الصدق في الإخلاص لله تعالى
نعم، يجب أن نصدق في إخلاصنا، وقد يُستغرب هذا القول، حيث إن أعلى ما يصل إليه الشخص هو الإخلاص. فكيف يحتاج الإخلاص إلى صدق؟ لكن ها هنا لطيفة مهمة ينبغي التفطن لها، ألا وهي علاقة الصدق بالإخلاص. فمن الناس من يخلص لله لأنه الله رب العالمين وإله الخلق أجمعين، الحقيق بإخلاص العبادة، وهذا لا يزعزع إخلاصه سراءُ ولا ضراء. ومن الناس من يخلص لله تعالى لا من المنطلق السابق، ولكن من منطلق الحاجة التي يوقن -أو يحسب- أنه لا يجدها إلا عند الله تعالى ولا يصل إليها إلا بالإخلاص له؛ حين تتقطع به الأسباب إلا من الله، ولعله هو المثال المضروب والموقف المحكي في القرآن الكريم لقوم مشركين متمردين على الله سبحانه لا يوحدونه بعقد ولا قول ولا فعل. ولكنهم حين تنكشف لهم حقائق شركائهم وتنقطع بينهم أسبابهم، يعودون إلى الله بالدعاء له مخلصين الدين، يطلبون النجاة ويتعهدون بالتوحيد، لكن سرعان ما ينقضون العهود ويعودون إلى المعهود.
قال الله تعالى: {هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق} [يونس:22-23].
صلى وصام لأمر كان يطلبه * * * فلما انقضى الأمر ما صلى ولم يَصُم
فإنه ولا يتم الإخلاص إلا بالصدق ولا الصدق إلا بالإخلاص. وقد جاء من كلمة الصدق ومشتقاتها في القرآن نحوٌ من مائة وخمسين مرة (150 مرة)، بينما جاء في الإخلاص نحو الواحد والأربعين مرة (41) فقط.
فمن أراد أن يكون لإخلاصه نفعٌ وديمومة، ومصداقية عليه أن يصدق في إخلاصه، لا أن يخادع الله تعالى، وهو لا يُخادَع، وإنما قد يُملي لبعض عباده فيظنون أنهم خدعوه سبحانه: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:9]، {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142].