ثم سبع شداد وقيل تكفل بطعامهم وسياستهم والله اعلم بدولة1

ثم سبع شداد وقيل تكفل بطعامهم وسياستهم والله اعلم بدولة1

أخيرا رفعوا "الملا برادلي"! لا جديد ولا غرابة فيما جرى مؤخرا في المشهد الأفغاني، فما رسمه ...

أخيرا رفعوا "الملا برادلي"!


لا جديد ولا غرابة فيما جرى مؤخرا في المشهد الأفغاني، فما رسمه "اتفاق السلام" بين الصليبيين والمرتدين في الدوحة جرى تطبيقه بينهم على الأرض في كابل، ومَن تابع مراحل عملية السلام منذ بدايتها، يدرك تماما أن الانسحاب الأمريكي كان قرارا لا عودة فيه بالنسبة للإدارة الأمريكية، بدأه "ترامب" وأتمّه "بايدن"، وأنّ سقوط البلاد في أيدي طالبان كان نتيجة طبيعية بعلم ورضا مَن وقّع على الاتفاق.

ولنعد قليلا إلى الوراء، يوم آوت طالبان المهاجرين وأقامت الشريعة -منقوصة- قصفتها أمريكا وأسقطت حكمها في كابل، وبعد أن تخلت طالبان عن ذلك وتعهدت بأنها لن تسمح بتكرار "خطيئة منهاتن" أعادت أمريكا الحكم إلى طالبان ومنحتها كابل دون أن تطلق طلقة واحدة!

لقد أرادت أمريكا ترسيخ فكرة مفادها أن جهود بضعة أعوام فقط من محادثات السلام في الفنادق الفارهة أعادت طالبان لسدة الحكم، بينما قتال 20 عاما لم يجلب لها سوى الدمار والخراب، لقد خططت أمريكا جيدا ليكون ذلك نصرا للسلام لا للإسلام! وللمفاوضات لا للجهاد! ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وقد تخفى هذه الغاية الخبيثة حاليا بين زحمة الأحداث، لكن تأثيرها سيظهر غدا عندما يتحول مزيد من "المقاتلين" إلى "مفاوضين" يصولون ويجولون في قاعات الفنادق كارهين تاركين الخنادق!؛ هذا أخطر ما في الأمر، وهو الهزيمة بعينها لو يدركون.

ولقد رأينا كيف كان التنسيق المباشر بين القوات الأمريكية وطالبان أثناء التقدم نحو كابل، وكيف استمرت عمليات الإخلاء لآلاف الصليبيين والجواسيس في أجواء من الثقة العالية بين الجانبين!، تنسيق وثقة لم تكن تمنحها أمريكا لحكومات طاغوتية قديمة، بينما منحتها لطالبان بعد ساعات فقط من دخولها كابل!

وبرغم وضوح ما جرى وأنه لم يكن سوى عملية انتقال سلمي للحكم من طاغوت إلى آخر، وباعتراف قادة الميليشيا أنفسهم الذين أكّدوا مرارا على أن سيطرتهم على المدن جاءت في سياق الاتفاقيات في حدود "التسليم والاستلام" وليس بالقتال؛ إلا أن أطرافا عديدة وعلى رأسها القاعدة والسرورية والإخوان المرتدون أبوا إلا أن يكملوا السيناريو الأمريكي القطري بتصوير ما جرى على أنه "فتح وتمكين"!

إن مفهوم النصر تعرض لنكسات كبيرة في التاريخ المعاصر، تسببت بهذه النكسات الأحزاب والحركات المرتدة التي أصبحت تطلق النصر على كل ما يوافق أهواءها ويحقق مصالحها ولو كان كفرا وتنازلا!، وصارت تطلق الهزيمة والفشل على كل ما يخالف أهواءها ولو كان توحيدا وثباتا، فصار الموت في ظلال الشريعة فشلا! بينما العيش في أحضان الطواغيت ووفقا لأجنداتهم نصرا وتحريرا.

وكلما تأملنا أحوال ومناهج المطبلين والمروّجين لنموذج "طالبان الجديدة" زدنا يقينا بصحة الطريق الذي سلكته الدولة الإسلامية لنصرة التوحيد وإقامة الشريعة، فنصرة الإسلام لا تمر عبر فنادق قطر ولا سفارات روسيا والصين وإيران!! وإن النصر الذي توقع عليه أمريكا وترعاه قطر وإعلامها، وتباركه السرورية والمرجئة والإخوان لهو نصر موهوم.

ومن زاوية أخرى، فإن بسيطرة طالبان على الحكم، تسقط أكاذيب المعطّلين لحكم الشريعة من القاعدة والإخوان وغيرهم بحجة غياب "التمكين الكامل"، وحجة عدم امتلاك المعابر وغيرها من الحجج التي أفنوا أعمارهم وهم يرددونها، فها هو التمكين -وفق شروطهم- قد تحقق لطالبان؟! فهل سنرى حكما للشريعة الإسلامية قريبا في أفغانستان؟! أم ستبطل شبهة "التمكين" ويختلقون شبها أخرى فرارا من الشريعة؟!

وفي أبعاد الترويج الممنهج لنموذج "طالبان الجديدة"؛ فإن قادة التحالف الصليبي لم يتوقفوا عن الترديد أنه لا سبيل لهزيمة الدولة الإسلامية عسكريا دون محاربتها فكريا، ولا شك أن الصليبيين أدركوا فشل نموذج الإخوان المرتدين في تولي كبر الحرب الفكرية ضد الدولة الإسلامية حتى بعد وصولهم إلى سدة الحكم، فكان لا بد من البحث عن نموذج آخر يرون فيه فرصة أفضل لمجابهة الدولة الإسلامية وتقديمه كبديلا لها بين أبناء المسلمين؛ فكانت "طالبان الجديدة" هي البديل الذي يجمع بين المواجهة العسكرية والفكرية معا.

لذلك رأينا حجم الترويج الكبير لنموذج "طالبان الجديدة" ليس بعد دخول طالبان إلى كابل فحسب، بل منذ توقيع "اتفاق السلام" في الدوحة قبل نحو 14 شهرا، ومِن يومها لم تتوقف بيانات القاعدة وأخواتها عن وصف هذا الاتفاق المشبوه بالنصر والتمكين، بل حتى حركة حماس المرتدة هنأت وباركت -لأول مرة في تاريخها- لطالبان، ونشرت صورا لاجتماع ضمّ وفدا من قياداتها بوفد طالبان في الدوحة، ولم تكن حماس لتُهنئ طالبان بذلك لولا علمها -بطرق رسمية- أن طالبان الجديدة لم تعد تُوصم بالإرهاب، ولم يعد في الثناء عليها أي خطر أو ملامة؛ كل ذلك يؤكد أن التوصيات بالترويج لهذا النموذج تجري على قدم وساق، بل شارك فيها حتى الذين كانوا يصفون طالبان بالرجعية والظلامية، فهل أشرقت أنوار طالبان بعد دخولها نفق السلام؟! وليس من قبيل الصدفة أن تكون كل الأطراف التي حاربت الدولة الإسلامية، هي نفسها الأطراف التي تشارك في الترويج لنموذج طالبان في نسخته قبل الأخيرة المعدّلة في استوديوهات الدوحة.

ومن المفارقات، أن المرتدين والمنافقين اتهموا الدولة الإسلامية بعد سيطرتها على بعض مدن العراق والشام، بالعمالة لأمريكا! وأن ما جرى "مسرحية ومؤامرة كونية"، بينما تسقط أفغانستان بعواصمها ومقارها في غضون أيام دون أي قتال، ثم لا نسمع لنفس تلك الأصوات النشاز أي حديث عن "مسرحية" أو "مؤامرة" أو حتى "اتفاق"!، بل أصبح نصرا مؤزرا يمدحه المرتدون ويثني عليه الديمقراطيون ويتقبله الصليبيون.

ولو شك الصليبيون أنهم تركوا البلاد لمن يقيم حكم الإسلام فيها، لما جعلوا فيها بيتا قائما ولقصفوا مشافيها قبل معسكراتها، بل إن أمريكا لم تكلف نفسها حتى عناء التخلص من الترسانة العسكرية للجيش الأفغاني فسقطت في أيدي طالبان، بينما تقصف الطائرات الأمريكية خياما مبعثرة في صحاري ليبيا والصومال لجنود الخلافة، أتخشى أمريكا من بضع خيام تكابد لهيب الرمضاء بينما تأمن من آلاف المقاتلين المسلحين الذين انتشروا في مدن أفغانستان على مرأى أعينها؟! إنه الفرق باختصار بين سبيل الله وسبيل الطاغوت.

لقد أعلن قادة طالبان تحرير أفغانستان من داخل فنادق قطر التي تضم "قاعدة العديد" الأمريكية والتي تنطلق منها الطائرات لقصف ديار المسلمين، لقد خرج نصرهم الموهوم مِن حيث تخرج قرارات الحرب على الإسلام! فعن أي نصر يتحدثون؟ لقد فعلتها أمريكا حقا ورفعت لنا "الملا برادلي" أخيرا، ولا شك أنّ "ملالي" آخرين يجري حاليا صناعتهم في فنادق وسفارات الطواغيت وينتظرون "نصرا آخر" تمنحه لهم أمريكا أو غيرها.

إن ما جرى لا يعدو كونه استبدال طاغوت حليق بآخر ملتحٍ، الأول فشل في الحرب على الإرهاب، بينما الثاني ترى أمريكا أنه يمكن أن يكون أكثر جدوى، أما جنود الخلافة فهم يتهيأون لمرحلة جديدة من مراحل جهادهم المبارك الذي لن يتوقف بإذن الله تعالى حتى تخضع الأرض كل الأرض لحكم خالقها، فهذا هو النصر وما سواه وساوس وسراب.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 300
الخميس 10 محرم 1443 هـ
...المزيد

مقال: خبيئة العمل الصالح الحمد لله رب العالمين، هادي المؤمنين وموفّق الموحدين، المنعم المتفضل ...

مقال: خبيئة العمل الصالح


الحمد لله رب العالمين، هادي المؤمنين وموفّق الموحدين، المنعم المتفضل ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، والصلاة والسلام على نبي الهدى البشير النذير الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه ومن استنّ بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
قال الله تعالى: {إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [سورة البقرة:٢٧١]

"وقوله: {إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} أي: إن أظهرتموها فنعم شيء هي، وقوله: {وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} فيه دلالة على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها" [ابن كثير]، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ من السبعة الذين يظلّهم الله تعالى يوم القيامة في ظلّه يوم لا ظلَّ إلا ظلّه، (رجل تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه) [متفقٌ عليه]

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم أن يكون له خَبْءٌ مِن عملٍ صالح فليفعل) [رواه ابن أبي شيبة وغيره بسند صحيح]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ يحبُّ العبدَ التَّقيَّ، الغنيَّ، الخفيَّ) [رواه مسلم]
ورحم الله الزاهد الورِع بشر بن الحارث حيث قال: "لا يجد حلاوةَ الآخرة رجل يحب في الدنيا أن يعرفه الناس".

إن أحوال الصادقين المخبتين في كل زمان وحين، تختلف باختلاف مجاهدة العبد نفسه على الإخلاص وطلبِ الوصول لأعلى مراتب الأعمال الصالحة، التي يتقربون بها إلى خالقهم جلّ في علاه، وهم بذلك يريدون رضى الرحمن وحده لِعلمهم أن الغاية هي رضاه سبحانه لا رضى سواه، ولا يتحقق ذلك إلا بصدق الإرادة وسلامة القلب من الشوائب والعوالق والموانع التي تحول بين العبد وبين الوصول لذروة الإخلاص.

وفيما يأتي سنذكر بعضا من أحوال أولئك الذين وفقهم الله تعالى للتخلص من أمراض القلوب التي ابتُلي بها الكثيرون اليوم كحب الظهور والسعي للحصول على مكانة في قلوب العباد على حساب إخلاصهم لله، وما أكثر من جعل الله له صدّا وبغضا في قلوب العباد رغم الظاهر الذي يدل على الصلاح والعبادة، وما سبب لذلك غير الخبايا التي لا يعلمها سوى الله علام الغيوب، فلذلك حريٌ بالمرء أن يجعل لنفسه خبيئة عمل صالح بينه وبين الله تعالى فهي من أسباب الثبات على الدين، وهي أيضا من أسباب زوال الكربات كما ورد في حق أصحاب الغار حين أطبقت عليهم الصخرة فاستحضر كل واحد منهم الخبيئة التي بينه وبين الله تعالى، فكانت سببا في نجاتهم من الكربة التي كانوا فيها، قال ابن القيم رحمه الله: "الذنوب الخفيات أسباب الانتكاسات، وعبادة الخفاء أصل الثبات".

وأبواب العبادات الخفيّة كثيرة كالصلاة في جوف الليل، والسعي في حوائج الضعفاء والمساكين ومواساتهم دون علم أحد، وصدقات السر التي تطفئ غضب الرب سبحانه، وتلاوة آيات الله وتدبرها، أو إغاثة ملهوف، أو صيام خفي، أو دعاء وخلوة تعقبها دمعة تنحدر من عينك منهمرة مع توبة صادقة، أو استغفار وذكر الله لا يتفطّن له أحد، والله لا يضيع أجر المحسنين.

ومن صور حياة أولئك الأفذاذ من الصحابة والتابعين والسلف الميامين الذين أشهر الله أعمالهم بعد موتهم ليكونوا قدوة للسالكين فأعلى الله ذكرهم في الأرض رغم حرصهم على إخفاء أعمالهم.

الإمام زين العابدين علي بن الحسين رضي الله تعالى عنه وأرضاه الذي كان يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به.
قال عمرو بن ثابت: "لما مات علي بن الحسين فغسّلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سواد في ظهره، فقالوا: ما هذا؟ قالوا: كان يحمل جُرب الدقيق -يعني أكياس الدقيق- ليلاً على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة، وكان من خبره رحمه الله أنه كان إذا ناول المسكين الصدقة قبّله ثم ناوله". [البداية والنهاية]

وهذا داود بن أبي هند يصوم أربعين سنة لا يعلم به أهله، كان له دكان يأخذ طعامه في الصباح فيتصدق به، فإذا جاء الغداء أخذ غداءه فتصدق به، فإذا جاء العشاء تعشّى مع أهله!!. [سير أعلام النبلاء]
وكان رحمه الله يقوم الليل أكثر من عشرين سنة، ولم تعلم زوجته بذلك، فسبحان الله كيف ربّوا تلك النفوس على الإخلاص؟ ما ذاك إلا بشيء وقر في القلوب، وحملوها على إخفاء الأعمال الصالحة، فهذه زوجته أقرب الناس إليه وألصق الناس به لا تعلم، يقوم عشرين سنة أو أكثر خفية، فأي حرص هذا على إخفاء الأعمال الصالحة وأي مجاهدة للنفس تلك؟، وذكر عن أيوب السختياني أنه كان يقوم الليل كله فيخفي ذلك، فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة. [سير أعلام النبلاء]

"وحاصر مسلمة بن عبد الملك حصنا فأصابهم فيه جهد عظيم فندب الناس إلى نقب منه فما دخله أحد فجاء رجل من الجند فدخله ففتح الله عليهم فنادى منادي مسلمة، أين صاحب النقب فما جاء أحد حتى نادى مرتين أو ثلاثا أو أربعا، فجاء في الرابعة رجل فقال: أنا أيها الأمير صاحب النقب آخذ عهودا ومواثيق ثلاث: لا تسودوا اسمي في صحيفة ولا تأمروا لي بشيء، ولا تشغلوني عن أمري، قال: فقال له مسلمة: قد فعلنا ذلك بك. قال: فغاب بعد ذلك فلم يُر قال: فكان مسلمة بعد ذلك يقول في دبر صلاته: اللهم اجعلني مع صاحب النقب" [تاریخ ابن عساکر]

وقد ذكر عبدة بن سليمان المروزي قال: "كنا في سرية مع ابن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو ولما التقى الجمعان خرج رجل للمبارزة فبرز إليه رجل فقتله ثم آخر فقتله ثم آخر فقتله، ثم دعا إلى البِراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة ثم طعنه فقتله فازدحم الناس، فزاحمت فإذا هو ملثم وجهه، فأخذت بطرف ثوبه فمددته، فإذا هو عبد الله بن المبارك فقال: وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا.

فلله دَرّهم من رجال أتقياء أنقياء أخفياء، كانوا رحمهم الله يحرصون على الخبيئة الصالحة لما وجدوا فيها من لذة زيّنت قلوبهم بالإيمان والقرب من الرحيم المنان، فهي عبادة من اعتادها طَهُر قلبه وتهذبت نفسه، إنها عبادات السر وطاعات الخفاء، حيث لا يطلع عليها أحد سوى المولى الجليل، فأنت عندئذ تقدّم العبادة له وحده غير راجٍ منزلة عند أحد من الخلق، أو منتظر أجرا منهم مهما قلّ أو كثُر، وهي سبيل لا يستطيعها المنافقون الكذابون أبدًا؛ لأنهم لا يرجون من عملهم إلا الرياء والثناء.

فهنيئا لمن حرص أن تكون له خبيئة صالحة يدّخرها ليوم فقره وذُلّه، ليوم تشخص فيه الأبصار، ليوم تُبْلى فيه السرائر، ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
إنْ لم يكن للهِ فعلك خالصًا
فكلّ بناءٍ قد بنيْتَ خرابُ
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 299
الخميس 3 محرم 1443 هـ
...المزيد

بوادي الشام.. جنان ونار! بينما يعيش النصيرية والنصارى الروس في بوادي الشام حسرة وضنكا ونزيفا ...

بوادي الشام.. جنان ونار!


بينما يعيش النصيرية والنصارى الروس في بوادي الشام حسرة وضنكا ونزيفا مستمرا في الأرواح والمعدات، يحيا جنود الخلافة في تلك البوادي حياة طيبة تنعم فيها قلوبهم بلذة البذل وحلاوة الإيمان وإنْ تعبت منهم الأجساد والأبدان، بعد أن عمروها بالتوحيد والجهاد والرباط، فصارت جنة يأوي إليها المؤمنون، ونارا يحترق فيها الكافرون.

فمنذ أكثر من عامين تشنّ القوات الروسية والنصيرية حملة في إثر حملة على بوادي الشام، وما إنْ يزعموا نجاح الأولى حتى تأتي أختها فتنسف أكاذيبها، حتى أصبحت المواقع الإخبارية الروسية تنسب الفشل والتعثر إلى الجيش النصيري لتتهرب مِن وصف جيشها الصليبي بذلك، رغم أنه هو الذي يقود ويسيّر هذه الحملات.

وقد زجّوا بالمئات من عناصر الجيش النصيري والميليشيات الإيرانية وميليشيات محلية من مرتدي الصحوات، كما سحبوا العديد من قواتهم المنتشرة في أرياف إدلب وحماة، وأرسلوهم إلى البادية للمشاركة في القتال الممتد على محاور واسعة استهلكت قواتهم وأنهكت جنودهم، فأصبحت مشاهد احتراق حافلاتهم وتفحُّم جنودهم عالقة في الأذهان، وصارت أرتالهم صيدا لمفارز العبوات، فلجأ الروس الصليبيون إلى سياسة القصف الجوي، ثم إلى الإنزالات الجوية كحلٍ بديلٍ عن التقدم الميداني الذي كلّفهم كثيرا، ثم بدأوا مؤخرا بالاعتماد على ميليشيات إيرانية لتنفيذ الإنزالات، بعد أن فقدوا عددا من جنودهم في إنزالات فاشلة، وهم من فشل إلى آخر سائرون.

لقد تحقق في بوادي الإيمان مفهوم "الفلاح" تماما كما تحقق من قبل في المدن؛ فإن الفلاح كل الفلاح هو في البقاء على طاعة الله وعبادته في كل الأحوال، طاعته في الرخاء والشدة، في العسر واليسر، وإقامة دينه ما استطاع المسلمون إلى ذلك سبيلا، فقد أفلح المجاهدون يوم أقاموا الشريعة في المدن ولم يرضوا بكل الأوهام التي أرادت ثنيهم عن إقامة حكم الله تعالى فيها، كما أفلحوا اليوم في البوادي وميادين العسرة بثباتهم على الإيمان والجهاد وإبقاء جذوته مشتعلة تحرق الكافرين وتستنزف طاقاتهم.

إن تلك البوادي المقفرة عامرة بالإيمان واليقين والقربات والخلوة برب البريات، فهي توفّر للمجاهد بيئة إيمانية يتمناها كلُّ من جرّب العيش تحت حكم الطواغيت، كما تُحقق ترابطا عقديا وأخوة إيمانية فريدة يسمع عنها الناس في الخطب ويقرأون عنها في الكتب، بينما يعيشها جنود الخلافة يوما بيوم وساعة بساعة، برجال نزّاع من قبائل ودول شتى جمَعهم التوحيد وجراح المسلمين التي لن تبرأ بغير الجهاد والطعان.

إن المجاهدين في تلك البوادي يعيشون نعيم الهداية ولذة التعب في سبيل الله تعالى، وانشراح الصدر والتوفيق إلى الهدى، فيرون الحق حقا والباطل باطلا لا تُزاحم أفئدتهم شبهات ولا تُدافع جوارحهم شهوات، يَحيون جنة الدنيا التي قال عنها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إنّ في الدنيا جنة، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة"، وبيّن مراده بها تلميذُه ابن القيم رحمه الله بقوله: "الإقبال على الله تعالى، والإنابة إليه، والرضا به وعنه، وامتلاء القلب من محبته واللهج بذكره، والفرح والسرور بمعرفته" وعدّ ذلك "ثوابا عاجلا وجنة، وعيشا لا نسبة لعيش الملوك إليه البتة"، وهو عين ما قصده أئمة السلف بقولهم: "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه، لجالدونا عليه بالسيوف!".

هكذا يعيش المجاهدون في تلك البوادي لمن يسأل عن أحوالهم، ويتعجب من صمودهم وبقائهم، يعيشون في جنة الدنيا التي أدرك معناها السلف الأوائل فتنافسوها وحرصوا عليها طمعا في جنة الآخرة، فلا سبيل إلى تلك بغير هذه.

إنهم يعيشون الحياة الطيبة التي وعد الله بها عباده المؤمنين في الدنيا، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، ولقد تعددت أقوال المفسّرين في معنى قوله: (حياة طيبة)؛ بين "السعادة، والقناعة، وحلاوة الطاعة، والرزق الحلال، والعبادة والانشراح بها"، وعلّق ابن كثير رحمه الله على ذلك بقوله: "والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله".

فالمجاهدون في البوادي يعيشون حياة طيبة بمفهوم القرآن الكريم ومقياسه لا مقاييس البشر، حياة طيبة بسكون النفس وطمأنينة القلب وعدم الالتفات إلى ما يفسده ويحجبه عن خالقه، ويكدّر صفو الإيمان به تعالى، يعيشون بصدر منشرح وقلب مستبشر بأقدار الله تعالى، وإنْ لاقت أجسادهم ما لاقت من الجراح والجوع والتعب.


لقد عاش جنود الخلافة بدرا كما عاشوا أُحدا وتحزّبت عليهم الأحزاب، وما زال سفْر أمجادهم يقلّب صفحات العزة والثبات والاستعلاء بالإيمان على الباطل، كما عاشوا الهجرة بحذافيرها في تلك البوادي والفيافي التي هاجروا إليها وتركوا أهلهم وديارهم وتحملوا كل هذه المشاق والصعاب في هذا الطريق سيرا على خطى نبيهم عليه الصلاة والسلام وصحبه الكرام، وهم ينتظرون وعد الله تعالى لهم بأن يعوّضهم بأفضل مما جادوا به في الدنيا والآخرة معا إن شاء الله.

قال تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}، قال الطبري رحمه الله: "لنُسكننهم في الدنيا مسكنا يرضونه صالحا"، وقال ابن كثير: "أخبر أن ثوابه للمهاجرين في الدار الآخرة أعظم مما أعطاهم في الدنيا، فقال: (ولأجر الآخرة أكبر) أي: مما أعطيناهم في الدنيا".

فالمجاهدون المهاجرون مهما قاسوا من المحن في جهادهم -والتي لن يخلو منها جهاد إلى أبد الدهر-، فإنهم موعودون بنص القرآن الكريم من الله تعالى أن يبوئهم ويُنزلهم في الدنيا منزلا حسنا وفي الآخرة أجرا أكبر وأعظم، قال الطبري: "ولثواب الله إياهم على هجرتهم فيه، في الآخرة أكبر لأن ثوابه إياهم هنالك الجنة التي يدوم نعيمها ولا يبيد".

تلك أحوال جنود الدولة الإسلامية في بوادي الشام وكل بوادي الجهاد التي أضحت قواعد عسكرية ومدارس شرعية وصوامع عبادة وأنْسٍ بالله تعالى، يُجدّدون فيها إيمانهم ويرصّون فيها صفوفهم، ثم يصبّحون عدو الله وعدوهم بلظى صولاتهم، ولهيب غاراتهم.

وكما قال الشيخ أبو حمزة القرشي -حفظه الله- في خطابه الأخير: "إلى أسد البوادي في ولاية الشام، لله دركم من رجال، تعجز الكلمات عن وصفكم ولو كتبنا لذلك ألف مقال". فالكلمات حقا تعجز وتقْصُر عن وصف مآثرهم وبطولاتهم وكيف للكلمات أن توفي الدماء حقها؟! لكن من نافلة القول أن نوصيهم كسائر إخوانهم المجاهدين بالثبات على هذا الدرب فهم أهله وأبطاله وكماته، ونذكّرهم بأنهم اليوم في مرحلة قريبة من تلك التي عاشها إخوانهم في بوادي العراق قديما، وكيف كانت تلك المعسكرات الغائرة في عمق الصحراء منطلقا رئيسا بعد سنوات نحو المدن وتجديد بنيان الدولة الإسلامية، بل إنّ بوداي الشام اليوم ثمرة من ثمرات بوادي العراق، وأنتم اليوم -بإذن الله تعالى- غرس لثمرة أخرى ستثمر حيث شاء الله تعالى وقدّر.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 299
الخميس 3 محرم 1443 هـ
...المزيد

مقال / تُحف الذاكرين (3) الحمد لله حمدا حمدا والشكر له شكرا شكرا، والصلاة والسلام على نبيا ...

مقال / تُحف الذاكرين (3)


الحمد لله حمدا حمدا والشكر له شكرا شكرا، والصلاة والسلام على نبيا محمد خير الورى طُرا، وعلى آله وأصحابه الصابرين على الحق حلوا ومرّا، ومَن تبعهم بإحسان إلى يومٍ يُجازى فيه العباد على ما عملوه خيرا وشرا، وبعد.
فهذه تتمة لتُحف الذاكرين التي أعدها الله تعالى لهم، والتي بدأناها فيما سبق:

التحفة الخامسة: الفلاح والفوز، قال الله عز وجل: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة:10]، ولم يرضَ ربُّنا سبحانه وتعالى مِن ذكره إلا بالكثير، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "لا يفرض سبحانه على عباده فريضة إلا جعل لها حدًّا معلومًا، ثم عذر أهلها في حال عذر غير الذكر، فإن الله لم يجعل له حدًّا ينتهي إليه، ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله، قال: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ}، بالليل والنهار في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وعلى كل حال" [تفسير الطبري].

فحال المؤمن أنه كثير الذكر لله، ولذلك وصف الله مَن قلّ ذكره له بالنفاق، فقال تعالى: {وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:142]، وجعل الله مآل الذاكرين الفلاح وهو الفوز بدخول الجنة والنجاة من النار؛ لأن ذكر الله يثقّل الموازين ويقود الإنسان إلى ترك المعاصي وبغضها، بل فيه مغفرة للذنوب وبذلك يُحصّل الإنسان الغاية المطلوبة {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:185].

والذاكرون يسبقون غيرهم كما قال صلى الله عليه وسلم: (سبق المفَرِّدون قالوا: و ما المفَرِّدون يا رسول الله قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات)، وفي رواية: (المستهترون لذكر الله عز وجل، يضع الذكر عنهم أثقالهم فيأتون يوم القيامة خفافا) [مسلم] (والمستهترون أي: المولعون بالذكر المداومون عليه)، وهذا فوز عظيم أن توضع عنهم أثقالهم فيأتوا يوم القيامة خفافا، ثم تكون لهم الجنة بعد ذلك، جعلنا الله منهم.

التحفة السادسة: الخروج من الظلمات إلى النور، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:41-43]، فبذكر الله كثيرا يُصلي الله على عبده، روى البخاري عن أبي العالية: "صلاة الله: ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء"، وقال الطبري رحمه الله: "إذا أنتم فعلتم ذلك، الذي يرحمكم، ويثني عليكم هو، ويدعو لكم ملائكته. وقيل: إن معنى قوله {يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ}: يشيع عنكم الذكر الجميل في عباد الله. وقوله: {لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} يقول: تدعو ملائكة الله لكم؛ فيخرجكم الله من الضلالة إلى الهدى، ومن الكفر إلى الإيمان. [التفسير]

وأول نور الذكر ما يجده الذاكر من النور في قلبه بمعرفته الحق وأهله وانشراحه للحق ومحبته له، كما قال تعالى: {وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات:7]، بينما تارك الذكر لله مغمور في ظلمة الغفلة قلبه مظلم مشمئز من الذكر، {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر:45]، وقال تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّنْ رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [الزمر:22]، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القاسي) [الترمذي].

ويُعطى الذاكر نورًا في اتباع الحق بعدما وُفق لمعرفته، بينما قليل الذكر لا يوفق لاتباعه والعمل به!؛ فهو في ظلمة الهوى وظلمة تزيين الباطل وظلمة التعلق بالدنيا، ولم يوفَق الكثير من الناس للنفير والجهاد بسبب تلك الظلمات، ويُعطى الذاكر نورَ الفراسة وتمييز الحق من الباطل حين اشتباه الأمور، فيرى بنور الله ما لا يراه الغافلون ويُدرك مآلات الأحداث ويتفطّن لخطوات الشيطان من أولها.


وهذا النور لمن ذكَر الله بقلبه ولسانه معاً، فكثير يذكرون الله بألسنتهم لا بقلوبهم فلا ينتفعون، أما من تواطأ قلبه ولسانه الذكرَ فإنه يستشعر عظمة الله، فمحال لمثله أن يقول: "سبحان الله" وينزّه الله عما لا يليق به ثم يرضى بمشّرع سوى الله جاعلا نفسه نداً لله، ومحال أن يقول: "الحمد لله" ثم يعزو الفضائل والنعم للطاغوت الكافر بالله المبدل لشرع الله، ومحال أن يقول: "لا إله إلا الله" ويشرك بالله في حكمه ويُقر بمعبود سوى الله، ومحال أن يقول: "الله أكبر" فيخشى سواه أو يترك منهاج الحق نزولا تحت ضغط الواقع وهو يعلم أنه لا أكبر من الله شيء، هذه معاني النور في الذكر يوفَّق إليها من كان صادقًا وأراد هيمنة نور الله في الأرض.

التحفة السابعة: القوة على طاعة الله، قال هود عليه السلام لقومه: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ} [هود:52] وقال تعالى حين أرسل موسى عليه السلام إلى فرعون: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} [طه:42] قال ابن كثير: "والمراد أنهما لا يفتران في ذكر الله، بل يذكران الله في حال مواجهة فرعون، ليكون ذكر الله عونا لهما عليه، وقوة لهما وسلطانا كاسرا له، كما جاء في الحديث: "إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو مناجز قِرْنه". [التفسير]، والمعنى: أي أن عبدي الحقيقي، الذي أخلص في العبادة، ولم يغفل عن ذكري، هو من ذكرني في ساحة القتال مع قرنه وخصمه.

فذكر الله قوة للمؤمن على طاعة الله، وتركه ضعف وعجز، وسبب لاقتراف الذنوب والوهن النفسي، والقوة الحقيقية هي قوة الإيمان ولزوم الحق لا قوة الجسد، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) [البخاري].

وفي المقابل فإن الكسل حقيقته كسل القلب لا كسل البدن؛ لأنه من الشيطان، وقد كان عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله من الكسل، وإن أول مراتب الضعف قلة ذكر الله لذلك قرَن الله بين الكسل وقلة الذكر في كلامه عن المنافقين فقال سبحانه: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:142]، ومن أراد علاج ما به من ضعف أو عجز أو كسل، فأول ما عليه أن يكثر من ذكر الله، ليطرد وساوس الشيطان، وسيجد بعد ذلك عزمًا على الطاعة وقوة على النفس في كبح جماحها عن المساوئ أو ترويضها على الشدائد، وعلى من أراد التوفيق للجهاد أن يكثر من الذكر، والمجاهد أيضا إن أراد العون على جهاده فليكثر من ذكر الله، فإنه من أعظم أسباب العون.

هذه بعض تحف الذاكرين وإنها كثيرة لمن تدبّرها وتبحّثها في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أفرد لها العلماء كتبا وأجزاء حديثية، ومع يُسْر هذه العبادة إلا أنه لا يوفق لها إلا النُدرة الطيّبة من عباد الله، فحرصًا حرصًا على ركوب مطايا الذاكرين، وحذرًا حذرًا من ارتضاء سبيل الغافلين الغاوين.

والمجاهد في سبيل الله بهذه الوصية أخص؛ لأنه المأمور بعدم الفتور عن ذكر الله، فهو الأحوج إليه، والشياطين حوله تنتظر منه غفلة لتتهجّم عليه، فليحذر من الثغْرة ولينتبه من الغِرّة، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 298
الخميس 26 ذي الحجة 1442 هـ
...المزيد

صحيفة النبأ 298 / بل الساعة موعدهم! وعَد اللهُ تعالى عباده المؤمنين القائمين على أمره بالغلبة ...

صحيفة النبأ 298 / بل الساعة موعدهم!


وعَد اللهُ تعالى عباده المؤمنين القائمين على أمره بالغلبة والفوز في الدارين، وفي المقابل توعّد الكافرين على اختلاف طوائفهم وتحالفاتهم بالهزيمة في الدنيا والعذاب في الآخرة، وهذا مِن عدله سبحانه وتعالى بأن فرّق في الجزاء والعاقبة بين مَن آمن به وكفر به، فجعل الجنة عقبى الذين اتقوا، وعقبى الكافرين النار.

ولقد قرنت آيات القرآن الكريم في غير موضع بين هزيمة الكافرين في الدنيا وعذابهم في الآخرة، وأكّدت أنّ عذابهم في الآخرة سيكون أدهى وأشدّ عليهم من هزيمة الدنيا، وأنّ تحالفاتهم وحشودهم ضد المسلمين مهما كثرت وتعددت في الدنيا، فإنّ مصيرها الحشر إلى جهنم وبئس المهاد!، قال تعالى: {قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}، وقال تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ}.

وبناء على ما تقدّم من الوحي، فإنّ على الكافرين ألا ينتظروا هزيمتهم وخسارتهم في الدنيا وحسب، بل عليهم أن ينتظروا -إن لم يتوبوا- خسارتهم الكبرى والدائمة يوم القيامة، يوم يُصيبهم من الحسرة والمذلة والعذاب أضعاف ما يلاقونه اليوم على أيدي المجاهدين في أكبر "معركة استنزاف واستدراج" شهدها التاريخ المعاصر، وتورّطت فيها أكبر وأكثر جيوش الكفر والردة، وسيقت إليها طوعا أو كرها.

لذلك لم يكن "التحالف الإفريقي" الجديد الذي عقده الصليبيون ضد الدولة الإسلامية في وسط إفريقية إلا صورةً أخرى من صور الاستدراج الإلهي للكافرين نحو هاوية الاندحار والهزيمة بإذنه تعالى، وباباً جديداً من أبواب الاستنزاف والمطاولة.

فبعد سنوات من المفاوضات والخصومات قررت دول إفريقية تشكيل "تحالف إقليمي" لمواجهة الدولة الإسلامية في موزمبيق، يشرف على تدريبه ضباط من البرتغال وأمريكا، وشاركت فيه حتى اللحظة كل من: "رواندا، بوتسوانا، زيمبابوي، جنوب إفريقية" وحتى "أنغولا" إضافة إلى دول أخرى ما زالت تشاور نفسها وتندب حظها!

التحالف الإفريقي الذي بالكاد التأم، بدأ منقسماً على نفسه بسبب خلافات من الحقب السابقة لعل أبرزها اعتراض "المعارضة الموزمبيقية" على وصول قوات "رواندا" بطريقة شبّهوها بالصفقات السرية الفاشلة التي أبرمتها حكومتهم مع شركات مرتزقة روسية وجنوب إفريقية لقتال المجاهدين، ما يُهدد بإشعال فتيل النزاع القديم بين الحكومة والمعارضة بعد سنوات من الكمون، إضافة إلى تحديات أخرى ينتظرها هذا التحالف الكفري الذي شكّلته دولٌ ممزقة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.

ويحاول الكافرون والمنافقون عبر وسائل إعلامهم، تصوير الحرب والمعارك الدائرة في شمال موزمبيق على أنها "حرب على الغاز"! متعامين عن وجود الغزو الصليبي القديم الجديد للمسلمين وديارهم في تلك المنطقة والتي تعرضت لأبشع الجرائم والمجازر التي ارتكبها النصارى وجيوشهم بحق المسلمين، وهذا التضليل المتعمد إنما هو امتداد لحملة التشويه الممنهجة التي رافقت تمدد الدولة الإسلامية إلى الشام.

إن الدولة الإسلامية تقاتل اليوم الكافرين في وسط إفريقية، جهاداً في سبيل الله تعالى ونصرةً للإسلام وذوداً عن حياضه، وتطبيقاً للغاية التي خلقنا الله تعالى من أجلها، وهي توحيده سبحانه، ولا سبيل إلى تحقيق ذلك إلا بقتال مَن أشرك به وناصب المسلمين العداء، ولأجل هذه الغاية سعّر المجاهدون حروبهم ضد جيوش الصليب في موزمبيق والكونغو، وعندها بان الفرق بين مَن ينتصر للمسلمين وجراحاتهم ويثأر لدينهم وحرماتهم، وبين مَن لا تعدو جراحاتهم بالنسبة إليه سوى "مادة إعلامية" يوظّفها سياسياً في تصفية حساباته مع خصومه السياسيين، كما رأينا مؤخرا في مواقف الطواغيت ودعاتهم تجاه قضايا: الإيغور وتركستان وبورما والشام وغيرها.

وفي الكونغو أيضا تم إرسال قوات من دول: "أوغندا، وكينيا، والصومال" وغيرها، بهدف تشكيل تحالف كفري آخر لمواجهة جنود الخلافة في شرق الكونغو، خصوصاً بعد أن شهد العمل العسكري هناك -بفضل الله تعالى- تطوراً ملحوظاً وتوثيقاً إعلامياً مستمراً لأغلب الهجمات التي تستهدف دوريات الجيش وميليشياته، وتستهدف النصارى وقراهم وقوافلهم على الطرق التجارية الرئيسة، في إطار الحرب الاقتصادية الكبرى التي يشنّها جنود الخلافة، وهي أوسع حرب استنزاف توجّه مِن المسلمين ضد الكافرين، بعد أن كان اتجاه الحروب طيلة العقود الماضية معاكساً يسرق فيه الصليبيون ثروات المسلمين وينهبون خيراتهم ويستنزفون طاقاتهم.

وهذا مما يُحسب للدولة الإسلامية -بفضل الله تعالى- وهي تجابه الباطل برجالٍ فقهوا معنى قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}، وأدركوا معنى قتال المشركين كافة، فلم يعد القتال قتالاً وطنياً ولا قطرياً ولا اضطرارياً ولا ارتهاناً لمحاور الداعمين، ولا تماشياً مع الأجندات، ولا خدمةً لثورات البرلمانات! كلا، بل جهاداً شرعياً في سبيل الله تعالى، لا يرى مصلحة أكبر من التوحيد ولا يرى مفسدة أسوأ من الشرك، ينصر الإسلام بالإسلام لا بسواه، وهذا هو سرُّ التوفيق الكبير الذي يلمسه المجاهدون على الأرض، وهو ما يفسّر أيضاً أسباب اجتماع كلّ أحزاب الباطل ضد دولة الإسلام، فقد خالفت أهواءهم وتوقعاتهم جميعاً، فلا عجب أن يشتدوا في طلبها وحربها، فعلى قدر مفارقة معسكر الباطل ومفاصلته تكون الحرب! وقد قبِلها جنود الخلافة وهم على استعداد أن يدفعوا أثمانها مهما علت، فما عند الله خير وأبقى.

وكسائر إخوانهم، نال المجاهدون في الكونغو نصيبهم من حملة التشويه والتضليل المتعمدة، فما زال "الإعلام الحكومي والدولي" في الكونغو يُطلق على جنود الخلافة هناك أسماء محلية غريبة! بعيدة كل البعد عن اسم ورسم دولة الإسلام، وكل ذلك هرباً مِن أن يعترفوا بأنهم يقاتلون اليوم في الكونغو ذات الدولة الإسلامية التي زعموا من قبل القضاء عليها في الباغوز! فسبحان مَن أنفذ بعث الباغوز إلى الكونغو وموزمبيق وأمدّه بمدد مِن عنده، في نصر وتأييدٍ إلهي عرفه مَن عرفه وأنكره مَن أنكره.

أما إخواننا المجاهدين في وسط إفريقية، فنوصيهم بعد التوكل على الله تعالى، أن يُجهّزوا أنفسهم ويشحذوا هممهم ويحدّوا سيوفهم ففرائس الصليبيين تتدافع إلى فخاخهم، فليُحكموا الكمائن ويُطْبقوا الشراك، وليُشعلوا الأدغال والغابات عليهم نارا وليجعلوا خسائرهم بعدد حملاتهم، وليستعينوا بالله تعالى عليهم، ويتذكروا أنّ المعركة لا تنتهي في الأرض بل يوم العرض على الله تعالى، فليطيبوا بذلك نفساً فإنها معركة محسومة لا يخسر فيها المسلم أبداً، فهو يتنقل بين أجرين وخيرين، بين إحدى الحسنيين، أما الكافرون فموعدهم بعد كل هذه الحروب والتحالفات؛ الساعة! والساعة أدهى وأمرّ.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 298
الخميس 26 ذي الحجة 1442 هـ
...المزيد

محاربة الخلافة مع اتساع الحرب على الدولة الإسلامية طولا وعرضا، انخرطت شريحة واسعة من خصومها في ...

محاربة الخلافة


مع اتساع الحرب على الدولة الإسلامية طولا وعرضا، انخرطت شريحة واسعة من خصومها في مهمة واحدة هي محاربة مشروعها المبارك، ولو سألتَ هؤلاء عن ماهية مشروعهم فلن يجدوا إلى ذلك سبيلا، لأنهم بلا مشروع سوى حربها والتآمر عليها، فهم مخالفون لها مختلفون معها متخلّفون عنها، وما أكثرهم ولو حرصت بمؤمنين.

ورغم اختلاف راياتهم، تقاطعت مصالح أعداء الدولة الإسلامية سواء كانوا كفارا أصليين، أو حكومات وأحزابا مرتدين، أو مرضى قلوب ومنافقين، أو خصوما مناوئين، أو منتكسين متساقطين تعبوا من لأواء الطريق ووعورته، فاختاروا مفارقته وقعدوا على قارعته يصدون عنه، فارتكبوا الجرم مضاعفا، وبنوا بأيديهم حاجزا بينهم وبين الهداية فاستحقوا بذلك دوام الغواية، وحيل بينهم وبين قلوبهم! وغدا يُحال بينهم وبين ما يشتهون.


• مقتبس من صحيفة النبأ – العدد 523
حرب بين مشروعين
...المزيد

المنهج النبوي مع ضرورة التأكيد على أمر قديم جديد، وهو أن الدولة الإسلامية لم تدَّعِ العصمة يوما، ...

المنهج النبوي

مع ضرورة التأكيد على أمر قديم جديد، وهو أن الدولة الإسلامية لم تدَّعِ العصمة يوما، ولم تحتكر الخيرية مطلقا؛ وإنْ تسنّمت ذرى الجهاد وصانته عن أدران الجاهلية، وقادت ركب الثبات وسط أعاصير التيه العاتية، وهي تدرك وتوقن أن توفيقها وتفوّقها محض فضل ربها عليها، بثباتها على منهاج النبوة الذي اتبعته مبكرا يوم كانت في العراق تؤسس وتغرس قواعد صرح المفاصلة العقائدية مع كافة معسكرات الجاهلية، بينما كان غيرها يغرقون في الرمادية المنهجية التي صبغت مواقفهم حتى يومنا هذا، فرأيناهم في كل واد يهيمون.


• مقتبس من صحيفة النبأ – العدد 523
حرب بين مشروعين
...المزيد

من الوطنية الضيقة إلى الجسد الواحد وعند إمعان النظر في اهتمام شعوب المسلمين بقضية ما، نجد أن ...

من الوطنية الضيقة إلى الجسد الواحد


وعند إمعان النظر في اهتمام شعوب المسلمين بقضية ما، نجد أن ذلك الاهتمام نابع من أمرين: الأول أن هذه القضية طغت وطنيتها على سائر ما فيها، فكان اهتمام الناس بها تأثُّرا بوطنيتها لا بإسلاميتها، وإنْ غلّفوها بعباءة دينية أحيانا.

والأمر الثاني نابع من اهتمام الحكام والأنظمة بهذه القضية لارتباطها الوثيق بمصائرهم السياسية ومصالحهم الأمنية، وبالتالي تصبح حركة الشعوب واهتماماتها، رهنا لحركة الحكومات وتوجهاتها السياسية، فمثلا كثيرون لا يهمهم في قضية السودان سوى المناكفة السياسية لطواغيت الإمارات كونها خصما سياسيا للمحور الآخر الذي يمثله طواغيت آخرون، مع أنّ كلا المحورين المتناحرين في الحكم سواء.

في حين أن الإسلام يربّي المسلم على جعل عقيدة التوحيد ورابطتها هي المحرّك الأساسي تجاه قضايا المسلمين، فالمسلم الليبي يهتم لقضية مسلمي السودان تماما كما يهتم المسلم الشيشاني لقضية مسلمي سوريا، والمسلم النيجيري يتألم لجراح أخيه المسلم العراقي تماما كما يتألم المسلم الأفغاني لجراح أخيه المسلم الفلسطيني، هذا هو الإسلام الذي نعرفه، هكذا تذوب الفوارق الجاهلية والحدود الوطنية لمصلحة الرابطة الدينية التي تحقق الوحدة الإسلامية التي ضلّ الناس سبيلها.


• مقتبس من صحيفة النبأ – العدد 519
السودان بين الإسلام والوطنية
...المزيد

قِوامُ الدَّولة ومَنهجُ النُّصرة (تذكير بوصية الشيخ المتحدث في التحذير من الفرقة والاختلاف) يا ...

قِوامُ الدَّولة ومَنهجُ النُّصرة (تذكير بوصية الشيخ المتحدث في التحذير من الفرقة والاختلاف)


يا جنودَ الخلافة.. الجماعةَ. الجماعةَ، والسمعَ والطاعةَ لأمرائكم في المعروف فهو واجبُ كلِ واحدٍ منكم، وهو قِوامُ دولتِكُم قديما وحديثا به تُحفظُ بيضتُها وتدُوم هيبتُها وينتظِمُ أمرُها، وبضِدِها يحصلُ الفشلُ وتذهبُ القوة، قال تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}.

وإياكم وتلبيسَ إبليسٍ، فإن شياطينَ الإنسِ والجنِ، تُكثرُ التلبيسَ على المسلمين في هذا الباب، فسُدوا على الشيطان بابَه وردُوه على عقِبِه خاسئا حسيرا وغلِّبوا أمرَ ربِكم القائل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}، وأمرَ نبيِكم -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (مَن خَلَعَ يَدًا مِن طاعَةٍ، لَقِيَ اللَّهَ يَومَ القِيامَةِ لا حُجَّةَ له، وَمَن ماتَ وَليسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، ماتَ مِيتَةً جاهِلِيَّةً)، فهذا مقامُ الاجتماعِ والطاعةِ والبيعةِ في الإسلام، فعَضُوا عليها بالنواجذ ووفُوا ببيعتكم.

ويشملُ هذا الأمرُ إخواننا المناصرين الذين حملوا رايةَ نُصرةِ الدولة الإسلامية في ساحة الإعلام ونسبوا أنفسَهم إليها، وعقدوا البيعةَ لها من سائر العالم فإن السمع والطاعةَ واجبةٌ على كل فردٍ منهم، فاسمعوا وأطيعوا، وتعاونوا وتطاوعوا، واحذروا الفرقة والاختلاف، واجتنبوا عقيمَ الجدالِ فإنه يُوغِرُ الصدرَ ويُذهب الأجر؛ ولديكم أرشيف كبيرٌ من ميراثِ الدولة الإسلامية المرئي والمسموعِ والمقروء، فاجتهدوا في رفعه وترجمتِه وبثِه في جنباتِ الشبكة العنكبوتية التي لا تنشغلُ هي عن محاربتكم، فزاحموا أهلَ الباطل بنشرِ الهدايةِ والرشاد، وادفعوا شُبُهاتِهم بالحقِ لا بسِواه، انصُروا الشريعةَ بالشريعةِ والسنةَ بالسنة، وادعوا إلى سبيل ربكم بالموعظة الحسنة، وخاطبوا الناسَ على قدرِ عقولِهم فإنما أنتم رسلُ البلاغ، وهي وظيفتُكم الأولى في ميدان الإعلامِ المناصِر، فلا تستبدلوها بشيء سِوى النفيرِ إلى ميادين القتال.

وكونوا على قدْرِ هذه الأمانة، إخلاصا واتباعا وهمة وتفانيا. وامتثلوا توجِيهاتِ إخوانِكم التي تصلكم عبر منابرها الرسمية -حفظ اللهُ القائمين عليها-.


الشيخ أبو حذيفة الأنصاري (حفظه الله تعالى)
من كلمة صوتية بعنوان: { واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ }
...المزيد

هشيم الوحدة الجاهلية إن مجتمع الديمقراطية بكل أشكاله وفي جميع ساحاته، مجتمع جاهلي مفكك تطغى ...

هشيم الوحدة الجاهلية


إن مجتمع الديمقراطية بكل أشكاله وفي جميع ساحاته، مجتمع جاهلي مفكك تطغى عليه الأنانية والمادية والحزبية التي لا تؤمن بغير المصلحة، إنها بيئة مَرَضية مضطربة يزعمون أنها تهدف إلى تنظيم وإصلاح البيت الداخلي، في حين أنها تهدمه لا تنظمه، وتفسده لا تصلحه، وتمزّق أفراده شيعا وفرقا تتقاتل باسم "الوحدة الوطنية" وتحت ظلال "القبة البرلمانية" التي شيّدتها شياطين الإنس والجن بديلا عن قبة الشريعة المرْضية.



• مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد [522]
الفائزون والخاسرون
...المزيد

مقال: تُحف الذاكرين (2) الحمد لله محبّ التوّابين وغافر زلات المذنبين، والصلاة والسلام على ...

مقال: تُحف الذاكرين (2)


الحمد لله محبّ التوّابين وغافر زلات المذنبين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد، نواصل في هذا العدد ما ابتدأناه في العدد الماضي من تحف الذاكرين التي أعدها الله تعالى لعباده الذاکرین.

التحفة الثالثة: النجاة من المصائب والنكبات، قال عز وجل: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:١٤٣-١٤٤]، قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: "يقول: لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة!، يوم يبعث الله فيه خلقه محبوسا، ولكنه كان من الذاکرین الله قبل البلاء، فذكره الله في حال البلاء، فأنقذه ونجَّاه... وعن ميمون بن مهران، قال: سمعت الضحاك بن قيس يقول على منبره: اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدّة، إن يونس كان عبداً لله ذاكرا، فلما أصابته الشدّة دعا الله فقال الله: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ}، فذكره الله بما كان منه، وكان فرعون طاغيا باغيا فلمَّا {أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}". [التفسير]

وكما أنجي الله نبيه يونس عليه السلام فكذا سينجی سبحانه كل مَن عمل ما عمله يونس عليه السلام وأخذ بالسبب نفسه، قال الله عز وجل: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:٨٨]، قال الطبري رحمه الله: "يقول جلّ ثناؤه: وكما أنجينا يونس من كرب الحبس في بطن الحوت في البحر إذ دعانا، كذلك ننجي المؤمنين من كربهم إذا استغاثوا بنا ودعونا ". [التفسير]

وسل نفسك كم مرة مرّت عليك مصيبة ونكبة وكنت من قبل مفرطا في جنب الله لم تَعُدّ لها عملا صالحا، وصرت تفتّش حينها يمينا وشمالا لا ترى عملا مخلَصا يصلح ذكره في ذلك الموطن، ثم سل نفسك كم مرة أنجاك الله من غم ألمّ بك وقد عزمت حينه أنك بعد النجاة تكون من أهل العبادة والاجتهاد والأعمال الصالحات؟.

فتدارك نفسك الآن لتعمل لقدَر نازل بك، وغدٍ هو عليك آت، فقد جُبلت الدنيا على الكدر ومصاعب القَدر، ولن تجد عُدة أيسر من ذكر الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: (تعرّف على الله في الرخاء، يعرفك في الشدة) [رواه أحمد].

وإن كلمات الذكر لتذكّر بصاحبها عند العرش قال صلى الله عليه وسلم: (الذين يذكرون من جلال الله من تسبيحه وتحميده وتكبيره وتهليله يتعاطفن حول العرش لهن دوي كدوي النحل، يذكّرون بصاحبهن ألا يحب أحدكم أن لا يزال له عند الله شيء يذكر به) [رواه أحمد].

وما أحوج المجاهد في سبيل الله إلى أن يكون له عند الله شيء يُذكر به؛ لأن المدلهمات حوله كثيرة والكل متربص به ويطلبه.

التحفة الرابعة: طمأنينة القلب وانشراحه، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨]، وقال نبينا عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار؛ جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب) [ابن ماجه]، وراحة الصدر لن يجدها إلا أهل الذكر، وهذه خاصية لهم من بين المتنافسين في الخيرات.

وخير أهل كلّ عبادة أكثرهم لله ذكرا، فعن معاذ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّ رجلاً سأله فقال: "أيُّ الجهاد أعظمُ أجراً یا رسول الله ؟ قال: (أكثرُهم للهِ ذِكرا)، قال: فأيُّ الصَّائمين أعظمُ؟ قال: (أكثرهم لله ذِكرا)، ثم ذكر لنا الصَّلاة والزَّكاة والحجَّ والصدقة كلٌّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أكثرهم لله ذكرا)، فقال أبو بكر: يا أبا حفص، ذهب الذاكرون بكلِّ خيرٍ، فقال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أجل). [رواه أحمد]

لذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام يحث على ذكر الله كثيرا، وكان هو عليه الصلاة والسلام كثير الذكر لله، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله عز وجل على كل أحيانه" [متفق عليه]، فقد كان عليه الصلاة والسلام حريصا على قلبه، يظهر ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّه لَيُغانُ على قلبي، وإنِّي لأستغفرُ الله في اليوم مئة مرة)، وإن كان نبينا صلى الله عليه وسلم حريصا على قلبه، وهو الذي يُوحى إليه، وهو المغفور له، فكيف بنا نحن؟!

وكان بعض السلف رحمهم الله يذكرون الله بالمئات وبعضهم بالألوف، قال ابن رجب رحمه الله: "وكان بعضُهم يسبِّحُ كلَّ يوم اثني عشر ألفَ تسبيحة بقدر دِيَتِه، كأنَّه قد قتل نفسه، فهو يَفْتَكُّها بديتها" [جامع العلوم والحكم].

ولذلك تجد الذاکرین هم أبعد الناس عن الهمّ والكآبة والسخط، وبمقدار الذكر يكون الانشراح في الصدر، وضيق الصدر أقرب لأهل المعاصي والمسرفين في المباحات وأهل الغفلة، قال ابن القيم رحمه الله: "وصدأ القلب الغفلة والهوى وجلاؤه الذكر والتوبة والاستغفار" [الوابل الصيب].

ومن عجيب حال الناس بحثهم السعادة واطمئنان القلب في غير ذكر الله وطاعته، ولو أنهم عملوا بما قاله خالق القلوب وباريها لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا، إذ لا يعرف ما يصلح هذه القلوب إلا خالقها فهو بما خلق أعلم، قال سبحانه: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، ولذلك نجد من طاف بين المعاصي ونال بغيته منها وغرق في ملذات الدنيا لم يحصّل بعدها إلا قسوة القلب وضيق الصدر، بل بعضهم لم يجد للحياة طعما فاختار الانتحار! ظانا أن ما بعد الموت أهون مما قبله، بينما نجد المجاهد في سبيل الله المتفرغ لعبادة الله العامل بما يرضي الله أسعد الناس قلبا وأشرحهم صدرا وإن فقد أهله وماله أو فقد أحد أعضائه أو أصابه أسر أو شدة؛ وما ذاك إلا لكثرة ذكرهم لله، واستعدادهم الدائم للقاء الله وجعلهم الدنيا خلف ظهورهم، قال عليه الصلاة والسلام: (عليكم بالجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، فإنه باب من أبواب الجنة يذهب الله به الهم والغم). [رواه أحمد]

فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وصلّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 297
الخميس 19 ذي الحجة 1442 هـ
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
18 جمادى الآخرة 1447
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً