صراخ الرافضة على قدر آلامهم إن من يتابع أخبار الروافض في العراق ويشاهد الحالة الجنائزية التي ...

صراخ الرافضة على قدر آلامهم


إن من يتابع أخبار الروافض في العراق ويشاهد الحالة الجنائزية التي تطغى عليهم عند كل ضربة يتلقونها من جنود الدولة الإسلامية، والحالة الاحتفالية التي يشيعونها عند تحقيق أي نصر مزعوم مهما كان صغيرا، سيدرك جيداً مدى الضعف الذي يشعرون به والخوف الذي ينتابهم، فهم يخشون من كل ضربة للمجاهدين أن تقصم ظهورهم، فيحاولون إظهار القوة والسيطرة لتغطية ما هم عليه في حقيقة الأمر من ذلة وانكسار.

ففي كل مرة تنجح مفرزة من مفارز المجاهدين المنتشرة في العراق بتوجيه ضربة إلى قواتهم، نتفاجأ بقوة صراخهم وشدة عويلهم المبالغ فيه، لأن الضعف الذي هم فيه يجعلهم يشعرون بالألم أضعافاً مضاعفة عما قد يشعر به غيرهم من الكفار والمرتدين المحاربين للدولة الإسلامية والذين نالهم من البطش أكثر مما نال الروافض أحيانا.

وفي كل فترة يطالعوننا بأخبار مزعومة عن تمكنهم من قتل أعداد كبيرة من المجاهدين أو إحباط مخططات كبيرة لهم أو استهداف قياداتهم وأمرائهم، ونتفاجأ أيضا بحجم الاحتفالات التي يقيمونها لتلك المزاعم، وذلك لأنهم يحاولون التغطية على الهزيمة النفسية التي يشعرون بها ويخشون أن تؤول قريبا إلى هزيمة عسكرية في الميدان بأخبار انتصارات وفتوحات وتمكين، وهكذا الضعيف المهزوم يفرح لأي خبر انتصار مهما صغر، وينفخ فيه حتى يصبح بحجم هزيمته وانكسار نفسه، علّه يغطي عليهما ويحجبهما عن أعين الآخرين.

وليس بخاف اليوم على أحد أن أسباب ضعف الروافض في العراق كثيرة خطيرة، وليست حربهم المنهكة ضد جنود الخلافة الوحيدة فيها، وإن كانت من أكثر عوامل الكشف عن ذلك الضعف، ومما يقوي أثر بقية الأسباب المضعفة للحكومة الرافضية وميليشياتها.

فالحكومة الرافضية تدرك واقع جيشها المتهالك، الذي سُحق تماماً في الحرب ضد الدولة الإسلامية طوال السنوات الماضية، وصار أشبه بالميليشيات ضعيفة الأداء قليلة التسليح منه إلى الجيوش النظامية القوية، وتدرك أيضا أنه أصبح كالمريض المنهك الذي تؤدي كل حركة منه إلى زيادة إنهاكه وتعزيز ضعفه، وفي الوقت نفسه لا أمل في تجديد هذا الجيش وتعزيز قوته، في ظل حالة الإفلاس التي قد تدفع الحكومة الرافضية حتى إلى قطع أو تخفيض رواتب الجنود، ما سيشكل كارثة حقيقية على هذا الجيش المرتد وقيادته، بإذن الله تعالى.

كما أنها تدرك جيداً الحالة الاقتصادية والمالية السيئة لها، في ظل الديون التي تراكمت عليها خلال الحرب مع الدولة الإسلامية، والتي عجزت عن سداد أي جزء منها، بل زادت عليها أضعافا كثيرة، لتغطية نفقات هذه الحرب، ولضمان استمرارية عمل الحكومة ولو بشكل صوري، خاصة في ظل تراجع مواردها النفطية، وزيادة ضغوط الميليشيات عليها لتحصيل مكاسب أكبر للأحزاب، ولتأمين المزيد من الوظائف والخدمات للسكان الذين يعيشون تحت حكمها، فلذلك كله فإنهم يخشون كثيرا من عجزهم في الفترة القادمة عن تمويل الحرب على الدولة الإسلامية، أو أن يفتح الله تعالى على جنود الخلافة من جديد فلا يجدوا شيئا يستعينون به على حربها مرة أخرى.

كما أن الحالة السياسية لرافضة العراق اليوم ليست في أفضل حالاتها، فالصراع بين الأحزاب والميليشيات في تصاعد خطير، ويكاد يقترب من عتبة الصدام والتطاحن وينفلت من يد أجهزة استخبارات إيران وحرسها الثوري، وكذلك فإن حمّى المظاهرات والاحتجاجات لم ترفع منذ عام تقريبا، ضاغطة بشكل دائم على أعصاب الحكومة الرافضية وأحزابها، مهددة بحريق خطير في مناطق الوسط والجنوب، لن يكون من السهل عليهم إخماده، وفوق ذلك كله فموعد الانتخابات التي تتجه إليها أنظار المتصارعين يقترب أكثر، مقرَّبا مواعيد صدامات مؤجلة فيما بينهم، بإذن الله رب العالمين.

وهذه الأمور وغيرها مما تدركه الحكومة الرافضية في العراق وميليشياتها أكثر من غيرهم، تكشف لهم ضعف قوتهم وقلة حيلتهم، بخلاف ما يظهرونه للناس من قوة وتمكين، ولذلك فإنهم يشعرون بألم كل ضربة يتلقونها من المجاهدين شديدا عليهم، فهم يتألمون لضعفهم أكثر مما تؤلمهم الضربات، ويتألمون لعجزهم عن التوقّي من الهجمات أكثر من تألمهم من تلك الهجمات، نسأل الله أن يزيدهم على ضعفهم ضعفا، وعلى مصائبهم مصائبا، وأن يقوينا عليهم ويمكننا منهم، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحميد، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 275
الخميس 13 رجب 1442 هـ
...المزيد

{ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } كثيرة هي الأساطير والخرافات ...

{ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ }


كثيرة هي الأساطير والخرافات المتداولة في أوساط الأحزاب المنتسبة للإسلام زوراً، والتي يتلقفها الأفراد مِن أفواه مَن يتبعونهم على ضلال دون تحقيق أو قياس إلى الواقع، بعضها يكون منشؤه دعائيا ثم يتحول إلى منهج عمل، وبعضها لا يقصد منه إلا خداع السذج والأغرار من الأتباع ليستمروا في السير على الطريق المرسوم لهم.

ومن الكلام الدارج كثيراً على ألسنة قادة تلك الأحزاب المرتدة، والذي جعلوه قاعدة ثابتة وأصلاً راسخاً، قولهم إن الناس في بلدان المسلمين إذا رُفعت عنهم قبضة الصليبيين والطواغيت فإنهم سيختارون -بدون شك- أن يُحكموا بشريعة الإسلام، ولذلك فإن تلك الأحزاب تزعم أن عملها يقتصر على فتح المجال أمام الناس ليختاروا هم إقامة الدين بحرية، وأنهم بذلك يحترمون إرادة الناس.

ومثل هذا الكلام ينطوي على أمور عديدة، منها ما هو أخبار لا تثبت أمام امتحان الشرع والعقل والواقع، ومنها ما هو وعود وعهود أثبت الواقع كذبها وغدْر مَن يُطلقها، ومنها ما هو إعلان مراوغ للرضا بالكفر يخفيه مطلقوه تحت ستار من الوجوه المحتملة.

ويكفي لتكذيب هذا الكلام ما رأيناه ونراه واقعا في بعض البلدان التي يختار فيها الناس مَن يريدون مِن الحكام وما يحكمون به، فإنهم لم يختاروا كلهم مَن يزعمون أنهم يدافعون عن الإسلام، ويسعون لإعادته حاكما للناس، بل اختاروا بدلاً عنهم مَن يصرّحون علناً بمعاداة الإسلام والحرص على العلمانية! وحسبنا أن نعلم أن عدد الكفار والمرتدين الذين اختاروا الطاغوت "محمد مرسي" لحكم مصر مساو -تقريباً- لعدد مَن انتخبوا خصمه الطاغوت "أحمد شفيق"! ولا شك أن "شفيق" كان معروفا لأهل مصر بكفره وعدائه للدين لكونه مِن رجال الطاغوت الأسبق "مبارك"، وكذلك الأمر في تركيا إذ أن الكفار والمرتدين المنتخبين للطاغوت "أردوغان" هم أقلية إذا ما قورنوا بمجموع الكفار والمرتدين الذين انتخبوا كل خصومه في الانتخابات.

فإن كان مقياس الانتخابات الشركية التي يسعى إليها مرتدو الأحزاب الكافرة مقبولاً لديهم، فهو قد أثبت مراراً أن الأمر ليس كما يزعمون، وأن الناس إن تُركوا لحريتهم فسيختار كل منهم مَن يوافق هواه، أو يحسب أنه سيقدم له نفعاً أو يدرأ عنه ضرراً، أو مَن هو أقدر على خداعهم وتضليلهم بالوعود والشعارات، ولن يختار مَن يزعمون رغبتهم بتحكيم الشريعة إلا أقلية!، خاصة إن خاف الناس أن تؤدي إقامة الدين إلى إغضاب الكفار وأن تتأثر بذلك معاشاتهم واقتصادات بلدانهم.

ويندرج تحت هذه القضية سؤال مهم يتهرب مرتدو الديموقراطية من الإجابة عنه، وهو إن كانوا يعذرون متخذي الطواغيت الحاكمين آلهة لهم بأنهم متأولون بفعلهم، لكونهم يختارون إقامة الإسلام من خلال انتخاب أولئك الطواغيت، فلا يكفرونهم، فبأي عذر يعذرون مَن ينتخبون الطواغيت الذين يصرّحون علناً بعدائهم للإسلام وعزمهم على تغيير شرائعه وتبديل أحكامه؟! ولعل معرفتنا أنه في حالة مَن انتخبوا الطاغوت "أحمد شفيق" في مصر كانوا قرابة 12 مليوناً من الناس يوضح حجم المشكلة على حقيقتها.

ومن جانب آخر نرى أن تلك الأحزاب المرتدة تكذّب بنفسها مزاعمها السابقة بثقتها في رغبة أكثر الناس في بلدان المسلمين بتحكيم الشريعة، بمجرّد أن يمكنها الله تعالى في أي بقعة من الأرض، حيث تمتنع عن إقامة الدين معلنة أن الناس غير مهيئين بعد لأن يحكموا بالشريعة، وأنهم سيفرغون جهودهم لدعوة الناس وتعريفهم من جديد بدين الإسلام حتى يصبحوا مهيئين لأن يحكموا بدين الإسلام.

والحق الذي هدى الله تعالى قادة الدولة الإسلامية إليه هو التفصيل الذي يتيح تكوين تصور واقعي لحال الناس والحكم عليه ومعاملتهم وفق ذلك، فليس كل الناس الذين يعيشون في بلدان المسلمين هم من الذين سينصرون الدعوة لإقامة الدين وتحكيم شريعة الله على كل حال ومهما كانت التوقعات لتعرضهم لضرر في معاشهم جراء ذلك، ولا أغلبهم، وكذلك فليس كلهم سيُظهرون المعاداة لهذا الأمر ويناصبونه العداء ويمنعونه بكل ما استطاعوا.

بل الناس منقسمون إلى ثلاث طوائف، مؤمن بالله تعالى يحبّ دينه ويحرص على إقامته ويدافع عنه، فهذا يُحكم بإسلامه ويعامل معاملة المسلمين في كل شيء، وقسم ثانٍ كافر معاند محارب لدين الله تعالى، يُظهر العداء له والحرب عليه، أو يظاهر أولياءه الكافرين على المسلمين لمنع إقامة الدين وتثبيت حكم الجاهلية، فهذا يُحكم بكفره ويقاتل عليه، وقسم ثالث لا يحبّ الدين وأهله أو يحبّ الشرك وأهله، أو يحبّ ما ينفعه في دنياه ويكره ما يضرّه فيها ولو كان دين الله سبحانه!، ولكنه مع ذلك لا يظهر شيئا من ذلك بل يعيش بين المسلمين ويظهر أنه واحد منهم ولا يظهر الموالاة للكفار والمرتدين عليهم، فهذا منافق يُعامل معاملة المسلمين ما بقي على حاله، فهو مسلم في الظاهر كافر مرتد في الباطن حسابه على الله العظيم، فإن أظهر الكفر بأي صورة كانت، ألُحق بالطائفة السابقة وعومل معاملة المرتدين ولو كان يزعم الإسلام.

فمن المهم على العاملين لإقامة الدين أن ينتبهوا لهذا الأمر قبل تمكنهم في الأرض، وأن يفرقوا بين الناس، فينصروا المؤمنين ويستنصروهم لإقامة الدين، ويحذروا من المنافقين ويتعرفوا عليهم بسيماهم، ويحاربوا الكفار والمرتدين ويغلظوا عليهم، والحذر كل الحذر أن يخلطوا بين هذه الطوائف في المعاملة، فيعاملوا المؤمن معاملة الكافر، أو يعاملوا المنافق معاملة المؤمن، فهو ظلم عظيم، وهو من أبواب الهزيمة والخسارة في الدنيا والآخرة، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 274
الخميس 6 رجب 1442 هـ
...المزيد

🌃رسائل الفجر١٤٤٧/٧/١٢🌃 {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله ...

🌃رسائل الفجر١٤٤٧/٧/١٢🌃
{والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم﴾
🔻 🔻 🔻
كل مؤمن وكل تقي وكل ولي تجب ولايته ، فمن علامات الإيمان محبة المؤمنين والمصلحين والمرشدين والوعاظ وأهل العلم وأهل الخير عموماً وأفضلهم في ذلك وأعظمهم الصحابة لما كانت لهم مزية الصحبة.
🔻 🔻 🔻
فمن أبغض الصحابة أو سبهم أو تنقصهم فقد كذَّب الله ورسوله ، فكيف يترضى عنهم الرب ويسبهم العبد ؟ ثم إن سبهم أيضاً سب للدين الذي حملوه ، فهم الذين حملوا إلينا الشريعة والقرآن والسنة ، فكيف يوثق في دين ينقله كفار أو فساق ، فمن سب الصحابة كلهم أو كفرهم أو فسقهم فهو مرتد مكذب لله ولرسوله.
https://t.me/azzadden
...المزيد

ثم زخرف20 وسيبر هيرو كان معه واستغربوا من مدينة غراهام الميتال والمعدن وكان عيشهم عل ماء او ...

ثم زخرف20 وسيبر هيرو كان معه
واستغربوا من مدينة غراهام الميتال والمعدن
وكان عيشهم عل ماء او ارض

نبي قال اني اراكم بخير منتدى ازرق منتدى فيولي ربما فرامة تحدثو بعضكم16

نبي قال اني اراكم بخير منتدى ازرق منتدى فيولي
ربما فرامة تحدثو بعضكم16

ولما كان عرض نت انلاين مفضلة اومن تصبح موسوعة عربية gdevolp سعودية

ولما كان عرض نت انلاين مفضلة اومن
تصبح موسوعة عربية

gdevolp سعودية

الدولة الإسلامية - قصة شهيد - أبو محمد الفرقان إن حرب العقائد والأفكار لا تقل أهمية ولا شراسة ...

الدولة الإسلامية - قصة شهيد - أبو محمد الفرقان


إن حرب العقائد والأفكار لا تقل أهمية ولا شراسة عن حروب الحديد والنار التي تتصارع من خلالها الجيوش، فتُسحق فيها الجماجم، وتُسكب الدماء، ويُباد البشر، بل لا مبالغة في القول إن حرب الأفكار هي الأساس الذي تقوم عليه أكثر حروب الحديد والنار.

ولذلك يخصص المشركون جزءا كبيرا من مواردهم المالية والمادية والبشرية لهذه الحرب، لتقوية صفوفهم، وتحشيد أنصارهم، وتغيير عقائد المسلمين، وزرع الوهن والعجز في نفوسهم، ودفعهم إلى الاستسلام والقبول بالتبعية لأعداء الملة والدين.

وفي الوقت نفسه يرابط على هذا الثغر العظيم رجال من أهل التوحيد، يعرفون من أين يُؤتى الإيمان، فيدفعون عن المسلمين الشبهات، ويدركون مقاتل العدو، فيُتبعون الغارة الغارة على عقول أتباعه وقلوبهم، ويوقنون أن النصر من الله تعالى، فيستعينون عليه بطاعته سبحانه، والتوكل عليه حق التوكل.

ومن هؤلاء الدعاة إلى الله، الذائدين عن حياض الإيمان، الذين وطئوا مرارا مواطئ تغيظ الكفار، حتى اعترفوا مرغمين بخبرته في هذا الميدان من الصراع، وشدة بأسه وصبره على هذه الساحة من ساحات النزال؛ الشيخ المجاهد أبو محمد الفرقان، تقبله الله تعالى، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا.

هو الدكتور وائل الطائي، من الرعيل الأول من المجاهدين في العراق، وتلاميذ مدرسة التوحيد في بغداد التي وضع أسسها الشيخ فائز تقبّله الله، ودفع ثمنا لذلك قتلة في سبيل الله على يد طاغوت البعث الهالك صدام حسين، ومن المؤسسين لقاعدة الجهاد في بلاد الرافدين آنذاك، ومن القادة الأفاضل لدولة العراق الإسلاميّة، وأحد من أرسى الله بهم دعائم الدولة الإسلامية في الشام، وجدّد بهم معالم الدين وخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نشأ يتيما فلم يمنعه ذلك من التفوق على أقرانه، ودرس الطبّ فلم يشغله ذلك عن طلب العلم الشرعي والدعوة إلى دين الله تعالى، فكان ينشط بين زملائه في جامعة بغداد يدعوهم إلى التوحيد، ويوزع عليهم رسائل أئمة الدين من علماء الدعوة النجدية رحمهم الله، ويرتبط بعُصب الموحدين في بغداد وحزامها، ويطلب العلم على يد بعض من عُرفوا به في تلك الفترة.

لم يكد ينهي دراسته للطب وتخصصه في طب الأطفال ويعمل به لسنوات قليلة حتى دهمه وإخوانه الغزو الصليبي الأمريكي لأرض العراق، وسقوط نظام البعث الكافر، وانطلاق الجهاد المبارك في بلاد الرافدين، فكان من العصبة التي تأسست على يديها جماعة (أنصار السنة) في العراق، وذلك بعد وصول من نجا من جماعة (أنصار الإسلام) في كردستان إليهم، فكانوا النواة المؤسسة لهذه الجماعة المقاتلة، والمحرك الفعلي لأغلب مفاصلها.

• مع الأمير الذباح.. أبي مصعب الزرقاوي

فلما أظهر الله -تعالى- دعوة الشيخ أبي مصعب الزرقاوي تقبله الله، وأبان للناس صحة منهجه، وأعظم نكايته وإخوانه في الصليبيين، كان خيار الأفاضل من جماعة (أنصار السنة) الانضمام إليه، وعقد البيعة له، حرصا على الجماعة، ونبذا للاختلاف والفرقة، وكان على رأس هؤلاء الأفاضل الشيخ (أبو علي الأنباري) تقبّله الله، الذي فوضه إخوانه بمبايعة الشيخ الزرقاوي بالنيابة عنهم بعد أن وجدوا تسويفا ومماطلة من قيادة (أنصار السنة) في هذا الأمر، وحرصا على الزعامة والإمارة.

وهكذا دخل الشيخ أبو محمد إلى صفوف قاعدة الجهاد، ملازما لأخيه وأميره الشيخ خالد المشهداني (أبو شهد) تقبّله الله، الذي كان أميرا للقسم الإعلامي في التنظيم، فلما زادت الأحمال والتكاليف التي ألقاها الشيخ الزرقاوي على عاتق (أبي شهد)، عهد إلى أبي محمد بإدارة ملف الإعلام بالنيابة عنه، فأبلى في ذلك أحسن البلاء، حتى اعتقل الشيخ المشهداني، فصار أبو محمد أميرا للإعلام في التنظيم وكان يعمل حينها بكنية (أبي سَجَّاد).

وفي تلك الفترة كان الشيخ كثير اللقاء بالشيخ الزرقاوي يناقش معه أمور الإعلام والرسائل التي ينبغي أن تصل إلى كل من المسلمين والصليبيين، فتزيد من تأييد أهل الإسلام للجهاد في العراق، وتدفعهم إلى الهجرة والانضمام إلى المجاهدين، وتوهن من عزائم الصليبيين، وتشككهم في جدوى حربهم المهلكة في العراق، وتدفعهم إلى الانسحاب منه مخذولين مدحورين، وكان -رحمه الله- يبين لإخوانه في تلك المرحلة أن أهم واجبات الإعلام فيها إظهار الغلظة والشدة من المسلمين على الصليبيين، لإعادة الثقة والعزة لدى أهل الإيمان بعد قرون من الذل والخضوع، ولزرع الرعب من المجاهدين في قلوب المشركين عامة، وهذا ما كان بفضل من الله وحده.

ولما استوى الجهاد على سوقه، وقويت شوكة المجاهدين بعد معركة الفلوجة الثانية، وبدأ الشيخ الزرقاوي -تقبّله الله تعالى- يعد العدة لمسك الأرض، وتحقيق التمكين، وإقامة الشريعة والدين، وإعلان الدولة الإسلامية، وعزم أن يسبق ذلك بالخروج على الإعلام بوجهه مطمئنا للموحدين وإغاظة للمشركين.

كان الشيخ أبو محمد على موعد مع الشيخ الزرقاوي ليكون معه في تصوير المشاهد الضرورية للإصدار، فخرج إليه مع عدد من إخوانه أمراء التنظيم، كالشيخ أبي علي الأنباري والشيخ أبي محمد العراقي والشيخ أبي المعتز القرشي تقبّلهم الله جميعا، فقدر الله أن يعثر الصليبيون على المضافة التي كانوا فيها ينتظرون من يقلهم إلى مكان الشيخ الزرقاوي، وذلك إثر عملية إنزال أمريكية على موقع للمجاهدين قريب من المضافة، فالتقطت مكان المضافة عدسات طائرة استطلاع للصليبيين كانت تحوم في الأجواء لحظة اشتباكهم مع المجاهدين، وبعد أن انتهى الاشتباك بمقتل جميع المجاهدين في الموقع المجاور حيث فجَّروا أحزمتهم على القوات المهاجِمة ورفضوا الاستئسار لهم، حاصروا المضافة وفيها الشيخ أبو محمد ومن معه، وهم عزّل من السلاح تقريبا، لكون طريقهم من بغداد إلى مكان الشيخ الزرقاوي ملغما بالعديد من سيطرات الصليبيين، فقدر الله للشيخ أبي محمد أن يؤسر، ويبقى في السجن سنوات، وأن لا يودع أميره الوداع الأخير، فقتل الشيخ الزرقاوي تقبّله الله، وهو في سجنه، أسيرا عند الصليبيين، متنقلا بين سجونهم ومحاجرهم.

• داع إلى الله في سجون الصليبيين

في سجنه، لم يكن الشيخ أبو محمد لينسحب من ثغره ولا أن يترك أفكار أهل الضلال بمختلف أنواعهم أن تلوّث منهج أهل التوحيد أو تفسد عقائدهم، فكان يتصدى لأي انحراف يجده داخل السجن، ويقف في وجه كل من يسعى لإضلال المجاهدين مستغلا الضيق النفسي الذي يشعرون به في محابسهم، من خلال جرهم إلى الإرجاء إن وجد فيهم ضعفا وعجزا، أو دفعهم إلى الغلو إن وجد فيهم غضبا وسفاهة، وما زال جنود الدولة الإسلامية يذكرون موقفه في وجه الغلاة داخل السجن بعد خروج نابتة الخوارج في إحدى المناطق، وتسرب أفكارها الغالية إلى داخل السجن، معتمدين على شبهات باطلة أخذوها من بعض الكتب التي لم يحسنوا قراءتها، وأقوال نقلوها عن بعض علماء السوء لم يفهموها.

ولما وجد الإخوة الذين كانوا يسيِّرون شؤون جنود الدولة الإسلامية داخل السجن عظم فتنة الغلاة وخطرهم فوّضوا الشيخ أبا محمد الفرقان للتصدي لهم، وقد برزت حكمته وحسن سياسته في إدارته لذلك الملف الشائك، فلم يصطدم برؤوس الغلاة، ولم يلق لهم بالا لكيلا يمنحهم قيمة لا يستحقونها أو زعامة لا يملكونها، بل أسس للرد عليهم بسلسلة مبسطة من المحاضرات الشرعية، في باب أحكام الديار، وبات يدرس هذا المنهاج المبسط لمن يثق بهم من الإخوة، ويختبرهم فيه، فمن ضبط المنهاج أجازه بتدريسه لغيره من الإخوة.

وبات هذا المنهاج الذي استنسخ منه المجاهدون مئات النسخ، كتبوها على أوراق ينزعونها من علب العصير الذي يُقدّم لهم مع وجبات الطعام، ويحفظونه عن ظهر قلب؛ ينتقل من غرفة إلى غرفة داخل السجن الواحد، ويتعلمه الإخوة، فيردون على شبهات الغلاة الذين كان معظمهم جاهلا في الدين سطحيا في التفكير، وهكذا منّ الله تعالى على الإخوة داخل السجن بعزل أولئك الغلاة، وحماية المجاهدين من شبهاتهم، في الوقت الذي بدأ فيه جنود الدولة الإسلامية بحصد رؤوسهم في مختلف مناطق العراق لتنطفئ فتنتهم ويزول شرهم، بفضل الله وحده.

كان في سجنه مثالا للولاء والبراء، ونموذجا لإظهار العزة على الكافرين حتى وهو أسير عندهم، فبقي يظهر لهم العداء، ويغلظ لهم في القول، ويقف في وجههم مجادلا عن إخوانه، ولم يلن معهم رغم احتكاكه الإجباري الكبير معهم، فقد ألزمته معرفته باللغة الإنكليزية بالعمل مترجما لإخوانه داخل الأسر، حتى كان مصدر إزعاج للسجّانين، ومصدر تعزيز لنفوس الأسرى والمعتقلين.

• إعادة تأسيس جهاز الإعلام في الدولة الإسلامية

منَّ الله تعالى على الشّيخ بخروجه من سجن الرافضة المشركين، وما هي إلا أيام وقد التقى بإخوانه وعاد للعمل معهم، فقد كانوا يرقبون هذا اليوم منذ سنين، وكانوا ينتظرون أمثاله ليقيم صرح الإعلام من جديد بعد تعاقب الضربات التي تلقاها الجهاز الإعلامي للدولة الإسلامية، من قتل للكوادر، ومداهمة للمكاتب والمقرات، وكثرة تغير المسؤولين عنه، فما يكلف به أحد من المجاهدين حتى يبتليه الله بالأسر، أو يمن عليه بالقتل، في فترة من أصعب الفترات التي مرت بها الدولة الإسلامية عموما، فولاه أمير المؤمنين أبو عمر البغدادي -تقبّله الله تعالى- وزارة الإعلام في دولة العراق الإسلامية، وظهر في التشكيلة الوزارية الثانية للدولة تحت اسم (الأستاذ أحمد الطائي).

بعد فضل الله وحده، كان في حرصه الكبير على الإجراءات الأمنية، وما عرف عنه من كتمان شديد، وحسن اختيار للغطاء الذي يتحرك به، وكثرة تنقله؛ دور كبير في نجاته من أيدي المرتدين الذين عمموا اسمه وصوره من جديد على سيطراتهم طالبين اعتقاله، وكانت هذه السمات قديمة فيه لم يفارقها منذ أيام جهاده الأولى، فكل من عرفه كان يعرف عنه كرهه الشديد لأي سؤال يخص شخصه أو يكشف معلومات خاصة عنه، وكان يعقد أكثر اجتماعاته مع الإخوة ولقاءاته بهم في أماكن عامة، يغيرها في كل مرة، وأكثر تنقلاته في المدن سيرا على الأقدام

تجنبا للحواجز والسيطرات، وكان غطاؤه الذي يتحرك به كطبيب قريبا جدا من شخصيته ومهنته الأصلية مما ساهم -بفضل الله تعالى- في إبعاد الشبهات عنه، وقلل من متابعة المرتدين له.

وفي هذه الفترة الصعبة كان واجب الشيخ أبي محمد أن يعيد بناء الجهاز الإعلامي للدولة الإسلامية، فيقوي مركزه المتمثل آنذاك بمؤسسة الفرقان، ويعيد الارتباط بالأطراف المتمثلة بمكاتب الولايات، بل ويؤمّن الاتصال من جديد بفروع القاعدة في العالم من أجل الرد على مطاعنهم في الدولة الإسلامية ومنهجها، وتوضيح ما أشكل عليهم من مسائل بهذا الخصوص، وقد تولى هذه المهمة معه الشيخ أبو علي الأنباري تقبّله الله.

ولما كانت الضربات الأمنية السمة الكبرى لتلك المرحلة، ولضعف بنية الجهاز الإعلامي للدولة الإسلامية آنذاك؛ كاد هذا الجهاز أن ينهار تماما بضربة واحدة وخصوصا بعد اكتشاف الروافض وأوليائهم الصليبيين لمقر سري لمؤسسة الفرقان داخل مدينة بغداد، ومداهمتهم للمقر، حيث كانت الملحمة التي استبسل فيها اثنان من المجاهدين هما أبو فيصل العراقي وناصر الجزراوي في التصدي للقوات المهاجمة، والإثخان في المرتدين، حتى قتلا تقبلهما الله تعالى، لتنتهي معهم مؤسسة الفرقان لولا لطف الله، فقد كان البطلان هما نواة هذه المؤسسة المنتجان لإصداراتها، المشرفان -مع بعض من كان حولهم من إخوانهم- على كل نشاطاتها.

ولما وصل الخبر للشيخ أبي محمد سارع بسحب من سلم من الإخوة إلى مدينة الموصل ليبدأ بهم تأسيس العمل الإعلامي من جديد، رغم أن الثقل الأكبر من العمل وقع على عاتقه هو لا على غيره.

• ربيع المجاهدين

ففي تلك الفترة التي قل فيها دخول المهاجرين، وصعب فيها تحصيل الكوادر الإعلامية المدربة، وجد أنه ينبغي تأسيس العمل من جديد، وابتدأ بنفسه، فراح يقرأ عن فنون التصميم والمونتاج والإخراج، ويتعلم من شبكة الإنترنت ما يعينه على ذلك، حتى وجد في نفسه القدرة على العمل، فشرع في العمل على إنتاج سلسلة من الإصدارات لمؤسسة الفرقان، بارك الله فيها، وصارت محط أنظار الناس في مشارق الأرض ومغاربها، فكان (ربيع الأنبار)، وكان (صليل الصوارم) بإصداراته الثلاثة الأولى، والتي كان سرّها خافيا حتى على أقرب الإخوة من الشيخ والعاملين معه، فكان يعطيهم الإصدار قبل نشره ليستشيرهم في أمره ويأخذ ملاحظاتهم عليه، وقد أوهمهم أن فريقا من الإخوة قد أنجزه، وما ذلك إلا من إخلاصه، تقبله الله، نحسبه كذلك، والله حسيبه.

وقد تزامنت فترة إعادة تأسيس إعلام الدولة الإسلامية تلك مع أحداث كثيرة هامة، أهمها خروج القوات الصليبية الأمريكية من العراق مذلولة مدحورة، وعودة الزخم للعمليات العسكرية لجنود الدولة الإسلامية في مختلف ولايات العراق، وكذلك انطلاق المظاهرات في مختلف البلدان، التي سمّاها الإعلام بمظاهرات "الربيع العربي"، التي امتدت أصداؤها إلى داخل العراق، ورغم افتتان أكثر الناس بهذه الأحداث، وتسويق الضالين لها أنها خير من منهج المجاهدين في سبيل الله؛ كان قادة دولة العراق الإسلامية يدركون أن لا جدوى من المظاهرات السلمية، ولا صحة للدعوات الجاهلية حتى لو أفضت إلى إسقاط الطواغيت، ويوقنون أن لا بديل عن الجهاد في سبيل الله لإقامة الدين وتحكيم شريعة رب العالمين، ويعلمون أن أكبر فائدة تقدمها هذه المظاهرات والفوضى المرافقة لها أن تشغل الطواغيت وجنودهم، مما يسهل على المجاهدين توجيه الضربات القاضية لهم، وإقامة الدولة الإسلامية على ركام عروشهم المتهاوية، فكان إصدار (ربيع الأنبار) رسالة واضحة بهذا الخصوص، للتأكيد على أن لا تراجع عن منهج الجهاد، وأن ربيع المسلمين الحقيقي هو بإقامتهم للدين، وسيرهم على سنة خير المرسلين عليه الصلاة والسلام.

أما التأكيد الميداني على هذه الحقائق فتمثل بإرسال المجاهدين من العراق إلى الشام، ليؤسسوا لمشروع الجهاد ضد طاغية الشام بشار، مستفيدين من حالة الفوضى التي ضربت الشام إثر المظاهرات التي لم تتوقف منذ شهور، وباتت تتحول إلى العمل المسلح مع شدة بطش جنود الطاغوت في المناطق التي خرجت تنادي بإسقاط النظام النصيري، كما بدأ مجاهدو دولة العراق الإسلامية يصعدون من عملياتهم في مختلف ولايات العراق ويعظمون النكاية في الروافض والصحوات المرتدين، ويعدون العدة للنزول من الصحراء للسيطرة على المدن.

هذه الأحداث مهدت -بفضل الله وحده- لتحقيق التمكين للدولة الإسلامية، وتجديد الخلافة على منهاج النبوة، ثم الحملة الصليبية الكبرى والأخيرة -بإذن الله تعالى- على الدولة الإسلامية.

وكان للشيخ أبي محمد الفرقان -تقبّله الله- دور كبير في هذه الأحداث الكبرى بعد هجرته إلى الشام، وتوليه مهام جديدة في الدولة الإسلامية، وهذا ما سنكشف عنه -بإذن الله- في الحلقة القادمة من هذه السيرة العطرة، نسأل الله أن يعيننا ويسددنا، والحمد لله رب العالمين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 285
الخميس 24 رمضان 1442 هـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - قصة شهيد - أبو محمد الفرقان إن حرب العقائد والأفكار لا تقل أهمية ولا شراسة ...

الدولة الإسلامية - قصة شهيد - أبو محمد الفرقان


إن حرب العقائد والأفكار لا تقل أهمية ولا شراسة عن حروب الحديد والنار التي تتصارع من خلالها الجيوش، فتُسحق فيها الجماجم، وتُسكب الدماء، ويُباد البشر، بل لا مبالغة في القول إن حرب الأفكار هي الأساس الذي تقوم عليه أكثر حروب الحديد والنار.

ولذلك يخصص المشركون جزءا كبيرا من مواردهم المالية والمادية والبشرية لهذه الحرب، لتقوية صفوفهم، وتحشيد أنصارهم، وتغيير عقائد المسلمين، وزرع الوهن والعجز في نفوسهم، ودفعهم إلى الاستسلام والقبول بالتبعية لأعداء الملة والدين.

وفي الوقت نفسه يرابط على هذا الثغر العظيم رجال من أهل التوحيد، يعرفون من أين يُؤتى الإيمان، فيدفعون عن المسلمين الشبهات، ويدركون مقاتل العدو، فيُتبعون الغارة الغارة على عقول أتباعه وقلوبهم، ويوقنون أن النصر من الله تعالى، فيستعينون عليه بطاعته سبحانه، والتوكل عليه حق التوكل.

ومن هؤلاء الدعاة إلى الله، الذائدين عن حياض الإيمان، الذين وطئوا مرارا مواطئ تغيظ الكفار، حتى اعترفوا مرغمين بخبرته في هذا الميدان من الصراع، وشدة بأسه وصبره على هذه الساحة من ساحات النزال؛ الشيخ المجاهد أبو محمد الفرقان، تقبله الله تعالى، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا.

هو الدكتور وائل الطائي، من الرعيل الأول من المجاهدين في العراق، وتلاميذ مدرسة التوحيد في بغداد التي وضع أسسها الشيخ فائز تقبّله الله، ودفع ثمنا لذلك قتلة في سبيل الله على يد طاغوت البعث الهالك صدام حسين، ومن المؤسسين لقاعدة الجهاد في بلاد الرافدين آنذاك، ومن القادة الأفاضل لدولة العراق الإسلاميّة، وأحد من أرسى الله بهم دعائم الدولة الإسلامية في الشام، وجدّد بهم معالم الدين وخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نشأ يتيما فلم يمنعه ذلك من التفوق على أقرانه، ودرس الطبّ فلم يشغله ذلك عن طلب العلم الشرعي والدعوة إلى دين الله تعالى، فكان ينشط بين زملائه في جامعة بغداد يدعوهم إلى التوحيد، ويوزع عليهم رسائل أئمة الدين من علماء الدعوة النجدية رحمهم الله، ويرتبط بعُصب الموحدين في بغداد وحزامها، ويطلب العلم على يد بعض من عُرفوا به في تلك الفترة.

لم يكد ينهي دراسته للطب وتخصصه في طب الأطفال ويعمل به لسنوات قليلة حتى دهمه وإخوانه الغزو الصليبي الأمريكي لأرض العراق، وسقوط نظام البعث الكافر، وانطلاق الجهاد المبارك في بلاد الرافدين، فكان من العصبة التي تأسست على يديها جماعة (أنصار السنة) في العراق، وذلك بعد وصول من نجا من جماعة (أنصار الإسلام) في كردستان إليهم، فكانوا النواة المؤسسة لهذه الجماعة المقاتلة، والمحرك الفعلي لأغلب مفاصلها.

• مع الأمير الذباح.. أبي مصعب الزرقاوي

فلما أظهر الله -تعالى- دعوة الشيخ أبي مصعب الزرقاوي تقبله الله، وأبان للناس صحة منهجه، وأعظم نكايته وإخوانه في الصليبيين، كان خيار الأفاضل من جماعة (أنصار السنة) الانضمام إليه، وعقد البيعة له، حرصا على الجماعة، ونبذا للاختلاف والفرقة، وكان على رأس هؤلاء الأفاضل الشيخ (أبو علي الأنباري) تقبّله الله، الذي فوضه إخوانه بمبايعة الشيخ الزرقاوي بالنيابة عنهم بعد أن وجدوا تسويفا ومماطلة من قيادة (أنصار السنة) في هذا الأمر، وحرصا على الزعامة والإمارة.

وهكذا دخل الشيخ أبو محمد إلى صفوف قاعدة الجهاد، ملازما لأخيه وأميره الشيخ خالد المشهداني (أبو شهد) تقبّله الله، الذي كان أميرا للقسم الإعلامي في التنظيم، فلما زادت الأحمال والتكاليف التي ألقاها الشيخ الزرقاوي على عاتق (أبي شهد)، عهد إلى أبي محمد بإدارة ملف الإعلام بالنيابة عنه، فأبلى في ذلك أحسن البلاء، حتى اعتقل الشيخ المشهداني، فصار أبو محمد أميرا للإعلام في التنظيم وكان يعمل حينها بكنية (أبي سَجَّاد).

وفي تلك الفترة كان الشيخ كثير اللقاء بالشيخ الزرقاوي يناقش معه أمور الإعلام والرسائل التي ينبغي أن تصل إلى كل من المسلمين والصليبيين، فتزيد من تأييد أهل الإسلام للجهاد في العراق، وتدفعهم إلى الهجرة والانضمام إلى المجاهدين، وتوهن من عزائم الصليبيين، وتشككهم في جدوى حربهم المهلكة في العراق، وتدفعهم إلى الانسحاب منه مخذولين مدحورين، وكان -رحمه الله- يبين لإخوانه في تلك المرحلة أن أهم واجبات الإعلام فيها إظهار الغلظة والشدة من المسلمين على الصليبيين، لإعادة الثقة والعزة لدى أهل الإيمان بعد قرون من الذل والخضوع، ولزرع الرعب من المجاهدين في قلوب المشركين عامة، وهذا ما كان بفضل من الله وحده.

ولما استوى الجهاد على سوقه، وقويت شوكة المجاهدين بعد معركة الفلوجة الثانية، وبدأ الشيخ الزرقاوي -تقبّله الله تعالى- يعد العدة لمسك الأرض، وتحقيق التمكين، وإقامة الشريعة والدين، وإعلان الدولة الإسلامية، وعزم أن يسبق ذلك بالخروج على الإعلام بوجهه مطمئنا للموحدين وإغاظة للمشركين.

كان الشيخ أبو محمد على موعد مع الشيخ الزرقاوي ليكون معه في تصوير المشاهد الضرورية للإصدار، فخرج إليه مع عدد من إخوانه أمراء التنظيم، كالشيخ أبي علي الأنباري والشيخ أبي محمد العراقي والشيخ أبي المعتز القرشي تقبّلهم الله جميعا، فقدر الله أن يعثر الصليبيون على المضافة التي كانوا فيها ينتظرون من يقلهم إلى مكان الشيخ الزرقاوي، وذلك إثر عملية إنزال أمريكية على موقع للمجاهدين قريب من المضافة، فالتقطت مكان المضافة عدسات طائرة استطلاع للصليبيين كانت تحوم في الأجواء لحظة اشتباكهم مع المجاهدين، وبعد أن انتهى الاشتباك بمقتل جميع المجاهدين في الموقع المجاور حيث فجَّروا أحزمتهم على القوات المهاجِمة ورفضوا الاستئسار لهم، حاصروا المضافة وفيها الشيخ أبو محمد ومن معه، وهم عزّل من السلاح تقريبا، لكون طريقهم من بغداد إلى مكان الشيخ الزرقاوي ملغما بالعديد من سيطرات الصليبيين، فقدر الله للشيخ أبي محمد أن يؤسر، ويبقى في السجن سنوات، وأن لا يودع أميره الوداع الأخير، فقتل الشيخ الزرقاوي تقبّله الله، وهو في سجنه، أسيرا عند الصليبيين، متنقلا بين سجونهم ومحاجرهم.

• داع إلى الله في سجون الصليبيين

في سجنه، لم يكن الشيخ أبو محمد لينسحب من ثغره ولا أن يترك أفكار أهل الضلال بمختلف أنواعهم أن تلوّث منهج أهل التوحيد أو تفسد عقائدهم، فكان يتصدى لأي انحراف يجده داخل السجن، ويقف في وجه كل من يسعى لإضلال المجاهدين مستغلا الضيق النفسي الذي يشعرون به في محابسهم، من خلال جرهم إلى الإرجاء إن وجد فيهم ضعفا وعجزا، أو دفعهم إلى الغلو إن وجد فيهم غضبا وسفاهة، وما زال جنود الدولة الإسلامية يذكرون موقفه في وجه الغلاة داخل السجن بعد خروج نابتة الخوارج في إحدى المناطق، وتسرب أفكارها الغالية إلى داخل السجن، معتمدين على شبهات باطلة أخذوها من بعض الكتب التي لم يحسنوا قراءتها، وأقوال نقلوها عن بعض علماء السوء لم يفهموها.

ولما وجد الإخوة الذين كانوا يسيِّرون شؤون جنود الدولة الإسلامية داخل السجن عظم فتنة الغلاة وخطرهم فوّضوا الشيخ أبا محمد الفرقان للتصدي لهم، وقد برزت حكمته وحسن سياسته في إدارته لذلك الملف الشائك، فلم يصطدم برؤوس الغلاة، ولم يلق لهم بالا لكيلا يمنحهم قيمة لا يستحقونها أو زعامة لا يملكونها، بل أسس للرد عليهم بسلسلة مبسطة من المحاضرات الشرعية، في باب أحكام الديار، وبات يدرس هذا المنهاج المبسط لمن يثق بهم من الإخوة، ويختبرهم فيه، فمن ضبط المنهاج أجازه بتدريسه لغيره من الإخوة.

وبات هذا المنهاج الذي استنسخ منه المجاهدون مئات النسخ، كتبوها على أوراق ينزعونها من علب العصير الذي يُقدّم لهم مع وجبات الطعام، ويحفظونه عن ظهر قلب؛ ينتقل من غرفة إلى غرفة داخل السجن الواحد، ويتعلمه الإخوة، فيردون على شبهات الغلاة الذين كان معظمهم جاهلا في الدين سطحيا في التفكير، وهكذا منّ الله تعالى على الإخوة داخل السجن بعزل أولئك الغلاة، وحماية المجاهدين من شبهاتهم، في الوقت الذي بدأ فيه جنود الدولة الإسلامية بحصد رؤوسهم في مختلف مناطق العراق لتنطفئ فتنتهم ويزول شرهم، بفضل الله وحده.

كان في سجنه مثالا للولاء والبراء، ونموذجا لإظهار العزة على الكافرين حتى وهو أسير عندهم، فبقي يظهر لهم العداء، ويغلظ لهم في القول، ويقف في وجههم مجادلا عن إخوانه، ولم يلن معهم رغم احتكاكه الإجباري الكبير معهم، فقد ألزمته معرفته باللغة الإنكليزية بالعمل مترجما لإخوانه داخل الأسر، حتى كان مصدر إزعاج للسجّانين، ومصدر تعزيز لنفوس الأسرى والمعتقلين.

• إعادة تأسيس جهاز الإعلام في الدولة الإسلامية

منَّ الله تعالى على الشّيخ بخروجه من سجن الرافضة المشركين، وما هي إلا أيام وقد التقى بإخوانه وعاد للعمل معهم، فقد كانوا يرقبون هذا اليوم منذ سنين، وكانوا ينتظرون أمثاله ليقيم صرح الإعلام من جديد بعد تعاقب الضربات التي تلقاها الجهاز الإعلامي للدولة الإسلامية، من قتل للكوادر، ومداهمة للمكاتب والمقرات، وكثرة تغير المسؤولين عنه، فما يكلف به أحد من المجاهدين حتى يبتليه الله بالأسر، أو يمن عليه بالقتل، في فترة من أصعب الفترات التي مرت بها الدولة الإسلامية عموما، فولاه أمير المؤمنين أبو عمر البغدادي -تقبّله الله تعالى- وزارة الإعلام في دولة العراق الإسلامية، وظهر في التشكيلة الوزارية الثانية للدولة تحت اسم (الأستاذ أحمد الطائي).

بعد فضل الله وحده، كان في حرصه الكبير على الإجراءات الأمنية، وما عرف عنه من كتمان شديد، وحسن اختيار للغطاء الذي يتحرك به، وكثرة تنقله؛ دور كبير في نجاته من أيدي المرتدين الذين عمموا اسمه وصوره من جديد على سيطراتهم طالبين اعتقاله، وكانت هذه السمات قديمة فيه لم يفارقها منذ أيام جهاده الأولى، فكل من عرفه كان يعرف عنه كرهه الشديد لأي سؤال يخص شخصه أو يكشف معلومات خاصة عنه، وكان يعقد أكثر اجتماعاته مع الإخوة ولقاءاته بهم في أماكن عامة، يغيرها في كل مرة، وأكثر تنقلاته في المدن سيرا على الأقدام

تجنبا للحواجز والسيطرات، وكان غطاؤه الذي يتحرك به كطبيب قريبا جدا من شخصيته ومهنته الأصلية مما ساهم -بفضل الله تعالى- في إبعاد الشبهات عنه، وقلل من متابعة المرتدين له.

وفي هذه الفترة الصعبة كان واجب الشيخ أبي محمد أن يعيد بناء الجهاز الإعلامي للدولة الإسلامية، فيقوي مركزه المتمثل آنذاك بمؤسسة الفرقان، ويعيد الارتباط بالأطراف المتمثلة بمكاتب الولايات، بل ويؤمّن الاتصال من جديد بفروع القاعدة في العالم من أجل الرد على مطاعنهم في الدولة الإسلامية ومنهجها، وتوضيح ما أشكل عليهم من مسائل بهذا الخصوص، وقد تولى هذه المهمة معه الشيخ أبو علي الأنباري تقبّله الله.

ولما كانت الضربات الأمنية السمة الكبرى لتلك المرحلة، ولضعف بنية الجهاز الإعلامي للدولة الإسلامية آنذاك؛ كاد هذا الجهاز أن ينهار تماما بضربة واحدة وخصوصا بعد اكتشاف الروافض وأوليائهم الصليبيين لمقر سري لمؤسسة الفرقان داخل مدينة بغداد، ومداهمتهم للمقر، حيث كانت الملحمة التي استبسل فيها اثنان من المجاهدين هما أبو فيصل العراقي وناصر الجزراوي في التصدي للقوات المهاجمة، والإثخان في المرتدين، حتى قتلا تقبلهما الله تعالى، لتنتهي معهم مؤسسة الفرقان لولا لطف الله، فقد كان البطلان هما نواة هذه المؤسسة المنتجان لإصداراتها، المشرفان -مع بعض من كان حولهم من إخوانهم- على كل نشاطاتها.

ولما وصل الخبر للشيخ أبي محمد سارع بسحب من سلم من الإخوة إلى مدينة الموصل ليبدأ بهم تأسيس العمل الإعلامي من جديد، رغم أن الثقل الأكبر من العمل وقع على عاتقه هو لا على غيره.

• ربيع المجاهدين

ففي تلك الفترة التي قل فيها دخول المهاجرين، وصعب فيها تحصيل الكوادر الإعلامية المدربة، وجد أنه ينبغي تأسيس العمل من جديد، وابتدأ بنفسه، فراح يقرأ عن فنون التصميم والمونتاج والإخراج، ويتعلم من شبكة الإنترنت ما يعينه على ذلك، حتى وجد في نفسه القدرة على العمل، فشرع في العمل على إنتاج سلسلة من الإصدارات لمؤسسة الفرقان، بارك الله فيها، وصارت محط أنظار الناس في مشارق الأرض ومغاربها، فكان (ربيع الأنبار)، وكان (صليل الصوارم) بإصداراته الثلاثة الأولى، والتي كان سرّها خافيا حتى على أقرب الإخوة من الشيخ والعاملين معه، فكان يعطيهم الإصدار قبل نشره ليستشيرهم في أمره ويأخذ ملاحظاتهم عليه، وقد أوهمهم أن فريقا من الإخوة قد أنجزه، وما ذلك إلا من إخلاصه، تقبله الله، نحسبه كذلك، والله حسيبه.

وقد تزامنت فترة إعادة تأسيس إعلام الدولة الإسلامية تلك مع أحداث كثيرة هامة، أهمها خروج القوات الصليبية الأمريكية من العراق مذلولة مدحورة، وعودة الزخم للعمليات العسكرية لجنود الدولة الإسلامية في مختلف ولايات العراق، وكذلك انطلاق المظاهرات في مختلف البلدان، التي سمّاها الإعلام بمظاهرات "الربيع العربي"، التي امتدت أصداؤها إلى داخل العراق، ورغم افتتان أكثر الناس بهذه الأحداث، وتسويق الضالين لها أنها خير من منهج المجاهدين في سبيل الله؛ كان قادة دولة العراق الإسلامية يدركون أن لا جدوى من المظاهرات السلمية، ولا صحة للدعوات الجاهلية حتى لو أفضت إلى إسقاط الطواغيت، ويوقنون أن لا بديل عن الجهاد في سبيل الله لإقامة الدين وتحكيم شريعة رب العالمين، ويعلمون أن أكبر فائدة تقدمها هذه المظاهرات والفوضى المرافقة لها أن تشغل الطواغيت وجنودهم، مما يسهل على المجاهدين توجيه الضربات القاضية لهم، وإقامة الدولة الإسلامية على ركام عروشهم المتهاوية، فكان إصدار (ربيع الأنبار) رسالة واضحة بهذا الخصوص، للتأكيد على أن لا تراجع عن منهج الجهاد، وأن ربيع المسلمين الحقيقي هو بإقامتهم للدين، وسيرهم على سنة خير المرسلين عليه الصلاة والسلام.

أما التأكيد الميداني على هذه الحقائق فتمثل بإرسال المجاهدين من العراق إلى الشام، ليؤسسوا لمشروع الجهاد ضد طاغية الشام بشار، مستفيدين من حالة الفوضى التي ضربت الشام إثر المظاهرات التي لم تتوقف منذ شهور، وباتت تتحول إلى العمل المسلح مع شدة بطش جنود الطاغوت في المناطق التي خرجت تنادي بإسقاط النظام النصيري، كما بدأ مجاهدو دولة العراق الإسلامية يصعدون من عملياتهم في مختلف ولايات العراق ويعظمون النكاية في الروافض والصحوات المرتدين، ويعدون العدة للنزول من الصحراء للسيطرة على المدن.

هذه الأحداث مهدت -بفضل الله وحده- لتحقيق التمكين للدولة الإسلامية، وتجديد الخلافة على منهاج النبوة، ثم الحملة الصليبية الكبرى والأخيرة -بإذن الله تعالى- على الدولة الإسلامية.

وكان للشيخ أبي محمد الفرقان -تقبّله الله- دور كبير في هذه الأحداث الكبرى بعد هجرته إلى الشام، وتوليه مهام جديدة في الدولة الإسلامية، وهذا ما سنكشف عنه -بإذن الله- في الحلقة القادمة من هذه السيرة العطرة، نسأل الله أن يعيننا ويسددنا، والحمد لله رب العالمين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 285
الخميس 24 رمضان 1442 هـ
...المزيد

حجج المفلسين بعد موجة التقارير الأمنية التي أطلقها الصليبيون طوال الفترة الماضية، وكانت تحذّر ...

حجج المفلسين


بعد موجة التقارير الأمنية التي أطلقها الصليبيون طوال الفترة الماضية، وكانت تحذّر من إمكانية "عودة" الدولة الإسلامية، وتعرب عن "قلقهم" من ذلك؛ هاهم اليوم يقرون صاغرين في أحدث تقاريرهم بأن الدولة الإسلامية عادت ووقع ما كانوا يحذرون، لكنهم عمدوا إلى تفسير أسباب هذه "العودة" بتفسيرات واهية لا تعدو كونها محاولات تبرير وترقيع، وحجج مفلسين حائرين عاجزين تقطعت بهم الأسباب وفقدوا الحلول.

لكن الصليبيون لم يعترفوا بهذه "العودة" من أول مرة، بل استغرقوا السنوات الثلاث الأخيرة وهم يتدرجون في هذا الإقرار الثقيل الذي أفسد عليهم نشوتهم التي لم تدم طويلا بعد ملحمة القرن "الباغوز"، والتي قالوا عنها إنها "الجيب الأخير" لجنود الخلافة!

ليتضح لاحقا للصليبيين ولغيرهم أنها كانت بعثا جديدا لمشروع الدولة الإسلامية وانتقالا له إلى أصقاع أخرى من الأرض، كما كانت دافعا إيمانيا قويا ونموذجا يُحتذى لالتحاق جيل جديد من المسلمين بهذه الدولة المباركة، بعد أن رأوا ذلك الثبات الأسطوري لقادتها وجنودها وذراريهم في وجه تلك الأهوال التي لم يعرف عنها العالم إلا القليل وحسبنا أن الله تعالى رأى وعلم.

وتدرّج الصليبيون في هذا الاعتراف بدءا بتصريحاتهم القديمة حول "وجود خلايا ما زالت تنشط في العراق والشام" إلى قولهم إن الدولة الإسلامية "يصعب القضاء عليها نهائيا" وقولهم إنها "لا تزال تشكل تهديدا حقيقيا" ثم قولهم إنها "نجحت في إعادة تجميع شتاتها" إلى محاولتهم تخفيف هول الصدمة على أنفسهم وأتباعهم بالإعلان عن أن "تنامي نشاطها" يقتصر على ملاذات ومناطق معينة ومحاولة حصر المشكلة في هذه المناطق دون غيرها، وظلوا يتهربون من الحقيقة ويرقّعون إلى أن اتسع الخرق عليهم وأصبحت "عودتها" أمرا واقعا لا تخطئه العين، فلم يجد الصليبيون بدّا من الاعتراف بذلك لأسباب مختلفة منها تهيئة شعوبهم وجيوشهم لما هو أسوأ!
ففرنسا مثلا الدويلة الصليبية التي غرقت جيوشها في رمال إفريقية، كانت مطلع العام تقول إنه "يمكن الحديث عن شكل من أشكال عودة الدولة الإسلامية"، ثم لم يمضِ سوى ثلاثة أشهر فقط على هذا التصريح، حتى عادت وزارة دفاعهم خاسئة لتعترف بأن الدولة الإسلامية "عادت للظهور مجددا".

ومع تأكيدنا على أن الدولة الإسلامية لم تختف لتظهر مجددا ولم تذهب لكي تعود كما يتحدث هؤلاء، بل ظلت باقية صامدة ماضية في جهادها، ولا أدلّ على ذلك من حصاد عملياتها العسكري الذي لم يتوقف بفضل الله تعالى في مختلف الولايات؛ إلا أننا نسلط الضوء اليوم على فشل الحكومات والجيوش الصليبية وتخبّطها في حربها ضد جنود الخلافة، وكيف حطّم المجاهدون بمعاول الإيمان وثن القوى الصليبية التي أخفقت -بقطبيها الأمريكي والروسي- أمام ثبات جنود الدولة الإسلامية والذين مازالوا ماضين ومصممين على مواصلة طريقهم حتى دابق وروما والقدس بإذن الله تعالى.

ولتبرير بقاء الدولة الإسلامية وانتشارها بعد كل حملاتهم عليها، صار الصليبيون يصرّحون بأنها "نقلت قاعدة عملياتها ومركز ثقلها إلى مناطق جديدة" غير العراق والشام، فمرة إلى خراسان، ومرة إلى جنوب شرق آسيا، ومرة إلى إفريقية والساحل، ومرة إلى سيناء، وكلما تصاعدت هجمات المجاهدين في صقع من الأرض قالوا إن الدولة الإسلامية نقلت مركز ثقلها إليه.

والحقيقة التي يحاول الصليبيون أن يغمضوا أعينهم عنها، هي أن الدولة الإسلامية لم تنقل مركز ثقلها من منطقة إلى أخرى، بل زادت أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم في كل مكان وطأته أقدام جنودها الأباة، وهذا هو التطبيق العملي لفريضة الجهاد التي لا تحدها حدود ولا سدود.

وغدا من الطبيعي أن يقول الصليبيون مرة بعد أخرى إن هجمات جنود الخلافة "خلال فترة معينة من العام قد زادت بشكل كبير مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق" ولم يعد يمر عليهم عام إلا والذي بعده أشدّ عليهم وأنكى بهم بفضل الله تعالى.

وللتغطية على خيبتهم، أرهق الصليبيون والمرتدون أنفسهم وهم يحاولون تفسير أسباب هذه "العودة" بتفسيرات كثيرة متناقضة، بعضها قديم قدم هذا الصراع بين الحق والباطل، وبعضها يتجدد مع كل تمدد يحرزه المجاهدون على الأرض.

ومِن هذه التبريرات قولهم: إن "الانسحاب الأمريكي من العراق ساهم في ولادة الدولة الإسلامية"، فما الذي أجبرهم على الانسحاب إذا؟ وهل هذا الانسحاب سبب لعودتها أم نتيجة لحروب الاستنزاف التي سعّرها المجاهدون عليهم في كل مكان نزلوا فيه؟!

ومنها: انشغال الحكومات الكافرة بالتصدي للوباء الفتاك، فأين كان الوباء يوم هربوا أول مرة من العراق؟ وهل كان الوباء سببا لسقوط الموصل والرقة وفرار جيوش حلفائهم بالمئات أمام تقدم المجاهدين؟!

ومِن أسخفها قولهم: "عدم جدية التحالف والحكومات في محاربة الدولة الإسلامية"! ولو تعرضت دولهم لعشر معشار القصف الذي صمد تحته أشبال الخلافة فضلا عن جنودها في الباغوز والموصل، لسقطت دولهم إلى الأبد.

ومِن أكثر الحجج والتفسيرات التي يكررها الصليبيون ويفضّلها المرتدون حول أسباب تضاعف أعداد المجاهدين؛ هي الفقر والبطالة!، فمن وجهة نظرهم يشكّل الفقر عاملا أساسيا في صعود الدولة الإسلامية في غرب ووسط إفريقية مؤخرا، فهلّا يخبرنا هؤلاء ما الذي دفع المئات من أثرياء المسلمين من أبناء الجزيرة العربية إلى النفير إلى دولة الإسلام؟ وما الذي دفع المئات من المسلمين في أوروبا الصليبية ليفعلوا الأمر نفسه؟ وما الذي يدفع رجالا يتحرقون شوقا اليوم للوصول إلى بوادي الشام وصحاري الأنبار أو مستنقعات تشاد أو إلى عشش سيناء؟!، إلى غيرها من دعاوى البطالين وحجج المفلسين.

إننا إذْ نستعرض هذا الإخفاق والإفلاس الصليبي، فإننا نستذكر يوم كانت الحمم تنهمر في الباغوز على أجساد المؤمنين الذين نهلوا من معين التوحيد الصافي فأنساهم عذوبته هول الموقف! بينما ظنّ الصليبيون والمنافقون يومها أنهم قضوا على المجاهدين في ذلك "الجيب"، إلا أن ظنونهم خابت بفضل الله تعالى واشتعلت جذوة التوحيد اليوم، وسيتعاظم أوارها حتى تحرق جيوشهم في دابق.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 284
الخميس 17 رمضان 1442 هـ
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
11 جمادى الآخرة 1447
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً