الفوائد (25)- تفريغ القلب مما يضاد الإيمان (3)

إن إصغاء القلب كإصغاء الأذن، فإذا صغى إلى غير حديث الله، لم يبق فيه إصغاء، ولا فهم لحديثه، كما إذا مال إلى غير محبّة الله، لم يبق فيه ميل إلى محبّته. فإذا نطق القلب بغير ذكره، لم يبق فيه محل للنطق بذكره كاللسان. ولهذا في الصحيح عن النبي أنه قال: «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا يريه خير له من أن يمتلئ شعرا». فبيّن أن الجوف يمتلئ بالشعر فكذلك يمتلئ بالشبه والشكوك والخيالات والتقديرات التي لا وجود لها، والعلوم التي لا تنفع، والمفاكهات والمضحكات والحكايات ونحوها. وإذا امتلاء القلب بذلك جاءته حقائق القرآن والعلم الذي به كماله وسعادته فلم تجد فيه فراغًا لها ولا قبولًا، فتعدته وجاوزته إلى محل سواه.

وَالْعَاقِبَةِ لِلْمُتَّقِينَ

{وَالْعَاقِبَةِ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف من الآية:128]: كيف تطمع أن تكون العاقبة لك في الدنيا بالنصر والعزة، وفي الآخرة بالفوز بالجنة، وتقواك مخدوشة .. وتوبتك مغشوشة!

شرع الله!

تحكيم شرع الله فرض على كل مسلم، وليس لمسلم مهما كان حق التخيير فيه، أو الاقتراع على أخذه أو رده {أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ . إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ} [القلم:37-38].

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (69)- النظر إلى أمر المستشرق (4)

وظاهر من كل ما كتبته آنفًا أن الاستشراق من فرع رأسه إلى أخمص قدميه، غارق في الأهواء. والثقافة الأوربية والحضارة الأوربية تستقبل الأهواء بلا نكير ولا أنفة، بل هي تسوغ استعمال رذيلة الأهواء في الدنيا وفي الناس بلا حرج، لأنها حضارة قائمة على المنفعة والسلب ونهب الأمم وإخضاعها بكل وسيلة لسلطانها المتحضر! فهي توسغ ذلك في العلم وفي الثقافة وفي السايسة وفي الدين في كل شيء، بل تسوغها أيضًا في الدعوى الغريبة العجيبة التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ الأمم، دعوى أنها حضارة عالمية، وفحواها أن العالم كله ينبغي أن يخضع لسلطانها وسيطرتها، ويتقبل برضى غطرستها وفجورها الغني الأخاذ الفاتن! 

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (68)- النظر إلى أمر المستشرق (3)

المستشرق الناشئ في لغة وفي ثقافة أخرى قد رسخت في نفسه وعقله، وهي بطبيعتها مصبوغة صبغة شديدة في اليهودية والمسيحية. وهما ملتان تباينهما ملة الإسلام مباينة تبلغ حد الرفض والمناقضة. وثقافته هذا تنازعه حيث ذهب في البحث والدرس، فممكن أن يناقش ثقافة الإسلام، ممكن، لأن هذا من حقه، ولكنه مستحيل كل الاستحالة أن يكون في ثقافتنا باحثًا أو دارسًا يبدي رأيًا يستحق النظر والاحترام، في قرآنها وحديثها وتتفسيرها وفي تفسير شعائرها، وفي تاريخها وفي آدابها ولغتها وشعرها إلى آخر ما ذكرته آنفًا، مستحيل، لأنه ممتنع عليه امتناعًا لا يملك الفرار منه. 

الفوائد (24)- تفريغ القلب مما يضاد الإيمان (2)

فكذلك القلب المشغول بمحبّة غير الله وإرادته، والشوق إليه والأنس به، لا يمكن شغله بمحبة الله وإرادته وحبه والشوق إلى لقائه إلا بتفريغه من تعلّقه بغيره، ولا حركة اللسان بذكره، والجوارح بخدمته إلا إذا فرغها من ذكر غيره وخدمته، فإذا امتلأ القلب بالشغل بالمخلوق، والعلوم التي لا تنفع، لم يبق فيها موضع للشغل بالله ومعرفة أسمائه وصفاته وأحكامه.

الفوائد (23)- تفريغ القلب مما يضاد الإيمان (1)

قبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضدّه. وهذا كما أنه في الذوات والأعيان فكذلك هو في الاعتقادات والإرادات، فإذا كان القلب ممتلئًا بالباطل اعتقادًا ومحبّة، لم يبق فيه لاعتقاد الحق ومحبّته موضع، كما أن اللسان إذا اشتغل بالتكلم بما لا ينفع، لم يتمكن صاحبه من النطق بما ينفعه، إلا إذا فرغ لسانه من النطق بالباطل، وكذلك الجوارح إذا اشتغلت بغير الطاعة لم يمكن شغلها بالطاعة إلا إذا فرغها من ضدها.

الفوائد (22)- تفكر!

فإذا شهدت القلوب من القرآن ملكًا عظيمًا رحيمًا جوادًا جميلًا هذا شأنه فكيف لا تحبّه، وتنافس في القرب منه، وتنفق أنفاسها في التودد إليه، ويكون أحب إليها من كل ما سواه، ورضاه آثر عندها من رضا كل ما سواه؟ وكيف لا تلهج بذكره، ويصير الحب والشوق إليه والأنس به غذاؤها وقوتها ودواؤها، بحيث إن فقدت ذلك فسدت وهلكت، ولم تنتفع بحياتها؟

أسرار الصلاة (27)- أسرار الركوع

ثم شرع له بأن يخضع للمعبود سبحانه بالركوع خضوعاً لعظمة ربه، واستكانة لهيبته وتذللاً لعزته. فثناء  العبد على ربه في هذا الركن؛ هو أن يحني له صلبه، ويضع له قامته، وينكس له رأسه، ويحني له ظهره، ويكبره مُعظماً له، ناطقاً بتسبيحه، المقترن بتعظيمه.

فاجتمع له خضوع القلب، وخضوع الجوارح، وخضوع القول على أتم الأحوال، ويجتمع له في هذا الركن من الخضوع والتواضع والتعظيم والذكر ما يفرق به بين الخضوع لربه، والخضوع للعبيد بعضهم لبعض، فإنَّ الخضوع وصف العبد، والعظمة وصف الرب.

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (67)- النظر إلى أمر المستشرق (2)

ولكن المستشرق، وإن يكن قد فعل الأمرين جميعًا خدمة لأمته، فإنه قد جاء فدخل مدخلًا آخر من غير هذين البابين، ودخوله في الباب الثالث هو موضع النزاع بيننا وبينه، دخل لا مستفيدًا ولا مناقشًا، دخل باحثًا ودارسًا عليه طليسان العلم في ميدان المنهج وما قبل المنهج، وهو ميدان له شروط لازمة لا تختل. دخل في لغة هو فيها هجين كل الهجنة، وفي ثقافة هو غريب عنها كل الغربة. ودخوله هو عمل مستشنع فيي ذاته، لأنه اجتراء على دخول هذا الميدان بغير حقه، ولا يسمح بمثله في ثقافة أمته هو نفسه، لأنه لا يملك شيئًا ذا بال من مسوغاته. 

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (66)- النظر إلى أمر المستشرق (1)

فعندئذ يفضي بك النظر إلى أمر المستشرق، فهو حين ينظر إلى ثقافة أمة أخرى غير أمته، إنما ينظر فيها لأحد الأمرين: إما أن ينظر فيها ليكسب منها شيئًا لأمته وثقافته، وإما أن ينظر فيها ليناظر ويناقش. وكلا الأمرين حق لا ينازعه فيه منازع. وفي كلا الأمرين هو واقع في مأزق ضيق: مأزق اللغة ومأزق الثقافة. لا يستطيع أن يأخذ إلا على قدر ما فهم من لغة غريبة أصلًا عن لغته، ولا يستطيع أن يناقش إلا على قدر ما يتصور أنه استبانه وأدركه من ثقافة غريبة عن ثقافته. 

الفوائد (21)- في عرش الرحمن وقلب عبده

وخلق الله القلوب وجعلها محلًا لمعرفته ومحبّته وإرادته، فهي عرش المثل الأعلى الذي هو معرفته ومحبّته وإرادته، فهذا من المثل الأعلى، وهو مستوٍ على قلب المؤمن فهو عرشه، وإن لم يكن أطهر الأشياء وأنزهها وأطيبها وأبعدها من كل دنس وخبث؛ لم يصلح لاستواء المثل الأعلى عليه معرفة ومحبة وإرادة، فاستوى عليه مثل الدنيا الأسفل ومحبتها وإرادتها والتعلق بها، فضاق وأظلم وبعد من كمال هو فلاحه حتى تعود القلوب على قلبين: قلب هو عرش الرحمن ففيه النور والحياة والفرح والسرور، وقلب هو عرش الشيطان، فهناك الضيق والظلمة، فهو حزين على ما مضى، مهموم بما يستقبل، مغموم في الحال. وقد روى الترمذي وغيره عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إذا دخل النور القلب، انفسح وانشرح»، قالوا: "فما علامة ذلك يا رسول الله؟"، قال: «الإنابة إلى دار الخلود، والتجاني عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله». 

شخصيات قد تهتم بمتابَعتها

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً