خطبة مكتوبة؛ بعنوان: فرصة الحج وغنيمة العشر عناصرها: <ul> <li>جمال الحج ومشاعره ...

خطبة مكتوبة؛ بعنوان: فرصة الحج وغنيمة العشر

عناصرها:

  • جمال الحج ومشاعره الفياضة.

  • الشوق للحج عظيم على القلب، ومن لم يدركه تعوض منه بعشر ذي الحجة.

  • من معاني الحج وصوره الجميلة.


الخطبة الأولى


الحمد لله، كتب العزة للمسلمين بالإسلام، أحمده سبحانه وتعالى وأشكره على جزيل الفضل والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى.

الحج موكب الإسلام ومظهره، ولباب حسه وجوهره، وموسمه الحرام أشهره.. مشهده العظيم،، ونديه الكريم ..

الحج ركن الإسلام، وفيه تعظيم لشعائر الرحمن.

هنيئا لمن حج بيت الهدى *** وحط عن النفس أوزارها

بيت الله المعظم هو ملتقى جموع المسلمين، وقبلة أهل الإسلام، تتوجه إليه القلوب والأبدان، ويفد إليه الحجاج والعمار رجالا ونساء: ( ليشهدوا منافع لهم).

الحج أمنية كل مسلم، وأنس كل مؤمن، وبلغة كل منقطع لربه.. تتقطع القلوب اشتياق إليه، وتحتفي الأقدام مشيا إلى عرصاته، وتبح الحناجر تلبية لدعوته (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق).

أرى الناس أصنافا ومن كل بقعة *** إليك انتهوا من غربة وشتات

تساووا فلا الأنساب فيها تفاوت *** لديك ولا الأقدار مختلفات

لا تلام النفوس وهي تتلهف أخباره، وتلهث لبلوغه، وتدفع الغالي والنفيس من أجل الحصول للوصول إليه ..

فكم لذة كم فرحة لطوافه *** فلله ما أحلى الطواف وأهناه

فواشوقنا نحو الطواف وطيبه *** فذلك شوق لا يعبر معناه

الحج مع مشقته مرغوب، ومع نصبه محبوب ..

الحج جماله ببساطته، وبهائه بقلة الكلفة فيه. كانت أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- كلما مرت بالحجون تقول: صلى الله على رسوله محمد لقد نزلنا معه ها هنا، ونحن يومئذ خفاف، قليل ظهرنا قليلة أزوادنا، فاعتمرت أنا وأختي عائشة، والزبير، فلما مسحنا البيت أحللنا ثم أهللنا من العشي بالحج" ~ (متفق عليه).

هناك بين الحطيم وزمزم، وعلى ثرى مزدلفة وعرفات، تعود الذكريات، حين مشى عليها أطهر نفس أحرمت، وأزكى روح هتفت يعلن التوحيد ويكسر الوثن والإلحاد.

كأنني برسول الله مرتديا *** ملابس الطهر بين الناس كالقمر

ملبيا رافعا كفيه في وجل *** للـــــه في ثوب أواب ومفتقــــــر

وقام في عرفات الله ممتطيا *** قصواءه يا له من موقف نضـــــر

يشدو بخطبته العصماء زاكية *** كالشهد كالسلسبيل العذب كالدرر

مجليا روعة الإسلام في جمل *** من رائع من بديع القول مختصـــر

داع إلى العدل والتقوى وأن بها *** تفاضل الناس لا بالجنس والصـــور

يا ليتني كنت بين القوم إذ حضروا *** ممتع القلب والأسمــــــاع والبصـــر

أقبل الكف كف الجود كم بذلت *** سحاء بالخير مثل السلسل الهدر

أسر بالمشي وإن طال المسير بنا *** وما انقضى من لقاء المصطفى وطري

أي قلب لا يتقطع اشتياقا لتلك الربوع، وذاك الرضاب، وفضائله تقرع الآذان، وتشق الأسماع من كلام سيد الأنام عليه -الصلاة والسلام-: "من حج لله فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه"، "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" ~ (متفق عليهما).

ومن تمنى بصدق بلوغ تلك المشاعر العظام، وترقرقت محاجره متلهفا
ياحبذا الحج وأيام منى *** ومصلانا وتقبيل الحجر

ولم يستطع لذلك سبيلا لمرض ألم وبه وأقعده عن المسير، أو لقلة ذات اليد ولم يستطع لغلاء أسعاره فإن الله يعذره (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) ~ ، ويبلغه بكرمه أجره "إن بالمدينة أقواما، ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم، حبسهم العذر" شاركوكم الأجر.(متفق عليه).

وفي مسند الإمام أحمد "مثل هذه الأمة مثل أربعة نفر: رجل آتاه الله مالا وعلما، فهو يعمل به في ماله ينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا، فهو يقول: لو كان لي مثل مال هذا، عملت فيه مثل الذي يعمل " قال: قال رسول الله ﷺ: "فهما في الأجر سواء"، "ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما، فهو يخبط فيه ينفقه في غير حقه، ورجل لم يؤته الله مالا ولا علما، فهو يقول: لو كان لي مال مثل هذا، عملت فيه مثل الذي يعمل"، قال: قال رسول الله ﷺ: "فهما في الوزر سواء".

ولكن الخسران والحرمان أن يهدر الإنسان الأموال في تنزه وسياحة وتوسع، ثم يحجم عن الحج ويرى نفسه مع غير المستطيعين.

ومن لم يتسنى له اللحاق مع ركب الحجاج فإن الله -ﷻ- جواد كريم، وعطاءه جزيل، وكرمه عميم، قد هيئ أياما عشرا عظاما، هي أيام عشر ذي الحجة، ينال المتعبد فيها والساعي في وجوه الخير أجرا عظيما وفوزا كبيرا قال من لا ينطق عن الهوى ﷺ: "ما العمل في أيام أفضل منها في هذه العشر" قالوا: ولا الجهاد؟ قال: "ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء" ~ (أخرجه البخاري).
اللهم وفقنا لطاعتك وابعدنا عن معصيتك، واصرف عنا غضبك وسخطك، ونستغفرك اللهم من ذنوبنا، إنك أنت الغفور الرحيم.

ولا يفوتكم هنا: خطبة عيد الأضحى مكتوبة كاملة بالعناصر ومعززة بالآيات والأحاديث والأدعية

الخطبة الثانية


الحمد لله معز من أطاعه واتقاه ومذل من خالف امره وعصاه، وصلى الله وسلم على خير خلق الله؛ أما بعد:

الحج فرصة لمن ناله ووصل لتلك الرحاب الطاهرة الآمنة الوادعة، لاكتمال ركن الإسلام، ومحط لمحي الأوزار، وبلغة لهدم جاهلية الإنسان وتجديد الإيمان.. وفي صحيح مسلم قال النبي ﷺ لعمرو بن العاص -رضي الله عنه-: "أما علمت أن الحج يهدم ما كان قبله؟" وتحقيق ذلك في قوله -سبحانه-: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج).

من فرض الحج أن نتعلم مناسكه، والحج كما حج المصطفى شعاره لعل خفا يقع على خف، وليحفظ بصره، وليمسك لسانه إلا من ذكر الله وما والاه.

الحج إخلاص وطاعة وإنابة، لا مباهاة ورياء وتصوير، قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: حج النبي صلى الله عليه وسلم على رحل، رث، وقطيفة لا تساوي أربعة دراهم، ثم قال: "اللهم حجة لا رياء فيها، ولا سمعة".

الحج دعاء وإخبات، ورجاء مع حسن اتباع ثم ليبشر بعدها بكرم الله وعطائه وقبوله فالله لا يضيع أجر من أحسن عملا ..

اللهم احفظ علينا أمننا وإيماننا وعقيدتنا وبلادنا، اللهم من اراد بنا أو بالحجاج والمسلمين سوءا أو فتنة فأشغله في نفسه ورد كيده في نحره وارح المسلمين من شره.

خطبة مقترحة: ولذكر الله أكبر.. خطبة عن أفضل الأعمال في عشر ذي الحجة

  • خطبة للشيخ: د عبدالعزيز التويجري.

  • عبر: ملتقى الخطباء.

...المزيد

خطبة: الصدقة تطفئ الخطيئة عناصرها: المال فتنة وأمانة - فضائل الصدقة - آداب الصدقة. <h2>الخطبة ...

خطبة: الصدقة تطفئ الخطيئة

عناصرها: المال فتنة وأمانة - فضائل الصدقة - آداب الصدقة.

الخطبة الأولى:


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: من أعظم وسائل تقوية التكافل الاجتماعي في الإسلام: البذل والإنفاق، وقد حث الله -سبحانه- عليه بقوله: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة) ~ [البقرة: ٢٥٤]، وبقوله تبارك وتعالى: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ~ [البقرة: ٢٧٤].

والإنفاق في سبيل الله -تعالى- من أعظم التحديات التي تواجه الإنسان لحبه الشديد للمال، وحرصه عليه: (وتحبون المال حبا جما) ~ [الفجر: ٢٠].

وحذر النبي ﷺ من فتنة المال بقوله: "إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال" ~ (صحيح، رواه الترمذي) ~ ، وبعضهم أصبح عبدا للمال: "تعس عبد الدينار والدرهم" ~ (رواه البخاري) ~ بخل بما أعطاه الله -تعالى- ظانا أن ذلك خير له، ولم ينصت لقوله سبحانه: (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير) ~ [آل عمران: ١٨٠].

أيها الإخوة الكرام: إن المال أمانة عند العباد، وهم مستخلفون فيه: (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير) ~ [الحديد: ٧]، فهؤلاء هم الذين يبارك الله لهم في أموالهم، ويضاعف لهم الأجر في الآخرة: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون) ~ [البقرة: ٢٤٥].

ومن أهم المعايير التي يقاس بها إيمان المرء: الصدقة، قال النبي ﷺ: "والصدقة برهان" ~ (رواه مسلم).

وهي تجارة عظيمة مع الله -تعالى-، وجهاد في سبيل الله بالمال، وفيها نجاة للعباد من العذاب الأليم: (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) ~ [الصف: ١٠-١١].

ومن أراد تنمية ماله فلينفق منه في سبيل الله -تعالى-: (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين) ~ [سبأ: ٣٩]، وفي الحديث القدسي: "قال الله -ﷻ-: أنفق أنفق عليك" ~ (رواه البخاري).

وما أنفقه العبد في سبيل الله -تعالى- هو الذي يجده أمامه يوم القيامة، وما يبقيه في الأرصدة فهو ملك للورثة، قال النبي ﷺ: "أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله" قالوا: يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه؟ قال: "فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر" ~ (رواه البخاري).

والبعض يظن أنه هو المالك الحقيقي للمال، وهو ظن خاطئ؛ لأن المال مال الله -تعالى- ساقه إليك من حيث لا تحتسب، وجعلك مستخلفا فيه: (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) ~ [النور: ٣٣].

وبالصدقة يدفع الله -تعالى- البلاء عن العبد؛ كما قال النبي ﷺ: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر" ~ (حسن، رواه الطبراني في الكبير).

والصدقة تطفئ الخطيئة، قال النبي ﷺ: "الصدقة تطفئ الخطيئة؛ كما يطفئ الماء النار" ~ (صحيح، رواه الترمذي).

عباد الله: للصدقة والإنفاق آداب، فمن أهمها: الإخلاص لله -تعالى- فيها، فعدم الإخلاص يبطلها ويحبط أجرها، والبعض يتصدق قاصدا للرياء والسمعة، والمباهاة والتفاخر، فهذا يعاقب بأشد العقوبة يوم القيامة، قال النبي ﷺ: "ويؤتى بصاحب المال، فيقول: كنت أصل الرحم وأتصدق، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، ويقول الله -تعالى-: بل أردت أن يقال: فلان جواد، فقد قيل ذاك" ~ (صحيح، رواه الترمذي).

ومن آداب الصدقة المفروضة: تقديمها على الصدقة المستحبة، وعدم تأخيرها عن وقتها، فإذا وجبت عليه زكاة في ماله، أو زرعه، أو تجارته؛ وجب عليه أن يخرجها في وقتها، وهي من أركان الإسلام، وأحب ما يتقرب به العبد إلى الله -تعالى- أداء الفرائض، فلا يؤخرها لغير عذر؛ لكيلا يتعرض لسخط الله -تعالى-.

ومن الآداب: عدم إبطال الصدقة بالمن والأذى، قال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر) ~ [البقرة: ٢٦٤].

بل يرى أن المنة لله -تعالى- أولا، إذ أعطاه المال، وأنعم عليه، وخلصه من شح النفس، ثم إن المؤمن العاقل؛ يرى أن المحتاج هو صاحب المنة عليه، إذ قبل منه صدقته، وأتاح له فرصة اكتساب الأجر والثواب من الله -تعالى-، وكان بعض الصالحين يقول: "والله إني لأرى الفقير صاحب منة علي، ولولا أن الله -ﷻ- جعله يقبل صدقتي؛ لحرمت الأجر والثواب من الله -تعالى-".

وعلى المتصدق أن يسر بصدقته ما استطاع إلا إذا كان في إعلانها مصلحة راجحة، قال الله -تعالى-: (إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير) ~ [البقرة: ٢٧١]، وأخبر النبي ﷺ أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: "رجل تصدق بصدقة فأخفاها؛ حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" ~ (رواه البخاري ومسلم).

ومن الآداب: أن تكون الصدقة من كسب طيب، أي: من مال حلال؛ فإن ذلك سبب في قبولها، ونماء أجرها؛ كما قال النبي ﷺ: "ما تصدق أحد بصدقة من طيب -ولا يقبل الله إلا الطيب- إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة، فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله" ~ (رواه مسلم).

ومن الآداب: أن يتحرى بصدقته المحتاجين حقا، ولا يعطيها لمن لا يعرف، فالزكاة الواجبة لا تصح إلا لأهلها، وقد بين الله -تعالى- أصناف المستحقين للزكاة: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) ~ [التوبة: ٦٠].

ومن آداب الصدقة: تقديم ذوي الرحم إن كانوا من ذوي الحاجة، ولا يوجد من يصلهم بالمال، فحقهم أعظم من حق غيرهم، وقد قال النبي ﷺ: "الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة" ~ (صحيح، رواه الترمذي والنسائي).

وكلما زادت درجة القرابة كلما زاد أجر المتصدق على صدقته.

الخطبة الثانية:


الحمد لله...

ومن آداب الصدقة: عدم الرجوع فيها، فلا يجوز استردادها ممن أخذها، قال النبي ﷺ: "مثل الذي يتصدق بصدقة ثم يعود في صدقته كمثل الكلب، يقيء ثم يأكل قيأه" ~ (رواه مسلم).

ومن الآداب: أن يقدم الجيد من المال في الصدقة، ولا يقدم الرديء من الطعام، أو الخبيث من المال في الصدقة، قال الله -تعالى-: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه) ~ [البقرة: ٢٦٧].

وإن استطاع أن يتصدق بشيء مما يحبه من مال، وطعام، ولباس، ونحوه، فله أعظم الأجر من الله -تعالى-: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) ~ [آل عمران: ٩٢].

ومن الآداب: أن يرى المتصدق –حال صدقته– نعمة الله عليه؛ إذ أغناه، ولم يحوجه إلى أخذ الصدقة؛ بل جعل يده هي العليا، وجعله هو المعطي، لا الآخذ، وهي نعمة عظيمة تستوجب الاجتهاد في شكرها بطاعة الله -تعالى-، والإكثار من الصدقة، والعطف على الفقراء والمساكين، وذوي الحاجات.

ومن آداب الصدقة: أن يخرج المال طيبة به نفسه، فلا يكون كارها لذلك، فمن صفات المنافقين أنهم: (لا ينفقون إلا وهم كارهون) ~ [التوبة: ٥٤]. وأما المؤمنون فقد أثنى الله -ﷻ- عليهم بأن أعينهم تفيض دمعا؛ حزنا ألا يجدوا ما ينفقون (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون) ~ [التوبة: ٩٢].

ومن آداب الصدقة: أن تكون في وقت السعة والصحة والعافية والشباب والحاجة، والخوف من الفقر، فقد جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرا؟ قال: "أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم؛ قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان" ~ (رواه البخاري ومسلم).
خطبة للشيخ: محمود بن أحمد الدوسري | عبر: ملتقى الخطباء.

مقترح: خطبة عن الإنفاق في سبيل الله.. من وقف أو صدقة أو زكاة
...المزيد

خطبة: عبادة الرجاء والثبات على الطاعة بعد رمضان. يتحدث من خلالها -الشيخ راكان المغربي- عن الطاعة ...

خطبة: عبادة الرجاء والثبات على الطاعة بعد رمضان. يتحدث من خلالها -الشيخ راكان المغربي- عن الطاعة بعد رمضان.

الخطبة الأولى:


أما بعد: ها قد انقضى من الشهر جلُّه وما بقي منه إلا القليل.

لقد تزين شهرُ رمضان بمشاهدِ الإقبالِ على الطاعات، والمسارعةِ إلى الخيرات، وشهودِ الجماعات. إلى الله أقبلت القلوب، وله قامت الأقدام، وبين يديه خضعت الرقابُ وتمرغت الأنوف. أقبل الناسُ يرجون من الله رحماتِه، وينهلون من عطائه، ويغترفون من مكرماتِه.

حين عَظُمَ الرجاءُ في القلوب زادَ الإقبالُ على الله، فكان الرجاءُ كالوقودِ الذي أشعل الفتيل، وأمدّ الروحَ والبدنَ بالطاقة والقوة على العبادة.

إن عبادةَ الرجاء من أعظم العبادات التي تحث المؤمن على دوامِ السير إلى الله، فحين يستحضر المؤمنُ فضلَ الله وكرمَه فإنه سيمتلئ قلبُه رغبةً فيه ورجاءً، فيحثه ذلك على المسارعة في تحصيلِه بصالح الأعمال. وهذا ما كان يحصلُ مع من وفقهم الله للعبادة في رمضان. فتجد المسلم يسارع إلى الصيام والقيام يرجو بذلك أجرَ من صام رمضان ومن قام رمضان (إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ)، وتجده حريصاً على العمرةِ الرمضانية لعلمه بأنها تعدل حجة. وتجده مقبلا في العشر الأواخر، يستثمر أوقاتَها ويعمر لحظاتها بالطاعة، لأنه يرجو فيها ثوابَ ليلةِ القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر.

ولئن كانت مكرمات الكريم تتضاعف في رمضان فيقبل الناسُ على الغرف منها، فإن الكريم سبحانه لا ينقضي كرمُه، ولا يفنى عطاؤُه بعد رمضان. ولذا فإن المؤمن الذي امتلأ قلبُه بالرجاء، لا يتوقف عن المسارعة في العمل بعد رمضان، بل يستحضر فضائلَ اللهِ العميمة، وخيرَه الواسعَ في كل زمانٍ ومكان، وبذلك يثبتُ على الطاعة، ويثابرُ على العمل الصالح، يرجو بذلك رحمةَ الله وكرمَه.

عباد الله:

لقد كان أنبياءُ الله وعبادُه الصالحين أعظمَ الناس رجاءً فيما عند الله، وكانت أسمى غاياتِهم التي يرجونها هي نيلُ رضوانِه، ودخولُ جناتِه، فكان الطمع في رحمته من أخص سماتهم. اسمعوا إلى طمع إبراهيم الخليل عليه السلام حين قال: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ)، واسمعوا إلى المقارنة التي ذكرها الله بين أهل الإيمان وأهل الكفر حين قال سبحانه: (إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ).

لقد نعى الله على الغافلين خلوَّ قلوبهم من الرجاءِ فيما عند الله، وإيثار الدنيا وزينتها فقال سبحانه عنهم: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، وطمأَن اللهُ أهلَ الإيمان الذين امتلأت قلوبهم بالرجاء والشوق إليه فقال سبحانه: (مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

حين رأت تلك المرأة البغي ذلك الكلب العطشان، حرك الرجاء قلبها فحداها إلى العمل، ثم بلغها عظيم الثواب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم واصفا حالها: "بيْنَما كَلْبٌ يُطِيفُ برَكِيَّةٍ -أي بئر- ، كادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ، إذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِن بَغايا بَنِي إسْرائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَها -أي خفها- فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لها بهِ".

وهكذا يفعل الرجاء بقليل العمل، يضاعفُه ويباركُه وينميه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أرْبَعُونَ خَصْلَةً أعْلَاهُنَّ مَنِيحَةُ العَنْزِ، ما مِن عَامِلٍ يَعْمَلُ بخَصْلَةٍ منها رَجَاءَ ثَوَابِهَا، وتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا، إلَّا أدْخَلَهُ اللَّهُ بهَا الجَنَّةَ" فيخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن أربعين عملٍ دون منيحة العنز و"هي الشَّاةُ ذَاتُ اللَّبَنِ تُعطَى لِيُنتَفَعَ بِلَبَنِها، ثُمَّ تُرَدُّ إلى أصحابِها"[1]، هذه الأربعون لا يعملُ بها أحد "رَجَاءَ ثَوَابِهَا، وتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا، إلَّا أدْخَلَهُ اللَّهُ بهَا الجَنَّةَ". قال حسان -أحد رواة الحديث-: " فَعَدَدْنَا ما دُونَ مَنِيحَةِ العَنْزِ، مِن رَدِّ السَّلَامِ، وتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وإمَاطَةِ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، ونَحْوِهِ فَما اسْتَطَعْنَا أنْ نَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً".

فما أعظمَ فضلَ الله! وما أجلَّ كرمَه الوفير!

عباد الله:

في يوم من الأيام " دخلَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ على شابٍّ وَهوَ في الموتِ فقالَ: (كيفَ تجدُكَ؟)

فقالَ الشاب: واللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ إنِّي أرجو اللَّهَ وإنِّي أخافُ ذنوبي.

فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ: "لا يجتَمِعانِ في قلبِ عبدٍ في مثلِ هذا الموطِنِ إلَّا أعطاهُ اللَّهُ ما يرجو وآمنَهُ ممَّا يخافُ"

هذا هو حال الصالحين. يطيرون بجناحي الخوف والرجاء. يعملون العمل الصالح فيرجون ويخافون، يرجون ما فيه من الثواب، ويخافون مما يمكن أن يدخل فيه من عجب أو رياء فلا يُتَقبلَ منهم. ويقعون في الذنوب فيخافون ويرجون، يخافون من عاقبتها، ويرجون مغفرة الله حين يتوبون منها. هذا حالهم لا الرجاءُ يغرّهم، ولا الخوفُ يُقَنِّطُهم.

قال جل وعلا عن أنبيائه الأخيار: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)، وقال سبحانه: (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا).

عباد الله:

لقد كان رمضانُ مدرسةً اجتمع فيها التعليمُ النظري والعملي، والتعليمُ الفردي والجماعي. تعلمنا فيها الصيامَ حتى صار عادةً يسيرةً لا نستصعبُها، وتروّضت أجسادُنا على القيامِ حتى لم نعدْ نشتكي طولَه، ولانت قلوبُنا للقرآن حتى صرنا نستعذبُ الجلوسَ معه أوقاتاً طويلةً دون ملل، وجادت أيادينا بالعطاء حتى لم نكدْ نسمعُ إيعادَ الشيطانِ الكاذبِ لنا بالفقر والنقص. تلك وغيرها بعضُ مكتسباتِ المدرسةِ الرمضانيةِ التي أعاننا الله على تحصيلها، وأذاقنا لذتَها. فحافظوا على المكتسبات، ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوةٍ أنكاثا، واعلموا أن أحبَّ الأعمال إلى الله ليس مجرد الاجتهادُ في رمضانَ ثم الانقطاعُ بعده، وإنما كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أحَبَّ الأعْمَالِ إلى اللَّهِ ما دَامَ وإنْ قَلَّ".

فإن كنتَ اجتهدتَّ في رمضانَ ترجو ما عند الله، فحافظ على منسوب الرجاءِ في قلبِك بعد رمضان، واستمر في النهلِ من مكْرُماتِ الكريم. ليكن لك نصيبٌ شهريٌ من الصيامِ والصدقةِ لا تتركُه إلى الممات، وليكن لك نصيبٌ يوميٌ من القيامِ وقراءةِ القرآنِ ولو بأقلِّ القليل.

اللهمَّ إنّا نسألُك الثَّباتَ في الأمرِ، والعزيمةَ على الرُّشدِ، ونسألُك شُكْرَ نِعمتِك وحُسْنَ عِبادتِك.
بارك الله لي ولكم..

الخطبة الثانية:


أما بعد: معاشر المسلمين..

"قَد شَرَعَ الله لَكُم في خِتَامِ هَذَا الشَّهرِ زَكَاةَ الفِطرِ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ لَهُ فَضلٌ عَن قَوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ لَيلَةَ العِيدِ، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قَالَ : "فَرَضَ رَسُولُ اللهِ زَكَاةَ الفِطرِ مِن رَمَضَانَ، صَاعًا مِن تَمر، أَو صَاعًا مِن شَعِيرٍ، عَلَى العَبدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَن تُؤَدَّى قَبلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلى الصَّلاةِ".

وَالأَفضَلُ إِخرَاجُهَا قَبلَ الصَّلاةِ مِن يَومِ العِيدِ، وَلا يَجُوزُ تَأخِيرُهَا إِلى مَا بَعدَ الصَّلاةِ، وَمَن أَخَّرَها بِغَيرِ عُذرٍ فَهُوَ آثِمٌ، وَيَجِبُ عَلَيهِ إِخرَاجُهَا، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ، فَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا- قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللهِ زَكَاةَ الفِطرِ طُهرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعمَةً لِلمَسَاكِينِ، فَمَن أَدَّاهَا قَبلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقبُولَةٌ، وَمَن أَدَّاهَا بَعدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ".

وَيَجُوزُ أَن تُخرَجَ قَبلَ العِيدِ بِيَومٍ أَو يَومَينِ، وَفي البُخَارِيِّ: كَانَ ابنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا- يُعطِيهَا لِلَّذِينَ يَقبَلُونَهَا, وَكَانُوا يُعطَونَ قَبلَ الفِطرِ بِيَومٍ أَو يَومَينِ.

وَمِمَّا شَرَعَهُ اللهُ لَنَا صَلاةُ العِيدِ، شعيرةً عظيمةً من شعائر المسلمين، وقد أُمرنا بأن نخرج إليها جميعا رجالاً ونساءً، كبارًا وصغارًا، ففي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهَا- قَالَت: "أُمِرْنَا أَن نُخرِجَ الحُيَّضَ يَومَ العِيدَينِ وَذَوَاتِ الخُدُورِ، فَيَشهَدْنَ جَمَاعَةَ المُسلِمِينَ وَدَعوَتَهُم، وَتَعتَزِلُ الحُيَّضُ عَن مُصَلاَّهُنَّ".

وَمِمَّا شَرَعَهُ اللهُ لَنَا َالتَّكبِيرُ مِن غُرُوبِ الشَّمسِ لَيلَةَ العِيدِ حَتَّى انقِضَاءِ صلاة العيد تطبيقًا لأمر الله وشكرًا لنعمته، كما قال -سبحانه-: (وَلِتُكمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُم وَلَعَلَّكُم تَشكُرُونَ)[البقرة:185].

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

هنا أيضًا: خطبة مشكولة لآخر جمعة في شهر رمضان المبارك
...المزيد

خطبة عيد الفطر مكتوبة مشكولة عناصرها: 1. شكر الله على توفيقه 2. إحسان الظن بالله في قبول الأعمال ...

خطبة عيد الفطر مكتوبة مشكولة

عناصرها: 1. شكر الله على توفيقه 2. إحسان الظن بالله في قبول الأعمال 3. المداومة على الطاعة بعد شهر رمضان 4. تأملات في نعمة الإسلام 5. أعظم مظاهر العيد 6. العيد فرصة للتواصل والتسامح.

الخُطْبَةُ الأُولَى:


اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ. اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحَمْدُ.

الْحَمْدُ للهِ الْمَحْمُودِ بِلِسَانِ المُؤْمِنِينَ، المُتَفَضِّلِ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، لَا نُحْصِي نِعَمَهُ، وَلَا نَعُدُّ آلَاءَهُ، وَلَا نُحِيطُ بِإِحْسَانِهِ، فَلَهُ الْحَمْدُ كُلُّهُ، وَتَبَارَكَ اسْمُهُ، وَتَعَالَى جَدُّهُ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ، لَا يَخِيبُ مَنْ دَعَاهُ، وَلَا يَضِيعُ مَنْ رَجَاهُ، فَسُبْحَانَهُ مِنْ إِلَهٍ، يُعِزُّ وَيُذِلُّ، وَيَرْفَعُ وَيَضَعُ، وَيُغْنِي وَيُفْقِرُ، وَيُعْطِي وَيَمْنَعُ، وَكُلُّ شَيْءٍ بِيَدِهِ، إِذَا أَرَادَ شَيْئًا قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ شَرَعَ لِأُمَّتِهِ الْأَعْيَادَ الشَّرْعِيَّةَ فَأَغْنَاهَا عَنْ أَعْيَادِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَنَهَاهَا عَنِ الْأَعْيَادِ الْبِدْعِيَّةِ، وَأَمَرَهَا بِالتَّمَسُّكِ بِالشِّرْعَةِ الرَّبَّانِيَّةِ وَالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، فَلَا خَيْرَ إِلَّا أَحَبَّهُ لَنَا وَدَلَّنَا عَلَيْهِ، وَلَا شَرَّ إِلَّا كَرِهَهُ لَنَا وَحَذَّرَنَا مِنْهُ، تَرَكَنَا عَلَى بَيْضَاءَ نَقِيَّةٍ لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى صَحَابَتِهِ الْغُرِّ المَيَامِينِ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ.

اللهُ أَكْبَرُ؛ صَامَ لَهُ المُؤْمِنُونَ تَعَبُّدًا وَرِقًّا، اللهُ أَكْبَرُ؛ قَامَ لَهُ الْقَائِمُونَ مَحَبَّةً وَذُلًّا، اللهُ أَكْبَرُ؛ بَذَلَ لَهُ الْمُحْسِنُونَ رَجَاءً وَخَوْفًا، فَاللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا، وَاللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا أَعْطَانَا، وَاللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا أَوْلَانَا، وَللهِ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَللهِ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، وَللهِ الْحَمْدُ لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ كَمَا أَثْنَى هُوَ عَلَى نَفْسِهِ.

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ- لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، اتَّقُوه (وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) ~ [الأحزاب:٧٠، ٧١]، وَاحْمِدُوا رَبَّكُمْ حَيْثُ جَعَلَ لَكُمْ عِيدًا عَظِيمًا وَمَوْسِمًا جَلِيلًا كَرِيمًا يَتَمَيَّزُ عَنْ أَعْيَادِ الكُفَّارِ بِنُورِهِ وَبَهَائِهِ، وَيَخْتَصُّ بِخَيْرِهِ وَمَصَالِحِهِ وَبَرَكَاتِهِ؛ عَيْدٌ عَظِيمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالإِيمَانِ، قَائِمٌ عَلَى الإِخْلَاصِ وَالتَّمْجِيدِ وَالثَّنَاءِ وَالشُّكْرِ لِلرَّحْمَنِ.

عِيدُنَا -أَهْلَ الإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ- لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ شَعَائِرِ الشِّرْكِ وَالكُفْرَانِ، عَيدُ الفَرَحِ وَالاسْتِبْشَارِ، عِيدٌ يَمَلَأُ القُلُوبِ فَرَحًا وَسُرُورًا، وَيَتَلَأْلَأُ فِي الإِفْطَارِ فِيهِ بَهَاءً وَضِيَاءً وَنُورًا، مَقْصِدُهُ الأَجَلُّ الأَكْبَرُ أَنَّهُمْ يَحْمدُونَ اللهَ عَلَى القِيَامِ بِمَا فَرَضَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الصِّيَامِ وَمَا مَنَّ بِهِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالقِيَامِ، المُوصِلَةِ إِلَى دَارِ السَّلَامِ، فَيَشْكُرُونَ اللهَ حَيْثُ وَفَّقَهُمْ لإِتْمَامِ صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ، وَمَا تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنَ الطَّاعَاتِ فِي لَيَالِيهِ وَأَيَّامِهِ، فَيَغْدُونَ إِلَى صَلَاةِ العِيدِ مُكَبِّرِينَ وَلِرَبِّهِمْ خَاضِعِينَ؛ (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ~ [البقرة:١٨٥]؛ قَدْ فَرَحوا بِإِكْمَالِ صِيَامِهِمْ وَقِيَامِهِمْ، مُسْتَبْشِرِينَ طَالِبِينَ مِنْ رِبِّهِمُ العِتْقَ مِنَ النَّارِ وَالقَبُولَ.

فَأَحْسِنُوا الظَّنَّ بِرَبِّكُمْ، وَاطْمَعُوا غَايَةَ الطَّمَعِ فِي فَضْلِهِ العَظِيمِ، فَإِنَّهُ فِي هَذَا اليَوْمِ تُعْلَنُ النَّتَائِجُ، وَتُوَزَّعُ الجَوَائِزُ، فَيَفْرَحُ الَّذِينَ جَدُّوا وَاجْتَهَدُوا فِي رَمَضَانَ، سَبَقَ قَوْمٌ فَفَازُوا، وَجَدُّوا فَنَالُوا، قَالَ الزُّهْرِيُّ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الفِطْرِ خَرَجَ النَّاسُ إِلَى المَسْجِدِ فَيَطَّلِعُ عَلَيْهِمُ رَبُّهَمُ وَيَقُولُ: "عِبَادِيِ! لِي صُمْتُمْ، وَلِي قُمْتُمُ، ارْجَعُوا مَغْفُورًا لَكُمْ".

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

أَيُّهَا النَّاسُ: أدِيمُوا عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ بَعْدَ رَمَضَانَ؛ فَإِنَّ اللهَ -تَعَالَى- يُعْبَدُ فِي كُلِّ الْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ؛ وَبِئْسَ قَوْمٌ لَا يَعْرِفُونَ اللهَ -تَعَالَى- إِلَّا فِي رَمَضَانَ.

اللهَ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.

أَيُّهَا النَّاسُ! إِنْ أَعْظَمَ نِعْمَةٍ أَنْعَمَهَا اللهُ عَلَيْنَا هِيَ نِعْمَةُ الإِسْلَامِ؛ حِينَمَا يُسَلِّمُكَ مِنَ الشِّرْكِ وَالكُفْرِ وَالوَثَنِيَّةِ وَوَسَائِلِهَا، وَلِهَذَا يُضِيفُ اللهُ هَذِهِ النِّعْمَةِ إِلَى نَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) ~ [المائدة:٣]، وقال: (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ~ [البقرة:١٥٠]؛ لِأَنَّ فِيهَا فَلَاحَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَفِيهَا العِصْمَةَ وَالنَّجَاةَ مِنْ طِرِيقِ الجَحِيمِ، وَلَنْ يَقْبَلُ اللهُ مِنْ أَحَدٍ دِينًا غَيْرَهُ ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِالَفَرَحِ مِنَ النِّعَمِ إِلَّا بِنِعْمَةِ الهِدَايَةِ لِلإِسْلَامِ؛ كَمَا قَالَ: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) ~ [يونس:٥٨].

فَنِعْمَةُ الدِّينِ المُتَّصِلَةُ بِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ، لَا نِسْبَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ جَمِيعِ مَا فِي الدُّنْيَا مِمَّا هُوَ مُضْمَحلٌّ زَائِلُ عَنْ قَرِيبٍ، وَإِنَّمَا أَمَرَ اللهُ -تَعَالَى- بِالفَرَحِ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ؛ لأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ انْبِسَاطَ النَّفْسِ وَنَشاطَهَا، وَشُكْرَهَا للهِ -تَعَالَى-، وُقُوَّتَهَا وَشِدَّةَ الرَّغْبَةِ فِي العِلْمِ وَالإِيمَانِ الدَّاعِي لِلازْدِيَادِ مِنْهُمَا، وَهَذَا فَرَحٌ مَحْمُودٌ؛ وَلِهَذَا رَوى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمْرو بْنِ العَاصِ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ"، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَه بِلَفْظِ: "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ هُدِيَ إِلَى الإِسْلَامِ".

وَلَا غَرْوَ! أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الفَلَاح، فَمَا مِنْ خَيْرٍ إِلَّا وَأَمَرَ بِهِ، وَمَا مِنْ شَرٍّ إِلَّا وَنَهَى عَنْهُ، فَفِيهِ مِنَ الأَوَامِرِ الجَمِيلَةِ الكَفِيلَةِ بِصَلاحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا؛ مِنَ البِرِّ وَالصِّلَةِ، وَالإِحْسَانِ وَالبَذْلِ، وَتَعْظِيمِ حُقُوقِ النَّاسِ، وَجَمَالِ التَّوَاصُلِ مَعَهُمْ بِالسَّلَامِ وَالزِّيَارَةِ وَالعِيَادَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالهَدِيَّةِ، وَفِيهِ التَّرَقِّي بِالنَّفْسِ وَالتَّزْكِيَةُ لَهَا، فَأَمَرَ بِالحَيَاءِ وَالعِفَّةِ، وَالسَّخَاءِ، وَإِحْسَانِ الظَّنِّ، وَنَبْذِ الشُّحِّ وَالحِقْدِ وَالحَسَدِ، وَأَبْطَلَ الخُرَافَةَ وَالغُلُوَّ، وَشَرَعَ مَا يَضْمَنُ الحَقَّ وَيَرْدَعُ البَاطِلَ وَأَهْلَهُ، وَيُخَوِّفُ مِنَ الجَرِيمَةِ، فَشَرَعَ الحُدُودَ وَالتَّعْزِيرَ، وَجَعَلَهَا مُنَاطَةً بِالسُّلْطَانِ وَمَنْ يُنِيبُهُ بِلَا فَوْضَى وَلَا هَوَى.

وَلِهَذَا كَانَ كُفْرَانَ هَذِهِ النِّعْمَةِ أَعْظَمَ الكُفْرَانِ وَأَشَدَّهُ، وَأَقْبَحَهُ وَأَرْذَلَهُ، فَمَنْ عَرَفَ هَذَا الدِّينَ وَعَرَفَ مَحَاسِنَهُ ثُمَّ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَاحْتَوشَتْهُ الشَّيَاطِينُ وَانْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَدْ خَسِرَ الخُسْرَانَ المُبِينَ، وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلْعَذَابِ المُهِينِ، وَهُوَ أَعْظَمُ عَذَابًا وَوَبَالًا مَمَّنْ لَمْ يَعْرِفْهُ تَمَامَ المَعْرِفَةِ، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهِ أَصْلًا وَلَمْ تَأْتِهِ هَذِهِ النِّعْمَةُ وَلَمْ يَعِشْهَا!

كَيْفَ لِرَجُلٍ وُلِدَ عَلَى الإِسْلَامِ، وَتَلَبَّسَ بِشَرَائِعِهِ، وَشَعَرَ بِفَضَائِلِهِ أَنْ يَرْتَدَّ عَلَى عَقِبَيْهِ خَاسِرًا حَقِيرًا قَدْ كَفَرَ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي مَنَّ اللهُ بِهَا عَلَيْهَ؟!

وَلِهَذَا جَاءَ فِي القُرْآنِ آيَاتٌ تُزَلْزِلُ القَلْبَ بِمَا لِمْ يَأْتِ بِمِثْلِهِ مِنَ التَّهْدِيدِ؛ قَالَ -تَعَالَى-: (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ واللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ) ~ [آل عمران: ٨٦ - ٩٠].

وَقَالَ -تَعَالَى-: (مَنْ كَفَرَ باللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ * لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) ~ [النحل: ١٠٦ - ١٠٩]، غَرَّتَهُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا، غَرَّتَهُمُ الشِّعَارَاتُ الزَّائِفَةُ -كَالحُرِّيَّاتِ وَالانْفِتَاحِ المُنْفَلِتِ- فَنَكَصُوا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ لِلْحَقِّ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية:


اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ.

أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَظَاهِرِ الْعِيدِ مَا يَحْدُثُ بَيْنَ الأَهْلِ وَالْجِيرَانِ مِنْ صِلَةٍ لِلْأَرَحَام وَتَبَادُلٍ للتَّزَاوُرِ وَالسَّلامِ؛ مِمَّا لَهُ الأَثَرُ الْبَالِغُ عَلَى النُّفُوسِ فِي نَشْرِ الْمَحَبَّةِ وَالأُلْفَةِ وَالتَّعَاوُنِ بَيْنَ الأَقَارِبِ، وَهَذِهِ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ جَاءَتْ بِهَا الشَّرِيعَةُ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) ~ [الرعد:٢١]. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -كَمَا فِي صَحِيحِ البُخَارِي: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".

أَيُّهَا الْمُسْلِمُ!إِنَّ الْعِيدَ فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ لِتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيْرًا مِنْهُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَوَانِعِ المَغْفِرَةِ هِيَ المُشَاحَنَاتِ وَالعَدَاوَاتِ، وَأَعْظَمِ أَسْبَابِ المَغْفِرَةِ هِيَ الصَّفْحُ وَالعَفْوُ، وَمَا زَادَ العَفُوُ إِلَّا عِزًّا، فَلَا تَسْتَسْلِم لِأَدْوَاءِ النَّفْسِ وَوَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ، وَأَعْلِنْ فِي يَوْمِ العِيدِ العَفْوَ وَالصَّفْحَ؛ لِتَنَالَ مِنَ الأَجْرِ مَا لَا تَنَالُهُ إِلَّا بِالصَّفْحِ وَالعَفْوِ.

اخْرُجُوا مِنْ هَذَا الجَامِعِ بِقُلُوبٍ نَظِيفَةٍ مِنَ الأَحْقَادِ، وَالْبَسُوا ثَوْبَ التَّسَامُحِ وَالتَّصَالُحِ، فَإِنَّهَا أَعْظَمُ عِبَادَاتِ يَوْمِ العِيدِ، وَأَعْظَمُ أُجُورِ يَوْمِ المَزِيدِ، (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) ~ [الشعراء: ٨٨، ٨٩].

أَيَّتُهَا الأَخَوَاتُ الشَّرِيفَاتُ، وَالْحَرَائِرُ الْمَصُونَاتُ الْعَفِيفَاتُ، يَا مَنْ أَعَزَّكُنَّ اللهُ بِالدِّينِ، وَشَرَّفَكُنَّ بِالسِّتْرِ وَالْجِلْبَابِ! تَمَسَّكْنَ بِحِجَابِكُنَّ كَمَا تَتَمَسَّكْنَ بِدِينِكُنَّ، فَاللهَ اللهَ فِي حَيَائِكُنَّ وَعَفَافِكُنَّ، وَاعْلَمْنَ أَنَّ الْمَرْأَةَ بِصَلَاحِهَا يَصْلُحُ الْمُجْتَمَعُ، وَبِفَسَادِهَا يُصْبِحُ الْمُجْتَمُعُ فِي تِيهٍ وَسَرَابٍ! فَالْأُمُّ هِيَ الْمُجْتَمَعُ، وَالْأُمُّ هِيَ الْأَسَاسُ، وَهِيَ صَمَّامُ الْأَمَانِ بِإِذْنِ اللهِ.

وَنُذَكِّرُ الجَمِيعَ بِالاحْتِرَازَاتِ الصِّحيَّةِ فِي سَلامِكُمْ وَاجْتِمَاعَاتِكُمْ، فَإِنَّ الْتِزَامَكُمْ بِهَا مُعِينٌ عَلَى حِفْظِ النَّفْسِ مِنَ الوَبَاءِ -بَإِذْنِ اللهِ-.

أَعَادَ اللهُ -تَعَالَى- عِيدَنَا عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ وَعَلَى المُسْلِمِينَ بِاليُمْنِ وَالإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالإِسْلَامِ، وَتَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَمِنَ المُسْلِمِينَ صَالِحَ الأَعْمَالِ، وَتَقَبَّلَ اللهُ طَاعَتَكُمْ، وَجَعَلَ عِيدَكُمْ سَعِيدًا، وَعَمَلَكُمْ رَشِيدًا، وَأَعَادَ عَلَيْكُمْ رَمَضَانَ أَعْوَامًا عَدِيدَةً، وَأَزْمِنَةً مَدِيدَةً، بِصِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ وَإِيمَانٍ، وَتَقَبَّلَ اللهُ صِيَامَكُمْ وَقِيَامَكُمْ وَصَالِحَ أَعْمَالَكُمْ.

الدعاء


اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا وَدُنْيَانَا وَآخِرَتِنَا ... اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامِ وَالمُسْلِمِينَ ... وانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ الَّذِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِكِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ انْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِاليَهُودِ المُعْتَدِينَ وَالنَّصَارَى المُحَارِبِينَ، اللَّهُمَّ عَلَيْكِ بِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَكَ، اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا ....

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَا يُرْضِيكَ، وَجَنِّبْهُمْ مَعَاصِيكَ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَى التَّائِبِينَ، وَاهْدِ ضَالَّ المُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ رُدَّهُمْ إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، اللَّهُمْ ارْفَعْ مَا نَزَلَ مِنَ الفِتَنِ ... اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا...

اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَابُ الرَّحِيمُ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى نَبِينَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

مقترح لك: خطبة الأوقاف لعيد الفطر مكتوبة + ملف pdf موقع المزيد
...المزيد

خطبة عيد الفطر مكتوبة مشكولة عناصرها: 1. المقصود بسُنَّة التدافع الربانية 2. فوائد سُنَّة ...

خطبة عيد الفطر مكتوبة مشكولة

عناصرها: 1. المقصود بسُنَّة التدافع الربانية 2. فوائد سُنَّة التدافع 3. ما يجب على المسلمين حيالَ سنة التدافع 4. أمثلة على سنة التدافع من حياة الأنبياء 5. وصايا للمرأة المسلمة.

الخطبة الأولى:


الْحَمْدُ لِلَّهِ الْخَلَّاقِ الْعَلِيمِ، الْبَرِّ الرَّحِيمِ؛ يَفِيضُ مِنْ جُودِهِ وَبِرِّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَيُتَابِعُ عَلَيْهِمْ نِعَمَهُ وَإِحْسَانَهُ، وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِهِ الشَّكُورُ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ هَدَى مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ لِلْإِيمَانِ، وَعَلَّمَهُمُ الْحِكْمَةَ وَالْقُرْآنَ، وَزَكَّاهُمْ بِصَالِحِ الْأَعْمَالِ؛ فَلَهُمُ الْأَمْنُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَضَلَّ قَوْمٌ عَنْ هُدَاهُ؛ فَعَاشُوا فِي الدُّنْيَا أَشْقِيَاءَ، وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مُخَلَّدُونَ فِي الْعَذَابِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ رَفَعَ اللَّهُ -تَعَالَى- ذِكْرَهُ فِي الْعَالَمِينَ، فَعُرِفَ فِي الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَجَعَلَ أُمَّتَهُ خَيْرَ الْأُمَمِ أَجْمَعِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ؛ فَإِنَّكُمْ صُمْتُمْ شَهْرَكُمْ، وَقُمْتُمْ لَيْلَكُمْ، وَأَجْهَدْتُمْ أَنْفُسَكُمْ، وَتَقَرَّبْتُمْ إِلَى رَبِّكُمْ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فِي رَمَضَانَ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الطَّاعَاتِ؛ فَلَا تَنْقُضُوا عَهْدَكُمْ، وَلَا تُفَارِقُوا مَسَاجِدَكُمْ، وَلَا تَهْجُرُوا مَصَاحِفَكُمْ، وَلَا تَقْبِضُوا أَيْدِيَكُمْ، وَاجْعَلُوا أَيَّامَكُمْ كُلَّهَا رَمَضَانَ؛ بِالْإِقْبَالِ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَالْمُسَابَقَةِ فِي الْخَيْرَاتِ، وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ؛ فَإِنَّ غَايَتَكُمْ رِضَا اللَّهِ -تَعَالَى- وَالْفَوْزُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَذَلِكَ يُنَالُ بِالثَّبَاتِ عَلَى الطَّاعَاتِ إِلَى الْمَمَاتِ؛ (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الْحِجْرِ: 99].
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

اللَّهُ أَكْبَرُ؛ كَمْ مِنْ صَائِمٍ قَائِمٍ فَقَدَ رَمَضَانَ، وَلَهُ بَعْدَ رَمَضَانَ صِيَامُ تَطَوُّعٍ وَقِيَامٌ وَتَهَجُّدٌ.

اللَّهُ أَكْبَرُ؛ كَمْ مِنْ مُنْفِقٍ أَطْعَمَ الطَّعَامَ طُوِيَتْ مَوَائِدُ إِطْعَامِهِ بِإِهْلَالِ الْعِيدِ، وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ وَيُطْعِمَ طَوَالَ الْعَامِ.

اللَّهُ أَكْبَرُ؛ كَمْ مِنْ قَارِئٍ نَشَرَ مُصْحَفَهُ يُرَتِّلُ الْقُرْآنَ وَيَتَدَبَّرُهُ فِي رَمَضَانَ، قَدْ عُرِفَ مَكَانُهُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ كَثْرَةِ مُكْثِهِ فِيهِ، قَدْ بَارَحَهُ الْبَارِحَةَ، وَلَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَيَتَدَبَّرَهُ كُلَّ حِينٍ. فَاللَّهُ -تَعَالَى- يُعْبَدُ فِي رَمَضَانَ وَبَعْدَ رَمَضَانَ.
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

أَيُّهَا النَّاسُ: قَرَأَ الْمُسْلِمُونَ الْقُرْآنَ فِي رَمَضَانَ، وَاسْتَمَعُوا لِآيَاتِهِ فِي التَّرَاوِيحِ وَالْقِيَامِ. وَمِمَّا قَرَؤُوا وَسَمِعُوا آيَاتُ التَّدَافُعِ، وَأَنَّهُ سُنَّةٌ رَبَّانِيَّةٌ قَضَى اللَّهُ -تَعَالَى- بِهَا عَلَى الْعِبَادِ، وَأَنْصَتُوا لِقَصَصِ التَّدَافُعِ فِي الْقُرْآنِ، وَكُرِّرَتْ عَلَيْهِمْ فِي السُّوَرِ؛ لِيَفْهَمُوا هَذِهِ السُّنَّةَ الرَّبَّانِيَّةَ الْعَظِيمَةَ. وَأَوَّلُهَا قِصَّةُ آدَمَ وَإِبْلِيسَ، ثُمَّ قَصَصُ نُوحٍ، وَهُودٍ، وَصَالِحٍ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَلُوطٍ، وَمُوسَى، وَشُعَيْبٍ مَعَ أَقْوَامِهِمْ، وَقِصَصٌ أُخْرَى غَيْرُهَا، كُلُّهَا نَمَاذِجُ لِلتَّدَافُعِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. وَقَرَؤُوا غَزْوَةَ بَدْرٍ فِي الْأَنْفَالِ، وَغَزْوَةَ أُحُدٍ فِي آلِ عِمْرَانَ، وَغَزْوَةَ الْخَنْدَقِ وَقُرَيْظَةَ فِي الْأَحْزَابِ، وَغَزْوَةَ بَنِي النَّضِيرِ فِي الْحَشْرِ، وَغَزْوَةَ حُنَيْنٍ وَتَبُوكَ فِي التَّوْبَةِ، وَكُلُّهَا نَمَاذِجُ لِلتَّدَافُعِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَقَرَؤُوا أَخْبَارَ الْوِفَاقِ وَالْخِلَافِ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، وَهُوَ مِنْ تَدَافُعِ أَهْلِ الْبَاطِلِ فِيمَا بَيْنَهُمْ؛ (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[الْبَقَرَةِ: 113]، "أَيْ نُسَلِّطُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ"، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى)[الْحَشْرِ: 14]. وَفِي الْقُرْآنِ آيَاتٌ جَامِعَةٌ لِلتَّدَافُعِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ؛ كَقَوْلِهِ -تَعَالَى-: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ)[الْحَجِّ: 62]؛ لِتَشْمَلَ تَدَافُعَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، وَالتَّوْحِيدِ وَالشِّرْكِ، وَالسُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ، وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَالْمَعْرُوفِ وَالْمُنْكَرِ، وَهُوَ مَا شَهِدَتْهُ الْبَشَرِيَّةُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَلَنْ يَنْفَكَّ زَمَنٌ عَنْهُ، وَلَنْ تَخْلُوَ أَرْضٌ مِنْهُ، مُنْذُ أَنْ خَاطَبَ اللَّهُ -تَعَالَى- آدَمَ وَحَوَّاءَ وَإِبْلِيسَ قَائِلًا لَهُمْ: (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ)[الْبَقَرَةِ: 36]، وَإِلَى آخِرِ الزَّمَانِ.

سُنَّةٌ رَبَّانِيَّةٌ عَظِيمَةٌ لِصَالِحِ الْبَشَرِ؛ إِذْ لَوْلَا تَدَافُعُهُمْ لَفَسَدَتْ أَحْوَالُهُمْ، وَضَمِرَتْ عُقُولُهُمْ، وَتَلَاشَتْ مَعَارِفُهُمْ، وَكَسَدَتْ تِجَارَتُهُمْ، وَتَلِفَتْ زُرُوعُهُمْ، وَتَوَقَّفَ عُمْرَانُهُمْ؛ فَالتَّدَافُعُ يَقُودُ إِلَى الصِّرَاعِ وَالتَّنَافُسِ، وَحُبِّ الْبَقَاءِ وَالْقِيَادَةِ؛ وَلِذَا قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)[الْبَقَرَةِ: 251]. وَمِنْ فَضْلِهِ عَلَى الْعَالَمِينَ قَضَاؤُهُ بِسُنَّةِ التَّدَافُعِ بَيْنَهُمْ. وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا)[الْحَجِّ: 40].

وَإِذَا كَانَ التَّدَافُعُ وَاقِعًا لَا مَحَالَةَ فَوَاجِبٌ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ حِيَالَهُ جُمْلَةُ أُمُورٍ؛ مِنْ أَهَمِّهَا: فَهْمُ هَذِهِ السُّنَّةِ الرَّبَّانِيَّةِ، وَتَفْسِيرُ مَا يَجْرِي مِنْ صِرَاعَاتٍ عَلَى وَفْقِهَا، وَالْيَقِينُ بِأَنَّ مَا يَقَعُ بَيْنَ الدُّوَلِ مِنْ تَدَافُعٍ وَصِرَاعٍ فَهُوَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ -تَعَالَى- وَأَمْرِهِ الْكَوْنِيِّ؛ (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ)[آلِ عِمْرَانَ: 154]، (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ)[الْأَعْرَافِ: 54]، (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ)[الرُّومِ: 25]، (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ)[هُودٍ: 123]. وَالْيَقِينُ بِأَنَّ هَذَا التَّدَافُعَ فِي صَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهُ ابْتِلَاءٌ يَبْتَلِي اللَّهُ -تَعَالَى- بِهِ الْعِبَادَ، فِي تَسْلِيطِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ؛ (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ)[مُحَمَّدٍ: 4]. فَإِنْ وَقَعَ ضَرَرٌ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ جَرَّاءَ التَّدَافُعِ؛ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَصْبِرُوا وَيَتَّقُوا وَيُوقِنُوا بِوَعْدِ اللَّهِ -تَعَالَى-؛ لِقَوْلِهِ -تَعَالَى-: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)[آلِ عِمْرَانَ: 120]. وَالتَّمْكِينُ مَعْقُودٌ بِالصَّبْرِ وَالْيَقِينِ؛ (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)[السَّجْدَةِ: 24]، وَأَنْ يَنْحَازَ أَهْلُ الْإِيمَانِ فِي أَيِّ تَدَافُعٍ لِلْحَقِّ مَهْمَا بَدَا لَهُمْ أَنَّهُ ضَعِيفٌ مُسْتَبَاحٌ، وَيَكُونُوا أَنْصَارَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- أَمَرَ بِاتِّبَاعِ الْحَقِّ، وَالثَّبَاتِ عَلَيْهِ مَهْمَا كَانَتِ التَّضْحِيَاتُ؛ وَلِأَنَّ جَزَاءَ اتِّبَاعِ الْحَقِّ فَوْزٌ عَظِيمٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ وَلِأَنَّ الْحَقَّ ظَاهِرٌ عَلَى الْبَاطِلِ لَا مَحَالَةَ؛ (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)[الْأَنْفَالِ: 8]، (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ)[الْأَنْبِيَاءِ: 18]. مَعَ التَّعَلُّقِ بِاللَّهِ -تَعَالَى- فِيمَا يُخْشَى مِنْهُ، وَالرُّكُونِ إِلَيْهِ -سُبْحَانَهُ-، وَالثِّقَةِ بِوَعْدِهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ فَإِنَّ مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ؛ (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 122]، وَقَالَ الْمُعَذَّبُونَ الْأَوَّلُونَ: (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)[إِبْرَاهِيمَ: 12]. وَأُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ فِي النَّارِ فَكَانَتْ بَرْدًا وَسَلَامًا، وَأُلْقِيَ يُوسُفُ فِي الْجُبِّ ثُمَّ كَانَ عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ، وَأُلْقِيَ مُوسَى فِي الْيَمِّ طِفْلًا رَضِيعًا فَلَمْ يَغْرَقْ، وَخَرَجَ فِرْعَوْنُ بِجُنْدِهِ وَعَتَادِهِ وَجَبَرُوتِهِ فَغَرِقَ. فَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ -تَعَالَى-، وَأَنَّهُ -سُبْحَانَهُ- يَجْعَلُ الْمِحَنَ مِنَحًا، وَالْعُسْرَ يُسْرًا، وَيُعْقِبُ الْكَرْبَ فَرَجًا، وَالضِّيقَ سَعَةً، وَيَقْلِبُ الْقِلَّةَ كَثْرَةً، وَالضَّعْفَ قُوَّةً، وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَبِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ، وَأَنَّهُ يَجْرِي حُكْمُهُ فِي عِبَادِهِ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْيَقِينِ بِهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِهِ، وَالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ، وَالتَّعَلُّقِ بِهِ، وَامْتِثَالِ أَمْرِهِ، وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ، وَتَطْبِيقِ شَرْعِهِ، وَالْتِزَامِ دِينِهِ، وَالتَّمَسُّكِ بِكِتَابِهِ.

وهذه: خطبة الشيخ محمد حسان في عيد الفطر
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية:


الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، الْمَلِكِ الْحَقِّ الْمُبِينِ؛ مَدَّ فِي أَعْمَارِنَا فَصُمْنَا شَهْرَنَا، وَحَضَرْنَا عِيدَنَا، فَلَهُ الْحَمْدُ لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ كَمَا أَثْنَى هُوَ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ حَقَّتْ عِبَادَتُهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَوَجَبَ حَمْدُهُ وَشُكْرُهُ عَلَى نِعَمِهِ وَآلَائِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ حَثَّ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ وَصِيَامِ التَّطَوُّعِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَسَلُوهُ الْقَبُولَ؛ فَإِنَّ رَبَّكُمْ قَرِيبٌ مُجِيبٌ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا وُفِّقْتُمْ لَهُ مِنَ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ؛ (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الْبَقَرَةِ: 185].

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ، أَيَّتُهَا الصَّائِمَةُ الْقَائِمَةُ: إِنَّ قَضَايَا الْمَرْأَةِ جُزْءٌ مِنَ التَّدَافُعِ بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ وَأَهْلِ الْبَاطِلِ، فَيَكْثُرُ الْجَدَلُ فِيهَا بَيْنَ مَنْ يُرِيدُونَ إِكْرَامَهَا وَالْحِفَاظَ عَلَيْهَا، وَمَنْ يُرِيدُونَ إِهَانَتَهَا وَابْتِذَالَهَا.. بَيْنَ مَنْ يُرِيدُونَ لَهَا رِسَالَةً سَامِيَةً، وَبِنَاءَ أُسْرَةٍ صَالِحَةٍ، تَنْعَمُ فِيهَا بِأَوْلَادٍ وَأَحْفَادٍ يَبَرُّونَهَا إِلَى مَوْتِهَا، وَمَنْ يُرِيدُونَ تَحْوِيلَهَا إِلَى سِلْعَةٍ تُبَاعُ وَتُشْتَرَى فِي سُوقِ النِّخَاسَةِ لِإِشْبَاعِ مَلَذَّاتِهِمْ؛ حَتَّى إِذَا ذَهَبَتْ نَضَارَتُهَا، وَضَعُفَتْ قُوَّتُهَا؛ رُمِيَتْ كَمَا تُرْمَى النُّفَايَاتُ.. وَهَذَا التَّدَافُعُ سُنَّةٌ رَبَّانِيَّةٌ، يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ أَنْ تَخْتَارَ فِيهِ إِرْضَاءَ رَبِّهَا -سُبْحَانَهُ-، وَالثَّبَاتَ عَلَى دِينِهَا، وَالْعَمَلَ بِأَحْكَامِ شَرِيعَتِهَا، وَالتَّمَسُّكَ بِعَفَافِهَا وَحِجَابِهَا، وَبُعْدَهَا عَنْ مَوَاطِنِ الْفِتْنَةِ، فَلَا تُفْتَنُ هِيَ فِي دِينِهَا، وَلَا يُفْتَنُ الرِّجَالُ بِهَا. فَإِذَا اخْتَارَتْ ذَلِكَ فَلْتُبَشَّرْ بِرِضَا رَبِّهَا -سُبْحَانَهُ- عَنْهَا، وَبِسَعَادَةٍ تَغْمُرُهَا فِي دُنْيَاهَا، وَفَوْزٍ أَكْبَرَ يَنْتَظِرُهَا بَعْدَ وَفَاتِهَا، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا، دَخَلَتْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ).

حَفِظَ اللَّهُ -تَعَالَى- نِسَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَبَنَاتِهِمْ مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ، وَغَلَبَةِ الْهَوَى، وَمَكْرِ الشَّيَاطِينِ، وَجَعَلَهُنَّ قُرَّةَ أَعْيُنٍ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ.
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: بِالْأَمْسِ يَجِبُ الصِّيَامُ، وَالْيَوْمَ يَجِبُ الْفِطْرُ، وَغَدًا يُشْرَعُ الصِّيَامُ، وَكُلُّهُ بِأَمْرِ اللَّهِ -تَعَالَى-؛ (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)[آلِ عِمْرَانَ: 7]، وَنَحْمَدُهُ -سُبْحَانَهُ- فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحَالٍ. وَالْعِيدُ عِيدُ أَهْلِ الْإِيمَانِ، بَعْدَ أَنْ قَضَوْا شَهْرًا كَامِلًا فِي الصِّيَامِ وَالْقُرْآنِ وَالْقِيَامِ، وَالْبِرِّ وَالْإِطْعَامِ وَالْإِحْسَانِ، فَحُقَّ لَهُمْ أَنْ يَفْرَحُوا بِعِيدٍ شَرَعَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- لَهُمْ، وَأَنْ يَبَرُّوا وَالِدِيهِمْ، وَيَصِلُوا أَرْحَامَهُمْ، وَيُحْسِنُوا إِلَى جِيرَانِهِمْ، وَيُدْخِلُوا السُّرُورَ عَلَى نِسَائِهِمْ وَأَطْفَالِهِمْ؛ فَهَذَا عِيدُهُمْ وَفَرَحُهُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ -تَعَالَى-؛ "وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ".

أَعَادَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَتَقَبَّلَ اللَّهُ -تَعَالَى- مِنَّا وَمِنْكُمْ وَمِنَ الْمُسْلِمِينَ صَالِحَ الْأَعْمَالِ.
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]...
...المزيد

خطبة فضائل ليلة القدر والحث على تحريها عناصرها: 1. سرعة مرور أيام شهر رمضان 2. فضائل العشر الأواخر ...

خطبة فضائل ليلة القدر والحث على تحريها
عناصرها: 1. سرعة مرور أيام شهر رمضان 2. فضائل العشر الأواخر 3. ظواهر مؤسفة في العشر الأواخر 4. الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر 5. فضائل ليلة القدر والحث على تحريها.

الخُطْبَةُ الأُولَى:


الحمدُ لله الرَّحيمِ الرَّحمنِ، أَشهدُ ألاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، الْمَلِكُ الدَّيَّانُ. وَأَشهدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُه جُودٌ يَتضَاعَفُ فِي رَمَضَانَ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلِهِ وَأصحَابِهِ أَهْلِ العِبَادَةِ والْبِرِّ والإحْسَانِ, ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ وإيمانٍ.

أمَّا بَعْدُ: فَيا أيُّها الصَّائِمونَ، اتَّقوا اللهَ -تعالى-؛ فتقوى اللهِ سَبِيلُ المُؤمِنينَ، وَزَادُ الصَّالِحِينَ، هَنِيئاً لَنا نَحْنُ الصَّائِمينَ؛ فَقَدْ أَدْرَكْنَا مِنَ الأَمْسِ أَوَّلَ أَيَّامِ العَشرِ الأَوَاخِرِ، ذَاتِ الفَضَائِلِ والْمَنَازِلِ، وَسُبْحَانَ اللهِ! كنَّا قبل أَيَّامٍ نَتَبَاشَرُ باستِقبالِهِ، وها نحنُ في عَشْرهِ الأَواخِرِ، وَعَمَّا قَلِيلٍ نُودِّعُهُ لِعَامٍ قَابِلٍ، أَيُّهَا الصَّائِمُ:
هَا قَدْ حَبَاكَ اللَّهُ مَغْفِرَةً *** طَرَقَتْ رِحَابَكَ هَذِهِ العَشْرُ

أيُّها الصَّائمونَ: إنَّ شهرَنا قَدْ أَخَذَ فِي النَّقصِ فَلْنَزِد في العمَلِ. وَمِن نِعَمِ اللهِ عَلَينَا أنْ جَعَلَ عَشْرَنَا مَوسمَ خَيرٍ وعَطَاءٍ، فَهيَ فُرصَةٌ لِمَنْ فَرَّطَ أَوَّلَ الشَّهْرِ، أَو تَاجًا وخِتَامًا لِمَن أَطَاعَ رَبَّهُ واتَّبعَ الأمْرَ.

أيُّها الصَّائمونَ: لَئنْ كَانتْ أيَّامُ رَمَضَانَ مَعْدُودَاتٍ, فَليالي العَشْرِ سَاعَات مَحدودة.

عِبادَ اللهِ: عشرُنا سُوقٌ عظيمٌ يَتَنافسُ فيه الْمُتَنَافِسونَ، وَيَتَمَيَّزُ فيها الصَّائِمونَ الْمُخلِصونَ؛ وَلَكِنْ أَتَدْرُونَ مَنْ هُمُ الخَاسِرُون؟ إنَّهُمْ طائفةٌ سَمِعتِ النِّداءَ وكأنَّهُ لا يَعنِيها، تَرى الْمُؤمنينَ يُصَلُّون ويَتَهَجَّدُونَ وكأنَّهم عن رَحمَةِ اللهِ مُسْتَغْنُونَ، وَصدَقَ اللهُ: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)[الكهف:103-104].

عِبَادَ اللهِ: ظَاهِرَةٌ مُؤسِفَةٌ تَظْهَرُ في كُلِّ عَشْرٍ مُبَارَكَةِ، ولا يُعرَفُ لها تَفسيرٌ إلاَّ الغَفْلَة والحِرمان, فَبَعْضُ الصَّائِمِينَ يَنْشَغِلُ بِمِهْرَجَانَاتِ التَّسَوُّقِ والتِّجْوالِ وَتَنْقَضِي لَيَالِي العَشْرِ في التَّنَقُّلِ بينَ الأسواقِ بَحثًا عن أَثَاثٍ أو ثِيَابٍ، وَنَسُوا أَنَّ رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَحَبُّ البِلادِ إلى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ البِلادِ إلى اللهِ أَسْوَاقُهَا"(رَواهُ مُسْلِمٌ). فَعَلَينَا أَنْ نُذَكِّرَ أَنْفُسَنا وَأَهلِينَا بِفَضائِل العَشرِ لِتَكونَ دافِعَا لَنا على الجدِّ والعملِ.

عِبَادَ اللهِ: لَقد كانَ رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يجتهدُ في العَشْرِ الأَوَاخِرِ وَيَخصُّهَا بِمَزِيدٍ من الأَعْمَالِ مَا لا يَجتَهِدُ في غَيرِهَا, فَهُوَ يُحيي الَّليلَ كُلَّه، ويَتجنَّبُ نِسَاءَه، كَمَا قَالَتْ أُمُّنَا عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَأرْضَاهَا-: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ".

قَالَ ابنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَلَمْ يَكُنِ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- إذَا بَقِيَ مِنَ رَمَضَانَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ يَدَعُ أَحَداً مِن أَهْلِهِ يُطيقُ القِيَامَ إلاَّ أَقَامَهُ". هَكَذا كَانَ هَدْيُهُ -صلى الله عليه وسلم- مُتفرِّغاً للعبادةِ, مُقبِلاً عَليها، بَلْ كَانَ -عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يَعْتَكِفُ في العَشْرِ لِيَنْقَطِعَ عَن الدُّنيا وَمَشاغِلِها مُتَحَرِّياً ليلةَ القدر. وَمِنْ بعْدِه سَارَ الصَّالِحِونَ, فَلَقَد كَانَ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ قَتَادَةُ بنُ دعَامة -رَحِمَهُ اللهُ- يَخْتِمُ القُرَآنَ في كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً، فِإذَا دَخَلَ رَمَضَانُ خَتَمَ في كُلِّ ثَلاثِ لَيَالٍ مَرَّةً، فَإذَا دَخَلَتِ العَشْرُ خَتَمَ في كلِّ لَيلَةٍ مَرَّةً.

أيُّها الصَّائِمُونَ: أَتعجَبُونَ مِنْ هذهِ الهِمَّةِ؟ فَصَدَقَ مَنْ قَالَ: "كُنتُ أقُولُ: كَيفَ كَانَ السَّلَفُ يَعكُفُونَ على القُرآنِ طَويلاً؟، فَلَمَّا رَأَيْتُ العاكِفِينَ على الجَوَّالاتِ زَالَ عَجَبِي، وَعَلمْتُ أَنَّ القَلْبَ إذَا أَحَبَّ شَيئاً عَكَفَ عليهِ!".

أَيُّها الصَّائِمُونَ: وَمِنْ شِدَّةِ تَعظِيمِ السَّلفِ لِلعَشْرِ أنَّهُم كانُوا يَغْتَسِلُونَ وَيَتَطيَّبُونَ وَيَتَزيَّنُونَ لَهَا بِأَحسَنِ مَلابِسِهم كُلَّ لَيلَةٍ. فَاللهَ اللهَ يا صَائِمُونَ، لا تَفُوتَنَّكُم الفُرصَةُ، فَاطْرُدُوا الكَسَلَ، وَارْفَعُوا أَكُفَّكُمْ لِمَولاكُمْ، وَاسْجُدُوا لِربِّكُمْ، وَكُونُوا مِمَّن أَثْنَى اللهُ عَلَيهِمْ بِقَولِهِ: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا)[السجدة:16]، ردِّدُوا فِي هَذِهِ الَّليَالي: الَّلهُمَّ إنِّك عَفُوٌ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا.
فَالَّلهُمَّ أَعِنَّا عَلى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ. وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:


الحمدُ للهِ وَفَّقَ مَنْ شَاءَ لِطَاعَتِهِ بَرَحْمَتِهِ, وَأَضَلَّ مَنْ شَاءَ بِعَدلِهِ وَحِكمتِهِ, أَشهدُ ألَّا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ. وَأشْهَدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صلَّى الله وَسلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ وَعلى آلهِ وَصَحَابَتِهِ والتَّابِعِينَ لَهُم بِإحسَانٍ وإيمَانٍ إلى يوم الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: اغْتَنِمُوا شَهْرَ التَّقْوى بِتحْقِيقِ تَقْوى اللهِ -تَعالى- سِرًّا وَجَهْرًا.

أيُّها الصَّائِمُونَ: مِنْ دَلائِلِ تَوفِيقِ اللهِ لِلعَبْدِ أَنْ يَلتَمِسَ لَيلةَ القَدْرِ أَمَلاً بِالفَوزِ بِهَا، وَنَيلِ بَرَكَاتِها، فَقَدْ قَالَ اللهُ عَنْهَا: (إِنَّا أَنزَلْنَهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَرَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)[الدخان:3-4]. فَهِيَ لَيلَةٌ مُبَارَكَةٌ لِكَثْرةِ خَيرِهَا وَفَضْلِهَا، كَفَاهَا شَرَفًا أَنَّ الْقُرْآنَ الْمَبَارَكَ أُنْزِلَ فِيهَا.

وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. فَيها فَضَائِلُ مُتَنَوِّعَةٌ، فَمَعَ مَا سَبَقَ فَالْمَلائِكَةُ الْكِرَامُ تَتَنَزَّلُ فِيهَا وَهُمْ لا يَنْزِلُونَ إلاَّ بِالخَيرِ وَالبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ. وَأَنَّها سَلامٌ لِكَثْرةِ السَّلامَةِ فِيهَا مِنَ العِقَابِ والعِتْقِ مِنَ النَّارِ بما يَقُومُ بِهِ الصَّائِمُ مِن طَاعَةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.

وَكَفَى لَيلَةَ الْقَدْرِ فَخْرًا أنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْزَلَ فيها سُورَة كَامِلَةً تُتْلَى إلى يَومِ القِيَامَةِ. لِذَا قَالَ عَنْهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"(رواه البُخَارِيُّ).

وَقَدْ حَثَّنَا رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلى التِمَاسِها في لَيَالِي الوِتْرِ مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَهِيَ في السَّبْعِ الأَوَاخِرِ أَقْرَبُ، لِذَا احْرِصُوا عَلى تَحَرِّيهَا مِن يَومِ غَدٍ السِّبْتِ مِن حِينِ أَذَانِ الْمَغْرِبِ إلى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَهَكَذَا بَقِيَّة العْشْرِ.

فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ -يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ-، فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ، فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقِي"(رَواهُ مُسْلِمٌ).

وَقَدْ سَأَلَتْ أمُّ الْمُؤمِنِينَ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فَبِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: "قُولِي: اللهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ، فَاعْفُ عَنِّي"، وَقَدْ أَخْفَى اللهُ –سُبْحَانَهُ- عِلْمَهَا عَلينَا رَحْمَةً بِنَا لِنُكْثِرَ مِن الْعَمَلِ في طَلَبِهَا بِالصَّلاةِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ فَنَزْدَادُ قُرْبًا مِنَ اللهِ وَثَوَابًا، وَأَخَفَاهَا اللهُ أيضًا اخْتِبَارًا لَنَا لِيَتَبَيَّنَ الجَادّ مِن الكَسْلان.

أَيُّها الصَّائِمُونَ: كَانَ رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إذا دَخَلَتِ العَشْرُ لَزِمَ مَسْجِدَهُ فَلا يَخْرُجُ مِنْهُ إلاَّ لَيلةَ العِيدِ؛ لأَنَّ في الاعْتِكَافِ أَسْرَارًا وَدُرُوسًا؛ فَالْمُعْتَكِفُ ذِكْرُ اللهِ أَنِيسُهُ، وَالقُرْآنُ جَلِيسُهُ، وَالصَّلاةُ رَاحَتُهُ، وَمُنَاجَاةُ الرَّبِّ مُتعَتُه، وَالدُّعَاءُ لذَّتُهُ. فَهَنِيئًا لِلمُعْتَكِفِينَ!

الدعاء


فالَّلهُمَّ تَقَبَّلْ صِيَامَنَا وَقِيامَنَا وَدُعَاءَنَا، الَّلهُمَّ وَفقْنَا للَيلةِ القَدْرِ, واجعل حَظَّنَا فيها مَوفُوراً، وَسَعينا فيها مَشكُوراً.

اللهم اجعل شهرنا شهر خيرٍ وبركة للإسلام والمسلمين في كل مكان، اللهم أعتق رقابنا ووالدينا والمسلمين من النار.

اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا. اللهم أعز الإسلامَ والمُسلمينَ، وأذلَّ الكفر والكافرينَ، واحمِ حوزةَ الدينِ، واجعل بلادنا وبلادَ المُسلمين آمنةً مطمئنة يا ربَّ العالمين.

اللهم وفَّق ولاةَ أمورنا لما تُحبُّ وترضى، وأصلح لهم البطانة، ووفقهم لأداء الأمانة. اللَّهُمَّ احفظ حُدُودَنا وانْصُرْ جُنُودَنا, ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].

هنا أيضًا: خطبة وداع رمضان وزكاة الفطر «مكتوبة كاملة»

...المزيد

خطبة عن فضل شهر رمضان + إخراج الزكاة في هذه الخطبة المباركة، سنُلقي نظرة عن كثب على العديد من ...

خطبة عن فضل شهر رمضان + إخراج الزكاة
في هذه الخطبة المباركة، سنُلقي نظرة عن كثب على العديد من العناصر الحيوية. ومما نجده من عناصر في هذه الخطبة:

  • فضل شهر رمضان.

  • فضل الجود في رمضان وأنواعه.

  • وجوب إخراج الزكاة المفروضة وفضائلها.

  • الحرص على دفع الزكاة إلى الجهات الرسمية والحذر من دفعها للجهات المجهولة.


الخُطْبَةُ الأُولَى:


الْحَمْدُ للهِ الَّذِي اخْتَصَّ شَهْرَ رَمَضَانَ بِمَزِيدٍ مِنَ الْفَضْلِ وَالإِكْرَامِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الْمَلِكُ الْعَلاَّمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الأَنَامِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْكِرَامِ.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ أَجْلِ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْنَا -أُمَّةَ الْإِسْلامِ- مَوَاسِمَ الطَّاعَاتِ، وَاَلَّتِي مِنْهَا: شَهْرُ رَمَضَانَ؛ شَهْرُ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ وَالْقُرْآنِ، وَشَهْرُ الْجُودِ وَالْعَطَاءِ مِنْ خَالِقِ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ الَّذِي أَحَبَّ الصِّيَامَ، وَأَحَبَّ مَنْ تَقَرَّبَ لَهُ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ الْعَظِيِمَةِ؛ فَجَعَلَ جُودَهُ وَعَطَاءَهُ لِعِبَادِهِ عَظِيمٌ وَكَرَمَهُ عَمِيمٌ، وَتَوَلَّى سُبْحَانَهُ الْجُودَ وَالْعَطَاءَ وَالْأَجْرَ وَالثَّوابَ وَالْجَزَاءَ لِعِبَادِهِ بِمَا لَا يُحْصِيهِ إلَّا اللهُ -تَعَالَى-، وَلَـمْ يَكِلْهُ -تَعَالَى- إِلَى مَلائِكِتِهِ، بَلْ تَولَّى جَزاءَهُ -تَعَالَى- بِنَفْسِهِ، وَاللهُ -تَعَالَى- إِذَا تَوَلَّى شَيئًا بِنَفْسِهِ دَلَّ عَلَى عِظَمِ هَذَا الثَّوابِ وَذَلِكَ الأجْر؛ ذَلِكَ أنَّ الْعَبْدَ الصَّائمَ يَترُكُ مَا تَشتَهِيهِ نَفْسُهُ، وَمَا أَبَاحَهُ اللهُ -سُبْحَانَهُ- لَهُ مِنْ مَلَذَّاتِ الطَّعَامِ والشَّرابِ والجِماعِ؛ طاعةً للهِ -عزَّ وجلَّ-، وطَمَعًا فِي نَيْلِ محبَّتِه ورِضَاه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: " كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فإنَّه لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ".. الحديث(متفق عليه).

وَشَهْرُ رمضان هُوَ شَهْرُ الْبِرِّ وَالإِحْسَانِ، وَشَهْرُ الْمُوَاسَاةِ وَالرَّحْمَةِ، وَالإِنْفَاقِ وَالصَّدَقَةِ، وَشَهْرُ التَّواصُلِ وَالتَّكَافُلِ، وَشَهْرٌ تَغْمُرُ فِيِهِ الرَّحْمَةُ قُلُوبَ الْـمُؤْمِنِينَ، وَتـَجُودُ فِيِهِ بِالْعَطَاءِ أَيْدِي الْـمُحْسِنِينَ، رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ".

وَصُوَرُ الْجُودِ مُتَعَدِّدَةٌ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ؛ مِنْهَا: الْجُودُ بِالنَّفْسِ، وَالْجُودُ بِالْمَالِ، وَالْجُودُ بِالْعِلْمِ وَبَذْلِهِ، وَالْجُودُ بِالْجَاهِ كَالشَّفَاعَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْجُودُ بِالْعِرْضِ بِأَنْ يَعْفُوَ عَنْ كُلِّ مَنْ شَتَمَهُ أَوِ اغْتَابَهُ، وَالْجُودُ بِنَفْعِ الْبَدَنِ، وَالْجُودُ بِالصَّبْرِ وَالتَّحَمُّلِ، وَالْجُودُ بِالْخُلُقِ وَالْبِشْرِ وَبَذْلِ النَّدَى، وَالْجُودُ بِتَرْكِ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ وَالاِسْتِعْفَافِ عَنْهُ.

وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَجُودُ بِهِ الْعَبْدُ، وَيَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا-: فَرِيضَةَ الزَّكَاةِ الَّتِي هِيَ فَرِيضَةٌ عَظِيمَةٌ، وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلاَمِ وَمَبَانِيهِ الْعِظَامِ؛ وَهِيَ بُرْهَانُ صِدْقِ الإِيمَانِ، ‏وَسَبَبٌ فِي النَّمَاءِ وَالْبَرَكَةِ وَعَدَمِ النُّقْصَانِ؛ بِهَا تُدْفَعُ النِّقَمُ، وَتُسْتَجْلَبُ النِّعَمُ، ‏وَهِيَ مِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ الْفَلاَحِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ)[المؤمنون: 1-4].

وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ الأَسْبَابِ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجنَّةَ؟ قَالَ: "تَعْبُدُ اللهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ" قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هٰذَا شَيْئًا أَبدًا، وَلاَ أَنْقُصُ مِنْهُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هٰذَا"(متفق عليه).

وَهِيَ تَطْهِيرٌ لِصَاحِبِهَا مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي، وَتَزْكِيَةٌ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَتَطْهِيرٌ لِمَالِهِ، وَسَبَبٌ فِي زِيَادَتِهِ وَبَرَكَتِهِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[التوبة: 103].

وَالزَّكَاةُ سَبَبٌ فِي حِمَايَةِ الْمُجْتَمَعَاتِ مِنَ الْفَسَادِ وَالْجَرَائِمِ الْخُلُقِيَّةِ الَّتِي تَتَوَلَّدُ عَنِ الْفَقْرِ وَالْعِوَزِ وَالْحَاجَةِ، وَفِيهَا تَوْطِيدٌ لِدَعَائِمِ الْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ وَالأُلْفَةِ بَيْنَ أَبْنَاءِ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ؛ وَالَّذِي مَثَلُهُ كَمَثَلِ الْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنَا إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونِينَ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:


الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى-، وَأَقْبِلُوا عَلَى رَبِّكُم وَتُوبُوا إلَيْهِ، وَاتَّصِفُوا بِخُلُقِ الْجُودِ وَالْإِحْسَانِ كَمَا هُوَ خَلُقُ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-؛ فَحَرِيٌّ بِنَا جَمِيعًا أَنْ نَسْلُكَ مَسْلَكَ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَنَتَّصِفَ بِصِفَةِ الإِحْسَانِ وَالْجُودِ بِشَهْرِ الْجُودِ، بِدَفْعِ الصَّدَقَاتِ وَالزَّكَوَاتِ لِمُسْتَحِقِّيهَا، سَوَاءً دَفَعَهَا الْمُسْلِمُ بِنَفْسِهِ أَوْ عَبْرَ الْجِهَاتِ الرَّسْمِيَّةِ الْمُصَرَّحِ لَهَا بِجَمْعِ الزَّكَاةِ وَالتَّبَرُّعَاتِ.

وَالْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ دَفْعِهَا لِجِهَاتٍ مَجْهُولَةٍ مَشْبُوهَةٍ خَارِجَ الْمَمْلَكَةِ، وَالَّتِيِ تَكْثُرُ وَتَنْتَشِرُ عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ، وَرُبَّمَا تَسْتَخْدِمُ مَا تَجْمَعُ مِنَ الأَمْوَالِ فِي حَرْبِ هَذِهِ الْبِلاَدِ.

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[المزمل: 20].

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).

واقرأ أيضًا: خطبة عن ليلة القدر وفضل العشر الأواخر من رمضان والاجتهاد فيها

...المزيد

خطبة الفائزون والمغبونون في رمضان (مكتوبة) محتوياتها <ul> <li>ترقب المسلمون لاستقبال شهر ...

خطبة الفائزون والمغبونون في رمضان (مكتوبة)
محتوياتها

  • ترقب المسلمون لاستقبال شهر رمضان.

  • نعمة إدراك رمضان والحرص على استغلاله في الطاعات.

  • بعض فضائل رمضان ومحاسنه.

  • الخسارة في تضيع رمضان في متابعة المسلسلات المحرمة.


الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعدُ: فنسأل الله الكريم أن يجعلنا من عباده المهتدين الشاكرين، وأن يعيننا على ذكره وشكره، وحسن عبادته، وأن يبلغنا كل خير في أمور الدين والدنيا، وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها، نسأله جل وعلا وله الحمد بكل لسان، وله الحمد جل وعلا على كل إنعام وتفضُّل وامتنان في قديم أو حديث، في سر أو علانية.
أيها الإخوة المؤمنون: لا يمل الطرف ولا يكلُّ النظر من تعظيم شعائر الله -جل وعلا-، وتعظيم شريعته سبحانه، هذه الشرعة القويمة، وهذا الدين القيِّم الذي فيه من الخيرات والبركات، وما تَعجِز العقول عند إدراك، ما فيه من الحكم التي يوفَّق إليها عباد الله الصالحون، فما من وقت ولا زمان ولا حال ولا مكان، إلا ويظهر فيه من إنعام الله -جل وعلا-، ومن امتنانه على عباده، ومن تيسيره لهذه الشرعة الكريمة.
ها نحن وإياكم أيها الإخوة المؤمنون والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يترقبون موسمًا عظيمًا وشهرًا كريمًا، جعله الله -تعالى- منحةً وكرامةً لهذه الأمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ~ [البقرة: ١٨٣].
نعم يترقب المسلمون بشغفٍ عظيم وفرحٍ كبير، وحضورٍ جليل حلول هذا الضيف الكريم، هكذا يكون أهل الإيمان؛ لعلمهم بما لله في هذا الشهر الكريم من أنواع النعم والامتنان الذي يمن الله -جل وعلا- به على من شاء من عباده، وقد كان نبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- يحفز نفوس الصحابة وأمة الإسلام جميعًا عند قرب وعند دُنو هذا الشهر الكريم، فكان يعدد لهم فضائله، ويبين ما فيه من النوال، وما فيه من أنعم الرحمن؛ حتى يتهيؤوا لهذا الشهر الكريم ويعدوا له عدته، ويرتبوا ويُخططوا ما ينبغي أن ينالوا فيه من الفضل العظيم، فإن الله -جل وعلا- جعل في هذا الشهر الكريم من آثار رحمته ومن فيض منته، ما ينبغي أن يتحفز له كل مؤمن مؤمنة.
إنها مؤشرات كونية وشرعية يظهر بعضها للناس، ويخفى كثير مما جعل الله -تعالى- من بركات هذا الشهر الكريم.
هل تشعرون -أيها الإخوة- أنه مع أول ليلة من ليالي هذا الشهر الكريم تُفتَّح أبواب الجنة؟ وهل تشعرون أنه مع أول ليلة من ليالي هذا الشهر الكريم تُغلق أبواب النار؟
إنه حدث كوني لا ندركه لولا الخبر عن سيد البشر مما أوحاه إليه ربه -جل وعلا-، وصلى الله وسلم على نبيه المصطفى.
أيها الإخوة المؤمنون: في مثل هذا المقام وفي مثل هذه اللحظات وفي مثل هذا اليوم سمع الصحابة -رضي الله عنهم- نبيَّهم محمدًا ﷺ وهو يردد: "آمين، آمين، آمين"، وهو يصعد درجات منبره الشريف، وحينئذٍ بادر الصحابة -رضي الله عنهم- بالسؤال وهم الأئمة الكرام الأخيار، الذين يرقبون كل لحظة، وكل قول وفعل من حبيبهم ونبيهم ﷺ، يقول أبو هريرة: فقيل: يا رسول الله ما كنت تصنع هذا؟ سمعنا هذا التأمين: "آمين.. آمين.. آمين" لم يكن منك هذا الفعل من قبل وأنت ترقى درجات المنبر، فقال النبي ﷺ: "قال لي جبريل -عليه السلام-: رغم أنف عبدٍ دخل عليه رمضان، فلم يغفر له، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف عبدٍ ذكرتَ عنده، فلم يصلِّ عليك، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف عبدٍ أدرك والديه أو أحدهما، فلم يدخل الجنة، فقلت: آمين" ~ (رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه ابن خُزيمة وغيره).
تأملوا أن جبريل -عليه السلام- يدعو بهذا الدعاء، ويؤمِّن عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- فما السر؟ وما السبب؟
إن هذه الأمور الثلاثة إذا حصلت للإنسان فإنه يلوح معها الخير والبركة، والأسباب الموجبة لدخوله الجنة، والتي تقرِّبه من رحمة الله ورضوانه أن يدرك الشهر الكريم فهي نعمة عظمى؛ لأنه ميدانٌ عظيم لأنواع الخيرات والبركات.
فمن أدرك هذا الشهر ولما انسلخ ولم يغفر له دلَّ ذلك على أن هذا الإنسان بعيدٌ كل البعد عن الخير.
لكم أن تتصوروا وكأنما يسحب بالحبال ويدفع بالقوة لدخول الجنة فيأبى، وما ذلك منه إلا لأن الشر متأصلٌ في نفسه، ومحادته لله ظاهرة، ولذلك استحق هذا الدعاء.
وهكذا الذي يدرك والديه أو أحدهما عند الكبر إن خدمتهما وبرهما ستهيئ له من الخيرات والبركات في الدنيا والآخرة، فهي فرصة عظمى؛ لأنَّ الله وعد عليها أجورًا عظيمة، ثم مع ذلك نكص عن هذا الأمر، وتركه ولم يؤدِّ الوفاء الذي ينبغي نحو والديه وهما في هذا العمر؛ جزاء ما كان منهما من رعايته ورحمته، والقيام عليه، فدلَّ ذلك على تأصُّل سوء الأخلاق في هذا الإنسان.
وهكذا الذي يذكر عنده محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- فلا يصلي عليه برغم أنَّ الله -جل جلاله- يصلي عليه في الملأ الأعلى، ثم يأتي هذا ويستنكف ويستكبر، ولا يشرِّف نفسه بهذا الخير والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- فدلَّ ذلك على الغفلة التي أطبقت على قلب هذا الإنسان، فكان حقيقًا بأن تصدق عليه هذه الدعوات، فرغم أنفه يصيبه الذل والصغار، وأن يكون بعيدًا عن رحمة العزيز الغفار.
أيها الإخوة المؤمنون: كم من إنسانٍ صام رمضان الماضي وكان يؤمل بلوغ هذا الشهر، وودعنا مَن ودعنا منهم؟! ونحن اليوم وبيننا وبين رمضان أيام قلائل الله أعلم مَن قد كتب أن تخترمه المنية ولا يبلغ هذا الشهر الكريم، هذا الشهر الذي من بلغه فإنه يحل بميدان عظيم في الأجور المتوالية.
وتأملوا في قصة رجلين كانا في زمن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وما كان من موت أحدهما قبل الآخر، وما أخبر عليه الصلاة والسلام بما أوحى الله إليه من تفاوت منزلتيهما، لما أدرك أحدهما رمضان ولم يدرك الآخر رمضان؛ يقول طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه-: إن رجلين من قبيلة بلي -رضي الله عنهما- قدما على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وكان إسلامهما جميعًا، فكان أحدهما أشد اجتهادًا من الآخر، يعني في الطاعات والعمل الصالح، فغزا المجتهد منهما فاستشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي، قال طلحة: فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة، إذا أنا بهما، فخرج خارج من الجنة، فأَذِنَ للذي توفي الآخر منهما، ثم خرج، فأَذِنَ للذي استشهد، ثم رجع إليَّ، فقال: ارجع فإنك لم يأن لك بعد، فأصبح طلحة -رضي الله عنه- يحدِّث به الناس، فعجبوا من ذلك، عجبوا من هذه الرؤيا، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ وحدَّثوه الحديث، فقال عليه الصلاة والسلام: "من أي ذلك تعجبون؟" فقالوا: يا رسول الله هذا كان أشد الرجلين اجتهادًا، ثم استشهد ودخل الآخر الجنة قبله، يقولون بحسب ما رأينا أنه يجتهد في العمل الصالح وفوق هذا مات شهيدًا في سبيل الله، فكان الذي في الذهن أن يكون هو الأول في دخول الجنة، فقال رسول الله ﷺ: "أليس قد مكث هذا بعده سنة؟" قالوا: بلى، قال: "وأدرك رمضان، وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض"، "فما بينهما" يعني في الدرجة في الجنة "أبعد مما بين السماء والأرض" ~ (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).
تأملوا -رحمكم الله- كيف أن إدراكك رمضان يبلغك هذه المنزلة التي ربما فاقت مع صلاح العمل منزلة الشهيد في سبيل الله، وراجع نفسك -يا عبد الله- كم رمضان أدركتَ من عمرك؟ وهل قربتك هذه الرمضانات من جنة عرضها السموات والأرض؟ هل حجزت مكانك في الجنة وفي العُتقاء من النار؟ وهذا العرض قائم في كل ليلة من ليالي الشهر الكريم!
أيها الإخوة المؤمنون: إن المتعين على كل واحد منا أن يكون محاسبًا لنفسه، وأن ينظر هل هو مستعد ومجتهد في أن يكون قائمًا بما ينبغي في هذا الشهر الكريم؟
إنَّ الله -جل وعلا- جوادٌ كريم، وهو سبحانه شكورٌ لمن شَكر، معظمٌ لمبادرة من بادر، كما أنَّه سبحانه إذا اطلع على ما عند عبد من عباده من كراهية الخير والنكول عنه، فإن الله -جل وعلا- يصرف عنه هذا الخير، ومما يدل على هذا قول الله -تعالى- في شأن المنافقين: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً) ~ [التوبة: ٤٦]، لو أرادوا الخروج مع رسول الله في الجهاد لاستعدوا بما يستعد له في الجهاد في سبيل الله، وهكذا من هو مقبلٌ على موسم آخر من جهاد النفس وصيام رمضان والمبادرة بالطاعة، هناك من يجتهد بالخير، ويعد له ويهيئ نفسه، ويجعل له خطة ينطلق منها، كم سيختم القرآن في هذا الشهر الكريم؟ كم سيكف مسببات الشر وضياع الأوقات؟ وكم سيحث أهله وأولاده؟ وكيف سيجعل أوقاته مهيأة لأجل صيام هذا الشهر الكريم والمنافسة فيه؟ مَنْ خطط والتخطيط أساس النجاح فإن الله يبلغه ما تمنى ويجعله يدرك هذه المنى، لكن المشكلة التي يخشى منها ما كان من خبر الله -جل وعلا- عنها حين قال: (وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ) ~ [التوبة: ٤٦] نعوذ بالله.
أيها الإخوة: إن أعظم عقوبة يعاقب بها الإنسان أن يُثبط عن الخير؛ وذلك لأن الله يكره منه أن يكون في الخير؛ لأنه ليس أهلًا له، يطلع الله -جل وعلا- على خبيئة نفس هذا الإنسان، وأنه لا يريد الخير ولا يحبه، ولا يدعو الله أن يعينه عليه، وإنما هو عاكف على الشر والفساد والمعاصي التي تغطِّي قلبه؛ حتى تجعله محبًّا للسيئات والمحرمات، متباعدًا عن الخيرات.
لا تعجبوا -أيها الإخوة- أن يكون هذا حال بعض الناس، فهذا موجود وللأسف الشديد، ألم يقول الله عن أولئك الذين كرهوا شرعه: (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا) ~ [المائدة: ٥٨]؟ فإن من أهل الإسلام من تشبَّه بهؤلاء، فتجدهم يستهزؤون بالشعائر، وتجدهم لا يعبؤون بحرمة شهر ولا مكان.
أنتم تشاهدون اليوم كيف أنه عبر وسائل الإعلام يعد في شهر رمضان من قبل كثير من أهل الإسلام الذين ينتسبون إليه، يعد من مضيعة الوقت وانتهاك الحرمات ما لا يكتفون فيه بذلك على أنفسهم، بل يجرون الآخرين إلى تضييع أوقات هذا الشهر الفضيل.
فاحذر -يا عبد الله- أن تكون صيدًا سهلًا لهم، فاحذر -يا عبد الله- أن تضيع وقتًا شريفًا لا تدري كم بقي لك من العمر أن تدركه فيما قضى الله -جل وعلا-.
أيها الإخوة المؤمنون: إن المتأمل في البركات والفضائل التي حواها هذا الشهر ليدرك إدراكًا عميقًا بأنه شهر خير كله، إنه شهر كما دلت على ذلك النصوص، تفتَّح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار، وتُصفد فيه الشياطين ومَردة الجن، وتُفتح فيه أبواب الرحمة، وتفتح فيه أبواب السماء.
تأملوا -أيها الإخوة- أمور كونية لا ندركها بالحس والنظر، السماء لها أبواب تفتح هذه الأبواب، ويدرك ذلك الملائكة، وأعظم ما يكون من تفتيح هذه الأبواب ومن التغيير الكوني، هو في ليلة القدر التي يتنزل فيها الملائكة، ويدرك عباد الله الموفَّقون من خيرها ما لا يدركه الكسالى.
ومن فضائله أنه ينادي فيهم منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، وأنَّه في كل ليلة منه لله عُتقاء من النار، فقد ثبت في الحديث الصحيح أنَّ النبي ﷺ قال: "إذا كان أول ليلة من رمضان، صُفدت الشياطين ومَردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة" ~ (رواه البخاري ومسلم) ~ ، وجاء في رواية: "وفتحت أبواب السماء"، وجاء في رواية عند مسلم: "وفُتِّحت أبواب الرحمة"، وجاء في رواية عندهما أيضًا: "وسُلسلت الشياطين" لِمَ كل هذا؟ لأجل أن ينال العباد مغفرة الرحمن.
إنهم الآن مع دخول الشهر الكريم ليسوا مدفوعين بدوافع الشر من الشياطين، فالشياطين مسلسلة ودوافع الشر قليلة، نعم يوجد من بني جلدتهم من الإنس من قاموا مقام الشيطان، لكنهم مع ذلك لن يبلغوا ما يبلغه الشيطان.
وهذا الشهر الكريم شهر جعل الله -جل وعلا- فيه من الخيرات أيضًا هذه الليلة العظيمة التي من حرم خيرها فقد حُرِم؛ ليلة القدر التي من أدركها أدرك سعادة الدنيا والآخرة، وكذلك في هذا الشهر الكريم يكون إجابة الدعوات التي ربما يدعو الإنسان بخير من الدنيا والآخرة، فينال به سعادة لا منتهى لها.
وتأملوا أن الله -جل وعلا- لما ذكر آيات الصيام في كتابه الكريم، قال في أثنائها: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) ~ [البقرة: ١٨٦]، ولذا جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وغيره أن النبي ﷺ قال: "إن لله عتقاء في كل يوم وليلة، لكل عبد منهم دعوة مستجابة".
فتأملوا -رحمكم الله- في هذا الخير العظيم الذي لا يفرِّط فيه إلا محروم، ثم تأملوا أيضًا أن هذا الشهر ميدان للذين يجتهدون بالخيرات، لكن لا مكان فيه للكسالى، ولذا كان نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- يضرب المثل والأسوة الحسنة في المبادرة إلى الخير، ولذا كان عليه الصلاة والسلام يجتهد فيه ما لا يجتهد في غيره، وكان يقوم ليالي هذا الشهر ويبيِّن الخير الذي فيها، كما ثبت في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قال: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر ما تقدم له من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه".
إنها فرصة عظيمة لأجل أن تكون صحائفك مع هذا الشهر الكريم كما ولدتك أمك، ليس فيها إلا الخير، وأما السيئات فقد غفر له ما تقدَّم من ذنبه، فضل عظيم ومنحة كبرى لا يُصرَف عنها إلا محروم.
فحَرِيٌّ بنا -أيها الإخوة الكرام- أن نكون متأملين في هذه البركات والخيرات، وإنه لمن الحرمان العظيم أن تشاهد بعض الناس ينصرف عن هذه الخيرات، فلا يصلي مع المصلين جماعة في المساجد، ولا يقوم معهم صلاة التراويح التي هي قيام الليل، ومن قام صلاة التراويح وأداها، صدق عليه بإذن الله قيام شهر رمضان، وبعضهم ربما يجعل مشاغله في هذا الوقت وقت التهجد والقيام، والنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتِب له قيام ليلة".
بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعدُ: أيها الإخوة المؤمنون: إنَّ الموفَّق من عباد الله مَن يهتبل الفرص ويبادر إليها متى سنحت.
والناس يعدون الإنسان المبادر للفرص الدنيوية يعدونه حاذقًا فهيمًا، ولا شك أن المبادر إلى فرص الآخرة ودخول الجنة أعقل وأحكم.
وربنا -جل وعلا- قد يسر لنا في هذا الدين العظيم من فرص الخير ومواسم الطاعات، ما لم يكن في دين سابق، فهذا الدين طرق الخير فيه متعددة، فما من لحظة إلا ويمكنك أن تعمرها بالطاعات، ومن عباد الله من لا يكتفي بأن تكون لحظات عمره الراهنة هي فقط التي تعمر بالطاعات، بل إنه يريد أن تبقى الحسنات متوالية ما دامت هذه الدنيا، وإنما يكون هذا لمن أبقى من الخيرات ما هو مستمر له حتى بعد مماته، فكم من إنسان هو اليوم مدرج في طبقات الثراء، لكن الخير الذي أبقاه من بعده لا زال مستمرًّا، فهذا من أكثر الناس خيرًا وأعظمهم أجرًا.
ثم إنَّ من نعمة الله -جل شأنه- أن جعل الفرصة لنا جميعًا بسبب ما ينالنا من التفريط والتقصير، أن يجعل الفرصة مواتية للتعويض، وتأملوا قوله جل وعلا: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) ~ [الفرقان: ٦٢]، فهو جل وعلا جعل الليل والنهار في تعاقبهما محلاًّ للتدبر والاتعاظ بأن الذي خلق الكون على هذا المنوال، وجعل تعاقب الليل والنهار بهذا المقدار على نحو دقيق، لا يتبدل ولا يتغير: (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) ~ [يس: ٤٠]، إنه إلهٌ كريم عليم قدير له الحكمة البالغة، ثم إنَّ الله قال: (لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) ~ [الفرقان: ٦٢] يعني أن الله -سبحانه- جعل الليل والنهار محلاًّ لشكره والتقرب إليه بطاعته؛ قال عمر بن الخطاب وابن عباس والحسن البصري: يعني أن يجعل الإنسان في الليل ما فاته من عمل النهار، وفي النهار ما فاته من عمل الليل، يعني فيما يفوته ويمكن إدراكه.
والمعنى أن الإنسان كلما فاته خير فإنه يبادر لتعويضه، وشهر رمضان محطة من المحطات الكبرى التي يجعل الإنسان فيها نوعًا من تخفيف السيئات والموبقات، فالله -جل وعلا- جعل الفرائض والطاعات سببًا للتخلص والتخفف من السيئات، فإن الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر.
فالمؤمن بسبب ما جُبِل عليه من أنه غير معصوم، إذا زلَّت قدمه وأخطأ فإن الفريضة التي تأتي بعد الفريضة التي أداها تُكفر سيئاته، والوضوء تخرج به الخطايا؛ كما في الحديث: "حتى تخرج سيئاته مع أعضائه إذا غسلها مع الماء، أو مع آخر قطر الماء" ثم يأتي رمضان لتكون الفرصة فيه لتكفير السيئات أعظم وأكبر، وهكذا الحج، وغير ذلك من أنواع الطاعات.
فهذا الدين العظيم وهذه الشرائع الكبرى مِنَحٌ من الله العظيم من لم يبادر إليها فإنه محروم، فما أعظم الحرمان للإنسان أن تأتيه هذه الفرص ثم يفرط فيها.
ومن أعظم الحرمان وأعظم الغبن أن الإنسان يسلم وقته الثمين لمن لا خلاق لهم ممن لا يرعون إلاًّ ولا ذمة، ولا يُعظمون شعائر الله، وأعني بذلك ما يكون من الأفلام وغيرها مما يعرض عبر وسائل الإعلام.
وهكذا أيضًا ما وجد في أيدي الناس من متابعة شاشات الجوال التي يضيع معها كثير من الأوقات، من خلال هذه البرامج ووسائل التواصل المتنوعة، فتجد أن الإنسان لو قام بحسبة يسيرة، كم يمضي على شاشة جواله في أمور غير ضرورية، لوجد أنه يمضي وقتًا طويلًا لا يقل عن ساعات، نعم لا يقل عن ساعات!
وإنه لمن الحرمان العظيم والغبن الكبير أن يكون الإنسان مرددًا طرفه وناظريه في شاشة جواله في هذه الوسائل والبرامج أكثر من نظره في كتاب الله، ولو حسب الأوقات التي يتبادل فيها التواصل مع آخرين في أمور غير ضرورية، لوجد أنه لو سخرها للتقرب إلى الله بالإقبال على كتابه، لختم القرآن، لا أقول في العام، بل في كل شهر مرة على أقل تقدير.
فالوقت عمرك -يا عبد الله-، الوقت هو المغنم، وهو الربح العظيم فلا تُفرط فيه، ولا تُعطه لمن لا يستحق.
وهذه المواسم فرصة للمراجعة والقرب من الرحمن.
فنسأل الله -جل وعلا- أن يبلغنا شهر رمضان، وأن يعيننا فيه على كل خير، وأن يعيذنا فيه من كل شر.
ثم إنه -أيها الإخوة المؤمنون- وإذ يدركنا هذا الشهر العظيم ونحن في هذه البلاد -المملكة العربية السعودية- ننعم بخير كثير من أعظمه وأجله -وهو عظيم جدًّا- الأمن والطمأنينة، واجتماع الناس على إمام واحد، وائتلاف قلوبهم، وتعاونهم على البر والتقوى، هذه نعمة عظمى يجب شكرها لله -جل وعلا-، وخاصة إذا قارن الإنسان ما حلَّ بكثير من إخوتنا المسلمين في أرجاء شتى، ولا شك أن من الواجب واجب الأخوة الإيمانية والولاء للمسلمين أن نستشعر ما حل بإخواننا، وكلٌّ عليه مسؤولية بحسب مكانه ومنصبه، فعلى القادة والعلماء ما ليس على العامة، وكل مسلم واجب عليه أن يكون متألِّمًا مستشعرًا أحوال إخوانه، وواجب عليه أيضًا أن يدعو لهم في ظهر الغيب، فإنهم قد أريقت دماؤهم، واستُحلَّت محارمهم، وحل بهم من البطش ومكر الأعداء ما لا يخفى مما تنقله وسائل الإعلام، وقد كان نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم- يفزع إلى ربه بالدعاء في هذه الشدائد العظيمة، كما كان من دعائه عليه الصلاة والسلام على الذين قتلوا القراء، فبات يقنت شهرًا عقيب صلاة الفجر، يدعو للنجاة للمسلمين والهلاك للظالمين.
وكان عليه الصلاة والسلام يعظم الدعاء والرغبة بين يدي الله عند حلول مثل هذه الأحوال، فحقيق بنا أن نقتدي بنبينا -عليه الصلاة والسلام- بالدعاء لإخوتنا، وخاصة في فلسطين وفي الشام، وفي العراق في الفلوجة وفي ليبيا، وغيرها من البلاد، فقد نزل بهم من استحلال محارمهم ما لا يخفى.
نسأل الله أن يحقن دماءهم، وأن يصلح أحوالهم، وأن يكف شر الأعداء عنا وعنهم، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم يسِّر لهم أمورهم، ونفِّس عنهم كُروبهم.
اللهم اجعل مع بلوغ هذا الشهر الكريم وحلوله حلول الخيرات وحقن الدماء، واجتماع الكلمة، واندحار الأعداء يا قوي يا عزيز.
اللهم أدِم علينا في بلادنا الأمن والطمأنينة، اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبه وترضاه، اللهم اجعلهم رحمة على رعاياهم، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأبعد عنهم بطانة السوء يا رب العالمين.
اللهم احفظ رجال الأمن في ثغور البلاد في داخلها وعلى حدودها، اللهم احفظهم بحفظك، وسدد آراءهم ورَميهم يا رب العالمين.
اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم، واكفهم شرارهم، اللهم مَن أراد بالإسلام والمسلمين سوءًا، فاشغله في نفسه، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربَّونا صغارًا.
اللهم أصلح لنا نياتنا وذرياتنا، وأحِسن عواقبنا في الأمور كلها يا رب العالمين.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ~ [النحل: ٩٠] فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
خطبة للشيخ: خالد بن عبدالرحمن الشايع
عبر: ملتقى الخطباء

خطب عن شهر رمضان جاهزة

...المزيد

إنها مفاصلة مع الكفر، وبراءة من الشرك؛ إنها سورة الكافرون، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "(قل ...

إنها مفاصلة مع الكفر، وبراءة من الشرك؛ إنها سورة الكافرون، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "(قل يا أيها الكافرون) ~ [الكافرون:١]؛ تعدل ربع القرآن"(رواه الترمذي، وصححه الألباني).

قال العلماء: "(قل يا أيها الكافرون) تعدل ربع القرآن؛ لأن القرآن يشتمل على أحكام الشهادتين، وأحوال النشأتين؛ فهي ربع القرآن؛ لتضمنها البراءة من الشرك".

وسبب نزول هذه السورة: أن الكفار سألوا رسول الله ﷺ أن يعبد آلهتهم سنة، ويعبدوا إلهه سنة؛ فأنزل الله هذه السورة.

وافتتح الله هذه السورة بـ(قل) ؛ للاهتمام بما بعد القول، وأنه كلام يراد إبلاغه إلى الناس بوجه خاص.

(قل يا أيها الكافرون): أي قل للكافرين معلنا ومصرحا بالبراءة من دينهم بالكلية. قال ابن عثيمين: "وهذا يشمل كل كافر: سواء كان من المشركين، أو من اليهود، أو من النصارى، أو من الشيوعيين، أو من غيرهم، كل كافر يجب أن تتبرأ منه، ومن عبادته".

ثم أكد الله المفاصلة بين الكفر والإسلام، في الحاضر والمستقبل؛ ففي قوله: (لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد) ~ [٢-٣]: وهذا نفي في الحال الحاضر. وفي قوله: (ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد) ~ [٤-٥]: وهذا نفي في المستقبل.

قال ابن عاشور: "وبهذا يعلم الغرض الذي اشتملت عليه، وأنه تأييسهم من أن يوافقهم في شيء مما هم عليه من الكفر، بالقول الفصل المؤكد في الحال والاستقبال، وأن دين الإسلام لا يخالط شيئا من دين الشرك".

ثم ميز الله بين الفريقين، وفصل بين الطائفتين؛ فقال: (لكم دينكم) ~ [٦] وهو الشرك والكفر (ولي دين) وهو التوحيد والإيمان الإسلام، قال ابن القيم: "ومعاذ الله أن تكون الآية اقتضت إقرارا على دينهم أبدا، إنما الآية اقتضت براءته المحضة، وأن ما أنتم عليه من الدين لا نوافقكم عليه أبدا؛ فإنه دين باطل، فهو مختص بكم، لا نشارككم فيه، وهذا غاية البراءة، والتنصل من موافقتهم في دينهم". قال تعالى: (وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون) ~ [يونس:٤١].

ودلت سورة الكافرون: على أن الكفر ملة واحدة، وأن الأديان كلها -ما عدا الإسلام- كالشيء الواحد في البطلان. فالدين الحق: هو دين الإسلام؛ ولو كره الكافرون؛ كما قال تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) ~ [آل عمران:١٩].

وقد نزلت سورة الكافرون، بكل أساليب النفي والجزم والتوكيد؛ لتنهي كل مساومة رخيصة، في أمر الدين والعقيدة، وبغير هذه المفاصلة، سيبقى الغبش والتلبيس، والمداهنة والتدليس! (فلا تطع المكذبين * ودوا لو تدهن فيدهنون) ~ [القلم:٨-٩].

وقد تتنوع أساليب الدعوة: بحسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة، ولكن يبقى جوهر الإسلام النقي، والتوحيد الخالص، بلا ترقيع أو تمييع! (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) ~ [آل عمران:٨٥].

وكان النبي ﷺ يقرأ سورة الكافرون، مع سورة الإخلاص: في سنة الفجر، وسنة المغرب، وفي سنة الطواف؛ لما تضمنته من الإخلاص لله، واشتمالها على التوحيد الذي لا نجاة للعبد إلا به؛ فكان ﷺ يفتتح بهما النهار في سنة الفجر، ويختتم بهما النهار في سنة المغرب، وكان يوتر بهما؛ فيكونان خاتمة عمل الليل والنهار، وقد أتى رجل إلى النبي ﷺ فقال: "يا رسول الله، علمني شيئا أقوله إذا أويت إلى فراشي؟"، فقال ﷺ: "اقرأ: (قل يا أيها الكافرون) ~ ؛ فإنها براءة من الشرك" (رواه الترمذي وصححه الألباني).
هل فوائد قراءة سورة الواقعة للرزق حقيقية أم محض أحاديث مكذوبة؟
...المزيد

خطبة الجمعة بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك - أو كيفية استقبال الشهر الفضيل أو الاستعداد لشهر ...

خطبة الجمعة بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك - أو كيفية استقبال الشهر الفضيل أو الاستعداد لشهر الصوم.. كلها عناوين مشوّقة لما نحن بانتظاره جميعًا من الأئمة والخطباء في أول جمعة من شهر رمضان المبارك..
اقترب شهر مضان المبارك وها هو يطرق الأبواب، أيام قليلة ويحل ضيفاً على أمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، فيا لها من فرصة عظيمة لمن جد في اغتنامه، فهل نحن جادون في استثمار هذا الشهر وهذه الأيام المباركة ؟ وهل أعددنا أنفسنا لصيام رمضان وقيامه وقراءة القرآن والصدقة والبر وكل عمل صالح فيه ؟
إنّ بلوغ شهر رمضان نعمةٌ عظيمة يفرح بها المؤمنون وحق لهم ذلك، فقد قال الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُون}.[2] عباد الله إنّ الخلق يفرحون بنعم الدنيا، فكيف لو كانت النعمة تجمع خير الدنيا والآخرة، ففي هذا الشهر يعطي الله البركات لعباده في الحياة، ويتضاعف فيه الأجور بغير حساب، ولا بدّ لكم أن تستعدوا لهذا الشهر المبارك
واسمعوا ماقاله النبى عليه الصلاة والسلام عن رمضان
رُوِيَ عَنْ سَلْمانَ الفارِسِيِّ أَنَّهُ قالَ خَطَبَنا رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عليه وسلم ءاخِرَ يَوْمٍ مِن شَعْبانَ فَقالَ يَا أَيُّها النّاسُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ مُبارَكٌ شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر، شَهْرٌ جَعَلَ اللهُ صِيامَهُ فَرِيضَةً وقِيامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعًا وهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ، والصَّبْرُ ثَوابُهُ الجَنَّةُ، شَهْرُ الْمُواساةِ مَنْ فَطَّرَ فِيهِ صائِمًا كانَ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِ وعِتْقَ رَقَبَتِهِ مِنَ النارِ وكانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَىْءٌ قَالُوا يا رَسُولَ اللهِ لَيْسَ كُلُّنا يَجِدُ ما يُفَطِّرُ الصائِمَ فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسلامُ يُعْطِي اللهُ هَذا الثَّوابَ مَنْ فَطَّرَ صائِمًا عَلى تَمْرَةٍ أَوْ عَلَى شَرْبَةِ ماءٍ أَوْ مَذْقَةِ لَبَنٍ ومَنْ سَقَى صائِمًا سَقاهُ اللهُ مِنْ حَوْضِي شَرْبَةً لا يَظْمَأُ بَعْدَها حَتَّى يَدْخُلَ الجَنَّةَ وهُوَ شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ وأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ وءاخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النّار.
ولأهمية هذا الشهر وعظيم الأجر فيه فقد كان المسلمون الأوائل "يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم"، وقال يحي بن أبى كثير: "كان من دعائهم؛ اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان ، وتسلمه منى متقبلاً ) , فإذا أهل هلال رمضان دعوا الله كما علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام ، والتوفيق لما تحب وترضى ، ربي وربك الله )
لقد كانوا يفرحون بقدوم رمضان ، ويحمدون الله على إدراكه، كيف لا
وهوالشهر الذى يعدالركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة
وهو الشهر الذى أنزل فيه القرآن وذكر فيه ، كما قال تعالى : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ )
وهو الشهر الذى جعل الله فيه ليلة القدر , التي هي خير من ألف شهر
وهو الشهر الذى يفتح الله فيه أبواب الجنان ، ويُغلق فيه أبواب النيران ، ويسلسل فيه الشياطين
وهوالشهر الذى لله في كل ليلة منه عتقاء من النار .
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم
إنَّ للَّهِ عندَ كلِّ فِطرٍ عتقاءَ وذلِك في كلِّ ليلةٍ
وهو الشهر الذى من صامه وقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه .
وهو الشهر الذى-العمرة فيه تعدل حجة
واعلموا عباد الله أنَّ إكثار الجلوس في المساجد نهار الصيام وليله مِن أعظم مُسبِّبات حفظ الصيام عن الآثام، وزيادة الأجور عليه، والاشتغال بالطاعات، والإكثار منها، فقد صحَّ عن أبي المُتوكِّلِ ــ رحمه الله ــ أنَّه قال: (( كان أَبِو هُرَيْرَةَ ــ رضي الله عنه ــ وَأَصْحَابُهُ إِذَا صَامُوا قَعَدُوا فِي الْمَسْجِدِ وَقَالُوا: نُطَهِّرُ صِيَامَنَا )).
وهاهو اقترب رمضان ياعباد الله وإنه لفرصة لمن أراد النجاح في الدنيا والآخرة وغنيمة لمن أراد جمع الحسنات ليوم تكون فيه الحسرات على ضياع الأعمار والأوقات والسنوات الأوقات ، فيا سعادة من أحسن استغلال هذا الشهر ويا تعاسة من أساء استغلاله و لم يخرج منه فائزا منتصرا ظافرا بمغفرة الله ..
فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ: ( عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عدلَ لَهُ )، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ، قَالَ: ( عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ )
وهناك ياعباد الله من يستقبل هذا الشهر العظيم استقبال المستهترين ؛ فينتهك حرمة هذا الشهر العظيم، فيفطر في أيامه العظيمة، فبعض المسلمين اليوم يفطرون في نهار رمضان عامدين متعمدين، معاندين مصرين، لا يرعون لرمضان عظمة، ولا للمسلمين حرمة، ولا لأنفسهم آخرة ، فالإفطار في رمضان كبيرة من الكبائر العظيمة التى يجب على المسلم التوبة منا قبل فوات الاوان
فالعبد : يتحمّل الجوع، ويتحمل العطش، ويتحمل مر الصبر على الشهوات، كل ذلك يتحمله ويصبر عليه لأجل الله، لأجل الأجر العظيم، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين .
إن هؤلاء المفطرين في رمضان لا يرى الواحد منهم شهر رمضان إلا بمنظور ضيق، لا يراه إلا شهرًا سيحرمه من الأكل، سيمنعه من الشرب، سيوقفه عن التدخين، إنه منظور تعيس وشقي، إنه منظور أهل الدنيا، الذين يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا ولكنهم عن الآخرة غافلون.
صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: آمين, آمين, آمين. قال صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل عليه السلام فقال لى: يا محمد, من أدرك أحد والديه فمات فدخل النار, فأبعده الله. قل: آمين. فقلت: آمين. قال: يا محمد, من أدرك شهر رمضان, فمات, فلم يغفر له, فأدخل النار, فأبعده الله. قل: آمين. فقلت: آمين. قال: ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك, فمات فدخل النار, فأبعده الله. قل: آمين. فقلت: آمين))
عباد الله استغفروا الله يغفر لكم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمد عبده ورسوله اما بعد عباد الله.
فلقد كان الصالحين ــ رحمهم الله ــ يُقبِلون على القرآن في شهر رمضان إقبالًا كبيرًا، ويهتمُّون بِه اهتمامًا عظيمًا، ويتزوَّدون مِن تلاوته كثيرًا، فكان الإمام الشافعي ــ رحمه الله ــ يَختم في اليوم والليلة مِن رمضان ختمتين، وكان الإمام البخاري ــ رحمه الله ــ يقرأ في كل يوم وليلة مِن رمضان ختمة واحدة، وبعض الصالحين كان يَختم كلَّ ثلاثة أيَّام، وبعضهم كان يَختم كل خمسة أيَّام، ومِنهم مَن كان يَختم كل جمعة، وكيف لا يكون هذا هو حالهم مع القرآن، ورمضانُ شهر نُزول القرآن، وشهرُ مدارسة جبريل ــ عليه السلام ــ للنبي صلى الله عليه وسلم القرآن، وزمَنُه أفضل الأزمان، والحسنات فيه مُضاعفة،
فَيَا لِسعادة مَن أمسَك بزِمام نفسه في هذا الشهر العظيم المبارك، وشمَّر عن ساعد الجِّد، فسلك بها سَبيل الجنَّة، وجنَّبها سُبل النَّاروالشقاءَ فيها، ويا خسارة مَن سَلك بها طريق المعصية والهَوان، وأورَدَها موارِد الهلاك، وأغضب ربَّه الرحمن، وقد يُسِّرت له الأسباب، فسُلسِلتِ الشياطينُ وصُفِّدت.
فئن كنت تُريد مغفرة الخطايا، فعليك بصوم رمضان، إذ صحَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )).
وإنْ كنت تُريد مضاعفة الحسنات، فعليك بالصوم، فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي )).
وإنْ كنت تُريد أنْ تكون مِن أهل الجنَّة السُّعداء فلا تَغفل عن صوم رمضان، فقد ثبت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب الناس في حجَّة الوداع فقال: (( صَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ )).
وإنْ كانت نفسك تَتُوق للمنازل العالية الرَّفيعة، فعليك بصيام رمضان، فقد ثبت أنَّ رجلًا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: (( يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْتَ إِنْ شَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَصَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأَدَّيْتُ الزَّكَاةَ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ وَقُمْتُهُ، فَمِمَّنْ أَنَا؟، قَالَ: مِنَ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ )).
ومن ترك الصيام ياعباد الله ترك شفاعة الصوم له وبعد عن حب الله له
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصيامُ والقُرآنُ يَشفَعانِ للعَبدِ؛ يقولُ الصيامُ: ربِّ، إنِّي منَعْتُه الطعامَ والشَّهَواتِ بالنَّهارِ فشَفِّعْني فيه، ويقولُ القُرآنُ: منَعْتُه النومَ باللَّيلِ فيُشَفَّعانِ).[٣] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وأنا أجْزِي به، ولَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ).[٤].
عباد الله مامن يوم جمعة إلا وفيه ساعة استجابة فادعوا الله لعلها تكون هذه الساعة
اللهم يا إله العالمين ياحى ياقيوم يارحمن يا رحيم يا ذا الجلال والإكرام
اللهم إنِّا أسألُكَ منَ الخيرِ كلِّهِ عاجلِهِ وآجلِهِ ما علمنا منهُ وما لم نعلمْ، ونعوذُ بكَ منَ الشَّرِّ كلِّهِ عاجلِهِ وآجلِهِ ما علمنا منهُ وما لم نعلمْ، اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ من خيرِ ما سألكَ عبدُكَ ونبيُّكَ، ونعوذُ بكَ من شرِّ ما عاذَ منه عبدُكَ ونبيُّكَ، اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من قولٍ وعملٍ ،ونعوذُ بكَ منَ النَّارِ وما قرَّبَ إليها من قولٍ أو عملٍ، ونسألُكَ أن تجعلَ كلَّ قضاءٍ قضيتَهُ لنا خيرًا.
اللهم اجعلنا ممن يورثون الجنان ويبشرون بروح وريحان ورب غير غضبان.. اللهم اجعل قلوبنا تخشع من تقواك واجعل عيوننا تدمع من خشياك واجعلنا يا رب من أهل التقوى وأهل المغفرة.
اللهم هب لنا نفوسًا راضية وصدورًا من الهموم خالية وقلوبًا بحبك صافية وأتم علينا العافية..
اللهم من كانت له حاجة بيننا فاقضها يارب العالمين
ربى لاتذرنى فردا وأنت خير الوارثين
اللهم بلغنا رمضان وبارك لنا فيه وارزقنا التوبة النصوحة وأعنا فيه على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم آتنا فى الدنيا حسنه وفى الاخرة حسنه وقنا عذاب النار. اللهم آمين
هنا أيضًا: خطبة عن استقبال شهر رمضان المبارك
...المزيد

اعلموا يا عباد الله أن ما أصابنا من محنة وبلاء ووباء وإن كان في ظاهره شر ففيه الخير مما علمناه ومما ...

اعلموا يا عباد الله أن ما أصابنا من محنة وبلاء ووباء وإن كان في ظاهره شر ففيه الخير مما علمناه ومما لا نعلمه؛ كما قال ﷻ: (لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم) ~ [النور:١١].

فكم علمنا هذا الوباء وغيره من الأمراض: أن العافية لا تقدر بثمن، وأن الشكر عليها يكون بالقلب؛ خضوعا واستكانة، وباللسان؛ ثناء واعترافا، وبالجوارح؛ طاعة وانقيادا.

وعلمنا هذا الوباء أن من مقاصد الشريعة التي جاء الإسلام بها: حفظ الضروريات الخمس: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال؛ وقد قيض لنا في بلادنا بفضل من الله ﷻ ثم قيادتنا المباركة من يقوم بحفظها، ويسعى لتحقيقها لكل فرد في هذه البلاد.

علمنا هذا الوباء أن من أعظم الحرمان: البعد عن أحب الأماكن إلى الله وهي المساجد، وكذلك تباعدنا عن إخواننا في الصلاة؛ ولكن للضرورة أحكام.

علمنا هذا الوباء أن كثيرا من القيم الإسلامية نستطيع التمسك بها ولو كنا معزولين عن العالم الخارجي، وأن الكماليات التي نتكلف بها لا حاجة لها ويمكن العيش بدونها، مما يكون فيه إسراف وتبذير.

والآن وبفضل من الله كشفت الغمة عن الأمة، واجتمعت القلوب قبل الأجساد في بيوت رب العباد، وتراصت الصفوف للصلاة بعد التباعد، وسمعنا من أئمة المساجد لكل عبد ساجد: الوصية بالتراص وإقامة الصفوف، فلله الفضل والمنة.

لا تنسى -أخي المسلم- ‌دعاء رفع الوباء والبلاء في صلاتك لك ولبلدك والمسلمين عامَّة. هذا، وصلوا على نبيكم كما أمركم بذلك ربكم، فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) ~ [الأحزاب:٥٦]، وقال ‏ﷺ: "من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا" ~ (رواه مسلم).
...المزيد

بالحلال الطيب، تصلح النفوس والديار؛ لأن من الثابت المتقرر أن سلوك الإنسان وأخلاقه يتأثران بما يدخل ...

بالحلال الطيب، تصلح النفوس والديار؛ لأن من الثابت المتقرر أن سلوك الإنسان وأخلاقه يتأثران بما يدخل في جوفه، وبما يخالط بدنه تأثرا كبيرا ظاهرا؛ تأملوا ما يقوله بعض أهل العلم؛ يقول: "من المشاهد أن الصالحين وأهل التقى والورع يكثرون حين يكثر أكل الحلال وتحريه والبعد عن الشبهات، فكل ناحية كثر الحل في قوت أهلها كثر الصالحون فيها، وعكسه بعكسه، يدل على ذلك قول الله ﷻ: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا) ~ [المؤمنون: ٥١]، قال أهل العلم: "إن تقديم الأكل من الطيبات على العمل الصالح تنبيه إلى أن أكل هذه الطيبات هو الذي يثمر العمل الصالح؛ لأن الغذاء الطيب يصلح عليه القلب والبدن؛ فتصلح الأعمال، كما أن الغذاء الخبيث يفسد به القلب والبدن، فتفسد الأعمال.

معاشر الإخوة: طيب المطعم، والمشرب، والملبس، والزينة، والدواء له أثر عظيم في تزكية النفس، وصفاء القلب، وقوة البصيرة، بل إن قبول العبادة، وإجابة الدعاء مرتبط بأكل الحلال الطيب، يقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "إن ‌الرسل ‌وأممهم ‌مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال، وبالعمل الصالح، فما دام الأكل حلالا، فالعمل الصالح مقبول، فإذا كان الأكل غير حلال، فكيف يكون العمل مقبولا؟" انتهى كلامه -رحمه الله-.

أيها المسلمون: وليس أعظم دلالة وأوضح بيانا من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، والذي أخرجه مسلم في صحيحه، عن النبي ﷺ أنه قال: "أيها الناس: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال عز شأنه: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم) ~ [المؤمنون: ٥١]، وقال جل وعلا: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) ~ [البقرة: ١٧٢]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك"، بل إن من أبرز خصائص الرسالة المحمدية ما جاء في قول الحق -سبحانه وتعالى-: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) ~ [الأعراف: ١٥٧].

أيها الإخوة: ومن عجائب عناية هذه الشريعة المطهرة ودقائق تحريها الحلال في غذاء المسلم وطعامه وما يدخل إلى جوفه أن ما أحل له من الحيوان فصلت هذه الشريعة في كيفية ذبحه، وطريقة تذكيته، فاشترطت لذلك شروطا، وسنت سننا وآدابا؛ من: أهلية الذابح، وكيفية الذبح، من إنهار الدم، وقطع الحلق، والمريء، والودجين بآلة حادة، والإحسان في الذبح، والإحسان إلى الذبيحة، وحرمت الميتة بكل أنواعها؛ من: المنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع، وما ذبح على النصب، وما أهل به لغير الله إلا ما كان من حال الاضطرار غير باغ ولا عاد، وغير ذلك من الأحكام الدقيقة، والآداب الرفيعة من أجل أن يخلص للمسلم ما يدخل إلى جوفه.

معاشر المسلمين: وفي هذا العصر وما فيه من تقدم محمود، ومنافع سخرها الله ويسرها، وقد دخل ذلك التقدم في صناعة الغذاء، والدواء، ومستحضرات التجميل وغيرها، وما أحدثته التقنية العظيمة من تطور هائل؛ مما أحدث تغييرات كبيرة، وأنتج كثيرا من المواد، والمشتقات، والمعالجات الكيميائية في مكونات الأغذية، والأودية، وأدوات التجميل وغيرها؛ مما يستدعي مزيدا من التحري في تحصيل الحلال الطيب.

معاشر المسلمين: اللقمة الحلال تدفع النقم، وتصرف البلاء عن الأنفس، والأموال، والأولاد، والأعمال، والديار قيل للإمام أحمد: "ما علاج مرض القلب؟ قال: كسب الحلال"، وقال بعض الصالحين: "تلين القلوب بأكل الحلال"، ويقول إبراهيم بن أدهم: "ما أدرك من أدرك إلا من كان يعقل ما يدخل في جوفه"، ومما قيل في ذلك: "‌لا ‌يغرنك ‌من ‌المرء ‌قميص ‌رقعه، أو إزار فوق ظهر الكعب عنه رفعه، أو جبين لاح فيه أثر قد قلعه، ولكن لدى الدرهم والدينار انظر إقدامه وورعه".

ومما يروى عن بعض نساء السلف أنه أتاها نعي زوجها؛ أي: خبر وفاته وهي تعجن العجين، فرفعت يدها وقالت: "هذا طعام قد صار لنا فيه شركاء"؛ تعني الورثة، يقول سهل بن عبد الله: "من نظر في مطعمه دخل عليه الزهد من غير دعوى"، ويقول ربيعة بن عبد أبي عبد الرحمن -رحمه الله-: "رأس الزهد جمع الشيء من حله، ووضعه في محله".

وتأملوا ما يقوله أبو عبد الله الباجي الزاهد: "خمس خصال بها تمام العمل: الإيمان بالله، ومعرفة الحق، وإخلاص العمل، والعمل على السنة، وأكل الحلال، فإن فقدت واحدة لم يرتفع العمل؛ وذلك أن العبد إذا آمن بالله، ولم يعرف الحق لم ينتفع، وإذا عرف الحق، ولم يؤمن بالله لم ينتفع، وإذا آمن بالله وعرف الحق، ولم يخلص العمل لم ينتفع، وإن تمت الأربع ولم يكن الأكل حلالا لم ينتفع".

يا عبد الله: الفقير من طمع، والغني من قنع، يأكل الحلال من لم يظلم الناس في معاشهم، ولم يبخس العاملين حقوقهم، ولم يستغل الضعفاء في أقواتهم، يأكل الحلال من يعلم أبناء المسلمين بصدق وإخلاص وحسن تعليم.

واعلم -يا عبد الله- أن الحرص قرينه التعب، والطمع قرينه الذل، وقد قيل: "أذل الحرص أعناق الرجال"، ويقول إبراهيم بن أدهم: "قلة الحرص والطمع تورث الصدق والورع، وكثرة الحرص والطمع تورث الهم والجزع".

أما عجبت -يا عبد الله- ممن يحتمي من الحلال مخافة المرض، ولا يحتمي من الحرام مخافة النار، ما أوقع في ذلك إلا الغفلة وقسوة القلب، وضعف البصيرة، وفي صحيح البخاري، عن جندب -رضي الله عنه-: "إن ‌أول ‌ما ‌ينتن من الإنسان بطنه، فمن استطاع ألا يأكل إلا طيبا فليفعل".

وبعد عباد الله: استغنوا بالحلال عن الحرام، وتوبوا من المظالم والآثام، واجعلوا أموالكم سترا لكم من النار، واصرفوها في مرضاة الله، وأكثروا من الصدقات تبلغوا رفيع الدرجات، تحروا الحلال، ابتعدوا عن المشتبه، احفظوا حقوق العباد، أنجزوا أعمالكم، وأدوا أماناتكم، أوفوا بالعقود وبالعهود، اجتنبوا الغش والتدليس والمماطلة، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، اللهم اجعل رزقنا رغدا، ولا تشمت بنا أحدا، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون) ~ [المائدة: ٨٧-٨٨].
وختاما لا تنسوا ‌الصلاة على النبي ﷺ
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً