هذا وإن سهام الذنوب والمعاصي لا تزال تلاحق صاحبها حتى يتدارك نفسه ويرحمها وذلك بأن يتوب إلى الله عز ...

هذا وإن سهام الذنوب والمعاصي لا تزال تلاحق صاحبها حتى يتدارك نفسه ويرحمها وذلك بأن يتوب إلى الله عز وجل توبة نصوحا.

ومن هذه العقوبات أيضًا:

العقوبات البرزخية: وهي التي تكون في القبر، ونعوذ بالله من عذاب القبر ونعوذ به من موجبات سخطه وأليم عقابه، وقد جاء في الأحاديث ذكر عقوبات لبعض المعاصي في القبر منها:

1- النائم عن الصلاة المكتوبة والمعرض عن كتاب الله: فيعاقب بأن يضرب على رأسه بحجر كبير حتى يتناثر ويستمر هذا العذاب إلى يوم القيامة.
2- الذي يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق: وعقوبته تمثل بأن يقطع بكلوب من حديدٍ عينه إلى قفاه وأنفه إلى قفاه.

3- الرابي: يسبح في بركة من دم وكلما أراد الخروج يُلقم بحجر إلى يوم القيامة.

4- الزناة: يُحبسون داخل تنور أعلاه ضيق وأسفله واسع وتوقد لهم النار من تحتهم إلى يوم القيامة.
وهذه العقوبات مذكورة بهذا المعنى في صحيح البخاري.

فهل نقدر أو نطيق ونحن الضعفاء أن نتحمل هذا العذاب الأليم والنكال البالغ من الجبّار جل في علاه فإذا كنّا لا نقدر فلنبادر إلى التّوبة والرجوع إلى الله سبحانه، فإنها أعظم دواء لما نعانيه من ذنوب ومعاصي وكيف لا نتوب والله سبحانه ينادينا بذلك النداء الرحيم قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر:53]، كيف لا نتوب والنبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا بأن الله يفرح بتوبة العبد إذا تاب قال صلى الله عليه وسلم: (لله أشد فرحا بتوبة أحدكم، من أحدكم بضالته، إذا وجدها)[صحيح مسلم]

إن الله يحب التوابين: أي الذين يكررون التّوبة ولا يتوقفون عن التّوبة إلى الله؛ لأن التّوبة مقام من مقامات العبودية لله لا ينبغي أن ينتقل المسلم عنه، وهي أول الطريق وأوسطه وآخره.

واعلم أنك لا توفق للتوبة إلا إذا أسأت الظنّ بنفسك وأحسنت الظنّ بخالقك، أمّا من أحسن ظنّه بنفسه فإنه لا يوفق للتوبة.

واعلم أن الله إذا وفّقك للتوبة فقد وفّقك لخيرٍ عظيم وفضلٍ كريم وأي خير أفضل من أن يفتح الله لك فُيوضَ رحمته وبابَ مغفرته ويرزقك حبّه ويسبل عليك جلباب ستره.

والتوبة تكون بالقلب وباللسان وبالعمل، فأما كونها بالقلب فبالندم الشديد على ما فرط الإنسان في جنب ربه سبحانه.

قال تعالى: {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:110]، قال بعض المفسرين إلا أن تقطّع قلوبَهم أي التّوبة، أمّا العمل الثاني من أعمال القلب في التوبة فهو بالعزم الجادّ على عدم العودة إلى الذّنب.

الركن الثاني للتوبة يكون باللسان، وذلك بدوام الاستغفار والدعاء وسؤال الرحمة وأن يتقبل الله منه التوبة.

الركن الثالث يكون بالعمل، وذلك بالإقلاع وكف الجوارح عن الذّنب إن كان من ذنوب الجوارح، وبكثرة الأعمال الصالحة الماحية لما مضى من السيئات، قال الفضيل بن عياض رحمه الله: "اتق الله فيما بقي من عمرك يغفر لك الله ما مضى وما بقى ولا آخذك الله بما بقي وما مضى".

ولينتبه التّائب إلى عدم اليأس والقنوط إن تكرر منه الذنب، وقد جاء في أحاديثَ كثيرة خبر من يعود للذنب الفينة بعد الفينة وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري ومسلم أن الله لا يمل حتى تملّوا، ومعناه لا تملوا من التّوبة مهما تكرر الذنب فإن الله لا يملّ من التّوبة عليكم إذا تبتم وأنبتم إلى ربكم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 160
الخميس 6 ربيع الثاني 1440 هـ
...المزيد

🔹-#نصيحة: اجعل حسابك صدقة جارية ليوم القيامة بنشرك فيه ما يشهد لك عند ربك، ويكون في ميزان ...

🔹-#نصيحة: اجعل حسابك صدقة جارية ليوم القيامة بنشرك فيه ما يشهد لك عند ربك، ويكون في ميزان حسناتك.

#نصائح_ثمينة

✍ قال ابن القيم : (( وأنفَعُ الأغذيةِ: غذاءُ الإيمانِ، وأنفَعُ الأدويةِ: دواءُ القُرآنِ، وكلٌّ ...

✍ قال ابن القيم :
(( وأنفَعُ الأغذيةِ: غذاءُ الإيمانِ، وأنفَعُ الأدويةِ: دواءُ القُرآنِ، وكلٌّ منهما فيه الغذاءُ والدَّواءُ ))
((إغاثة اللهفان))(1/117)

🔗 اضغط هنا لمتابعة قناة فوائد علمية على الواتساب:
https://whatsapp.com/channel/0029VbAZ4HH8F2pGv35lJE25
...المزيد

إياك وجرح مشاعر الآخرين ولو كان بحسن نية منك، وعن مزاح ونحوه؛ فليس كل الناس يحمل نفس الطبع الذي ...

إياك وجرح مشاعر الآخرين ولو كان بحسن نية منك، وعن مزاح ونحوه؛ فليس كل الناس يحمل نفس الطبع الذي تحمله أنت.

#مقالات_متنوعة
#نصائح_ثمينة

الداء والدواء ألّف ابن القيم الجوزية (رحمه الله) كتابه الذي أسماه الداء والدواء، وهو ذلك الكتاب ...

الداء والدواء

ألّف ابن القيم الجوزية (رحمه الله) كتابه الذي أسماه الداء والدواء، وهو ذلك الكتاب النفيس الذي يعالج فيه مسألة في غايه الأهمية ألا وهي الذنوب والمعاصي وكيفية التخلص منها ومن آثارها السلبية، والحقيقة أن الذنوب هي الداء العضال والمرض الفتّاك الذي يجب على كل مسلم بشكل عام وعلى كل مجاهد على وجه الخصوص أن يبحث بكل جد عن علاجه ودوائه، ولو كانت الذنوب تفتك بالأجساد لكان خطرها يسير فالأجساد مصيرها إلى الفناء والزوال ولكن الذنوب تفتك بدين المرء وإيمانه فتحيل صلاحه إلى فساد ورشاده إلى غي، وإن مرضًا هكذا شأنه لحريٌ بأن يُتوقّى بكل أسباب الوقاية، وأن يبتعِد منه المجاهد ابتعاد الصحيح من أصحاب الأمراض المعدية القاتلة.

وقد أُثر عن العلماء العديد من الأقوال في آثار الذنوب والمعاصي منها:

ما قاله حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما: "إن للسيئة لظلمة في القلب، وسوادًا في الوجه، وضيقًا في الرزق، ووهناً في البدن، وبُغضًا في قلوب الخلق"

نعم ظلمة يحسها المرء في قلبه، ينتج عنها شعوره بوحشة غريبة لا يحسّها إلا المذنب العاصي وهي وحشة بينه وبين خالقه وباريه جل جلاله.

وأرواحهم في وحشة من جسومهم وأجسادهم قبل القبور قبور وظلمة القلب تعني عماه عن الحق، فلا يرى الحق من الباطل ولا يُميز بين الصالح والعاطل فيورث هذا ولا شك الانحراف عن الجادة وصراط الله المستقيم.

وسواد في القلب: يراه كل صاحب بصيرة ومن له نصيب من إيمان، فتعلو تلك الظلمة على قلبه فتستحيل سحابة من السواد الحالك بادية بجلاء في قسمات وجهه.

تورث تلك الظلمة وذلك السواد بغضًا في قلوب الناس فينفر منه العباد وتبغضه النفوس، مصداقًا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم (...ثم تكتب له البغضاء في الأرض) [صحيح مسلم].

وضيقًا في الرزق: وهذا الضيق لا يعني قلة المدخول من المال، فإننا نرى كثيرًا من أصحاب الذنوب والمعاصي يملكون الأموال الطائلة، ولكنها - أي الذنوب والمعاصي - تمحق البركة وإذا ذهبت البركة من المال لم تنفع كثرة الأموال.

ولو أن مصائب الذنوب تقف عند هذا الحد لهان الأمر ولكن آثارها لا تزال يتبع بعضها بعضًا كعقوبات لا مفرّ للعاصي منها ولا تزال تنزل عليه تقدير من العذاب سبحانه

رأيت الذنوب تميت القلوب
وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب
وخير لنفسك عصيانها

الوهن في البدن: فصاحب المعصية يعاقب بضعف في بدنه وخورٍ في عزيمته فلا يكاد يقدِر على نشاط أو عمل ينفعه ويعود عليه بالخير، فتراه كسلان خبيث النفس واهِن القوى، بعكس صاحب الطاعة فإن الله يرزقه نشاطًا في بدنه وبركة في وقته فتراه ينجز الأعمال الكثيرة في وقت قصير، ولا يستطيع العاصي أن يحاربه في نشاطه وقوةِ بدنة.

فهذا شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله كان يكتب في اليوم ما يكتبه الناسخون في أسبوع وما ذاك إلا لكثرة محافظته على الطاعات ومسابقته إلى الخيرات رحمه الله.

هذا وتتسع دائرة شؤم المعصية اتساعًا مُخيفًا لدرجة أنّ تأثيرَها ينال الوسط الذي يعيش فيه العاصي فتؤثر المعصيةُ على ما حول العاصي من رفقائه وأهله بل وحتى تؤثّر على الأرض التي يسكنها والهواء الذي يتنفسه والماء الذي يشربه، ويصل الأثر إلى كلِّ حيٍ يشاركُ العاصي الأرض التي يسكنها، وما أقوله ليس من قبيل المبالغة أو القول بدون دليل بل الأدلة شاهدة على ذلك ناطقة به.

قال سبحانه وتعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ...} [الروم:41]، وقال سبحانه: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا...} [الأعراف:56]
فثبت من هذا بجلاء أنّ الذنوبَ سببٌ لحصول الكوارث والآفات وفساد الأرض؛ لأنّ شؤمها وتأثيرها لا يقتصر على العاصي وحده بل يتعدى إلى ما سواه من البشر الذين حولَه بل حتى الحيوان والجمادات.

وكما جاء في الأثر أن موسى عليه السلام استسقى ربَّه فأوحى الله إليه "كيف أسقيكم وفيكم من يبارزني بالذنوب والمعاصي منذ أربعين سنه؟" فكانت معصية العاصي سبب في منع القطرِ من السماء على قوم موسى جميعًا صالحُهم وطالحُهم، وفي هذا الأثر عظة وعبرة كافية شافية.

وفي الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم : (خمس خصال يا معشر المهاجرين أن تنزل بكم أعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن فشت في أسلافهم، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة، وجور السلطان عليهم، وما منعوا زكاة أموالهم إلا منعوا المطر، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله، وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخذوا فيما أنزل الله إلا جعل بأسهم بينهم) [البيهقي].
...المزيد

وهنا تتجسد المنّة والاصطفاء بالإمامة والوراثة والتمكين مع هلكة عدوهم واندحاره، وللإمام ابن القيم ...

وهنا تتجسد المنّة والاصطفاء بالإمامة والوراثة والتمكين مع هلكة عدوهم واندحاره، وللإمام ابن القيم قول في هذا الصدد عندما سئل ما الحكمة من ابتلاء الأنبياء؟ فقال: فإنه سبحانه كما يحمي الأنبياء ويصونهم ويحفظهم ويتولاهم فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم ليستوجبوا كمال كرامته وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس فرأوا ما جرى على الرسل والأنبياء فصبروا ورضوا وتأسوا بهم، ولتمتلئ صاع الكفار فيستوجبون ما أعد الله لهم من النكال العاجل والعقوبة الآجلة فيمحقهم بسبب بغيهم وعداوتهم ويعجل في تطهير الأرض منهم. وقال أيضاً "فإذا تأملت حكمته سبحانه فيما ابتلى به عباده وصفوته فيما ساقهم به إلى أجلّ الغايات وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبروا إليها إلا على جسر الابتلاء والامتحان، وكان ذلك الابتلاء والامتحان عين الكرامة في حقهم، فصورته صورة ابتلاء وامتحان وباطنه فيه الرحمة والمنّة، فكم لله من نعمة جسيمة ومنّة عظيمة تجنى من قطوف الابتلاء"، انتهى كلامه "رحمه الله".

وبعد هذا كله يجب على المسلم الموحد الذي رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً أن لا يساورنّه الشك في أن ما يجري اليوم لمن سار على النهج النبوي من حصار وانحسار وعجز العدة وقلّة المؤن، إنما هو امتحان من الله سبحانه، وإنما هي أيام من أيام الله، وينبغي على كل مؤمن أن يري الله تعالى منه ما يحب من صبر واحتساب وإيمان وتسليم، ويترفع وينأى بنفسه عن الأراجيف والتحدث بكل ما تسمعه أذنه، وأن يسلي نفسه بقول الله تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}[الطور:48] واعلم أنّ وعد الله حق وأنّ دابر الكفار مقطوع بإذن الله وأنّ الله ناصر دينه بنا أو بغيرنا، وليكن شكرنا لله على أن اصطفانا قبل أن يبتلينا سبحانه، فقد فضّلنا على كثير من خلقه بأن جعلنا مسلمين، وانتقانا من بين أهل التوحيد فجنّدنا للدفاع عن دينه، ومنّ علينا أن ثبّتنا بعد كل هذه المصاعب والشدائد، والتي كانت كفيلة بانتكاس الكثير، فما بقي إلا أن ننتظر موعود الله ونسير على خطى من سبقنا من سلفنا الصالح، ولا ننسى أنّ أعمالنا بين القبول والرد، ولا يسعنا إلا أن نصدق مع الله ونسأله أن يتقبّل منا صالحها ويتجاوز عن سيئها، فحينئذٍ نكون جديرين باصطفاء الله سبحانه لنا. فالحمد لله الذي ابتلى وامتحن، والحمد لله الذي اصطفى ومكّن، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 160
الخميس 6 ربيع الثاني 1440 هـ
...المزيد

مقال - الابتلاء باب للاصطفاء إنّ من سنن الله سبحانه أن يبتلي المؤمنين، ويزيد في ابتلائهم بحسب ...

مقال - الابتلاء باب للاصطفاء

إنّ من سنن الله سبحانه أن يبتلي المؤمنين، ويزيد في ابتلائهم بحسب ارتفاع مراتبهم، وذلك لينقّيهم وليؤدبهم فيكونوا بذلك أقوى إيماناً وأزكى نفساً وأصلب عوداً، ثم يكونوا أهلاً لاصطفاء الله لهم، فتسهل عندهم حينها حمل الأمانات الثقال، فيصبحوا قادرين على مواجهة المهام الجسام، فقد قرن سبحانه منحة الاصطفاء مع سنة الابتلاء، وجعل لعباده الصابرين على ابتلائه لهم، عوامل مثبتة ومسارات يسيرون عليها ووعوداً وعدهم بها، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى الابتلاء في آيات كثيرة حيث قال:
[الملك:2] {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}.

وفي الحديث: عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال: (الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة) [سنن الترمذي].

وممّا لا شك فيه أنّ الكل منا يعرف ما جرى لجماعة المسلمين يوم حوصروا في شِعب أبي طالب وما مسّهم من جوع وألم وحيرة، فكان حال المسلمين يصعب وصفه، إذ نحلت الأجساد وذبلت الأكباد وقرقرت البطون وظمِئت الأجواف، أطفال يصرخون وشيوخ يئنون ومرضى يتألمون ورجال ونساء حائرون، فقد كانت هذه أول تجربة شاملة لجماعة المسلمين عامة ولرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، حيث دامت مدة الحصار ثلاث سنين، فأخذ الجوع مأخذاً من المسلمين لحدٍ لا يكاد يصدّق، ولعل موقفاً من مواقف أحد الصحابة الذين حوصروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يصور لنا ولو شيئاً من تلك الأيام، فهذا سعد بن أبي وقاص يقول: خرجت في ليلة لأقضي حاجتي فسمعت قرقعة تحت البول فحفرت فاذا هي قطعة يابسة من جلد بعير، فأخذتها فغسلتها ثم رضضتها وسففتها بالماء فتقويت بها ثلاث ليال، وهذه القصة كفيلة أن تعزينا فيما يجري من شدائد وابتلاءات وتكون من عوامل القوة للمسلم إذا ما أراد أن يثبت وينظر للابتلاء من منظور التأديب له والترويض لنفسه، وتستمر مسيرة الابتلاء، وهذه وقفة أخرى مع يوم من أيام الله ألا وهو يوم الأحزاب، ذلك اليوم الذي جعله الله مثلاً لشدة الابتلاء، إذ وصف سبحانه حال المؤمنين في قوله:
{هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب:11]، وقد تختلف الابتلاءات في هذا الموقف على أوجه كثيرة، منها ضعف القوة والحصار والجوع وخيانة الحلفاء، زيادة على ذلك انحسار الرقعة الجغرافية لتواجد المسلمين، وهنا بلغ ابتلاء المسلمين الذروة، فقد أدركت الطائفة المؤمنة أنها قد وصلت إلى مفترق مهم يميزهم عمّن ادعى الإيمان، ففي الوقت الذي نعق به المنافقون وبدءُوا يخذلون وينشرون أراجيفهم في صفوف المسلمين، وما أشبه اليوم بالأمس! ولكن ما كان من المؤمنين إلا أن قالوا كما في قوله تعالى:
{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}[الأحزاب:22].


• محنة ومنحة

وهنا تبدأ منحة الاصطفاء، ويكرّم الله عباده بجنود لم يكونوا بالحسبان، فكانت العناية الربانية واضحة، إذ لم يكن للسيف أي صوت في حسم المعركة، فكان جندي الريح يصول ويجول، يقتلع الخيام ويكفئ القدور ويشرد جموع الكافرين، لتنقلب الكفة لصالح المؤمنين، وكيف لا! وقد ذكر الله تعالى أيضاً الاصطفاء الذي يكون بعد انقضاء الابتلاء ويكون نتيجة الصبر على هذا الابتلاء في آيات عديدة فقال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا...} [فاطر:32].


• إنما النصر من عند الله

فمن أشدّ صور الابتلاء هو الاستضعاف من قبل العدو، فمن الممكن أن يكون عدوك يمتلك من الإمكانيات والعوامل التي تجعل قتاله أو الوقوف بوجهه أشبه بالمستحيل، وهذا تقريبا حال المؤمنين في كل زمان، وقد بين الله تعالى لنا ما جرى للذين آمنو به وصدّقوا رسله من الاستضعاف على مرّ العصور فقال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[القصص:4] وهنا نرى أنّ استضعاف فرعون لتلك الطائفة كان وجهاً من أوجه الابتلاء، فما كان لتلك الطائفة أي إمكانية للوقوف في وجه فرعون، وهنا قطعت أسباب الأرض وأصبحت تلك الطائفة مجردة من جميع الإمكانيات، وهنا أيضاً يأتي دور الاصطفاء والنجاة بعد الصبر والتنقية، فيقول الله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص:6،5]
...المزيد

الثبات على العهد ذكر الله جل وعلا في كتابه العزيز صوراً وقصصا شتى عن أحوال الثابتين من الأنبياء ...

الثبات على العهد

ذكر الله جل وعلا في كتابه العزيز صوراً وقصصا شتى عن أحوال الثابتين من الأنبياء والمرسلين وغيرهم ممن ثبت على أمر الله، وقد كان في ذلك عظة وعبرة للمؤمنين وتثبيت لهم {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120]، وقد جاءت قصص الأنبياء في كتاب الله متنوعة من حيث صفة الابتلاء والمحن التي حلت بهم.

فكان من حكمة الله ذكر كل تلك القصص لتكون منارةً للسائرين على دربهم، وذكرى تحيى بها قلوبهم فيعلموا أن كل بلاء قد يمر بهم سبقهم فيه سلف صالح، فحري بالمؤمن اليوم أن يستحضر تلك المواقف ويأخذ منها العبر، فإن كان حشد الكفار وتجمعهم يزعزع من عزمه، فليتذكر ما كان من أمر نوحٍ عليه السلام وأمامه أهل الأرض أجمع إلا عدد قليل ممن آمن معه، وإن كان ما حل به مرض أو فقد ولد أو مال ونحوه فليتذكر إن شاء حال نبي الله أيوب عليه السلام، وليس من أمر فيه بلاء إلا ومر به أحد الأنبياء والصالحين من قبل، وكذا كان حال نبينا صلى الله عليه وسلم فقد حوصر وأوذي وجاع وجرح ومرض وحاربه أهل الكتاب من اليهود بسيل من الشبهات فثبت عليه الصلاة والسلام على أمر الله حتى بلغ الرسالة وأدى الأمانة.

فلم يكن ثبات الأنبياء وأتباعهم يوما محصورا في ميادين المعارك أو الصبر على الأذى، بل قد عرضت لهم بعض المحن على هيئة شبهات فكانت لهم امتحانا واختبارا، فقد ثبت الصديق رضي الله عنه على إيمانه في حادثة الإسراء والمعراج حين تزعزع إيمان بعض المسلمين، وكذلك الأمر عندما حوّل الله سبحانه قبلة المسلمين من المسجد الأقصى للمسجد الحرام، فكان ذلك من البلاء والامتحان ليعلم الله الثابتين : {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البقرة: 143].

وإن حرب الشبهات لها تأثير أشد بأضعاف من حرب السلاح، إذ لا يمكن لمتردد مشكّك أن يثبت أمام أي محنة مهما صغرت، فكيف بالقتل والقتال والجوع والحصار، ولهذا حرص عليها أعداء الله وبذلوا كثيرا من الجهود للبحث عن وسائل تمكنهم من النفاذ إلى صفوف المجاهدين لمحاولة زعزعتهم ونشر تلك الشبه حتى تكون واقعا يخاف المسلم من مخالفته ويتقهقر تحت ضغطه.

قال الشيخ أبو مصعب الزرقاوي تقبله الله: "وهكذا يضغط الواقع على الكثيرين ممن يسعون للقيام بأمر الله، حيث يشعر هؤلاء أن كل من حولهم يخالفهم فيما هم عليه، بل وينابذهم على ذلك بكل ما يستطيع، فهم يسيرون في طريق موحشة، لا معين فيها ولا أنيس، والجميع حولهم يدعوهم ليسالموا أو يداهنوا أو يقفوا موقفاً وسطاً ويلتقوا مع الجاهلية في منتصف الطريق، بدعاوى وشعارات معلومة مشهورة".

وقد وفق الله قادة المجاهدين أن فطنوا لهذا الأمر وعلموا أنّ وضوح الهدف والغاية أهم معين للمسلم على الصبر، فأعلنوا دولة الإسلام التي كان من أهدافها إيضاح تلك الغاية ورفع الطموح لدى المجاهد، والثبات على هذه الغاية مطلب منفرد لا يقل أهمية عن غيره، فكم شكّك المرجفون بدولة الإسلام واتهموا بُناتها بالتعجل ثم حاولوا الضغط عليهم للتراجع عن ذلك فأجابهم الشيخ أبو عمر البغدادي تقبله الله فقال: "أمَّتي الغالية؛ كما أنَّنا لم نكذب على الله عندما أعلنَّا دولة الإسلام، لا نكذب على الله عندما نقول أنَّها باقية، باقية؛ رغم كل التعتيم والتضليل والطعن والتشويه".

فكان ثبات ذلك الجيل أمام تلك الحرب الشرسة وتمسكهم بغايتهم ومشروعهم بكامل تفاصيله، هو ما أوصل دولة الإسلام إلى ما صارت إليه بعد توفيق الله الذي رزقهم ذلك الثبات وهداهم إليه، ولم تقم الخلافة إلا بعون الله وتثبيته لأوليائه ممن لم يعطوا الدنية في دينهم، الذين أحسنوا الظنّ بربهم فثبتوا واستلموا الراية ثم سلموها لمن بعدهم جيلا بعد جيل، فبذلوا أنفسهم رخيصة في سبيل الله، لم ينثنوا أو يركنوا مع كل ما حل بهم من شدّة وبلاء وفتن وشبهات وحرب شديدة على كل الأصعدة ومن القريب قبل البعيد، فنحسبهم ممن قال الله فيهم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 160
الخميس 6 ربيع الثاني 1440 هـ
...المزيد

🔹-#نصيحة: استمر في نشرك للخير ولا تتردد أبدًا؛ فلعلك تنشر كلمة تهدي بها إنسانًا، ولعلك تعطي فكرة ...

🔹-#نصيحة: استمر في نشرك للخير ولا تتردد أبدًا؛ فلعلك تنشر كلمة تهدي بها إنسانًا، ولعلك تعطي فكرة تنفع بها مؤمنًا، ولعلك تكتب خيرًا تنير به ضالًا، وترد حائرا…

#نصائح_ثمينة

🔹-احرص أن يكون كتاب الله ﷻ في بيتك وجوالك؛ فهو بركة، والأهم أن تقرأ منه ولو كل يوم ...

🔹-احرص أن يكون كتاب الله ﷻ في بيتك وجوالك؛ فهو بركة، والأهم أن تقرأ منه ولو كل يوم صفحة.

#ومضات_إيمانية
#نصائح_ثمينة

الثبات على العهد ذكر الله جل وعلا في كتابه العزيز صوراً وقصصا شتى عن أحوال الثابتين من الأنبياء ...

الثبات على العهد

ذكر الله جل وعلا في كتابه العزيز صوراً وقصصا شتى عن أحوال الثابتين من الأنبياء والمرسلين وغيرهم ممن ثبت على أمر الله، وقد كان في ذلك عظة وعبرة للمؤمنين وتثبيت لهم {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120]، وقد جاءت قصص الأنبياء في كتاب الله متنوعة من حيث صفة الابتلاء والمحن التي حلت بهم.

فكان من حكمة الله ذكر كل تلك القصص لتكون منارةً للسائرين على دربهم، وذكرى تحيى بها قلوبهم فيعلموا أن كل بلاء قد يمر بهم سبقهم فيه سلف صالح، فحري بالمؤمن اليوم أن يستحضر تلك المواقف ويأخذ منها العبر، فإن كان حشد الكفار وتجمعهم يزعزع من عزمه، فليتذكر ما كان من أمر نوحٍ عليه السلام وأمامه أهل الأرض أجمع إلا عدد قليل ممن آمن معه، وإن كان ما حل به مرض أو فقد ولد أو مال ونحوه فليتذكر إن شاء حال نبي الله أيوب عليه السلام، وليس من أمر فيه بلاء إلا ومر به أحد الأنبياء والصالحين من قبل، وكذا كان حال نبينا صلى الله عليه وسلم فقد حوصر وأوذي وجاع وجرح ومرض وحاربه أهل الكتاب من اليهود بسيل من الشبهات فثبت عليه الصلاة والسلام على أمر الله حتى بلغ الرسالة وأدى الأمانة.

فلم يكن ثبات الأنبياء وأتباعهم يوما محصورا في ميادين المعارك أو الصبر على الأذى، بل قد عرضت لهم بعض المحن على هيئة شبهات فكانت لهم امتحانا واختبارا، فقد ثبت الصديق رضي الله عنه على إيمانه في حادثة الإسراء والمعراج حين تزعزع إيمان بعض المسلمين، وكذلك الأمر عندما حوّل الله سبحانه قبلة المسلمين من المسجد الأقصى للمسجد الحرام، فكان ذلك من البلاء والامتحان ليعلم الله الثابتين : {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البقرة: 143].

وإن حرب الشبهات لها تأثير أشد بأضعاف من حرب السلاح، إذ لا يمكن لمتردد مشكّك أن يثبت أمام أي محنة مهما صغرت، فكيف بالقتل والقتال والجوع والحصار، ولهذا حرص عليها أعداء الله وبذلوا كثيرا من الجهود للبحث عن وسائل تمكنهم من النفاذ إلى صفوف المجاهدين لمحاولة زعزعتهم ونشر تلك الشبه حتى تكون واقعا يخاف المسلم من مخالفته ويتقهقر تحت ضغطه.

قال الشيخ أبو مصعب الزرقاوي تقبله الله: "وهكذا يضغط الواقع على الكثيرين ممن يسعون للقيام بأمر الله، حيث يشعر هؤلاء أن كل من حولهم يخالفهم فيما هم عليه، بل وينابذهم على ذلك بكل ما يستطيع، فهم يسيرون في طريق موحشة، لا معين فيها ولا أنيس، والجميع حولهم يدعوهم ليسالموا أو يداهنوا أو يقفوا موقفاً وسطاً ويلتقوا مع الجاهلية في منتصف الطريق، بدعاوى وشعارات معلومة مشهورة".

وقد وفق الله قادة المجاهدين أن فطنوا لهذا الأمر وعلموا أنّ وضوح الهدف والغاية أهم معين للمسلم على الصبر، فأعلنوا دولة الإسلام التي كان من أهدافها إيضاح تلك الغاية ورفع الطموح لدى المجاهد، والثبات على هذه الغاية مطلب منفرد لا يقل أهمية عن غيره، فكم شكّك المرجفون بدولة الإسلام واتهموا بُناتها بالتعجل ثم حاولوا الضغط عليهم للتراجع عن ذلك فأجابهم الشيخ أبو عمر البغدادي تقبله الله فقال: "أمَّتي الغالية؛ كما أنَّنا لم نكذب على الله عندما أعلنَّا دولة الإسلام، لا نكذب على الله عندما نقول أنَّها باقية، باقية؛ رغم كل التعتيم والتضليل والطعن والتشويه".

فكان ثبات ذلك الجيل أمام تلك الحرب الشرسة وتمسكهم بغايتهم ومشروعهم بكامل تفاصيله، هو ما أوصل دولة الإسلام إلى ما صارت إليه بعد توفيق الله الذي رزقهم ذلك الثبات وهداهم إليه، ولم تقم الخلافة إلا بعون الله وتثبيته لأوليائه ممن لم يعطوا الدنية في دينهم، الذين أحسنوا الظنّ بربهم فثبتوا واستلموا الراية ثم سلموها لمن بعدهم جيلا بعد جيل، فبذلوا أنفسهم رخيصة في سبيل الله، لم ينثنوا أو يركنوا مع كل ما حل بهم من شدّة وبلاء وفتن وشبهات وحرب شديدة على كل الأصعدة ومن القريب قبل البعيد، فنحسبهم ممن قال الله فيهم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 160
الخميس 6 ربيع الثاني 1440 هـ
...المزيد

• تواضع جم اتصف الإخوة بصفات طيبة كثيرة كان أبرزها التواضع الجم وخفض الجناح لإخوانهم المؤمنين ...

• تواضع جم

اتصف الإخوة بصفات طيبة كثيرة كان أبرزها التواضع الجم وخفض الجناح لإخوانهم المؤمنين يلحظ ذلك كل من عرفهم، فيروي من عاشرهم في المعسكرات أنهم كانوا كما قال الله تعالى: (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين)، أهل بذل وعطاء وتضحية ووفاء بذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل التوحيد، وديارهم التي تركوها حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.

كما كانوا شعلة من النشاط والهمة العالية يحرّضون إخوانهم ويرفعون هممهم ويسبقونهم إلى أي أمر يطلبونه منهم، ومن ذلك موقف حدث قبل الانطلاق لغزوة القواديس في إحدى معسكرات الولاية، حيث قام الأخ (أبو علي) يحرض الإخوة قبل الغزوة وقال لهم: "قوموا وتعانقوا"، وبدأ هو وأبو عمر بالعناق وفجأة انفجروا بالبكاء حتى ضجّ المعسكرُ كله باكيا!
وفي أبواب الطاعات كانوا أحرص ما يكونوا على الصيام والقيام وسائر النوافل، فلم تشغلهم تكاليف الجهاد وأعباء المهام الموكلة إليهم عن عبادات التضرع والمناجاة وتزكية الأنفس، وقد ذكر الأخ أبو عثمان (حفظه الله) أن الأخ أبا علي (تقبله الله) كان قد كتب في مذكرة صغيرة خاصة به جميع العيوب التي ابتلي بها ليتعاهد نفسه بالتربية والتزكية منشغلا بعيوبه عن عيوب غيره، وأخبر –أبو عثمان- أنه قبل أن يقتل بفترة وجيزة كان قد تخلص منها كلها بفضل الله تعالى، ولا عجب فإن ميادين الجهاد أفضل الميادين لتزكية الأنفس وتربيتها وتنقيتها من الأمراض والآفات.


• مثل يحتذى في الأخوّة الصادقة

لقد ضرب هؤلاء الإخوة أروع الأمثلة في الأخوّة الإيمانية الصادقة، لقد كانوا نموذجا يُحتذى في الاجتماع على طاعة الله تعالى، والتواصي بالحق والصبر، والتعاون على البر والتقوى لم تكن صداقتهم سبيلا إلى اللهو ومضيعة الوقت، لقد كانت أخوّتهم إحدى أسباب انتقالهم من الظلمات إلى النور فكانوا عونا لبعضهم على طريق الحق يشد بعضهم أزر بعض وظلوا هكذا حتى آخر لحظة في هذه الحياة.

فحري بشباب الأمة اليوم أن يقتدوا بهذه النماذج ويسيروا على خطاها، فسيرة هؤلاء الإخوة تقبلهم الله مدرسة كاملة من التوبة والهداية إلى الولاء والبراء مرورا بالهجرة والجهاد والأخوّة الصادقة والصبر والثبات، وانتهاء بالقتل في سبيل الله، هذا هو سبيل الرشاد الذي ندعو شباب الجيل إليه بدلا من سبل الضلالة والهوى.


• إصاباتهم ثم مقتلهم "تقبلهم الله"

في أواخر عام 1437 أدى قصف يهودي غادر إلى إصابة كل من أبي عمر وأبي عليّ بإصابات متفاوتة، ومقتل أبي بكر تقبله الله، فلم يفت ذلك في عضدهم ولم ينل من عزيمتهم فلا الجراح ولا فقد الخلاّن يوقف المجاهد عن جهاده، فواصلوا جهادهم بين تحريض وتدريب وصبر وجلاد، حتى جاء القدر الذي لا مفر منه وحانت لحظة اللّحاق بمن سبقهم على ذات الدرب فقد أدى قصف بالطائرات المسيرة إلى مقتل أبي عمر وأبي علي وذلك خلال العام الحالي 1440 ، ليرتحل ثلاثة من الإخوة -تقبلهم الله-بعد أن حققوا التوحيد في حياتهم قولا وعملا وجاهدوا وبذلوا أموالهم وأنفسهم رخيصة في سبيل الله حتى أتاهم اليقين من ربهم، فنسأله تعالى أن يتقبلهم وأن يجمعنا بهم في مستقر رحمته على سرر متقابلين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 159
الخميس 28 ربيع الأول 1440 هـ
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
27 ربيع الآخر 1447
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً