[ من كرر صحيح البخاري أكثر من عشرين مرة ] ‌ 1 - الإمام المحدث الزاهد حسين ‌بن ‌محمد ‌بن ...

[ من كرر صحيح البخاري أكثر من عشرين مرة ]


‌ 1 - الإمام المحدث الزاهد حسين ‌بن ‌محمد ‌بن ‌حيون بن فيّاره الصدفي أبو علي المعروف بابن ‌سُكَّرة القاضي. والمتوفى شهيداً في عام 415هـ.
جاء في ترجمة صهره موسى بن سعادة أن الفقيه أبا محمد عاشر بن محمد حكى أن الصحيحين البخاري ومسلم سُمِعَا على أبي علي نحو ستين مرة.[1]

2 - الإمام، الحافظ، الناقد، المجود، أبو بكر غالب بن عبد الرحمن ابن غالب بن تمام بن عطية المحاربي، الأندلسي، الغرناطي، المالكي. المعروف بابن عطية الأندلسي. والمتوفى سنة 542هـ.
قال ابن بشكوال: وكان حافظاً للحديث، وطرقه، وعلله. عارفاً بأسماء رجاله ونقلته، منسوباً إلى فهمه، ذاكراً لمتونه ومعانيه. وقرأت بخط بعض أصحابنا أنه سمع أبا بكر بن عطية يذكر أنه كرر صحيح البخاري سبع مائة مرة...[2]

3 - الْهَاشِمِي الْقصّار ‌يُونُس ‌بن ‌يحيى ‌بن ‌أبي ‌الْحسن ‌بن ‌أبي ‌البركات بن أَحْمد ابْن حَمْزَة بن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن عِيسَى بن مُوسَى بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس ابْن عبد الْمطلب. أَبُو مُحَمَّد الْهَاشِمِي الْقصار. المتوفى سنة 608هـ.
قَالَ محب الدّين بن النجار: سمعته يَقُول حدثت بِصَحِيح البُخَارِيّ سِتا وَثَلَاثِينَ مرّة....[3]

‌ 4 - عُثْمَان ‌بن ‌مُحَمَّد ‌بن ‌عُثْمَان ‌بن ‌أبي ‌بكر. الشَّيْخ الإِمَام الْمُقْرِئ الْفَقِيه الزَّاهِد مُفِيد الديار المصرية. فَخر الدّين، أَبُو عَمْرو المغربي التوزري ثمَّ الْمصْرِيّ الْمَالِكِي، المجاور، المتوفّى سنة 713هـ.
ذكر أَنه قَرَأَ صَحِيح البُخَارِيّ أكثر من ثَلَاثِينَ مرّة على أكثر من ثلاثين شيخاً،.[4]

5 - مسند الدّنيا شهاب الدّين ‌أحمد ‌بن ‌أبي ‌طالب ‌بن ‌نعمة ‌بن ‌حسن الصّالحي الحجّار ابن الشّحنة. المتوفى سنة 730هـ. انفرد بالرواية عن الحسين الزّبيدي، وبين سماعه للصحيح وموته مائة سنة.
قرئ عليه صحيح " البخاري " أكثر من ستين مرة، وقيل: بضعاً وسبعين مرة.[5]

‌ 6 - جلال ‌الدّين ‌أسعد ‌بن ‌محمد ‌بن ‌محمود ‌الشّيرازي ‌الحنفي. المتوفى سنة 803هـ. اشتغل على الشيخ شمس الدّين السّمرقندي، والشمس الكرماني، وقرأ عليه «صحيح البخاري» أكثر من عشرين مرة.[6]

7 - أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عبد الله ‌بن ‌مقبل ‌الزين، ‌القاهري، الْحَنَفِيّ، وَيعرف بالتاجر. المتوفى سنة 805هـ.
قَالَ الْبُرْهَان الْحلَبِي أَنه أخبرهُ أَنه قَرَأَ صَحِيح البُخَارِيّ إِلَى سنة ثَمَانِينَ خمْساً وَتِسْعين مرّة وقرأه بعد ذَلِك مرَارًا كَثِيرَة.[7]

‌ 8 - إِبْرَاهِيم ‌بن ‌مُحَمَّد ‌بن ‌صديق بن إِبْرَاهِيم بن يُوسُف برهَان الدّين الدِّمَشْقِي، الشَّافِعِي، الصُّوفِي، الْمُؤَذّن بالجامع الْأمَوِي بِدِمَشْق، نزيل الْحرم، بل يُقَال لَهُ المجاور بالحرمين، وَيعرف بِابْن صِدِّيق، وبابن الرسّام وَهِي صَنْعَة أَبِيه، وَرُبمَا قيل لصَاحب التَّرْجَمَة: الرسّام، وَكَانَ أَبوهُ أَيْضاً بواب الظَّاهِرِيَّة بِدِمَشْق. توفي سنة 806هـ.
قُرِئَ عَلَيْهِ البُخَارِيّ بمدينة حَلَب أَربع مرار، وبمكة أَزِيد من عشْرين مرّة.[8]

‌ 9 - محمد ‌بن ‌يعقوب ‌بن ‌محمد ‌بن ‌إبراهيم ‌بن ‌عمر، أبو طاهر، مجد الدين الشيرازي الفيروزآبادي صاحب "القاموس المحيط": من أئمة اللغة والأدب. توفي سنة 817هـ.
قال عبد الحي الكتاني: ووجدت في ثبت الشهاب أحمد بن قاسم البوني: " رأيت خط الفيروزبادي في آخر جزء من صحيح الإمام البخاري قال: إنه قرأ صحيح البخاري أزيد من خمسين مرة ".[9]

‌ 10 - سُلَيْمَان ‌بن ‌إبراهيم ‌بن ‌عمر بن علي بن عمر بن نَفِيس الدَّين العكي العدنانى الزبيدى التعزي الحنفي. المتوفى سنة 825هـ.
ذكر أنه مَرّ على صحيح البخاري مائة وخمسين مرة ما بين قراءة وسماع وإسماع ومقابلة.[10]

‌ 11 - عبدُ ‌الرَّحيمِ ‌بنُ ‌عبدِ ‌الكَريمِ ‌بنِ ‌نصرِ ‌اللهِ بنِ سعدِ الله ابنِ الخطيبِ أبي حامدِ ابنِ الطاهرِ بن عمرَ بنِ خليفةَ ابنِ الوليِّ أبي محمَّدٍ عبدِ الله بَنِ أحمدَ، الشَّرفُ أبو السَّعاداتِ ابنُ كريمِ الدِّينِ ابنِ كمالِ الدِّينِ القُرشيّ، البكريَّ، الجيانيُّ، الجرهيُّ، الشافعيُّ. المتوفى سنة 828هـ.
كان كثير المسموعات والشيوخ حَتَّى إنه سمع البُخَارِيّ على نَيف وَسبعين شَيخاً من قبل الْخمسين إِلَى بعد السّبْعين، وصحيح مُسلم على عشرَة فَأكْثر، وكمل لَهُ سَماع الْكتب السِّتَّة والموطأ ومسند الشَّافِعِي والدارمي وَغَيرهَا.[11]

‌ 12 - أحمد ‌بن ‌عثمان ‌بن ‌محمد ‌بن ‌عبد ‌الله، المسند المعمر المحدث، شهاب الدين الكلوتاتي، الحنفي. المتوفى سنة 835هـ.
قرأ صحيح البخاري نحواً من خمسين مرة.[12]
وقيل: إنه قَرَأَ البُخَارِيّ أَكثر من سِتِّينَ مرّة، وشيوخه فِيهِ نَحْو من ذَلِك إِلَى غَيره من الْكتب الْكِبَار والمعاجم والمشيخات وَالْمَسَانِيد والأجزاء مِمَّا لَا ينْحَصر.[13]

13 - إبراهيم بن مُحَمَّد بن خَلِيل ‌الْبُرْهَان ‌الطرابلسي، الأَصْل الشامي المولد وَالدَّار الشافعي. والمتوفى سنة 841هـ.
قرأ البخاري أكثر من ستين مرة، ومسلماً نحو العشرين سوى قراءته لهما في الطلب أو قراءتهما من غيره عليه.[14]

‌ 14 - عبد ‌الله ‌بن ‌أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد، السَّيِّد أصيل الدّين بن أَمَام الدّين بن شمس الدّين بن قطب الدّين بن جلال الدّين الْحُسَيْنِي ‌الأيجي الشَّافِعِي، نزيل مَكَّة وَمن بَيت الصفى والعفيف الأيجيين، وَيعرف بالسيد أصيل الدّين. المتوفى سنة 904هـ.
نقل السَّيِّد جمال الدّين الْمُحَدِّث عَن أستاذه السَّيِّد أصيل الدّين أَنه قَالَ: قَرَأت صَحِيح البُخَارِيّ نَحْو عشْرين وَمِائَة مرّة ‌فِي ‌الوقائع ‌والمهمات ‌لنَفْسي وَلِلنَّاسِ الآخرين فَبِأَي نِيَّة قرأته حصل الْمَقْصُود وَكفى الْمَطْلُوب.[15]

15 - الشيخ العالم المحدّث عناية الله الكشميري، أحد العلماء المبرزّين في المعقول والمنقول ذكره صاحب "نزهة الخواطر"، المتوفى سنة 1125هـ.
قرئ عليه "صحيح البخاري" سِتّاً وثلاثين مرّة.[16]

16 - العلامة المحدِّث أبي عبد الله محمد التاودي ابن سودة المرِّي الفاسي ت (1209) من كتاب ((فِهْرس الفهارس)) للكتاني أنه:
كان مُثابرًا على إقراء ((صحيح البخاري)) حتى جاوزت ختماتُه الأربعين مرة، فلم يكن يدعه، لا سيما في شهر رمضان، يفتتحه في أول يومٍ منه، ويختمه آخره. وله عليه حاشية تسمَّى بـ ((زاد المجد الساري)) نحو أربع مجلدات.
وأقرأ أيضاً صحيح مسلم كثيراً...
وأقرأ ((الألفية)) في النحو نحوًا من ثلاثين مرَّة، وربما أقرأها في الشهر الواحد بَدْءًا وخَتْمًا.
وأقرأ ((مختصر خليل)) نحو ثلاثين مرة.
وغيرها الكثير.


17 - العلامة الفقيه المحدث النسابة الصوفي صالح علماء فاس وحامل راية المذهب المالكي على كاهله أبي المواهب جعفر بن إدريس الكتّاني الحسني المتوفى بفاس سنة 1323هـ عن نيف وسبعين سنة.
ختم الصحيح بالزاوية الكتانية بفاس أزيد من عشرين مرة.[17]

18 - الإمام المُحَدِّث المحقق الجهبذ القدوة الزاهد محمد يونس بن شَبّير أحمد بن شير علي الجَوْنْفوري السَّهَارَنْفوري، شيخ الحديث في جامعة مظاهر العلوم بسَهَارَنْفور، وشارح صحيح البخاري وغيره، بل أحد أبرز المتخصصين فيه منذ دهر. والمتوفى سنة 1438هـ.
أتم تدريس البخاري خمسين دورة، سوى ما قرئ عليه في أسفاره في الحجاز وإنجلترا وغيرهما.[18]

إعداد: محمد علي حميسان عفا الله تعالى عنه.
..................................

[1] التكملة لكتاب الصلة 2/177، ومعجم أصحاب القاضي أبي علي الصدفي 1/188.
[2] الصلة لابن بشكوال: 433، وتذكرة الحفاظ: 4/45، وسير أعلام النبلاء: 19/586.
[3] الوافي بالوفيات: 29/188.
[4] والوافي بالوفيات: 19/334، وانظر: البداية والنهاية: 18/133، وأعيان العصر: 3/228، والدرر الكامنة: 3/262.
[5] أعيان العصر وأعوان النصر للصفدي: 1/405، ومعجم الشيوخ للسبكي: 62، والبداية والنهاية: 18/327، والوافي بالوفيات: 8/142.
[6] شذرات الذهب: 9/44، وإنباء الغمر بأبناء العمر: 2/157.
[7] الضوء اللامع: 11/79، بتصرف.
[8] الضوء اللامع: 1/147، بتصرف.
[9] فهرس الفهارس. 2/1046.
[10] إنباء الغمر بأبناء العمر: 3/286، والضوء اللامع: 3/259، وشذرات الذهب: 9/274، والبدر الطالع: 1/265.
[11] الضوء اللامع: 4/181، والتحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة: 4/340.
[12] المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي: 1/388.
[13] الضوء اللامع: 1/378، والتنبيه والإيقاظ: 137.
[14] البدر الطالع بمحاسن مَن بعد القرن السابع للشوكاني: ص 1/28 والضوء اللامع لأهل القرن التاسع": 1/144.
[15] فهرس الفهارس للكتاني: 2/1045، والحطة في ذكر الصحاح الستة، لصدِّيق حسن خان: 179.
[16] الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام المسمى بـ (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر: 6/769، والبدور المضية في تراجم الحنفية: 13/192.
[17] فهرس الفهارس والأثبات: 1/186.
[18] من مقال على النت لتلميذه الشيخ محمد زياد التكلة.
...المزيد

[ حكم أخذ الأجرة على أعمال القربة، كالأذان والحج وتعليم القرآن الكريم والعلوم الشرعية ] ...

[ حكم أخذ الأجرة على أعمال القربة، كالأذان والحج وتعليم القرآن الكريم والعلوم الشرعية ]

اختلف العلماء في هذه المسألة إلى قولين:
الأول: عدم الجواز، وهو مذهب المتقدمين من أتباع أبي حنيفة،[1] وأحمد في أصح الروايتين.[2]
قال محمد بن الحسن: "قال أبو حنيفة: لا يجوز أن يستأجر الرجل رجلاً ليُعلِّم له ولده القرآن أو يستأجر الرجل الرجل يؤمهم في رمضان. وكذلك لا تجوز الإجارة على الأذان ولا على تعليم القرآن ولا على الصلاة".[3]
قال الكاساني في بدائع الصنائع: " ولا يصح الاستئجار على تعليم العلم؛ لأنه فرض عين ولا على تعليم القرآن عندنا".[4]
وقال في منار السبيل: " لا تصح الإجارة لأذان، وإقامة، وتعليم قرآن، وفقه، وحديث، ونيابة في حج، وقضاء ولا يقع إلا قربة لفاعله، ويحرم أخذ الأجرة عليه".[5]
ودليل أصحاب هذا القول ما يلي:
1 - عن عثمان بن أبي العاص –رضي الله عنه- قال: إن من آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن "اتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجرا"[6].
قال الترمذي: حديث عثمان حديث حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرا، واستحبوا للمؤذن أن يحتسب في أذانه.
2 - عن أبي بن كعب –رضي الله عنه- قال: علّمت رجلاً القرآن، فأهدى إليّ قوساً، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "إن أخذتها أخذت قوسا من نار"، فرددتها.[7]
3 - عن عبادة بن الصامت –رضي الله عنه- قال: علمت ناساً من أهل الصفة الكتابة والقرآن، فأهدى إلي رجل منهم قوسا فقلت: ليست لي بمال، وأرمي عنها في سبيل الله، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " إن سرك أن تطوق بها طوقاً من نار فاقبلها ".[8]
4 – عن عبد الرحمن بن شبل الأنصاري –رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اقرءوا القرآن، ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به ".[9]
5 -ولأن القربة متى وقعت كانت للعامل فلا يجوز له أن يأخذ الأجر على عمل وقع له.[10]
6 -ولأن التعليم مما لا يقدر عليه المعلم إلا بمعنى من جهة المتعلم فيكون ملتزما ما لا يقدر على تسليمه فلا يجوز.[11]
7 – ولأن الاستئجار على الأذان، والإقامة، والإمامة، وتعليم القرآن والعلم سبب لتنفير الناس عن الصلاة بالجماعة وعن تعليم القرآن والعلم؛ لأن ثقل الأجر يمنعهم عن ذلك، وإلى هذا أشار الرب - جل شأنه - في قوله عز وجل: ﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ ﴾ [الطور: 40] فيؤدي إلى الرغبة عن هذه الطاعات وهذا لا يجوز وقال – تعالى: ﴿ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [يوسف: 104] أي على ما تبلغ إليهم أجرا وهو كان - صلى الله عليه وسلم - يبلغ بنفسه وبغيره بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا فليبلغ الشاهد الغائب"[12]، فكان كل معلم مبلغاً فإن لم يجز له أخذ الأجر على ما يبلغ بنفسه لما قلنا؛ فكذا لمن
يبلغ بأمره؛ لأن ذلك تبليغ منه.[13]

القول الثاني: الجواز.
وهذا مذهب مالك،[14] والشافعي،[15] ورواية عن أحمد،[16] وهو المختار عند متأخري الحنفية.[17]
قال في جامع الأمهات: " وتجوز الإجارة على الأذان وعلى الأذان والصلاة معا، وكره إجارة قسام القاضي، ولا بأس بما يأخذه المعلم على تعليم القرآن وإن لم يشترط، وإن شرط شيئا معلوما جاز".[18]
وقال في فتح المعين: " لا يصح الاستئجار لعبادة تجب فيها نية غير نسك كالصلاة لان المنعة في ذلك للأجير لا المستأجر والإمامة ولو نقل كالتراويح لان الإمام مصل لنفسه فمن أراد اقتدي به وإن لم ينو الإمامة أما ما لا يحتاج إلى نية كالأذان والإقامة فيصح الاستئجار عليه والأجرة مقابلة لجميعه مع نحو رعاية الوقت وتجهيز الميت وتعليم القرآن كله أو بعضه وإن تعين على المعلم".[19]
وقال ابن قدامة في الكافي: " وما يخص فاعله أن يكون من أهل القربة، وهم المسلمون، كالحج وتعليم القرآن، ففيه روايتان: إحداهما: يجوز الاستئجار عليه".[20]
قال ملا خسرو في درر الحكام: "الأصل أن الإجارة لا تجوز عندنا على الطاعات والمعاصي، لكن لمّا وقع
الفتور في الأمور الدينية جوزها المتأخرون ولذا قال: ويفتى اليوم بصحتها أي الإجارة لتعليم القرآن والفقه
والإمامة والأذان ويجبر المستأجر على دفع الأجر ويحبس به".[21]
واستدلوا بالأدلة التالية:
1 - عن ابن عباس –رضي الله عنهما-: أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء، فيهم لديغ أو سليم، فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل فيكم من راق، إن في الماء رجلا لديغا أو سليما، فانطلق رجل منهم، فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء، فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك وقالوا: أخذت على كتاب الله أجراً، حتى قدموا المدينة، فقالوا: يا رسول الله، أخذ على كتاب الله أجرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله".[22]
2 – أن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الواهبة نفسها زوج أحد الصحابة بما معه من القرآن، فقال عليه الصلاة والسلام: "ملكتها بما معك من القرآن".[23]
وجه الاستدلال:
أنه إذا جاز تعليم القرآن عوضا في باب النكاح، وقام مقام المهر، جاز أخذ الأجرة عليه في الإجارة.[24]
3 -عن أبي سعيد –رضي الله عنه-: أن رهطا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلقوا في سفرة سافروها، حتى نزلوا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين قد نزلوا بكم، لعله أن يكون عند بعضهم شيء، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيدنا لدغ، فسعينا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فهل عند أحد منكم شيء؟ فقال بعضهم: نعم، والله إني لراق، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق فجعل يتفل ويقرأ: الحمد لله رب العالمين حتى لكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي ما به قلبة، قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له، فقال: "وما يدريك أنها رقية؟ أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم بسهم".[25]
وجه الاستدلال:
إذا جاز أخذ الجُعل فيجوز أخذ الأجرة.[26]
4 -ولأنه يجوز أخذ الرزق عليه من بيت المال، فجاز أخذ الأجر عليه، كبناء المساجد والقناطر.[27]
5 - ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك، فلو لم يجز أخذ الأجرة لندر وجود المتبرعين بذلك، فتتعطل الكثير من المصالح.[28]

الترجيح:
الظاهر –والله- أعلم أن القول بالجواز هو الأوجه؛ حتى لا يقع الناس في حرج بسبب قلة المتبرعين لتلك الأعمال.
كما أن الوظائف التي تكون تابعة للأوقاف من إمامة وأذان وتعليم القرآن الكريم والعلوم الشرعية، يُعطى القائمون عليها من بيت المال، فيجوز ذلك، بل فيه تشجيع الناس على الخير والعلم.
ويمكن تأويل أحاديث المنع بمن يمتنع عن فعل الخير إلا إذا أعطي أجراً، كأن يقول: لن أؤذن إلا بكذا، أو: لن أصلي إلا بكذا.
حتى أن متأخري الأحناف افتوا بالجواز للحاجة إليها أكثر من ذي قبل، فقالوا: " ويفتى اليوم بالجواز أي بجواز أخذ الأجرة على الإمامة وتعليم القرآن، والفقه ، والأذان كما في عامة المعتبرات، وهذا على مذهب المتأخرين من مشايخ بلخي استحسنوا ذلك، وقالوا: بنى أصحابنا المتقدمون الجواب على ما شاهدوا من قلة الحفاظ ورغبة الناس فيهم، وكانت لهم عطيات من بيت المال وافتقاد من المتعلمين في مجازاة الإحسان بالإحسان من غير شرط مروءة يعينونهم على معاشهم ومعادهم، وكانوا يفتون بوجوب التعليم خوفا من ذهاب القرآن وتحريضا على التعليم حتى تنهضوا لإقامة الواجب فيكثر حفاظ القرآن، وأما اليوم فذهب ذلك كله وانقطعت العطيات من بيت المال بسبب استيلاء الظلمة واشتغل الحفاظ بمعاشهم وقلما يعلمون الحسبة ولا يتفرغون له أيضا، فإن حاجتهم يمنعهم من ذلك فلو لم يفتح باب التعليم بالأجر لذهب القرآن فأفتوا بجوازه لذلك ورأوه حسنا، وقالوا: الأحكام قد تختلف باختلاف الزمان ألا يرى أن «النساء كن تخرجن إلى الجماعات في زمانه - عليه الصلاة والسلام - وزمان أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - حتى منعهن عمر - رضي الله تعالى عنه - واستقر الأمر عليه» وكان ذلك هو الصواب كما في التبيين.
وفي النهاية يفتى بجواز الاستئجار على تعليم الفقه أيضاً في زماننا.
وفي الخانية خلافه تتبع، وفي المجمع يفتي بجواز الاستئجار على التعليم، والفقه، والإمامة كذا في الذخيرة، والروضة ولا يجوز استئجار المصحف وكتب الفقه لعدم التعارف كما في شرح الكنز للعيني".[29]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] بدائع الصنائع: 4/191، وتبيين الحقائق: 5/124، والتجريد للقدوري: 9/4634.
[2] المغني: 5/410، ومنار السبيل: 1/417، والمحرر في الفقه: 1/357، وكشاف القناع: 4/12
[3] الأَصْلُ: 4/15.
[4] بدائع الصنائع: 4/191.
[5] منار السبيل: 1/417.
[6] أبو داود، كتاب الصلاة، باب أخذ الأجر على التأذين، برقم 531، والترمذي، أبواب الصلاة، باب ما جاء في كراهية أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرا، برقم 209، والنسائي، كتاب الأذان، باب اتخاذ المؤذن الذي لا يأخذ على أذانه أجرا، برقم 672، وهو في مسند الإمام أحمد: 26/200، برقم 16270.
[7] أخرجه بن ماجه، كتاب التجارات، باب الأجر على تعليم القرآن، برقم 2158. وهو ضعيف كما ذكر الشيخ شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لسنن ابن ماجه، إلا أن الشيخ الألباني صححه لشواهده، كما في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: 5/316، برقم 1493.
[8] سنن أبي داود، أبواب الإجارة، باب من كسب في العلم، برقم 3416، وابن ماجه، كتاب التجارات، باب الأجر على تعليم القرآن، برقم 2157، وأحمد في المسند: 37/363، برقم 22689، والحاكم في المستدرك: 2/48، برقم 2277، وحسن إسناده الشيخ شعيب الأنؤوط في تحقيقه لسنن أبي داود، ومسند الإمام أحمد، وصححه الشيخ الألباني في: سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها: 1/515.
[9] مسند أحمد: 24/288، برقم 15529، ومصنف ابن أبي شيبة: كتاب صلاة التطوع والإمامة، وأبواب متفرقة، باب في الرجل يقوم بالناس في رمضان فيُعطى، ومسند أبي يعلى: 3/88، برقم 1518، والمعجم الأوسط للطبراني: 3/86 برقم 2574.
[10] تبيين الحقائق: 5/124، والمبسوط للسرخسي: 16/37، والمغني 3/224.
[11] المحيط البرهاني: 7/484، وتبيين الحقائق: 5/124، والتجريد للقدوري: 7/3697.
[12] جزء من حديث أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب، برقم 104، وأخرجه مسلم في الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها، برقم 1354.
[13] المبسوط للسرخسي: 16/37، وبدائع الصنائع: 4/191، واللباب في الجمع بين السنة والكتاب: 2/535.
[14] جامع الأمهات: 436، الجامع لمسائل المدونة: 15/424، و التبصرة: 10/4954-4955.
[15] فتح المعين: 376، وإعانة الطالبين: 3/133، و فتح الرحمن بشرح زبد ابن رسلان: 976، و التعليقة للقاضي حسين على مختصر المزني: 2/662.
[16] الكافي: 2/171، والمغني: 5/411، ومنار السبيل: 1/417.
[17] المبسوط للسرخسي: 16/37، ودرر الحكام: 2/233، وملتقى الأبحر: 533، والدر المختار: 581.
[18] جامع الأمهات: 436.
[19] فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين: 376.
[20] الكافي لابن قدامة: 2/171.
[21] درر الحكام شرح غرر الأحكام: 2/233؛ المؤلف: محمد بن فرامرز بن علي الشهير بملا - أو منلا أو المولى - خسرو المتوفى: 885هـ؛ الناشر: دار إحياء الكتب العربية؛ الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ؛ عدد الأجزاء: 2.
[22] أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب الشرط في الرقية بقطيع من الغنم، برقم 5737.
[23] أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب القراءة عن ظهر قلب، برقم 5030، وأخرجه مسلم في النكاح باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد، برقم 1425.
[24] المغني: 5/411.
[25] البخاري، كتاب الطب، باب النفث في الرقية، برقم 5749.
[26] المغني: 5/411.
[27] المرجع السابق.
[28] المرجع السابق.
[29] مجمع الأنهر: 2/385، وينظر على سبيل المثال: البناية شرح الهداية: 10/281، وحاشية ابن عابدين: 6/55، والعناية: 9/98.
...المزيد

[ من توسل إلى شيخه بشعر ليقبل تعليمه ] (١) ١ - قال الإمام ابن أبي حاتم - رحمه الله تعالى - في ...

[ من توسل إلى شيخه بشعر ليقبل تعليمه ] (١)

١ - قال الإمام ابن أبي حاتم - رحمه الله تعالى - في كتابه "الجرح والتعديل" ١ / ٢٧٥ : باب ما أنشد في عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى: حدثنا عبد الرحمن، نا أحمد بن سلمة النيسابوري قال: سمعت أبا بكر بن أسلم يقول: رحل أبي من نيسابور إلى مرو ليكتب عن ابن المبارك؛ فقال أبيات شعر أنشدها لابن المبارك:

خلَّفْتُ عُرْسي يومَ السَّير باكيةً
يابنَ المبـارك تبكيني برنَّـاتِ

خلَّفتُها سحَراً في النوم لم أرَها
ففي فـؤادي منها شِبْهُ كيَّاتِ

أهلي وعرسي وصبياني رفضتْهُم
وسرْتُ نحوَك في تلك المفازاتِ

أخافُ واللهِ قطَّاعَ الطريق بها
وما أمنتُ بِها من لدْغِ حيـَّاتِ

مستوفزاتٍ بها رقْشٌ مشوهةٌ
أخاف صولتـَها في كل ساعاتي

اجلسْ لنا كلَّ يومٍ ساعةً بُكَراً
إنْ خفَّ ذاك والا بالعشيَّـاتِ

يا أهل مرْوَ أعينونا بكفِّـكُم
عنَّـا وإلا رمينـاكُم بأبيـاتِ

لا تُضجِرونا فإنا معشَرٌ صبُرٌ
وليس نرجـو سوى ربّ البريـَّاتِ​

٢ - كتب القاضي محمد بن عبد الملك في سلخ صفر سنة ١٣٠١هـ إلى شيخه القاضي محمد العمراني - [جد شيخنا القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني رحمه الله تعالى] - هذه الأبيات يطلب إسعاده سماع الموطأ برواية يحيى بن يحيى الليثي وسنن ابن ماجه، مطلعها:

سقى سحب الرضى دهراً حباني
وصال أحبتي فلبست تاجَهْ

إلى أن قال:

أبن لي أيها المولى أيقضي
لنا الدهر الذي أبدا اعوجاجهْ

بجمع الشمل والمقصود وقت
لإملاء الموطأ وابن ماجهْ

ونجني زهر روض العلم غضّاً
ونسلك في الحديث به فجاجهْ

ونحيي للقا بيتاً قديماً
ونوسع في تنائينا شجاجهْ

فهب لي منك في الأسبوع يوماً
يدير الأنس فيه لنا زجاجهْ

فما كان من أستاذه وشيخه إلا أن عين له بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع لدرس الموطأ، وبعد إكماله شرع في درس سنن ابن ماجه حتى عاقه - [أي شيخه] الحِمام عن التمام فمات ليلة الأربع وعشرين من شعبان سنة ١٣٠٢هـ.
(القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني: حياته العلمية والدعوية ص ١٥٧، تأليف: عبد الرحمن عبد الله سلمان الأغبري)

٣ - قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي –رحمه الله تعالى- متحدثا عن فترة طلبه للعلم: قَدِمْتُ عَلَى بَعْضِ الْمَشَايِخِ لِأَدْرُسَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ يَعْرِفُنِي مِنْ قَبْلُ، فَسَأَلَ عَنِّي مَنْ أَكُونُ، وَكَانَ فِي مَلَأٍ مِنْ تَلَامِذَتِهِ فَقُلْتُ مُرْتَجِلًا:

هَذَا فَتىً مِنْ بَنِي جَاكَانَ قَدْ نَزَلَا
بِهِ الصِّبَا عَنْ لِسَانِ الْعُرْبِ قَدْ عَدَلَا

رَمَتْ بِهِ هِمَّةٌ عَلْيَاءُ نَحْوَكُم
إِذْ شَامَ بَرْقَ عُلُومٍ نُورُهُ اشْتَعَلَا

فَجَاءَ يَرْجُو رُكَامًا مِنْ سَحَائِبِهِ
تَكْسُو لِسَانَ الْفَتَى أَزْهَارُهُ حُلَلًا

إِذْ ضَاقَ ذَرْعًا بِجَهْلِ النَّحْوِ ثُمَّ أَبَا
أَلَّا يُمَيِّزَ شَكْلَ الْعَيْنِ مِنْ فَعَلَا

وقَدْ أَتَى الْيَوْمَ صَبًّا مُولَعًا كَلِفًا
"بِالْحَمْدِ لِلَّهِ لَا أَبْغِي لَهُ بَدَلًا"


يريد دراسة لامية الأفعال.

(مقدمة تفسيره المُسمى "أضواء البيان في إضاح القرآن بالقرآن، وكتاب "علو الهمة" 152، للشيخ محمد أحمد إسماعيل المقدم)
*ولامية الأفعال منظومة في الصرف لإمام العربية محمد بن مالك –رحمه الله تعالى-صاحب "الخلاصة في النحو"، والشهيرة بألفية ابن مالك.
وفي الشطر الثاني من البيت الأخير من نظم الشيخ محمد الأمين تضمين لمطلع لامية الأفعال، حيث يقول ابن مالك فيها:

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ لاَ أَبْغِي بِهِ بَدَلاَ
حَمْدًا يُبَلِّغُ مِنْ رِضْوَانِهِ الأَمَلاَ

.... إلخ
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً