، وجد في مكتبته أربعة كتب: واحد في الفقه، الثاني في الأدب، وكتابان في التاريخ، ولم يكن له من تركة غير ذلك. ولم يكن له عقب.
[انظر تاريخ بيهق: 348]

(3) أبو الحسن ‌علي ‌بن ‌أحمد بن محمد بن علي ‌الواحدي، النيسابوري، الشافعي (ت: 468 هـ)، الإمام، العلامة، الأستاذ، صاحب (التفسير)، وإمام علماء التأويل، من أولاد التجار. له الكثير من المصنفات، وكان له باع طويل في العربية.
صنف التفاسير الثلاثة: (البسيط)، و (الوسيط)، و (الوجيز) وبتلك الأسماء سمى الغزالي تواليفه الثلاثة في الفقه.
إضافة إلى تصنيف كتاب "أسباب النزول" وهذا التصنيف –[في التفسير[-فيه تخيير حسب همة ورغبة طالب العلم وفيه تسهيل للمبتدئين وتذكير للمتبصرين.

(4) أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي القرشي التيمي البكري البغدادي، جمال الدين الحنبلي (508 - 597 هـ)، الشيخ، الإمام، العلامة، الحافظ، المفسر، شيخ الإسلام، مفخر العراق، الواعظ صاحب التصانيف.
له مؤلفات كثيرة في علوم القرآن تبلغ ثلاثة عشر كتاباً، منها ‌ثلاثة ‌تفاسير: " المغني " وهو أكبرها، و" زاد المسير " وهو أوسطها، و" تيسير البيان " وهو أصغرها، والمطبوع منها " زاد المسير ".

(5) محمد بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله الإمام فخر الدين أبو عبد الله ابن تيمية الحرّانيّ. (542 – 622 هـ)، الفقيه، الحنبليّ، الواعظ المفسر، صاحب المصنفات. شيخ حرّان وعالمها وخطيبها. كان رحمه الله رجلا صالحاً، تذكر له كرامات وخوارق، وولي الخطابة والإمامة بجامع حران، والتدريس بالمدرسة النورية بها، وبنى هو مدرسة بحران أيضا.
شرع في إلقاء التفسير بكرة كل يوم بجامع حران في سنة ثمان وثمانين، وواظب على ذلك حتى *‌(فسر ‌القرآن خمس ‌مرات)*، انتهى آخرها إلى سنة عشر وستمائة وكان مجموع ذلك في ثلاث وعشرين سنة، ذكر ذلك في أول «تفسيره» الذي صنفه.
[انظر: طبقات المفسرين للداوودي: 2/144 بتصرف]

(6) أحمد بن يوسف بن حسن بن رافع، موفّق الدين، أبو العبّاس، ‌الكواشيّ، الشافعيّ (590-680 هـ)، المقرئ، المفسّر، الزاهد، بقيّة الأعلام. كان منقطع القرين عديم النظير زهدا وصلاحا وصدقا وتبتّلا وورعا واجتهادا، صاحب أحوال وكرامات. كان السلطان فمن دونه يزورونه فلا يقوم لهم ولا يعبأ بهم، ولا يقبل صلتهم. أضرّ قبل موته بسنوات.
من كتبه "تبصرة المتذكر وتذكرة المتبصر" (مخطوط) "تفسير القرآن" قال صاحب كشف الظنون: ثم لخصه في مجلد وسماه "التلخيص" فرغ منه سنة 649 هـ ". وقال الذهبي: "جود فيه الإعراب، وحرر أنواع الوقوف، وأرسل منه نسخة إلى مكة والمدينة والقدس". وقال السيوطي: وعليه اعتمد الشيخ جلال الدين المحلى في تفسيره، واعتمدت عليه أنا في تكملته مع "الوجيز" و "تفسير البيضاوي" و "ابن كثير". وله "كشف الحقائق" في التفسير أيضا، مخطوط، الجزء الأول منه، ويعرف بتفسير الكواشي.
قلت: فله ثلاثة تفاسير، غير ما هو مشهور في بعض تراجمه حيث يلقب بصاحب التفسيرين.
[المقفى الكبير: 1/457، ومعجم المفسرين من صدر الإسلام وحتى العصر الحاضر: 1/83]

‌(7) نظام ‌الدين ‌الحسن ‌بن ‌محمد بن الحسين ‌الخراساني المعروف بالنظام الأعرج النيسابوري (ت: 728 هـ)، نزيل قم، الإمام العلامة، المفسّر.
كان ملماً بالعلوم العقلية والنقلية، عارفاً باللغة العربية، متمكنا من ناحية التعبير عارفا بالتأويل والتفسير، واعيا بالقراءات، وضم إلى ذلك الشهرة العلمية الواسعة على جانب كبير من الورع والتقوى، ومعرفة واسعة بالتصوف وعلوم الاشارات.
كانت له كتب مفيدة، وآثار جيدة، ثلاثة كتب في التفسير: كبير ومتوسط وموجز. أشهرها: "غرائب القرآن ورغائب الفرقان"
[انظر مناهج المفسرين لمنيع بن عبد الحليم محمود: 235]

‌‌(8) محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الغزي العامري الدمشقي، أبو البركات، أبو الجود، بدر الدين (904 – 984)، عالم بالتفسير والحديث والأصول، مقرىء، ناظم، من فقهاء الشافعية، ولد ومات بدمشق، وتعلم بها وبالقاهرة. ودرس وأفتى وشيوخه أحياء، وولي مشيخة القراء بالجامع الأموي وإمامة المقصورة، ودرس بالعادلية والفارسية والشامية البرانية والمقدمية، ورحل إليه طلاب العلم من الآفاق، ثم لزم العزلة عن الناس في أواسط عمره، فكان لا يزور أحدا من الأعيان ولا الحكام بل يقصدونه، وكان كريما محسنا جعل لتلاميذه رواتب وأكسية وعطايا. وهو أبو نجم الدين محمد صاحب "الكواكب السائرة". له مئة وبضعة عشر كتابا، منها ‌ثلاثة ‌تفاسير، منثور ومنظومان، أشهرها المنظم الكبير في مئة وثمانين ألف بيت، سماها "التيسير في التفسير" قال صاحب كشف الظنون: "وأنكر كثير من العلماء عليه نظمه لأنه يؤدي إلى إخراج القرآن العظيم من نظمه الشريف لإدخاله في الوزن ما لم يكن من النظم الشريف". وله أيضا "تفسير آية الكرسي".
[الأعلام للزركلي: 7/59، ومعجم المفسرين من صدر الإسلام وحتى العصر الحاضر: 2/626]

‌(9) محمد ‌بن ‌يوسف بن عيسى بن صالح ‌‌‌أطَّفَيِّش الوهبى الحفصي العدوي الجزائري الإباضي (1236 - 1332 هـ)، علامة بالتفسير والفقه والأدب، مجتهد، ولد في بلدة يسجن من وادي ميزاب في الجزائر، وتوفي بها. وعُرِف عند قومه بالزهد والورع. واشتغل بالتدريس والتأليف وهو شاب لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، وانكبَّ على القراءة والتأليف، حتى قيل إنه لم ينم في ليلة أكثر من أربع ساعات. وله من المؤلفات في شتَّى العلوم ثروة عظيمة تربو على الثلاثمائة مؤلَّف.
له ثلاثة تفاسير: ‌‌"هميان الزاد إلى دار المعاد"، و"تيسير التفسير"، وهو مختصر من السابق، و "داعى العمل ليوم الأمل"، لم يتم.
[انظر التفسير والمفسرون للدكتور محمد السيد حسين الذهبي: 2/236]

(10) مُحمَّد الأمين بن مُحَمَّد المُخْتار بن عَبْد القادِر بن أحْمد نُوح الجَكَني الشنقيطي، ويُعرف أيضًا باسم آبّ ولد اخطور (1325- 1393 هـ) العلامة المفسّر الفقيه الأصولي اللغوي.
أخذ العلم في بلاده موريتانيا، وظهر نبوغه مبكراً حيث حفظ في صغره القرآن الكريم والعديد من المتون في مختلف الفنون مع شاعرية فذة، وجد واجتهد حتى شهد له العلماء الكبار بالتقدم والتبحر في العلوم.
هاجر إلى بلاد الحرمين لأداء فريضة الحج ودون ما لقيه في رحلته تلك وما عرض له من مسائل في كتابه: "رحلة الحج إلى بيت الله الحرام"، وظل في المملكة معلماً ومفتياً إلى وفاته -رحمه الله تعالى-.
ذكر عن نفسه أنَّه قام بتفسير كتاب الله من فاتحته إلى {مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ} ‌ثلاثَ ‌مراتٍ.
من كتبه المشهورة كتاب "أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن" فسّر فيه الشيخ القرآن الكريم ابتداءً من سورة الفاتحة إلى آخر سورة المجادلة، وأتمّ تلميذه العلامة عطية محمد سالم رحمه الله تعالى تفسير شيخه من سورة الحشر إلى سورة الناس.

(11) أحمد كفتارو (1912 -2004م)، العلامة، الداعية، مفتي الجمهورية العربية السورية.
نشأ نشأة علمية، فحفظ القرآن الكريم، وطلب لعلم عند أئمة العلم في بلده، وكان له نشاط في تأسيس العديد من المؤسسات والمعاهد العلمية داخل وخارج سورية، ومن نشاطه العلمي تفسير القرآن الكريم، فقد قام ‌بتفسير الكتاب العزيز في محاضرات كبيرة في أكبر مساجد دمشق كالأموي ويلبغا وتنكز وأبو النور، واستوفى (تفسيره أربع ‌مرات) خلال نصف قرن من المثابرة على التدريس والتوجيه والتربية.

(12) محمد علي ابن الشيخ جميل الصابوني الحلبي. (1349 – 1441 هـ) العلامة، المفسر، الفقيه، المحدّث.
درّس في العديد من مدارس حلب، ثم تم إعارته إلى السعودية فدرّس في العديد من الجامعات الإسلامية قريباً من ثمان وعشرين سنة، ونظراً لنشاطه العلمي في البحث والتأليف، فقد رأت جامعة أم القرى أن تسند إليه تحقيق بعض كتب التراث الإسلامي، فعيّن باحثاً علمياً في مركز (البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي)، فاشتغل في تحقيق كتاب (معاني القرآن) للإمام أبي جعفر النحاس، المتوفى سنة: 338 هـ، وقد خرج الكتاب في ستة أجزاء.
نتقل الشيخ بعدها للعمل في رابطة العالم الإسلامي، مستشاراً في (هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة)، وبقي فيها عدة سنوات، تفرغ بعدها للتأليف والبحث العلمي، والدعوة، وتعليم الناس.
شارك في العديد من المؤتمرات والندوات العلمية، واختارته اللجنة المنظمة لجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم، سنة: 1431هـ، ليكون (شخصية العام الإسلامية)، وذلك نظراً لجهوده المتواصلة في خدمة الدين الإسلامي والمسلمين، من خلال العديد من الكتب، والإنتاج الغزير في المؤلفات، وخاصة تفسير القرآن الكريم.
له حلقات مسجلة فسر فيها القرآن الكريم كاملاً، وأما التأليف فله عدة تفاسير فضلاً عن غيرها من المؤلفات في علوم القرآن، والحديث، والفقه، والعقيدة واللغة.
فمن مؤلفاته في التفسير: "صفوة التفاسير" وهو أشهر كتبه، وروائع البيان في تفسير آيات الأحكام من القرآن (جزآن)، والتفسير الواضح الميسر، ومختصر تفسير ابن كثير، اختصار وتحقيق (ثلاثة أجزاء)، ومختصر تفسير الطبري، ودرة التفاسير (على هامش المصحف)، فضلاً عن تحقيقه لبعض كتب التفسير -رحمه الله تعالى-.
[انظر ترجمته في: رابطة العلماء السوريين، وموقع ويكيبيديا]
...المزيد

عشق الكتب قد يجعلها مهرا ذكر الإمام الذهبي -رحمه الله تعالى- في كتابه السير أن مختصر الإمام ...

عشق الكتب قد يجعلها مهرا

ذكر الإمام الذهبي -رحمه الله تعالى- في كتابه السير أن مختصر الإمام المزني -رحمه الله تعالى- كان يُجعل في جهاز العروس، لكن حفظ لنا التاريخ مواقف لبعض عشاق القراءة حيث جعلوا الكتب مهراً، وقد وقفت على بعضها فيما يلي:
1 - تفقّه العلامة أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاسانىّ (ت 587هـ) الملقب بملك العلماء وصاحب الكتاب الجليل "بدائع الصنائع وترتيب الشرائع" على العلامة علاء الدين محمد بن أحمد بن أبى أحمد السّمرقنديّ (ت 539هـ)، وقرأ عليه معظم تصانيفه، مثل: "التّحفة" في الفقه، وغيرها من كتب الأصول.
وزوّجه شيخه علاء الدين السمرقندي ابنته فاطمة الفقيهة العالمة (توفيت 581هـ).
قيل: إنّ سبب تزويجه بابنة شيخه أنها كانت من حسان النّساء، وكانت حفظت "التحفة" تصنيف والدها، وطلبها جماعة من ملوك بلاد الرّوم، فامتنع والدها، فجاء الكاسانىّ، ولزم والدها، واشتغل عليه وبرع في علمي الأصول والفروع، وصنّف كتاب "البدائع" وهو شرح للتّحفة، وعرضه على شيخه فازداد فرحاً به، وزوّجه ابنته، وجعل مهرها منه ذلك، فقال الفقهاء في عصره: ‌شرح ‌تحفته، وزوّجه ابنته.
وكانت فاطمة بنت علاء الدين تفتي، وكان زوجها يحترمها، ويكرمها، وكانت الفتوى أوّلاً يخرج عليها خطّها وخطّ أبيها السّمرقندىّ، فلمّا تزوّجت بالكاسانىّ، كانت الفتوى تخرج بخطّ الثلاثة.
[الجواهر المضية في طبقات الحنفية: 4/26، و4/123].

2 – جاء في عقد زواج العلامة عبد الوهاب بن اكتوشنِ بن السيد العلوي، المعروف بـ "اجدود" (ت 1289هـ) على بنت الكرام نفيسة بنت الشيخ محمد الحافظ، ما يلي: "... هذا وإني ملكت نفيسة بضعة عشر كتاباً من كتبنا: ستة أجزاء من القسطلاني، وثلاثة أجزاء من إحياء علوم الدين، وبداية الهداية، والنصح الأنفع، والمرادي، والترغيب والترهيب، والزاهر، والحماسة....
وعشرون بنت لبون إبلا؛ صداقها.
ولا أخرجها من بلدها مكرهة، وإلا فقد بانت مني".

3 – من النماذج المعاصرة لجعل الكتب مهراً ما تداولته العديد من الصحف مثل صحيفة السوسنة بتاريخ 12-12-2016م عن فتاة تونسية اسمها فاطمة بلعيد، حيث خالفت الأعراف والتقاليد وطلبت أن يكون مهرها قفة -سلة- كتب، فأعطاها زوجها أسامة بن درمش قفتين.
وقد ذكرت القصة بنفسها على صفحتها على الفيس بوك.
وذُكر في بعض المواقع أن فتاة ليبية من بنغازي طلبت أن يكون مهرها كتاب "الداء والدواء" لابن القيم رحمه الله تعالى، وتم العقد على ذلك.
...المزيد

من جمع القراءات العشر وله من العُمر عشر سنين أو دونها 1 - أبو اليُمن زيد بن الحسن بن زيد بن ...

من جمع القراءات العشر وله من العُمر عشر سنين أو دونها

1 - أبو اليُمن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن سعيد بن عصمة بن حِمْيَر الكندي، البغدادي، المقرئ، النحوي، اللغوي، الحنفي. (520-613هـ).
الشيخ، الإمام، العلامة، المفتي، شيخ الحنفية، وشيخ العربية، وشيخ القراءات، ومسند الشام، تاج الدين،
حفظ القرآن وهو صغير مميز، وقرأه بالروايات العشر، وله عشرة أعوام، وهذا شيء ما تهيأ لأحد قبله، ثم عاش حتى انتهى إليه علو الإسناد في القراءات، والحديث؛ فكان أعلى أهل الأرض إسنادًا في ‌القراءات؛ فإني لا أعلم أحدًا من الأُمة عاش بعدما قرأ ‌القراءات ثلاثًا وثمانين سنة غيره. هذا مع أنه قرأ على أسْند شيوخ العصر بالعراق، ولم يبقَ أحد ممن قرأ عليه مثل بقائه ولا قريبًا منه، بل آخر مَن قرأ عليه الكمال ابن فارس وعاش بعده نيّفًا وستين سنة. ثم إنه سمع الحديث على الكبار، وبقي مُسند الزمان في ‌القراءات والحديث.
[السير للذهبي: 22/34، وتاريخ الإسلام: 44/142].

2 - عبد الصمد بن عبد الرحمن بن أبي رجاء الإمام أبو محمد البلويّ الأندلسي الوادي آشي المقرئ (534-619هـ).
أخذ ‌القراءات عن جماعة، وأجاز له أبو طاهر السلفيّ، وجماعة. وكان راوية مكثرا، وواعظا مذكرا، يتحقق بالقراءات والتفاسير، ويشارك في الحديث، والعربيّة، اعتمد في ذلك على أبيه، وأبي العباس الجزولي.
أقرأ الناس ببلده، وتصدر وحدّث، وقال أبو حيّان: روى عن أبيه ‌القراءات تلاوة، وسمع منه عدة كتب، ومات أبوه وله نحو من ‌عشر ‌سنين، ومع ذلك روى الناس عنه، ووثقوه.
[طبقات المفسرين للداوودي: 1/310].

‌3 - عُمَر ‌بن ‌أحمد ‌بن ‌أبي ‌الفَضْل ‌هِبَة ‌الله ‌بن ‌أبي ‌غَانِم ‌مُحمَّد ‌بن ‌هِبَة ‌الله ‌ابن قاضي حَلَب، الصَّاحِب العلَّامَة، رَئيس الشَّام كَمال الدِّين أبو القاسم الهَوَازنيّ العُقَيليّ الحَلَبيّ، المَعْرُوف بابن العَدِيْم.(588-660هـ).
وَكَانَ محدّثاً حَافِظًا مؤرخاً صَادِقا فَقِيها مفتياً منشئاً بليغاً كَاتبا مجوِّداً، درَّس وَأفْتى وصنَّف وترسَّل عَن الْمُلُوك، وَكَانَ رَأْسا فِي الخطِّ الْمَنْسُوب لَا سِيمَا النّسخ والحواشي.
وَلِيَ قَضاءَ حَلَب خَمْسةُ من آبائِه مُتَتالية.
قال عن نفسه: ختمت القرآن ولي تسع سنين، وقرأت ‌بالعشر ولي ‌عشر ‌سنين.
[الوافي بالوفيات: 22/259].

4 - عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف العمري، العليمي، الحنبلي (860-927هـ)، والعمري نسبة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
قال في كتابه "الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل" أثناء ترجمته لشيخه الفقيه علاء الدين علي بن عبد الله بن محمد الغزي المقرئ الحنفي، المشهور بابن قاموا (ت 890هـ): وقد قرأت عليه القراءات، ولي نحو عشر سنين بمكتب باب الناظر، فأقرأني من سورة الفاتحة إلى الأنبياء، ثم كررت ختم القرآن عليه مرات كثيرة، وقرأت بعضه عليه برواية عاصم، وأحضرني مجلس شيخنا ابن عمران بسماع الحديث، واعتنى بتحصيل الإجازة لي منه، رحمهما الله تعالى....
[الأنس الجليل: 2/355]

5 - أم الزين (1153-ت؟)
أم الزين زوجة المرحوم الشيخ محمد سعيد سفر المدنية.
قال عنها ولدها الشيخ إسماعيل ابن ‌محمد ‌سعيد ‌سفر ‌المدني في إجازته للدمنتي: " هي شيخة مشايخ الحرمين ومن وجد الآن بهما من المدرسين يأخذ عنها بواسطة أو واسطتين أو أكثر، وحيدة في العلوم المنطوق والمفهوم، حفظت القرآن بالعشر، والخمسة وعشرين متناً من سائر الفنون وهي بنت سبع سنين، وجاء بها والدها إلى والدي محمد سعيد فقال له: أقرئها الكتب الستة والبيضاوي والكشاف، وأخذت عن خالها عمر المالكي ".
[فهرس الفهارس: 2/904].
...المزيد

من توسد عتبة باب شيخه لأجل العلم 1 – الصحابي الجليل زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- (ت 78هـ) ...

من توسد عتبة باب شيخه لأجل العلم

1 – الصحابي الجليل زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- (ت 78هـ)
روى الإمام مالك وغيره عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: ‌لَأَرْمُقَنَّ اللَّيْلَةَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فَتَوَسَّدْتُ عَتَبَتَهُ أَوْ فُسْطَاطَهُ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ أَوْتَرَ فَتِلْكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً.

2 – عبد الله بن العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنهما- (ت 78هـ)، ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحبر الأمة وترجمان القرآن.
قال رضي الله عنه: لما قُبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: "هلم فلنسألْ أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير"، فقال: "واعجبًا لك يا ابن ‌عباس! أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحَاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مَن فيهم؟ "، قال: "فتركت ذاك، وأقبلتُ أسأل أصحابَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان يبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل، فأتوسد ردائي على بابه، يسفي الريح عليَّ من التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول صلى الله عليه وسلم ما جاء بك؟ هلا أرسلتَ إليَّ فآتيك؟ "، فأقول: "لا؛ أنا أحق أن آتيك"، فأسأله عن الحديث، فعاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألونني، فيقول: "هذا الفتى كان أعقل مني".
وقال: وجدتُ عامّة حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عند الأنصار فإن كنتُ لآتى الرجلَ فأجدُه نائمًا لو شئتُ أن يُوقَظَ لي لأوقِظَ، فأجْلِسُ على بابه تَسْفِى على وجهي الريح حتى يستيقظ متى ما استيقظ وأسأله عَمّا أريد ثمّ أنصرف.
[الطبقات الكبرى لابن سعد: 2/317]
وقال: "كنت آتي باب أبيِّ بن كعب، وهو نائم، فأقيل على بابه، ولو علم بمكاني، لأحب أن يوقَظ لي لمكاني من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكني أكره أن أملَّه".
[الطبقات الكبرى: 2/320]

‌‌3 - أبو يحيى معن بن عيسى القزاز (ت 198).
كان يتوسد عتبة مالك فلا يلفظ مالك بشيء إلا كتبه وكان ربيبه وهو الذي قرأ "الموطأ" على مالك للرشيد وبنيه. وقال علي بن المديني: أخرج إلينا معن بن عيسى أربعين ألف مسألة سمعها من مالك.
[طبقات الفقهاء لأبي إسحاق الشيرازي: 148]

4 - عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة ‌العتقيّ المصري، أبو عبد الله، ويعرف بابن القاسم (132-191هـ)
قال متحدثاً عن نفسه: كنتُ آتي مالكًا غَلَسًا فأسأله عن مسألتين، ثلاثة، أربعة، وكنتُ أجد منه في ذلك الوقت انشراحَ صدر، فكنت آتي كلَّ سحر.
فتوسَّدتُ مرَّةً عتبتَه، فغلبتنى عينى فنِمت، وخرَجَ ‌مالك إلى المسجد ولم أشعر به، فركضتني جارية سوداء له برجلها، وقالت لي: "إن مولاك قد خرج، ليس يَغفُلُ كما تَغفُلُ أنت، اليوم له تسع وأربعون سنة، قلَّما صلى الصبح إلا بوضوء العتَمَة"، ظنَّت السوداء أنه مولاه من كثرةِ اختلافِه إليه.
قال ابن ‌القاسم: وأنختُ بباب ‌مالك سبع عشرة سنة، ما بعتُ فيها ولا اشتريتُ شيئًا، قال: فبينما أنا عنده، إذ أقبل حاجُّ مصر، فإذا شابٌّ متلثِّم دخل علينا، فسلَّم على مالك، فقال: "أفيكم ابنُ القاسم؟ فأُشيرَ إلَيَّ، فأقبل يُقَبِّلُ عينيَّ، ووجدتُ منه ريحًا طيبة، فإذا هي رائحةُ الوَلَد، وإذا هو ابني"، وكان ابنُ القاسم ترك أمه حاملًا به، وكانت ابنةَ عمه، وقد خيَّرها عند سفره لطول إقامته، فاختارت البقاء.
[ترتيب المدارك للقاضي عياض: 3/250]
...المزيد

مَن كان من الأمراء والسلاطين لا يأكل إلا من عمل يده في هذه المقالة سنذكر بعض الأمراء والسلاطين ...

مَن كان من الأمراء والسلاطين لا يأكل إلا من عمل يده

في هذه المقالة سنذكر بعض الأمراء والسلاطين الذين كانوا يأكلون من عمل أيديهم من حرفة يتكسبون بها، تحرياً للحلال، واستعفافا عن المال العام، ورغبة بالأفضل، ولن نذكر هنا من كان يتكسب بالتجارة، أو يأكل من نصيبه من الغنائم التي حازها في غزواته، وإن كان داخلاً في معنى الكسب باليد، ولعل الله تعالى ييسر بإتمام كتاب وسمته بـ "على درب الراشدين" سيكون بإذن الله تعالى أعم وأشمل من هذه المقالة، وحتى لا يمل القارئ من طول المقدمة نشرع في المقصود، وأول هؤلاء الأمراء:

1 –دواد عليه السلام (1100 ق.م. – 971 ق.م.).
النبي الملك، والمبعوث إلى بني إسرائيل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ عليه السلام الْقُرْآنُ؛ فكانَ يَأْمُرُ بِدَوَابِّهِ فَتُسْرَجُ فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ تُسْرَجَ دَوَابُّهُ، وَلَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ". [رواه البخاري]
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وفي الحديث فضل العمل باليد، وتقديم ما يباشره الشخص بنفسه على ما يباشره بغيره، والحكمة في تخصيص ‌داود بالذكر أن اقتصاره في أكله على ما يعمله بيده لم يكن من الحاجة؛ لأنه كان خليفة في الأرض كما قال الله تعالى، وإنما ابتغى الأكل من طريق الأفضل، ولهذا أورد النبي صلى الله عليه وسلم قصته في مقام الاحتجاج بها على ما قدمه من أن خير الكسب عمل اليد، وهذا بعد تقرير أن شرع من قبلنا شرع لنا، ولا سيما إذا ورد في شرعنا مدحه وتحسينه مع عموم قوله تعالى: {فبهداهم اقتده} وفي الحديث أن التكسب لا يقدح في التوكل، وأن ذكر الشيء بدليله أوقع في نفس سامعه.

2 – الصحابي الجليل سلمان الفارسي -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-(ت 33هـ).
يكنى أبا عبد الله ويعرف بسلمان الخير، وكان ينسب إلى الإِسلام فيقول: أنا سلمان ابن الإِسلام. ويُعَد من موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان السبب في عتقه.
قال الحسن: كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان إذا خرج عطاؤه تصدّق به، ويأكل ‌من ‌عمل ‌يده حال كونه أميراً على المدائن عاصمة الأكاسرة.

3 - نور الدين محمود زنكي (511 - 569 هـ).
الملقب بالملك العادل: ملك الشام وديار الجزيرة ومصر. وهو أعدل ملوك زمانه وأجلّهم وأفضلهم، وهو أول من بنى دارا للحديث، عاش مجاهداً وحامياً للثغور، وكان يتمنى أن يموت شهيدا، فمات بعلة "الخوانيق" في قلعة دمشق، فقيل له (الشهيد) وقبره في "المدرسة النورية" التي بناها للأحناف بدمشق.
قال الموفق عبد اللطيف: كان نور الدين لم ينشف له لبد من الجهاد، وكان يأكل ‌من ‌عمل ‌يده، ينسخ تارةً، ويعمل أغلافًا تارة، ويلبس الصوف، ويلازم السجادة والمصحف، وكان حنفيًا يراعي مذهب الشافعي ومالك...

4 - ‌‌السلطان محمود الثاني بن عبد الحميد (1199 - 1255هـ).
السلطان الثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية، تولى الخلافة وله من العمر ثلاث وعشرون وقيل: أربع وعشرون سنة، وقام بإصلاحات مهمة أثناء خلافته شملت الجانب الحربي، والتعليمي.
قال الإمام الشوكاني -رحمه الله تعالى- في كتابه "البدار الطالع" عند ترجمته للسلطان محمود بن السلطان عبد الحميد: في هذا الوقت أخبرنا من وفد إلينا من أهل تلك الجهات أنه ولي السلطنة في سنة 1222 ووصفوه بالعلم والزهد وحسن الخط والعدل وأنه يأكل ‌من ‌عمل ‌يده تحريا للحلال هذا وهو سلطان الدنيا وملك العالم...

5 – أورنك زيب عالمكير (1028- 1118هـ).
الإمام العادل الورع التقي الزاهد أعظم سلاطين الهند على الإطلاق، وسمه الأديب علي الطنطاوي -رحمه الله تعالى- في كتابه "رجال من التاريخ" ببقية الخلفاء الراشدين، وذكر أنّه وفّق رحمه الله إلى أمرين لم يسبقه إليهما أحد من ملوك المسلمين:-
الأول: أنّه لم يكن يعطى عالما عطية أو راتبا إلا طالبه بعمل، بتأليف أو بتدريس، لئلا يأخذ المال ويتكاسل، فيكون قد جمع بين السيئتين، أخذ المال بلا حق وكتمان العلم !!
الثاني: أنّه أول من عمل على تدوين الأحكام الشرعية في كتاب واحد، يُتخذ قانونا، فوضعت له وبأمره وبإشرافه ونظره "الفتاوى التي نُسبت إليه فسميت " الفتاوى العالمكيرية " واشتهرت بـ " الفتاوى الهندية " من أشهر كتب الأحكام في الفقه الإسلامي وأجودها ترتيباً وتصنيفاً .
كان يصوم في شدة الحر، ويحيى الليل بالتراويح، ويعتكف العشرة الأخيرة من رمضان في المسجد، وكان يصوم يوم الاثنين والخميس، ويصوم في أيام ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم فيها.
حفظ القرآن الكريم بعد جلوسه على سرير الملك، فأرخ بعض العلماء لبدء حفظه من قوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} [الأعلى: 6]، ولتمامه من قوله {لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 22].
بنى المساجد في أقطار الهند، وأقام لها الأئمة والمدرسين، وأسس دورا للعجزة، ومارستانات للمجانين، ومستشفيات للمرضى.
حكم شبه القارة الهندية 50 عاماً نشر فيها العدل والأمان، وجاهد وهزم أعداء الإسلام.
كانت له معرفة بالحديث، وله كتاب الأربعين جمع فيه أربعين حديثًا من قول النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتولى المملكة، وله كتاب آخر جمع فيه أربعين حديثًا بعد الولاية وترجمهما بالفارسية وعلق عليهما الفوائد النفيسة.
وكان يكتب بخطه المصاحف ويبيعها ويعيش بثمنها لما زهد في أموال المسلمين وترك الأخذ منها!

6 – نختم بذكر أحد أولاد الخلفاء وإن لم يكن على شرطنا، لأنه تخلى عن الخلافة والملك، ولأخذ العظة والعبرة، ومعرفة أن هناك من يركلون الدنيا رغبة في الآخرة، وصاحبنا هو أحمد ابن أمير المؤمنين هارون الرشيد، وكان يسمى أحمد السبتي؛ لأنه لم يكن يعمل إلا يوم السبت مخالفة لليهود.
قال الحافظ ابن كثير عند ذكر وفيات سنة 184هـ: وفيها: أحمد ابن أمير المؤمنين الرَّشِيد: كان زاهدًا عابدًا قد تنسَّك، وكان لا يأكلُ إلَّا من ‌عمَلِ ‌يدِه في الطِّين. كان يعملُ فاعلًا فيه، وليس يَمْلِكُ إلَّا مَرًّا وزِنْبِيلًا؛ أي: مِجْرَفَة وقُفَّة. وكان يعملُ في كلِّ جمعةٍ بدِرْهمٍ ودانِق، يتَقَوَّتُ بهما من الجمعةِ إلى الجمعة، وكان لا يعملُ إلَّا في يومِ السبت فقط؛ ثم يُقبلُ على العبادةِ بقيَّةَ أيامِ الجُمعة، وكان من زُبيدةَ في قولِ بعضِهم، والصحيحُ أنَّهُ من امرأةٍ كان الرشيدُ قد أحبَّها فتزوَّجها، فحملَتْ منه بهذا الغلام؛ ثم إنَّ الرشيدَ أرسلها إلى البصرة، وأعطاها خاتمًا من ياقوتٍ أحمر، وأشياءَ نفيسة، وأمرَهَا إذا أفضَتْ إليه الخلافةُ أنْ تأتيه؛ فلما صارَتِ الخلافةُ إليه لم تأتِهِ، ولا ولَدُها، بل اختفيا. وبلَغَهُ أنَّهما ماتا، ولم يكنِ الأمرُ كذلك، وفحَصَ عنهما فلم يطلِعْ لهما على خبر، فكان هذا الشَّابُّ يعملُ بيدِهِ ويأكلُ من كَدَّها، ثم رجَعَ إلى بغداد، وكان يعملُ في الطين ويأكلُ مدَّةً زمانية. هذا وهو ابنُ أميرِ المؤمنين، ولا يذكرُ للناسِ منْ هو، إلى أن اتَّفَقَ مرَضُهُ في دارِ منْ كان يستعملُه في الطِّين، فمرَّضَهُ عندَه، فلمَّا احتُضر، أخرج الخاتمَ وقال لصاحبِ المنزل: اذهَبْ بهذا إلى الرشيد، وقل له: صاحبُ هذا الخاتم يقولُ لك: إيَّاكَ أنْ تموتَ في سكرتِكَ هذهِ فتندَمَ حيثُ لا ينفَعُ نادمًا نَدَمُه، واحذَرِ انصرافَكَ منْ بين يدي اللَّه إلى الدارَيْن، وأنْ يكونَ آخرَ العَهْدِ بك، فإنَّ ما أنتَ فيه لو دامَ لغيرِك لم يَصِلْ إليك، وسيصيرُ إلى غيرِك، وقد بَلَغكَ أخبارُ مَنْ مَضَى.
قال: فلمَّا ماتَ دَفَنْتُه، وطلبتُ الحضورَ عندَ الخليفة، فلمَّا أُوقفتُ بين يديه قال: ما حاجتُك؟ قلت: هذا الخاتم دفعَهُ إليَّ رجل، وأمَرني أنْ أدْفعَهُ إليك، وأوصاني بكلامٍ أقوله لك. فلمَّا نظَرَ إليه عرَفَهُ فقال: وَيْحك! وأين صاحبُ هذا الخاتم؟ قال: فقلت: مات يا أميرَ المؤمنين، وهو يقولُ لك: احذَرْ أن تموتَ في سَكْرَتِكَ هذهِ فتندَم. وذكرتُ له أنه يعملُ بالفاعل في كلِّ جمعةٍ يومًا بدرهمٍ وأربعِ دوانيق، أو بدرهمٍ ودانق، يتقوَّتُ به سائرَ الجمعة، ثم يُقبلُ على العبادة. قال: فلما سمع هذا الكلام قامَ فضرَبَ بنفسِهِ الأرض، وجعل يتمرَّغُ ويتقلَّبُ ظهرًا لِبَطني ويقول: واللَّه لقد نصَحْتَني يا بُني. ثم بكى، ثم رفع رأسَهُ إلى الرجل وقال: أتعرِفُ قبرَه؟ قلت: نعم، أنا دفنتُه. قال: إذا كان العشيُّ فأْتني، قال: فأتيتُهُ فذهَبَ إلى قبرِه، فلم يزَلْ يبكي عندَهُ حتى أصبح. ثم أمر لذلك الرجل بعشرةِ آلافِ درهم، وكتب له ولعيالِهِ رزقًا.

والحمد لله رب العالمين.
...المزيد

معلومات

دكتوراة في الفقه الإسلامي

أكمل القراءة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً