أكفّاركم خير من أولئكم (1/2) وكذلك بيّن الله أن العقاب مرتبط بالمعصية، فمن فعلها كان مستحقا ...

أكفّاركم خير من أولئكم

(1/2)
وكذلك بيّن الله أن العقاب مرتبط بالمعصية، فمن فعلها كان مستحقا للعذاب والعقاب من الله، لذلك أنزل لقريش يحذرهم وبال شركهم ومعصيتهم، بعدما قصّ عليهم نبأ من ناله العذاب قبلهم من أقوام نوح وصالح ولوط جزاء لما فعلوه من المعاصي: (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَٰئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ) [سورة القمر: 43]، قال القرطبي: «أي ليس كفاركم خيرا من كفار من تقدّم من الأمم الذين أُهلكوا بكفرهم» [الجامع لأحكام القرآن]، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «إن اللّه أخبر أن سنّته لن تُبَدّل ولن تتحول، وسنّته عادته التي يسوِّي فيها بين الشيء وبين نظيره الماضي، وهذا يقتضي أنه سبحانه يحكم في الأمور المتماثلة بأحكام متماثلة» [مجموع الفتاوى].

ومن المصائب التي ابتلي بها المسلمون في هذا الزمان وفي كل زمان، ما يرونه من تسلط بعض السفهاء على دين الإسلام، واتخاذه هزوا ولعبا، يقبلون منه ما اشتهوا، ويردّون منه ما كرهوا، بل والمصيبة الأكبر أنهم يجيزون لأنفسهم من المعاصي والضلال ما يحرّمونه على غيرهم، ويكفّرون أعداءهم ببعضها، فإن فعلوها هم أو من يحبّونهم صارت أعمالا صالحة يُتقرّب بها إلى الله.

وقد كان هذا دأب أهل الضلال في كل حين، فنجد أن المشركين كانوا يفعلون الفواحش من البدع ثم ينسبونها إلى الله، كما في قوله تعالى: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [سورة الأعراف: 28]، ونجد الضالين من بني إسرائيل يأمرون الناس بالطاعات ولا يفعلونها، كما في قوله تعالى: (أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [سورة البقرة: 44]، ونجد من زنادقة الصوفية من كان يكذب على الناس فيزعم أنه غير مكلف بالعبادات لأنه أقرب إلى الله من باقي العباد، واليوم صرنا نرى من الفصائل والأحزاب التي تنسب نفسها للإسلام العجب العجاب في هذا الباب.

فتجدهم يقاتلون بعض الطواغيت، ويكفّرونهم على أفعالهم، ثم تجدهم يفعلون نفس أفعال الطواغيت، دون أن ينكر بعضهم على بعض، بل تجدهم يبرّرون لأنفسهم ولأحبابهم، ويحرفون الكلم عن مواضعه ليجعلوا أفعالهم الكفرية موافقة للشريعة، بل ويجعلونها من الأعمال الصالحات، إن لم تصبح من الواجبات في بعض الأحيان، التي يؤثّمون تاركها.

وهذا التناقض الحاصل لدى القوم مردّه إلى أنهم لا يطبّقون الحكم الواحد على الحالتين بمنهج واحد، فالقانون الوضعي الذي تحكم به المحاكم في مناطق الضفة الغربية من فلسطين تحت حكم الطاغوت محمود عباس هو القانون الوضعي ذاته الذي تحكم به المحاكم في قطاع غزة تحت حكم طواغيت الإخوان من أمثال إسماعيل هنية وحزبه.

فعلى أي أساس إذن تكون الحكومة في الضفة الغربية طاغوتية مرتدة، وتكون الحكومة في قطاع غزة حكومة «شرعية»؟!

والحال مشابه في مصر، فالطاغوت حسني مبارك كان كافر مرتدا في نظر الأحزاب والفصائل، لأنه يحكم بغير ما أنزل الله، فلما نزع الله منه الملك، وصار الطاغوت محمد مرسي حاكما لمصر، حكم بالقانون الوضعي ذاته الذي كان يحكم به مبارك، ولكن الأحزاب والفصائل أعطت لمرسي وحكومته وصف «الشرعية»، بالرغم أن هذا الفعل المكفر الذي هو الحكم بالقانون الوضعي قد وقع من الطاغوتين كليهما.

فعلى أي أساس يكون الطاغوت (حسني) مرتدا يجب على المسلمين الخروج عليه وجهاده وخلعه، ويكون الطاغوت (مرسي) «مسلما» يجب على المسلمين تأييده ومناصرته، والدعاء له، والعمل على تثبيت حكمه، أو إعادته إليه بعد نزعه منه؟!
وإذا تابعنا نظرة كثير من تلك الفصائل والأحزاب إلى الديموقراطية نجد أنهم في الغالب يصرّحون بأن المجالس التشريعية أو البرلمانات هي مجالس كفرية لأنها تشرّع القوانين الوضعيّة التي يحكم بها الطواغيت، من حكام بغير ما أنزل الله، وقضاة في المحاكم الوضعية، وما شابه، وعليه فإنهم يكفّرون من يدخل تلك البرلمانات من الأحزاب العلمانية، والقوميين والعشائريين، وفي الوقت نفسه تتهافت تلك الفصائل والأحزاب على الترشح للدخول في تلك البرلمانات، وتخرج في مظاهرات، وتقوم بالثورات إذا منعت من ذلك، بل وتعطي لمشاركتها في هذا الشرك لقب «الجهاد السياسي» أو «جهاد الكلمة»، ومن يُقتل من أتباعها على يد الطواغيت وهو يطالب بالديموقرطية تعطيه لقب «الشهادة»!


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 34
الثلاثاء 2 رمضان 1437 ه‍ـ

مقتطف من مقال:
أكفّاركم خير من أولئكم
...المزيد

أهم أحكام الصيام (1/2) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى ...

أهم أحكام الصيام
(1/2)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن صيام شهر رمضان ركن من أركان الإسلام، وعلى كل مسلم تحقيق هذا الركن ليتم إسلامه، ولا يمكنه ذلك إلا بمعرفته لأهم أحكام الصيام في رمضان.

- تعريف الصوم:

الصوم لغةً: مِن صَامَ يَصُومُ، والمصدر منه صَومَاً وصِيَامَاً، والصوم هو الإمساك عن الشيء، سواء كان طعاما أو شرابا أو كلاما أو غير ذلك، قال تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيَّاً} [سورة مريم: 26]، فـ (صَوْماً) وردت هنا بمعنى: إمساكا عن الكلام [لسان العرب، لابن منظور].

والصوم شرعاً: الإمساك عن المفطرات (من الطعام والشراب والجماع)، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، مع النية.

- حكم الصوم:

صيام شهر رمضان ركن من أركان الإسلام، وواجب (فرض) على كل مسلم، بنص القرآن والسنة وإجماع الأمة.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة: 183]، وقال سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [سورة البقرة: 185].

وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «بُني الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان» [متفق عليه].

وقد أجمعت الأمة على وجوب صيام رمضان على المسلمين، وأن من أنكر وجوبه كفر [مراتب الإجماع، لابن حزم].

- شروط وجوب الصوم:

لا يجب الصوم إلا على:
1. المسلم: فلا يصح صيام الكافر.
2. العاقل: فلا يجب على المجنون.
3. البالغ: فلا يجب على الصبي، ولكن يستحب أن يُدرَّب عليه ليتعوده عند البلوغ.
4. الصحيح: فلا يجب على المريض الذي يزيد الصوم في مرضه أو يؤخر في شفائه.
5. المقيم: فلا يجب على المسافر، ويستحب له الصوم إن لم يجد فيه مشقة.
6. القادر: فلا يجب على من لا يطيقه، كالكبير في السن، والمريض الذي لا يُرجى شفاؤه، والحامل والمرضع إذا كان الصوم يضر بهما أو بولديهما.

- أركان الصوم:

1. النية: ومحلها القلب، ويكفي أن تنوي منذ أول يوم من أيام شهر رمضان صيام الشهر كله، ويقوم مقام النية الاستعداد للصيام بالقيام للسحور وتحري وقت الفجر للامتناع عن المفطرات ونحو ذلك.
2. الإمساك عن المفطرات: وهي الأكل والشرب والجماع (يعني الإمساك عن شهوتي البطن والفرج).
3. الزمان: ووقت الصوم من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس.

- فضل الصوم:

قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدّم من ذنبه) [رواه البخاري].

فإن صُمت رمضان (إيمانا) منك بأن صيامه فرض من الله تعالى يجب أداؤه، فقد حققت الشرط الأول في الحديث، وإن صُمت رمضان (احتسابا) للأجر والمثوبة من الله تعالى، ولم تصم رمضان رياء وسمعة، فقد حققت الشرط الثاني في الحديث، ولك بعد ذلك البشارة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بـ (مغفرة ما تقدّم من ذنبك) إن شاء الله.

- الحكمة من الصوم:

للصوم فوائد عظيمة كثيرة، مدارها كلها على الحكمة التي شرع الله تعالى لأجلها الصيام، وهي (التقوى)، والتي تتمثل بأداء ما أمرنا الله به، والكف عما نهانا عنه سبحانه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة: 183]، و(لَعَلَّ) هنا للتعليل، أي: لأجل أن تتقوا الله، فتتركوا ما حرّم الله، وتقوموا بما أوجب الله.

- حكم تارك الصوم:

من ترك الصوم في رمضان لعذر فلا شيء عليه، كمن تركه لمرض أو سفر أو غير ذلك من الأعذار.
أما من ترك صيام رمضان بلا عذر شرعي فيُنظر حاله، فإن كان تركه للصيام لشهوة طعام وشراب وجماع أو نحو ذلك وأنه كان مُقرّا بوجوب صيام رمضان وركنيّته في الإسلام، فهذا فاسق مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب.

أما من جحد وجوب الصوم -كأن قال مثلا: لا يوجد في الإسلام صيام رمضان- فهذا كافر بإجماع الفقهاء، لأن وجوب صوم رمضان معلوم من الدين بالضرورة، وهو ركن بُني عليه الإسلام، ومن جحده واستحل فطره فقد نقض أصل الدين.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 34
الثلاثاء 2 رمضان 1437 ه‍ـ

مقتطف من مقالة:
أهم أحكام الصيام
...المزيد

أهم أحكام الصيام (2/2) - الحكمة من الصوم: للصوم فوائد عظيمة كثيرة، مدارها كلها على الحكمة ...

أهم أحكام الصيام

(2/2)
- الحكمة من الصوم:

للصوم فوائد عظيمة كثيرة، مدارها كلها على الحكمة التي شرع الله تعالى لأجلها الصيام، وهي (التقوى)، والتي تتمثل بأداء ما أمرنا الله به، والكف عما نهانا عنه سبحانه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة: 183]، و(لَعَلَّ) هنا للتعليل، أي: لأجل أن تتقوا الله، فتتركوا ما حرّم الله، وتقوموا بما أوجب الله.

- حكم تارك الصوم:

من ترك الصوم في رمضان لعذر فلا شيء عليه، كمن تركه لمرض أو سفر أو غير ذلك من الأعذار.
أما من ترك صيام رمضان بلا عذر شرعي فيُنظر حاله، فإن كان تركه للصيام لشهوة طعام وشراب وجماع أو نحو ذلك وأنه كان مُقرّا بوجوب صيام رمضان وركنيّته في الإسلام، فهذا فاسق مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب.

أما من جحد وجوب الصوم -كأن قال مثلا: لا يوجد في الإسلام صيام رمضان- فهذا كافر بإجماع الفقهاء، لأن وجوب صوم رمضان معلوم من الدين بالضرورة، وهو ركن بُني عليه الإسلام، ومن جحده واستحل فطره فقد نقض أصل الدين.

- عقوبة المفطر من غير عذر:

يراد بالعقوبة هنا: الجزاء الدنيوي المترتب على من أفطر عمدا في رمضان من غير عذر شرعي.
وعقوبته متفرعة عن اعتقاده في حكم الصيام، فمن ترك صوم رمضان بلا عذر مع كونه لا يجحد وجوبه، فهذا يعاقب ويعزّر بالجلد أو بحبسه أو بما يراه الإمام من عقوبات رادعة له ولغيره، ومن ترك الصيام مع استحلاله لتركه فهذا مرتدّ يُستتاب من ردّته، فإن لم يتب، يُقتل ردةً بلا خلاف.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إذا أفطر في رمضان مستحلّا لذلك، وهو عالم بتحريمه استحلالا له، وجب قتله، وإن كان فاسقا عوقب عن فطره في رمضان بحسب ما يراه الإمام» [مجموع الفتاوى].

- مستحبات الصوم:

مستحبات الصيام كثيرة، أهمها:
1. السحور، ويستحب تأخيره إلى قبيل طلوع الفجر.
2. الدعاء أثناء الصوم وعند الإفطار.
3. تعجيل الإفطار بعد غروب الشمس.
4. الإفطار على رطبات وترا، فإن لم يكن فعلى تمرات، وإلا فعلى ماء.
5. تفطير الصائمين.
6. الإكثار من النوافل كـ (قيام الليل بالتراويح والتهجد، وقراءة القرآن، والصدقة، والاعتكاف في المسجد... إلخ).
وغير ذلك من الطاعات الكثيرة.
مكروهات الصوم
1. المبالغة في المضمضة والاستنشاق.
2. إكثار الكلام بغير ذكر الله وبلا ضرورة.
3. تذوّق الطعام من غير حاجة.
4. الإكثار من الطعام والشراب عند الإفطار.
مباحات الصوم
1. تأخير اغتسال الجنب والحائض والنفساء (إذا طهرتا) إلى ما بعد الفجر.
2. بلع ما لا يمكن الاحتراز عنه كالريق وغبار الطريق ونحوهما.
3. تذوّق الطعام للحاجة (كطهو الطعام أو إطعام طفل).
4. شم الروائح (الطيب أو الطعام).
5. صب الماء على رأس الصائم وجسده، وكذلك النزول في الماء والانغماس فيه.
6. التداوي بما لا يصل إلى الجوف كزرق الإبرة (غير المغذية) في العضلة أو الوريد.

- مبطلات الصوم:

1. نقض شرط من شروط صحة الصيام، مثل ردة المسلم، وجنون العاقل، والحيض والنفاس للمرأة.
2. نقض ركن من أركانه، كمن تعمّد الأكل والشرب (أما إذا أكل أو شرب ناسيا فلا يفطر)، والجماع وإنزال المني بتعمد (أما الاحتلام في نهار رمضان فلا يبطل الصوم).
3. تعمد إخراج القيء (أما إذا غلبه القيء فلا شيء عليه).
4. إخراج الدم بالحجامة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) [صحيح، رواه أبو داود وغيره].
وختاما، نسأل الله تعالى أن يتقبل منّا الصيام والقيام والجهاد وسائر الأعمال، وأن يعيد علينا شهر رمضان وقد فتحت لنا بغداد ودمشق، وفُكّت قيود الأسرى والأسيرات من سجون الطغاة...
وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 34
الثلاثاء 2 رمضان 1437 ه‍ـ

مقتطف من مقالة:
أهم أحكام الصيام
...المزيد

【السودان المنسي!】 بينما تنحصر أضواء القنوات وعدسات "الكاميرات" في مشهد وتترك آخر ارتهانا للمصالح ...

【السودان المنسي!】

بينما تنحصر أضواء القنوات وعدسات "الكاميرات" في مشهد وتترك آخر ارتهانا للمصالح والقوميات؛ يسلّط إعلامُ المجاهدين الضوء على جميع قضايا المسلمين بغض النظر عن أعراقهم وبلدانهم، لأن المسلمين أمة واحدة، جراحهم واحدة ونصرتهم جميعا واجبة. ومن هذه الجراح النازفة بصمت وبلا توقف، جراح إخواننا المستضعفين في السودان المنسي!، حيث يتعرض المسلمون هناك لأبشع جرائم القتل والأسر والتعذيب وانتهاك الأعراض والحرمات وسلب الأموال والممتلكات على أيدي جنود الطاغوت، في مآس يندى لها الجبين وتدمى لها القلوب، ومع ذلك تمر على أكثر الناس كأنها لم تكن!

لقد ابتُلي المسلمون في السودان خلال العامين المنصرمين، بصراع جاهلي مرير بين طرفين داخليين كافرين، يتنازعان على السلطة ويتنافسان على سرقة الثروات في أرض تفيض بالخيرات، وقد اتخذوا البلاد ساحة واسعة لصراعهم، ورهنوا العباد مادة دسمة لمعاركهم، فأقحموهم في دوامة قتل وتشريد لا تتوقف وسط خذلان كبير من القريب والبعيد.

على الإعلام تنفي القوى الدولية والإقليمية تدخلها في الشأن السوداني وتزعم الحياد،! لكن على الأرض فإن الحقيقة خلاف ذلك تماما، فلكل طرف من طرفي الصراع حلف خارجي يمده ويؤازره، وكل هذه الأحلاف في نهاية المطاف تتآمر على حرب المسلمين ونهب ثرواتهم وتمزيق بلدانهم.

وها هنا لفتة مهمة لأهلنا في السودان أن كلا الطرفين المتحاربين عدو مبين للإسلام والمسلمين، فلكل منهما مشروع جاهلي مدعوم من قوى خارجية كافرة، تتصارع هذه القوى على أرضكم عبر بيادقها، مقابل حصولها على حصتها من التركة السودانية! وبالتالي لا ينبغي لعامة المسلمين الانخداع بأي طرف منهما، ف "البرهان وحميدتي" كلاهما عدو للإسلام فيجب معاداتهما والكفر بهما، وعدم التعويل على أي منهما مهما كانت نتيجة المعركة بينهما، فإن المنتصر منهما عدو للإسلام ومشاريعه على الأرض مهما زيّنها وغلّفها؛ لن تكون سوى نسخة مكررة من مشاريع نظرائهم طواغيت العرب المحاربة للإسلام والمسلمين.

ولئن تورطت ميليشيا الطاغوت "حميدتي" بدعم من الإمارات وغيرها، باقتراف أبشع المجازر بحق المسلمين؛ فإن قوات الطاغوت "البرهان" تورطت بذلك أيضا، وهي جزء من النظام العالمي الكافر، تسعى لترسيخ الحدود الجاهلية التي تقيّد المسلمين وتسجنهم خلف شِبَاكِها وتجلدهم بقوانينها، وطاغوتها يوالي الكافرين ويحادّ حكم الشريعة ويتواصى بتنحيتها ويضاد أحكامها، ومن تابع سلسلة خطواتهم التي أجروها بإشراف أمريكا ومباركة آل سلول؛ علِم أنهم يجتهدون في إرساء دولة علمانية محاربة للشريعة موالية لليهود والنصارى، وبالتالي، فالفرق بين الطرفين كالفرق بين الباطل والباطل.

وفي المقابل، فإن موقف أكثر الناس اليوم مما يتعرض له إخوانهم في السودان، هو موقف سلبي لا مبالي، يتراوح بين قعود عن النصرة، أو نصرة خجولة لا تزيد في أحسن أحوالها عن المظاهرات السلمية والحملات الإعلامية التي سرعان ما تخبو وتتلاشى مع مرور الأيام، ولو وضع المرء نفسه في محل صاحب المأساة، لساءه موقف إخوانه تجاهه.

ومما لا شك فيه أن امتناع المسلم القادر أو تقصيره في نصرة أخيه المسلم، خلل يقدح في كمال الإيمان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير) [متفق عليه]، ومنه يفهم أنه لن يكتمل إيمانك ما لم تحقق هذه الخصلة العظيمة، فما تحب أن يصيبك من الخير فلتحبه لإخوانك، وما تكره أن يصيبك من الأذى والشرور فلتكرهه لإخوانك، وتسعى لرفعه عنهم، ولا يجوز لك أن تتخلف عن نصرتهم أو تتركهم لعدوهم يفتنهم في دينهم، كما في الحديث الصحيح: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه)، ومعلوم في ديننا أن الجزاء من جنس العمل ولذا قال في نفس الحديث: (ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة)، ومن أحب أن ينصره الله وقت محنته فلينصر أخاه في محنته، وليحذر وعيد الله له بالخذلان إن هو ترك نصرة أخيه مع القدرة عليها، كما في الحديث: (ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته). [أحمد]

وإن نصرة المسلمين في السودان واجب كل مسلم قادر تماما كما هو الحال في العراق والشام واليمن وفلسطين وغيرها، ولا يكون ذلك إلا بالجهاد والقتال أو ما يعين عليه من الإنفاق والتحريض، قال الله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا}، فمن عجز عن الجهاد بكل صوره والإنفاق بكل سبله، فلا أقل من الدعاء لهم.

المصدر: افتتاحية النبأ
العدد 479
الخميس 23 رجب 1446هـ
...المزيد

عبوديّات اللِّسان الخمس واجبه النُّطق بالشّهادتين، وتلاوة ما يلزمه تلاوته من القرآن، وهو ما ...

عبوديّات اللِّسان الخمس

واجبه
النُّطق بالشّهادتين، وتلاوة ما يلزمه تلاوته من القرآن، وهو ما تتوقَّفُ صحّةُ صلاته عليه وتلفُّظه بالأذكار الواجبة في الصّلاة التي أمر الله بها ورسولُه، وردُّ السّلام، والأمرُ بالمعروف والنّهي عن المنكر، وتعليمُ الجاهل، وإرشادُ الضّالِّ، وأداءُ الشّهادة المتعيِّنة، وصدقُ الحديث..

مستحَبُّه
تلاوة القرآن، ودوام ذكر الله، والمذاكرة في العلم النّافع، وتوابع ذلك..

مُحرَّم
النُّطقُ بكلِّ ما يبغضه الله ورسوله، كالنُّطق بالبدع المخالفة لما بعث الله به رسولَه، والدُّعاءِ إليها، وتحسينِها وتقويتِها؛ وكالقذف، وسبِّ المسلم وأذاه بكلِّ قول، والكذب، وشهادة الزُّور، والقول على الله بلا علم وهو أشدُّها تحريمًا ..

مكروهه
التَّكلُّمُ بما تركُه خيرٌ من الكلام به، مع عدم العقوبة عليه.

وكلُّ ما يتلفّظ به اللِّسان فإما أن يكون مما يرضي الله ورسوله أم لا، فإن كان كذلك فهو الراجح، وإن لم يكن كذلك فهو المرجوح، وهذا بخلاف حركات سائر الجوارح، فإنّ صاحبها قد ينتفع بتحريكها في المباح المستوي الطّرفين، لما له في ذلك من الرّاحة والمنفعة، فأبيح له استعمالُها فيما فيه منفعةٌ له، ولا مضرّةَ عليه فيه في الآخرة. وأمّا حركة اللِّسان بما لا ينتفع به فلا تكون إلّا مضرّةً، فتأمّله.

[مدارج السالكين] لابن القيم -رحمه الله-

المصدر: إنفوغرافيك النبأ
- العدد 479
الخميس 23 رجب 1446هـ
...المزيد

【السودان المنسي!】 ولئن كان الطواغيت يتحالفون فيما بينهم من أجل مصالحهم ومخططاتهم؛ فمن باب أولى ...

【السودان المنسي!】

ولئن كان الطواغيت يتحالفون فيما بينهم من أجل مصالحهم ومخططاتهم؛ فمن باب أولى أن يتحالف المسلمون فيما بينهم نصرة لإخوانهم في هذه القضية المنسية، فالأصل أنها قضية تعني المسلمين جميعا، فالمسلمون في السودان جزء من أمة الإسلام وأحد أعضاء الجسد الواحد، والأصل ألا تفرقهم حدود قومية ولا قوانين كفرية، وإن هذه الأحداث تؤكد مجددا أن هذه الحدود ومفرزاتها هي أكبر عائق لنصرة المسلمين بعضهم بعضا، وهو ما أدركه المجاهدون مبكرا، ولذلك سعوا منذ اليوم الأول لهدمها وكسرها لتعود بلاد المسلمين واحدة كما كانت.

في الجانب العملي، فهذه رسالة إلى شباب المسلمين وأنصار المجاهدين في السودان، بوجوب العمل والسعي الحثيث لاستغلال الأحداث المصلحة الجهاد، عبر الاستقطاب والتجنيد والإعداد والاستعداد بغية إنشاء نواة للجهاد تتصدى للأخطار المحدقة وتؤسس لجهاد طويل المدى، وهذا لا يتأتى إلا بالإخلاص والجهد وضبط العقائد {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}.

أيها المسلمون في السودان وكل مكان، إن الحل في العودة إلى الله سبحانه، واتباع أمره جل وعلا وتحقيق الولاء للمؤمنين جميعا والبراء من الكافرين جميعا وإعلان الجهاد على منهاج النبوة لإقامة حكم الشريعة، ودحر جنود الطاغوت كما قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}.

المصدر: افتتاحية النبأ
العدد 479
الخميس 23 رجب 1446هـ
...المزيد

أمير ديوان الزكاة الآثار الطيبة للزكاة عمّت فقراء المسلمين وأغنياءهم في الحلقة الثانية من ...

أمير ديوان الزكاة
الآثار الطيبة للزكاة

عمّت فقراء المسلمين وأغنياءهم في الحلقة الثانية من حواره مع «النبأ»...

سرد لنا مراحل إحياء فريضة الزكاة من قبل الدولة الإسلامية حتى وصل الحال إلى ما هو عليه اليوم، كما بين آلية توزيع الزكاة على الفقراء والمساكين.
ووضح لـ «النبأ» أيضا فحوى التعميم الأخير بخصوص الذين لم يؤدوا زكاة أموالهم والإجراءات التي ستتخذ بحقهم. - هلّا تحدثنا عن المراحل التي مرت بها الدولة الإسلامية من حيث قيامها بشعيرة الزكاة؟

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد.

لا يخفى عليكم أن الدولة الإسلامية مرت بمراحل متعددة وكل مرحلة تفرض علينا نمطا معينا من التعامل في هذا الباب سواء في جباية الزكاة، أو إنفاقها في أبوابها الشرعية.

فقبل التمكين كان أغنياء المسلمين يؤدون زكاتهم للدولة الإسلامية، وكنا نركز في إنفاق ما يأتينا في هذا الباب على الفقراء والمساكين من عوائل الشهداء والأسرى على وجه الخصوص، وكذلك ننفق كمّا كبيرا من المال فداءً لإخواننا الأسرى في سجون الرافضة، وقد خرج بهذه الأموال المئات من الإخوة بفضل الله، كما كنا نستخدم جزءا من ذلك المال في تجهيز المقاتلين، وتمويل العمليات ضمن سهم (في سبيل الله).

وفي فترة الصحوات في الشام بدأت بوادر تنظيم العمل في باب الزكاة، بإنشاء مكاتب للصدقات في معظم الولايات، تقوم بتوزيع ما يتوفر من أموال أو مواد غذائية على الفقراء والمساكين على سبيل الصدقة، وذلك من بيت مال المسلمين، حيث كان الوارد من الزكاة والصدقات التي يدفعها المسلمون قليلا حينها.

وبمجرد تحقق التمكين في بعض ولايات الشام، وتطبيق الدولة الإسلامية للشريعة الإسلامية فيما تحت يدها من أرض وبشر، أُنشئت الدواوين المختلفة للقيام على شؤون الدولة الإسلامية، وعلى رأسها فريضة الزكاة، فأُنشئ ديوان الزكاة في رجب من 1435 هـ، وبدأ يباشر عمله في جباية الزكاة وتوزيعها منذ ذلك الحين.
وعندما فتح الله علينا مدينة الموصل ومساحة واسعة من العراق، كان من السهل نقل التجربة فورا إلى الولايات التي فتحها الله، فأنشئت فيها مراكز للزكاة، وكذلك الأمر بما يفتح الله على المسلمين في الولايات في مشارق الأرض ومغاربها، فما أن يُمكَّن لجنود الدولة الإسلامية في بقعة من الأرض حتى يقيموا فيها شرع الله، ويقوموا على تنظيم أداء المسلمين للزكاة فيها، ونحن نرسل لهم كل ما بأيدينا من تجارب، ودراسات شرعية، وننظم لهم هيكلية العمل لديهم، وكمثال لذلك ولاية طرابلس، فرغم بعد المسافة بيننا وبينهم، فقد أقاموا مركز الزكاة لديهم بشكل موافق لما هو عليه الأمر في ولايات العراق والشام، ونسأل الله أن يفتح علينا الأرض كلها فنقيم في كل بقعة منها مركزا للزكاة حتى لا يبقى مكان إلا وتقام فيه هذه الشعيرة العظيمة.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 32
الثلاثاء 17 شعبان 1437 ه‍ـ

مقتطف من حوار مع أمير ديوان الزكاة (2)
...المزيد

حوار مع أمير ديوان الزكاة - كيف كان وضع الزكاة قبل تنظيم ديوان الزكاة لجبايتها وتوزيعها؟ تحت ...

حوار مع أمير ديوان الزكاة

- كيف كان وضع الزكاة قبل تنظيم ديوان الزكاة لجبايتها وتوزيعها؟

تحت حكم الطواغيت كان أغلب من يؤدي الزكاة من المسلمين يوزعها بنفسه على من يظنه مستحقا للزكاة، فيما كان قسم آخر يؤدون زكاتهم أو جزءا كبيرا منها إلى ما يسمى «الجمعيات الخيرية المستقلة»، وفي الحالتين كان هناك قصور كبير في أدائها.

فمن كان يؤديها بنفسه كان يضعها أحيانا في يد من لا يستحقها، كمن يعطيها للأغنياء من أقاربه وأصدقائه، وقليل من الناس من كان يعرف أحكام الزكاة، وفي أي الأموال تجب، وما نصاب كل نوع من المال، وغير ذلك من الأحكام الشرعية، لذلك كان قسم كبير من المال لا تخرج زكاته.

وإذا أتينا إلى ما يسمى بـ «الجمعيات الخيرية المستقلة» فقد وجدنا في عملها قصورا كبيرا، حيث كان يقتصر في الغالب على تقديم سلات غذائية، أو مبالغ مالية قليلة، بشكل منتظم أو غير منتظم، أو تقديم الخدمات الطبية، أو التعليمية للفقراء، وعلى العموم فقد كانت وارداتها المالية شحيحة لقلة ما يصلها من تبرعات أو أموال الزكاة والصدقات، بالإضافة إلى أن هذه الجمعيات كانت تعاني من الفساد حيث تسود المحسوبيات في توزيع المساعدات، كما تُنهب الكثير من الأموال من إدارات الجمعيات قبل أن تصل إلى الفقراء، كما أن كثيرا من مصارف هذه الجمعيات لم تكن تصلح كمصارف شرعية للزكاة.

ولو أخذنا مدينة الموصل كمثال، فقد كان فيها أكثر من 80 من هذه الجمعيات، ولكن لو نزلنا على الأرض ما هو حجم نشاطها؟ كان محدودا جدا.
ولكن عندما بدأنا العمل في ديوان الزكاة، رأى الناس الفرق بين ما كان سائدا، وبين الواقع الجديد.

فالكثير من الأغنياء عندما بدأنا جباية الزكاة كان يخفي زكاته أو يدفع جزءا قليلا منها إلينا، بحجة أنه يدفعها للفقراء الذين يعرفهم، كما فعل أحد التجار في ولاية حلب، فلما ذهب ليوزع زكاته على من كان يعطيهم في كل عام، وجد أن ديوان الزكاة قد أعطاهم أضعاف المبلغ الذي كان هو يريد إعطاءه لهم، فجاء إلى الإخوة في مركز الزكاة وأدى كامل زكاته لهم، وفوقها بذل من صدقة ماله لإيصالها للفقراء.

وكذلك الأمر مع من كان يأخذ من الجمعيات كانوا يعطونهم مبالغ زهيدة، فلما سجلوا في ديوان الزكاة وأخذوا مستحقاتهم وجدوها مبالغ كبيرة جدا مقارنة بما سبق، فأقوى الجمعيات في الموصل مثلا كان أقصى ما تعطيه للأسرة الفقيرة 25.000 دينار، أما ما يقدمه الديوان اليوم –ولله الحمد- فهو يصل أحيانا إلى 200.000 دينار للأسرة الواحدة بحسب حجمها واحتياجاتها، فالفرق كبير جدا كما ترى، وهذا بفضل الله، وسببه أن إمكانات الديوان كبيرة، بسبب جباية الزكاة، وكذلك ما نسعى إليه من حصر توزيعها على المستحقين، وحمايتها من أيادي المتلاعبين واللصوص.

- لو تحدثنا عن آلية توزيع الزكاة؟
بالنسبة إلى عملية التوزيع، فأول مراحلها تسجيل الفقراء والمساكين وإحصاؤهم، وذلك عن طريق مراكز الزكاة والمساجد، فكل فقير يسجل اسمه وعنوانه لدى إمام المسجد في الحي الذي يسكنه، أو يقوم أحد من المسلمين بإبلاغ الإمام عن حال هذا الفقير، إن كان متعففا، ثم تخرج لجنة لدراسة كل حالة على الواقع، وتحديد مدى استحقاقها للزكاة، وحجم حاجتها في حال استحقاقها، وبعد ذلك يُرفع الأمر لمركز الزكاة، ويعطى المستحق للزكاة بطاقة يستلم زكاته على أساسها.
وفي كل رأس شهر تنطلق لجان من مراكز الزكاة لتوزيعها في المساجد على المستحقين، فيستلم كل مستحق ما قُدِّر له من مال، وهكذا الأمر في كل شهر، وقد يتفاوت مقدار ما يستلمه المستحق بين شهر وآخر بحسب ما يتوفر في بيت مال الزكاة من أموال مجبية.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 32
الثلاثاء 17 شعبان 1437 ه‍ـ

مقتطف من حوار مع أمير ديوان الزكاة (2)
...المزيد

حوار مع أمير ديوان الزكاة - لماذا يكون التوزيع في رأس الشهر؟ ولماذا في المساجد؟ الأصل في ...

حوار مع أمير ديوان الزكاة


- لماذا يكون التوزيع في رأس الشهر؟ ولماذا في المساجد؟

الأصل في الزكاة أن توزع بعد جبايتها فورا، ولكن الناس اليوم اعتادت أن تدير أمورها بشكل شهري، فإيجارات المنازل، والديون، بل وحتى الإنفاق، الناس تديره بشكل شهري، لذلك كان الاجتهاد أن يكون التوزيع على هذا الأساس ليستفيد المستحقون من أموالهم بشكل أفضل.

وبناء على ذلك فإن كل ما يجبى خلال أي شهر من الشهور يتم توزيعه خلال الشهر نفسه، إلا أن يكون المال غير نقدي، فيتم توزيعه بعد تحويله إلى نقد للتسهيل على المستحقين، ولا يُدَّخر في بيت مال الزكاة سوى جزء قليل مما يوزع في غير أسهم الفقراء والمساكين.

أما اختيار المساجد مكانا للتوزيع، فذلك عائد لأسباب عديدة، منها أن هذا سنة نبينا، عليه الصلاة والسلام، أنه كان إذا جاءه مال الصدقة جمع الناس في المسجد ووزعها عليهم، ومنها أننا نريد أن نعيد للمسجد مكانته في الإسلام، فمسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- كان مركزا لإدارة مختلف شؤون دولته، وكذلك كان حال خلفائه من بعده، وكذلك فإننا نريد أن نرفع عن الفقير الحرج عند استلامه لحقّه، فهو يأخذ حقّه من بيت الله، لا من عتبات بيوت الأغنياء، هذا فضلا عما يترافق مع تسليم الزكاة من محاضرات دعوية، ودروس شرعية يتلقاها المستحقون للزكاة.

وبالإضافة لذلك فإن المسجد هو المكان الطبيعي لاجتماع المسلمين، فبحضورهم إلى الصلوات في أيام توزيع الزكاة يشاهدون بأعينهم إيصال الزكاة لمستحقيها، وبذلك يطمئن من يؤديها، ويعرف من يستحقها بوجودها فيطلب حقه منها.

- ما هي الآثار التي لمستموها على حال الرعية بعد قيام ديوان الزكاة بهذه الفريضة؟

تكلمنا في الجلسة الماضية أن أهم آثار الزكاة، هو إقامة الدين، وتأكيد طاعة رب العالمين، ولكن كما كل أمر فيه طاعة لله، يكون له بالإضافة للثمرات الأخروية ثمرات طيبة في الدنيا تنعكس على واقع الناس، كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حدّ يقام في الأرض خير من مطر أربعين صباحا) [رواه ابن حبان]، وكذلك الزكاة فإن لها الكثير من الآثار الطيبة على واقع الناس، وعلى رأسهم الفقراء والمساكين، حيث تمكنا بفضل الله من كفالة أكثر 100.000 من الأُسَر التي ليس لها من معين إلا الله، حيث يصلها حقها من مال الزكاة بشكل دوري، فوفرنا لهم جزءا كبيرا من احتياجاتهم، وكذلك وقيناهم من الانحراف نحو المعاصي أو الردة والعياذ بالله، فالمشركون اليوم يحاولون إغراء الناس بالمال ليوقعوهم في الكفر بتجنيدهم في جيوش الردة، أو الصحوات، أو توظيفهم جواسيس، هذا فضلا عن كثير من التائبين ممن كانوا في صفوف طوائف الردة تلك، حيث لم تبقَ لهم رواتب بعد التوبة، فقدمنا لهم ما نستطيع بعد أن صاروا بحكم المستحقين للزكاة.
بل وحتى الأغنياء ينالهم جانب من بركة الزكاة، فالمستحقون للزكاة ينزلون بأموالهم إلى الأسواق ويشترون احتياجاتهم فينعشون حركة التجارة فيها، وكميات الأموال التي تضخ شهريا في الأسواق من هذا الباب ليست هينة، بفضل الله، وكذلك فإن في كفاية الفقراء تحصينا لهم من التعدي على أموال الأغنياء بالسرقة أو الإتلاف، طمعا أو حسدا.

وبالمحصلة لو نظرنا نظرة عامة لوجدنا أن الرعية كلها مستفيدة -بفضل الله- من أداء الزكاة، ونيل الفقراء لحقوقهم في أموال الأغنياء.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 32
الثلاثاء 17 شعبان 1437 ه‍ـ

مقتطف من حوار مع أمير ديوان الزكاة (2)
...المزيد

الدولة الإسلامية وعالم ما بعد «سايكس – بيكو» العشرات من الاتفاقات عُقدت بين الدول الصليبية ...

الدولة الإسلامية
وعالم ما بعد «سايكس – بيكو»

العشرات من الاتفاقات عُقدت بين الدول الصليبية الاستعمارية لتقاسم بلدان المسلمين خلال القرنين الماضيين، ولكن أشهرها على الإطلاق اتفاقية «سايكس - بيكو» التي أطلق فيها الصليبيون الرصاصة الأخيرة على الدولة العثمانية الحاكمة بالقوانين الوضعية الحامية للقباب الصوفية (وهو ما ظهر جليا في آخر قرونها)، ليرث الصليبيون عنها الأرض والنفوذ في العراق والشام وجزيرة العرب.

وصارت هذه الاتفاقية رمزا للتجزئة المفروضة على المسلمين، التي ورثها الطواغيت عن أسيادهم الصليبيين وسعوا إلى تكريسها، ليقوم كل منهم بإدارة مصالح أسياده في جزء من الأرض، حتى إذا تراجعت كفاءته تم استبداله بطاغوت آخر يقدم مصلحة أكبر للصليبيين، وله القدرة الأكبر على حرب الإسلام والمسلمين.

كان هذا التقسيم أساسا لقيام الحركات القومية العلمانية التي حاولت تغيير الخارطة لتجمع شتات أقوامها التي وزعتها الاتفاقيات على دول متعددة، فتقيم بذلك دولا قومية موحَّدة، كحركات القوميين العرب والأكراد والبلوش والبشتون والترك والبربر والمالاويين وغيرهم، كما انتصب بهذه الدعاوى كثير من الأنظمة الطاغوتية القومية الجاهلية، التي جعلت من الولاء العرقي واللغوي والقُطري أساسا لها.

وبعد قرن من الزمان تفككت أغلب تلك الحركات، وتراجع الطواغيت عن طروحاتهم القومية التي خدعوا بها أتباعهم وأنصارهم لعقود، كاشفين عن حقيقة أنهم أدوات لترسيخ تلك التجزئة، ولا يمكن أن يعملوا ضدها بشكل جاد.

كما خرج للتصدي لتلك الاتفاقيات المئات من الأحزاب والتنظيمات والفصائل التي تزعم الانتساب للإسلام، التي أعلنت كلها عند قيامها العمل على توحيد المسلمين وإزالة الحدود المصطنعة بين بلدانهم، ولكنها بمرور الوقت صارت أداة لترسيخ تلك الحدود، وتعزيز ذلك التفرق، حيث انقسمت بنفسها على أساس قطري ووطني وقومي ولغوي، وصار لكل قسم منها عقيدته الخاصة ومنهجه الخاص، ويعمل بشكل منعزل تماما عن بقية فروع التنظيم أو الفصيل، فضلا عن باقي الأمة.

وحق لمن شاء بذلك أن يضيف على قائمة منتجات اتفاقية «سايكس - بيكو»، كلا من «قوميات سايكس - بيكو» و«أنظمة سايكس - بيكو»، و«أديان سايكس - بيكو»، والقائمة تطول...

لقد حفظ الله الدولة الإسلامية من الوقوع في هذا الشرك، بثباتها على المنهج النبوي ويقينها أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده الصالحين، وأن الأصل فيها أن تكون كلها موحدة تحت حكم الله تعالى، يدير شؤونها الإمام المسلم الواحد المطاع في المعروف، وأن ما خرج عن هذه الأرض التي هي دار الإسلام، يكون دار كفر وحرب، ينبغي على المسلمين هجرها إلى دار الإسلام، ويجب عليهم قتال أهلها من الكفار، وتباح لهم دماؤهم وأموالهم وأعراضهم، ولم تنحرف -بفضل الله- تحت ضغط الواقع الذي فرضه الصليبيون وعملاؤهم الطواغيت، لتحجر نفسها في بقعة ضيقة من الأرض.

فكان من تيسير الله لها أن تجاوزت حدود «سايكس - بيكو» بجهادها، بإرسالها المجاهدين إلى الشام لقتال النصيرية، ومدهم بما توفر من سلاح ومال، ثم رفض محاولات الضالين ترسيخ تلك الحدود بفصلهم فرعها في الشام عنها، فأعلن أميرها أنها دولة واحدة في العراق والشام، ومع انشغالها بقتال النصيريين فلم تترك قتال الروافض في العراق بل زادت من وطأتها عليهم حتى أذن الله بالفتح، وكسر مجاهدوها الحدود على الأرض بعد أن كسروها في النفوس، وكان التمكين بفضل الله.

ثم كان الإعلان الحاسم بإنهاء كل أشكال التفرق والانقسامات بين المسلمين، سواء منها التي أوجدتها الحدود المصطنعة، أم التي خلقها الطواغيت، أم التي ابتدعتها الفصائل والتنظيمات، وذلك بإعادة الخلافة، ومبايعة خليفة للمسلمين هو الشيخ أبو بكر البغدادي، حفظه الله، وجاءت البيعات من مشارق الأرض ومغاربها، مؤكدة وحدة المسلمين في كل مكان تحت ظل دولة الخلافة، وإنهاء حالة التفرق التي أوجدها الصليبيون، ورسخها الطواغيت، وقامت على أساسها الفصائل والتنظيمات الضالة.

وكما وحدت الدولة الإسلامية -بفضل الله- فسطاط الإيمان باحتوائها المسلمين تحت راية واحدة، فقد وحدت فسطاط الكفر الذي نهضت دوله المتفرقة لتجتمع اليوم على قتالها، والسعي لإعادة الحال لما كان عليه قبل عودة الخلافة، والأيام القادمة ستشهد -بإذن الله- المزيد من الأحداث التي تكون نتيجتها إزالة حدود «سايكس - بيكو» وأخواتها، وإعادة تقسيم العالم على أساس الكفر والإيمان لا على أساس العرق والوطن والقبيلة، وعند ذلك يختار كلٌّ لنفسه ما شاء، فسطاط الإيمان الذي لا نفاق فيه، أم فسطاط الكفر الذي لا إيمان فيه.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 32
الثلاثاء 17 شعبان 1437 ه‍ـ

مقال:
الدولة الإسلامية
وعالم ما بعد «سايكس – بيكو»
...المزيد

حوار مع أمير ديوان الزكاة - أصدرتم تعميما حول موضوع أداء الزكاة، تبينون فيه أهمية هذه الشعيرة ...

حوار مع أمير ديوان الزكاة

- أصدرتم تعميما حول موضوع أداء الزكاة، تبينون فيه أهمية هذه الشعيرة وتحذرون من عدم أدائها، فما سبب إصدار هذا التعميم؟

إن عدم أداء بعض الأغنياء زكاتهم منكر عظيم، وكبيرة من الكبائر، كما أنه يترتب على هذه المعصية عذاب كبير في الآخرة، وهو نار جهنم، أعاذنا الله وإياكم منها، فإن الشريعة قد فرضت على من لا يؤديها عقوبة في الدنيا هي من جنس عمله، ومضادة لقصده، وذلك بأن تؤخذ منه الزكاة، وفوق الزكاة يؤخذ منه شطر ماله، أي نصفه، لقوله عليه الصلاة والسلام: (من أعطاها مؤتجرا فله أجره، ومن منعها فإنا لآخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا، لا ينال آل محمد منها شيء) [رواه أحمد]، ومن امتنع عن أدائها بالسيف قوتل ردة حتى يتوب إلى الله، وذلك فعل الصحابة -رضوان الله عليهم- مع المرتدين من قبائل العرب التي امتنعت عن أداء الزكاة لخليفة المسلمين أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- فقال فيهم: «والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه».

وبناء على ذلك أصدر الديوان تعميما جديدا لتذكير الناس بما عليهم من حق لرب العالمين، وتخويفهم من عذاب الله لمن امتنع عنها، ولعظيم فضل من أداها بحقها، وكذلك تضمّن التعميم، توضيحا أن الديوان سيُعزّر من أخفى حقيقة ماله وتلاعب في أداء زكاته، ومن ثبت عدم أدائه لها تؤخذ منه مع شطر ماله، أي نصفه، طاعة لأمر الله تعالى، واتباعا لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، وتحصيلا لحق مستحقي الزكاة في أموال الأغنياء، هذا من جانب.
ومن جانب آخر فإن من يثبت لدينا أنه أخذ من مال الزكاة مستخدما الكذب والخداع، وتبين لنا أنه كان غير مستحق لها، أو من استمر في أخذ الزكاة بعد أن أغناه الله وخرج من زمرة مستحقيها، فإن عقوبته في الدنيا أن يسترد منه ما أخذ، ويُعاقب بما يستحق.

أما عقوبته في الآخرة، فهي عقوبة من يأكل المال الحرام، وعقوبة من يسأل الناس من غير حاجة كما في حديث مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من سأل الناس أموالهم تكثّرا فإنما يسألهم جمرا فليستقل أو ليستكثر)، أي معناه أنه يعاقب بالنار أو أن الذي يأخذه يصير جمرا يكوى به، كما قال شُراح الحديث.

- كيف يتم معاقبة من لا يؤدي الزكاة في الواقع؟
من مكننا الله من كشف عدم أدائه للزكاة أو تلاعبه في ذلك عاقبناه، وتحضرني حالتان على الأقل إحداها في الموصل والأخرى في الرقة تم فيهما شطر مال اثنين لم يؤديا زكاة مالهما، كما تم تعزير العديد ممن أخفى حقيقة ماله، أو تلاعب بالزكاة بتغيير المال، أو الغش فيما يعطي وما شابه.
كما كشف الله لنا العديدين ممن أخذ من مال الزكاة من غير حاجة، أو أخذ منه فوق حقه عن طريق الخداع، فتم استرداد المال منهم، وتعزيرهم.
- هل هناك كلمة أخيرة توجهها للمسلمين عموما؟
أريد انتهاز هذه الفرصة لأذكر المسلمين عموما بأداء ما عليهم من الزكاة، فهي حق للفقير والمسكين، وليتذكر كلٌّ منهم أنه لو افتقر لودّ أن هناك من يعيله ويعينه، فليتَّقِ الأغنياء الفقر بالزكاة، فما نقص مال من صدقة.

وإن التأخر عن أداء الزكاة يعرّض المسلمين كلّهم لخطر عظيم، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (ولم يمنعوا الزكاة إِلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمْطَروا) [أخرجه الحاكم وصححه]، ونحن الآن في موسم الحصاد، فلا يتأخرن أحد من المسلمين عن أداء زكاته فيعرض نفسه لعذاب الآخرة، وللعقاب في الدنيا. والحمد لله رب العالمين.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 32
الثلاثاء 17 شعبان 1437 ه‍ـ

مقتطف من حوار مع أمير ديوان الزكاة (2)
...المزيد

إذا أتاكم مجاهد ترضون خُلُقه ودينه فزوّجوه (2/1) المجاهد، رجل هجر لذائذ الحياة وزخرف الدنيا، ...

إذا أتاكم مجاهد ترضون خُلُقه ودينه فزوّجوه
(2/1)

المجاهد، رجل هجر لذائذ الحياة وزخرف الدنيا، وخرج لتكون كلمة الله هي العليا، فهو درع الإسلام، وبه وبجهاده يحفظ الله تعالى بيضة الدين، ويُعزّ المسلمون، وتُصان الأعراض والحرمات، غير أن المجاهد يبقى غريبا بين قومه وبني جلدته، فهو الذي طلّق دنياه وإن أتته راغمة، وودع الأهلين والأقربين، بل ولربما تبرأ منهم إن هم عادوا الله ورسوله والمؤمنين، وما غربة المجاهد في زماننا الذي نُقضت فيه عرى الإسلام عروةً عروةً، إلا مصداقا لقول نبينا، صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا، فطوبى للغرباء) [رواه مسلم].

ومن مظاهر غربة المجاهد أنه وإذا ما أراد الزواج توصد دونه أغلب أبواب بيوت المسلمين، إلا ما رحم ربي، وجرمه أنه مجاهد يحمل روحه بيمينه وكفنه بشماله.

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم من ترضون خُلُقه ودينه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) [رواه الترمذي]، قال الشُرّاح: «أي إن لم تزوِّجوا من ترضون دينه وخلقه وترغبوا في مجرد الحسب والجمال أو المال» [تحفة الأحوذي].
فكيف إذا كان هذا الخاطب ممن نرضى خلقه ودينه؟ بل وهو ممن لبى نداء ربه يوم عز النصير، فنفر حين تثاقل المتثاقلون، وجاهد حين تخلف المتخلفون، بل كيف إن كان هذا الخاطب ممن رُفع به رأس أمتنا عالياً عالياً، حتى بات أباطرة الكفر عاجزين عن أن يطالوه ليعيدوه إلى الأرض كما كان آنفا؟ وإن لم يرض الناس بدين من قام بذروة الدين فبدين من يرضون؟!

إن الزواج من مجاهد لهو قربة تتقرب بها الأخت المسلمة إلى الله عز وجل، إن هي أخلصت النية؛ فبزواجها من مجاهد، تكون المسلمة قد برّت أبناءها قبل مجيئهم إذ أنها قد أحسنت اختيار أبيهم، فالأصل الطيب فرعه طيب أيضا.

فالمجاهد هو اليد الأمينة على الأبناء، كما نحسبه والله حسيبه، فما من مجاهد إلا ويسعى جاهدا إلى تنشئة أبنائه تنشئة صالحة على أسس سوية، وأهم تلك الأسس كتاب الله تعالى وسنة نبيه، صلوات ربنا وسلامه عليه، والعقيدة الصحيحة الصافية التي لا تشوبها شائبة ولا تلوثها لوثة.
والمجاهد هو الذي يربّي أطفاله على عزة الإسلام، ويعلمهم أن لا يعطوا الدنية في دينهم ولا يناموا على ضيم.

فبحفظ الآباء والأمهات للدين يحفظ الله الأبناء، قال الله تعالى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [سورة الكهف: 82]، قال ابن عباس: «حُفظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر منهما صلاحا».

وأما ما يروّج له بعض ضعاف الأنفس من شبهات حول المجاهد تزهّد المسلمات فيه وتثنيهم عن الزواج منه، من أنه شخص مقتول لا محالة، ولا يطول به المقام عادة في هذه الدنيا إذ ما يلبث حتى يُقتل، فهؤلاء ليس أهون من الرد عليهم بقول الله عز وجل: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [سورة النساء: 78]، وقوله تعالى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [سورة آل عمران: 154]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سورة آل عمران: 156].

قال ابن كثير في تفسيره: «ينهى تعالى عباده المؤمنين عن مشابهة الكفار في اعتقادهم الفاسد، الدال عليه قولهم عن إخوانهم الذين ماتوا في الأسفار وفي الحروب: لو كانوا تركوا ذلك لما أصابهم ما أصابهم... ثم قال تعالى ردا عليهم: {وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ} أي: بيده الخلق وإليه يرجع الأمر، ولا يحيا أحد ولا يموت إلا بمشيئته وقدره، ولا يُزاد في عمر أحد ولا يُنقص منه إلا بقضائه وقدره».

وكم من ميت في بيته وعلى فراشه، وكم من مجاهد قد مضت على جهاده السنين الطوال وما قُتل رغم أن الموت مبتغاه والشهادة مناه، ولكن الآجال بيد الله وحده، لا يقدمها قتال ولا يؤخرها قعود، فليت شعري هل مثل المجاهد في سبيل ربه يُردّ إذا استَأذَن أو شَفَع أو استَنْكح؟!


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 33
الثلاثاء 24 شعبان 1437 ه‍ـ
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً