تونس وحصاد الديمقراطية قضت سنة الله تعالى أن العزة لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين، وأن الذلة ...

تونس وحصاد الديمقراطية


قضت سنة الله تعالى أن العزة لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين، وأن الذلة والصغار والهوان للكافرين والمرتدين والمنافقين الذين حادّوا الله ورسوله وخالفوا أمره، ومِن أكثر مَن حادّ الله ورسوله في هذا الزمان هم طلاب الديمقراطية ودعاتها وأتباعها الذين صدّقوا بها واتخذوها سبيلا ومنهجا، فخالفوا السنة والسنن فضرب الله عليهم الذلة والمسكنة والتيه، وصار ذلك ملازما لهم في كل أحوالهم كالطوق في رقابهم.

وهذا هو عين ما حصل اليوم للإخوان المرتدين في تونس بعد أن خالفوا سبيل المؤمنين واتبعوا الديمقراطية واستعانوا بها وعظّموها وجعلوها حكَما بينهم وهاديا لهم إلى صراط الجحيم، فكانت النتيجة مشابهة لما جرى لهم من قبل، حيث انقلب عليهم من ارتضوه طاغوتا لهم، فعطّل برلمانهم وأقال قادتهم وضرب بثورتهم وسلميتهم وديمقراطيتهم عرض الحائط، ليكتمل بذلك طوق الفشل الإخواني بسقوط آخر قلاعهم الديمقراطية، وفشل آخر تجاربهم السياسية وأسوأها وأكثرها محاربة لشريعة الرحمن.

قال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}[النساء:115]، قال ابن كثير رحمه الله: "أي: ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، فصار في شق والشرع في شق، وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحق وتبين له واتضح؛ جازيناه على ذلك، بأن نحسّنها في صدره ونزيّنها له، استدراجا له، وجعل النار مصيره في الآخرة، لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة". وقال الطبري رحمه الله: "وذلك هو الكفر بالله، لأن الكفر بالله ورسوله غير سبيل المؤمنين وغير منهاجهم، وقوله: (نولّه ما تولّى) أي: نجعل ناصره ما استنصره واستعان به من الأوثان والأصنام، وهي لا تغنيه ولا تدفع عنه من عذاب الله، ولا تنفعه". فماذا نفعت الديمقراطية عبيدها في الدنيا؟! وماذا ستُغني عنهم في الآخرة؟!

لكن هذا التيه المضروب لم يكن حكرا على أحزاب الإخوان المرتدين، بل انسحب أيضا على بعض منظّري القاعدة وتيارها المنحرف! فهم كانوا أول مَن أثنى على الطاغوت التونسي واعتبروا فوزه "مؤشر حسن لعمل الدعاة إلى الله، ونشر التوحيد وبيان الدين الحق!"، ورسموا أوهاماً من خيوط العنكبوت، لا تفسير لها سوى تهوين الكفر واستحسان الديمقراطية وتقبّلها بشكل أو بآخر، ما يؤكد أن الفروق القليلة المتبقية بين الإخوان وتيار القاعدة هي فروق في المقدور عليه وغير المقدور عليه ليس إلا، بدليل أنهم استحسنوا هذا الطاغوت الذي أتت به الانتخابات الكفرية مع علمهم أنه "أستاذ في القانون" الكفري! لا في الشريعة ولا في أصول الفقه، فماذا كانوا يتوقعون منه غير الكفر والديمقراطية؟!

إن موقف مخرّفي القاعدة من الطاغوت التونسي في سذاجته لا يقل عن موقف الإخوان المرتدين الذين شبّهوه يوم تنصيبه بعمر بن الخطاب رضي الله عنه! فإن كنت ستعجب من الإخوان المرتدين على وضاعة عقولهم، فعجبك من القاعدة أولى.

ومن العجيب أيضا أن نراهم منهمكين في التفريق والمفاضلة بين فريقي "الثورة" و"الثورة المضادة"، والتفريق بين الطواغيت الذين يدعمون كل فريق منهما!، وهذا لا شك فإنه يعكس عمق الانحراف الذي أصاب هؤلاء فصاروا يفاضلون بين فريقين كلاهما يرى في السلمية وسيلة وفي الديمقراطية حكما وفي الجهاد جريمة!

ولقد أقرّ عبيد الديمقراطية بأن جميع تجارب ما يسمى بـ"الربيع العربي" فشلت، لكنهم عزوا ذلك لأسباب "داخلية وخارجية"، والحقيقة التي لم ولن يتطرقوا إليها أن كل هذه التجارب فشلت لأنها خالفت شريعة الإسلام وسنن الله تعالى في خلقه، ولم نكن ننتظر فشلها في تونس لكي نحكم على فشلها بالجملة، لكن يكفي اعتراف أربابها بفشلها عبرة لمن فتنه بريق "ثورات الياسمين والربيع" الذي سرعان ما انقلبت عليهم شتاء بريح صرصر لا سقيا فيها ولا ماء!

ومن العبر مما جرى، أنه برغم الكفر البواح الذي ارتكبه الإخوان المرتدون في تونس ومحاربتهم للشريعة بغير مواربة إرضاء لـ"الشركاء الدوليين والمحليين"، إلا أن ذلك لم يمنع الانقلاب عليهم، وهو المصير الذي ينتظره كل المفرطون والمتراجعون، فلن ينالوا غير الخسارة ولن يحصدوا غير الفشل والإخوان ليسوا استثناء في ذلك.

ومن العبر أيضا، خروج الحواضن تصفق وتهلل للطاغوت بعد انقلابه على ديمقراطيتهم المزعومة، وفي ذلك رسالة لمن يعوّل كثيرا على هذه الحواضن ويحمّلها وثوراتها ما لا تحتمل! فالحواضن والثورات تحركها مصالح الدنيا وأجندات الداعمين لا اعتبارات الدين، وهذا سبب من أسباب انحراف المنخدعين بها كالقاعدة وأخواتها.وعليه فيجب على المسلمين أن يعلموا يقينا أن الديمقراطية والسلمية ليست سبيل المؤمنين، فسبيل المؤمنين هو الجهاد الذي يرمي إلى أن تكون الشريعة هي الحاكمة لا الديمقراطية ولا غيرها من المناهج الكفرية التي أفسدت البشرية وأوصلتها إلى هذا الانحطاط الشامل في كل مناحي الحياة.

يقول الشيخ العدناني رحمه الله: "لقد علمت الدولة الإسلامية أنّ الحق لا يُسترد إلا بالقوة فاختارت صناديق الذخيرة لا صناديق الاقتراع، وأنّ رفع الظلم والتغيير لا يكون إلا بالسيف فأصرّت على التفاوض في الخنادق لا في الفنادق، فهجرت أضواء المؤتمرات وأضرمت نار الغارات".

إن العزة والهداية مقرونة بالجهاد في سبيل الله تعالى، لقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}، فهدى الله تعالى المجاهدين إلى سبيل الحق، بينما أركس المنافقين والمخلفين -بما كسبوا- وحرمهم الهداية، فصاروا يتناقضون في كل تنظيراتهم حتى أرهقوا أتباعهم وأدخلوهم في لجج التيه والتخبط الذي لا تخطئه العيون.

إن الأحداث والتغيرات المتسارعة في العالم تُثبت صوابية الدولة الإسلامية في توجهاتها شرعا وسياسة وحكما، لأنها سارت على صراط الله تعالى الذي خلق الخلق ويعلم ما يُصلحهم، قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، فإن صلاح الدنيا والدين هو بالتوحيد والجهاد والشريعة، لا بثالوث الشر؛ الديمقراطية والسلمية وربيبتها الثورات!

فلتفخروا يا جنود الخلافة ومناصريها في كل مكان، فلو لم يكن لكم إلا سلامة المنهج وصحة الطريق لكفاكم ذلك، فكيف وأنتم اليوم رأس حربة تقودون المسلمين إلى نجاتهم والكافرين إلى حتوفهم، قال الشيخ أبو حمزة القرشي حفظه الله: "لابد عليكم يا أجناد الخلافة، أن تدركوا مكانتكم، والنعم العظيمة التي أفاء الله تعالى بها عليكم دون غيركم، وأن تشكروه سبحانه وتعالى على نعمه الظاهرة والباطنة، ما علمتم منها وما لم تعلموا، شكرا لا يفارق الألسن والقلوب، ووالله لتكفي نعمة الهداية لو بقيت وحدها من النعم، فهي لو وضعت في كفة، وتقابلها الدنيا في كفة أخرى، لرجحت كفة الهداية؛ فالدنيا فانية بالية، والهداية موصلة لجنة باقية عالية".

فمزيدا من الثبات على طريقكم ومزيدا من الدعوة إليه ومزيدا من الصبر على ذلك، فلقد بتم ترون ثمار هذا الثبات في مشارق الأرض ومغاربها، بينما يتجرع المرتدون والمبدّلون غصص الذل والحسرة والهوان جراء تفريطهم وتبديلهم واتباعهم سبل الكافرين ومناهج المنحرفين، ولا يظلم ربك أحدا.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 297
الخميس 19 ذي الحجة 1442 هـ
...المزيد

تأملات في هجوم بغداد بدّد الهجوم الاستشهادي المبارك الذي ضرب تجمعات الرافضة المشركين في ...

تأملات في هجوم بغداد


بدّد الهجوم الاستشهادي المبارك الذي ضرب تجمعات الرافضة المشركين في بغداد، الأوهام والمزاعم الرافضية حول بسط الأمن في مناطق العراق، كما بدَّد معه أيضا الأماني الصليبية التي تعاقب طواغيت أمريكا على الحكم وهم يحلمون بتحقيقها، فيما استمرت الدولة الإسلامية سائرة ماضية على طريقها بفضل الله تعالى، بينما تمضي الإدارات الأمريكية تباعا إلى مصير أسود تتوراث فيه إرثاً كبيرا من الفشل والخسائر الاقتصادية والعسكرية.

وكان لافتا مسارعة الصليبيين: أمريكا والتحالف الدولي والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن، وعدد من الدول والكيانات الصليبية الأخرى، كان لافتا مسارعتهم إلى "إدانة الهجوم" المبارك، و"تقديم التعازي" لهلكى الرافضة، والتشديد على "ضرورة تقديم منفّذي الهجوم إلى العدالة!، ومواصلة محاربة الإرهاب"، بينما قال "مسؤولون في الأمم المتحدة" في بيان صدر عن مكتب المنظمة في "نيويورك" إن "التفجيرات الأمنية في العراق، هي الأشد التي تشهدها العاصمة بغداد منذ ستة أشهر".

هذه الضجة الصليبية ممثلة بتتابع الإدانات بـ"لهجة حادة"، وتزاحم تصريحات "التهديد" والتأكيد على ضرورة محاربة الدولة الإسلامية وملاحقة جنودها في كل مكان؛ تعكس بجلاء حجم القلق الذي يعيشه الصليبيون الآن، والخطر الذي يحدق بهم بعد كل هذه السنوات في حربهم وتكالبهم على دولة الإسلام، والتي يقرّون اليوم بأن "إرهابها لا يعرف حدودا"، والحقيقة أن غير حدود الشرع الحكيم فليس ثمة حدود.

لقد ضرب المجاهدون ضربتهم في بغداد فأصابوا بها قلب أمريكا الصليبية وحلفاءها الذين لم يعد يُغني عنهم وعنها كل ما أنفقوه وبذلوه في حربهم ضد الجهاد، فإذا به يمتد ويشتد ويعود بهم إلى المربع الأول، أيام دامية وهجمات في قلب المدن.

من الناحية الشرعية، فإن الهجوم يأتي استجابة لأوامر الله تعالى بقتال المشركين إزالةً للشرك، قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة:193]، قال الطبري رحمه الله: "يعني: حتى لا يكون شركٌ بالله، وحتى لا يُعبد دونه أحدٌ، وتضمحلَّ عبادة الأوثان والآلهة والأنداد، وتكونَ العبادة والطاعة لله وحده دون غيره".

إن توحيد الله تعالى يقتضي أن نقاتل مَن أشرك معه آلهةً أخرى، فكيف لو جمع مع ذلك محاربة المسلمين وقتلهم لأجل دينهم وسنّيتهم؟!، والرافضة عساكر وغير عساكر يتقاسمون هذا الوزر، وتاريخ جرائمهم بحق أهل السنة في العراق لا ينُسى.

ومن ناحية أخرى، سيجد المجاهدون مَن يطعن بهم وبجهادهم وينتقد عملياتهم هذه، ويبثّ الأراجيف والشبهات حول مشروعيتها، رغم أن قادة المجاهدين لم يتركوا شاردة ولا واردة في هذا الباب إلا أوضحوها وبيّنوها دعوة وبيانا، وتلك محاضرات الشيخ أبي مصعب الزرقاوي رحمه الله قد أجادت وأفادت لمن رام الحق، وغيرها كثير.

إلا أننا نودّ أن نلفت عناية المجاهدين وأنصارهم على أن الانتقادات والتشغيبات على جهادهم لم ولن تتوقف، فغربة الدين تتصاعد بمرور الزمان ولا تقل، وهي وعدٌ سيحياه كل مؤمن سار على هذا الطريق، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيباً، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيباً، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) [رواه مسلم]، وإنّ ما يلقاه جنود الخلافة اليوم من طعن وتشويه أدعياء العلم؛ هو ضرب من ضروب هذه الغربة المستمرة، فليوطّدوا أنفسهم على ذلك ولا ينتظروا أن يتلقاهم أهل الزيغ والانحراف بغير ذلك، وما عليهم إلا أن يواصلوا جهادهم على منهاج نبيهم -صلى الله عليه وسلم- ولا يلتفتوا لأهواء وأمزجة العبيد.

قال ابن القيم رحمه الله: "ومن صفات هؤلاء الغرباء الذين غبطهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ التمسك بالسنة إذا رغب عنها الناس، وترْك ما أحدثوه وإن كان هو المعروف عندهم، وتجريد التوحيد وإن أنكر ذلك أكثر الناس". [مدارج السالكين] ومن الناحية الأمنية، فإن اللحظة التي يفجّر فيها المجاهد حزامه الناسف هي آخر خطوة في العملية، تسبقها سلسلة طويلة من خطوات الإعداد والتخطيط والتجهيز حتى تصل العملية إلى مرحلتها الأخيرة، وفي ذلك لفتة نذكّر بها المسلمين بأن التوفيق في هذه العمليات إنما هو من الله تعالى وحده، وهو سبحانه الذي يسدد رمي عباده المجاهدين ويوصلهم إلى أهدافهم، ويعمي عنهم أبصار عدوهم.وفي ذلك يقول الله تعالى مخاطبًا عباده: { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال:17]، قال ابن كثير رحمه الله: "أي ليس بحولكم وقوتكم قتلتم أعداءكم مع كثرة عددهم وقلة عددكم، بل هو الذي أظفركم بهم ونصركم عليهم، فهو المحمود سبحانه، لأنه هو الذي وفقهم لذلك وأعانهم".

فعلى المجاهدين وأنصارهم أن يتذكّروا ويتذاكروا هذه المعاني ويمتثلوها فإنهم بذلك يتبرأون مِن حولهم وقوتهم إلى الله تعالى، فيسلمون ويغنمون.

كما إن نجاح هذه العمليات الجريئة في قلب المدن رغم الاحتياطات الكبيرة للعدو، نموذج حي على استمرارية الجهاد رغم كل المؤامرات العالمية لوقفه ووأده، فهو ماضٍ إلى قيام الساعة، ماضٍ بقلة عدد أو بكثرة، ماضٍ بنا أو بغيرنا، ماضٍ على كل حال ماضٍ، فإن أدرك المسلم الفطن ذلك، لزمه أن يجتهد في أن يكون له سهم في هذا الجهاد، والمحروم من حُرم ذلك، والسعيد من وفقه الله تعالى فلحق بالقافلة.

وأخيرا، فإن استهداف المجاهدين للرافضة في بغداد، يجب أن يُشعل في نفوس المسلمين الغيرة على قلاعهم وعواصمهم السليبة فيتذكروا أن بغداد أرض للمسلمين أتباع أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم، وليست لأعدائهم الرافضة المشركين أحفاد ابن سبأ وابن العلقمي، ولن تكون بغداد كذلك للصليبيين ولا لغيرهم، وستعود إلى حاضرة الإسلام كما كانت، وعلى المسلمين أن يشاركوا في تحقيق هذه العودة الميمونة، ولا عودة إلى بغداد والقدس ومكة ودمشق، بغير العودة إلى منهاج النبوة الذي لأجله يسارع الصليبيون والمرتدون في تحزيب الأحزاب لقتال الدولة الإسلامية في كل مكان أحيت فيه هذا المنهاج.

هجوم بغداد الجديد لم يكن الأول من نوعه، ولن يكون الأخير بإذن الله تعالى، لكن على المسلمين أن يتأملوا هذه المعاني الإيمانية، ويتذكروا أن الله تعالى غنيٌ عنهم، وأنه قادر على نصرة دينه فهو سبحانه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولكن اقتضت حكمته البالغة أن يخلق الخلق ليبلوهم أيّهم أحسن عملا، وإن المجاهدين اليوم هم أحسن الناس عملا فهم يتربّعون على ذروة سنام الإسلام، وهو الجهاد الذي يُنصر به الدين وتعلو به الملة، فأين طلاب هذا الشرف الرفيع؟.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 296
الخميس 12 ذي الحجة 1442 هـ
...المزيد

وهي حقيقة مملوءة بالهوى والحلم تنضر للقاءد اثنين ابن. محاد الطير الباسل.

وهي حقيقة مملوءة بالهوى والحلم

تنضر للقاءد اثنين ابن. محاد الطير الباسل.

النكباتُ الرافضية لا يكاد يمر أسبوع أو أقل على الرافضة المشركين في العراق إلا وتصيبهم بما ...

النكباتُ الرافضية


لا يكاد يمر أسبوع أو أقل على الرافضة المشركين في العراق إلا وتصيبهم بما أشركوا وظلموا قوارعُ العذاب المختلفة التي يصبُّها الله تعالى عليهم صبّا وتقرعهم قرعا، فأفنى اللهُ بها خلْقاً كثيرا منهم ومزّقهم شرّ ممزق، فصاروا أحاديث لكل العالم، حتى أننا لم نجد حاجة لأنْ نسهب في الحديث عن ما آلت إليه أوضاع الرافضة في العراق مؤخرا مِن تتابع الأزمات وتوالي النكبات عليهم، لاشتهارها في وسائل الإعلام وانتشارها انتشار النار في "الجنوب"!

وكان مِن آخرها وأشدّها عليهم الحرائق التي شوت أجساد المئات منهم في موطن كان الأصل فيه أن يكون موطن أملٍ وشفاء فانقلب عليهم ألما وعناء، وهذا هو القرع الذي يدهم الكافرين دهْما فيفجؤهم ويفجعهم به، نكالا من الله تعالى لما أشركوا معه سبحانه من الأنداد والآلهة الباطلة، وحاربوا آولياءه وطغوا وبغوا وأفسدوا في الأرض إفسادا كبيرا، والجزاء من جنس العمل.

فما يجري على الرافضة اليوم هو نظير ما جرى على الأمم والأقوام الكافرة قبلهم، وهو نظير قوله تعالى: { وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}[الرعد: 31].

فهذا وعد ووعيد دائم ومستمر من الله تعالى لكل الكافرين في الأرض أيّا كانوا وأينما ومتى كانوا، بأنه تعالى سيرسل عليهم من القوارع والدواهي والنقم وألوان العذاب المختلفة، وهم -ما لم يتوبوا ويؤمنوا- فإنهم غارقون باقون في هذا العذاب الدنيوي حتى يأتي وعد الله تعالى، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.

قال الإمام القرطبي رحمه الله: "أي ما يزال الكافرون تصيبهم داهية مهلكة تفجؤهم بكفرهم وعتوهم، من صاعقة، أو من قتل أو من أسر أو جدب، أو غير ذلك من العذاب والبلاء، وقال عكرمة عن ابن عباس: "القارعة النكبة". وقال الإمام الطبري رحمه الله: "هي ما يقرعهم من البلاء والعذاب والنِّقم، بالقتل أحياناً، وبالحروب أحياناً، والقحط أحياناً، (أو تحل) أو تنزل أنت يا محمد (قريبًا من دارهم) بجيشك وأصحابك (حتى يأتي وعدُ الله) الذي وعَدك فيهم، وذلك ظهورُك عليهم وفتحُك أرضَهمْ، وقهرْك إياهم بالسيف (إن الله لا يخلف الميعاد) ". وقال الإمام البغوي رحمه الله: "(حتى يأتي وعد الله) قيل: يوم القيامة، وقيل: الفتح والنصر".

والمتأمل يجد أن الله تعالى يسلط على الكافرين نوعين من العذاب: الأول أن يرسل سبحانه عذابه ونقمته على الكافرين بأيدي جند مِن جنده، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}، قال ابن كثير رحمه الله: "أي: ما يعلم عددهم وكثرتهم إلا هو تعالى" وذلك كالنار والإعصار والطوفان وغيرها مما عذّب الله به الكافرين قديما وحديثا، والثاني: أن يسلط الله عباده المؤمنين على الكافرين بالقتل والأسر والقهر بالسيف والجهاد.

نكبات يعقب بعضها بعضا تتوالى على الرافضة المشركين ليس فقط في العراق، بل حتى في إيران المجوسية والتي تداهمها هي الأخرى قوارع العذاب والكوارث بين الفينة والأخرى، مع ما تعانيه من أزمة اقتصادية انعكست على أتباعها وميليشياتها في العراق فصاروا يلعنونها سرا وجهرا.

وبينما يحاول الرافضة المشركون أن يُعلّقوا السبب في كل هذه النكبات على شمّاعة "الميليشيات، والفساد الحكومي، والخلل البنيوي في الهيكلية الإدارية..."؛ إلا أنّ المؤمنين يرون فيما يحلّ بالرافضة وغيرهم من الكافرين آية من الله تعالى وتهيئة وتمهيدا لتحقيق وعده الإلهي بهزيمة الكافرين وسيادة المسلمين في الأرض، ليحكموها بالشريعة الإسلامية المهيمنة على كل ما سواها من الشرائع، فلا دين غير الإسلام يحكم في الأرض، وهي الغاية التي لأجلها قامت دولة الإسلام وعنها لن تحيد بإذن الله.

إن الأزمة الرافضية في حقيقتها، ليست أزمة كهرباء أو ماء أو حريق أو وباء، إنها أزمة مزمنة مهلكة سببها شركهم بالله تعالى وحربهم على المسلمين، وعبادتهم مع الله آلهة أخرى، وقد رأيناهم عند كل داهية أو نازلة تنزل بهم يسارعون ويلوذون بآلهتهم من دون الله تعالى، يستنجدون بالبشر ويطلبون غوثهم ومددهم ورحمتهم!

وهنا لا بد للمجاهدين أن يُبقوا هذه التأملات حاضرة في قلوبهم وعقولهم وهم يقاتلون ويصاولون الرافضة في طول العراق وعرضه؛ أن الرافضة مخذولون ولو استعانوا بكل طواغيت الروم والفرس، مهزومون ولو معهم كل جيوش الأرض!

وفي ذلك يقول الشيخ أبو محمد العدناني -رحمه الله- موجّها ومذكّرا: "يا جنود الدولة؛ تذكروا دائماً أنكم تقاتلون أمة مخذولة، إن استعانوا فبعلي، وإن استغاثوا فبالحسين، وإن استجاروا فبالعباس، وإن استنصروا فبفاطمة، رضي الله عنهم وعنها، يتوكلون على البشر ويعبدون الأوثان، فحاشا لله أن ينصرهم عليكم!، فاجعلوا عدتكم عقيدتكم، وقوتكم تقواكم، وكونوا على يقين بنصر الله، فأنتم جنود الله، تقاتلون في سبيل الله، والروافض جنود الشيطان، يقاتلون في سبيل الطاغوت".فالمجاهد في طريقه إلى الله تعالى عليه أن يتأمل ويتدبر هذه الحقائق ليقوى بها يقينه وتكون دافعا إضافيا له في ميدان القتال فينقضّ على هؤلاء المشركين الحقراء كالأسد لا يلفت وجهه، وهو يعلم أنه منصور في كل حال، فالظفر والقتل كلاهما عند الله فوز.

وبرغم غرق الرافضة في نكباتهم المتلاحقة إلا أنهم لم يتوقفوا عن التحذير من "خطر تصاعد الإرهاب" وأن هذه الأزمات تصبّ في صالح المجاهدين، وهو ما تقدّم ذكره مِن أنّ ذلك كله من تدبير الله تعالى لعباده ومعيته لهم وتهيئتهم للوعد الحق.

وقد يقول قائل: إن هذه النكبات والمصائب قد تصيب أيضاً بعض المسلمين المستضعفين المتخفّين في تلك البلاد، فنقول وبالله التوفيق: شتّان شتّان بين المآلين والعاقبتين، فهل يستوي عذاب الله تعالى للكافرين، وتمحيصه -سبحانه- ورفعه درجات المؤمنين الصابرين؟!، إنه الفرق بين المحق والتمحيص وهو لا يخفى، قال تعالى: { وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}[آل عمران: 141]، فالتمحيص رفعة للمؤمنين، والمحق تدمير ومهلكة للكافرين، ولا يظلم ربك أحدا.

يضاف إلى كل ذلك، حالة الفُرقة التي اجتاحت صفوف الرافضة في العراق، فخالف الله بين قلوبهم وتفرّقوا شذر مذر، حتى أصبحت الحكومة تيارات! والحزب الواحد أحزاب، وانظر إلى حالهم في "الجنوب المحترق"، يُغنيك عن طويل بيان.

اللهم أنجِ المستضعفين من المسلمين في العراق وكل مكان، اللهم اشدد وطأتك على الرافضة وحلفائهم وخالف بين قلوبهم، اللهم اجعلها سنين كسِنِين يوسف، اللهم استجب.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 295
الخميس 5 ذو الحجة 1442 هـ
...المزيد

التحالف الصليبي بين روما ودابق كان التحالف الصليبي يصرّح سابقا أن هدفه هو إلحاق "الهزيمة" ...

التحالف الصليبي بين روما ودابق


كان التحالف الصليبي يصرّح سابقا أن هدفه هو إلحاق "الهزيمة" بالدولة الإسلامية في العراق والشام، وبعد ثمان سنوات على تشكيله من أجل هذا الهدف الذي لم يتحقق، أصبح يصرّح بأن هدفه هو إلحاق "هزيمة دائمة" بالدولة الإسلامية، فكيف لمن عجز عن إلحاق "الهزيمة" أن يجعلها "دائمة"؟! وكيف لمن غرق في براري العراق والشام أن ينجو من مستنقعات إفريقية والساحل وشرق آسيا وغيرها من الولايات؟!

وقد اجتمع وزراء التحالف الصليبي وجها لوجه قبل أيام نيابة عن ثلاث وثمانين دولة في روما الصليبية، في أول اجتماع مباشر لهم منذ عامين متتالين فشل خلالها التحالف الصليبي بكل قواته أن يجمع قادته خشية الوباء الذي سلطه الله تعالى عليهم.

وبالنظر إلى مخرجات هذا الاجتماع الجديد الذي دعت إليه كل من إيطاليا وأمريكا، فقد أكد التحالف على مجموعة من المهام تتلخص في ضرورة مواصلة "العمل المشترك" من أجل محاربة الدولة الإسلامية، وضرورة دعم "المناطق المحررة" التي "حرّروها" من حكم الشريعة ففقدت الأمن والاستقرار وصارت مناطق بور وخوف ودمار، بعد أن كانت مناطق أمن وإيمان وسلامة وإسلام.

كما أكد التحالف الصليبي على ضرورة تتبع وحظر "مصادر التمويل" لجنود الخلافة والذين يواصلون جهادهم معتمدين على خزائن الله تعالى الملأى التي لا تقدر أمريكا ولا كل طواغيت الأرض على وقفها أو حظرها ولو اجتمعوا.

ولم ينسَ التحالف الصليبي أن يؤكد على ضرورة محاربة إعلام الدولة الإسلامية ومنعها من "استغلال منصات التواصل" على الشبكة العنكبوتية، وهو الهدف الذي حشد له التحالف جيوشا جرارة من الكفار والمرتدين والمنافقين يقودهم إبليس ويوحي إليهم، سعيا في إسكات صوت الحق وإطفاء نور الإيمان، قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:32].

وإن التحالف المهزوم لم تكفه عشرات الدول التي ضمّها إلى حلفه المأزوم، فأعلن عن انضمام أربع دول جديدة هي "إفريقية الوسطى والكونغو وموريتانيا واليمن"، ليصيب حكومات وجيوش هذه الدول "لعنة التحالف" تماما كما يلعنون اليوم "رامسفيلد" وزير الدفاع الأمريكي البائد الذي هلك بينما وصلت دولة الإسلام إلى موزمبيق!

إلا أن الملف الأبرز والأثقل على طاولة التحالف الصليبي في هذا الاجتماع هو ساحة إفريقية والساحل، فقد أقرّ وزير خارجية إيطاليا بأنه "لا تكفي" مجابهة الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، بل عليهم النظر إلى "مواقع أخرى" تتواجد فيها، معتبرا أن تمدد الدولة الإسلامية في إفريقية والساحل "يثير القلق"، مؤكدا أن حماية المنطقة الساحلية تعني "حماية أوروبا"!

وليس مصادفة أن يلتقي الصليبيون وحلفاؤهم المرتدون بعد ثماني سنوات من تأسيس حلفهم في روما الصليبية، وليس عبثا أن تشعر إيطاليا بالخوف من تهديد إفريقية والساحل وتُخوَّف معها أوروبا بأسرها والتي تحبس أنفاسها وهي تراقب أجناد الخلافة في الساحل الإفريقي تغدو وتروح وتنكّل بحلفائها المرتدين، ويزيدها فرَقا ورعبا كلما سمعت زئير أسود الخلافة في ليبيا يصولون ويجولون.

إن مخاوف أوروبا الصليبية في محلها ولا شك، وإن مخاوف روما طبيعية مُبرَّرة، فهي كانت وما تزال على قائمة الأهداف الكبرى للمجاهدين، لأنها وعد الله تعالى لعباده المؤمنين الذين يوقنون بتحقّقه وينتظرونه بفارغ الصبر، ويعدون له العدة منذ إنطلاق جهادهم المبارك في العراق.

يومها كان قادة الدولة الإسلامية لا يكلون عن تهديد روما في خطاباتهم وكلماتهم، ولم يكن العالم يومها يدرك أن قادة المجاهدين يؤدون بذلك عبادة اليقين القلبية التي يفتقدها كثير من الناس اليوم في زمن الريبة والشك والحيرة وضعف اليقين.

كان المجاهدون يهدّدون روما مِن صحاري العراق في الرمضاء في العراء! هنالك في تلك البقاع التي حوت أجساد أبطال غيّروا خارطة العالم وأعادوا رسمها بدمائهم، مِن هناك كانوا يُهدِّدون روما، ولم يدرِ الروم الصليبيون يومها ومعهم المنافقون من الأعراب أن يقين هؤلاء الأبطال هو يقين نابع من إيمانهم بالله العظيم وتصديقهم لوعده سبحانه بالنصر والتمكين، وببشارة نبيه صلى الله عليه وسلم بفتح روما.

وبعد سنوات من الصبر واليقين، فتح الله تعالى على عباده المجاهدين في العراق ويسّر لهم بقوته وتدبيره التمدد إلى الشام ليكونوا على مشارف دابق الذي ينتظر فيها المسلمون الملحمة الكبرى إن شاء الله، أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق…).فها هي روما تضمّ حلف الصليب وتُجدِّده وتطالبه بأن يبذل مزيدا من الجهد لحماية الساحل الإفريقي من توسّع الدولة الإسلامية وتجاهر بأن ذلك يعني "حماية أوروبا"!، وها هي أمريكا الصليبية التي تولّت كِبر هذا التحالف البغيض تسحب جيوشها من بعض المناطق لكي تعزّز تواجدها في مناطق أخرى منها شرق الفرات في الشام، حيث أعلن ملاحدة الأكراد عن "توسيع مهابط الطائرات في مناطق سيطرتهم تمهيدا لاستيعاب القوات الأمريكية المنسحِبة من المناطق الأخرى".

إنهم يخططون في روما ويقصدون دابق!، وهنا نستذكر قول الشيخ العدناني -تقبله الله- يوم قال مخاطبا أمريكا: "فلا تفرحي أمريكا، ولتستمرِّن بحشد قواتك، وتحشيد حلفائك من الصليبيين حتى تنزلوا بدابق الذي فيه بإذن الله ستكسرون، وتهزمون وتغلبون".

إن هذه التحالفات والمؤامرات التي يحيكها الصليبيون من روما حتى دابق تذكّرنا بما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم يوم كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشّرهم بفتح البلدان بينما هم تحت وطأة تكالب الأحزاب عليهم، لكن تصديقهم بموعود الله تعالى كان أقوى من كلّ ذلك، إنه اليقين فما أعذبه!، فهو سر من أسرار ثبات المجاهدين على طريق الحق الذي تخلّى عنه الكثيرون، فلم يعِش جنود الخلافة على قصص الماضي ولم يتركوا العمل انتظارا لبشريات المستقبل، بل أعادوا أمجاد الماضي بالدماء والتضحيات، ويسعون جاهدين لتحقيق مستقبل الإسلام بالعمل والجهاد والمراغمة بالولاء والبراء والمفاصلة، فكان يقينهم يقين المتوكل لا المتواكل.

وما زال مجاهدو الدولة الإسلامية ينتظرون تحقّق وعد الله تعالى لهم، فهذا دابق وهذه الغوطة، وهذه القدس، وتلك روما، سندخلها لا كذب، وها نحن ذا والأيام بيننا والملاحم قادمة والسعيد من واصل المسير.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 294
الخميس 28 ذي القعدة 1442 هـ
...المزيد

وحدتنا وتشرذمهم في إفريقية ما زالت شجرة الجماعة ضاربة جذورها في عمق أرض الإسلام في غرب ...

وحدتنا وتشرذمهم في إفريقية


ما زالت شجرة الجماعة ضاربة جذورها في عمق أرض الإسلام في غرب إفريقية، يتفيؤ المسلمون ظلالها ويتنسّمون عبيرها ويقطفون ثمارها بركة وتوفيقا وهدى وسدادا، وهم منذ قيامها يحرسونها ويسقونها دماءهم ويفدونها مهجهم وأرواحهم بعد أن ذاقوا حلاوتها فمَن ذاق عرف ومن عرف اغترف.

وفي المقابل، تغزو الفُرقة والانقلابات حكومات وجيوش الكفر والردة في دويلات غرب إفريقية والساحل، فكل يوم انقلاب هذا أبيض وذلك أسود، هذا ناعم وآخر خشن.

ومنذ إعلان دولة الخلافة كان للمجاهدين في غرب إفريقية قصب السبق في البدار والمسارعة إلى اللحاق بركبها وبيعة أميرها اتباعا للحق وطاعة لأمر الله تعالى ورسوله بالاعتصام بالجماعة، فقامت ولاية غرب إفريقية على منهاج النبوة وقاتلت جيوش الكفر ونكلت بهم وأدمت قلوبهم وأدامت مآتمهم وأطالت أيام حدادهم، فذاع صيتها، وفتح الله عليها والتف حولها المسلمون ولحق بركبها الأنصار والمهاجرون، فنصرت الإسلام وأهله ورعت شؤونهم وصانت حقوقهم، وذلك بفضل الله تعالى ثم ببركة الجماعة.

وقد أتمّ الله تعالى على جنود الخلافة في غرب إفريقية بركة الوحدة والاعتصام وزادهم من فضله سبحانه فأراح البلاد والعباد من غوائل الغلاة وشقاء الخارجين عن الجماعة ففرح المسلمون بذلك فرحا شديدا وتحرر الآلاف مِن رقّ البدعة والغلو إلى السنّة والعلو، في إنجاز جديد يضاف إلى قائمة إنجازات الدولة الإسلامية في غرب إفريقية، ولله الفضل أولا وأخيرا.

ونحن على يقين بأن هذه الخطوة المباركة المسددة سيجني المجاهدون هناك ثمارها وسيرون بركتها وآثارها الطيبة في الفترة القادمة أضعاف ما كان إن شاء الله تعالى، ولعل من أولى بركاتها ما تبعها بيومين فقط مِن تحطّم طائرة للجيش النيجيري المرتد ومقتل "رئيس أركان الجيش الجديد وجميع كبار ضباط الجيش" وهذا مِن منح الله تعالى لعباده المؤمنين، ونحسب أنه من الفأل الحسن إن شاء الله.

ولقد أدرك الصليبيون والمرتدون خطورة ما جرى، وراح قادتهم يصرحون علنا بأن ذلك سيؤدي إلى تعاظم قوة الدولة الإسلامية في غرب إفريقية وتوسُّع مناطق سيطرتها بعد أن أزاحت من طريقها من أبطأ مسيرتها، ولحق بها من حالت بينه وبينها الحوائل.

وما يزيد من قلق الصليبيين وترقبهم لمجريات الأحداث في غرب إفريقية، هو حالة التشرذم والانقسام التي يعيشها حلفاؤهم المرتدون من حكومات المنطقة، خصوصا بعد سلسلة الانقلابات التي هزّت عروشهم مؤخرا، والتي فاقمت أعباء الصليبيين وعلى رأسهم دويلة فرنسا التي تتولى كبر الحملة الصليبية هناك، ما دفع فرنسا إلى "تعليق عملياتها العسكرية المشتركة مع مالي" وذلك على خلفية الانقلاب الجديد هناك وهو الانقلاب الثاني الذي تشهده مالي خلال أقل من تسعة أشهر!

وكان لحكومة تشاد المرتدة نصيب من هذا التشرذم بعد مقتل طاغوتها في ظروف غامضة بعد يوم واحد فقط من إعلان "فوزه بولاية رئاسية سادسة" قضاها خلال ثلاثين عاما خادما وفيا للصليبيين انتهت بتسلّم نجله الحكم خلفا لأبيه في نفس يوم هلاكه، وسبق ذلك محاولة انقلاب أعلنت عنها حكومة النيجر المرتدة قبل يومين من تنصيب طاغوتها الجديد والذي يواجه أزمات ومصاعب داخلية كبيرة زادتها هجمات المجاهدين الأخيرة تعقيدا.

هذا التشرذم الكبير الذي يعاني منه حلفاء فرنسا في إفريقية والساحل انعكس سلبا على فرنسا نفسها والتي بدا أنها تحاول حسم موقفها المتردد بين مواصلة الغرق في الساحل الإفريقي أو الانسحاب منه كليا أو جزئيا، خصوصا بعد تصاعد تساؤلات "الرأي العام" الفرنسي حول "الجدوى" من وجود قواتهم في إفريقية والمدة الزمنية لبقائهم هناك في ظلّ استمرار خسائرهم وشحّ خياراتهم وانشغال أمريكا بأزماتها عنهم.

تلك لمحة موجزة عن صفوف المرتدين والصليبيين الممزقة المبعثرة العاثرة بعد أن فقدوا الحلول في القضاء على تمدد الدولة الإسلامية في إفريقية، وزاد غيظهم وقلقهم بعد أن فاء إلى صفوفها الآلاف من المجاهدين وذراريهم ليعضّدوا جماعة المسلمين ويعززوا بنيانها ويجددوا بيعتهم لأميرها -حفظه الله تعالى- على منهاج النبوة القويم.

وهنا نبارك لجنود الخلافة في غرب إفريقية وسائر ولايات الدولة الإسلامية هذا الفتح الجديد والتحاق المسلمين أفواجا في جماعة المسلمين بعد أن حجبهم عنها أهل البدعة لسنوات عجاف ذاقوا خلالها الأمرَّين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.كما ندعو المجاهدين وأنصارهم إلى المحافظة على نعمة الجماعة والاعتصام بالكتاب والسنة فهو حبل النجاة في الدنيا والآخرة، ذكر الإمام الطبري رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا}، "قال: يعني الجماعة، وقال آخرون: أي القرآن". ولا خلاف بينهما، فإن العصمة والنجاة في الجماعة ولا جماعة بغير كتاب، وهل ضلت الأحزاب والجماعات والفِرق إلا بمخالفتها الكتاب وتركها الجماعة؟! وهل تمزقت صفوفها وهوى بنيانها إلا بالفرقة والاختلاف؟!

ونقول لجموع المجاهدين الذين فاءوا إلى أمر الله تعالى والتحقوا بجماعة المسلمين في غرب إفريقية، هنيئا لكم ما حققتموه من تمام الوحدة والاجتماع والاتباع، واعلموا أن ذلك كله من فضل الله تعالى عليكم وكرمه وجوده سبحانه وحفظه لهذا الجهاد ومعيته لعباده الذين قاتلوا المشركين من العرب والعجم والأبيض والأسود نصرة لدينه وإقامة لشرعه تعالى، فاحفظوا هذه النعمة وحافظوا عليها وعضّوا عليها بالنواجذ فإن فيها نجاتكم في الدنيا والآخرة، كما قال الإمام القرطبي رحمه الله: "فإن الله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة، فإن الفرقة هلكة والجماعة نجاة".

وختاما، نسوق وصية خليفة المسلمين -حفظه الله- لإخواننا الذين اهتدوا إلى الحق وفارقوا البدعة، فقد أوصاهم بـ"الثبات على أمر دينهم، وأن لا يكونوا أداة لكل صاحب هوى وبدعة، وأن يتقوا الله تعالى في أنفسهم، وأن لا يُعطوا الدنية في دينهم، وأن يبلوا بلاء حسنا في قتال جيوش الطواغيت، ليعوّضوا ما خسروه من أيام قد أضاعوها في اتباع الفتن والخوض في الشبهات". كما نكرر الإشارة إلى ما ورد في الخطاب الأخير للشيخ أبي حمزة القرشي بأن ما جرى "أكبر بيان وبرهان، على صحة طريق الدولة الإسلامية وبراءتها من انحراف وضلال المرجئة والغلاة منذ تأسيسها وإلى يومنا هذا، وأنها على منهاج النبوة -بإذن الله تعالى- لن تزيد ولن تحيد".



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 293
الخميس 21 ذو القعدة 1442 هـ
...المزيد

من علامات العَارِفينَ بالله 1 - أن يكون قلبه مرآةً، إذا نظر فيها رأى فيها الغيب الذي دُعي ...

من علامات العَارِفينَ بالله



1 - أن يكون قلبه مرآةً، إذا نظر فيها رأى فيها الغيب الذي دُعي إلى الإيمان به، فعلى قدر جلاء تلك المرآة يتراءى له فيها اللهُ سبحانه، والدار الآخرة، والجنة والنار، والملائكة، والرسل صلوات الله عليهم وسلامه.


2 - أن يبدو له الشاهد، وتفنى الشواهد، وتنحل العلائق، وتنقطع العوائق، ويجلس بين يدي الرب تعالى، ويقوم ويضطجع على التأهب للقاء الله، كما يجلس الذي قد شدَّ أحماله وأزمع السفر على التّأهب له، ويقوم على ذلك ويضطجع عليه، وكما ينزل المسافر في المنزل فهو جالس وقائم ومضطجع على التأهب.

3 - أنَّه لا يطالب ولا يخاصم، ولا يعاتب، ولا يرى له على أحدٍ فضلًا، ولا يرى له على أحدٍ حقًّا.

4 - أنَّه لا يأسف على فائتٍ، ولا يفرح بآتٍ؛ لأنَّه ينظر إلى الأشياء بعين الفناء والزوال، لأنَّها في الحقيقة كالظِّلال والخيال.

5 - أن يعتزل الخلق بينه وبين الله، حتَّى كأنَّهم أمواتٌ لا يملكون له ضَرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا؛ ويعتزلَ نفسه بينه وبين الخلق، حتى يكون بينهم بلا نفسٍ.

6 - أنَّه مستأنسٌ بربِّه، مستوحشٌ ممَّن يقطعه عنه، ولهذا قيل: العارف من أنس بالله فأوحشه من الخلق، وافتقر إلى الله فأغناه عنهم، وذلَّ لله فأعزَّه فيهم، وتواضع لله فرفعه بينهم، واستغنى بالله فأحوجهم إليه.


[مدارج السالكين] لابن القيم -رحمه الله-
...المزيد

أزمة الحكم في الواقع الإسلامي وهذا حال المسلمين في هذا الزمان، فقد جاهدوا سنين للخروج من حكم ...

أزمة الحكم في الواقع الإسلامي


وهذا حال المسلمين في هذا الزمان، فقد جاهدوا سنين للخروج من حكم الطواغيت الأوروبيين، ليحل محلهم طواغيت من أقوامهم أشرّ من الصليبيين وأطغى في الأرض، فلمّا جاهدوا لإسقاط حكم الطواغيت "العلمانيين" خرج لهم طواغيت يزعمون الإسلام ونصرة المسلمين لتتغير الأسماء والوجوه وتبقى الحقائق والأحكام وإن مِن واجب المسلمين أن يجاهدوا هؤلاء الطواغيت كافة؛ العلمانيين منهم أو أدعياء الإسلام، ويُسقطوا أحكامهم الكفرية التي يزعمون أنها "إسلامية"، كما أمرهم ربهم جلّ وعلا حتى لا يكون شرك في الأرض وتكون الطاعة لله وحده رب العالمين، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.


* مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد 265
...المزيد

على خطى أتاتورك في ذكرى هلاك أتاتورك خادم اليهود والنصارى، التقى الجولاني بالطاغوت الأمريكي في ...

على خطى أتاتورك


في ذكرى هلاك أتاتورك خادم اليهود والنصارى، التقى الجولاني بالطاغوت الأمريكي في زيارة رسمية إلى عاصمة الشر واشنطن، للتنسيق بشأن الحرب على الإرهاب وحماية المصالح الأمريكية اليهودية، وهي نفس الأهداف التي أفنى أتاتورك عمره في تحقيقها، فما أشبه اليوم بالبارحة.

عبر التاريخ، كان أبو رغال رمزا للخيانة لدى العرب حتى رجموا قبره بعد أن تطوع ليكون دليلا لجيش أبرهة الحبشي يقودهم إلى مكة لهدم الكعبة المشرفة! تماما كحال أحفاده اليوم أدلّاء أذلّاء لجيش التحالف الصليبي نحو حرمات المسلمين.

وكأنّ الجولاني لم يكتف برعي خنازير الإفرنج، حتى قاد أفيالهم الهوجاء إلى ديار المسلمين كأبي رغال! وبذل جهده في هدم خلافتهم على خطى أتاتورك! وأسلم دمشق للصليبيين واليهود كابن العلقمي، وكأن مكامن الخيانة جُمعت فيه حتى تفوّق على رموزها في الماضي والحاضر، وأتى بصنيعهم جميعا دفعة واحدة، إنه خائن في لسان العرب والعجم، بل قاموس محيط في الخيانة.


مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد 521
"أتاتورك في واشنطن"
...المزيد

فأما الزبد فيذهب جفاءً وقد أبقى ربُّنا سبحانه دعوة التوحيد صافية نقية بريئة مما رماها أهل ...

فأما الزبد فيذهب جفاءً


وقد أبقى ربُّنا سبحانه دعوة التوحيد صافية نقية بريئة مما رماها أهل البدع في كل زمان، ورفع مقام أهلها وأعلى ذكرهم في العالمين، وزال عنهم ما كانوا به يُظلمون، فأين مقام الإمام أحمد -رحمه الله- اليوم من مقام أهل البدع الذين فتنوه في دينه ورموه بالضلال؟!، وأين مقام الإمام ابن تيمية -رحمه الله- من مقام من سجنوه وأباحوا دمه؟!، وأين مقام الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله- من مقام من رموه بالغلو والخارجية وأباحوا دم أتباعه؟!، وليعلمن الناس بعد حين مقام جنود الدولة الإسلامية من مقام أعدائهم وخصومهم أهل الضلال أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


* مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد 262
...المزيد

محاصرة الذنوب! خلق الله الإنسان وخلق معه الخير والشر، وجعل بينهما صراعا ممتدا إلى قيام الساعة، ...

محاصرة الذنوب!

خلق الله الإنسان وخلق معه الخير والشر، وجعل بينهما صراعا ممتدا إلى قيام الساعة، كل منهما لا يكل ولا يمل من مدافعة الآخر، ويشن إبليس حامل لواء الباطل وأتباعه من الإنس والجن هجمات مكثفة لاستهداف أهل الحق وإضعاف صفوفهم، ومن أساليبه في ذلك؛ تزيين الذنوب في أعينهم وتهوينها في نفوسهم حتى يقعوا فيها، فإن أتوها سهُل عليه اختراق دفاعاتهم بعدها.

لأجل هذا كانت الذنوب وما تزال ركنا أساسيا من أركان جيش الباطل وآلة حرب يستخدمها إبليس وجنوده في مهاجمة جيش الحق وتقويض بنيانه وزعزعة أركانه، وهو ما يحتّم على المسلمين التنبه لها والتوقي منها ومعرفة أساليب مواجهتها.

ومن بين أنجع الأساليب القتالية التي تدرّسها المعسكرات الحربية؛ محاصرة العدو بغية إضعافه وهزيمته، ويكون ذلك بإغلاق جميع المنافذ وطرق الإمداد التي ترفده بالذخيرة والمؤن، فينهكه الجوع والعطش، وتنفذ ذخيرته وتتحطم معنوياته وتخور قواه، فيكون مصيره الاستسلام أو الموت، وكلما كان الحصار محكما، كانت نتائجه أكثر فتكا وأثرا في صفوف العدو، ومن المناسب اتباع هذا الأسلوب في محاصرة الذنوب وتطويقها وتجفيف منابعها وتضييق مجاريها استقاءً من حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الشَّيطانَ يَجري مِن ابنِ آدمَ مَجرى الدَّمِ) [أخرجه الشيخان].

فقهيا، يُعرّف العلماء الذنب بأنه: كل فعل يُستقبح شرعا ويستحق فاعله العقوبة من الله تعالى، وهو يتراوح بين مخالفة الأمر أو النهي الإلهي، بمعنى: فعل شيء محرم أو ترك شيء واجب.

وقد قسّم جمهور الفقهاء الذنوب إلى قسمين اثنين: كبائر وصغائر وكلاهما وبال على المكلّف لا ينبغي الاستهانة بأي منهما، ولقد شاع في زماننا أن يجتهد العبد في اجتناب الكبائر بينما يتساهل في الصغائر ولا يحترز منها، في حين كان السلف يجتنبون صغائر الذنوب كما كبائرها ولا يحقرون شيئا منها، روى البخاري في "باب ما يُتّقى من محقرات الذنوب" عن أنس رضي الله عنه قال: "إنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أعْمالًا، هي أدَقُّ في أعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ، إنْ كُنَّا لَنَعُدُّها علَى عَهْدِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ المُوبِقاتِ" يعني المهلكات، وقال ابن القيم في المدارج: "وقد يقترن بالصغيرة -من قلة الحياء، وعدم المبالاة، وترك الخوف، والاستهانة بها- ما يلحقها بالكبائر!"، ونُسب إلى بعض السلف قوله: "مثل الذي يجتنب الكبائر ويقع في المحقرات، كرجل لقيه سبع فاتقاه حتى نجا منه، ثم لقيه فحل إبل فاتقاه فنجا منه، فلدغته نملة فأوجعته، ثم أخرى ثم أخرى حتى اجتمعن عليه فصرعنه!".

والذنوب أصل كل شر وبلية قديما وحديثا، ويكفي للدلالة على خطرها أنها كانت سببا في إخراج أبوينا من الجنة! لقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ}، وبالجملة فالذنوب سبب الخروج من كل خير والولوج في كل شر، ومؤلفات السلف والخلف تكتظ ببيان عاقبة الذنوب وأخطارها على العبد في الدارين ما يضيق المقام لسرده هنا، غير أن شؤمها وشرورها وحصادها في واقع أمتنا لا يكاد يخفى.

ومن بين أخطر نتائج الذنوب في الدنيا أنها تكون سببا في تسلُّط العدو أو تأخُّر النصر وحجبه عمّن ينتظره أو ضياعه بعد نزوله كما حدث -مثلا- يوم أُحد لقوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا}، قال ابن كثير: "أي ببعض ذنوبهم السالفة" وقال البغوي: "بشؤم ذنوبهم". وهم مَن هم في الطاعة والتقوى، فكيف بزماننا وأحوالنا؟ اللهم سلّم سلّم.
ومن أخطارها الصامتة القاتلة حرمان الهداية إلى الحق، وقد دلت السنة الصحيحة على أن مراكمة الذنوب تجعل القلب: (أسودَ مُربَدًّا كالكُوزِ مُجَخِّيًا، لا يَعرِفُ مَعروفًا، ولا يُنكِرُ مُنكَرًا) [مسلم]، حيث تتكاثر الذنوب عليه وتطغى حتى تحجبه عن نور الحق فيرى المعروف منكرا والمنكر معروفا، فتنتكس فطرته وتعمى بصيرته وهذا هو "الران" كما روى الإمام الترمذي عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنَّ العبدَ إذا أخطأَ خطيئةً نُكِتت في قلبِهِ نُكْتةٌ سوداءُ، فإذا هوَ نزعَ واستَغفرَ وتابَ سُقِلَ قلبُهُ، وإن عادَ زيدَ فيها حتَّى تعلو قلبَهُ، وَهوَ الرَّانُ الَّذي ذَكَرَ الله: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}).

إن أنجع السبل لمحاصرة الذنوب، هي اعتزالها وسد الطرق إليها وقطع العلائق بها ومفارقة أصحابها وهجرة مواطنها، ولذا كانت الهجرة إلى مواطن الإيمان من أسباب النجاة، والبقاء في مواطن الكفر والفسوق من أسباب الفتنة والهلاك، قال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}، قال القرطبي: "فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم".

إن محاصرة الذنوب مهمة فردية وجماعية معا، ينطلق بها الفرد المسلم من نفسه بمجاهدتها وإيقافها عند حدها، وإدراكه أنّ ذنبه مهما صغُر خرق للسفينة برمتها، وكذلك فإن محاصرة الذنوب مهمة تقودها الجماعة المسلمة داخل صفوفها عبر ميدان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح لكل مسلم، وهذا ما يميّز المجتمع المسلم الذي تعلوه الفضيلة وتقوده الشريعة، عن غيره من المجتمعات الجاهلية التي تغشاها الرذائل والموبقات من فوقها ومن أسفل منها.

نسوق هذا الكلام في صدر الصحيفة لا زواياها، تذكيرا لإخواننا المجاهدين الذين تشتد حاجتهم إلى محاصرة الذنوب والانتصار عليها بصفتهم دعاة إلى الحق بالسنان والبيان، يجاهدون لإعلاء الملة واستعادة مجد الأمة، ولا يمكن النجاح في هذه المهمة المقدسة حتى يكون المجاهد قدوة فيها، وهذه مهمة تبدأ من الداخل إلى الخارج، والمؤمن يتهم نفسه خلافا للمنافق، فليبدأ كل مجاهد بنفسه ويحاصر ذنوبه ويقهرها وينتصر عليها، ليكون مؤهلا لقهر جيوش الكفر الذين يتربصون بنا ويتأهبون لحربنا، ولينصرن الله من ينصره.


• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 524
السنة السابعة عشرة - الخميس 13 جمادى الآخرة 1447 هـ
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
17 جمادى الآخرة 1447
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً