لَعَلَّكُمْ تَشكُرُونَ الحمد لله ناصر المستضعفين ومبيد الطغاة الكافرين، والصلاة والسلام على ...

لَعَلَّكُمْ تَشكُرُونَ


الحمد لله ناصر المستضعفين ومبيد الطغاة الكافرين، والصلاة والسلام على النبي المبعوث رحمة للعالمين محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

إن كثيرا من الناس يجحد نعم الله -تعالى- عليه ويدعي أنه شاكر لله سبحانه، وهو يظن أن الشكر قول باللسان دون العمل بالجوارح والأركان، وهذا الفهم الخاطئ لمعنى الشكر يستدعي تبيان معاني الشكر التي أرادها الله -تعالى- من خلقه.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: 123].
قال الإمام الطبري -رحمه الله- في تفسيره: "{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ} على أعدائكم وأنتم يومئذ أذلة، يعني: قليلون، في غير منعة من الناس، حتى أظهركم الله على عدوكم، مع كثرة عددهم وقلة عددكم، وأنتم اليوم أكثر عدداً منكم حينئذ، فإن تصبروا لأمر الله ينصركم كما نصركم ذلك اليوم، {فَاتَّقُوا اللَّهَ}، يقول تعالى ذكره: فاتقوا ربكم بطاعته واجتناب محارمه {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، يقول: لتشكروه على ما منَّ به عليكم من النصر على أعدائكم وإظهار دينكم، ولما هداكم له من الحق الذي ضلَّ عنه مخالفوكم" [جامع البيان في تأويل القرآن].

إن الله -سبحانه وتعالى- يعلمنا معنى الشكر في هذه الآية الكريمة، وكيف نشكره عندما يمُنُّ علينا بنصر من عنده ونحن ضعفاء قليلون وعدتنا قليلة ضعيفة، فهذه الآية في غاية الأهمية، فإن من المعلوم أن الشكر يكون بالعمل، كما قال سبحانه وتعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} [سبأ: 13]، أي اعملوا بطاعة الله شكرا على نعمه، وكذلك معنى الشكر في قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران: 123]، هو بالعمل بأوامر الله -تعالى- واجتناب نواهيه حيث تتحقق التقوى، وهذه المناسبة كانت في تذكير الله للمؤمنين بأنه نصرهم في معركة بدر ولم يكن بين المسلمين والكفار تقارب من ناحية العدد والعدة، فكان الصحابة قليلِين وعدتهم بسيطة، وكان الكفار يملكون السلاح والخيالة والعدد الكثير، لكن الله -سبحانه- نصرهم بجند السماء وأيدهم بنصره، وهذا لأن الصحابة تعلقت قلوبهم بالله وصدَّقوا رسوله -صلى الله عليه وسلم- بما وعدهم من النصر والظفر، وهذه النعمة تستحق الشكر لله سبحانه وتعالى، والشكر بتعظيم أوامر الله هو من تقوى القلوب، كما قال الله سبحانه، {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]، فالتقوى لا بد معها من تنفيذ الأوامر، مع اجتناب ما حرَّم الله -تعالى- واجتناب الذنوب والنواهي، كما قيل:

دع الذنوب صغيرها
وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماشٍ فوق
أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرنَّ صغيرة
إن الجبال من الحصى

فلا بد من تحقيق الشكر لله بكلا جانبيه ليتحقق النصر، جانب الأوامر وجانب النواهي، وإن كان المجاهدون قد استسلموا لأمر ربهم وخضعوا بطاعته في قتال أعدائه صفا واحدا، فلا بد أيضا من عدم إغفال الجانب الآخر وهو الخضوع له في اجتناب نواهيه، وإن من أعظم النواهي التي تمنع ثمار العمل الصالح وتُخلُّ بالشكر وبالتالي تُؤخر النصر، هي الاختلاف والتباغض والتحاسد والغيبة والطعن والنميمة وفساد ذات البين، وهذه الآفات لا بد أن يخلو صف أهل الإيمان منها، فهي التي تُضعف الصف المؤمن وتُؤخر نعمة النصر وتُفضي إلى الفشل وغضب الله -تعالى- وحرمان حسنة التمكين في الدنيا، كما قال ربنا جل وعلا: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].

فهنا في هذه الآية أمرٌ بالطاعة والصبرِ ونهيٌ عن التنازع لأنه يفضي إلى الفشل وذهاب القوة، وعلى كل مجاهد أن يدرك هذه السنن والحقائق التي لا تحابي أحدا وأن يلتزم بطاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ويصبر على طريق الجهاد ويربي نفسه على السمع والطاعة للأمراء وينأى بنفسه وإخوانه عن كل موطن يؤدي إلى التنازع والاختلاف، فيحفظ الحقوق ويؤدي النصيحة كما يحبها الله تعالى.
...المزيد

وفي مشهد عظيم من هذه المشاهد الرهيبة، تجتمع ملل الكفر كلها في نار جهنم، حينها يطلب آخر أمم الكفر ...

وفي مشهد عظيم من هذه المشاهد الرهيبة، تجتمع ملل الكفر كلها في نار جهنم، حينها يطلب آخر أمم الكفر مضاعفة العذاب لمن سبقهم في الكفر من تلك الملل، لأنهم زينوا لهم طريق الكفر والضلالة، كما تتواصى الأمم اليوم في إشاعة دين الكفر الديموقراطية، وتخلف أمة إثر أمة بهذا الدين الباطل في الكفر وإشاعة الشرك والرذائل والظلم والفساد الكبير، قال الله -تعالى- عن تلك الأمم من الجن والإنس: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 38].

قال الإمام الطبري في تفسير آيات هذا المشهد: "وهذا خبر من الله -جل ثناؤه- عن محاورة الأحزاب من أهل الملل الكافرة في النار يوم القيامة، يقول الله تعالى ذكره: فإذا اجتمع أهل الملل الكافرة في النار فادَّاركوا، قالت أخرى أهل كل ملة دخلت النار، الذين كانوا في الدنيا بعد أولى منهم تَقَدَّمتها وكانت لها سلفاً وإماماً في الضلالة والكفر، لأولاها الذين كانوا قبلهم في الدنيا: ربنا هؤلاء أضلونا عن سبيلك، ودعونا إلى عبادة غيرك، وزيَّنوا لنا طاعة الشيطان، فآتهم اليوم من عذابك الضعفَ على عذابنا".

هذا هو طلب الأتباع من الأفراد والأمم الذين ائتمروا بأوامر القادة المُتَّبَعين، طلبهم أن يضاعف العذاب لمن كان سبب إضلالهم، فجاء الحكم من الله -تعالى- بأن العذاب مضاعف لكل الكفار بقدر إضلالهم، قال الإمام ابن كثير في تفسيره: "قوله: {قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 38] أي: قد فعلنا ذلك وجازينا كلا بحسبه، كما قال تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل: 88].


نسأل الله -تعالى- بمنِّه وكرمه أن يثبتنا على دينه ويجيرنا من العذاب والضلال، ومشاهد الخزي والنكال، والحمد لله على نعمة الإسلام.


• المصدر
صحيفة النبأ - العدد 122
الخميس 20 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

إن اللَّه معنا الحمد لله الذي له نعوت الكمال وأوصاف الجلال، والصلاة والسلام على عبده ورسوله ...

إن اللَّه معنا


الحمد لله الذي له نعوت الكمال وأوصاف الجلال، والصلاة والسلام على عبده ورسوله المعظم لربه حق التعظيم، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان في طلب رضا ربهم المنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد...

فإن أكثر الناس يحكمون على ظواهر الأمور ويغفلون عن الحقائق التي أخبرنا الله بها، فيرون الأعداء يفوقوننا في العدد والعتاد، ولا يستشعرون أن الله العظيم هو معنا، الذي إن أراد نصر أحد فلن يغلبه أحد، وإن خذل أحداً فلا ناصر له من بعد الله، يغفل الناس عن الحقيقة الكبرى أن الكفار شواذ عن باقي الخليقة في الإيمان بالله وتنزيهه عن العيوب والنقائص، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18]، فهذه المخلوقات العظيمة والكثيرة والمتنوعة كلها تُعظِّم الله وتخشع له وتسجد له وتُقِر له بالربوبية وبالألوهية وبأنه خالقها القيوم عليها، الذي لا قيام لها ولا بقاء إلا به، فنرى الكون وما فيه كله متناسقاً متشابهاً في عبادة الله، إلا هذه المخلوقات المهانة الخبيثة التي أبت عبادة الله والخضوع لأوامره، وظنَّت أنها تستطيع على ضعفها وذلتها إطفاء نور الله، فأي قوة لها أمام قوة الله؟ الذي أعطاها الحول والقوة، ويجري قضاؤه عليها رضيت أم كرهت.


• كل شيء يسبح الله ويحمده

لله -تعالى- المحامد كلها، فكل أسمائه محمودة وكل صفاته محمودة، وكل أفعاله وأحكامه محمودة، ولذلك حمد الله -تعالى- نفسه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: 1].

ويحمده المطيعون من خلقه وينزهونه عن كل عيب ويقرون له بالكمال والجلال والجمال، ولهذا يجمعون بين تسبيح الله وحمده، كما قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44]، كلهم على طاعته إلا كفار الإنس والجن، ومع ذلك فمن يأبى السجود لله طوعاً فهو يسجد له كرهاً، فتمضي عليه أحكام الله القدرية والجزائية شاء أم أبى، قال تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الرعد: 15].


• أساس الدين تعظيم الله

وعلى أساس تعظيم الله قام دين الإسلام وبعث الله رسله مبشرين ومنذرين، ومن أجل تعظيم الله -تعالى- قام الجهاد في سبيل الله لمحاربة من لم يقدروا الله حق قدره من الكفار والمشركين والمنافقين، الذين كفروا بالله وجحدوا نعمه أو نسبوها لغيره أو نسبوا لله الصاحبة والولد وادعوا أن لله شركاء في العبادة وأن هناك من يشفع عند الله بلا إذنه، وقام الجهاد لمحاربة الطواغيت الذين اعتدوا على أعظم حقوق الله، ونازعوا الله في حق التشريع والتحليل والتحريم الذي هو من خصائص الربوبية، ونتج عنها منازعة الله في حق الطاعة المطلقة وهي من خصائص الربوبية والألوهية، ولذلك فمعية الله وتأييده وتوفيقه إنما هي للمعظمين لله الذين أخلصوا له الدين، الذين يحبهم ويحبونه، الذين يوالون في الله ويعادون فيه، ويجاهدون لإرضائه غير مبالين بلوم اللائمين، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.


• لا تحزن إن الله معنا:

حفظ لنا القرآن العظيم مواقف عظيمة كثيرة، وكان منها هذا الموقف الخالد من عبد الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- أثناء هجرته إلى الله عز وجل، هاربا بدينه ودعوته، مطاردا من أهل مكة المشركين، فيلجأ إلى غار ثور ومكانه ليس على طريق المدينة، ولكنهم تتبعوا الآثار حتى وقفوا فوق باب الغار، حتى قال الصديق وهو خائف مهموم "لو أن أحداً من المشركين نظر إلى قدميه لأبصرنا"، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أنزل الله عليه السكينة، وهي الطمأنينة والشعور بالأمان والعناية الإلهية: (يا أبا بكر، ما ظنُّك باثنين اللهُ ثالثهما؟) [رواه البخاري ومسلم].
وتذكر لنا كتب السير ومعاجم الصحابة قصة سراقة بن مالك -رضي الله عنه- الذي قال له النبي -صلى الله عليه وسلم- في طريق الهجرة بعد أن كان يطارد النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- طامعاً في أن يحصل على جائزة المشركين إن هو أتى بالنبي -صلى الله عليه وسلم- حياً أو ميتاً: (كيف بك إِذا لَبستَ سِوارَيْ كسرى)، فلمّا أُتِيَ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بسوارَيْ كسرى ومِنْطَقَتِهِ وتاجِه، دعا سراقة بن مالك، فألبسه إياهما.
...المزيد

قصة حديث (من غشَّ فليس منِّي) حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الغش معلوم مشهور بين ...

قصة حديث (من غشَّ فليس منِّي)

حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الغش معلوم مشهور بين الناس وهو قوله: (من غشَّ فليس منِّي)، وفي رواية: (ومن غشَّنا فليس منَّا)، وكلا الروايتين في صحيح مسلم.

وللحديث قصة تُبيِّنها الرواية ذاتها، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرَّ على صُبرة طعامٍ، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعُه بللاً، فقال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟)، قال: أصابته السماء يا رسول الله! قال: (أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني) [رواه مسلم].

والمعنى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أدخل يده في كومة طعام فوجد أسفله مبللا، مع أن ظاهره غير ذلك، ولما سأل صاحب الطعام عن الأمر أخبر بأن المطر نزل عليه، فأنكر عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعله، وأعلمه أن عليه أن يظهر ذلك للناس ولا يخفي عيب بضاعته، وأعلمه بأن ذلك من الغش الذي مَنْ فَعَلَهُ، فليس من رسول الله، أي ليس على هدي رسول الله ونهجه.

وهذا الحديث يتحدث عن صورة من صور الغش -وما أعظم انتشارها- وللغش صور كثيرة، فهل يرضى من اتصف بهذه أن يقول له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لست مني؟ إذن ليراجع كل امرئ نفسه، ويجدد التوبة لربه.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 118
الخميس 22 جمادى الأولى 1439 ه‍ـ
...المزيد

بعد 40 شهراً من الانشغال عنها أمريكا تعود إلى خراسان من جديد لئن كان وجود أمريكا في خراسان ...

بعد 40 شهراً من الانشغال عنها
أمريكا تعود إلى خراسان من جديد


لئن كان وجود أمريكا في خراسان مصدر رعب حقيقي لكل من الصين وروسيا وإيران وباكستان، لما فيه من تهديدٍ لمصالح كلٍّ منها، التي قد تحدُّها السيطرة الأمريكية على جانب من جوانب حدودها، فإن هذه الدول كانت ولا تزال على يقين أن الوجود الأمريكي هنا ليس بدائم، وأن بالإمكان اقتلاعها منه تحت تأثير الخسائر المتزايدة والاستنزاف المستمر لاقتصادها وجيشها في هذه الحرب اللامنتهية.

ولذلك كان الخيار الاستراتيجي بالنسبة إليها، هو العمل بكل وسيلة على دفع أمريكا للخروج من أفغانستان، ولو عن طريق دعم حركة تزعم رغبتها بإقامة "إمارة إسلامية" وتحكيم الشريعة، خاصة أن هذه الحركة أكدت أن هذه "الإمارة" المأمولة بالنسبة لها، هي "إمارة وطنية" تلتزم بحدود "الوطن الأفغاني" الذي تُقرُّ الحركة بحدوده المتفق عليها مع الدول الكافرة، وكذلك فإنها تؤكد أن "تحكيمها للشريعة" سيكون تحكيما جزئيا، لا مكان فيه لأي من الأحكام التي تغضب دول الجوار الكافرة، بل ستقوم تعاملاتها معهم على "أصول الاحترام المتقابل، والمساواة، وعدم التدخل في الأمور الداخلية مع دول المنطقة والعالم المختلفة"، كما تردد حركة طالبان الوطنية في بياناتها ورسائلها إلى الدول الكافرة.

إن موقع أفغانستان المفصلي بين حدود ومناطق نفوذ أربع من الدول الكافرة التي تتنازع فيما بينها لمد هيمنتها في محيطها الإقليمي، يجعل مصلحة هذه الدول تجاهها تقوم على إخراج أمريكا منها، ثم وجود حكومة ضعيفة مرضي عنها فيها، بحيث تعود أفغانستان إلى مكانها الأصلي في النظام الدولي، كدولة حاجزة بين القوى المتصارعة، تؤدي سيطرة أي منها عليها إلى تهديد كبير للآخرين، قد يستدعي تدخلهم لإبعاد هذا الخطر، كما حدث عندما تجرأ الاتحاد السوفيتي على إدخال قواته إليها مطلع هذا القرن الهجري.

وليست أمريكا بالطبع غافلة عن جهود خصومها المبذولة لإخراجها من خراسان، كما أنها ليست غافلة عن الثروات البكر لأرضها، ولا مليارات الدولارات الممكن لشركاتها جنيها من المشروعات المستقبلية فيها، ولكنها رغم ذلك تجد نفسها مجبرة كل فترة لسحب جزء مهم من عديد جيشها وعدته في سبيل تدارك انهيار الأوضاع في مناطق أخرى لا تقل أهميتها عن خراسان، كما حدث مرتين على الأقل تجاه العراق؛ الأولى بعد معركة الفلوجة الثانية، حيث بات استمرار الاحتلال الأمريكي للعراق مهددا، بفعل تجاوز خسائر الأمريكان لعتبة التحمل الأمريكية تحت عمليات المجاهدين المتتالية، والثانية عندما أوشك المجاهدون على إسقاط حكومتي بغداد وأربيل المرتدتين بعد سيطرتهم على الموصل، وفي الحالتين أضعفَ نقلُ الثقل إلى العراق قبضةَ الصليبيين في خراسان، واستفادت من ذلك حركة طالبان الوطنية في إعادة ترتيب صفوفها، وتوسيع نفوذها.

واليوم يخطط الجيش الأمريكي لإعادة تقوية جيشه في خراسان، حماية لوجوده في هذه المنطقة بالغة الأهمية من حيث الموقع والثروات، ووقاية للحكومة التي صنعها بيده كواجهة للحكم في كابل من الانهيار الذي ليست الضربات الكبرى التي وجهها لها جنود الخلافة خلال الأشهر الأخيرة بالدليل الوحيد على هشاشته.

ويأتي هذا بعد أن انشغلت القيادة الأمريكية الوسطى المخصصة لإدارة الحرب في بُلدان المسلمين لأكثر من 40 شهرا في قتال الدولة الإسلامية في ولايات العراق والشام وليبيا، الذي استنزف قسما كبيرا من إمكانيات الجيش الأمريكي في الحرب الجوية، والاستخبارات، والدعم للقوات المتحالفة معه.

وإن جنود الخلافة في ولاية خراسان يدركون -بفضل الله تعالى- العبء الملقى على عاتقهم، وحجم قوى الكفر التي ينبغي عليهم محاربتها والتصدي لها، وهم مستعدون -بإذن الله- لدفع الثمن المطلوب لإقامة الدين وتحكيم شريعة رب العالمين.

وهم مستمرون -بحول الله- في قتال الجيوش الصليبية حتى هزيمتها، واستهداف حكومة كابل المرتدة، وأي حكومة طاغوتية ينالها بأسهم، حتى إسقاطها، ثم منع قيام أي حكومة تحكم بغير شريعة الله تعالى، أو تؤمن ببعض الكتاب وتكفر ببعض، مع محاربة الطوائف الممتنعة عن تحكيم الشريعة، وعلى رأسها حركة طالبان المرتدة، وهم عازمون على مدِّ سلطان الشريعة إلى أي أرض يمكِّنهم الله من فتحها، غير عابئين بالحدود المصطنعة، ساعين إلى نصرة المسلمين المستضعفين، لإخراجهم من حكم الطواغيت، حتى لا تكون طاعتهم إلا لله، ولا يكون ولاؤهم لغير دين الإسلام، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 118
الخميس 22 جمادى الأولى 1439 ه‍ـ
...المزيد

أخي المجاهد / استبشر بطريق الجهاد الحمد لله الذي أنزل الكتاب هدىً ورحمةً للمؤمنين، والصلاة ...

أخي المجاهد / استبشر بطريق الجهاد


الحمد لله الذي أنزل الكتاب هدىً ورحمةً للمؤمنين، والصلاة والسلام على نبيه نبي الرحمة ونبي الملحمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد...

فإن الله -تعالى- قد بشَّر عباده المؤمنين بشارات كثيرة تُقوِّي عندهم جانب الرجاء وترفع معنوياتهم، خاصة إذا واجهوا أعداءهم، فحين أمرهم -سبحانه- بالثبات في قتال عدوهم بشَّرهم بأنه مع الصابرين، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 45 - 46]، وهي معية خاصة لأوليائه، تختلف عن المعية العامة لعموم خلقه بالعلم والإحاطة والقدرة عليهم، كما في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4]، وأمر -تعالى- عباده بأن يستبشروا ببيعهم أنفسهم وأموالهم لله عز وجل، مقابل أن يدخلهم جنة الخلد، {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111]، وحتى حين يبتليهم الله -عز وجل- بأن ينال منهم الكفار بعض النيل بالقتل أو بالجراح أو الأسر، أمر -تعالى- المجاهدين بأن يستشعروا العلو على الكافرين ولا يضعفوا عن قتالهم ولا يحزنوا لما أصابهم، {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، والمؤمن مبشر بالخير في السراء والضراء، إذا كان شاكراً لأنعم الله صابراً عند الابتلاء، قال صلى الله عليه وسلم: (عَجَباً لأمر المؤمن! إنّ أمره كلّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاء صبر، فكان خيرا له) [رواه مسلم]، وكل ما يصيب المسلم من بلاء صغُر أو كبُر فهو سبب لتكفير سيئاته، قال صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كَفَّر الله بها من خطاياه) [رواه البخاري ومسلم].

وكل ما يعمله المؤمن من جهاد بالنفس والمال، وكل موطئ يطأه يغيظ الكفار وكل نيل يناله منهم، وكل أذى يصيبه، فهو مثاب على هذه الأعمال أعظم الثواب، فاحتسب الأجر أخي المجاهد في العسر واليسر، وأحسن ظنك بالله -تعالى- ولي المؤمنين، الذي أمرهم بجهاد أعدائه فاستجابوا، وأمرهم بتحكيم شريعته وعدم اتباع أهواء الناس فامتثلوا طالبين رضاه، خائفين من عذابه إن لم ينفروا لقتال أعدائه أو لم يحكِّموا شرعه، أبشر أخي المجاهد بكفاية الله للمتوكلين عليه المفوضين أمرهم إليه، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 118
الخميس 22 جمادى الأولى 1439 ه‍ـ
...المزيد

وفي مشهد عظيم من هذه المشاهد الرهيبة، تجتمع ملل الكفر كلها في نار جهنم، حينها يطلب آخر أمم الكفر ...

وفي مشهد عظيم من هذه المشاهد الرهيبة، تجتمع ملل الكفر كلها في نار جهنم، حينها يطلب آخر أمم الكفر مضاعفة العذاب لمن سبقهم في الكفر من تلك الملل، لأنهم زينوا لهم طريق الكفر والضلالة، كما تتواصى الأمم اليوم في إشاعة دين الكفر الديموقراطية، وتخلف أمة إثر أمة بهذا الدين الباطل في الكفر وإشاعة الشرك والرذائل والظلم والفساد الكبير، قال الله -تعالى- عن تلك الأمم من الجن والإنس: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 38].

قال الإمام الطبري في تفسير آيات هذا المشهد: "وهذا خبر من الله -جل ثناؤه- عن محاورة الأحزاب من أهل الملل الكافرة في النار يوم القيامة، يقول الله تعالى ذكره: فإذا اجتمع أهل الملل الكافرة في النار فادَّاركوا، قالت أخرى أهل كل ملة دخلت النار، الذين كانوا في الدنيا بعد أولى منهم تَقَدَّمتها وكانت لها سلفاً وإماماً في الضلالة والكفر، لأولاها الذين كانوا قبلهم في الدنيا: ربنا هؤلاء أضلونا عن سبيلك، ودعونا إلى عبادة غيرك، وزيَّنوا لنا طاعة الشيطان، فآتهم اليوم من عذابك الضعفَ على عذابنا".

هذا هو طلب الأتباع من الأفراد والأمم الذين ائتمروا بأوامر القادة المُتَّبَعين، طلبهم أن يضاعف العذاب لمن كان سبب إضلالهم، فجاء الحكم من الله -تعالى- بأن العذاب مضاعف لكل الكفار بقدر إضلالهم، قال الإمام ابن كثير في تفسيره: "قوله: {قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 38] أي: قد فعلنا ذلك وجازينا كلا بحسبه، كما قال تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل: 88].


نسأل الله -تعالى- بمنِّه وكرمه أن يثبتنا على دينه ويجيرنا من العذاب والضلال، ومشاهد الخزي والنكال، والحمد لله على نعمة الإسلام.


• المصدر
صحيفة النبأ - العدد 122
الخميس 20 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

من عذاب الله ولات حين خلاص، قال الإمام الطبري في تفسير آيات هذا الحوار بين القادة والأتباع: ...

من عذاب الله ولات حين خلاص، قال الإمام الطبري في تفسير آيات هذا الحوار بين القادة والأتباع: "{فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا}، يقول: فقال التُّبَّاع منهم للمتبوعين، وهم الذين كانوا يستكبرون في الدنيا عن إخلاص العبادة لله واتباع الرسل الذين أرسلوا إليهم: {إنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا}، في الدنيا وإنما عنَوا بقولهم: {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا}، أنهم كانوا أتباعهم في الدنيا يأتمرون لما يأمرونهم به من عبادة الأوثان والكفر بالله، وينتهون عما نهوهم عنه من اتِّباع رسل الله، {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ}، يعنون: فهل أنتم دافعون عنَّا اليوم من عذاب الله من شيء، {قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ}، قالت القادةُ على الكفر بالله لتُبَّاعها: {لَوْ هَدَانَا اللَّهُ}، يعنون: لو بَيَّن الله لنا شيئاً ندفع به عَذَابَه عنا اليوم، {لَهَدَيْنَاكُمْ}، لبيَّنا ذلك لكم حتى تدفعوا العذابَ عن أنفسكم، ولكنا قد جزعنا مِن العذاب، فلم ينفعنا جزعُنا منه وصَبْرُنا عليه، {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم: 21]، يعنون: ما لهم من مَراغٍ يرُوغون عنه" [تفسير الطبري].

وفي مشهد آخر أخبرنا به الله -تبارك وتعالى- أن هؤلاء القادة والأتباع سيتحاورون ويتحاجون بعد دخولهم النار، وذلك حين يضج الجمع الضال الغفير إلى قادتهم الطواغيت، ويحاجونهم أنهم كانوا لهم أوتادا وجندا يأتمرون بأمرهم ويقيمون سلطان باطلهم، قال الإمام ابن كثير في تفسير هذا الحوار: "يخبر -تعالى- عن تحاجِّ أهل النار في النار، وتخاصمهم، وفرعون وقومه من جملتهم {فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ} وهم: الأتباع {لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} وهم: القادة والسادة والكبراء: {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} أي: أطعناكم فيما دعوتمونا إليه في الدنيا من الكفر والضلال، {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ} أي: قسطا تتحملونه عنا، {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} أي: لا نتحمل عنكم شيئا، كفى بنا ما عندنا، وما حملنا من العذاب والنكال، {إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} [غافر: 47 - 48] أي: يقسم بيننا العذاب بقدر ما يستحقه كلٌّ مِنَّا" [تفسير القرآن العظيم].

إن الله -تعالى- حكم بين هؤلاء بما يستحقونه، فكيف كان هذا الحكم ولماذا؟ كان هذا الحكم بعد أن طلب الأتباع بمضاعفة العذاب لقادتهم لأنهم أدخلوهم النار بسبب إضلالهم لهم وذاك في قوله تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب: 67 - 68].
...المزيد

الحوار المشهود والعذاب الموعود (2) لقد كشف الله -تبارك وتعالى- بعض مشاهد الغيب التي ستقع لا ...

الحوار المشهود والعذاب الموعود (2)

لقد كشف الله -تبارك وتعالى- بعض مشاهد الغيب التي ستقع لا محالة بين الكفار وهم يُعذَّبون في نار جهنم، والتي تتضمن الاتهامات المتبادلة بين الطواغيت والرؤساء المتبوعين، وبين أتباعهم وجندهم وأنصارهم الذين بنَوا سلطان الكفر لهم، وقد تكررت هذه الحوارات في كثير من آيات القرآن العظيم، فذكر الله -تعالى- أن أهل النار يتخاصمون ويتحاجون ويتَّهم بعضهم بعضا، ويتبرأ المتبوعون من التابعين لهم، كما في قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة: 166]
قال الإمام الطبري رحمه الله: "والصواب من القول عندي في ذلك أنّ الله -تعالى ذكره- أخبرَ أنّ المتَّبَعين على الشرك بالله يتبرؤون من أتباعهم حين يعاينون عذاب الله. ولم يخصص بذلك منهم بعضاً دون بعض، بل عَمّ جميعهم. فداخلٌ في ذلك كل متبوع على الكفر بالله والضلال أنه يتبرأ من أتباعه الذين كانوا يتَّبعونه على الضلال في الدنيا، إذا عاينوا عَذابَ الله في الآخرة" [جامع البيان في تأويل القرآن].

وهذه المودة التي بينهم في الدنيا والتعاضد في نشر الكفر والرذيلة وحرب الموحدين والصد عن سبيلهم، تتحول إلى حسرة وندامة وتبادل للتُّهم بين الرؤساء والقادة المتبوعين، وبين جندهم وأنصارهم، قال الله تعالى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [العنكبوت: 25].

وفي ثنايا تلك الحوارات والخصومات بين الكفار حين يُعاينون العذاب تبريرات فاسدة لما كانوا عليه من الكفر وتعاونهم عليه والدفاع عنه، فأول تلك الحوارات حين يقفون بين يدي خالقهم جل في علاه، قال الإمام ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: "قال الله -تعالى- متهددا لهم ومتوعدا، ومخبرا عن مواقفهم الذليلة بين يديه في حال تخاصمهم وتحاجهم: {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} منهم وهم الأتباع: {لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} وهم قادتهم وسادتهم: {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ: 31]، أي: لولا أنتم تصدونا، لكنا اتبعنا الرسل وآمنا بما جاءونا به، فقال لهم القادة والسادة، وهم الذين استكبروا: {أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ}، أي: نحن ما فعلنا بكم أكثر من أنَّا دعوناكم فاتبعتمونا من غير دليل ولا برهان، وخالفتم الأدلة والبراهين والحجج التي جاءت بها الأنبياء، لشهوتكم واختياركم لذلك؛ ولهذا قالوا: {بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} أي: بل كنتم تمكرون بنا ليلا ونهارا، وتَغُرُّونا وتُمَنُّونا، وتخبرونا أنا على هدى وأنا على شيء، فإذا جميع ذلك باطل وكَذبٌ ومَيْن، قال قتادة، وابن زيد: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} يقول: بل مكرهم بالليل والنهار، وكذا قال مالك، عن زيد بن أسلم: مكرهم بالليل والنهار، {إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا} أي نظراء وآلهة معه، وتقيموا لنا شُبَهاً وأشياء من المحال تضلونا بها، {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ} [سبأ: 31 - 33]، أي: الجميع من السادة والأتباع، كُلٌّ نَدم على ما سَلَف منه" [تفسير القرآن العظيم].

ومن الحقائق التي يقر بها الكفار وكانوا يستكبرون عنها في الدنيا أو يسموها بغير اسمها هي اعترافهم بما كانوا عليه من اتخاذ الأرباب وتسويتهم برب الأرباب سبحانه وتعالى، فهؤلاء الأتباع العابدون للطواغيت المشرعون لأحكام جاهلية كفرية، أو العابدون للحكام الحاكمين بشرائع البشر تلك، أو العابدون لأي طاغوت في العالم بأي نوع من العبادة، كل هؤلاء سيعترفون أنهم في ضلال مبين بعد أن كانوا يرمون خصومهم الموحدين في الدنيا بالضلال والظلم والظلامية، ويختصمون مع طواغيتهم ويقرون بتسوية طواغيتهم وشريعتهم وأمرهم مع رب العالمين وشريعته وأمره، كما قال الله -تعالى- عن مقولتهم تلك بعد معاينة العذاب: {قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 96 - 98]، قال الإمام ابن كثير: "نجعل أمركم مطاعا كما يطاع أمر رب العالمين، وعبدناكم مع رب العالمين" [تفسير القرآن العظيم].

وفي مشهد آخر يفزع الأتباع إلى سادتهم ليجدوا لهم منجى من عذاب الله، هؤلاء الأتباع الذين كانوا يأتمرون بأمر هؤلاء الطواغيت في حرب الله وأوليائه ودينه، والذين يلجؤون إليهم حين تحدق بهم أخطار المجاهدين، فيكونوا لهم ردءا وعونا فيعقدون التحالفات ويحتشدون جنبا إلى جنب، لحرب دين الله وعباد الله الموحدين، فيلجأ المرتد إلى طاغوته، ويلجأ الطاغوت المرتد إلى الطاغوت الصليبي، وهكذا يصور لنا القرآن مشهدا جديدا من الفزع، حين يهرع الأتباع إلى طواغيتهم ليخلصوهم
...المزيد

تصدَّقَ على سارقٍ وزانيةٍ وغني عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ...

تصدَّقَ على سارقٍ وزانيةٍ وغني


عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رجل لأتصدقنَّ بصدقة: فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تصدَّقَ على سارق، فقال: اللهم لك الحمد، لأتصدقنَّ بصدقة: فخرج بصدقته فوضعها في يدي زانية، فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدقنَّ بصدقة: فخرج بصدقته فوضعها في يدي غني فأصبحوا يتحدثون تصدق على غني، فقال: اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني، فأتي فقيل له أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله" [متفق عليه].

وسبب تعجبهم هو أن الصدقة لم تقع في مكانها المعهود أي عند أهل الحاجات، ففي هذه القصة أن صدقة هذا الرجل قبلت وإن لم تقع في يد المحتاجين ما دامت نيته صالحة، وأن المرء يجتهد في الصدقة فإن وقعت في مثل هذه الأصناف فإن الأمر لا يخلو من الخير للمتصدق عليه كما هي الحكم المذكورة في الحديث، ومن الحكم في هذا الحديث عدم التضجر بل التسليم لقضاء الله واستحباب تكرار التصدق فإن موضع الصدقة كله خير أينما وقع، وإن قبول الأعمال عند الله -تعالى- مرتبط بالإخلاص له سبحانه، وفيه دفع لوساوس الشيطان في عدم التصدق بدعوى عدم معرفة حال السائل، فيُحرم من العطاء من هو مستحق.


• المصدر
صحيفة النبأ - العدد 122
الخميس 20 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ إن معصية الله تنقص الإيمان، ولكنها لا تزيل عن صاحبها ...

تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ

إن معصية الله تنقص الإيمان، ولكنها لا تزيل عن صاحبها الوصف به، ولا تمنع عنه الحقوق التي تجب لكل مؤمن، إلا أن تكون تلك المعصية شركا بالله أو كفرا به، فإنها تنقض الإيمان، وتمنع من اتصاف صاحبها بوصفه، كما تمنع عنه حقوق أهل الإيمان، وتوجب معاملته معاملة المشركين المعاندين.

وهذا الأمر من أهم أصول أهل السنة والجماعة، التي تفرق بينهم وبين أهل البدع من الخوارج وسواهم من أهل الأهواء، الذين يكفِّرون بمطلق المعصية، ويخرجون الناس من صف المؤمنين، ويعاملونهم معاملة المشركين بمجرد وقوع أحدهم في كبيرة.

ولا يخفى على مسلم أن القعود عن الجهاد والفرار من الزحف هما من الكبائر التي تُغضب الرب جل وعلا، ويترتب عليها الذنب الكبير لمن فعلها، ولكن رغم عظم هذا الذنب فإنه مشمول أيضا بمغفرة الله -عز وجل- لفاعله إن شاء، وتوبته عليه إن تاب منه، وتكفيره بفعل غيره من الحسنات.

وقد وقع في هذه المعصية نفر من خيار الناس، وهم صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كما حدث في غزوة أحد، حيث زلَّت كثير من الأقدام، وعاتبهم الله -سبحانه- على فعلهم بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: 155]، فالذين وقعوا في هذه الكبيرة من الصحابة قد مكَّنوا الشيطان من أنفسهم بما اكتسبوا من الذنوب فاستزلهم عن الثبات مع رسول الله، وانهزموا أمام المشركين، ولكن الله -عز وجل- حلم عليهم، فلم يسارع لهم بالعقوبة جزاءا على فرارهم، بل أخرهم ثم عفا عنهم وغفر لهم، وهكذا يعامل الله -جل جلاله- أولياءه المؤمنين، فهو الغفور الحليم.

وعلى هذه السنة ينبغي أن تكون معاملة المسلم لأخيه المسلم، ولو استزله الشيطان فوقع في كبيرة من الكبائر، كالتولي يوم الزحف، فإن هذه المعصية لا تزيل عنه صفة الإيمان الظاهر، الذي على أساسه تقوم المعاملة بين المؤمنين.

وإن كان بعض المسلمين قد استزلهم الشيطان هذه الأيام، فتركوا جهادهم، أو نقضوا هجرتهم، أو نكثوا عهودهم وبيعاتهم، فإن كل ذلك من كبائر الذنوب ولا شك، وإننا نبرأ إلى الله منها، ولكننا رغم ذلك نحفظ لمن فعلها حق ولايتنا لهم ما داموا متصفين بصفة الإيمان، ولم ينقضوا أصل دينهم، بطعنهم فيما كانوا به من أحكام الشريعة مقرين، أو إعانتهم لأعدائنا من المشركين، أو إظهار الكفر من بعد النفاق الدفين.

وعلى كل مسلم أن ينظر إليهم نظرته إلى أي من العصاة، وأن يجهد نفسه في تذكيرهم بالله عز وجل، ودعوتهم إلى التوبة والإنابة إلى الله سبحانه، فإن أكثرهم -بفضل الله- قد حيت قلوبهم طويلا بذكر الله، فإن ران عليها شيء، بسبب حب الدنيا وكراهية الموت، فإنه لن يكون صعبا جلاء تلك القلوب، وإحياؤها من جديد بذكر الله تعالى، والخوف منه سبحانه، لتعود نابضة بحب هذا الدين وأهله، والشوق إلى الجهاد في سبيل الله، وطلب الشهادة والمنازل العلى من الجنة، ولن يتعب المرء في إزالة الغشاوة التي ألقاها الشيطان على أبصارهم، فأعمتهم عن رؤية الخير الذي كانوا فيه، والفتنة التي يساقون إليها، فإذا أصابوا ذنبا تذكروا وأبصروا الهدى، وتمسكوا به.

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].



• المصدر
صحيفة النبأ - العدد 122
الخميس 20 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد

أخي المجاهد: سادات الناس في الدنيا الأسخياء أخي المجاهد، للسخاء معانٍ عظيمة حثَّ عليها الإسلام ...

أخي المجاهد: سادات الناس في الدنيا الأسخياء

أخي المجاهد، للسخاء معانٍ عظيمة حثَّ عليها الإسلام ورغَّب بها، وأجزل العطاء لفاعلها، ووصف بالفلاح أصحابها، فقال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].

فالسخاء هو العطاء عن طيب نفس بدون أن تستكثر النفس ذلك العطاء أو تجد موجدة بعد إنفاقه، وإن أرفع درجات السخاء أن يجود المرء بنفسه في سبيل مولاه، فيقاتل أعداءه لتحكيم شرعه، ويتحمل في سبيل ذلك الأذى والجوع والنصب، ويقدم المال والأهل والولد، ومن جاد بنفسه هان عليه ما دون ذلك، ولذلك فإن الكرم والشجاعة صنوان.

قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: "وبالشجاعة والكرم في سبيل الله فضَّل الله السابقين فقال: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10]" [مجموع الفتاوى].

وعن جابر -رضي الله عنه- قال: (ما سُئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن شيء قط فقال: لا) [متفق عليه].

ولنا في سيرة صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند تجهيز جيش العسرة خير مثال، وقد قدَّم أبو بكر الصديق كل ماله، وجاء عمر بن الخطاب بنصف ماله، وجهَّز عثمان بن عفان ثلث الجيش، وتصدَّق عبد الرحمن بن عوف بمئتي أوقية من الفضة، وقدَّم عاصم بن عدي سبعين وسقاً من تمر، وتصدَّقت النساء بالمعاضد والخلاخل، وتصدَّق العباس بتسعين ألفاً.

وتروي لنا السير أن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- اشترى بئر رومية من اليهودي الذي كان يبيع الماء للمسلمين بسعر مرتفع، وجعلها للمسلمين دون مقابل، واشتهر عنه -رضي الله عنه- أنه كان عتَّاقاً للرقاب.

قال الإمام عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "ومقام الإنفاق من أشرف مقامات الدين وتفاوت الناس فيه بحسب ما جبلوا عليه من الكرم وضدهما من البخل والشح فالأول: محمود في الكتاب والسنة والثاني: مذموم فيهما، وقد حث الله -تعالى- عباده على الإنفاق لعظم نفعه وتعديه وكثرة ثوابه" [فتح المجيد].

وقال بعضهم للسخاء صور كثيرة غير مقتصرة على بذل المال فحسب، بل هي أعم وأشمل، منها سعي الإنسان في قضاء حوائج الناس وتنفيس كرباتهم، ومنها السخاوة بالجاه، بحيث يبذل المرء استطاعته في الشفاعات الحسنة، وبذل القدرة في إحقاق الحق، ونصرة المظلوم، وإعانة الضعيف، وسخاوة الإنسان بوقته في سبيل نفع الناس، كالتعليم والتدريب وغيره، والنصح والإرشاد، ومن صوره كذلك البشاشة في وجوه الناس، والتجاوز عمن أساء.

أخي المجاهد، أنفق وأبشر بالثواب، وأبشر فلا خوف ولا حزن، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 262].

أخي المجاهد، أنفق فقد تكفل لمن يعطي بأن يخلف له ويرزقه، كما في قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39].

فتأمل أخي هذه النصوص المباركة وتذكرها دائما واجعلها دافعا لك على السخاء في جميع حالاتك، تنل عطاءً لا حدود له من الله تعالى.


• المصدر
صحيفة النبأ - العدد 122
الخميس 20 جمادى الآخرة 1439 ه‍ـ
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
4 ربيع الأول 1447
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً