الفوائد (29)- للعبد رب وبيت

للعبد رب هو ملاقيه وبيت هو ساكنه، فينبغي له أن يسترضي ربّه قبل لقائه، ويعمّر بيته قبل انتقاله إليه.

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (66)- النظر إلى أمر المستشرق (1)

فعندئذ يفضي بك النظر إلى أمر المستشرق، فهو حين ينظر إلى ثقافة أمة أخرى غير أمته، إنما ينظر فيها لأحد الأمرين: إما أن ينظر فيها ليكسب منها شيئًا لأمته وثقافته، وإما أن ينظر فيها ليناظر ويناقش. وكلا الأمرين حق لا ينازعه فيه منازع. وفي كلا الأمرين هو واقع في مأزق ضيق: مأزق اللغة ومأزق الثقافة. لا يستطيع أن يأخذ إلا على قدر ما فهم من لغة غريبة أصلًا عن لغته، ولا يستطيع أن يناقش إلا على قدر ما يتصور أنه استبانه وأدركه من ثقافة غريبة عن ثقافته. 

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (58)- خلو المستشرق من شروط المنهج! (1)

فقبل كل شيء، أنى للمستشرق أن يحوز ما لا يحوزه إلا من ولد في بحبوحة اللغة وثقافتها منذ أن كان في المهد صبيًا، ثم نشئ فيها وارتضع وأدب حتى عقل واستحصد؟ غير ممكن! وهبه ممكنًا أن يأتى المستشرق على كبر فيعاشر أصحاب هذه اللغة وهذه الثقافة ويخالطهم دهرًا، وهبه ممكنًا أيضًا أن ينسى كل ما نشأ هو فيه صغيرًا وأدب، أفممكن هو أن يحوز ذلك كله، وهو مقيم في بلاده، بإن يتعلم على الكبر من معلم يعلمه لغة وثقافة هما أجنبيان عنه وعن معلمه جميعًا؟ غير ممكن! أقصى ما يبلغه هذا المستشرق بعد عشرات السنين من الدأب والجهد وبعد أن تشيب قرونه، أن يكون شاديًا لا أكثر! أي أنه تعلم لغة أجنبية عنه وبس! هذا صريح العقل. 

الفوائد (9)- الغفلة عن يوم القيامة

أخبر سبحانه أن الإنسان في غفلة من هذا الشأن الذي هو حقيق بأن لا يغفل عنه، وأن لا يزال على ذكره وباله، وقال {فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} [ق:22]، ولم يقل عنه، كما قال {وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} [هود:110]، ولم يقل في شك فيه، وجاء هذا في المصدر وإن لم يجئ في الفعل فلا يقال غفلت منه ولا شككت منه كأن غفلته وشكه ابتداء منه، فهو مبدأ غفلته وشكّه، وهذا أبلغ من أن يقال في غفلة عنه وشك فيه، فإنه جعل ما ينبغي أن يكون مبدأ التذكرة واليقين ومنشأهما مبدأ للغفلة والشك. ثم أخبر أن غطاء الغفلة والذهول يكشف عنه ذلك اليوم كما يكشف غطاء النوم عن القلب فيستيقظ، وعن العين فتنفتح. فنسبة كشف هذا الغطاء عن العبد عند المعاينة كنسبة كشف غطاء النوم عنه عند الانتباه.

لا يكون

ما لا يكون بالله لا يكون، وما لا يكون لله لا ينفع ولا يدوم (مجموع الفتاوى [8/329]).

الاحتياط

الاحتياط أحسن ما لم يفض بصاحبه إلى مخالفة السنة، فإذا أفضى إلى ذلك فالاحتياط ترك هذا الاحتياط المستدرك (مجموع الفتاوى [5/41]).

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (46)- بصفتين لابد منهما

والمستشرقون المتبتلون، بلا شك عندهم، هم أهل خبرة بكل ما في دار الإسلام قديمًا، وما هو كائن فيها حديثًا، من دقيق العلوم عند خاصة المسلمين، إلى خفي أحوال المسلمين من عاداتهم ومعايشهم وطرائق أفكارهم وخصائص حياتهم، إلى علم وثيق شأن دولهم وأقاليمهم وبلدانهم التي تغطي أكبر رقعة من الأرض. فكل دارس منهم مأمون عند كل أوربي، مأمون على ما يقوله، مصدق فيما يقوله، في أمور لا سبيل لأحد منهم إلى معرفتها، لأنها تتعلق بأقوام لسانهم غير لسانهم، ولا يقوم بها إلا دارس صابر ذو معرفة بهذا اللسان الغريب، متصف بصفتين لابد منهما حتى يكون مصدقًا: الصفة الأولى: أن في قلبه كل الحمية التى أثارها الصراع ين المسيحية المحصورة في الشمال، وبين دار الإسلام الممتنعة على الاختراق على مدى عشرة قرون على الأقل، الصفة الثانية: أن في صميم قلبه كل ما تحمله قلوب خاصة الأوربين وعامتهم، وملوكهم وسوقتهم، من الأحلام البهيجة والأشواق الملتهبة إلى حيازة كل ما في دار الإسلام من كنوز العلم والثروة والرفاهية والحضارة. 

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (38)- الاستعمار والتبشير

وبفضل هؤلاء المتبتلين المنقطعين عن زخرف الحياة الجديدة، وبفضلهم وحدهم، وبفضل ملاحظاتهم التي جمعوها من السياحة في دار الإسلام ومن الكتب، وبذلوها لملوك المسيحية الشمالية، نشأت طبقة الساسة الذين يعدون ما استطاعوا من عدة لرد غائلة الإسلام ثم قهره في عقر دياره، ولتحقيق الأحلام والأشواق التي كانت تخامر قلب كل أوربي، أن يظفر بكنوز الدنيا المدفونة في دار الإسلام وما وراء دار الإسلام، وهم الذي عرفوا فيما بعد باسم رجال (الاستعمار)، وبفضلهم وحدهم، وبفضل ملاحظاتهم التي زودوا بها رهبان الكنيسة، ثارت حمية الرهبان، ونشات الطائفة التي نذرت نفسها للجهاد في سبيل المسيحية، وللدخول في قلب العالم الإسلامي لكي تحول من تستطيع تحويله عن دينه إلى المللة المسيحية، وأن ينتهي الأمر إلى قهر الإسلام في عقر داره، هكذا ظنوا يومئذ وهذه الطائفة هي التي عرفت فيما بعد باسم رجال (التبشير). 

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (32)- سلاح العقل والعلم

وهذه الترك، وهم المسلمون، طلائع عالم إسلامي زاخر هائل مخيف غير معروف لهم ما في جوفه، مسيطر على رقعة متراحبة ممتدة من الأندلس إلى أطراف تحيط بأرض روسيا إلى جوف قارة آسية إلى جوف قارة أفريقية. وهم يعلمون الآن علمًا ليس بالظن أن السلاح، في هذه المرحلة الرابعة، ليس يغني غناءً حاسمًا، فقد وعظتهم المراحل الثلاث الأول، فنحوا أمره جانبًا إلى أن يحين حينه ويصبح قادرًا وحاسمًا. لم يهم، إذا إلا سلاح العقل والعلم والتفوق واليقظة والفهم وحسن التدبير، ثم المكر والدهاء واللين والمداهنة وترك الاستثارة، استثارة عالم ضخم مجهول ما في جوفه، ولا قبل لهم بتدفق أمواجه الزاخرة، والتي كان الترك الظافرون طلائعها الظاهرة لهم عيانًا في قلب أوربة. 

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (31)- بدء اليقظة!

عند أول بدء اليقظة، تحددت أهداف المسيحية الشمالية، وتحددت وسائلها. لم يغب عن أحد منهم قط في سبيل إعداد أنفسهم لحرب صليبية رابعة، لأنهم كانوا يومئذ يعيشون في ظل شبح مخيف متوغل في أرض أوربة المقدسة ببأس شديد وفوة لا تردع، بل هو شبح متجول يطوف أنحاء القارة كلها، لا يطرف فيها جفن حتى يراه ماثلًا في عينه آناء الليل وأطراف النهار، الترك الترك!! 

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (30)- القرون الحديثة

وبغتة، كما كان اقتحام المسلمين قلب أوربة بغتة، تهاوت الحواجز التي كانت تمنع حرجة اليقطة والتنبيه في أعقاب الحروب الصليبية لأني تؤتي ثمارها، وخرجت أوربة من أصفاد القرون الوسطى، ودخلت بعد جهاد طويل مرير في القرون الحديثة كما يسمونها. ومع تقوض هذه الحواجز ظهرت براعيم الثمار الشهية، وبظهورها غضة ناضرة، زادت الحماسة وتعالت الهمم، ومهد الطريق الوعر، ودبت النشوة في جماهير المجاهدين، وتحددت الأهداف والوسائل وتبين الطريق. ومن يومئذ بدأ الميزان يشول، فارتفعت أحدى الكفتين شيئًا ما، وانخفضت الأخرى شيئًا ما. ارتفعت كفة أوربة بهذه اليقظة الهائلة الشاملة التي أحدثتها الهزائم القديمة والحديثة، وانخفضت كفة المسلمين بهذه الغفلة الهائلة الشاملة التي أحدثها الغرور بالنصر القديم وبالنصر الحديث وفتح القسطنطينية. وكذلك شال الميزان، وكانت فرحة محسوسة في جانب، وكانت غفلة لا تحس في جانب. تاريخ طويل مضى وغاب، وتريخ طويل سوف يأتي، ثم لا يعلم إلا الله متى يكون غيابه. 

رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (15)- الحروب الصليبية (2)

وجاءت سنة 1096م، وجيشت الجيوش من هذا الهمج الهامج من النرمنديين والصقالبة والسكسون، بقيادة الرهبان وملوك الإقطاع، وبدأت الحروب الصليبية، واكتسحت في طريقها أهل النصرانية وسفحت دمائهم بفظاظة، وبدأت تكتسح ثغور الإسلام وعواصمه الشمالية وتسفح الدماء المسلمة، واستمرت قائمة قرنين كاملين. كانت فرحة رائعة، ولكنها انتهت بالإخفاق وباليأس من حرب السلاح سنة 1291م بعد أن تركت في أنفس المقاتلين الهمج البصيص من اليقظة والتنبه، باحتكاكهم المستمر بحضارة راقية كانت تفتنهم وتبث في نفوسهم الشك فيما سمعوه.

 

يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
20 محرم 1446
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

شخصيات قد تهتم بمتابَعتها

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً