لماذا تستسلم يا أخي؟ ولماذا تستسلمين يا أختي؟ بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول ...

لماذا تستسلم يا أخي؟ ولماذا تستسلمين يا أختي؟



بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعد: فهذا مقال مهم! اقرأه بقلبك عندما تخلو بنفسك، فقد يتغير بعده مجرى حياتك، فالمقال يستحق القراءة مرات ومرات.





وبعد: فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ، قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ). [أخرجه الترمذي (1987)، وحسنه الألباني].



ما أعظم هذه الوصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أحسنها، وما أجمع كلماتها لخيري الدنيا والآخرة، فصل اللهم وبارك على من أوتي جوامع الكلم وسلم تسليما كثيرًا.



إخوتي الكرام:

سنقف في هذا المقال إن شاء الله تعالى مع قوله صلى الله عليه وسلم: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها)، فلكل من أهلكته الذنوب، لكل من قال له الشيطان: يا منافق، لن تقبل توبتك، فأنت كثير الذنوب، لكل من أنهكته المعاصي، وأثقلت ظهره، وعكرت صفو حياته، إليكم إخوتي هذه الوصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتبع السيئة الحسنة تمحها).



إخوتي الكرام:

لماذا الاستسلام للذنوب والمعاصي وقد جعل الله تعالى لنا منها مخرجا بقوله سبحانه: ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [سورة هود: 114].



فقط، تذكروا هذه الوصية النبوية الجامعة، واجعلوها نصب أعينكم (أتبع السيئة الحسنة)، كلما عملت سيئة أتبعها حسنة، بدد ظلام المعصية بأنوار الطاعة حتى يكون الشيطان هو المدحور، وأنت المنصور الفائز برضوان الله التواب الغفور.



لماذا تستسلم يا أخي؟ ولماذا تستسلمين يا أختي؟ (والصَّدَقةُ تُطفي الخطيئةَ كما يُطفئُ الماءُ النَّارَ) [أخرجه الترمذي (2616) من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، وصححه الألباني]، والله عز وجل يقول: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [سورة البقرة: 271]، ويقول سبحانه: ﴿ إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [سورة التغابن: 17]، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صَدَقةُ السِّرِّ تُطفِئُ غضبَ الرَّبِّ) [أخرجه ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك (386)، والقضاعي في مسند الشهاب (100)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3766)].



معاشر الكرام:

إن من أعظم ما يكفر الذنوب والخطايا العفو عن الناس والصفح عنهم، كما قال الله عز وجل: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [سورة النور: 22]، ومن يتجاوز عن الناس، يتجاوز الله تعالى عنه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كانَ تاجِرٌ يُدايِنُ النَّاسَ، فإذا رَأَى مُعْسِرًا قالَ لِفِتْيانِهِ: تَجاوَزُوا عنْه، لَعَلَّ اللَّهَ أنْ يَتَجاوَزَ عَنَّا، فَتَجاوَزَ اللَّهُ عنْه) [أخرجه البخاري (2078) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، والخطوات للمسجد (إحْدَاهُما تَحُطُّ خَطِيئَةً، وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً) [أخرجه مسلم (666) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]، والملائكة تستغفر للمصلي ما دام في مصلاه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ، فَلَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي الصَّلَاةِ مَا كَانَتِ الصَّلَاةُ هِيَ تَحْبِسُهُ، وَالْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ). [أخرجه مسلم (649)].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، والله عز وجل يقول: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [سورة هود: 114].



قالَ الحسن البصري رحمه الله تعالى: "اسْتَعِينُوا عَلى السَّيِّئاتِ القَدِيماتِ بِالحَسَناتِ الحَدِيثاتِ، وإنَّكُمْ لَنْ تَجِدُوا شَيْئًا أذْهَبَ بِسَيِّئَةٍ قَدِيمَةٍ مِن حَسَنَةٍ حَدِيثَةٍ، وأنا أجِدُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ فِي كِتابِ اللَّهِ: ﴿ إنَّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ﴾ [هود: 114]". [تفسير ابن أبي حاتم بتحقيق أسعد الطيب (6 /2092)].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه يقول: (يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم) [أخرجه مسلم في صحيحه (2577) من حديث أبي ذر رضي الله عنه].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (التائبُ من الذنبِ كمن لا ذنبَ لهُ) [أخرجه ابن ماجة (4250) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وحسنه الألباني]، ويقول صلى الله عليه وسلم: (أما عَلِمْتَ أنَّ الإسْلامَ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ؟ وأنَّ الهِجْرَةَ تَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَها؟ وأنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ ما كانَ قَبْلَهُ؟) [أخرجه مسلم (121) من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنَّ عَبْدًا أصابَ ذَنْبًا (ورُبَّما قالَ أذْنَبَ ذَنْبًا) فقالَ: رَبِّ أذْنَبْتُ (ورُبَّما قالَ: أصَبْتُ) فاغْفِرْ لِي، فقالَ رَبُّهُ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ ما شاءَ اللَّهُ ثُمَّ أصابَ ذَنْبًا، (أوْ أذْنَبَ ذَنْبًا)، فقالَ: رَبِّ أذْنَبْتُ (أوْ أصَبْتُ) آخَرَ، فاغْفِرْهُ؟ فقالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ ما شاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أذْنَبَ ذَنْبًا، (ورُبَّما قالَ: أصابَ ذَنْبًا)، قالَ: قالَ: رَبِّ أصَبْتُ (أوْ قالَ أذْنَبْتُ) آخَرَ، فاغْفِرْهُ لِي، فقالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويَأْخُذُ بهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاثًا، فَلْيَعْمَلْ ما شاءَ. [أخرجه البخاري (7507) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، والله عز وجل يذكر في كتابه الكريم قول نوح عليه السلام لقومه: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [سورة نوح: 10-12].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ) [أخرجه مسلم (386) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: (إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ (أَوْ الْمُؤْمِنُ) فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إلىهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ (أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ) فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ (أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ) فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ (أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ) حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ) [أخرجه مسلم (244) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المؤذِّنُ يُغفرُ له مدى صوتِه ويشهدُ له كلُّ رطبٍ ويابسٍ، وشاهدُ الصلاةِ يُكتبُ له خمسٌ وعشرون صلاةً، ويكفِّرُ عنه ما بينهما) [أخرجه أبو داود (515) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهَرًا ببابِ أحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فيه كُلَّ يَومٍ خَمْسًا، ما تَقُولُ ذلكَ يُبْقِي مِن دَرَنِهِ؟ قالوا: لا يُبْقِي مِن دَرَنِهِ شيئًا، قالَ: فَذلكَ مِثْلُ الصَّلَواتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ به الخَطايا) [أخرجه البخاري: (528) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنَّ العَبْدَ إذا قامَ يُصَلِّي، أُتِيَ بِذُنُوبِهِ فَجُعِلَتْ عَلى رَأْسِهِ وعاتِقَيْهِ، كُلَّما رَكَعَ وسَجَدَ تساقَطَتْ عَنْهُ) [أخرجه الطبراني (14108) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1671)].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ اغْتَسَلَ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ). [أخرجه مسلم (857) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا قالَ الإمامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ، فَقُولوا: اللَّهُمَّ رَبَّنا لكَ الحَمْدُ فإنَّه مَن وافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلائِكَةِ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) [أخرجه البخاري (3228) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إِذَا أمَّنَ الإمَامُ، فأمِّنُوا، فإنَّه مَن وافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ المَلَائِكَةِ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) [أخرجه البخاري (780)، ومسلم (410) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقول: (مَن سَبَّحَ اللَّهَ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وحَمِدَ اللَّهَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ، وقالَ: تَمامَ المِئَةِ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطاياهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ) [أخرجه مسلم (597) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ؛ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ لِلْإِثْمِ) [أخرجه الترمذي (3549) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4079)].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أَلا أدُلُّكُمْ علَى ما يَمْحُو اللَّهُ به الخَطايا، ويَرْفَعُ به الدَّرَجاتِ؟ قالُوا بَلَى يا رَسولَ اللهِ، قالَ: إسْباغُ الوُضُوءِ علَى المَكارِهِ، وكَثْرَةُ الخُطا إلى المَساجِدِ، وانْتِظارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ) [أخرجه مسلم (251) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ، فإنَّهما ينفِيانِ الفقرَ والذُّنوبَ، كما ينفي الْكيرُ خبثَ الحديدِ والذَّهبِ والفضَّةِ، وليسَ للحجِّ المبرورِ ثوابٌ دونَ الجنَّةِ) [أخرجه النسائي (2631) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وصححه الألباني].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنَّ مَسْحَ الرُّكْنِ اليَمانِي والرُّكْنِ الأسْوَدِ يَحُطُّ الخَطايا حَطًّا) [أخرجه أحمد (5621) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2194)].



"والحَجرُ (الأسود) يُشرَعُ استلامُه وتَقبيلُه، فإنْ شَقَّ ذلك استلَمَه بيدِه وقَبَّلَ يدَه، وإلَّا أشارَ إليه دون تَقبيلٍ، والأَجرُ ثابِتٌ إنْ شاء اللهُ، وأمَّا الركنُ اليَماني فالسُّنَّةُ استلامُه ولا يُقبَّلُ، ولا يُشارُ إليه عِندَ العَجزِ عن استلامِه، ولا يُكبَّر عند استلامِه" [الدرر السنية].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَقولُ: (مَنْ طافَ بِهذا البيتِ أُسْبُوعًا فأَحْصاهُ كان كَعِتْقِ رَقَبَةٍ) وسَمِعْتُهُ يَقولُ: (لا يَضَعُ قَدَمًا ولا يَرْفَعُ أُخْرَى إِلَّا حَطَّ اللهُ عنْهُ خَطِيئَتَهُ وكُتِبَ له بِها حَسنةٌ) [أخرجه الترمذي (959)، وحسنه الألباني].



"مَن طاف بهذا البَيتِ أُسبوعًا"، أي: سَبعةَ أشواطٍ، "فأَحْصاه"، أي: أتَمَّهم وأكمَلَهم، "كان كعِتْقِ رقَبةٍ"، أي: كان أجْرُه وجَزاؤُه كأجرِ مَن حرَّر مَملوكًا مِن العبوديَّةِ، قال عبدُ اللهِ رَضِي اللهُ عنه: "وسمعتُه يقولُ: لا يضَعُ قدَمًا ولا يَرفَعُ أخرى إلَّا حطَّ اللهَ عنه خَطيئتَه وكتَب له بها حَسَنةً"، أي: وهو في طَوافِه هذا؛ فإنَّ الله يَمحو بكُلِّ خَطوةٍ سيِّئةً، ويَكتُبُ له بها حسَنةً. [الدرر السنية باختصار يسير].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقول: (قَارِبُوا، وَسَدِّدُوا، فَفِي كُلِّ ما يُصَابُ به المُسْلِمُ كَفَّارَةٌ، حتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا، أَوِ الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا). [أخرجه مسلم في صحيحه (2574) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما يُصِيبُ المُؤْمِنَ مِن وصَبٍ، ولا نَصَبٍ، ولا سَقَمٍ، ولا حَزَنٍ حتَّى الهَمِّ يُهَمُّهُ، إلَّا كُفِّرَ به مِن سَيِّئاتِهِ) [أخرجه مسلم (2573) من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما].



ومعنى وصَبٍ: وَجعٍ مُلازِمٍ ومستمِرٍّ لصاحبِهِ، وهو ما يُعرَفُ في عَصرِنا بالمرضِ المزمِنِ، ومعنى نَصَبٍ: تَعبٍ [الدرر السنية].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غُفِرَ لهما قبلَ أن يفترقا) [أخرجه أبو داود (5212) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، وصححه الألباني].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بَيْنا رَجُلٌ يَمْشِي، فاشْتَدَّ عليه العَطَشُ، فَنَزَلَ بئْرًا، فَشَرِبَ مِنْها، ثُمَّ خَرَجَ فإذا هو بكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فقالَ: لقَدْ بَلَغَ هذا مِثْلُ الذي بَلَغَ بي، فَمَلَأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أمْسَكَهُ بفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ، فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ له، فَغَفَرَ له، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، وإنَّ لنا في البَهائِمِ أجْرًا؟ قالَ: في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرٌ). [أخرجه البخاري (2363) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَن صامَ رمضانَ وقامَهُ، إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ، ومَن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ) [أخرجه الترمذي (683) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني].



لماذا تستسلم يا أخي؟ ولماذا تستسلمين يا أختي؟ وقد روى مسلم (1162) عن أبي قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه قال: سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ). قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ).



لماذا تستسلمون يا إخوتي، والله تعالى يقول: ﴿ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴾ [سورة يس: 11]، ويقول سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [سورة الملك: 12].



لماذا تستسلم يا أخي؟ ولماذا تستسلمين يا أختي؟ أما سمعتم حديث أُبَي بن كعب رضي الله عنه، أنه قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: (مَا شِئْتَ). قَالَ: قُلْتُ الرُّبُعَ؟ قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ). قُلْتُ: النِّصْفَ. قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ). قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: (مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ). قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: (إِذَنْ تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرَ لَكَ ذَنْبُكَ) [أخرجه الترمذي (2457) وحسنه الألباني].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَن يَستَغْفِرُني فأغْفِرَ له؟) [أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، والنَّبِي صلى الله عليه وسلم يقول: (مَنْ تَعَارّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ). [أخرجه البخاري: 1154 من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: (مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ. فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ) [أخرجه البخاري (6405) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ، كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ؟) فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: (يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ) [أخرجه مسلم (2698) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [سورة النساء: 96-95]، ويقول سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [سورة الصف: 10-12].



لماذا تستسلمون يا إخوتي، والله عز وجل يقول: ﴿ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [سورة آل عمران: 157]، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ) [أخرجه الترمذي (1663) من حديث المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه، وصححه الألباني].



ليس هذا فحسب؛ بل قد وعد ربنا جل وعلا ووعده حقٌّ أن يبدل السيئات إلى حسنات لمن صدقت توبته، وحسنت أوبته، قال الرحمن الرحيم جل شأنه: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 68 -70]، وعن أبي طويل رضي الله عنه: أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيتَ مَن عمل الذنوبَ كلَّها ولم يتركْ منها شيئًا وهو في ذلك لم يترك حاجةً ولا داجةً إلا أتاها، فهل لذلك من توبةٍ؟ قال: (فهل أسلمتَ)؟ قال: أما أنا فأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ، وأنك رسولُ اللهِ قال: (تفعل الخيراتِ، وتترك السيئاتِ، فيجعلهنَّ اللهُ لك خيراتٍ كلِّهنَّ)، قال: وغَدَراتي وفَجَراتي؟ قال: (نعم)، قال: اللهُ أكبرُ، فما زال يُكبِّرُ حتى تَوارَى. [رواه الطبراني في الكبير (7/314) وصححه الألباني في صحيح الترغيب]. قالَ الخَطّابِيُّ: أراد بِالحاجَّةِ الصَّغِيرَةَ، وبِالدّاجَّةِ الكَبِيرَةَ [لسان العرب لابن منظور 2/ 263].



ثم إن في قصة الرجل الذي قتل مائة نفس، ثم تاب إلى الله تعالى وهاجر إليه أوضح دليلٍ على أن الطاعات تكفر السيئات مهما عظمت، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا، ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ، فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ: هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: لَا. فَقَتَلَهُ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا. فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي وَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا. فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ، فَغُفِرَ لَهُ). [أخرجه البخاري (3470)].



فلله الحمد والفضل والمنَّة وحده لا شريك له، ما أكرمه، وما أرحمه، وما أعظمه من ملك غفور رحيم ﴿ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [سورة الشورى: 25]، وليس هذا فحسب، بل إن ربنا تبارك وتعالى يفرح بتوبة عبده حين يتوب، فعن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ. أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ) [أخرجه مسلم (2747)].



إخوتي الكرام:

المعصية كالمرض، وإذا لم تعالج بالطاعة أفسدت القلب كما يفسد المرض البدن، فلا تهملوا إخوتي معصية وإن صغرت، حاربوا المعاصي بالطاعات، وأكثروا من الاستغفار والدعاء في الخلوات.



وهنا أود التنبيه أننا في حرب، والشيطان يبعث السرايا والجيوش لإفساد القلوب والأعمال، ويستخدم أعوانه وأولياءه لإضلال العباد وإفساد دينهم ودنياهم، فعَنْ جَابِرٍ بن عبد الله رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا. قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ. قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ، وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ) [أخرجه مسلم: 2813].



ولا معيذ إلا الله، ولا حافظ إلا هو سبحانه، فاستعينوا إخوتي بالله عز وجل وحده، وَاعْتَصِمُوا به ﴿ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ [سورة الحج: 78]، فمن اعتصم بالله حفظه ووقاه، وأكثروا من ذكر الله عز وجل، والاستعاذة به من الشيطان الرجيم، فقد قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ). [أخرجه البخاري (3293) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].



واحرصوا إخوتي على مجالس العلم والذكر فهي سبب لمغفرة الله عز وجل ورحمته، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً يَطُوفُونَ في الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أهْلَ الذِّكْرِ، فإذا وجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنادَوْا: هَلُمُّوا إلى حاجَتِكُمْ قالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بأَجْنِحَتِهِمْ إلى السَّماءِ الدُّنْيا قالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وهو أعْلَمُ منهمْ، ما يقولُ عِبادِي؟ قالوا: يقولونَ: يُسَبِّحُونَكَ ويُكَبِّرُونَكَ ويَحْمَدُونَكَ ويُمَجِّدُونَكَ قالَ: فيَقولُ: هلْ رَأَوْنِي؟ قالَ: فيَقولونَ: لا واللَّهِ ما رَأَوْكَ؟ قالَ: فيَقولُ: وكيفَ لو رَأَوْنِي؟ قالَ: يقولونَ: لو رَأَوْكَ كانُوا أشَدَّ لكَ عِبادَةً، وأَشَدَّ لكَ تَمْجِيدًا وتَحْمِيدًا، وأَكْثَرَ لكَ تَسْبِيحًا قالَ: يقولُ: فَما يَسْأَلُونِي؟ قالَ: يَسْأَلُونَكَ الجَنَّةَ قالَ: يقولُ: وهلْ رَأَوْها؟ قالَ: يقولونَ: لا واللَّهِ يا رَبِّ ما رَأَوْها قالَ: يقولُ: فَكيفَ لو أنَّهُمْ رَأَوْها؟ قالَ: يقولونَ: لو أنَّهُمْ رَأَوْها كانُوا أشَدَّ عليها حِرْصًا، وأَشَدَّ لها طَلَبًا، وأَعْظَمَ فيها رَغْبَةً، قالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قالَ: يقولونَ: مِنَ النَّارِ قالَ: يقولُ: وهلْ رَأَوْها؟ قالَ: يقولونَ: لا واللَّهِ يا رَبِّ ما رَأَوْها قالَ: يقولُ: فَكيفَ لو رَأَوْها؟ قالَ: يقولونَ: لو رَأَوْها كانُوا أشَدَّ مِنْها فِرارًا، وأَشَدَّ لها مَخافَةً قالَ: فيَقولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أنِّي قدْ غَفَرْتُ لهمْ قالَ: يقولُ مَلَكٌ مِنَ المَلائِكَةِ: فيهم فُلانٌ ليسَ منهمْ، إنَّما جاءَ لِحاجَةٍ. قالَ: هُمُ الجُلَساءُ لا يَشْقَى بهِمْ جَلِيسُهُمْ). [أخرجه البخاري (6408)].



وهنا أود تنبيهيكم معاشر الكرام، إلى قول ابن رجب رحمه الله تعالى: "إنّ الكبائرَ لا تُكفَّرُ بدونِ التوبةِ، لأنّ التوبةَ فرضٌ على العبادِ، وقد قالَ عز وجل: ﴿ ومَن لَّمْ يَتبْ فَأوْلَئِكَ هُمُ الظّالِمُون ﴾) [سورة الحجرات: 11]" [تفسير ابن رجب الحنبلي 1/ 327]. وقال ابن عبدالبر رحمه الله تعالى: "لو كانت الطهارة والصلاة وأعمال البر مكفِّرة للكبائر، والمتطهِّر المصلي غير ذاكرٍ لذنبه الموبِق، ولا قاصد إليه، ولا حضره في حينه ذلك أنه نادم عليه، ولا خطرت خطيئتُه المحيطة به بباله - لمَا كان لأمر الله عز وجل بالتوبة معنًى، ولكان كل من توضأ وصلى يشهد له بالجنة بأثر سلامه من الصلاة، وإن ارتكب قبلها ما شاء من الموبقات الكبائر". [التمهيد (4/ 44-45، 49].



وتذكروا إخوتي ما ذكره ربنا عز وجل من قول يعقوب عليه السلام: ﴿ لَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [سورة يوسف: 87]، وتذكروا أيضا ما ذكره ربنا سبحانه وتعالى من قول إبراهيم عليه السلام: ﴿ قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [سورة الحجر: 56]، واعلموا أن الذين يقنطون من رحمة ربهم عز وجل يضيفون ذنبا إلى ذنبهم، ولو استغفروا ربهم تعالى وأنابوا إليه ﴿ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ﴾ [سورة النساء: 64].



وأختم هذا المقال بقول الله عز وجل: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [سورة الزمر: 53]، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا) [أخرجه مسلم (2759) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه].



هذا، والمعان من أعانه الله، والمسدد من سدده الله، والموفق من وفقه الله، والمهتدي من هداه الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
...المزيد

شهر رمضان في الكتاب والسنة، وأحاديث منتشرة عن شهر رمضان ولا تصح بسم الله، والحمد لله، ...

شهر رمضان في الكتاب والسنة،
وأحاديث منتشرة عن شهر رمضان ولا تصح


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.



وبعد:

فيقول الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ * أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183 - 187].



ويقول سبحانه: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 1 - 5].



ويقول عز وجل: ﴿ حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ * لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الدخان: 1 - 8].



وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ" [أخرجه الترمذي (2609)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي].



وَعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النُّعْمَانُ بْنُ قَوْقَلٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الْمَكْتُوبَةَ، وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ، وَأَحْلَلْتُ الْحَلَالَ، (وفي رواية: وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا)، أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نَعَمْ". [أخرجه مسلم (15)].



وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" [أخرجه البخاري (2014)].



وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" [أخرجه البخاري (37)].



وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ، ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ، فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ" [أخرجه الترمذي (3545)، وقال الألباني في صحيح الترمذي: حسن صحيح].



وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ" [أخرجه مسلم (233)].



وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا ابْنُ آدَمَ عَشْرُ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ حَسَنَةٍ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (إِلَّا الصَّوْمَ هُوَ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ الطَّعَامَ مِنْ أَجْلِي، وَالشَّرَابَ مِنْ أَجْلِي، وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي فَهُوَ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ)، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ؛ فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ حِينَ يَخْلُفُ عَنِ الطَّعَامِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ" [أخرجه أحمد (10218)، وقال شعيب الأرنؤوط ومن حقق المسند معه: إسناده صحيح على شرط الشيخين].



وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ"، قَالَ: "فَيُشَفَّعَانِ" [أخرجه أحمد (6626)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3882)].



وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ" [أخرجه البخاري (3277)].



وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا" [أخرجه مسلم (1153)].



وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ" [أخرجه أحمد (7450)، وقال شعيب الأرنؤوط ومن حقق المسند معه: إسناده صحيح على شرط الشيخين].



وَعَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ" [أخرجه البخاري (1896)].



وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَسَحَّرُوا؛ فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً" [أخرجه البخاري (1923)].



وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "نِعْمَ سَحُورُ الْمُؤْمِنِ التَّمْرُ" [أخرجه أبو داود (2345)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود].



وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ، فَلَا تَدَعُوهُ، وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ" [أخرجه أحمد (11086)، وصححه شعيب الأرنؤوط ومن حقق المسند معه].



وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ" [أخرجه مسلم (1096)].



وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ تَسَحَّرَا، فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ سَحُورِهِمَا قَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَصَلَّى، فقيل لِأَنَسٍ: كَمْ كَانَ بَيْنَ فَرَاغِهِمَا مِنْ سَحُورِهِمَا وَدُخُولِهِمَا فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: قَدْرُ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً. [أخرجه البخاري (576)].



وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ" [أخرجه البخاري (1903)].



وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ" [أخرجه البخاري (1904)].



وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ، وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ" [أخرجه الترمذي (2526)، وحسنه ابن حجر في تخريج مشكاة المصابيح (2/ 415)].



وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ" [أخرجه أبو داود (2353)، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود].



وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: "ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ" [أخرجه أبو داود (2357)، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود].



وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَجَّتِهِ قَالَ لِأُمِّ سِنَانٍ الْأَنْصَارِيَّةِ: "مَا مَنَعَكِ مِنَ الْحَجِّ؟" قَالَتْ: أَبُو فُلَانٍ - تَعْنِي زَوْجَهَا - كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ؛ حَجَّ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالْآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لَنَا. قَالَ: "فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً مَعِي" [أخرجه البخاري (1863)[1].



وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ يَعْرِضُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ، وَكَانَ يَعْتَكِفُ كُلَّ عَامٍ عَشْرًا فَاعْتَكَفَ عِشْرِينَ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ. [أخرجه البخاري في باب: كان جبريل يعرض القرآن على النبي (4998)].



وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوَّلَ، أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ، ثُمَّ أُتِيتُ، فَقِيلَ لِي: إِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ، فَلْيَعْتَكِفْ". فَاعْتَكَفَ النَّاسُ مَعَهُ. [أخرجه مسلم (1167)].



وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ. [أخرجه البخاري (2026)].



وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ: شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ. [أخرجه البخاري (2024)].



وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ" [أخرجه البخاري (2017)].



وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ" [أخرجه النسائي (1364)، وصححه الألباني في صحيح النسائي (1363)].



وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَبِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: "قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي" [أخرجه أحمد (25495)، وصححه شعيب الأرنؤوط ومن حقق المسند معه].



وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَأَرَانِي صُبْحَهَا أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ" قَالَ: فَمُطِرْنَا لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَانْصَرَفَ، وَإِنَّ أَثَرَ الْمَاءِ وَالطِّينِ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ، قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ يَقُولُ: ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ. [أخرجه مسلم (1168)].



وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ" [أخرجه مسلم (1164)].



أحاديث منتشرة عن شهر رمضان ولا تصح[2]:

حديث: ((شهر رمضان أوَّله رحمة، وأوسَطه مغفرة، وآخِره عتق من النار)).



وحديث: ((صوموا تصحُّوا)).



وحديث: ((لو يعلم العِباد ما في رمضان لتمنَّت أمتي أن يكون رمضان السَّنة كلها، إنَّ الجنة لتتزين لرمضان من رأس الحَول إلى الحول … إلخ)).



وحديث: ((اللهمَّ بارك لنا في رجب وشعبان، وبلِّغنا رمضان)).



وحديث: ((مَن أدركه شهر رمضان بمكة فصامه، وقام منه ما تيسَّر، كتَب الله له صيام مئة ألف شهر رمضان في غير مكة، وكان له كل يوم حملان فرس في سبيل الله، وكل ليلة حملان فرس في سبيل الله، وكل يوم له حسنة، وكل ليلة له حسنة، وكل يوم له عتق رقبة، وكل ليلة له عتق رقبة)).



الدرجة: كلها لا تصح، وهي ما بين باطل، وموضوع، وضعيف.



والله تعالى أعلم.

والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.



[1] النَّاضحُ: هو البعيرُ الَّذي يُحمَلُ عليه الماءُ للسُّقْيَا. [يُنظر: ((شرح حديث: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَجَّتِهِ قَالَ لِأُمِّ سِنَانٍ الْأَنْصَارِيَّةِ: "مَا مَنَعَكِ مِنَ الْحَجِّ؟"...)) بالموسوعة الحديثية للدرر السنية].

[2] ((موقع الدرر السنية)) على الرابط التالي: https://dorar.net/fake-hadith/4
...المزيد

مسلسل "ما وراء الطبيعة" وخطره على العقيدة منشأ مصطلح "ما وراء الطبيعة" أو ...

مسلسل "ما وراء الطبيعة" وخطره على العقيدة


منشأ مصطلح "ما وراء الطبيعة" أو "الميتافيزيقيا":

يعتبر الفلاسفة اليونانييون أول من جاء بمصطلح "ما وراء الطبيعة"، وبالتالي، فإن منشأ هذا المصطلح أشخاص وثنيون ما عرفوا هدايات الرسالة، ولا أشرقت في قلوبهم أنوار الوحي. [دراسة موضوعية للحائية ولمعة الاعتقاد والواسطية لعبد الرحيم السلمي بتصرف].



ويظهر من اسم هذا المسلسل الذي نحن بصدد الحديث عنه أنه يروج لأفكار اليونانيين الفلاسفة فيما يتعلق بأمور الغيب، ومعلوم عندنا نحن المسلمين أن أمور الغيب مما اختص الله تعالى بها نفسه عز وجل، قال الله تعالى: ﴿ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾ [سورة النمل: 65]، وقال سبحانه: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [سورة الأنعام: 59]، وقال عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [سورة لقمان: 34]، ولا طريق إلى معرفة أي أمر غيبي من غير طريق الوحي كما هو معلوم شرعًا وعقلًا، ولا مجال للبشر، مهما بلغت علومهم ومعارفهم، في الوصول إلى معرفة أي من أمور الغيب من غير طريق الشرع.



وبناء عليه، "فينبغي الحذر، وعدم مشاهدة هذه الأفلام والمسلسلات التي تحكي الشرك والفلسفة وأفكارهما، وذلك أن رؤية وسماع هذه الأفلام والمسلسلات فيه خطر عظيم على قلب المسلم.



وقد تعلق بقلوب بعض المشاهدين شبهات تُفسد إيمانهم وتُزلزل عقيدتهم، بل ربما يعتقد بعضهم اعتقادات باطلة، وتتسلل إلى نفوسهم سموم خبيثة من جرّاء مشاهدة مثل هذه الأفلام والمسلسلات.



هذا بالإضافة إلى ما يكون في كثير من تلك الأفلام من المحرمات كصور النساء، والموسيقى ونحو ذلك.



فليتق المسلمون ربهم وليجتنبوا مشاهدة هذه الأفلام والمسلسلات الكفرية، وليذكروا قول ربنا عز وجل: (﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [سورة الإسراء: 36]، وإذا أراد المسلم أو المسلمة التسلية والاستمتاع، فليكن بما يحلّ شرعا. [الإسلام سؤال وجواب بتصرف يسير].



ثم إن شركة نتفليكس، وهي المصدرة لمسلسل "ما وراء الطبيعة" تهتم كثيرا بتقديم المشاهد الإباحية، وتشجع على المثلية والجنس بين الأطفال مما سبب لها خسائر فادحة بالمليارات بسبب دعوات المقاطعة للشركة، والتي بدأت في الغرب. ولعل هذا هو سبب تصدير الشركة لمسلسل "ما وراء الطبيعة" باللغة العربية في الوقت الحالي، رغبة من الشركة في تعويض خسائرها الكبيرة.



إخوتي الكرام، إذا كان الغرب قد ضاق ذرعا بشركة نتفليكس التي تجاوزت جميع الخطوط الحمراء، فما بالنا نحن المسلمون أصحاب الدين الحق والمنهج القويم نتقبل زبالات الغرب، وما لم تحتمله مبادئهم وأخلاقهم!



قاطعوا إخوتي هذه الشركة البغيضة، واعلموا أن ذلك من نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن مقاطعة المنتجات الفرنسية من نصرته عليه الصلاة والسلام، بل إن مقاطعة كل معصية، والالتزام بكل طاعة وسنة يعد من أعظم النصرة لخير البشر صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه.



وتذكروا قول ربنا عز وجل الله: (﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [سورة التوبة: 40].



اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، وثبتنا على الحق حتى نلقاك يا رب العالمين.



والله تعالى أعلم.
...المزيد

مسلسل "ما وراء الطبيعة" وخطره على العقيدة (2) بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على ...

مسلسل "ما وراء الطبيعة" وخطره على العقيدة (2)



بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد: فقد يسر الله تعالى نشر مقال على شبكة الألوكة عنوانه:

مسلسل "ما وراء الطبيعة" وخطره على العقيدة.



ونظرا لأهمية الموضوع، فإنني أكتب هذه الأسطر استكمالًا لبعض الجوانب المهمة المتعلقة به، وأسأل الله عز وجل الهداية والسداد، فأقول - والله وحده هو المستعان -:

إن هذا المسلسل يدس السم للمسلمين، ويهدف إلى زعزعة إيمانهم بالله العلي العظيم، ونشر أفكار الإلحاد الذميم، وترويج السحر والشعوذة في صورة مسلسل تلفزيوني ماكر لئيم.



إخوتي الكرام:

لكل من يستغرب رواج أفكار الإلحاد في أوساط الأمة، أما علمتم أن كل شجرة أصلها بذرة؟ وأن بدايات الإلحاد تروج باستخدام وسائل إعلام مختلفة، ومن أخبثها الأفلام والمسلسلات النتنة؟



ولذا، لم يبعد النجعة من يقول أن هذه الأفلام والمسلسلات بوابة الإلحاد، ومدخله، وأول الطريق إليه. نسأل الله تعالى العافية واليقين.



فلكل من يشكو ضعفًا في الإيمان، ولكل من يحس بالوحشة بينه وبين ربه عز وجل، لكل من ذاق حلاوات الخشوع والطمأنينة ثم فقدها، لكل من يرجو الأنس بالله تعالى ويريد سعادة الدنيا والآخرة، لن تجدوا يا إخوتي أنفع لقلوبكم من ترك المعاصي، وهجران الذنوب، والتوبة والرجوع إلى ربنا الرحيم الودود.



أما علمتم إخوتي أن العمر محدود؟ وأننا عما قريب سنقف بين يدي علام الغيوب؟ فرفقا إخوتي بقلوبكم، ولا تكونوا أعوانا للشيطان على أنفسكم، وتذكروا قول ربنا عز وجل: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ [الجاثية: 15].



ويا إخوتي الكرام، من يزرع الشوك لا يجني العنب، ومن يتبع الهوى يلق الهم والتعب، فلماذا نورط أنفسنا فيما نعلم يقينا أنه ضار لنا؟



معاشر الكرام:

لقد أجمع علماء الأمة وعقلاؤها وأهل الخير فيها أن الأفلام والمسلسلات الفاسدة مهلكة ومتلفة، وأنها خطر على العقيدة، وسبب رئيسي في انتشار الفاحشة، وقتل الغيرة والحشمة والحياء، وفشو الجرائم والإدمان والمخدرات، وتفكك الأسر، وهدم البيوت، وحالات الطلاق.



وسنقف إخوتي - إن شاء الله تعالى - وقفة يسيرة، مع كون هذه المسلسلات والأفلام الرديئة، خطر على العقيدة.



اعلموا بداية - رحمكم الله تعالى وغفر لكم - أن نعمة الإيمان أعظم نعمة، وأشرف منحة، وأكرم عطية، وأهم ما ينبغي العناية به، وذلك أن الناس كلهم في خسران مبين إلا أهل الإيمان واليقين، كما قال ربنا سبحانه:



﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3]، فلا فوز ولا نجاح ولا فلاح في الدنيا ولا في الآخرة إلا للمؤمنين الصادقين المتقين، فهم موعودون بكل خير في الدنيا والآخرة كما قال الله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].



فإذا علمتم ذلك فاعلموا - وفقكم الله تعالى لنيل رضوانه وجناته - أن الأفلام والمسلسلات الفاسدة تروج لما يضاد الإيمان وينافيه ويناقضه من الكفر والإلحاد والعلمانية، وهي كذلك تذكي روح الوطنية المخالفة للشريعة الربانية، وتعلق القلوب بالدنيا الفانية، وتلهيها عن الآخرة الباقية، وتنشر فتن الشبهات والشهوات، وتسبب مرض القلوب، بل قد تسبب موتها وهلاكها إذا تمادى المرء في مشاهدتها والتعلق بها.



وكثير من الناس لا يلاحظون ما تلقيه عليهم المسلسلات والأفلام المفسدة من شبهات تزلزل إيمانهم، وتفسد عقيدتهم، وذلك أن آثارها قد لا تظهر عليهم في الحال، لكنها نكت سوداء تتكاثر على القلوب حتى تصير في قسوتها، ﴿ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ﴾ [البقرة: 74]. فما هو الحل والعلاج؟ وما هي سبيل السلامة والنجاة؟



إخوتي الكرام:

الداء والدواء مذكور في حديث حذيفة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدَ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ». [أخرجه مسلم (144)].



فهذا الحديث يا إخوتي حديث عظيم مهم في باب دفع الفتن، والحفاظ على سلامة القلب من الأمراض والعلل، "قسَّم فيه النبي صلى الله عليه وسلم القلوب عند عرض فتن الشبهات والشهوات عليها إلى قسمين:

1- قلب أبيض، قد أشرق فيه نور الإيمان، وأزهر فيه مصباحه، فإذا عرضت عليه الفتنة أنكرها وكرهَها، فازداد نوره وإشراقه وقوَّته، حتى يصير "أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ"، وهذا هو قلب المؤمن العامر بحبِّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فإنه كالصفا أي: كالحجر الأملس في صلابته وتماسُكه وصفائه ونقاوته وعدم علوق شيءٍ به، فلا تضرُّه فتنةٌ ولا تستهويه معصيةٌ ولا يرضى بديلًا عمَّا ظفر به من حلاوة الإيمان في قلبه، فاللهم اجعلنا جميعا من أصحاب هذه القلوب السليمة البيضاء النقية.



2- قلب إذا عُرضت عليه فتنة أُشْرِبها، كما يشرب السِّفِنْج الماء، فتُنكَت فيه نكتة سوداء، فلا يزال يُشرب كل فتنة تعرض عليه، حتى يكون مُرْبَادًّا، وهو بياضٌ قليل مع سواد كثير، فإذا انساق العبد أكثرَ فأكثر وراء أهوائه اختفى أثرُ البياض واسودَّ القلب وأظلم، وهناك وصفٌ آخر لهذا القلب وهو الكوز المُجَخِّي أي: الإناء المائل المنكوس، وهذا الميل كان في بدايته قليلًا بحسَب ما تسرَّب إليه من الفتن، ثمَّ ازداد ميلًا حتى انقلب وانتكس، ولا يخفى أنَّ الإناء كلَّما مال عن استقامته انسكب منه ما كان فيه بمقدار الميل، حتى إذا انتكس انسكب كلُّ ما فيه ولم يَعُدْ قابلًا لأنْ يمتلئ بشيءٍ على الإطلاق حتى يعود إلى عدالته، فما فائدة الكأس إذا انسكب منه الماء الزلال ولم يبق فيه إلَّا الهواء؟ وهنا تتجلَّى البلاغة النبوية في صورة بهية، بحيث تترسَّخ في النفس صورة الكأس المقلوب الذي لا يُنتفع منه بشيءٍ، فهو كالعدم وإن كان موجودًا، والهواء الذي فيه كالهوى المستقرِّ في القلب المنكوس الذي لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، إلَّا ما أُشرب من هواه، وهذا شرُّ القلوب وأخبثُها فإنه يشتبه عليه الخير والشر، ويرى المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، والسنة بدعة والبدعة سنة، والحق باطلًا والباطل حقًّا. [(إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان) لابن القيم، طبعة عالم الفوائد، ص(15-16) بتصرف، (منهاج الإسلام في تزكية النفس) لأنس كرزون (2/ 523) بتصرف].



والحاصل أن "ما يُشاهد في المسلسلات والأفلام الفاسدة أسهل الطرق لتربع الشيطان على قلب المشاهد ليسكن فيه ويفرِّخ، ومن ثمَّ يستلم زمام القيادة، ليوجهه وأعضاءه حيث يكون سخط الرب تعالى"[1]، وأن السلامة في ترك مشاهدتها وإنكارها وكرهها وتحذير الناس منها، والالتزام بأوامر ربنا عز وجل كلها، ومنها في هذا المقام غض البصر وحفظ الفرج كما قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 30، 31].



والله تعالى أعلم.



[1] [الإسلام سؤال وجواب بتصرف يسير].
...المزيد

الموازنة بين طلب العلم والعمل به ونشره بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ...

الموازنة بين طلب العلم والعمل به ونشره


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.



وبعد: ففيما يلي عرض لبعض أقوال أهل العلم في أهمية الموازنة بين طلب العلم، والعمل به، ونشره:

قال الخطيب البغدادي - رحمه الله تعالى -: "إِنِّي مُوصِيكَ يَا طَالِبَ الْعِلْمِ بِإِخْلَاصِ النِّيَّةِ فِي طَلَبِهِ، وَإِجْهَادِ النَّفْسِ عَلَى الْعَمَلِ بِمُوجَبِهِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ شَجَرَةٌ وَالْعَمَلَ ثَمَرَةٌ، وَلَيْسَ يُعَدُّ عَالِمًا مَنْ لَمْ يَكُنْ بِعِلْمِهِ عَامِلًا، وَقِيلَ: الْعِلْمُ وَالِدٌ وَالْعَمَلُ مَوْلُودٌ، وَالْعِلْمُ مَعَ الْعَمَلِ، وَالرِّوَايَةُ مَعَ الدِّرَايَةِ فَلَا تَأْنَسْ بِالْعَمَلِ مَا دُمْتَ مُسْتَوْحِشًا مِنَ الْعِلْمِ، وَلَا تَأْنَسْ بِالْعِلْمِ مَا كُنْتَ مُقَصِّرًا فِي الْعَمَلِ وَلَكِنِ اجْمَعْ بَيْنَهُمَا". [اقتضاء العلم العمل (ص: 14)].



وقال ابن الحاج المالكي - رحمه الله تعالى -: "ينبغي له [أي: لطالب العلم] أن لا يخلي نفسه من العبادات، وأن يكون له ورد من كل شيء منها، إذ إنها سبب الإعانة على ما أخذ بسبيله، لقوله عليه الصلاة والسلام: (واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة)[1][رواه البخاري (39)]، وما يستعان به لا يترك"، "ولأن العلم كالشجرة، والتعبد كالثمرة، فإذا كانت الشجرة لا ثمر لها فليس لها فائدة كلية، وإن كانت حسنة المنظر ناعمة، وقد ينتفع بها للظل وغيره، ولكن الذي عليه المعول قد عدم منها"، "ولعلك تقول: إن طالب العلم إن فعل ما ذكرتموه، تعطلت عليه وظائفه من الدرس والمطالعة والبحث؟ فالجواب: أن نفحة من هذه النفحات تعود على طالب العلم بالبركات، والأنوار، والتحف ما قد يعجز الواصف عن وصفه، وببركة ذلك يحصل له أضعاف ذلك فيما بعد، مع أن هذا أمر عزيز قل أن يقع إلا للمعتني به، والعلم والعمل إنما هما وسيلتان لمثل هذه النفحات". [المدخل (2 /132-139)].



وقال الذهبي رحمه الله تعالى: "إِنْ رَأَيتَه [يعني: طالب العلم] مُجِدًّا فِي طَلَبِ العِلْمِ لاَ حظَّ لَهُ فِي القُرُبَاتِ، فَهَذَا كَسلاَنُ مَهِيْنٌ، وَلَيْسَ هُوَ بِصَادِقٍ فِي حُسنِ نِيَّتِه". [سير أعلام النبلاء (7 /167)].



ومن خلال تأمل ما سبق ذكره من كلام أهل العلم، تظهر أهمية الموازنة بين طلب العلم، والعمل به، ونشره، ولا تعارض بين هذه الأمور الثلاثة، بل كل منها يكمل الآخر ويتممه، ويعضده ويقويه. هذا، وقد تيسرت بفضل الله تعالى وحده في زماننا المعاصر سبل طلب العلم، وفيما يلي عرض لأبرز المواقع التي تقدم البرامج الشرعية عن بعد[2]:

1- أكاديمية الفرقان للثقافة الإسلامية: https://forqanacademy.com/

وهذه الأكاديمية تهتم بتدريس العلوم الشرعية التالية: ( العقيدة ، والحديث ، والفقه ، والسيرة ، ومقاومة الإلحاد).



2- أكاديمية جامع الراجحي الإلكترونية لتعليم القرآن: https://grajhiacademy.org/

وهي أكاديمية معنية بتحفيظ القرآن الكريم.



3- منصة طالب العلم: https://islam-edu.com/



وهذه المنصة تركز على تدريس العلوم التالية: (أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم. وآداب طالب العلم ، والحديث، والفقه، والقواعد الفقهية، والملل والنحل، والنحو، والعقيدة).



4- برنامج صناعة المحاور: https://almohawer.org/

ويهدف البرنامج إلى تنمية مهارات الحوار، ودحض أي شبهة ضد الإسلام وثوابته.



5- معهد شيخ الإسلام العلمي: http://www.m-ibntimia.com/

ويعتني المعهد بتحفيظ القرآن الكريم، وتعليم المواد الشرعية التالية: (الفقه ، والعقيدة ، والحديث ، والتجويد).



6- برنامج تاج الكرامة: https://m.facebook.com/TajulKaramah

وهو برنامج مختص بتدريس القرآن الكريم وعلومه.



7- أكاديمية رحلة طلب العلم الشرعي: http://ar.jsik.org/

وتحرص هذه الأكاديمية على تحفيظ القرآن الكريم، والمتون العلمية، إضافة إلى تدريس العلوم التالية: (الحديث ، واللغة العربية ، والعقيدة ، والفقه ، وأصول الفقه ، وعلوم القرآن ، والسيرة النبوية ، والأخلاق المحمودة ، واستخدامات الحاسوب في البحوث والعلوم الشرعية).



8- منصة زادي للتعلم الشرعي المفتوح: https://zadi.net/courses

وتحتوي المنصة على أكثر من 170 مساقا في مجالات مختلفة مثل: (العقيدة ، والتفسير ، والحديث ، والسيرة النبوية ، وفقه العبادات ، والمعاملات المالية ، والفقه العام ، والأسرة والتربية ، والرقائق والفضائل ، وأدوات فهم الواقع).



9- أكاديمية زاد للعلم الشرعي: https://www.zad-academy.com/

وتقوم الأكاديمية بتدريس سبع مواد علمية شرعية، وهي: (العقيدة ، والتفسير، والحديث، والفقه، والسيرة النبوية، واللغة العربية، والتربية الإسلامية).



10- برنامج مُدَّكِر: https://www.moddaker.com/

وهو برنامج تعليمي، يسعى إلى تمكين الدارس من معرفة مجمل معاني القرآن الكريم، بدراسة كتاب [المختصر في تفسير القرآن الكريم، لمجمع المدينة لطباعة المصحف الشريف].



ومن المواقع المهمة لطالب العلم، موقع الدرر السنية: https://www.dorar.net/



ويشتمل الموقع على عدد من الموسوعات العلمية، وهي:

• موسوعة التفسير.

• والموسوعة العقدية.

• وموسوعة الملل والأديان.

• وموسوعة الفرق المنتسبة للإسلام.

• وموسوعة المذاهب الفكرية المعاصرة.

• والموسوعة الفِقهيَّة.

• والموسوعة الحديثيَّة.

• وأحاديثُ منتشرة لا تصح.

• والموسوعة التاريخيَّة.

• وموسوعة الأخلاق.



وكما تيسرت بفضل الله تعالى وحده سبل طلب العلم، سهلت طرق نشره، وتعددت وسائل الدعوة إلى الله تعالى، وطرق تبليغ الدين للناس، ومنها: أسلوب التدوين والكتابة.



ويعتبر النووي رحمه الله تعالى مثالا لتوضيح الترابط بين طلب العلم، والعمل به، ونشره، وذلك "أنه لما تأهل للنظر والتحصيل، رأى من المسارعة إلى الخيرات أن جعل ما يحصله ويقف عليه تصنيفاً، ينتفع به الناظر فيه، فجعل تصنيفه تحصيلاً، وتحصيله تصنيفاً، ولولا ذلك لم يتيسر له من التصانيف ما تيسر، فإنه رحمه الله دخل دمشق للاشتغال وهو ابن ثمانية عشرة سنة، ومات ولم يستكمل ستاً وأربعين" [المهمات في شرح الروضة والرافعي، للإسنوي (1 /99-100)؛ باختصار].



ولا يلزم -إخوتي الكرام- أن يكون المصنف كبيرا ليكون نافعا، فَرُبَّ مقال صغير، مصحوب بإخلاص وصدق كاتبه، يهتم بمعالجة مشكلة معاصرة، أعظم ثمرة، وأكثر نفعا، وأحسن أثرا من مجلدات كبيرة لا نية لمؤلفها، ولا صدق، ولا إخلاص، كما "قال بَعْض السَّلَفِ: رُبَّ عَمَلٍ صَغِيرٍ تُعَظِّمُهُ النِّيَّةُ، وَرُبَّ عَمَلٍ كَبِيرٍ تُصَغِّرُهُ النِّيَّةُ". [إحياء علوم الدين، للغزالي (4 / 353)].



فدونوا -وفقكم الله تعالى لمرضاته- إبداعاتكم، وسجلوا أفكاركم، وأرسلوا مشاركاتكم لشبكة الألوكة على الإيميل التالي:

‏‪[email protected]



أو لغيرها من المواقع، واحتسبوا الأجر عند الله تعالى، فَرُبَّ كلمة مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لَا يُلْقِي لَهَا العبد بَالًا، ومَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، ويَكْتُبُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ[3].



والله تعالى أعلم.



اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ؛ أَحْيِنا مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لنا، وَتَوَفَّنا إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لنا، وَنسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَنسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَنسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بِالْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، وَنعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَفِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ[4].



اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَنسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَنسْأَلُكَ حُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَنسْأَلُكَ قَلْوبا سَلِيمة، وَنسْأَلُكَ ألسنة صَادِقة، وَنسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَنعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَنسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ[5].



اللَّهُمَّ إِنا نسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا[6].

اللَّهُمَّ انْفَعْنا بِمَا عَلَّمْتَنا، وَعَلِّمْنا مَا يَنْفَعُنا، وَزِدْنا عِلْمًا[7].

اللَّهُمَّ إِنا نعُوذُ بِكَ مِنَ الْأَرْبَعِ: مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ[8].



والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


[1] الغَدوةُ: أوَّلُ النَّهارِ، والرَّوحةُ: آخِرُه، والدُّلجةُ: سَيرُ آخرِ اللَّيل، وسَيرُ آخرِ اللَّيل مَحمودٌ في سَيرِ الدُّنيا بالأبدانِ، وفي سَيرِ القُلوبِ إلى اللهِ بالأعمالِ؛ وصَدَرَ هذا الكلامُ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كأنَّه يُخاطِبُ مُسافرًا يَقطَعُ طَريقَه إلى مَقصدِه، فنَبَّهَه على أوقاتِ نَشاطِه التي يَزْكو فيها عَمَلُه، فشَبَّهَ الإنسانَ في الدُّنيا بالمسافرِ، وكذلك هو على الحَقيقةِ؛ لأنَّ الدُّنيا دارُ انتقالٍ وطَريقٌ إلى الآخرةِ، فنَبَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُمَّتَه أنْ يَغتنِموا أوقاتَ فُرصتِهم وفَراغِهِم. [((الموسوعة الحديثية)) للدرر السنية؛ باختصار يسير].

[2] أفضل عشر منصات لتعلم العلم الشرعي عن بعد، ليمنى حمدي، على الرابط التالي:

https://tipyan.com/top-10-forensic-platforms

[3] عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ" [رواه البخاري (6487)].

وعن بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّ رضي الله عنه، قال: قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سُخْطِ اللَّهِ، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ بِهَا سُخْطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ". [أخرجه ابن ماجه (3969)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3220)].

[4] عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: صَلَّى عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ بِالْقَوْمِ صَلَاةً أَخَفَّهَا، فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوهَا، فَقَالَ: أَلَمْ أُتِمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: أَمَا إِنِّي دَعَوْتُ فِيهَا بِدُعَاءٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ: "اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ؛ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بِالْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَفِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ". [أخرجه النسائي (1306)، وصححه الألباني في صحيح النسائي (1305)ٍ].

[5] عن شَدَّاد بْن أَوْسٍ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا كَنَزَ النَّاسُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فَاكْنِزُوا هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ حُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ". [أخرجه أحمد (17114)، وصححه الألباني في السلسة الصحيحة (3228)].

[6] عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ يُسَلِّمُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا". [أخرجه ابن ماجه (925)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (762)].

[7] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي، وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي، وَزِدْنِي عِلْمًا". [أخرجه الترمذي (3599)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي].

[8] عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْأَرْبَعِ: مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ". [أخرجه أبو داود (1548)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود].
...المزيد

ما أجمل الجماعة والائتلاف والإنصاف، وما أقبح التعصب والفرقة والاختلاف بسم الله، والحمد لله، ...

ما أجمل الجماعة والائتلاف والإنصاف،
وما أقبح التعصب والفرقة والاختلاف



بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.



ما أجمل الجماعة والائتلاف والإنصاف، وما أقبح التعصب والفرقة والاختلاف، فقد قال الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [الأنعام: 159].



قال أهل التفسير: « في هذه الآية دليلٌ على أنَّ الدِّينَ يَأْمُرُ بالاجْتِماعِ والائْتِلافِ، ويَنْهى عن التَّفَرُّقِ والاختلافِ في أصول الدِّينِ وفروعه » [تفسير السعدي (ص282) بتصرف يسير].



« وقد ذكر الله تعالى التفرُّقَ في سِياقِ الذَّمِّ، فيُؤْذِنُ ذلك بأنَّ اللهَ تعالى يُحَذِّرُ المُسلمينَ مِنه » [تفسير ابن عاشور (8 /193)].



والجماعة إخوتي الكرام إنما تتحقق بالتمسك بالدين وبما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، « وما أحسن ما قال الإمام مالك - رحمه الله تعالى -: لن يصلح آخرَ هذه الأمة إلا ما أصلح أولها ». [ "اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم" لابن تيمية (2 /243)].



وقال ابن عباس رضي الله عنه عن قول الله تعالى: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴾ [البقرة: 213]، قال - رضي الله عنه -: « كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا ﴿ فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ﴾ ». [رواه الحاكم (2 /596) وصححه الألباني].



إخوتي الكرام: لقد امتن الله - عزَّ وجلَّ - على الأمة ورحمها بالإسلام الذي ألف بين القلوب والأفئدة، بعد أن كانت العداوات تملأ الصدور والأرواح، وهذه نعمة من أعظم النعم، قال عنها ربنا - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103].



قال المفسرون: « أي: كنتُم - أيُّها المؤمنون- قبلَ اجتماع قلوبِكم على الإسلام، على وَشْكِ الوقوع في النَّار، إذ لم يَبقَ بينكم وبينها إلَّا أنْ تموتوا على كُفْركم، فأَنقَذَكم اللهُ تعالى منها بهِدايتِكم إلى الإسلام ». [الدرر السنية، ويُنظر: تفسير ابن جرير (5/ 657-658)، وتفسير السعدي (ص142)، وتفسير ابن عثيمين - سورة آل عمران (1 /598)].



ولذا، ينبغي التنبه إلى أن تحقق الجماعة المسلمة لا يكون إلا على منهج الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأن الإخلال بالتوحيد والدين يؤدي إلى الفرقة المذمومة المحذر منها. [ "موقف الصحابة من الفرقة والفرق" لأسماء السويلم، (ص156-158)].



« وقد أثبت الشرع والواقع أنه لا يمكن حصول الوحدة الحقيقية على غير دين الله عز وجل الذي ارتضاه لعباده، وأن الشعارات الجاهلية كالوطنية والعلمانية أقل وأذل وأرذل من أن تؤلف بين القلوب التي ابتعدت عن هدي خالقها ودينه القويم، وما يجري بين أصحاب تلك الشعارات الباطلة من بطش بعضهم ببعض عند قيام الفتن، أقوى شاهد على فشل الالتفاف حولها، وأنها دعاوى عنصرية لا تلين لها القلوب، ولا تدمع لها العيون. ومن الجدير بالذكر أن الوطنية والعلمانية ما كان لها، وهي دعاوى جاهلية، أن تؤلف بين قلوب الأوروبيين، فقامت الحروب الشرسة بينهم، وسُفكت دماء لا يعلم عددها إلا الله تعالى في الحربين العالميتين الأولى والثانية ». [ "المذاهب الفكرية المعاصرة" لغالب عواجي (2 /978) بتصرف].



والحاصل إخوتي الكرام:

أن الله - عزَّ وجلَّ - بيده وحده تأليف القلوب، كما قال سبحانه مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 62، 63]، فالألفة والجماعة نعمة من الله - عزَّ وجلَّ - تتحقق للأمة بتوفيق الله - عزَّ وجلَّ - عندما يأخذ المسلمون دينهم بقوة، كما أن العداوة والفرقة عذاب سببه الأساسي تراخي قبضة المسلمين على دينهم.



وما أعظم قول عمر رضي الله عنه: « إنا كنا أذلَّ قومٍ فأعزَّنا اللهُ بالإسلامِ، فمهما نطلبُ العزَّ بغيرِ ما أعزَّنا اللهُ به أذلَّنا اللهُ » [رواه الحاكم (1 /130)، وصححه الألباني].



فاللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، وانصر عبادك المجاهدين، اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا، وَأَبْصَارِنَا، وَقُلُوبِنَا، وَأَزْوَاجِنَا، وَذُرِّيَّاتِنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعَمِكَ مُثْنِينَ بِهَا عَلَيْكَ، قَابِلِينَ لَهَا، وَأَتِمِمْهَا عَلَيْنَا.



والله تعالى أعلم.
...المزيد

فوائد مهمة للدعاة مستخلصة من بعض آيات سورة طه بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول ...

فوائد مهمة للدعاة مستخلصة من بعض آيات سورة طه


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.



وبعد: فهذه رسالة في ذكر بعض الفوائد المهمة للدعاة إلى الله تعالى، وهي مستخلصة من قول ربنا سبحانه مخاطبًا نبيه موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي * اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه: 41 - 46].



فمما يستفاد من الآيات السابقة ما يلي:

• بيان شرف أنبياء الله تعالى ورسله، وتبشير من ساروا على نهجهم، ودعوا إلى الله تعالى مقتفين أثرهم بأنهم مصطفون مختارون، وأن ربنا سبحانه وتعالى يحبهم لقوله سبحانه: ﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾، وقوله عز وجل: ﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [القصص: 68].



• أنه لا مكان للعجب والرياء بين الدعاة الصادقين؛ فهم لا يلتفتون لغير الله تعالى، ولا يطلبون غير رضاه سبحانه، ولا يعملون لغيره عز وجل، كما قال تعالى: ﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾ [طه: 41]، وقال سبحانه: ﴿ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ * وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 11 - 18].



• أهمية التعاون بين الدعاة إلى الله تعالى، لقوله سبحانه: ﴿ اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه: 42 - 46]، وقوله عز وجل: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2].



• أن العلم سلاح الدعاة إلى الله تعالى لقوله سبحانه: ﴿ اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي ﴾ [سورة طه: 42]، وقوله عز وجل: ﴿ قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [سورة يوسف: 108].



• أن الذكر زاد الدعاة إلى الله تعالى لقوله سبحانه: ﴿ اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ﴾ [سورة طه: 42]، ومعنى {لَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي}: لا تَفتُرا، وتُقَصِّرا، وتَضعُفا عن ذِكري، بل لازِماه واستَمِرَّا عليه، وفي أهمية الذكر وأثره في انشراح صدر الدعاة إلى الله تعالى يقول الله عز وجل: ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 97 - 99].



• أن على الدعاة إلى الله تعالى دعوة الطغاة، والجبارين، والمتكبرين متوكلين على ربهم سبحانه وتعالى معتمدين عليه وحده، لقوله تعالى: ﴿ اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ ﴾ [سورة طه: 43]، وقوله سبحانه: ﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ﴾ [سورة النمل: 79].



• أن الدعوة إلى الله تعالى تكون "بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ" لقوله سبحانه: ﴿ اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ﴾ [سورة طه: 43-44]، وقوله عز وجل: ﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [سورة النحل: 125].



• أن من استحضر معية الله عز وجل هانت عليه نفسه، وزال خوفه، وعظم رجاؤه، ولا بُدَّ أنْ يكونَ مَنصورًا، لقوله تعالى: ﴿ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [سورة طه: 46]، وقوله سبحانه: ﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾ [سورة غافر: 51-52].



والله تعالى أعلم.



المراجع:

• أضواء البيان للشنقيطي، (4 /14).

• التفسير المحرر، للدرر السنية.

• الكليات، للكفوي (ص: 131، 975).

• المفردات، للراغب (ص: 493).

• الميسر في تفسير القرآن الكريم، لمجمع المدينة لطباعة المصحف الشريف.

• الوجيز، للواحدي (ص: 696).

• تذكرة الأريب، لابن الجوزي (ص: 229).

• تفسير ابن جرير (16 /72-73، 77، 13 /378).

• تفسير ابن كثير (5 /294-296، 4 /422).

• تفسير البيضاوي (4 /28).

• تفسير السعدي (ص: 504، 506، 406).

• تفسير القرطبي (11 /198، 203، 9/ 274).

• غريب القرآن، لابن قتيبة (ص: 279).

• غريب القرآن، للسجستاني (ص: 148).

• جامع العلوم والحكم، لابن رجب (1 /471).

• لقاء الباب المفتوح، لابن عثيمين (اللقاء رقم: 16).

• مجموع الفتاوى، لابن تيمية (5 /104)، 27 /427).

• مجموع رسائل ابن رجب (4 /19).

• مدارج السالكين، لابن القيم (3 /276).

• مفتاح دار السعادة، لابن القيم (1 /154).

• مقاييس اللغة، لابن فارس (3 /313، 6 /146).
...المزيد

ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ...

ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فهذه رسالة أذكِّر فيها نفسي وإخوتي الكرام بفضل الاهتمام بالتبكير للصلوات، وهي رسالة مهمة لكلِّ من يرغب أن تَقْوى همَّتُه للخير والطاعات، وتضعُف رغبته في المعاصي والسيئات.



فأقول - والله وحده هو المستعان -: لقد أمَرَ ربُّنا سبحانه وتعالى بالاستعانة بالصبر والصلاة، كما قال عز وجل: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 45، 46].



يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي - رحمه الله تعالى - في تفسيره للآيتين السابقتين: « أمَرَهم الله أن يستعينوا في أمورهم كلِّها بالصبر بجميع أنواعه، وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤديَها، والصبر عن معصية الله حتى يتركها، والصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخَّطها، فبالصبر وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه معونةٌ عظيمة على كل أمر من الأمور، ومن يَتصبَّرْ يُصبِّرْه الله، وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان، وتَنهى عن الفحشاء والمنكر، يستعان بها على كل أمر من الأمور، (وَإِنَّهَا) أي: الصلاةَ (لَكَبِيرَةٌ) أي: شاقة (إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) فإنها سهلة عليهم خفيفة؛ لأن الخشوع، وخشية الله، ورجاء ما عنده يوجب له فِعلَها منشرحًا صدرُه؛ لترقُّبِه للثواب، وخشيته من العقاب، بخلاف من لم يكن كذلك، فإنه لا داعيَ له يدعوه إليها، وإذا فعَلَها صارت من أثقل الأشياء عليه.



والخشوع هو: خضوع القلب وطُمأنينته، وسكونُه لله تعالى، وانكساره بين يديه ذلًّا وافتقارًا، وإيمانًا به وبلقائه؛ ولهذا قال: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ) أي: يستيقنون (أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ) فيُجازيهم بأعمالهم (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) فهذا الذي خفَّف عليهم العباداتِ، وأوجَبَ لهم التسلِّيَ في المصيبات، ونفَّس عنهم الكربات، وزجَرَهم عن فعل السيئات، فهؤلاء لهم النعيم المقيم في الغرفات العاليات، وأما من لم يؤمن بلقاء ربِّه، كانت الصلاة وغيرها من العبادات من أشقِّ شيء عليه" [تفسير السعدي (ص: 51)].



فالصلاة إذًا إخوتي من أعظم ما يُعين على فعل الطاعات، وترك المنكرات، كما قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45].



يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره للآية السابقة: "ووجه كون الصلاة تَنهى عن الفحشاء والمنكر: أن العبد المقيم لها، المتمِّمَ لأركانها وشروطها وخشوعها، يستنير قلبُه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغْبتُه في الخير، وتقلُّ أو تُعدم رغبته في الشر، فبالضرورة مداومتُها والمحافظة عليها على هذا الوجه، تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها" [تفسير السعدي (ص: 632)].



ولذا؛ فإن من أهم المهمات، وأجلِّ القُربات، وأفضلِ الأعمال الصالحات - الاهتمامَ بإقامة الصلاة إقامةً ظاهرة وباطنة، وفي ذلك يقول الشيخ محمد رشيد بن رضا رحمه الله تعالى عند تفسيره لقول الله عز وجل: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [البقرة: 110]، يقول رحمه الله تعالى:



"إقام الصلاة لا يعني مجرد الأداء الظاهر، وإنما يعني إضافةً إلى الأداء الظاهر القيامَ بحقوقها الروحيَّة في صورتها العملية، وذلك بالتوجُّه إلى الله تعالى ومناجاته والانقطاع إليه عما عداه، وإشعار القلب عظَمتَه وكبرياءه، فبهذا الشعور ينمو الإيمان، وتقوى الثقة بالله، وتتنزَّه النفس أن تأتي الفواحش والمنكرات، وتستنير البصيرة فتكون أقوى نفاذًا في الحق، وأشدَّ بعدًا عن الأهواء، فنفوس المصلِّين جديرةٌ بالنصر؛ لما تعطيها الصلاة من القوة المعنوية، ومن الثقة بقدرة الله تعالى" [تفسير المنار (1 /348)].



هذا، وإن من أعظم ما يُعين على إقامة الصلاة، والخشوع فيها، والإحسان في أدائها - المبادرةَ إليها، ولقد أمر ربُّنا سبحانه وتعالى بالمبادرة إلى الخيرات عمومًا والمسارعة إليها، كما قال عز وجل: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 148].



يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره للآية السابقة: "والأمر بالاستباق إلى الخيرات قدرٌ زائد على الأمر بفعل الخيرات؛ فإن الاستباق إليها يتضمَّن فِعلَها، وتكميلها، وإيقاعها على أكمل الأحوال، والمبادرةَ إليها، ومن سبق في الدنيا إلى الخيرات، فهو السابق في الآخرة إلى الجنات، فالسابقون أعلى الخلق درجةً، والخيرات تشمل جميع الفرائض والنوافل من صلاة وصيام، وزكاة وحج، وعمرة وجهاد، ونفع متعدٍّ وقاصر" [تفسير السعدي (ص: 72)].



وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على المبادرة إلى الصلاة بخصوصها؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو يَعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يَستهِموا لاستهموا عليه، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبَقوا إليه، ولو يعلمون ما في العَتَمةِ والصبح لَأتَوْهما ولو حَبْوًا)) [أخرجه البخاري (652)، ومسلم (1914)].



قال الخليل بن أحمد وغيره من أهل اللغة وغيرهم: التهجير: التبكير [شرح النووي على مسلم (ص: 145)].



وقد جاء في التبكير للصلاة فضائلُ عديدة، منها ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سبعةٌ يُظِلُّهم الله تعالى في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: إمامٌ عدلٌ، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجلٌ قلبه معلَّقٌ في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمَعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجلٌ دعته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمالٍ فقال: إني أخاف الله، ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شمالُه ما تنفق يمينه، ورجلٌ ذكر الله خاليًا، ففاضت عيناه)) [أخرجه البخاري (1423)، ومسلم (1031)]، وموضع الشاهد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (ورجلٌ قلبه معلَّقٌ في المساجد)، فالتبكير للصلوات يعلِّق القلب بالمسجد حتى يكون القلب كأنه قنديل من قناديله.



ومنها: ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما توطَّنَ رجلٌ مسلمٌ المساجد للصلاة والذِّكر إلا تَبَشْبَشَ الله له كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قَدِمَ عليهم)) [أخرجه ابن ماجه (800) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (659)]، ومعنى الحديث: "ما اعتاد رجل الذَّهاب إلى المساجد، وجعل المسجد كالوطن له يألفه ويقيم به ويرتاح إليه، "إلا تبشبش الله له"، أي: فَرِح به، وأقبَلَ عليه، وتلقَّاه ببرِّه وإكرامه، وهذا من الترغيب في إتيان المساجد، ومن حبَسَ نفسه في المساجد على الطاعة فهو مرابطٌ لها في سبيل الله، مخالفٌ لهواها"[1]، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أدلُّكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرةُ الخُطَا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)) [أخرجه مسلم (251) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].



والذي يبكِّر للصلاة يكون في صلاةٍ ما دام سبب وجوده في المسجد هو الصلاةَ، وتصلِّي عليه الملائكة -أي: تدعو له- ما دام في مصلَّاه الذي صلى فيه[2]؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلاة الرجل في جماعةٍ تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعًا وعشرين درجةً؛ وذلك أن أحدهم إذا توضَّأ، فأحسَنَ الوضوء، ثم أتى المسجد لا يَنهَزُه إلا الصلاةُ، لا يريد إلا الصلاة، فلم يخطُ خطوةً إلا رُفع له بها درجةٌ، وحُطَّ عنه بها خطيئةٌ حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلُّون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذِ فيه، ما لم يُحدِثْ فيه)) [أخرجه مسلم (649)].



والذي يبكِّر للصلاة يسهُل عليه الصلاة في الصف الأول، الذي ورَدَ في فضله عددٌ من الأحاديث، منها:

• حديث أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا صلاة الصبح فقال: ((أشَهِدَ فلانٌ الصلاة؟))، قالوا: لا، قال: ((ففلانٌ؟))، قالوا: لا، قال: ((إن هاتين الصلاتين من أثقلِ الصلاة على المنافقين، ولو يعلمون ما فيهما لأَتَوْهما ولو حَبْوًا، والصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو تعلمون فضيلته لابتدرتموه، وصلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاة الرجل مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كانوا أكثر فهو أحَبُّ إلى الله عز وجل)) [أخرجه النسائي (843)، وحسنه الألباني في صحيح النسائي (842)].



• وحديث العِرْباض بن سارية رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للصف المقدَّم ثلاثًا وللثاني مرةً. [أخرجه ابن ماجه (996)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (822)].



والذي يبكِّر للصلاة يسهُل عليه الدعاء بين الأذان والإقامة، الذي جاء فيه أنه دعاء مستجاب، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدعوة لا تُرَدُّ بين الأذان والإقامة؛ فادْعُوا)) [أخرجه أحمد (13357)، وصححه شعيب الأرناؤوط].



والذي يبكر للصلاة يسهل عليه أداء سنن الرواتب القبليَّة، التي جاءت في حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ثابر على ثنتي عشرة ركعةً من السُّنة، بنى الله له بيتًا في الجنة: أربع ركعاتٍ قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر) [أخرجه الترمذي (414)، وصححه الألباني].



والذي يبكر للصلاة يسهل عليه الترديدُ خلف المؤذن ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلُّوا عليَّ، فإنه من صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشرًا)) [أخرجه مسلم (385)].



وجاء في حديث آخرَ بيان كيفية الترديد خلف المؤذن وفضله، وهو حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله، من قلبه، دخل الجنة) [أخرجه مسلم (385)].



ومن الأدعية المشروعة بعد الأذان أيضًا ما جاء في حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يسمع النداء: اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آتِ محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، حلَّتْ له شفاعتي يوم القيامة)) [أخرجه البخاري (614)].



ومن الأدعية المشروعة المتعلقة بالأذان ما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيتُ بالله ربًّا، وبمحمدٍ رسولًا، وبالإسلام دينًا، غُفِر له ذنبه)) [أخرجه مسلم (386)].



والذي يبكر للصلاة قد يؤذِّن لها إنْ تَغيَّبَ المؤذِّنُ أو أَذِنَ له بذلك، فيحصل له الأجر العظيم للأذان، والذي جاء فيه أحاديثُ ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((المؤذن يُغفَر له مدى صوته، ويشهد له كلُّ رطبٍ ويابسٍ، وشاهدُ الصلاة يُكتب له خمسٌ وعشرون صلاةً، ويُكفَّر عنه ما بينهما) [أخرجه أبو داود (515)، وصححه الألباني]، فإن لم يحصل له ذلك، فلْيُردِّدْ خلف المؤذن، ثم يأتِ بالأذكار المشروعة التي جاء في فضلها أجور عظيمة، وبشائرُ كريمة، وخيرات عميمة.



والذي يبكر للصلاة يسهل عليه تحصيل البَراءتينِ المذكورتين في حديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى لله أربعين يومًا في جماعةٍ يُدرِكُ التكبيرة الأولى، كُتب له براءتان: براءةٌ من النار، وبراءةٌ من النفاق)) [أخرجه الترمذي (241)، وحسنه الألباني بمجموع الطرق في السلسلة الصحيحة (2652)].



وأيضًا، فإن الذي يبكر للصلاة يسهل عليه تحرِّي موافقة تأمين الملائكة وقولهم: "اللهم ربنا لك الحمد"، فيحصل له بذلك مغفرة الذنوب كما جاء في الحديثين التاليين:



• حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا؛ فإنه من وافَقَ تأمينُه تأمينَ الملائكة، غُفر له ما تَقدَّمَ من ذنبه)) [أخرجه البخاري (780)، ومسلم (410)].



• وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربَّنا لك الحمد؛ فإنه من وافق قوله قول الملائكة، غُفِر له ما تَقدَّمَ من ذنبه)) [أخرجه البخاري (3228)].



وهذا التحري لموافقة قول الملائكة وتأمينهم يسهل على من يبكر للصلاة، ويدركها من أولها، بخلاف من يأتي للصلاة متأخرًا وقد تفُوتُه بعضُ الركعات.



هذا، وقد خُصَّ التبكير لصلاة الجمعة بفضل خاص، فهو أحد أسباب تحصيل الأجر العظيم الوارد في حديث أَوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من غسَّل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكَّر وابتكَر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يَلْغُ، كان له بكل خطوةٍ عملُ سَنةٍ؛ أجرُ صيامها وقيامها)) [أخرجه أبو داود (345)، وصححه الألباني].



والحاصل:

أن الذي يبكِّر للصلاة "يستنير قلبُه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتَقْوى رغبتُه في الخير، وتسهل عليه العبادات، وتقلُّ بل تنعدم رغبته في الشر والمعاصي إذا حافظ على إقامة الصلاة بظاهره وباطنه، كما أمر ربُّنا عز وجل"[3]، فتكون الصلاة راحةً له وقرةَ عين، كما كانت قرةَ عين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((جُعِل قرةُ عيني في الصلاة)) [أخرجه النسائي (3939)، وقال عنه الألباني في صحيح النسائي (3949): حسن صحيح]، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: ((يا بلالُ، أقِمِ الصلاة، أَرِحْنا بها)) [أخرجه أبو داود (4985) من حديث سالم بن أبي الجعد رضي الله عنه، وصححه الألباني].

والله تعالى أعلم.



وأختم بهذا الدعاء الجليل: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40].

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


[1] موقع الدرر السنية.

[2] موقع الدرر السنية.

[3] جملة مقتبسة من كلام الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره (ص: 632) بتصرف.
...المزيد

رسالة لكل من يستهزئ بالخدم والعمالة بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى ...

رسالة لكل من يستهزئ بالخدم والعمالة


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فإن ما يقع من ظلم واحتقارٍ وازدراء كثير من الناس للخدم والعمالة أمر لا يقره الإسلام البتةَ، بل ينهى عنه ويحذر منه أشد التحذير، فقد قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [النحل: 90]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ). [رواه مسلم 2564].



وعن أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ؛ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ). [رواه البخاري 30، ومسلم 1661].



والحديث السابق يوضح أمر الإسلام بالإحسان للعبيد، أما الخدم والعمالة فهم أحرار ولدتهم أمهاتهم أحرارًا، وفقرهم إن كانوا فقراء ليس بعيب، فالفقر لم يكن يومًا عيبًا. والحق أن الفقر فقر النفوس والأخلاق، والضعف ضعف الإيمان واليقين.



وما يدريك يا من تستهزئ بالخدم والعمالة أنهم قد يكونون خيرًا منك عند رب العالمين جل جلاله، كيف لا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وأَمْوالِكُمْ، ولَكِنْ يَنْظُرُ إلى قُلُوبِكُمْ وأَعْمالِكُمْ) [رواه مسلم 2564]، ثمَّ ألم يقل ربنا جل وعلا في سورة الحجرات: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات 10]، فلماذا تعامل غيرك على أنه أقلَّ منك وأنتَ تعلمُ أَنَّهُ ﴿ لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [الحج: 32].



هذا، ويكفي العاقل لمعرفة معيار التفضيل في الإسلام قولُ ربِّنَا عزَّ وجلَّ: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]، وقولُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في خُطْبَةٍ فِي وَسْطِ أَيَّامِ التَّشْرِيق: (يا أيُّها النَّاسُ، ألَا إنَّ ربَّكم واحِدٌ، وإنَّ أباكم واحِدٌ، ألَا لا فَضْلَ لِعَربيٍّ على عَجَميٍّ، ولا لعَجَميٍّ على عَرَبيٍّ، ولا أحمَرَ على أسوَدَ، ولا أسوَدَ على أحمَرَ؛ إلَّا بالتَّقْوى، أبَلَّغتُ؟ قالوا: بَلَّغَ رسولُ اللهِ). [رواه أحمد 23489 وصححه شعيب الأرناؤوط].



وفقنا الله تعالى جميعًا للإحسان في عبادته، والإحسان في معاملة خلقه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
...المزيد

من مخاطر الخدم والسائقين [1] بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله ...

من مخاطر الخدم والسائقين [1]



بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فبعض الناس يُولي السائقين والخدم ثقةً مطلقةً، ويتساهلون معهم إلى حد التفريط وعدم المبالاة بالعواقب والنتائج، ومن خطر ذلك: قيام العلاقات غير المشروعة بينهم وبين بعض أفراد الأسرة.



وهذه بعض الحوادث لعل فيها عبرة وموعظة:

• خادمة نشيطة ونظيفة كسبت مودةَ أهل البيت ومحبتهم حتى البنت المراهقة في الأسرة، ومن ثَمَّ استغلت الخادمة هذه الثقة، فأتت - عن طريق زوجها السائق - بأفلام الجنس لتجلس البنتُ أمامها وتراها، ومن ثَمَّ تدعو زوجها للدخول على البنت، ويفعل بها الفاحشة.



• خادمة سعت وراء شاب من شباب إحدى الأسر حتى وقع بها وفعل بها الفاحشة، فحملت منه!



• شاب سعى وراء خادمة طاعنة في السن إلى فعل بها الفاحشة، ثم ظل الشاب متحيرًا مترددًا يتوب مرة ويعود مرة إلى أن عزم وصدق على الثبات والتوبة، لكن ظلت الخادمة تدعوه للفاحشة دهرًا من الزمن إلى أن غادرت إلى بلادها.



والقصص كثيرة جدًّا، وكثيرًا ما نسمع من يسأل عن حالات مشابهة، ولكن لعل فيما ذُكِرَ موعظةً وذكرى ﴿ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37].



وقد يسأل أحد الناس فيقول: أنا بحاجة إلى الخادمة، فماذا أفعل؟

فنقول له: إذا كانت الحالة ضرورية جدًّا، كأن تكون ربة البيت طاعنة في السن، أو مريضة لا تستطيع القيام بأعمال البيت، ولا يوجد من يقوم بذلك، وغير ذلك من الضروريات، فتكون هناك آداب لا بد من الأخذ بها حفاظًا على عقيدة البيت وأخلاقه، وتتمثل في الآتي:

• أن يكون قدومُ الخادمة إلى البلد وسفرُها منه إلى بلادها بوجود مَحرم لها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُسافر المرأة إلا مع ذي مَحرم)؛ [متفق عليه].



• أن تكون هذه الخادمة مسلمة، وتلتزم بالأخلاق والآداب الإسلامية.



• مراقبة ربة البيت للخادمة في أداء الصلاة والفرائض الشرعية الأخرى، وحثها عليها.



• عدم خلوة الرجل أو أحد الأبناء بالخادمة مطلقًا.



• عدم تكشُّف الخادمة أمام الزوج أو أحد الأبناء، وأن تلتزم بالحجاب الشرعي.



• حرص الأب والأبناء على غض البصر الذي هو معقد السلامة من الانحراف.



• تحديد المهام المنوطة بالخادمة، وعدم الاتكال عليها في إدارة جميع شؤون البيت وتربية الأولاد.



هذا، ويُوصَى من أحضر السائق للبيت مع قدرته على القيادة، أو وجود من يقوم بذلك من الأولاد - أن يتقي الله في زوجته وبناته، وأن يستغني عن السائق، وألا يترك الحبلَ على الغارب، وذلك ثقة بأهل بيته، وأنهم بعيدون عن الحرام، أو ارتكاب شيء من الفواحش، فإن السائق رجل كباقي الرجال، أما إذا اضطُرَّ إلى السائق، فيجب أن يكون فطنًا حريصًا على أهل بيته، وأن يراقب تصرفات أهل بيته وتصرفات السائق، فكم من جريمة ارتُكبت والأب المسكين غافل لا يدري، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.



وماذا يعني - أيها الآباء - الطرد أو الجزاء الرادع أو الندم إذا هُتك العرض وشاعت الفاحشة وظهر الخزي؟! وليس ببعيد أن يحصل ذلك لمن لم يلتزم آداب الإسلام، والله وحده هو المستعان.



اللهم احفَظ أعراض المسلمين، وأكرِمنا بالعافية والستر في الدنيا والآخرة، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


[1] مستقى، وملخص من مقال منشور على موقع مداد، عنوانه "خطر الخدم والسائقين"، لحمود السليم؛ بتصرف.
...المزيد

الصيام في النصف الثاني من شعبان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ ...

الصيام في النصف الثاني من شعبان


عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا" [أخرجه أبو داود (2337)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود].



وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ" [أخرجه البخاري (1914)].



ويستثنى من النهي الواراد في الحديثين السابقين ما يلي:

• من كان له عادة صوم، لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ" [أخرجه البخاري (1914)].



• من بدأ الصوم قبل منتصف الشهر، لحديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ. فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ. [أخرجه البخاري (1969)]، وحديث أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ. قَالَ: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ" [أخرجه النسائي (2357)، وحسنه الألباني في صحيح النسائي (2356)].



• - القضاء والنذر والكفارة، لحديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ، الشُّغْلُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وفي رواية: وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [أخرجه مسلم (1146)].



والله تعالى أعلم.



المراجع:

• ((أحاديث ثابتة في فضل الصيام في شهر شعبان، وأحاديث منتشرة عن شهر شعبان ولا تصح)) على الرابط التالي:

https://www.alukah.net/sharia/0/145699/



• ((لا حرج من قضاء رمضان في النصف الثاني من شعبان)) بموقع الإسلام سؤال وجواب، على الرابط التالي:

https://islamqa.info/ar/answers/49884/
...المزيد

الجمع بين النصوص ودفع التعارضات الموهومة بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ...

الجمع بين النصوص ودفع التعارضات الموهومة


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.



وبعد: فمن المعلوم قطعًا عدم وجود أي حديث في "صحيح البخاري" يتناقض مع القرآن الكريم، بل لا يوجد أي حديث ثابت عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في "صحيح البخاري" أو غيره يتناقض مع شيءٍ من كتاب الله عز وجل.



فالقرآن الكريم والسنة النبوية كلاهما وحيٌ من الله تعالى، ويصدق بعضهما بعضًا، ويفسر بعضهما بعضًا، « وما كان من عند الله فلا اختلاف فيه ولا تناقض، وإنما الاختلاف والتناقض فيما كان من عند غيره ». [إعلام الموقعين لابن قيم الجوزية (2 /294)].



قال الله تعالى: ﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82]، وقال سبحانه: ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 41-42]، وقال عزَّ وجلَّ عن نبيه صلى الله عليه وسلم وعن القرآن والسنة: ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلهَوَىٰۤ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ﴾ [النجم 3 - 4].



وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة، ولا يختلف فيه اثنان من المسلمين، وقد حكى الباقلاني الإجماع على منع التعارض بين الأدلة الشرعية في نفس الأمر مطلقًا، كما روى الخطيب البغدادي عنه ذلك فقال: « يقول الباقلاني: وكل خبرين عُلم أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بهما، فلا يصح دخول التعارض فيهما على وجه، وإن كان ظاهرهما متعارضين؛ لأن معنى التعارض بين الخبرين والقرآن من أمر ونهي وغير ذلك، أن يكون موجب أحدهما منافيًا لموجب الآخر، وذلك يبطل التكليف إن كان أمرًا ونهيًا، وإباحة وحظرًا، أو يوجب كون أحدهما صدقًا والآخر كذبًا إن كانا خبرين، والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عن ذلك أجمع، ومعصوم منه باتفاق الأمة وكل مثبت للنبوة ». [الكفاية للخطيب البغدادي ص433].



ومن وهم وجود تعارض بين الوحيين، فإنما ذلك لعلة في فهمه وعقله، ولو أعطى نفسه فرصة بالرجوع إلى كلام أهل العلم وتفاسيرهم وشروحهم لزالت أوهامه، وذهبت إشكالاته، وتعلم الجمع بين النصوص الذي هو معقد السلامة من الانحراف، فبالعلم تزول الشبهات والإيرادات، ويزداد الإيمان واليقين، وتصلح القلوب والأعمال.



« وقد استعمل هذه القاعدة - قاعدة الجمع بين النصوص، ودفع التعارضات الموهومة - كثير من أئمة العلم والدين في كسر المبتدعة وتفنيد شبهاتهم، كصنيع الإمام الشافعي رحمه الله في كتاب "الرسالة"، وفي كتاب "مختلف الحديث"، وكذلك الإمام أحمد رحمه الله في "الرد على الجهمية"، والإمام ابن قتيبة رحمه الله في كتاب "مختلف الحديث"، والطحاوي رحمه الله في "مشكل الآثار"، وغير هؤلاء كثير من أئمة السنة ». ["منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد" لعثمان بن علي بن حسن (1 /348)].



ولذا، فإنه ينبغي على كل من وهم تعارضًا أو أشكل عليه فهم نص سؤال أهل العلم عملًا بقول الله عز وجل: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43].



والله تعالى أعلم.
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً