الأحدث إضافة

أهم أحكام زكاة الفطر [2/1] من رحمة الله تعالى أن جعل للعبادات ما يجبر نقصها ويطهّر فاعلها من ...

أهم أحكام زكاة الفطر

[2/1]
من رحمة الله تعالى أن جعل للعبادات ما يجبر نقصها ويطهّر فاعلها من التقصير في أدائها، ومن ذلك ما شرعه الله سبحانه لعباده الصائمين من زكاة الفطر، التي بها تطهيرٌ لنفس من صام رمضان، وكفارة لما ارتكبه من فحش الكلام، وجبرٌ لخاطر الفقير وإغناؤه عن السؤال يوم عيد الفطر... فما هي زكاة الفطر؟ وما حكمها؟ وما حكمة مشروعيتها؟ وما مقدارها؟ ومتى تُخرج؟ وعَمّن تُخرج؟ ومِمّن تُخرج؟ ولمن تُعطى؟

- تعريفها:

زكاة الفطر (أو ما يسمى الفطرة): هي صدقة تجب بالفطر من رمضان عند إتمام صيامه، وأضيفت الزكاة إلى الفطر لأنه سبب وجوبها.

- حكمها:

زكاة الفطر واجبة (فرض)، فعن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: «فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين» [رواه البخاري]، قال النووي: «أجمع العلماء على وجوب صدقة الفطر» [المجموع].
الحكمة من مشروعيتها

عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: «فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين» [حسن، رواه أبو داود وغيره] و»قوله: (طهرة): أي تطهيرا لنفس من صام رمضان، وقوله (والرفث) قال ابن الأثير: الرفث هنا هو الفحش من كلام، قوله (وطعمة): بضم الطاء، وهو الطعام الذي يؤكل» [عون المعبود]، وعن وكيع قال: «زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدتي السهو للصلاة، تجبر نقصان الصوم كما يجبر السجود نقصان الصلاة» [المجموع للنووي]، وقال ابن قدامة: «والحكمة من مشروعية زكاة الفطر الرفق بالفقراء بإغنائهم عن السؤال في يوم العيد، وإدخال السرور عليهم في يوم يسر المسلمون بقدوم العيد عليهم، وتطهير من وجبت عليه بعد شهر الصوم من اللغو والرفث» [المغني].

- وقت إخراجها:

تجب زكاة الفطر بغروب الشمس من آخر شهر رمضان، ووقت دفعها له وقت استحباب ووقت جواز، فأما وقت الاستحباب فهو صباح يوم العيد لأن النبي، صلى الله عليه وسلم «أمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة» [رواه البخاري ومسلم]، أما وقت الجواز فهو قبل العيد بيوم أو يومين، ففي صحيح البخاري عن نافع قال: كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يعطيها قبل الفطر بيوم أو بيومين؛ ويحرّم تأخيرها لبعد صلاة العيد، قال ابن رسلان في تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد: «إنه حرام بالاتفاق لأنها زكاة، فوجب أن يكون في تأخيرها إثم كما في إخراج الصلاة عن وقتها» [عون المعبود]، ولا تبرأ ذمة مؤخرها، لقوله، صلى الله عليه وسلم: «من أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» [حسن، رواه أبو داود وغيره].

- على من تجب:

تجب زكاة الفطر على المسلم القادر، فلا تجب على الكافر، لأن زكاة الفطر قربة من القُرَب وطهرة للصائم من الرفث، وليس الكافر من أهلها، وإنما يعاقب على تركها في الآخرة، قال الشافعي: «وفي حديث نافع دلالة على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يفرضها إلا على المسلمين، وذلك موافقة لكتاب الله -عز وجل- فإنه جعل الزكاة للمسلمين طهورا والطهور لا يكون إلا للمسلمين» [الأم]، وتجب على القادر (المستطيع)، وبيّن النووي حد هذه القدرة بقوله: «المعسر لا فطرة عليه بلا خلاف... والاعتبار باليسار والإعسار بحال الوجوب، فمن فضل عن قوته وقوت من تلزمه نفقته لليلة العيد ويومه صاع، فهو موسر، وإن لم يفضل شيء فهو معسر ولا يلزمه شيء في الحال» [المجموع].

- عمّن يخرجها المسلم:

يخرجها الإنسان المسلم عن نفسه وعمن يعولهم (ينفق عليهم)، فيخرجها عن نفسه وزوجته وأولاده وما ملكت يمينه ووالديه الفقيرين، والبنت التي لم يدخل بها زوجها، والأقارب إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم، فإن استطاعوا فالأولى أن يخرجوها هم، لأنهم المخاطبون بها أصلا، ويبدأ بالأقرب فالأقرب، بنفسه فزوجته فأولاده ثم بقية القرابة أقربهم فأقربهم على حسب قواعد الميراث، ولا تجب عن الحمل الذي في البطن إلا إن يُتطوع بها، وإن مات مَن وجبت عليه الفطرة قبل أدائها، أخرجت من تركته، والخادم إذا كان له أجرة مقدرة كل يوم أو كل شهر لا يخرج عنه.


المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ

مقتطف من مقال - أهم أحكام زكاة الفطر
...المزيد
Video Thumbnail Play

كيف تخطط لرمضان تخطيط استراتيجي

نصائح بمستهل شهر شعبان وتحفيزات حول التخطيط الاستراتيجي للياقة الإيمانية وعلو الهمة لاغتنام شهر رمضان.

المدة: 50:12

أعداء عملاء وهنا لفتة مهمة لأهلنا في السودان أن كلا الطرفين المتحاربين عدو مبين للإسلام ...

أعداء عملاء

وهنا لفتة مهمة لأهلنا في السودان أن كلا الطرفين المتحاربين عدو مبين للإسلام والمسلمين، فلكل منهما مشروع جاهلي مدعوم من قوى خارجية كافرة تتصارع هذه القوى على أرضكم عبر بيادقها، مقابل حصولها على حصتها من التركة السودانية وبالتالي لا ينبغي لعامة المسلمين الانخداع بأي طرف منهما، فـ "البرهان وحميدتي" كلاهما عدو للإسلام فيجب معاداتهما والكفر بهما، وعدم التعويل على أي منهما مهما كانت نتيجة المعركة بينهما، فإن المنتصر منهما عدو للإسلام ومشاريعه على الأرض مهما زينها وغلفها لن تكون سوى نسخة مكررة من مشاريع نظرائهم طواغيت العرب المحاربة للإسلام والمسلمين.

مقتبس من إفتتاحية صحيفة النبأ العدد 479
...المزيد

العَشْرُ الأَواخرُ؛ تِجارةٌ معَ اللهِ لَا اعتكافٌ فِي الأَسْواقِ كثيرة هي المواسم التي تُضاعَف ...

العَشْرُ الأَواخرُ؛ تِجارةٌ معَ اللهِ لَا اعتكافٌ فِي الأَسْواقِ


كثيرة هي المواسم التي تُضاعَف فيها الحسنات، ويبارك الله تعالى فيها للمتعبدين والمتعبدات، وعلى قدر أهل التنفّل والتبتّل تأتي الأجور وتُرفع المنازل، ولعله من أكثر المواسم بركة للمسلم، وأعظمها خيرا العشر الأواخر من رمضان، ولقد اختلف أهل العلم في أفضل أيام السنة، فمن قائل أنها العشر الأواخر من رمضان، ومن قائل بأنها العشر الأوائل من ذي الحجة، ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- له تفصيل نفيس في المسألة حيث سئل عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان أيهما أفضل؟،
فأجاب: «أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة» [مجموع الفتاوى].

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر، أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجدّ، وشدّ المئزر» [رواه البخاري ومسلم].

وفي حديث آخر: قالت عائشة، رضي الله عنها: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره» [رواه مسلم].

والعشر الأواخر من رمضان فيها ليلة خير من ألف شهر، وهي ليلة القدر، قال النووي: «قال العلماء: وإنّما سُمِّيت بذلك لما يكتب فيها الملائكة من الأقدار والأرزاق والآجال التي تكون في تلك السنة، لقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [سورة الدخان: 4]، وقوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [سورة القدر: 4-5] ومعناه يظهر للملائكة ما سيكون فيها، ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم، وكل ذلك مما سبق علم الله تعالى به وتقديره له، وقيل: سُمِّيت بها لعظم قدرها وشرف أمرها، وأجمع من يُعتد به على وجودها ودوامها إلى آخر الدهر للأحاديث الصحيحة المشهورة».
عن أبي سلمة، قال: «تذاكرنا ليلة القدر، فأتيت أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- وكان لي صديقا، فقلت: ألا تخرج بنا إلى النخل؟ فخرج وعليه خميصة فقلت له: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر ليلة القدر؟ فقال: نعم، اعتكفنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العشر الوسطى من رمضان، فخرجنا صبيحة عشرين، فخطبَنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (إني أُريت ليلة القدر، وإني نسيتها أو أُنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر من كل وتر، وإني أُريت أني أسجد في ماء وطين، فمن كان اعتكف مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فليرجع)» [متفق عليه].

و (من كل وتر) أي: الحادي والعشرين، والثالث والعشرين، والخامس والعشرين، والسابع والعشرين، والتاسع والعشرين. وقد قال بعض أهل العلم أن قوله صلى الله عليه وسلم: (وإني نسيتها أو أنسيتها) محمول على كونه لو تذكرها وأخبر الناس عنها، فلربما قل اجتهادهم في العشر واقتصروا على إحياء تلك الليلة المعلومة بعينها، ولذلك أخفاها الله تعالى عن عباده كما أخفى ساعة الإجابة من يوم الجمعة وغيرها، والمأمور بقيامها هي جميع تلك الليالي العشر الفاضلة مع الاجتهاد في طلب ليلة القدر والعمل على إدراكها.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (تحروا ليلة القدر في الوتر، من العشر الأواخر من رمضان) [رواه البخاري]. والتحري أي الاجتهاد في الطلب، والحث على التقرب إلى الله في تلك العشر بالقيام والقرآن والدعاء.

وإن مما يستغرب منه المرء أن نجد كثيرا من النساء اليوم يفرطن في هذا الأجر العظيم، ويضيعن الأوقات الثمينة في هذا الموسم المبارك.
وأبرز مظاهر تضييع الأوقات في هذه الليالي المباركة الانشغال بالتحضيرات لاستقبال عيد الفطر، حيث تنصرف همم بعضهن إلى شراء الملابس وإعداد الأطعمة والحلويات والتحضير للزيارات والمعايدات.

وهذه الأمور وإن كانت مباحة، ولكن الانشغال بالمباحات عن المندوب إليها من العبادات تضييع لخير عظيم.

فنرى من تدمن على التجول في الأسواق في الليالي العشر الأواخر، لتشتري لنفسها أو لأطفالها الثياب، وما يحتاجه بيتها في العيد، فتقضي كل ليلة في السوق الساعات الطوال، ثم تعود في الليلة التالية لتبحث عن غرض آخر، أو قطعة أخرى من اللباس.

وهكذا تنقضي الليالي ليلة بعد ليلة فلا تشعر المسلمة إلا وقد انقضى رمضان، فتقعد متحسّرة على ما فاتها من ثواب القيام وتلاوة القرآن، هذا بالإضافة إلى ما نالته من إثم بكثرة نزولها للسوق لغير حاجة، وعدم طاعتها الأمر الشرعي بالقرار في البيت، وتعريض نفسها وغيرها للفتن والمعاصي.
فكيف يخفى على المسلمة دعاء جبريل -عليه السلام- وتأمين النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه: (أرغم الله أنف عبد -أو بَعُدَ- دخل رمضان فلم يغفر له) [رواه ابن خزيمة وابن حبّان]؟ بل كيف لا نجزع لمثل هذا فنشمّر ونشدّ الهمة علنا نرقع ما خرق صومنا الذي مضى في هذا الشهر الفضيل، ونلحق بركب العتقاء من النار
.(فـ) هل قائم لله في ليله * يسأله العتق من النار
والمسلمة الحكيمة لا تضيِّع مثل هذه الأوقات المباركة فيما يضرها ولا ينفعها، بين تفريط وتقصير، إنه شهر القرآن يا أمة الله، والله تعالى يقول: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [سورة البقرة: 185]، فوجب الاستكثار من كلام الله تعالى تلاوة وتدبرا، وها هم سلفنا الصالح -رحمهم الله- كانوا إذا دخل شهر رمضان تركوا الدروس وتفرّغوا للقرآن.

وإن كان قد فات المسلمة ما فاتها من هذا الشهر، فلا تقنط ولا تيأس ولتشمر الآن عن ساعد الجد في هذه الليالي المباركة، ولتتحرَّ ليلة القدر علَّ الله تعالى يبلغها إياها.

وعن عائشة قالت: يا رسول الله! أرأيت إن علمت ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: (قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)» [رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح].

ونذكّر المسلمات بإخوان لهن على ثغور العز يرابطون، فالله الله في الدعاء لهم بالنصر والتمكين والثبات، والله الله في تحري مواطن إجابة الدعاء، كالثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وعند الإفطار، وآخر ساعة من يوم الجمعة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ

مقال - العشْرُ الأَواخرُ؛ تِجارةٌ معَ اللهِ لَا اعتكافٌ فِي الأَسْواقِ
...المزيد

أعداء عملاء وهنا لفتة مهمة لأهلنا في السودان أن كلا الطرفين المتحاربين عدو مبين للإسلام ...

أعداء عملاء

وهنا لفتة مهمة لأهلنا في السودان أن كلا الطرفين المتحاربين عدو مبين للإسلام والمسلمين، فلكل منهما مشروع جاهلي مدعوم من قوى خارجية كافرة تتصارع هذه القوى على أرضكم عبر بيادقها، مقابل حصولها على حصتها من التركة السودانية وبالتالي لا ينبغي لعامة المسلمين الانخداع بأي طرف منهما، فـ "البرهان وحميدتي" كلاهما عدو للإسلام فيجب معاداتهما والكفر بهما، وعدم التعويل على أي منهما مهما كانت نتيجة المعركة بينهما، فإن المنتصر منهما عدو للإسلام ومشاريعه على الأرض مهما زينها وغلفها لن تكون سوى نسخة مكررة من مشاريع نظرائهم طواغيت العرب المحاربة للإسلام والمسلمين.

مقتبس من إفتتاحية صحيفة النبأ العدد 479
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 37 دين الإسلام وجماعة المسلمين إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله ...

صحيفة النبأ العدد 37
دين الإسلام وجماعة المسلمين

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، أما بعد:

هذه السلسلة في بيان حقيقة الإسلام وضرورة الجماعة، نسأل الله أن يفقّهنا وإيّاكم في الدين ويثبّتنا على لزوم جماعة المسلمين.

قال الله، جلّ وعلا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [سورة المائدة: 5]، وقال جلّ وعلا: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [سورة آل عمران: 19]، وقال جلّ وعلا: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سورة آل عمران: 85].

فالدين الذي رضي الله للناس والذي لا يقبل منهم سواه هو الإسلام، وحقيقته لغة وشرعا: السلامة -أي الإخلاص- والاستسلام -أي الانقياد- لله.
قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «الإسلام هو الاستسلام لله وحده، ولفظ الإسلام يتضمّن الإسلام، ويتضمّن إخلاصه لله... فمن لم يستسلم له، لم يكن مسلما، ومن استسلم لغيره كما يستسلم له، لم يكن مسلما، ومن استسلم له وحده، فهو المسلم، كما في القرآن: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [سورة البقرة: 112]، وقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [سورة النساء: 125]» [النبوات].

وقال رحمه الله: «الإسلام الذي هو دين الله الذي أنزل به كتبه وأرسل به رسله... هو أن يسلم العبد لله رب العالمين فيستسلم لله وحده لا شريك له ويكون سالما له بحيث يكون متألّها له غير متألّه لما سواه، كما بيّنته أفضل الكلام ورأس الإسلام وهو شهادة أن لا إله إلا الله؛ وله ضدان: الكبر والشرك، ولهذا رُوي أن نوحا -عليه السلام- أمر بنيه بلا إله إلا الله وسبحان الله ونهاهم عن الكبر والشرك [رواه أحمد عن عبد الله بن عمرو]... فإن المستكبر عن عبادة الله لا يعبده فلا يكون مستسلما له، والذي يعبده ويعبد غيره يكون مشركا به فلا يكون سالما له بل يكون له فيه شرك؛ ولفظ الإسلام يتضمن الاستسلام والسلامة التي هي الإخلاص» [الفتاوى]، «وكل واحد من المستكبرين والمشركين ليسوا مسلمين» [النبوات].

فلا يكون المرء مسلما إلا بالتزام الإسلام بهذين المعنَيين، فمن لم يستسلم لله -كمن ترك جنس العمل أو امتنع بشوكة عن بعض الشرائع الظاهرة المتواترة- لم يكن إلا كافرا، ومن لم يكن سالما لله -كمن عبد الأنبياء والأولياء مقلّدا ومتأوّلا- لم يكن إلا مشركا ولو صلى وصام وزعم أنه مسلم، وهذه الحقائق دلّت عليها شهادة أن لا إله إلا الله، قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «الإله هو المعبود المطاع» بحق [تيسير العزيز الحميد]، فلا معبود ولا مطاع بحق إلا الله، وهذه الكلمة متضمّنة لمعنَيي السلامة والاستسلام لله، وهي دعوة جميع الأنبياء والمرسلين إلى أقوامهم وأممهم.

قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «لفظ الإسلام... له معنيان، أحدهما: الدين المشترك وهو عبادة الله وحده لا شريك له الذي بعث به جميع الأنبياء، كما دل على اتحاد دينهم نصوص الكتاب والسنة، والثاني ما اختص به محمد، صلى الله عليه وسلم... وله مرتبتان: إحداهما الظاهر من القول والعمل وهي المباني الخمس، والثانية: أن يكون ذلك الظاهر مطابقا للباطن» [الفتاوى].

وهذه المباني الخمس التي هي حقيقة الإسلام قولا وعملا، ظاهرا وباطنا، بيّنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (بُني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) [رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر]، وفي رواية: (بُني الإسلام على خمسة، على أن يوحّد الله) [رواه مسلم عن ابن عمر]، وفي رواية: (بُني الإسلام على خمس، على أن يُعبد الله، ويُكفر بما دونه) [رواه مسلم عن ابن عمر]، فلم يكن الإسلام الذي اختصت به شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- إسلاما من غير سلامة واستسلام لله، بل إن المباني الخمس شُرعت ليكون المرء سالما لله مستسلما له بالتزام التوحيد واتّباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- والقيام بالمباني، وقال إسحاق بن راهويه، رحمه الله: «غلت المرجئة حتى صار من قولهم: من ترك المكتوبات، وصوم رمضان، والزكاة، والحج، وعامة الفرائض من غير جحود بها، إنّا لا نكفّره، ويُرجأ أمره إلى الله بعد إذ هو مقرّ [بها]؛ فهؤلاء المرجئة الذين لا شك فيهم» [مسائل حرب الكرماني].
ثم إن علاقة السلامة بالاستسلام بيّنها الله في آيات كثيرة من كتابه، منها أمره بقتال المشركين، قال جلّ وعلا: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [سورة التوبة: 11]، قال الفضيل بن عياض -رحمه الله- بعد أن تلا الآية السابقة: «فالتوبة من الشرك جعلها الله -عز وجل- قولا وعملا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وقال أصحاب الرأي: ليس الصلاة ولا الزكاة ولا شيء من الفرائض من الإيمان، افتراءً على الله -عز وجل- وخلافا لكتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ولو كان القول كما يقولون لم يقاتل أبو بكر -رضي الله عنه- أهل الردة!» [السنة لعبد الله بن أحمد].

وأجمع الصحابة -رضي الله عنهم- على أنه لا إسلام بلا استسلام، فكفّروا تارك الصلاة كسلا –وهو تارك لجنس العمل- وكفّروا مانعي الزكاة -وهم ممتنعون بشوكة عن بعض الشرائع الظاهرة المتواترة- وخالفهم مرجئة الفقهاء في ذلك، فلم يعرفوا حقيقة الإسلام الذي رضيه الله للناس دينا، وكذلك أجمع الصحابة -رضي الله عنهم- على أنه لا إسلام بلا سلامة، فكفّروا صنف أهل الردة الذين عادوا إلى عبادة الأوثان -وهي أصنام وُضعت تصويرا للصالحين- ولم يجعلوا حداثة عهد الناس بالجاهلية وظهور الدجالين المتنبئين وتغلب مانعي الزكاة على ديار المسلمين موانع من تكفير أعيانهم، وخالفهم في ذلك جهمية العصر، الذين عارضوا قول الرسول، صلى الله عليه وسلم: (من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله، دخل الجنة) [رواه مسلم عن عثمان].

فلا يكون بنيان الإسلام من غير هذه المباني، ومن يستهين بركن منه، يوشك أن يسقط عليه البنيان، فإن سقط، هلك في الدنيا بالسيف قبل الآخرة بالنار، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من بدّل دينه فاقتلوه) [رواه البخاري عن ابن عباس]، إلا أن أعظم هذه الأركان هو الركن الأول الذي لا يصح إسلام المرء من دونه أبدا، وهو شهادة التوحيد، شهادة أن لا إله إلا الله، أن لا معبود ولا مطاع بحق إلا الله، وهي متضمنة لتوحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات، قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «لا إله إلا الله: إثبات انفراده بالإلهية، والإلهية تتضمن كمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته، ففيها إثبات إحسانه إلى العباد، فإن الإله هو المألوه، والمألوه هو الذي يستحق أن يُعبد، وكونه يستحق أن يُعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع» [تيسير العزيز الحميد].

وشهاد أن لا إله إلا الله، هي شهادة الإيمان بالله والكفر بالطاغوت، أن يُعبد الله وحده ويُكفر بما دونه، وهي ملة إبراهيم -عليه السلام- الذي أُمرنا باتباعه، والذي قال لقومه: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [سورة الممتحنة: 4].

قال الإمام محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: «[الإسلام] هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله» [ثلاثة الأصول]، فهو السلامة والاستسلام لله.

ولا يكون المرء مسلما ما لم يعبد الله وحده ويكفر بما دونه، كما بيّن ذلك حديث المباني الخمس: (بُني الإسلام على خمس، على أن يُعبد الله، ويُكفر بما دونه) [رواه مسلم عن ابن عمر]، فلا إسلام من غير عبادة الله (الاستسلام)، ولا إسلام من غير الكفر بالطاغوت (السلامة)، ولا يسلم المرء من رجس الشرك ونجاسة أهله ما لم يكفر بطواغيت زمانه، وبشركهم ومشركيهم، كالديمقراطيين والوطنيين والقوميين والقانونيين المرتدين عن الإسلام، ومن هؤلاء المرشَّحين والمصوِّتين في الانتخابات والاستفتاءات من الأحزاب «الإسلامية» المزعومة، والمتحاكمين إلى المحاكم الوضعية بدعوى المصلحة والضرورة، وعساكر الطاغوت وأنصاره من المجنَّدين و»المشايخ»، وطائفة «الإخوان المرتدين» وأحزابها وفصائلها وأخواتها التي جحدت التوحيد والشريعة والولاء والبراء والجهاد وامتنعت عن التزامها وحاربتها واستهزأت بها وظاهرت الصليبيين والطواغيت في الحرب عليها، بل يجب على المسلم أن يُظهر كفره بهؤلاء ما استطاع إلى ذلك سبيلا، بالقلم واللسان، والسيف والسنان، متّبعا في ذلك خليلَي الرحمن -عليهما أفضل الصلاة والسلام- والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ

مقال - دين الإسلام وجماعة المسلمين
...المزيد

أهمية العمل للشباب

أيها الشباب، العمل له أثر كبير على حياة الأسرة وخاصة الرجال؛ فهو يجعل الرجل مسؤولًا عن بيته وأسرته ومجتمعه، ويُشعره بالرضا عن النفس، وأن له قيمة في أسرته وبين مجتمعه. ... المزيد

الجزء الثلاثون

المنهج كاملا:http://ar.islamway.net/book/17329 ... المزيد

إضاءة في سبيل العلم وطلبه

العلم فتح من الله ومن أعظم أسباب هذا الفتح الافتقار إلى الله والتضرع بين يديه. ... المزيد

أعداء عملاء وهنا لفتة مهمة لأهلنا في السودان أن كلا الطرفين المتحاربين عدو مبين للإسلام ...

أعداء عملاء

وهنا لفتة مهمة لأهلنا في السودان أن كلا الطرفين المتحاربين عدو مبين للإسلام والمسلمين، فلكل منهما مشروع جاهلي مدعوم من قوى خارجية كافرة تتصارع هذه القوى على أرضكم عبر بيادقها، مقابل حصولها على حصتها من التركة السودانية وبالتالي لا ينبغي لعامة المسلمين الانخداع بأي طرف منهما، فـ "البرهان وحميدتي" كلاهما عدو للإسلام فيجب معاداتهما والكفر بهما، وعدم التعويل على أي منهما مهما كانت نتيجة المعركة بينهما، فإن المنتصر منهما عدو للإسلام ومشاريعه على الأرض مهما زينها وغلفها لن تكون سوى نسخة مكررة من مشاريع نظرائهم طواغيت العرب المحاربة للإسلام والمسلمين.

مقتبس من إفتتاحية صحيفة النبأ العدد 479
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 37 دين الإسلام وجماعة المسلمين إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله ...

صحيفة النبأ العدد 37
دين الإسلام وجماعة المسلمين

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم، أما بعد:

هذه السلسلة في بيان حقيقة الإسلام وضرورة الجماعة، نسأل الله أن يفقّهنا وإيّاكم في الدين ويثبّتنا على لزوم جماعة المسلمين.

قال الله، جلّ وعلا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [سورة المائدة: 5]، وقال جلّ وعلا: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [سورة آل عمران: 19]، وقال جلّ وعلا: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سورة آل عمران: 85].

فالدين الذي رضي الله للناس والذي لا يقبل منهم سواه هو الإسلام، وحقيقته لغة وشرعا: السلامة -أي الإخلاص- والاستسلام -أي الانقياد- لله.
قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «الإسلام هو الاستسلام لله وحده، ولفظ الإسلام يتضمّن الإسلام، ويتضمّن إخلاصه لله... فمن لم يستسلم له، لم يكن مسلما، ومن استسلم لغيره كما يستسلم له، لم يكن مسلما، ومن استسلم له وحده، فهو المسلم، كما في القرآن: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [سورة البقرة: 112]، وقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [سورة النساء: 125]» [النبوات].

وقال رحمه الله: «الإسلام الذي هو دين الله الذي أنزل به كتبه وأرسل به رسله... هو أن يسلم العبد لله رب العالمين فيستسلم لله وحده لا شريك له ويكون سالما له بحيث يكون متألّها له غير متألّه لما سواه، كما بيّنته أفضل الكلام ورأس الإسلام وهو شهادة أن لا إله إلا الله؛ وله ضدان: الكبر والشرك، ولهذا رُوي أن نوحا -عليه السلام- أمر بنيه بلا إله إلا الله وسبحان الله ونهاهم عن الكبر والشرك [رواه أحمد عن عبد الله بن عمرو]... فإن المستكبر عن عبادة الله لا يعبده فلا يكون مستسلما له، والذي يعبده ويعبد غيره يكون مشركا به فلا يكون سالما له بل يكون له فيه شرك؛ ولفظ الإسلام يتضمن الاستسلام والسلامة التي هي الإخلاص» [الفتاوى]، «وكل واحد من المستكبرين والمشركين ليسوا مسلمين» [النبوات].

فلا يكون المرء مسلما إلا بالتزام الإسلام بهذين المعنَيين، فمن لم يستسلم لله -كمن ترك جنس العمل أو امتنع بشوكة عن بعض الشرائع الظاهرة المتواترة- لم يكن إلا كافرا، ومن لم يكن سالما لله -كمن عبد الأنبياء والأولياء مقلّدا ومتأوّلا- لم يكن إلا مشركا ولو صلى وصام وزعم أنه مسلم، وهذه الحقائق دلّت عليها شهادة أن لا إله إلا الله، قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «الإله هو المعبود المطاع» بحق [تيسير العزيز الحميد]، فلا معبود ولا مطاع بحق إلا الله، وهذه الكلمة متضمّنة لمعنَيي السلامة والاستسلام لله، وهي دعوة جميع الأنبياء والمرسلين إلى أقوامهم وأممهم.

قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «لفظ الإسلام... له معنيان، أحدهما: الدين المشترك وهو عبادة الله وحده لا شريك له الذي بعث به جميع الأنبياء، كما دل على اتحاد دينهم نصوص الكتاب والسنة، والثاني ما اختص به محمد، صلى الله عليه وسلم... وله مرتبتان: إحداهما الظاهر من القول والعمل وهي المباني الخمس، والثانية: أن يكون ذلك الظاهر مطابقا للباطن» [الفتاوى].

وهذه المباني الخمس التي هي حقيقة الإسلام قولا وعملا، ظاهرا وباطنا، بيّنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (بُني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) [رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر]، وفي رواية: (بُني الإسلام على خمسة، على أن يوحّد الله) [رواه مسلم عن ابن عمر]، وفي رواية: (بُني الإسلام على خمس، على أن يُعبد الله، ويُكفر بما دونه) [رواه مسلم عن ابن عمر]، فلم يكن الإسلام الذي اختصت به شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- إسلاما من غير سلامة واستسلام لله، بل إن المباني الخمس شُرعت ليكون المرء سالما لله مستسلما له بالتزام التوحيد واتّباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- والقيام بالمباني، وقال إسحاق بن راهويه، رحمه الله: «غلت المرجئة حتى صار من قولهم: من ترك المكتوبات، وصوم رمضان، والزكاة، والحج، وعامة الفرائض من غير جحود بها، إنّا لا نكفّره، ويُرجأ أمره إلى الله بعد إذ هو مقرّ [بها]؛ فهؤلاء المرجئة الذين لا شك فيهم» [مسائل حرب الكرماني].
ثم إن علاقة السلامة بالاستسلام بيّنها الله في آيات كثيرة من كتابه، منها أمره بقتال المشركين، قال جلّ وعلا: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [سورة التوبة: 11]، قال الفضيل بن عياض -رحمه الله- بعد أن تلا الآية السابقة: «فالتوبة من الشرك جعلها الله -عز وجل- قولا وعملا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وقال أصحاب الرأي: ليس الصلاة ولا الزكاة ولا شيء من الفرائض من الإيمان، افتراءً على الله -عز وجل- وخلافا لكتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ولو كان القول كما يقولون لم يقاتل أبو بكر -رضي الله عنه- أهل الردة!» [السنة لعبد الله بن أحمد].

وأجمع الصحابة -رضي الله عنهم- على أنه لا إسلام بلا استسلام، فكفّروا تارك الصلاة كسلا –وهو تارك لجنس العمل- وكفّروا مانعي الزكاة -وهم ممتنعون بشوكة عن بعض الشرائع الظاهرة المتواترة- وخالفهم مرجئة الفقهاء في ذلك، فلم يعرفوا حقيقة الإسلام الذي رضيه الله للناس دينا، وكذلك أجمع الصحابة -رضي الله عنهم- على أنه لا إسلام بلا سلامة، فكفّروا صنف أهل الردة الذين عادوا إلى عبادة الأوثان -وهي أصنام وُضعت تصويرا للصالحين- ولم يجعلوا حداثة عهد الناس بالجاهلية وظهور الدجالين المتنبئين وتغلب مانعي الزكاة على ديار المسلمين موانع من تكفير أعيانهم، وخالفهم في ذلك جهمية العصر، الذين عارضوا قول الرسول، صلى الله عليه وسلم: (من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله، دخل الجنة) [رواه مسلم عن عثمان].

فلا يكون بنيان الإسلام من غير هذه المباني، ومن يستهين بركن منه، يوشك أن يسقط عليه البنيان، فإن سقط، هلك في الدنيا بالسيف قبل الآخرة بالنار، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من بدّل دينه فاقتلوه) [رواه البخاري عن ابن عباس]، إلا أن أعظم هذه الأركان هو الركن الأول الذي لا يصح إسلام المرء من دونه أبدا، وهو شهادة التوحيد، شهادة أن لا إله إلا الله، أن لا معبود ولا مطاع بحق إلا الله، وهي متضمنة لتوحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات، قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «لا إله إلا الله: إثبات انفراده بالإلهية، والإلهية تتضمن كمال علمه وقدرته ورحمته وحكمته، ففيها إثبات إحسانه إلى العباد، فإن الإله هو المألوه، والمألوه هو الذي يستحق أن يُعبد، وكونه يستحق أن يُعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع» [تيسير العزيز الحميد].

وشهاد أن لا إله إلا الله، هي شهادة الإيمان بالله والكفر بالطاغوت، أن يُعبد الله وحده ويُكفر بما دونه، وهي ملة إبراهيم -عليه السلام- الذي أُمرنا باتباعه، والذي قال لقومه: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [سورة الممتحنة: 4].

قال الإمام محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله: «[الإسلام] هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله» [ثلاثة الأصول]، فهو السلامة والاستسلام لله.

ولا يكون المرء مسلما ما لم يعبد الله وحده ويكفر بما دونه، كما بيّن ذلك حديث المباني الخمس: (بُني الإسلام على خمس، على أن يُعبد الله، ويُكفر بما دونه) [رواه مسلم عن ابن عمر]، فلا إسلام من غير عبادة الله (الاستسلام)، ولا إسلام من غير الكفر بالطاغوت (السلامة)، ولا يسلم المرء من رجس الشرك ونجاسة أهله ما لم يكفر بطواغيت زمانه، وبشركهم ومشركيهم، كالديمقراطيين والوطنيين والقوميين والقانونيين المرتدين عن الإسلام، ومن هؤلاء المرشَّحين والمصوِّتين في الانتخابات والاستفتاءات من الأحزاب «الإسلامية» المزعومة، والمتحاكمين إلى المحاكم الوضعية بدعوى المصلحة والضرورة، وعساكر الطاغوت وأنصاره من المجنَّدين و»المشايخ»، وطائفة «الإخوان المرتدين» وأحزابها وفصائلها وأخواتها التي جحدت التوحيد والشريعة والولاء والبراء والجهاد وامتنعت عن التزامها وحاربتها واستهزأت بها وظاهرت الصليبيين والطواغيت في الحرب عليها، بل يجب على المسلم أن يُظهر كفره بهؤلاء ما استطاع إلى ذلك سبيلا، بالقلم واللسان، والسيف والسنان، متّبعا في ذلك خليلَي الرحمن -عليهما أفضل الصلاة والسلام- والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ

مقال - دين الإسلام وجماعة المسلمين
...المزيد

شخصيات قد تهتم بمتابَعتها

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً