المسارعة في الخيرات إنها طريقة الأصفياء الأخيار ودأب الأتقياء الأطهار وصفة محبوبة إلى الواحد ...

المسارعة في الخيرات


إنها طريقة الأصفياء الأخيار ودأب الأتقياء الأطهار وصفة محبوبة إلى الواحد القهار أَثْنَى بها عَلَى عباده الصالحين، فقال سبحانه وتعالى:{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }[الأنبياء:90].

وقد قص الله سبحانه وتعالى لنا في كتابه المبين عن عباده الصالحين وكيف أنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويأخذون أوامر ربهم سبحانه للتطبيق ولا يعرضونها على العقول والأذواق والفهم العميق ولا يردونها لأجل قول بلعام فسيق وهذه حقيقة العبودية وحقيقة الاستسلام لله رب العالمين.

ومن ذلك قصة كليم الله موسى عليه الصلاة والسلام فقد كان صلى الله عليه وسلم سريع الاستجابة لأمر ربه سبحانه وتعالى فعندما أمره الله سبحانه وتعالى بإلقاء العصا التي كان يحتاجها لبى سريعا دون تردد قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّؤُاْ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى}[طه:20-17] وبعد أن صارت حية تسعى أمره بأخذها بدون خوف فاستجاب سريعا لأمر الله، وكذلك عندما اجتمع بفرعون وزبانيته أمره الله بقوله: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:69]فاستجاب سريعا كما قال الله تعالى:{فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَْ} [الشعراء:45]وهذه الاستجابة السريعة سبب في قوة الإيمان والثبات فعندما ألقى العصا وصارت حية ولى مدبرا بينما تغير الأمر عندما ألقى السحرة حبالهم وعصيهم فلم يفر بل أوجس في نفسه خيفة فقط بينما قال في كل ثبات عندما أدركهم فرعون وجنوده قال تعالى: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] وهكذا كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، ففي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ، إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الكَعْبَةِ» هكذا وهم في صلاتهم، إنها الاستجابة السريعة لأمر الله سبحانه وتعالى وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بدون تردد ولا تفكير وبلا تأمل ولا تأخير.

وفي الصحيحين أيضا عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: كُنْتُ سَاقِيَ القَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، وَكَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الفَضِيخَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا يُنَادِي: «أَلاَ إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ» قَالَ: فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ، فَأَهْرِقْهَا، فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا، فَجَرَتْ فِي سِكَكِ المَدِينَةِ، فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: قَدْ قُتِلَ قَوْمٌ وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] الآيَةَ.

وفي رواية لمسلم:" فَمَا رَاجَعُوهَا، وَلَا سَأَلُوا عَنْهَا بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُلِ".

نعم أخي في الله تطبيق سريع لأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وانتهاء سريع عما نهى الله عنه بل عدم السؤال عن ذلك المنهي عنه وهنا يعلم السر في المكانة المرموقة العالية والمنزلة المرفوعة السامية التي وصل إليها ذلك الجيل الفريد رضوان الله عليهم، ولا عجب فقد خالط التوحيد شغاف قلوبهم وسارت العقيدة في عروقهم فكما أن الاستجابة السريعة سبب في قوة الإيمان فإن الإيمان ينتج عنه تلك الاستجابة السريعة للأوامر، وهكذا فكلما حصل من العبد استجابة للأوامر زاد إيمانه وكلما زاد إيمانه حسنت أعماله واستجابته لأمر ربه.

وليس ذلك بمقتصر على الصحابة الكرام رضوان الله عليهم بل كل من سار على نهجهم واقتفى أثرهم نال ما نالوه ووصل إلى ما وصلوا إليه وليس الأمر بالتمني ولا بالتحلي وإنما هو الجد والاجتهاد والصبر والمصابرة.
وكما قيل:

دببت للمجد والساعون قد بلغوا
جُهد النفوس وألقوا دونه الأُزرا
وكابدوا المجد حتى ملَّ أكثرُهُم
وعانق المجد من أوفى ومن صبرا
لا تحسبن المجد تمراً أنت آكله
لن تبلغ المجد حتى تَلْعَقَ الصَبِرَا

وقد ندب الله عباده إلى المسارعة والمسابقة في الخيرات في أكثر من آية فقال:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} وهي طاعة الله واتباع شرعه، الذي جعله ناسخا لما قبله، والتصديق بكتابه القرآن الذي هو آخر كتاب أنزله. كما ذكر ذلك الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية.وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134-133].

قال الإمام الطبري رحمه الله -في تفسيره لهذه الآية-: "يعني تعالى ذكره بقوله: "وسارعوا" وبادروا وسابقوا" إلى مغفرة من ربكم"، يعني: إلى ما يستر عليكم ذنوبكم من رحمته، وما يغطيها عليكم من عفوه عن عقوبتكم عليها "وجنة عرضها السموات والأرض"، يعني: وسارعوا أيضًا إلى جنة عرضها السموات والأرض... وأما قوله :"أعدت للمتقين" فإنه يعني: إنّ الجنة التي عرضها كعرض السموات والأرضين السبع، أعدها الله للمتقين، الذين اتقوا الله فأطاعوه فيما أمرهم ونهاهم، فلم يتعدوا حدوده، ولم يقصِّروا في واجب حقه عليهم فيضيِّعوه" ا. هـ

وقال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21].

فلتكن همتك يا عبد الله سامية ولا ترضَ بالدون، ولتكن عزيمتك عالية في كل الأمور، وإياك والنقص مع قدرتك على التمام فإنه عيب وشنار وعار وكما قيل:

ولم أر في عيوب الناس شيئا
كنقص القادرين على التمام

فلتكن سريع الاستجابة لأمر ربك ونبيك صلى الله عليه وسلم ومن ولاهم الله عليك فذلك أمر ربك حيث قال سبحانه:} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا {[النساء:59].

قال الإمام الطبري رحمه الله- في تفسيره لهذه الآية-:" يعني بذلك جل ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ربكم فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه، وأطيعوا رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم، فإن في طاعتكم إياه لربكم طاعة، وذلك أنكم تطيعونه لأمر الله إياكم بطاعته" ا. هـ

ثم قال رحمه الله في تفسير قوله تعالى:" وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ":" وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: هم الأمراء والولاة لصحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان لله طاعةً، وللمسلمين مصلحة" ا. هـ

ولتكن من المسارعين للقيام والصيام المتسابقين على الأعمال الصالحة في الليل والنهار من خدمة المجاهدين وتنفيس هم المهمومين ومساعدة المحتاجين وحراسة الموحدين والرباط في الثغور ومقارعة أعداء الدين، وسارع إلى رضى الرحمن بكل همة.

فيا فوز من كان هذا حاله ويا فلاح من كانت هذه صفاته ويا حسرة أهل التجارة الخاسرة من أعرض عن شريعة رب العالمين.

جعلنا الله من المسارعين في الخيرات والذين هم لها سابقون.

والحمد لله رب العالمين


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 151
الخميس 2 صفر 1440 ه‍ـ
...المزيد

النبأ تكشف تفاصيل الإنزال الأمريكي الفاشل في الأنبار الزمان: مطلع محرم الماضي المكان: ...

النبأ تكشف تفاصيل الإنزال الأمريكي الفاشل في الأنبار


الزمان: مطلع محرم الماضي
المكان: إحدى فيافي صحراء الأنبار
الحدث: مقتل وإصابة أمريكيين في محاولة إنزال فاشلة على أسود الصحراء.


يبدو أن الصَلَف الأمريكي ساق جنود الصليب -كما في العديد من المرات- لحتفهم مرة أخرى، متناسين ما أصابهم من قتل وأسر وتدمير لأحدث قطعهم العسكرية، وكسر هيبتهم وتمريغ أنوفهم لما يزيد على 15 عاما على يد أسود التوحيد، تلامذة أمير الاستشهاديين الشيخ المجاهد "أبي مصعب الزرقاوي" تقبله الله.

ويبدو كذلك أن الكذب الأمريكي والتضليل الذي تمارسه وسائل إعلامهم ومحاولة إخفائهم لخسائرهم وخسائر وكلائهم وأذنابهم من الروافض والصحوات، إضافة إلى الحرب التي تمارسها آلتهم الإعلامية بشراسة في تشويه صورة جنود الدولة الإسلامية لم تنجح في تغيير واقع الحرب التي يخوضها مجاهدو الدولة ضدهم بثبات، دون تغيير للمنهج أو حرف عن المقصد، ولم تعد مقنعة كذلك لعامة المسلمين الذين تيقنوا من كذبها، لذا من الملاحظ أنه ما إن تسيطر الدولة الإسلامية على قرية أو مدينة أو منطقة إلا وترى شبابها يتوافدون للالتحاق بركبها.

ولقد بات من المؤكد كذلك أن العقيدة التي يحملها جنود الخلافة هي الضامن الوحيد، والمحرك الأساس في استمرارية المعركة وإردافها برجال رغبوا بما عند الله عن ما عند الناس، وزهدوا بالحياة الدنيا، إضافة إلى ذلك إدراكهم لطبيعة المعركة ومخرجاتها ونتائجها، ومفهومهم للنصر الذي يتلخص بـأن "الثبات على العقيدة والموت عليها هو النصر"، يحدوهم في ذلك أن الجزاء هو الجنة، وأن ما عند الله خير وأبقى، وبما أن العمر محسوم أمره والمرء مقدّر أجله، فلم العزوف عن القتال ومقارعة الجبناء المدججين بالسلاح، فلم يضرهم بعد ذلك قلة عدد، أو شح عدة، أو انفضاض نصير، ما دام الله تعالى حاضرا، والصبر والتوكل والأخذ بالأسباب وإفراغ الوسع في نيلها قائما.

هنا بين أيدينا قصة ثبات تلخص السرد أعلاه، وتوضح لنا خيبة الصليبيين الأمريكيين وسبب إخفائهم خسائرهم فالأمر -لا شك- محرج ومخجل لهم.

يقول أحد المجاهدين الذين شاركوا في إفشال الإنزال الأمريكي -الذي وقع بداية محرم الماضي في صحراء الأنبار-، وشهد قتل أحد الأمريكيين، يقول: "كانت الساعة تشير إلى الثامنة ليلاً حيث جاء الطيران الصليبي بكل انواعه (من طائرات حربية ومروحية وطائرات مسيرة)، حيث قامت هذه الطائرات بقصف المكان المتواجدين فيه، بما يقارب30 صاروخا، وتمشيط المكان بمدفع 37، وبفضل الله لم يقتل أحد منا".

وأضاف: "بعدها أقبلت الطائرات المروحية وقاموا بعملية الإنزال في المكان، وكنا 13 عشر مجاهداً، متربصين بالصليبيين في مكان أعددناه مسبقا لمثل هذه العمليات، وكمنا لهم، في حفرة داخل هذا المكان مموهة بالحجارة حتى لا يتمكن الأمريكان الصليبيون من رؤيتنا".

وتابع: "بعد دخول الصليبيين الى المكان قاموا بالبحث في أغراضنا ظنا منهم أننا غير موجودين في الداخل، وأثناء بحثهم رأى أحد الأمريكيين أخا لنا داخل الحفرة، وبدأ الصليبي بالصياح بصوت عال، وارتعب من رؤية الأخ، وطلب من الأخ تسليم نفسه -وكان معهم مترجم- فصاح به الأخ بصوت عال "الله أكبر" وسحب سلاحه وقتل الصليبي الذي كان بالقرب منه، لحظتها كبر الإخوة جميعا بصوت عال رجّ له كل ما في المكان وبدأ الأمريكان الصليبيون بالركض إلى الخارج، واشتبكنا معهم فقتلنا وأصبنا منهم ما الله به أعلم، فحملوا جرحاهم وسحبوا جثث قتلاهم، وابتعدوا أمتارا عديدة، وبعدها خرج عليهم أخ ورمى في وسطهم قذيفة "آر بي جي" كما رمى عليهم بعض المجاهدين قنابل يدويه وفرغوا فيهم عدداً من مخازن الرشاشات، فبدؤوا يتصايحون بصوت عالٍ للانسحاب، وقد دام الاشتباك معهم ما يقارب الساعتين، وبفضل الله فشل انزالهم، ولم ينالوا ما أرادوا، ولم يصب أو يقتل أحد من الإخوة في الاشتباك، وليعلم عباد الصليب أننا لن نستكين عن مقارعتهم ما بقي فينا عرق ينبض أو نفس يزفر.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 151
الخميس 2 صفر 1440 ه‍ـ
...المزيد

صحيفة النبأ - مقال - نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى تضع تركيا هذه الأيام اللمسات الأخيرة لتنفيذ ...

صحيفة النبأ - مقال - نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى


تضع تركيا هذه الأيام اللمسات الأخيرة لتنفيذ اتفاقها الجديد الذي جرى بينها وبين إيران وروسيا في قمتهم الثلاثية التي عقدت في إيران، وكان من مخرجاته تسليم الصحوات بكل أطيافهم سلاحهم الثقيل في إدلب وحصرهم في شريط حدودي تحت رعاية تركية، وتصفية كل من لا يتماشى مع هذا الاتفاق أو قد يشكل أي عقبة مستقبلاً.

إن هذا الخزي والعار الذي حل بالصحوات من تسليم لجميع المناطق دون قتال يذكر وتجميعهم في إدلب، ثم إذلالهم وسحب سلاحهم لم يكن وليد اللحظة أو أمرا مفاجئا طرأ على الساحة، بل كان له مقدمات طويلة ومراحل متعددة شهدها القاصي والداني.

فقد بدأ القتال في الشام وظهرت عشرات الفصائل، بكل الملل والنحل، وكحال أي ساحة قتال جديدة خرج فيها الغث والسمين والصالح والطالح جلهم يدّعون أن قتالهم في سبيل الله ولرفع رايته، وكلهم يزعمون أن قتالهم لإزالة النظام واستبداله، ولم يدم حالهم هذا طويلا حتى مضت سنة الله في خلقه {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [التوبة: 16]، فكان للمخابرات الأمريكية والتركية والأردنية والخليجية وغيرها دورها البارز في الساحة عبر توفير الدعم بأشكال وطرق منوعة، لتكون الطعم الذي يجر الجماعات طوعا لشباكها والخيط الذي يعلق في رقابهم فيصيروا دمى بأيديهم!

وقد حذر قادة الدولة الإسلامية من سلوك هذا الطريق، طريق الوهم والسراب، ونادوا من بقي به ذرة من إيمان أن احذروا من هؤلاء إنما يريدون سلب دينكم ودنياكم والتلاعب بكم وتغيير مساركم، فكان جوابهم كجواب الضالين من قبلهم {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف: 82]، فزعموا أن الدعم غير مشروط واتهموا من يرفضه بالسذاجة والسطحية وتضييع الفرص، فكان للداعمين ما أرادوا، فقد أصبحت الجماعات صاحبة الأسماء الرنانة خاتما بأيديهم، فكانوا يوجهون بعضهم بشكل مباشر وبعضهم بوساطة ويوجه البعض عن بعد عبر التحكم بالدعم، فإن قام بمعركة لا تعجبهم قطعوا الدعم بشكل مفاجئ فيعود مرغما عنها، فبعد الاعتماد على الداعمين وبغية نيل رضى من يسمى (بالمجتمع الدولي) سار الجميع في مسلسل التنازل وكلهم يظن أنه اختصر التكاليف وسلك أقصر الطرق للنصر وما علم أنه لا يعدو رقما يتلاعب به الداعمون لبعض مصالحهم السياسية.

وكان من أولى نتائج سلوكهم هذا السبيل أن وجهوا أسلحتهم إلى الدولة الإسلامية بدل أن يوجهوها للنصيرية، فشاء الله أن يكون انحياز جنود الدولة الإسلامية عن بعض مناطق الصحوات بعدها دليلا وبرهانا على كذب دعاويهم ومزاعمهم أن المجاهدين كانوا عقبة في قتال النصيرية، فما آلت إليه أحوالهم غير اقتتال بينهم أو إعلان معارك كبرى على النظام تذوب بعد أيام كما يذوب الملح فلا تسمع لهم حسا ولا تراهم قد أجمعوا أمرهم إلا في قتال الدولة الإسلامية.

تزامن ذلك مع عقد الطواغيت للجلسات والمؤتمرات والتي قد أشركوا فيها بعض قيادات تلك الفصائل، فأجلسوهم رغما عنهم ليفاوضوا النظام، وأجبروهم على التنازل مرة بعد مرة، وفي كل مؤتمر منها يتناقص عدد ممثليهم حتى انتهى بمؤتمرهم الأخير دون حضور أحد منهم مع إلزامهم بمخرجاته طوعا أو كرها.

وأما على الأرض فقد سلموا المناطق تلوا المناطق وفي كل مرة يتذرعون بذريعة ولهم في الخروج منها وسيلة والتي لم يكن منها يوما القتال، فكانوا ألعوبة بين داعميهم وبين النصيرية، فيعقدون الهدن في جميع الجبهات عدا جبهة واحدة لتكون للنصيرية لقمة سائغة فيكون خيارهم إما التسوية والانضمام لصفوف النصيرية أو تكديسهم في إدلب.

وقد كانت جريرتهم الأولى سلوكهم غير سبيل المؤمنين وتولي الصليبيين وسعيهم الحثيث لنيل رضاهم وتجنب سخطهم فكان جزائهم أن شُردوا وأخرجوا من ديارهم رغم أنوفهم دون قتال فأي حال بئيس صاروا إليه، وأي ذلة ومهانة نالوها، قال تعالى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].

وأما عباد الله المجاهدين من جنود الدولة الإسلامية والذين اختاروا طريق الحق وصبروا على الأذى فيه، فقد منّ الله عليهم بأن مكنهم سنين عدّة ونالوا شرف تطبيق شرعه والدفاع عنه، ثم أبقاهم شوكة في حلوق الكافرين، فاليوم نرى أرتال النصيرية تخرج إلى الصحراء الشامية فلا تعود! فقد أبقى الله لهم في تلك القفار والتلال ما يسوؤهم، ولقد ملأ المجاهدون تلول الصفا بجيفهم، فكمنوا لهم بالأودية والشعاب وترصدوا آلياتهم ودورياتهم في الطرقات فنكدوا عيشهم وأبادوا خضراءهم، منّة من الله وفضلا.


• صحيفة النبأ - العدد 151
الخميس 2 صفر 1440 ه‍ـ
...المزيد

إرشاد العباد إلى بعض فضائل الجهاد الحمد لله الذي منّ علينا بالجهاد، وأقامنا فيه وهو خير مقام ...

إرشاد العباد إلى بعض فضائل الجهاد


الحمد لله الذي منّ علينا بالجهاد، وأقامنا فيه وهو خير مقام بين العباد ويسّر لنا بالقتال تنغيص حياة أهل الردة والإلحاد، والصلاة والسلام على نبي الرحمة ونبي الملحمة وعلى آله وصحبه الرحماء بالمؤمنين وهم على الكافرين غلاظ شداد، وعلى من سلك سبيل التوحيد والجهاد إلى يوم التناد وبعد:

فإن الله كتب على المؤمنين القتال فقال سبحانه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة:216]، ولما كان أمر القتال شديدًا على النفوس لما فيه من إزهاق الأرواح وفراق الأهل والأوطان، رغّب سبحانه فيه أعظم ترغيب وأبدأ في فضائله وأعاد، ووعد عليه الوعود العظيمة وفرض لأهله الأُعطيات الربانية الجزيلة؛ فطارت نفوس المؤمنين شوقًا إليه وتسابق المٌحبّون في ميدان القتال حرصًا عليه، لِما رأوا من فضله الذي لا يضاهى وأجره الذي لا يتناهى، حتى استرخصوا في سبيله النفوس والمهج وركبوا لأجله لجج البحار والصحاري والقِفار ولمّا بَعُد العهدُ عن التحريض على الجهاد شمّرتُ للتحريض عليه عن ساعدِ الاجتهاد وسمّيتُ هذه الأسطر: "إرشاد العباد إلى بعض فضائل الجهاد"، وهي على ما يلي:


الأولى: أنه منجاة بإذن الله من أليم العذاب
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف: 10-11] فيا من يخاف من عقاب الله وعذابه الأليم يا من يؤرّقه صوت أهل النار، قال تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر: 37] دونك باب الجهاد فإن الله وعد أهله بالنجاة من أليم العذاب فما الذي يقعدك عنه وأنت تسمع صوت حادي الجهاد في جميع البلاد ينادي يا خيل الله اركبي و يا راية الإسلام ارتفعي ويا حملة الراية قوموا، فمن يَطِيبُ له قعود بعد هذا النداء؟! نعوذ بالله من الحِرمان.

الثانية: أن الله وعد أهل الجهاد بمغفرة ذنوبهم.
قال تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ...} [الصف-12] كم من الناس أرّقتهم الذنوب؟ حتى وقع أكثرهم في اليأس من رحمة الله، فيا من أرّقته الذنوب والآثام وناله منها العذاب النفسي والآلام، بُشْرَاك فلا دواء يُذهب بالذنوبِ وآثارها مثل الجهاد في سبيل الله، ولك في خَبر أبي محجن الثقفي عظة وعبرة فقد تداوى من مرض ذنوبه بدماءِ الكفار، فليس كمثلها تُكفرُ السيئات والأوزار.

إن المعاصيَ رجسٌ لا يطهرُها
إلا الصوارم في أيمانِ كُفارِ

الثالثة: أن الجهاد سبب لدخول الجنة
قال تعالى في تكملة الآية السابقة: {وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}

فحيَّ على جناتِ عدنٍ فإنها
منازلنا الأولى وفيها المخيّمُ
وحيّ على روضاتِها وجِنانِها
وحيّ على عيشٍ بها ليس يَسْأَمُ

نعم بالجهاد تُنال الدرجات العلى في الجنة ففي الحديث الصحيح كما عند البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)، فكيف تستبدل ذلك العيش الكريم والنعيم المقيم بهذه الأعطان الضيقة بين أرباب العاهات والبليات؟ وكيف تستبدل الحور الكواعب الأتراب بالتي هي أدنى من المخلوقات من التراب إلا المؤمنات الصالحات؟

تالله إنك لفي غبن عظيم وتظن نفسك من الفائزين، وكيف يطيب لك عيش وتترك هذا المعين

فأقدم ولا تقنع بعيشِ مُنغَّصٍ
فما فازَ باللذاتِ من ليس يُقدِمُ

الرابعة: أن الجهاد ترجمان التوحيد.
قد علم المسلم أنه لا يصح توحيد إلا بولاء وبراء ولا يكتمل إيمان المرء حتى يجاهِر الكفار بالعداوة والبغضاء قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ...الآية} [المجادلة: 22]، ولا يكون ذلك إلا بإظهار العداوة، إذ هي الفَيْصل بين أهل التوحيد وأهل النفاق، وإن ذلك يتجلى حقيقةً بالجهاد وقتال أهل الكفر والعناد، ويذوق الموحد ثمرةَ توحيده واقعًا معاشًا، لا كما يرى التوحيد أهل القعود دروسًا وحِلَقًا لا تحفظُ دينًا ولا تنصر شرعًا ولا ترد حقًا.الخامسة: أن المجاهدين لا يساويهم أحد في الفضل والدرجة قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [التوبة-20]، فكيف يأتي بعد ذلك جاهل يسوي المجاهدين بغيرهم؟ بل كيف يأتي من يطعن بالمجاهدين ويصدُّ عن سبيل الجهاد؟ فإنه لا يفعلُ ذلك إلا أهل النفاق الذي لا شك فيه ولا ارتياب، بل اسمع لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يرويه أبو هريرة كما عند مسلم حيث قال: (مَثَلُ الْمُجَاهِدِ في سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ لاَ يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلاَ صَلاَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ في سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى) ففي كلام نبينا صلى الله عليه وسلم القول الفصل، والمبتغي بعد هذه البينة بينة كان حالُه كمن يبحث للنهار عن دليل والشمس بازغة.

السادسة: أن المجاهد أفضل الناس
قال صلى الله عليه وسلم: (من خير معاش الناس رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغى القتل والموت مظانه) [رواه مسلم]، وروى البخاري من حديث أبي سعيد الخدري (قيل يا رسول الله أي الناس أفضل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله).

السابعة: هداية الله للمجاهد إذا ادلهمّت الفتن
فلا نجاة من الفتن إلا بالجهاد في سبيل الله فإن الفتن من معانيها اختلاط الأمور وعدم القدرة على معرفة الحق من الباطل والله سبحانه قد نجى المجاهد من الفتن ببركة الجهاد، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 67]، من جاهد الجهاد الحق من أجل إعلاء كلمة الله لا تجد عنده حيرة القاعدين ولا اضطرابهم ولا تشتتهم، فالحق بركب المهتدين قبل أن يجرفك سيل الضلال.

الثامنة: الجوائز الست
قال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلِيْمٌ حَكِيْمٌ (15)} [التوبة:14-15]، فقد جعل الله للقتال في سبيل الله ست فضائل في هذه الآية،

أولها: تعذيب الكافرين بأيدي المؤمنين، وهذا تشريف وأي تشريف وتعظيم للمؤمن الذي يستشعر وهو يقاتل أنه عذاب الله الذي يتنزّل على الكافرين والمرتدين ويذيقهم الله بأسه وغضبه على يد عباده المجاهدين.

أما الثانية: أن الله يخزي الكافرين بأيدي المؤمنين، وذلك بهزيمة الكفار وإلحاق العار بهم وأخذ الجزية منهم وهم صاغرون.

والثالثة: النصر على الكفار وما فيه من عزةٍ وعلو للمؤمن على أمم الكفر التي طالما تطاولت ونكّلت بالمؤمنين.

الرابعة: شفاء صدور المؤمنين من أعدائهم الذين ساموهم سوء العذاب، فترى الأخت التي انتُهِك عِرضُها من فعلوا هذه الفعلة وهم يلقون جزاءهم على يد عباد الله الموحدين، وترى الأمُّ التي قتل ولدها وإخوانها يثأرون لها ممن أشعل صدرها غيظاً، وترى ذلك الجاني ودمه يسفك جزاءً وفاقًا على سوء فعله فيذهب بذلك ما في قلوب المؤمنين من الغيظ فتكون بذلك الفضيلة الخامسة.

السادسة: أن يمتنّ الله على من يشاء بالتوبة والأوبة إليه والهداية، إما ارتداعًا عن كفرهم وغيّهم، وإما مهابةً للحق وأهله بعد أن أعزهم الله بالجهاد والقتال، فتحصل بالجهاد ثمرة جليلة بالهداية لأقوام لولا الله ثم الجهاد لما ارعووا ولا انزجروا عما هم فيه من ضلال، وأقوام طالما ازدروا أهل الحق لضعفهم وقلتهم فما إن يروا شدة المجاهدين في القتال وتنكيلهم في العدو حتى يهابوهم ويطلبوا الانضواء تحت رايتهم.

ويختم الله ذلك بقوله الذي يؤذن بكمال علمه وحكمته فتقطع هذه الخاتمة البديعة لسان كل مخذل خوار فمن اعترض على القتال بعد ذلك فهو مدع أنه أعلم من الله وأحكم في عباده، {وَاللهُ عَلِيْمٌ حَكِيْمٌ}.

فمن المؤمن القتال، ومن الله التعذيب للكفار والنصر على الأعداء وشفاء الصدور وإذهاب غيظ القلوب والهداية لمن يشاء، فله الحمد أولاً وآخرًا.

التاسعة: أن الجهاد يذهب الله به الهم والغم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى فإنه باب من أبواب الجنة يُذهب الله به الهم والغم) [رواه أحمد]، لقد كثرت في هذا الزمان الهموم والغموم حتى امتلأت العيادات النفسية بالزائرين والمرضى يبحثون عن حل لما يعانونه من الأمراض النفسية وليس ما بهم بسبب قلة مال أو عرض من الدنيا بل تجد أكثرهم من أصحاب الأموال وهم في هذه الغمرات يبحثون عمن يخرجهم من شقائهم وتعاستهم ولا يعلمون أن الحل بأيديهم وهو بامتثال ما أمر الله به من الجهاد في سبيل الله.واسأل المجاهدين من أجل إعلاء كلمة الله ولن تجدهم إلا في صفوف دولة الإسلام -أعزها الله - سلهم عن حالهم هل يجدون همًا أو غمًا؟ هل يحتاجون إلى الأقراص المنومة لكي يناموا؟ فإن الإجابة ستكون بالنفي، بل سيقولون لك منذ أول قدم وضعناها في أرض الجهاد نسينا الهم والغم وأحسسنا من السعادة النفسية والراحة ما عوضنا عن كل ما فقدناه وخلّفناه وراء ظهورنا هذا مع ما يعيشه المجاهد من القتال والملاحقة والحصار والإصابات وغيرها من الآلام ومع ذلك تجد المجاهد منشرح الصدر مرتاح البال مطمئن النفس، مما جعل حال المجاهد هذا يصيب أعداء الله بالحيرة والاندهاش مما يرونه أمام أعينهم ولم يقرؤوا عنه في كتاب ولم يسمعوا عنه فالحمد لله الذي بلّغ المجاهدين هذه المنزلة التي قال عنها الإمام المجاهد المبارك عبد الله بن المبارك "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف".

وختامًا: أقول لك ما قاله الإمام المجاهد ابن النحاس رحمه الله: "فتيقظ لنفسك يا هذا قبل الهلاك وأطلق نفسك من أسرها قبل أن يعسر الفكاك وانهض على قدم التوفيق والسعادة عسى الله أن يرزقك من فضله الشهادة ولا يقعدك عن هذا الثواب سبب من الأسباب فذو الحزم السديد من جرد العزم الشديد وذو الرأي المصيب من كان له في الجهاد نصيب ومن أخلد إلى الكسل وغره الأمل زلت منه القدم وندم حيث لا ينفع الندم وقرع السن على ما فرط وفات إذا شاهد الشهداء في أعالي الغرفات".

والحمد لله رب العالمين


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 150
الخميس 24 محرم 1440 ه‍ـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - النبأ - قصة شهيد: أرعب المرتدين والكفار واشتهر بقطف رؤوسهم "فرقد أبو بكر" ...

الدولة الإسلامية - النبأ - قصة شهيد:


أرعب المرتدين والكفار واشتهر بقطف رؤوسهم
"فرقد أبو بكر" من أعلام الجهاد في العراق -نحسبه والله حسيبه-

مُنذُ أن وَطئِت القوّاتُ الصليبية أرض العراق ودماء الصادقين تهراق في سبيل الله عز وجل، رجال بذلوا النفيس لإعلاء كلمة الله فجادوا بأرواحهم لتمضي عجلة الجهاد في بلاد الرافدين، غرباء لا يعرفهم كثير من الخلق، ولا ضير؛ لأن الله تعالى يعلمهم وحسبهم ذلك، ومن بين تلك الثلة الخيرة الأخ المجاهد فرقد أبو بكر، المكنى "بأبي صباح الوالي".

كانت البداية من جرف الصخر، معقل الأبطال، ومصنع الرجال، عمل الأخ في مفارز الاغتيالات وأبدع بجسارته في عمله، مكنه الله عز وجل من رقاب الكثير من الجواسيس والعملاء المرتدين حتى عرف عند أجهزة الأمن الرافضية، فإذا قطفت رأس أحد عناصرهم يتنادون بينهم: "قتله فرقد!".


• استفراغ للجهد وإتقان للمهام:

في كل يوم يمر يزداد فارسنا حنكة وخبرة، كان ذا بصيرة بمجريات الأمور ونظرة في المآلات قل نظيرها، مقبلا على الجهاد بشغف، إذا أسندت إليه مهمة استفرغ جهده وأعظم البذل في إتقانها، وهمه -رحمه الله- نصرة الحق وإظهار الدين ونصرة الأسرى والأسيرات، ومن كان هذا همه لن يشغله منصب أو مال.

أسر الأخ من قبل الأمريكان وبلطف الله تعالى ومعيته لم يتعرفوا على حقيقة هويته، وبعد مرور ما يقارب العام على سجنه تم الإفراج عنه، فخرج وقد كان خروجه في عام 2008 حين كانت الصحوات في أوج طغيانها وقمة انتفاخها.


• "فأس الخليل"

استأنفَ مسيرته الجهادية بعزيمةٍ أشدّ، وبنفسٍ مُتّقِدة، فبعدَ مدّةٍ قليلة مِن فكاكِ أسرهِ التقى بوالي بغداد الأخ مناف الراوي -تقبله الله-، وعُيّنَ أميرًا عسكريًا لولايةِ الجنوب فأشعلَها بالمُفخخاتِ والعبوات وقامَ بالكثيرِ من الأعمالِ المشتركة مع والي بغداد من أبرزها حملة "فأس الخليل" التي أطلقَها الشيخ أبو عمرٍ البغداديّ -تقبله الله-، ثمّ عُيّنَ بعدَ ذلك واليًا لولايةِ الجنوب فضاعفَ العمل في تِلك المناطق وقطّعَ أوصال الرافضةِ وأعظمَ النكايةَ بهم.

بعدها تمَّ نقل الأخ إلى ولايةِ صلاح الدين لدواعٍ أمنيّة، وكتمَ خبرَ انتقالهِ حتّى عن جنودهِ، فأُثيرَت حوله أسئلة كثيرة وسرعانَ ما جاءَهم الجوابُ سريعًا عندما انفجرت سياراتٌ مُفخّخة في مناطق بَلد، وتكريت، والدجيل في توقيتٍ واحدٍ وقد عُرِف بهذا النوع في العمل.


• رعب للرافضة والمرتدين

كانت سيرتهُ مُرعبة بينَ الروافض حتّى أنّه في أحد الأيام كانَ - تقبّلهُ الله - في بيتِ أحدِ الإخوة، وعندَ خروجهِ مع صاحبِه قامت القوات الرافضية بعملِ إنزالٍ جويّ على البيتِ كمحاولةٍ فاشلة لإلقاءِ القبضِ عليه، فكانوا يتكلّمُون فيما بينهم ويلومُ أحدُهم الآخر: "أما قُلتُ لَك بأنّ فرقد كان هنا؟!، انظر إلى هذا الفراش لا شكَّ كان هنا"، فيردُّ عليه صاحبه: "لا نستطيع الاقتراب منه! والله إنه يرتدي حزامًا ناسفًا" !! .

كانَ من أخطرِ المَطلُوبينَ في العراق للمرتدين والصليبييّن لكنَّ ذلكَ لم يمنعهُ من أداءِ أعمالهِ على أكملِ وجه.

وبالرغمِ مِن شدّتهِ وقَسوتِه على أعداءِ الله، كانَ عطوفًا على إخوانه، يحزنُ لمُصابِهم، ويفرحُ بِسرُورهم، قامَ بفديةِ الكثيرِ مِن الأسرى بالمال، فقد كانَ مخوّلًا من الإمارةِ بفعلِ ما يراهُ صوابًا في إنفاق المال وغير ذلك، وفي عام ٢٠١٢ ترجّلَ الفارسُ في صحراءِ بيجي أثناءَ مُطارَدتهِ لبعضِ آلياتِ المرتدين ساعيًا لأسرِهم.


• رحيل بعد شفاء الغليل

رحلَ عن الدُّنيا بعد أن أشفى غليلَهُ من أعداءِ الله قتلًا وتنكيلًا، وقد أمضى حياته مجاهدًا زاهدًا، جافيًا بنفسهِ عن الملذّات فنسألُ اللهَ أن يجزيَه عنِ الإسلامِ والمسلمينَ خيرَ الجَزاء، ويجعلَ مثواهُ في جنّاتٍ ونهر في مقعدِ صدقٍ عندَ مليكٍ مُقتدِر.

اللهمّ إنّا نشهدُ أنَّ عبدكَ فرقد كانَ مِن خيرةِ الفُرسان الذينَ بذلُوا نفوسهَم من أجلِ رفعةِ دينك وقضى نحبَه على طريقِ أوليائكَ المُصطَفين، وعبادكَ المُتّقين -نحسبُه واللهُ حسيبُه-.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 150
الخميس 24 محرم 1440 ه‍ـ
...المزيد

صحيفة النبأ - ساء صباح المنذرين مرّت الدولة الإسلامية منذ نشأتها بمراحل متعددة في صراعها مع ...

صحيفة النبأ - ساء صباح المنذرين


مرّت الدولة الإسلامية منذ نشأتها بمراحل متعددة في صراعها مع ملل الكفر، فقد بدأت بالأيام الزرقاوية، وكانت مرحلة تصدّر فيها العمل الأمني داخل أراضي العدو ووسط دياره، ثم تلتها الفتوحات العمرية والتي مكّن الله فيها لعباده فحكموا الأرض وأقاموا شرع الله جلّ وعلا، وفي خضم الحرب الضروس وفقدان القوات الأمريكية السيطرة وانهيار خططها، بدؤوا مشروعهم الخبيث والذي أسموه الصحوة، فقاد مرتدوا الجماعات والأحزاب والعشائر أكبر موجة غدر وخيانة في العراق لينحاز بعدها المجاهدون إلى الصحاري والقفار، حتى يعيدوا ترتيب صفوفهم ليستعيدوا ما فقدوه مما مكنهم الله فيه ويتوسعوا بعد ذلك فاتحين بأمر الله.

وسار المجاهدون بخطى ثابتة لم يثنهم الغدر أو يكسر عزيمتهم طول الطريق ومشقته، فلم يتوقفوا للندب والبكاء على ما فقدوا، فامتصوا الصدمات ورضوا بما كتب الله لهم، فلم يطل بهم الزمان حتى أذاقوا الصحوات المر العلقم وأوردوهم حياض الموت جزاءً وفاقا على كفرهم وغدرهم وخيانتهم، وتسليمهم ديار الإسلام للرافضة المشركين، الذين جازوهم على فعلهم بأن أذلوهم وسلبوا منهم المناصب الموعودة وقطعوا عنهم الدعم وأجبروهم على تسليم السلاح فكان جزائهم أن خسروا الدنيا والآخرة فمن لم يقتل على أيدي المجاهدين ساقه الرافضة إلى السجون وسلبوه كل ما يملك، فأضحوا بين شريد وطريد وقابع ذليل.

فجزى الله المجاهدين بفضله ومنته وجوده، وبدأ القتال في الشام ففتح الله على عباده ومكنهم من أرض يفوق حجمها أضعاف ما خططوا له في تلك المرحلة، فأقاموا فيها شرع الله وأعلنوا الخلافة فجمعوا المسلمين على إمام واحد، ووقفوا في وجه ملل الكفر، فحشدت لحربهم الجيوش، وعقدت لقتالهم الأحلاف، بحملة شعواء يحرقون فيها الأخضر واليابس، يرومون تدمير مشروع الدولة الإسلامية.

وكان هدف الطواغيت في حلفهم، كسر نفوس المسلمين وإطفاء نور الأمل الذي أبصروه في قيام الخلافة، فحشدوا كل ما يستطيعون من قوى عسكرية وتعمدوا زيادة عدد الرايات المشاركة في الحرب حتى يستقر في نفس من ضعف إيمانه أن لا طاقة له بقتالهم ولا مكان لشرع الله في العالم اليوم وأن الحرب مع فارق الإمكانيات والأسباب يستحيل معه تحقيق الهدف والمراد.

وأما أهل العزائم والهمم ومن أنزل الله على قلوبهم السكينة، فلم يهنوا أو يضعفوا بل لم يؤثر ذلك على طموحهم، مع ما نزل بهم من شدة وضيق لا يزالون يسعون لفتح الجزيرة وبلاد فارس وعيونهم لم تزل ترقب القسطنطينية وروما ثقة بنصر الله وفتحه.

وكان من فضل الله على عباده المجاهدين أن يسر لهم الاستفادة من دروس الماضي، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين) [متفق عليه]، فقضوا على مشروع صحوات الشام في مهده، وأطاحوا برؤوس الكفر فور ظهورها.

واستفاد المجاهدون من الدروس الماضية في كل مجال فما إن ينحسر نفوذ الدولة عن منطقة من مناطق التمكين حتى تسبق المفارز الأمنية المرتدين إلى تلك الديار، فكان أجناد الخلافة لهم بالمرصاد فعالجوا رؤوس الكفر قبل ينزلوا رحالهم في الديار التي سلبوها.

وقد كان لأرض الشام لقاء جديد مع أسلوب العمل الذي سبقهم إخوانهم في العراق إليه، فقد نهل أجناد الشام من خبرات إخوانهم الذين سبقوهم في العراق، فأحالوا مناطق مرتدي الـ PKK إلى مناطق خوف ورعب، فأعمل المجاهدون فيهم السيف، فمزقتهم العبوات وفلقت رؤوسهم الكواتم وشردت جموعهم الصولات ومزقتهم كل ممزق العمليات الاستشهادية والمفخخات، فأعاد أجناد الخلافة للحسكة صوت الرصاص، ونشروا الذعر بين المرتدين في أرياف الخير، وأناروا ليل الرقة بنار العبوات، وقطعوا على المرتدين طرقهم وتصيدوا الصليبيين الذين انخدعوا بنصرهم المؤقت وضنوا الديار آمنة لهم بعد أن دمروها حتى يخرجوا جند الخلافة منها.

وقد علم المرتدون من الـ PKK ومن أعانهم من شراذم الأعراب أن الصليبيين لن يحولوا بينهم وبين آساد الإسلام، فكثر في صفوفهم الهاربين بعدما ظنوا أن وقت الاستمتاع بالمغانم قد حل، ولم تنفعهم الطائرات المسيرة التي جرها المجاهدون مرغمة لتحلق في أجواء الحسكة والخير والرقة وحلب، تجوب سماءهم ليل نهار لعلها تضفر بمجاهد يتربص بجنودهم أو بمرتزقتهم من ملاحدة الأكراد.

ولن يدع المجاهدون بإذن الله للمرتدين أرضاً يأمنون فيها، ولن يقر للمجاهدين عين حتى يمزقوا أحلام المرتدين، وقد بدأت ملامح المرحلة بالظهور وقريباً بإذن الله تتحول أحلام الملاحدة من إقامة دولة إلى مجرد البقاء على قيد الحياة فقد نزل آساد الخلافة أرضهم، وإنا إذا نزلنا بساحة قومٍ فساء صباح المنذرين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 150
الخميس 24 محرم 1440 ه‍ـ
...المزيد

إعلاء همم المجاهدين بدروس من غزوة أحد الحمد لله ولي المؤمنين، الذي يحبهم ويربيهم بما يصلح ...

إعلاء همم المجاهدين بدروس من غزوة أحد


الحمد لله ولي المؤمنين، الذي يحبهم ويربيهم بما يصلح قلوبهم وأعمالهم، فيدلهم على ما يقربهم إليه ويوفقهم للعمل بما يرضيه عنهم، يعطيهم النعم ليشكروه، ويبتليهم بسلبها ليرى صبرهم ووقوفهم عند مراضيه، ولينبههم على ما عندهم من العيوب ليتلافوه، ومن فضله ورحمته تعالى بالمؤمنين أنه لم يجمع لهم بين المصيبة والتوبيخ، بل بين لهم أن المصيبة كانت سبباً لمغفرة ذنوبهم وتنقية صفوفهم وتطهير قلوبهم، وحثهم على أن يتابعوا في طريق نصرة دين الله، وألا تضعفهم الجراح والإصابات ولا تسبب لهم الحزن أو الاستكانة لأعدائهم، وحثهم تعالى على الاستعانة به وإخلاص التوكل عليه، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، الذي جاهد في الله حق جهاده، وكان القدوة للمؤمنين في كل خير، يرونه في أحوال السرّاء والضرّاء ثابتاً على دين الله، مقدماً رضا الله على اتباع أهواء الناس، معلماً للناس مبشراً للمؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد
فهذه بعض دروس غزوة أحد وتبيين لطريقة القرآن في تأديب المؤمنين دون كسر قلوبهم ولا تحطيم معنوياتهم

نقف عدة وقفات مع دروس سورة آل عمران لنتبين كيف خاطب الله عز وجل عباده المؤمنين الذين ابتلاهم وعلم أن بعضهم قال {أنى هذا}:


وعد الله بالنصر:

• أخبرهم الله تعالى ابتداءً أنه صدقهم وعده فنصرهم أول المعركة، ثم تغيرت النتيجة لما حصل من بعض الصحابة معصية دفعهم إليها حب الدنيا، إلا أن الله تعالى ختم الآية بالعفو عنهم لأنه ولي المؤمنين يتفضل عليهم بتصحيح مسارهم وغفران ذنوبهم قال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران152] عفا الله عنهم وسامحهم ووصفهم بالإيمان، وأخبرهم بأنه لا يقطع عن المؤمنين فضله.


تسلط الشيطان على متولي الزحف:

• بين الله تعالى للفارين من الزحف أن الشيطان تسلط عليهم بسبب ذنوب سابقة لهم، ثم بشرهم بأنه عفا عنهم لأنه غفور حليم قال تعالى: {ِإنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران155



ولا تهنوا ولا تحزنوا:

• في ثنايا الكلام عن العبر مما حصل في غزوة أحد أمر تعالى عباده بألا يهنوا -وهو ضعف القلوب- أو يحزنوا إذا أصابتهم مصيبة قال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، فالذنب قد غفره الله، ومن أصيب من المؤمنين في المعركة أو قتل فأجره ثابت عند الله، والوهن والحزن لا ينبغيان لمجاهد لأنهما يضعفانه ويحطمان معنوياته، فأنى للواهن والحزين أن يغالب عدوه؟ والله تعالى أمرنا بتحريض المؤمنين على القتال، والتحريض يتطلب شحذ هممهم وتقوية عزائمهم وتعزيز التفاؤل عندهم، وكل ذلك لا يجتمع مع الوهن والحزن أبداً.الابتلاءات من سنن الله:

• ولما أجاب الله تعالى عن تساؤل المؤمنين {أنى هذا} قال لهم: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا..} فليهنؤوا بالاً ولينعموا عيناً لأنهم عند الله مؤمنون، حتى من وقع في المعصية فهو من المؤمنين الذين عمهم الله بعفوه..

• وقد سلّاهم الله وخفف عنهم ما أصابهم بأن أخبرهم أن هذه الابتلاءات هي من سنن الله عز وجل التي جرت على أحب الناس إليه وهم الأنبياء وأتباعهم الذين ربوهم على العلم والإيمان، قال تعالى:{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 148] وفيها أحسن تحريض على الجهاد والصبر على مشاقه وما يحدث فيه من ابتلاءات، وأن هذه الابتلاءات في طريق التوحيد والدعوة والجهاد ومقارعة أعداء الله هي سنة الله الماضية على خير خلق الله وهم الأنبياء وأتباعهم الذين صحبوهم وتربوا على أيديهم، بل وأن هذه الابتلاءات ليست دليلاً على سخط الله على المؤمنين أو تخليه عنهم، وبعد الشدائد يتحقق موعود الله للمجاهدين في سبيله بالظفر والغنيمة ثم الفوز بأحسن الثواب في الآخرة الذي أعده الله للمحسنين من عباده.


توكلوا على الله لجلب النصر:

• وقال تعالى حاثاً عباده المؤمنين على التوكل عليه وتعليق القلوب به: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 160] وهذا الحث لهم على التوكل على الله وحده، يفهم منه أن الله تعالى يعدهم بالنصر إذا توكلوا عليه..

• وأخبر الله عباده المجاهدين بحكم جليلة حصلت في تلك الغزوة، ومنها: اتخاذ الله شهداء يكرمهم بجواره ويرزقهم أحسن الرزق ويحيون عنده حياة أخرى ليس فيها إلا الفرح والسرور والأمن من عذاب الله.. ومنها: أن المؤمنين يحتاجون من حين إلى آخر إلى تمحيص وتطهير لقلوبهم وأعمالهم.. ولم تكن هذه الفوائد لتحصل دون ذلك الابتلاء..


فانقلبوا بنعمة من الله:

• وفي الغد من غزوة أحد استنفر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم ليخرجوا لملاقاة جيش الكفر الذي طمع في استئصال المسلمين، ولم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج غير من شهد أحداً، فخرجوا وبهم الجراح، فخافهم جيش قريش وانهزموا وانقلب المؤمنون فرحين بنصر الله آمنين على المدينة وأهلها أن يدهمها الكفار قال تعالى:{ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 174].فلا تخافوهم ولا تخشونهم:

• وفي الآيات التي تتحدث عن الحكم والعبر من تلك الغزوة يأمر الله تعالى عباده بألا يخافوا أعداءه، وأن التخويف من الكفار هو من عمل الشيطان، فليُحوّل المؤمنون خوفهم وخشيتهم إلى رب العالمين قال تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175].

• ومن فوائد الآيات الكريمة أن نصر الله لم يتخلف بسبب وجود منافقين في المدينة ولا بسبب من خذَّلهم المنافقون فرجعوا في أول الغزوة ولم يشاركوا، وإنما حصلت الهزيمة وما تبعها من ابتلاءات بسبب عصيان قلة من المجاهدين لأمر أميرهم قائد الرماة وأمر قائد المعركة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.


يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم:

• ومن الفوائد فضح الله عز وجل للمنافقين بذكر أحوالهم وأقوالهم وكيدهم لدين الله وتهربهم من نصرته بأنواع الحجج، كما قال تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 168] ، وهذا الفضح للمنافقين يجعل المؤمنين يهجرونهم وينأون عنهم وعن التشبه بهم، ويجعل المنافقين يمشون خافضي الرؤوس خاسئين ذليلين.

• وبعد إخبار الله تعالى بفضله على المؤمنين ومغفرته لذنوبهم لم يبق مجال لأن يتلاوم الناس أو يوبخوا من تسبب في الخسارة أو فر من المعركة، فقد عفا الله عنهم، ووصفهم بالإيمان، والله ولي المؤمنين.

والحمد لله رب العالمين


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 149
الخميس 17 محرم 1440 ه‍ـ
...المزيد

مقال: الشجرة الخبيثة منذ فجر الإسلام وبزوغ شمسه، وأعداء الله من شياطين الإنس والجن يكيدون له ...

مقال: الشجرة الخبيثة


منذ فجر الإسلام وبزوغ شمسه، وأعداء الله من شياطين الإنس والجن يكيدون له بكل وسيلة فلم يتركوا طريقاً إلا سلكوه ولا مشروع شرٍ لم يجربوه، فكان من أخبث مشاريعهم تحريف الإسلام مع إبقاء مسماه، وتم ذلك باستغلال ما يثير عاطفة دينية ليحرفها عن أصلها، كعاطفة المسلمين وتقديرهم لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فزُرعت بذور الرفض بين المسلمين في صدر الإسلام، ونمت أشجارها الخبيثة فنثرت أوبئتها لتنهش في الأمة، وتخرب دينهم وتفسد دنياهم.

وقد قامت للرافضة خلال القرون الخالية دولاً وأحزابا وجماعات، كما تغلغلوا داخل بلدان المسلمين يفسدون فيها على الناس دينهم ودنياهم، وكانت سياستهم في ذلك سياسة اليهود، فكلما عز المسلمون وعلت كلمتهم خنسوا وخنعوا، وإن لمحوا حالة من الضعف أو الانكسار ظهروا واستكبروا مستغلين تلك الفرصة.

وفي هذا الزمان ومع تدهور حال المسلمين أيما تدهور كان للرافضة دورهم الخبيث، فسيطروا على بلاد فارس عبر طاغوتهم الخميني متلاعبين بدايةً ببعض السذج من أهل السنة بشعارات زائفة، لم تدم طويلا حتى ذابت كما يذوب الثلج وظهرت حقيقتهم الرافضية، فنكّلوا بالمسلمين في تلك البلاد محاولين محو السنّة ونشر دينهم الشركي.

وكان لإيران بعد ذلك دور محوري في محاربة أهل السنة في كل مكان على وجه الأرض فاستنفرت ميليشياتها ومرتزقتها ونثرتهم بين المسلمين لتعيث في ديارهم فسادا ناشرةً الشرك ومنكلة بمن خالفها، دعماً لمشروعها الخبيث في المنطقة كما كانت سنداً للطواغيت في المنطقة ممن يوافق هواها، كل ذلك لتوسع سيطرتها وكذا تدفع عن نفسها فتشغل الناس بأنفسهم.

وبينما كانت إيران تتوسع وتخرب، نرى كثيرا من المسلمين قد ركنوا إلى بعض الدول المحسوبة على أهل السنة والتي لم يتعدَّ موقفها التصريحات الجوفاء التي لا يتجاوز مداها الشاشات والقنوات، وإن حاربوا فحرب سياسية واهنة تقوم على أساس وطني لا ديني، فيتركون أهل الرفض يعيشون آمنين في ديار أهل السنة منتظرين وصول طلائع إيران إليهم ليكشفوا عن مكرهم، فلا يزيدهم موقف الطواغيت منهم إلا شراً وخبثا.

وأما المجاهدون من أبناء الخلافة فكانوا لمشاريع الرافضة بالمرصاد فأعلنوا عليهم حرباً عقدية شاملة لا تبقي فيهم ولا تذر، فنسفوا معابدهم الشركية، وأعملوا فيهم السيف قتلاً وتشريدا، نكاية بهم ورداً لعاديتهم في طول الأرض وعرضها، من كابل إلى بيروت ومن أزقة بغداد إلى غابات نيجيريا بل طال لهيب الحرب أوروبا فأحرق معبدا لهم في السويد.

حسِبت إيران بنشر قواتها من الحرس الثوري وقوات الباسيج وميلشياتها في الشام والعراق، أن ديار المسلمين مكسب سهل المنال وأن محاولة سلب المسلمين دينهم ستأتي دون ردع أو حساب، فكان لها جند الخلافة في الشام والعراق فنكلوا فيهم أيما تنكيل، وكان قادتهم يحلمون بالرجوع لديارهم محملين بالفخر لإنجازاتهم فعادوا محمولين على الأكتاف في توابيتهم بسواعد المجاهدين بعد توفيق الله لهم، ولم يكتف جند الخلافة بهذا بل سعوا سعيا حثيثا لضربهم في عمق ديارهم، ففتكوا بالرافضة عند ضريح طاغوتهم الخميني وشردوا بهم في برلمانهم الشركي وسط طهران، ثم ثنى بها جند الخلافة في الأحواز فجعلوا جيشهم وقواتهم وحرسهم الثوري أضحوكة للعالم أجمع فتحول استعراضهم العسكري إلى سباقٍ للهرب من نيران الأسود التي انقضت عليهم وانكشف زيفهم وأنهم "كالقط يحكي انتفاخا صولة الأسد".

وإن إيران ومشاريعها الخبيثة لم يكن لها أن تشم رائحة النصر لولا خنوع المحسوبون على أهل السنة من مرتدي الصحوات ورضوخهم لمخرجات اتفاقيات الذل والعار بل والتحق بعضهم بفسطاطها وسلموا لها المناطق، وقد لجأ البعض الآخر إلى طواغيت الخليج الذين لم يستطيعوا حماية أنفسهم أو إلى طاغوت تركيا الذي ألقى بنفسه بين أحضانهم، فما زادوهم إلا خبالا.

فلا بد لأهل السنة أن يعلموا أن الحرب مع الرافضة لا يمكن أن تتوقف بسلام زائف بل لابد من قلع هذه الشجرة الخبيثة من جذورها وأن تُشنّ الحرب على كل من اعتقد معتقدهم، فحربنا مع الرافضة عقدية وكل من حاربهم لغير ذلك فإن مصيره الفشل، فاصحوا يا أهل السنة وذروا عنكم الأوهام.

وإلى أهل السنة في إيران عامة والأحواز خاصة تنبهوا من غفلتكم فقد ضيعتكم الأحزاب وخدعتكم طوال هذه السنين بالسراب، فعودوا لدينكم وانفضوا غبار الذل والهوان واثأروا لإخوانكم من أهل السنة الذين نكل بهم الرافضة في كل بلدان المسلمين والواجب آكد عليكم من غيركم فأنتم إلى العدو أقرب وإلى التنكيل به في دياره أجدر.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 149
الخميس 17 محرم 1440 ه‍ـ
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
16 ربيع الآخر 1447
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً