اريد ان اطير يلتسق برجلك كبيرة انك سندهاد واخرج من بحر

اريد ان اطير
يلتسق برجلك كبيرة انك سندهاد واخرج من بحر

سنستدرجهم من حيث لا يعلمون الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله ...

سنستدرجهم من حيث لا يعلمون


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فلما كانت سنن الله الكونية لا تتبدل ولا تتغير، وذلك مصداقا لقوله تعالى {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 62]، وكان من سنن الله الكونية المكر بالكافرين واستدراجهم وكان هذا الاستدراج من حيث لا يعلمون قال تعالى: { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ } [الأعراف: 182]، قال أحد السلف: الاستدراج: كلما أحدثوا ذنبا أعطاهم الله أ.هـ. فقد يفتح الله عليهم ويمدهم بالغنى والنعيم ويشهد لهذا قوله تعالى { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } [الأنعام: 44]، وكذا قوله تعالى { كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ } [الأنعام: 108] وقوله { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54) أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ } [المؤمنون: 54 - 56]، ذكر البغوي في شرح السنة أن ثابتًا البناني سئل عن الاستدراج فقال: مكر الله بالعباد المضيِّعين
نعم الاستدراج مكر الله بالكافرين، وإن كان في ظاهره على الكفار نعمة ولكن في باطنه العذاب والنقمة، وإن كان في ظاهر الأمر على المؤمنين الشدة والابتلاء، إلا أنه في باطنه الرحمة والسعادة والهناء، كيف لا، والله معهم ويكيد ويمكر لهم {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 19]، ولما كان هذا الظاهر، أغتر به كل كافر، وهم لا يشعرون أنه فتنة، فحسبوه كرامة ومنة.

فتقلبوا وبغوا ، قال تعالى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: 196، 197]، متاع قليل، نعم إنه قليل فلن يطول أبدًا، فإنما هي مرحلة وستنقضي، وسحابة صيف عن قريب تقشَّع.

وراهن أعداء الله في قديم الزمان وحديثه على استئصال الإسلام من جذوره، كما حاولوا عند بدء ظهوره والدعوة إليه، وذلك لما يرون من قلة أهله وضعفهم في بداية الأمر، وقد تشابهت كلمات أعداء الله، كما تشابهت قلوبهم؛ فكانت كلمات السخرية والاستهزاء، والتقليل من شأن الموحدين هي ديدن الكفار في ماضي الزمان وحاضره، ولئن تبجح الكفار في أيامنا وصاروا يعلنون انتصاراتهم المزعومة على الموحدين وذلك بسلب الأراضي، وأن هؤلاء لا عقول لهم، وغرهم دينهم؛ إذ كيف يستطيعون الحياة والعالم بأسره تخندق ضدهم؛ فلئن قالوا مثل هذه الأقاويل؛ قلنا لهم: شنشنة نعرفها من أخزم، لا تنطلي إلا على من كان عن نور الشريعة وصوت الحق أعمى وأصم.


• حال الأنبياء في الصراع مع الباطل:

وقد أخبرنا المولى سبحانه عن رهان الكفار الخاسر في استئصال الدين وحملته؛ وذلك بإخباره -سبحانه - عن حال أنبيائه ورسله في هذه المرحلة.

فقد أخبر الله عن قوم نوح أنهم سخروا منه وهدَّدوه بالرجم، وأنه ما تبعه إلا قليل من الضعفاء، فقال الله - حاكياً عنهم - {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} [الشعراء: 111]، وقالوا: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَانُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} [الشعراء: 116]، وكانوا كلما مرَّ على ملأٌ منهم سخروا منه، ومع تطاول الزمان الذي دعاهم فيه، وقلة أنصاره وأعوانه إلا أن الله أراه مصرع الكافرين أمام عينيه؛ فأغرق الله الكافرين، وأنجى نوحًا ومن معه وجعل ذريته هم الباقين، وقال قوم شعيب لشعيب: {قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } [هود: 91]، وقال قوم لوط للوط: {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ}، وكثيرة هي الآيات التي تحكي عن هذه المرحلة من خلال أخبار الأنبياء والصالحين مع أقوامهم، وفيها تسلية للمتَّبعين لهم، المقتفين آثارهم.

• ولنا في الماضي القريب عبرة:

وما أشبه الليلة بالبارحة فقد مكر الله بكفار زماننا كما مكر بأسلافهم من قبل؛ فبينما أمة الصليب، وأحفاد القرود يمكرون بأمة الإسلام، ويقسمون البلاد؛ حتى لا يبقى لهم كيان موحد، وبينما أمة الإسلام في سباتها وقد أحاطوها بكمٍ هائل من التحالفات والمُعاهدات التي تكرِّس الذل والتبعية لأمم الكفر، وفي خضم هذا كله مكر الله بهم؛ فقدر العليم القدير أن يقوم ثلة من المجاهدين بقتال الاتحاد السوفيتي؛ ففرحت امريكا وحركت أذنابها في المنطقة للقضاء عليه؛ لتصفو لها الزعامة ولم تدرِ أنه مكر الله بها ؛ فقام سوق الجهاد - على ما فيه من أخلاط - ثم جاءت غزوتا نيويورك وواشنطن؛ فاستشعرت حامية الصليب خطر الجهاد وأهله عليهم؛ فجاءت بحدها وحديدها نحو المسلمين تروم إطفاء نور الله، والقضاء على الجهاد وأهله، ولتعيد المسلمين إلى عهد السبات والذل، فمكر الله بها ومرَّغ أنفها في التراب، وتخطفت جيشها ضربات المجاهدين في كل مكان؛ فأدركت خطر الموقف، وجلل الخطب، وصعوبة المخرج، فأوكلت إلى عملائها في الخليج وراهنوا على إضعاف شوكة المجاهدين، وتشتيت شملهم، تمامًا كحال سلفهم فرعون إذ قال: {سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف: 127]، فتنوعت أساليب الطغاة في إضعاف المجاهدين فكان من أساليبهم:

1- استنفار عملائهم من علماء السوء وأحفاد بلعام بن باعورا، لصد شباب الإسلام عن الجهاد بحجة أن الوقت ليس مناسبًا، وبعدم شرعيته في هذا العصر، مرورًا بسيل الشبهات، وتأويل صريح الأحاديث والآيات، وانتهاءً بوصف المجاهدين بالمارقين عن دين الإسلام، وأنهم من أهل الإلحاد.

2- تشويه السمعة، وإظهار المجاهدين بصورة القتلة المجرمين، وكان لوسائل الإعلام بشتى أنواعها الحظ الأوفر في هذا المكر والكيد الذي يرومون به إطفاء نور الله، وكذبوا، وصدق الله إذ يقول {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32] .

3- إغلاق الحدود والمعابر وتضييق الخناق أمام كل محاولة للوصول إلى دار الإسلام وموطن الجهاد كسلفهم من كفار قريش حين منعوا المهاجرين من المدينة.

4- سدُّ قنوات الدعم المالي للمجاهدين ومحاولة إيقاف عملهم لانعدام المال.

ولما باءت هذه المحاولات -التي راهنوا من خلالها على إضعاف المجاهدين- بالفشل والخسران، عمدوا إلى آخر العلاج وهو الحرب الجوية على دولة الإسلام علانية، ومع هذا المكر الكُبَّار تولى الله حفظ المجاهدين، ويسر لهم كل عسير، فما تنزل بهم نازلة أو ضائقة إلا جاءهم الفرج من حيث لا يحتسبون.


• مكر الله بالكافرين:

وفي حال انشغال أهل الكفر بإضعاف شوكة المجاهدين، ونشوتهم بالقضاء عليه؛ إذ بأمر الله الذي لا يرد، وحكمه الذي لا معقب له، وبين عشية وضحاها؛ إذ بكتائب المجاهدين وسراياهم تجتث عروش الطواغيت، وتكسر الحدود، وبعملية أشبه بالخيال يسيطر المجاهدون على مناطق شاسعة، ويقيمون فيها حكم الله، ويرجعون سلطانه، ذلَّ فيها الكفر وأهله ، وبخطوة أعجب يعلنون قيام سلطان الله في أرضه وعودة الخلافة الإسلامية؛ فتبددت آمال الطغاة ، وشرقت حلوقهم ، وامتلئوا غيظًا وحنقًا ، فأعادوا الكرة من جديد ، تمامًا كما فعل فرعون من قبل، قال تعال: {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} ولكن هيهات فلا تزال من أمة الإسلام طائفة تجاهد في سبيل الله لا يضرها من عاداها ولا من خذلها.

فإنا وربي إن صمتنا برهةً
فالنار في البركان ذات كمون
أظننت أمتنا تموت بضربة
خابت ظنونك فهي شر ظنون
بليت سياطك والعزائم لم تزل
منّا كحدّ الصارم المسنون

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 138
الخميس 21 شوال 1439 ه‍ـ
...المزيد

سنستدرجهم من حيث لا يعلمون الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله ...

سنستدرجهم من حيث لا يعلمون


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فلما كانت سنن الله الكونية لا تتبدل ولا تتغير، وذلك مصداقا لقوله تعالى {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 62]، وكان من سنن الله الكونية المكر بالكافرين واستدراجهم وكان هذا الاستدراج من حيث لا يعلمون قال تعالى: { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ } [الأعراف: 182]، قال أحد السلف: الاستدراج: كلما أحدثوا ذنبا أعطاهم الله أ.هـ. فقد يفتح الله عليهم ويمدهم بالغنى والنعيم ويشهد لهذا قوله تعالى { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } [الأنعام: 44]، وكذا قوله تعالى { كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ } [الأنعام: 108] وقوله { فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54) أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ } [المؤمنون: 54 - 56]، ذكر البغوي في شرح السنة أن ثابتًا البناني سئل عن الاستدراج فقال: مكر الله بالعباد المضيِّعين
نعم الاستدراج مكر الله بالكافرين، وإن كان في ظاهره على الكفار نعمة ولكن في باطنه العذاب والنقمة، وإن كان في ظاهر الأمر على المؤمنين الشدة والابتلاء، إلا أنه في باطنه الرحمة والسعادة والهناء، كيف لا، والله معهم ويكيد ويمكر لهم {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 19]، ولما كان هذا الظاهر، أغتر به كل كافر، وهم لا يشعرون أنه فتنة، فحسبوه كرامة ومنة.

فتقلبوا وبغوا ، قال تعالى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: 196، 197]، متاع قليل، نعم إنه قليل فلن يطول أبدًا، فإنما هي مرحلة وستنقضي، وسحابة صيف عن قريب تقشَّع.

وراهن أعداء الله في قديم الزمان وحديثه على استئصال الإسلام من جذوره، كما حاولوا عند بدء ظهوره والدعوة إليه، وذلك لما يرون من قلة أهله وضعفهم في بداية الأمر، وقد تشابهت كلمات أعداء الله، كما تشابهت قلوبهم؛ فكانت كلمات السخرية والاستهزاء، والتقليل من شأن الموحدين هي ديدن الكفار في ماضي الزمان وحاضره، ولئن تبجح الكفار في أيامنا وصاروا يعلنون انتصاراتهم المزعومة على الموحدين وذلك بسلب الأراضي، وأن هؤلاء لا عقول لهم، وغرهم دينهم؛ إذ كيف يستطيعون الحياة والعالم بأسره تخندق ضدهم؛ فلئن قالوا مثل هذه الأقاويل؛ قلنا لهم: شنشنة نعرفها من أخزم، لا تنطلي إلا على من كان عن نور الشريعة وصوت الحق أعمى وأصم.


• حال الأنبياء في الصراع مع الباطل:

وقد أخبرنا المولى سبحانه عن رهان الكفار الخاسر في استئصال الدين وحملته؛ وذلك بإخباره -سبحانه - عن حال أنبيائه ورسله في هذه المرحلة.

فقد أخبر الله عن قوم نوح أنهم سخروا منه وهدَّدوه بالرجم، وأنه ما تبعه إلا قليل من الضعفاء، فقال الله - حاكياً عنهم - {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} [الشعراء: 111]، وقالوا: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَانُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} [الشعراء: 116]، وكانوا كلما مرَّ على ملأٌ منهم سخروا منه، ومع تطاول الزمان الذي دعاهم فيه، وقلة أنصاره وأعوانه إلا أن الله أراه مصرع الكافرين أمام عينيه؛ فأغرق الله الكافرين، وأنجى نوحًا ومن معه وجعل ذريته هم الباقين، وقال قوم شعيب لشعيب: {قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ } [هود: 91]، وقال قوم لوط للوط: {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ}، وكثيرة هي الآيات التي تحكي عن هذه المرحلة من خلال أخبار الأنبياء والصالحين مع أقوامهم، وفيها تسلية للمتَّبعين لهم، المقتفين آثارهم.

• ولنا في الماضي القريب عبرة:

وما أشبه الليلة بالبارحة فقد مكر الله بكفار زماننا كما مكر بأسلافهم من قبل؛ فبينما أمة الصليب، وأحفاد القرود يمكرون بأمة الإسلام، ويقسمون البلاد؛ حتى لا يبقى لهم كيان موحد، وبينما أمة الإسلام في سباتها وقد أحاطوها بكمٍ هائل من التحالفات والمُعاهدات التي تكرِّس الذل والتبعية لأمم الكفر، وفي خضم هذا كله مكر الله بهم؛ فقدر العليم القدير أن يقوم ثلة من المجاهدين بقتال الاتحاد السوفيتي؛ ففرحت امريكا وحركت أذنابها في المنطقة للقضاء عليه؛ لتصفو لها الزعامة ولم تدرِ أنه مكر الله بها ؛ فقام سوق الجهاد - على ما فيه من أخلاط - ثم جاءت غزوتا نيويورك وواشنطن؛ فاستشعرت حامية الصليب خطر الجهاد وأهله عليهم؛ فجاءت بحدها وحديدها نحو المسلمين تروم إطفاء نور الله، والقضاء على الجهاد وأهله، ولتعيد المسلمين إلى عهد السبات والذل، فمكر الله بها ومرَّغ أنفها في التراب، وتخطفت جيشها ضربات المجاهدين في كل مكان؛ فأدركت خطر الموقف، وجلل الخطب، وصعوبة المخرج، فأوكلت إلى عملائها في الخليج وراهنوا على إضعاف شوكة المجاهدين، وتشتيت شملهم، تمامًا كحال سلفهم فرعون إذ قال: {سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف: 127]، فتنوعت أساليب الطغاة في إضعاف المجاهدين فكان من أساليبهم:

1- استنفار عملائهم من علماء السوء وأحفاد بلعام بن باعورا، لصد شباب الإسلام عن الجهاد بحجة أن الوقت ليس مناسبًا، وبعدم شرعيته في هذا العصر، مرورًا بسيل الشبهات، وتأويل صريح الأحاديث والآيات، وانتهاءً بوصف المجاهدين بالمارقين عن دين الإسلام، وأنهم من أهل الإلحاد.

2- تشويه السمعة، وإظهار المجاهدين بصورة القتلة المجرمين، وكان لوسائل الإعلام بشتى أنواعها الحظ الأوفر في هذا المكر والكيد الذي يرومون به إطفاء نور الله، وكذبوا، وصدق الله إذ يقول {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32] .

3- إغلاق الحدود والمعابر وتضييق الخناق أمام كل محاولة للوصول إلى دار الإسلام وموطن الجهاد كسلفهم من كفار قريش حين منعوا المهاجرين من المدينة.

4- سدُّ قنوات الدعم المالي للمجاهدين ومحاولة إيقاف عملهم لانعدام المال.

ولما باءت هذه المحاولات -التي راهنوا من خلالها على إضعاف المجاهدين- بالفشل والخسران، عمدوا إلى آخر العلاج وهو الحرب الجوية على دولة الإسلام علانية، ومع هذا المكر الكُبَّار تولى الله حفظ المجاهدين، ويسر لهم كل عسير، فما تنزل بهم نازلة أو ضائقة إلا جاءهم الفرج من حيث لا يحتسبون.


• مكر الله بالكافرين:

وفي حال انشغال أهل الكفر بإضعاف شوكة المجاهدين، ونشوتهم بالقضاء عليه؛ إذ بأمر الله الذي لا يرد، وحكمه الذي لا معقب له، وبين عشية وضحاها؛ إذ بكتائب المجاهدين وسراياهم تجتث عروش الطواغيت، وتكسر الحدود، وبعملية أشبه بالخيال يسيطر المجاهدون على مناطق شاسعة، ويقيمون فيها حكم الله، ويرجعون سلطانه، ذلَّ فيها الكفر وأهله ، وبخطوة أعجب يعلنون قيام سلطان الله في أرضه وعودة الخلافة الإسلامية؛ فتبددت آمال الطغاة ، وشرقت حلوقهم ، وامتلئوا غيظًا وحنقًا ، فأعادوا الكرة من جديد ، تمامًا كما فعل فرعون من قبل، قال تعال: {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} ولكن هيهات فلا تزال من أمة الإسلام طائفة تجاهد في سبيل الله لا يضرها من عاداها ولا من خذلها.

فإنا وربي إن صمتنا برهةً
فالنار في البركان ذات كمون
أظننت أمتنا تموت بضربة
خابت ظنونك فهي شر ظنون
بليت سياطك والعزائم لم تزل
منّا كحدّ الصارم المسنون

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 138
الخميس 21 شوال 1439 ه‍ـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - قصة شهيد أبو عبد الله المناري نشأ في طاعة الله وطلب العلم ونشط في المنتديات ...

الدولة الإسلامية - قصة شهيد

أبو عبد الله المناري
نشأ في طاعة الله وطلب العلم ونشط في المنتديات الجهادية

بدأ أولى خطواته على درب الجهاد وهو ابن 16 ربيعا، نشأ على طاعة الله، وشبَّ على طلب العلم، وأمضى أغلب وقته ينهل من عيونه، لم يكتف بنقله إلى قلبه بل عاشه واقعا ملموسا، فعمل به وحرَّض غيره على العمل به.


أتقن العمل على الشبكة العنكبوتية، وساهم بفعالية عبر المنتديات الجهادية، وخلال فترة وجيزة تعلَّم المونتاج، وبدأ ينتج الاسطوانات الجهادية الدعوية، التي توضِّح كفر الطواغيت وتدعو لنصرة المجاهدين، وبدأ برفعها عبر المنتديات الجهادية، ونشط في إعادة رفع ما يقع تحت يديه مما يناصر به إخوانه ويدفع عنهم، وبذل كل طاقته في نصرة المجاهدين قبل نفيره، كما بذلها بعد نفيره تقبله الله.

أبو عبد الله المناري ولد في مدينة "بريدة" في الجزيرة العربية عام 1414 للهجرة، ونشأ وتربى في بيت صالح -نحسبه كذلك- كانت سمات الجِد والمثابرة واضحة في شخصيته منذ صغره، أحب طلب العلم وقصد حلقات التحفيظ في المساجد، غير أن تلك الحلقات لم تشبع نهمه للعلم، لقلة الجديّة فيها وندرة الدروس، فحاول الاستعاضة عنها بدروس العلماء وتسجيلاتهم الصوتية.

لم يقتصر حب أبي عبد الله للعلم على العلم الشرعي، بل تجاوزه إلى فنون الحاسوب والبرمجيات، فتعلم التصميم، ثم التصميم ثلاثي الأبعاد، والبرمجة، وقطع فيها شوطا طويلا، وكان السبب الأكبر لتنقله في عدة مجالات محاولته تعلُّم أي شيء ينفع إخوانه في درب الجهاد، فلما بلغ قرابة السادسة عشرة من عمره قرر مع بعض صحبه صناعة بعض الاسطوانات الدعوية ونسخها وتوزيعها على الناس، يدعون فيها لنصرة المجاهدين ويوضحون كفر الطواغيت، وعندما تم الأمر رأوا أن فيها خيرا كثيرا، فقرروا نشرها على شبكة الإنترنت، وتم ذلك على المنتديات الجهادية.

وفُتح لأبي عبد الله باب واسع لنصرة المجاهدين بدخوله في نصرة الجهاد على الانترنت، وصارت حياته كلها في هذا الباب، فجدَّ في عمله أيما جد، وكرس جلَّ وقته مع المناصرين، فكان يلتمس حاجة إخوانه، وما إن يرى ثغرا حتى يسعى لسده قدر إمكانه، وكان يحرص على العمل الخفي قدر المستطاع، فغالب عمله كان في الظل.


• شغفه بطلب العلم الشرعي:

وخلال هذه المسيرة كان يقع على بعض المسائل الشرعية فيبحث عمن يستفتيه فيها فلا يجد، فأيقن أن لا غنى له عن طلب العلم، وعاد إليه حب طلب العلم الشرعي مرة أخرى، فأكثر القراءة في جميع الفنون، وكان لا يسمع بدرس أو دورة شرعية إلا كان من أول من يحضرها، ومن شدة نهمه لطلب العلم، فقد كان يصحو وينام بين الكتب، مستعينا بحاسوبه على ما لا يجده مطبوعا منها، ففتح الله عليه، ثم اجتهد في حفظ القرآن الكريم.

ومرة -بعد نفيره- مرض مرضا شديدا، فكان يحاول أن يقرأ، فإن لم يستطع القراءة تحول إلى سماع الدروس الصوتية، فإذا أنهكه التعب يأخذ النوم منه مأخذه، وهو يستمع للدرس، لكنه ما إن يصحو حتى يمد يده لجهازه ليعيد الدرس من بدايته، أو لمتابعة قراءة كتاب كان قد توقف عنده.

ومن قصص شغفه بطلب العلم أنه كان يوما في نزهة مع بعض إخوانه، وأثناء تجاذب أطراف الحديث سأله أحد رفاقه أن ينصحه بكتب ليقرأها، فأخرج قلمه ليكتب له أسماء بعض الكتب، فلم يجد ورقة، فظل يبحث حتى أُحرج صاحبه من الأمر، فلما لم يجد ما يريد أخذ قطعة ورق مقوى وجدها على الأرض، وظل يكتب عليها قرابة نصف الساعة، فكتب قائمة طويلة بأسماء الكتب في كل المجالات، ووضع له تسلسلا من أين يبدأ، ولأي مرحلة ينتقل، كل هذا طمعا بأن يتجه صاحبه لطلب العلم.

وخلال وجوده في الجزيرة كان يتنقل بين المشايخ لطلب العلم، ولكن أتعبه أن أغلب من تصدَّر للتدريس إما من "المرجئة" أو "السرورية"، فكان يقصد من يرجو منه خيرا، فيرى منه ما يسوؤه، فتأخذه الغيرة على دين الله فيهجر مجلسه، وهكذا، وكان -تقبله الله- يمقت حال كثير من طلبة العلم في الجزيرة (السرورية وأشباههم)، وما آل إليه أمرهم من طلب العلم للعمل به، إلى طلب العلم دون عمل، وغاية ما يصل إليه هو أن يفتتح حلقة جديدة للتدريس أو يؤلف كتابا جديدا يرفع به اسمه، وكذلك حالهم مع تقديس مشايخهم مهما ارتكبوا من موبقات.

ولما بلغ قرابة الثامنة عشر من عمره جاءه أحد رفاقه وأبلغه أنه وجدا طريقا للنفير لليمن، فسأله إن كان يود النفير معه، ورغم أن الأمر جاء بشكل مفاجئ إلا أنه أجاب بلا تردد: "وما عذري أصلا في القعود حتى يكون في الأمر اختيار؟"، وقد كان موعد النفير بعد عدة أيام فقط، ولكن لأمر أراده الله لم يتيسر لهم الأمر، فأشعل هذا الموقف رغبته باللحاق بالمجاهدين، ولم يتيسر له ذلك حتى بدأ القتال في الشام.

• عمله على فكاك الأسرى:

بدأ القتال في الشام مع بداية الثورات في عدد من البلدان، فصاحب هذا نوع من الانفتاح في جزيرة العرب، لخوف الطواغيت من انقلاب الأمر عليهم، وبدأ خلالها العمل على فكاك الأسرى، فكان أبو عبد الله من أوائل من بدأ العمل، وكان ينبِّه كل من يعمل معه أن هذه خطوة أولى لإزالة الطواغيت، وقدَّر الله أن يؤسر عدة مرات، حيث أودع في السجن في إحدى المرات قرابة الشهرين، وكان في نفس الوقت يبحث بشكل جاد عن سبيل للعمل العسكري داخل الجزيرة.

وكان مما يميِّز مسيرة حياته الجدية والوضوح، فكان لا يدخل في عمل إلا بعد تحديد هدفه، ووضع الجدول الزمني لتنفيذه، واتسمت تلك الفترة بتسهيلات من قبل الطواغيت للتجمعات على غير المعتاد ليجعلوها مصيدة للموحِّدين، اقتداء بسياسة طواغيت الأردن، فكانت تلك التجمعات تحت أعين أجهزة الأمن المرتدة، فاستفادوا منها فائدة لا تقدر بثمن، ومن الضيق والغربة التي كان يعانيها أهل المنهج في الجزيرة وقعوا في الفخ سريعا، فلا تمر عدة أيام إلا وهناك اجتماع جديد، تأتي فيه وجوه جديدة، وكان الطواغيت يراقبون التجمعات بكثافة لدرجة أنهم زرعوا كاميرات تصوير عند كثير من تلك المواقع، فصوروا جميع من كان يحضرها دون استثناء، وهذا الجو سلبي مع وجود فائدة قليلة فيه إلا أن الضرر كان أكبر بكثير.


• النفير إلى الشام:

فتجنَّب أبو عبد الله هذه التجمعات لما رأى من انعدام للفائدة فيها، وقرر حينها النفير إلى الشام، ولكن لم يتمكن من ذلك بسبب أن عمره لا يسمح له باستخراج جواز سفر، فنفر أصحابه وبقي يبحث عن طريق للنفير، وأفرغ جهده في ذلك ولكن لم يكتب له إلا بعد قرابة العام، وكان ذلك قبيل ظهور صحوات الشام بـ 3 أشهر، ويسَّر الله له الهجرة إلى الشام حيث وصلها بعد انشقاق "الجولاني" وزمرته عن دولة الإسلام بفترة قريبة، وكان الجو مشحونا حينها، فقابل فور وصوله أحد أصحابه ممن كان يطلب معه العلم، فحاول صاحبه إقناعه مباشرة بتجنب مبايعة الدولة الإسلامية وقال له: "تعرف الشيخ الفلاني، كلمته بنفسي فحذرني من الدولة"، -وقد كان هذا ديدن بعض أهل الضلال والعياذ بالله، الطاعة العمياء لأحبارهم-، فقال له أبو عبد الله مباشرة: "لو كنت سأسمع كلام هذا الشيخ ما رأيتني هنا في الشام"!، فبهت صاحبه من جوابه، وكانت هذه الحادثة فراقاً بينهما، رغم العلاقة الوطيدة التي كانت تجمعهما.


• مرابطاً في حلب:

فتح الله على أبي عبد الله في هذه المرحلة، وبادر إلى مبايعة أمير المؤمنين تقبله الله، وبدأت غزوة الفتح في ولاية حلب، فذهب للمشاركة فيها، ثم بدأ غدر الصحوات بجنود الدولة الإسلامية، وهو مرابط في "خان العسل" في الريف الغربي لحلب، فلم يتردد في قتال الصحوات إلى جانب إخوانه وثبت معهم بفضل الله وهدايته.

وبعد انجلاء المحنة انتقل أبو عبد الله إلى مدينة "منبج"، فعمل في أحد الأعمال الإدارية، حتى بدأ الجهاد ضد ملاحدة الأكراد في ريف "عين الإسلام"، فشارك في عدة معارك وبقي في الرباط فترة طويلة، انتقل بعدها للعمل في الإعلام الداخلي في ولاية حلب، وكان اهتمامه بهذا المجال كبيرا جدًا فبذل جهدا مميزا فيه، يدير النقاط الإعلامية ويوزع المنشورات والمطويات والكتب، وقد بذل كل ما يستطيع، فكان إذا تأخر عليه المال من إخوانه دفع من ماله الخاص حتى لا يتوقف العمل.

تزوج -تقبله الله- خلال هذه الفترة ورزقه الله مولودة، وقد حرص على الزواج تنفيذا لوصية رسول الله للشباب، وكذا رغبته في ترتيب وقته لاستغلاله في طلب العلم، وانتقل بعدها إلى العمل في الدعوة، ثم عاد إلى الرباط حبا فيه ورغبة في التفرغ للقراءة والحفظ، فرابط في الريف الشمالي لحلب فترة طويلة، فكان يقوم على رباطه ثم يعود لغرفته منكبا على كتبه، وكان نادرا ما يجلس دون قراءة كتاب أو الاستماع لدرس، وقد كان يلوم إخوانه كثيرا على عدم استغلال أوقاتهم، ويفرح أشد الفرح إن أبْدا أحدهم اهتماما بالقراءة وطلب العلم، فيحرص على صحبته ويعلمه ويعطيه بعض الكتب والدروس، ويتابع معه حتى لا ينقطع عنها، وشارك خلال رباطه في تلك الفترة بعدد من المعارك أهمها اقتحام قرية "كفرة".

بعد عدة أشهر انتقل للعمل في مركز الحسبة، وعمل فيها على إعطاء الدورات والدروس، وكذلك إعداد البحوث الشرعية، وكانت غيرته على دين الله كبيرة، فلا يترك منكرا إلا أنكره مع كونه صاحب حياء شديد، وكان يجاهد نفسه في ذلك، ومع بدء الحملة الصليبية على منبج كان أبو عبد الله خارج منبج بعمل وقد أغلق الطريق قبل أن يعود، فكان الأمر شديدا عليه، حتى أنهك جسده من شدة الهم كونه خارج الحصار لا داخله.

• يكتب للنبأ:

بقي في عمله بمركز الحسبة في حلب، فعمل في مدينة الباب حتى انحياز المجاهدين منها، ومع عمله في الحسبة كان يبذل جهدا مشهودا في العمل مع إخوانه في الإعلام، فلا يمر أسبوع إلا وكتب لإخوانه بما يفتح الله له من فكرة أو نصيحة أو غير ذلك، وكان أحد كتاب صحيفة "النبأ" فكتب كثيرا من المقالات الشرعية والدعوية، ومع كل هذا فقد كان شديد الإخلاص -كما نحسبه-، فقد كان يكتب المقالات ولا يعلم أقرب الناس إليه عن عمله هذا، بل لم يكن يسأل أو يبحث أنُشر المقال أم لا، فيكتب المقال ويرسله ويقول: "إن رأيتم فيه خيرا فانشروه".

كان آخر عمله في مركز الحسبة في ولاية الخير، ثم انتقل بعدها إلى إحدى الكتائب العسكرية، وفي ليلة الأثنين 25/4/1439هـ كانت آخر ساعاته، صلى العشاء ثم التفت وقال لأحد إخوانه: "ذكرنا بالله "، فاستغرب منه الأخ، فلم يكن هذا من عادته وأصر عليه أن يتكلم هو، فأبى أبو عبد الله وقال: "في مرة قادمة بإذن الله"، فتحدث الأخ عن التقوى قليلا، وتناول العشاء مع إخوانه بعد الصلاة، ثم أبلغه أحد الإخوة أن هناك غزوة محتملة هذه الليلة، فارتدى جعبته وحمل سلاحه، فطلب أحد الإخوة منه أن يبقى، وقال: "نرسل أحدنا للتأكد إن كان هناك غزوة فعلا أم لا"، فأصر أبو عبد الله على الخروج، وقال: "إن لم تحصل الغزوة لعل الله يكتب لنا أجرها ثم نعود".

وبعد خروجه -تقبله الله- من بيته انتهى وقود السيارة التي كان يستقلها، فتوقف على جانب الطريق، فرصدتهم طائرة التحالف الصليبي، ثم استهدفتهم، فقتل أبو عبد الله وأحد رفاقه -تقبلهم الله-، نحسبهم أن قد نالوا أجر هذه الغزوة التي لم تحصل، قتل -تقبله الله- وكان من آخر كلامه نصحه لإخوانه بالثبات، ودعوته لهم بهجر مجالس المخذِّلين والمرجفين، وقال لهم: "لا تستغربوا من كثرة المتساقطين، إنما هي دائرة البلاء كانت واسعة وهرب إلى داخلها من في قلبه مرض، وقد ضاقت بأمر الله حتى لن تبقي فينا إلا من يثبِّته الله، فنسأل الله أن يستعملنا ولا يستبدلنا".

نسأل الله أن يكون ما تعلمه وقدمه سلما يرتقي به في درجات الجنة، وأن يلحقنا به ثابتين غير مبدِّلين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 135
الخميس 22 رمضان 1439 ه‍ـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - مقال: • أخي المجاهد كن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول روي أن لقمان قال ...

الدولة الإسلامية - مقال:

• أخي المجاهد كن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول

روي أن لقمان قال لابنه: "يا بني، إن غُلبت على الكلام، فلا تغلب على الصمت، فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، إني ندمت على الكلام مرارًا، ولم أندم على الصمت مرة واحدة".

وقال ابن بريدة: رأيت ابن عباس آخذًا بلسانه، وهو يقول: "ويحك، قل خيرًا تغنم، أو اسكت عن سوء تسلم، وإلا فاعلم أنَّك ستندم". قال: فقيل له: يا ابن عباس، لم تقول هذا؟ قال: "إنه بلغني أنَّ الإنسان ليس على شيء من جسده أشدُّ حنقًا أو غيظًا يوم القيامة منه على لسانه إلا ما قال به خيرًا، أو أملى به خيرًا" [رواه أحمد].

وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من يضمن لي ما بين لَحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة) [رواه البخاري].

قال ابن عبد البر: "في هذا الحديث دليل على أن أكبر الكبائر إنما هي من الفم والفرج، وقال ابن بطال في فتح الباري: "دلَّ الحديث على أن أعظم البلاء على المرء في الدنيا لسانه وفرجه، فمن وُقي شرهما وقي أعظم الشر".

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم طويل الصمت، كثير الذكر، قليل الضحك، فعن سماك بن حرب، قال: "قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، كان طويل الصمت، قليل الضحك، وكان أصحابه ربما تناشدوا عنده الشعر والشيء من أمورهم، فيضحكون، وربما يتبسم" [رواه أحمد].

وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) [رواه البخاري ومسلم].

أخي المجاهد إن الصمت عمَّا لا يرضي الله منجاة من النار، ومرضاة لله، واتقاء من غضبه، به السلامة من الندم، والنجاة من الزلل، وهو وقار للرجال، لا حِكمَة إلا بالتزامه، والمعين على اجتياز الصراط يوم الدين، وهو ليس انعزالا عن الناس بقدر ما هو انعزال عن الاحتياج للاعتذار للناس ونجاة من الزلل والغيبة والنميمة ونجاة من القول على الله بغير علم.

فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صمت نجا) [رواه الترمذي].

وروي أن أعرابيا كان يجالس الشعبي ويطيل الصمت، فقال له الشعبي يومًا: ألا تتكلم؟، فقال: "أَسكت فأَسلَم وأَسمع فأَعلَم؛ إنَّ حظَّ المرء في أذنه له، وفي لسانه لغيره".

وقد قال بعض الصالحين: "الزم الصمت يكسبك صفو المحبة، ويأمِّنك من سوء المغبة، ويلبسك ثوب الوقار، ويكفك مؤنة الاعتذار".

والشرع قد حثَّ على الصمت ورغَّب فيه؛ لأنه يحفظ الإنسان من الوقوع في آفات اللسان ومنكرات الأقوال، ويسلم به من الاعتذار.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 138
الخميس 21 شوال 1439 ه‍ـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - مقال: • أخي المجاهد كن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول روي أن لقمان قال ...

الدولة الإسلامية - مقال:

• أخي المجاهد كن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول

روي أن لقمان قال لابنه: "يا بني، إن غُلبت على الكلام، فلا تغلب على الصمت، فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، إني ندمت على الكلام مرارًا، ولم أندم على الصمت مرة واحدة".

وقال ابن بريدة: رأيت ابن عباس آخذًا بلسانه، وهو يقول: "ويحك، قل خيرًا تغنم، أو اسكت عن سوء تسلم، وإلا فاعلم أنَّك ستندم". قال: فقيل له: يا ابن عباس، لم تقول هذا؟ قال: "إنه بلغني أنَّ الإنسان ليس على شيء من جسده أشدُّ حنقًا أو غيظًا يوم القيامة منه على لسانه إلا ما قال به خيرًا، أو أملى به خيرًا" [رواه أحمد].

وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من يضمن لي ما بين لَحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة) [رواه البخاري].

قال ابن عبد البر: "في هذا الحديث دليل على أن أكبر الكبائر إنما هي من الفم والفرج، وقال ابن بطال في فتح الباري: "دلَّ الحديث على أن أعظم البلاء على المرء في الدنيا لسانه وفرجه، فمن وُقي شرهما وقي أعظم الشر".

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم طويل الصمت، كثير الذكر، قليل الضحك، فعن سماك بن حرب، قال: "قلت لجابر بن سمرة: أكنت تجالس النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، كان طويل الصمت، قليل الضحك، وكان أصحابه ربما تناشدوا عنده الشعر والشيء من أمورهم، فيضحكون، وربما يتبسم" [رواه أحمد].

وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) [رواه البخاري ومسلم].

أخي المجاهد إن الصمت عمَّا لا يرضي الله منجاة من النار، ومرضاة لله، واتقاء من غضبه، به السلامة من الندم، والنجاة من الزلل، وهو وقار للرجال، لا حِكمَة إلا بالتزامه، والمعين على اجتياز الصراط يوم الدين، وهو ليس انعزالا عن الناس بقدر ما هو انعزال عن الاحتياج للاعتذار للناس ونجاة من الزلل والغيبة والنميمة ونجاة من القول على الله بغير علم.

فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صمت نجا) [رواه الترمذي].

وروي أن أعرابيا كان يجالس الشعبي ويطيل الصمت، فقال له الشعبي يومًا: ألا تتكلم؟، فقال: "أَسكت فأَسلَم وأَسمع فأَعلَم؛ إنَّ حظَّ المرء في أذنه له، وفي لسانه لغيره".

وقد قال بعض الصالحين: "الزم الصمت يكسبك صفو المحبة، ويأمِّنك من سوء المغبة، ويلبسك ثوب الوقار، ويكفك مؤنة الاعتذار".

والشرع قد حثَّ على الصمت ورغَّب فيه؛ لأنه يحفظ الإنسان من الوقوع في آفات اللسان ومنكرات الأقوال، ويسلم به من الاعتذار.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 138
الخميس 21 شوال 1439 ه‍ـ
...المزيد

مقال: فضل العِلم وأهله (1) قال ابن قيم الجوزية: في كتاب (مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم ...

مقال: فضل العِلم وأهله (1)


قال ابن قيم الجوزية: في كتاب (مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة) وهو يذكر وجوه فضل العلم وأهله:


• الوجه التاسع والاربعون:

ما روى الترمذي من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، وعالم ومتعلم)، قال الترمذي هذا حديث حسن.

ولما كانت الدنيا حقيرة عند الله لاتساوي لديه جناح بعوضة كانت -وما فيها- في غاية البُعد منه، وهذا هو حقيقة اللعنة، وهو سبحانه إنما خلقها مزرعة للآخرة ومعبراً إليها يتزوَّد منها عبادُه إليه، فلم يكن يُقرِّب منها إلا ما كان متضمِّنا لإقامة ذكره ومفضيا إلى محابِّه، وهوالعلم الذي به يُعرف الله ويُعبد،ويُذكر ويثنى عليه ويمجَّد.

ولهذا خلقها وخلق أهلها، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } [الطلاق: 12]، فتضمنت هاتان الآيتان أنه سبحانه إنما خلق السموات والأرض وما بينهما، ليعرف بأسمائه وصفاته، وليعبد.

فهذا المطلوب وما كان طريقا إليه من العلم والتعليم فهو المستثنى من اللعنة، واللعنة واقعة على ما عداه، إذ هو بعيد عن الله وعن محابِّه وعن دينه، وهذا هو متعلَّق العذاب في الآخرة...


• الوجه الخمسون:

ما رواه الترمذي من حديث أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع) قال الترمذي: “هذا حديث حسن غريب، رواه بعضهم فلم يرفعه”، وإنما جُعل طب العلم من سبيل الله لأن به قوام الإسلام كما أن قوامه بالجهاد، فقِوام الدين بالعلم والجهاد.

ولهذا كان الجهاد نوعين:
جهاد باليد والسنان وهذا المشارك فيه كثير.
وجهاد بالحجة والبيان وهذا جهاد الخاصة من أتباع الرسل...
قال تعالى في سورة الفرقان وهي مكية: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا } [الفرقان: 51، 52]، فهذا جهاد لهم بالقرآن، وهو أكبر الجهادين، وهو جهاد المنافقين أيضا، فإن المنافقين لم يكونوا يُقاتلون المسلمين بل كانوا معهم في الظاهر، وربما كانوا يقاتلون عدوهم معهم، ومع هذا فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ } [التوبة: 73]. ومعلوم أن جهاد المنافقين بالحجة والقرآن.

والمقصود أن سبيل الله هي الجهاد وطلب العلم ودعوة الخلق به إلى الله، ولهذا قال معاذ -رضي الله عنه-: "عليكم بطلب العلم فإن تعلمه لله خشية، ومدارسته عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد".

ولهذا يقرن سبحانه بين الكتاب المنزَّل والحديد الناصر، كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25]، فذكر الكتاب والحديد إذ بهما قِوام الدين.

ولما كان كل من الجهاد بالسيف والحجة يسمى سبيل الله فسر الصحابة -رضي الله عنهم- قوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] بالأمراء والعلماء [انظر: تفسير الطبري]، فإنهم المجاهدون في سبيل الله، هؤلاء بأيديهم وهؤلاء بألسنتهم....


• الوجه الحادي والخمسون:

ما رواه الترمذي حدثنا محمود بن غيلان: حدثنا أبو أسامة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهَّل الله له طريقا إلى الجنة)، قال الترمذي هذا حديث حسن..

وقد تظاهر الشرع والقدر على أن الجزاء من جنس العمل، فكما سلكَ طريقاً يطلب فيه حياةَ قلبه ونجاتَه من الهلاك سلك الله به طريقا يحصِّل له ذلك...

• الوجه الثاني والخمسون:

أن النبي دعا لمن سمع كلامه ووعاه وبلَّغه بالنَّضرة، وهي البهجة ونضارة الوجه وتحسينُه، ففي الترمذي وغيره من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نضَّر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلَّغها، فرُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاثٌ لا يَغِلُّ عليهن قلبُ مسلم، إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإنَّ دعوتهم تُحيط مِن ورائهم)، وروى هذا الأصلَ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنُ مسعود ومعاذُ بن جبل وأبو الدرداء وجبير بن مطعم، وأنس بن مالك، وزيد بن ثابت، والنعمان بن بشير.

ولو لم يكن في فضل العلم إلا هذا وحده لكفى به شرفا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لمن سمع كلامه، ووعاه، وحفظه، وبلَّغه. وهذه هي مراتب العلم....

فمن قام بهذه المراتب الأربع دخل تحت هذه الدعوة النبوية المتضمِّنة لجمال الظاهر والباطن، فإن النَّضرة هي البهجة والحسن الذي يُكساه الوجهُ من آثار الإيمان، وابتهاج الباطن به وفرح القلب وسروره والتذاذه به، فتظهر هذه البهجة والسرور والفرحة نضارةً على الوجه.

ولهذا يجمع سبحانه بين البهجة والسرور والنضرة، كما في قوله تعالى: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} [الإنسان: 11]، فالنضرة في وجوههم والسرور في قلوبهم.

فالنعيم وطيب القلب يُظهر نضارةً في الوجه، كما قال تعالى: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين: 24]...

وقوله صلى الله عليه وسلم: ثلاث لا يَغِل عليهن قلب مسلم.. إلى آخره، أي لايحملُ الغلَّ ولا يبقى فيه مع هذه الثلاثة، فإنها تنفي الغِلَّ والغِشَّ، وهو فساد القلب وسخائمه.

فالمخلص لله إخلاصه يمنع غِلَّ قلبه، ويخرجه ويزيله جملة، لأنه قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربه، فلم يبق فيه موضع للغل والغش...
وقوله: (ومناصحة أئمة المسلمين) هذا أيضا مناف للغل والغش، فإن النصيحة لا تُجامع الغل، إذ هي ضدَّہ فمن نصح الأئمة والأمة فقد برئ من الغل.

وقوله: (ولزوم جماعتهم) هذا أيضا مما يطهِّر القلب من الغل والغش، فإن صاحبه لِلزومه جماعة المسلمين يحبُّ لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكرهُ لها، ويسوؤه ما يسؤوهم ،ويسرُّہ ما يسرهم.
وهذا بخلاف من انحاز عنهم واشتغل بالطعن عليهم والعيب والذم لهم، كفعل الرافضة والخوارج والمعتزلة وغيرهم، فإن قلوبهم ممتلئة غلا وغشا، ولهذا تجد الرافضة أبعد الناس من الإخلاص، وأغشِّهم للائمة والأمة وأشدهم بعدا عن جماعة المسلمين..

وقوله: (فإن دعوتهم تحيط من ورائهم) هذا من أحسن الكلام وأوجزه وأفخمه معنى، شبَّه دعوة المسلمين بالسور والسياج المحيط بهم، المانع من دخول عدوهم عليهم، فتلك الدعوة -التي هي دعوة الإسلام وهم داخلوها- لما كانت سورا وسياجا عليهم، أخبر أن من لزم جماعة المسلمين أحاطت به تلك الدعوة -التي هي دعوة الإسلام- كما أحاطت بهم، فالدعوة تجمع شمل الأمة وتلم شعثها وتحيط بها، فمن دخل في جماعتها أحاطت به وشملته. انتهى كلامه -رحمه الله- باختصار.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 137
الخميس 14 شوال 1439 ه‍ـ
...المزيد

مقال: فضل العِلم وأهله (1) قال ابن قيم الجوزية: في كتاب (مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم ...

مقال: فضل العِلم وأهله (1)


قال ابن قيم الجوزية: في كتاب (مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة) وهو يذكر وجوه فضل العلم وأهله:


• الوجه التاسع والاربعون:

ما روى الترمذي من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، وعالم ومتعلم)، قال الترمذي هذا حديث حسن.

ولما كانت الدنيا حقيرة عند الله لاتساوي لديه جناح بعوضة كانت -وما فيها- في غاية البُعد منه، وهذا هو حقيقة اللعنة، وهو سبحانه إنما خلقها مزرعة للآخرة ومعبراً إليها يتزوَّد منها عبادُه إليه، فلم يكن يُقرِّب منها إلا ما كان متضمِّنا لإقامة ذكره ومفضيا إلى محابِّه، وهوالعلم الذي به يُعرف الله ويُعبد،ويُذكر ويثنى عليه ويمجَّد.

ولهذا خلقها وخلق أهلها، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } [الطلاق: 12]، فتضمنت هاتان الآيتان أنه سبحانه إنما خلق السموات والأرض وما بينهما، ليعرف بأسمائه وصفاته، وليعبد.

فهذا المطلوب وما كان طريقا إليه من العلم والتعليم فهو المستثنى من اللعنة، واللعنة واقعة على ما عداه، إذ هو بعيد عن الله وعن محابِّه وعن دينه، وهذا هو متعلَّق العذاب في الآخرة...


• الوجه الخمسون:

ما رواه الترمذي من حديث أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع) قال الترمذي: “هذا حديث حسن غريب، رواه بعضهم فلم يرفعه”، وإنما جُعل طب العلم من سبيل الله لأن به قوام الإسلام كما أن قوامه بالجهاد، فقِوام الدين بالعلم والجهاد.

ولهذا كان الجهاد نوعين:
جهاد باليد والسنان وهذا المشارك فيه كثير.
وجهاد بالحجة والبيان وهذا جهاد الخاصة من أتباع الرسل...
قال تعالى في سورة الفرقان وهي مكية: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا } [الفرقان: 51، 52]، فهذا جهاد لهم بالقرآن، وهو أكبر الجهادين، وهو جهاد المنافقين أيضا، فإن المنافقين لم يكونوا يُقاتلون المسلمين بل كانوا معهم في الظاهر، وربما كانوا يقاتلون عدوهم معهم، ومع هذا فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ } [التوبة: 73]. ومعلوم أن جهاد المنافقين بالحجة والقرآن.

والمقصود أن سبيل الله هي الجهاد وطلب العلم ودعوة الخلق به إلى الله، ولهذا قال معاذ -رضي الله عنه-: "عليكم بطلب العلم فإن تعلمه لله خشية، ومدارسته عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد".

ولهذا يقرن سبحانه بين الكتاب المنزَّل والحديد الناصر، كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25]، فذكر الكتاب والحديد إذ بهما قِوام الدين.

ولما كان كل من الجهاد بالسيف والحجة يسمى سبيل الله فسر الصحابة -رضي الله عنهم- قوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] بالأمراء والعلماء [انظر: تفسير الطبري]، فإنهم المجاهدون في سبيل الله، هؤلاء بأيديهم وهؤلاء بألسنتهم....


• الوجه الحادي والخمسون:

ما رواه الترمذي حدثنا محمود بن غيلان: حدثنا أبو أسامة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهَّل الله له طريقا إلى الجنة)، قال الترمذي هذا حديث حسن..

وقد تظاهر الشرع والقدر على أن الجزاء من جنس العمل، فكما سلكَ طريقاً يطلب فيه حياةَ قلبه ونجاتَه من الهلاك سلك الله به طريقا يحصِّل له ذلك...

• الوجه الثاني والخمسون:

أن النبي دعا لمن سمع كلامه ووعاه وبلَّغه بالنَّضرة، وهي البهجة ونضارة الوجه وتحسينُه، ففي الترمذي وغيره من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نضَّر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلَّغها، فرُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاثٌ لا يَغِلُّ عليهن قلبُ مسلم، إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإنَّ دعوتهم تُحيط مِن ورائهم)، وروى هذا الأصلَ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنُ مسعود ومعاذُ بن جبل وأبو الدرداء وجبير بن مطعم، وأنس بن مالك، وزيد بن ثابت، والنعمان بن بشير.

ولو لم يكن في فضل العلم إلا هذا وحده لكفى به شرفا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لمن سمع كلامه، ووعاه، وحفظه، وبلَّغه. وهذه هي مراتب العلم....

فمن قام بهذه المراتب الأربع دخل تحت هذه الدعوة النبوية المتضمِّنة لجمال الظاهر والباطن، فإن النَّضرة هي البهجة والحسن الذي يُكساه الوجهُ من آثار الإيمان، وابتهاج الباطن به وفرح القلب وسروره والتذاذه به، فتظهر هذه البهجة والسرور والفرحة نضارةً على الوجه.

ولهذا يجمع سبحانه بين البهجة والسرور والنضرة، كما في قوله تعالى: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} [الإنسان: 11]، فالنضرة في وجوههم والسرور في قلوبهم.

فالنعيم وطيب القلب يُظهر نضارةً في الوجه، كما قال تعالى: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين: 24]...

وقوله صلى الله عليه وسلم: ثلاث لا يَغِل عليهن قلب مسلم.. إلى آخره، أي لايحملُ الغلَّ ولا يبقى فيه مع هذه الثلاثة، فإنها تنفي الغِلَّ والغِشَّ، وهو فساد القلب وسخائمه.

فالمخلص لله إخلاصه يمنع غِلَّ قلبه، ويخرجه ويزيله جملة، لأنه قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربه، فلم يبق فيه موضع للغل والغش...
وقوله: (ومناصحة أئمة المسلمين) هذا أيضا مناف للغل والغش، فإن النصيحة لا تُجامع الغل، إذ هي ضدَّہ فمن نصح الأئمة والأمة فقد برئ من الغل.

وقوله: (ولزوم جماعتهم) هذا أيضا مما يطهِّر القلب من الغل والغش، فإن صاحبه لِلزومه جماعة المسلمين يحبُّ لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكرهُ لها، ويسوؤه ما يسؤوهم ،ويسرُّہ ما يسرهم.
وهذا بخلاف من انحاز عنهم واشتغل بالطعن عليهم والعيب والذم لهم، كفعل الرافضة والخوارج والمعتزلة وغيرهم، فإن قلوبهم ممتلئة غلا وغشا، ولهذا تجد الرافضة أبعد الناس من الإخلاص، وأغشِّهم للائمة والأمة وأشدهم بعدا عن جماعة المسلمين..

وقوله: (فإن دعوتهم تحيط من ورائهم) هذا من أحسن الكلام وأوجزه وأفخمه معنى، شبَّه دعوة المسلمين بالسور والسياج المحيط بهم، المانع من دخول عدوهم عليهم، فتلك الدعوة -التي هي دعوة الإسلام وهم داخلوها- لما كانت سورا وسياجا عليهم، أخبر أن من لزم جماعة المسلمين أحاطت به تلك الدعوة -التي هي دعوة الإسلام- كما أحاطت بهم، فالدعوة تجمع شمل الأمة وتلم شعثها وتحيط بها، فمن دخل في جماعتها أحاطت به وشملته. انتهى كلامه -رحمه الله- باختصار.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 137
الخميس 14 شوال 1439 ه‍ـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - مقال: • ولكنكم تستعجلون حينما كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام ...

الدولة الإسلامية - مقال:

• ولكنكم تستعجلون

حينما كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام يحفرون الخندق حول المدينة تحصيناً لها وتجهيزاً لدفع عادية المعتدين، موقنين بوعد الله لعباده أن العاقبة للصابرين الصادقين ممن لم يبدلوا تبديلا، سعى من كان يبطن كيده ومكره لزعزعة صفوفهم ونفوسهم ببث الأراجيف والإشاعات تشكيكاً بالوعد الرباني واستهزاءا بالبشارات النبوية التي كان يبشِّر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه تسلية لهم وتصبيراً على ما سيلاقونه، فكانت هذه البشارات بالفتح ونيل أعناق الكافرين وسلطانهم سبيلاً لرفع الهمم وتقوية للعزائم، فلم يرق ذلك للمنافقين، فأظهروا ما أخفوه فقال أحدهم: "يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط " وشابههم في ذلك من سار على نهجهم للكيد بهذا الدين العظيم، ومن أخذ على عاتقه نصرته والذود عنه، فقالوا { إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ } [آل عمران: 173]، فما كان من حماة الشريعة إلا أن قالوا { حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }، ومضوا مع رسول الله مقارعين تحالفات الكفر، لم يضرهم من خالفهم ومن خذلهم، وأشهروا سيوفهم ورماحهم في وجوه الأحزاب، قائلين {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22]، فسارت تلك الثلة الصابرة المحتسبة الموقنة بموعود الله عز وجل، فلم تُفتِر عزائمهم أراجيف المرجفين ولا خذلان المنهزمين ولا تهديد الكافرين {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}.

وتكررت مثل هذه المشاهد مع أهل الإسلام في أزمنة عديدة، وفي زماننا هذا مضى المجاهدون بالكتاب الهادي والسيف الناصر قتلاً وتشريداً بملل الكفر والردة، حتى تمكنوا في بلاد الرافدين -بفضل من الله وحده- من إقامة دولة للإسلام تقيم حكم الله وتطبق شرعه وسط حرب شديدة من المنافقين وأهل الضلال، فاتهموا بالاستعجال وقلة الفهم وانعدام الحكمة، وأجابهم الشيخ المجاهد أمير الدولة الأول الشيخ أبو عمر البغدادي -تقبله الله- فقال: "أمة الإسلام إننا حينما أعلنا دولة الإسلام وأنها دولة هجرة وجهاد، لم نكن نكذب على الله ثم على الناس، ولم نكن نتحدث عن أضغاث أحلام، لكنا بفضل الله تعالى الأقدر على فهم سنة الله في هذا الجهاد، هذا الفهم منشأه دماء المجاهدين من مهاجرين وأنصار بعد معاينة أخلاقهم ومنهجهم، إنَّا حينما أعلنا دولة الإسلام لم نكن فحسب نحاول قطف الثمرة بعد نضوجها بل إن الثمرة سقطت سقوطاً حراً فالتقطناها قبل وقوعها في الوحل وصارت في أيدينا أمينة نظيفة" أهــ.

وقد تعاقب حملة الراية وحفظوا الدولة وصانوها فسقوا شجرتها بدمائهم وأشلائهم وتضحياتهم فتحققت الغاية من القتال وظهر وعد الله نافذا، فعلت كلمة الله وأُعلن التوحيد ونكِّست رايات الشرك والتنديد ونُسفت معالمه وقطعت أعناق حماته والداعين له، وضربت الجزية، وجبيت الزكاة، وأُمر بالمعروف ونهي عن المنكر، فعلت الشجرة ووصل ظلها أرجاء المعمورة، بعد أن تغربل حماتها وتمايزت صفوفهم، فصارت شعائر ملة إبراهيم تضرب بمعولها معالم الجاهلية في جبال خراسان وغابات شرق آسيا وغرب أفريقيا وصحراء سيناء وأودية اليمن، وعم الصراع العالم بين الإيمان والكفر، والتوحيد والشرك، والفضيلة والرذيلة، والطاعة والمعصية، وهدى الله على أيدي المجاهدين الآلاف، والتحق كثير منهم بصفوفهم، واصطفى الله من عباده شهداء، فختم لهم بخير ختام بعد أن كان بعضهم يتقلَّب في أوحال الجاهلية، ونشأ جيل في هذا الجهاد يوشك بإذن الله أن يفتح الأرض ويحقق موعود الله.

وإن طريق الحق لا يدركه إلا من هداه الله، وهو في أعين المنافقين وأهل الضلال دربٌ مستحيل وطريق للهلاك، فمن كان يتصور أن تلك الخطوة المباركة الأولى التي أعلنها الشيخ أبو مصعب الزرقاوي -تقبله الله- وإخوانه من بغداد ببضعة عشر مجاهدا سيصل خيرها لما وصل إليه، وهذا الطريق هو السبيل الوحيد الذي أثبت نجاحه لأن نوره استقي من مشكاة النبوة.

فقد شكى خباب رضي الله عنه إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقال: (شكونا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا ؟، قال -صلى الله عليه وسلم-: كان الرجل فيمن قبلكم، يُحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشَّط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليَتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون).


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 137
الخميس 14 شوال 1439 ه‍ـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - مقال: • ولكنكم تستعجلون حينما كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام ...

الدولة الإسلامية - مقال:

• ولكنكم تستعجلون

حينما كان النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام يحفرون الخندق حول المدينة تحصيناً لها وتجهيزاً لدفع عادية المعتدين، موقنين بوعد الله لعباده أن العاقبة للصابرين الصادقين ممن لم يبدلوا تبديلا، سعى من كان يبطن كيده ومكره لزعزعة صفوفهم ونفوسهم ببث الأراجيف والإشاعات تشكيكاً بالوعد الرباني واستهزاءا بالبشارات النبوية التي كان يبشِّر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه تسلية لهم وتصبيراً على ما سيلاقونه، فكانت هذه البشارات بالفتح ونيل أعناق الكافرين وسلطانهم سبيلاً لرفع الهمم وتقوية للعزائم، فلم يرق ذلك للمنافقين، فأظهروا ما أخفوه فقال أحدهم: "يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط " وشابههم في ذلك من سار على نهجهم للكيد بهذا الدين العظيم، ومن أخذ على عاتقه نصرته والذود عنه، فقالوا { إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ } [آل عمران: 173]، فما كان من حماة الشريعة إلا أن قالوا { حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }، ومضوا مع رسول الله مقارعين تحالفات الكفر، لم يضرهم من خالفهم ومن خذلهم، وأشهروا سيوفهم ورماحهم في وجوه الأحزاب، قائلين {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22]، فسارت تلك الثلة الصابرة المحتسبة الموقنة بموعود الله عز وجل، فلم تُفتِر عزائمهم أراجيف المرجفين ولا خذلان المنهزمين ولا تهديد الكافرين {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}.

وتكررت مثل هذه المشاهد مع أهل الإسلام في أزمنة عديدة، وفي زماننا هذا مضى المجاهدون بالكتاب الهادي والسيف الناصر قتلاً وتشريداً بملل الكفر والردة، حتى تمكنوا في بلاد الرافدين -بفضل من الله وحده- من إقامة دولة للإسلام تقيم حكم الله وتطبق شرعه وسط حرب شديدة من المنافقين وأهل الضلال، فاتهموا بالاستعجال وقلة الفهم وانعدام الحكمة، وأجابهم الشيخ المجاهد أمير الدولة الأول الشيخ أبو عمر البغدادي -تقبله الله- فقال: "أمة الإسلام إننا حينما أعلنا دولة الإسلام وأنها دولة هجرة وجهاد، لم نكن نكذب على الله ثم على الناس، ولم نكن نتحدث عن أضغاث أحلام، لكنا بفضل الله تعالى الأقدر على فهم سنة الله في هذا الجهاد، هذا الفهم منشأه دماء المجاهدين من مهاجرين وأنصار بعد معاينة أخلاقهم ومنهجهم، إنَّا حينما أعلنا دولة الإسلام لم نكن فحسب نحاول قطف الثمرة بعد نضوجها بل إن الثمرة سقطت سقوطاً حراً فالتقطناها قبل وقوعها في الوحل وصارت في أيدينا أمينة نظيفة" أهــ.

وقد تعاقب حملة الراية وحفظوا الدولة وصانوها فسقوا شجرتها بدمائهم وأشلائهم وتضحياتهم فتحققت الغاية من القتال وظهر وعد الله نافذا، فعلت كلمة الله وأُعلن التوحيد ونكِّست رايات الشرك والتنديد ونُسفت معالمه وقطعت أعناق حماته والداعين له، وضربت الجزية، وجبيت الزكاة، وأُمر بالمعروف ونهي عن المنكر، فعلت الشجرة ووصل ظلها أرجاء المعمورة، بعد أن تغربل حماتها وتمايزت صفوفهم، فصارت شعائر ملة إبراهيم تضرب بمعولها معالم الجاهلية في جبال خراسان وغابات شرق آسيا وغرب أفريقيا وصحراء سيناء وأودية اليمن، وعم الصراع العالم بين الإيمان والكفر، والتوحيد والشرك، والفضيلة والرذيلة، والطاعة والمعصية، وهدى الله على أيدي المجاهدين الآلاف، والتحق كثير منهم بصفوفهم، واصطفى الله من عباده شهداء، فختم لهم بخير ختام بعد أن كان بعضهم يتقلَّب في أوحال الجاهلية، ونشأ جيل في هذا الجهاد يوشك بإذن الله أن يفتح الأرض ويحقق موعود الله.

وإن طريق الحق لا يدركه إلا من هداه الله، وهو في أعين المنافقين وأهل الضلال دربٌ مستحيل وطريق للهلاك، فمن كان يتصور أن تلك الخطوة المباركة الأولى التي أعلنها الشيخ أبو مصعب الزرقاوي -تقبله الله- وإخوانه من بغداد ببضعة عشر مجاهدا سيصل خيرها لما وصل إليه، وهذا الطريق هو السبيل الوحيد الذي أثبت نجاحه لأن نوره استقي من مشكاة النبوة.

فقد شكى خباب رضي الله عنه إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقال: (شكونا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا ؟، قال -صلى الله عليه وسلم-: كان الرجل فيمن قبلكم، يُحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشَّط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليَتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون).


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 137
الخميس 14 شوال 1439 ه‍ـ
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
2 ربيع الآخر 1447
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً