أخي المجاهد من تواضع لله رفعَه لا تكتمل الصفات الحسنة للرجال مالم يتزيَّنوا به، فهو بوابة ...

أخي المجاهد من تواضع لله رفعَه


لا تكتمل الصفات الحسنة للرجال مالم يتزيَّنوا به، فهو بوابة العبور للقلوب، لا يسلكها إلا من اتصف به، فقلَّ أن ترى مألوفا عند الناس ليس مُتخلِّقا به، أجمع الناسُ على استحسانه، وجُبلت النفوس على حبِّه.

إنه التواضع، يرتقي صاحبه بأعين الناس إن أخفض لهم جناحه، ويعظُم في عيونهم إن بسط لهم نفسه، وكما الأرض المتواضعة تنعم بالبركة والخير الوفير، كذلك النفس المتواضعة تنعم بالقبول والأنس من الجميع.

أخي المجاهد: كيف لبشر خلقه الله من تراب، وشرَّفه بعبوديته أن يتعدى خصائصه ويأنف، ينظر لغيره بعين الصغار ويترف، وهو عند الله أصغر، فهنيئا للمتواضعين اندراجهم تحت:(يحبهم ويحبونه)، وتعسا للمندرجين تحت (وبئس مثوى المتكبرين).

قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54].
وإن أكثر من تمثَّلت به هذه الصفة النبيلة نبيُّنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب الحمار، ويلبس الصوف، ويعتقل الشاة، ويأتي مراعاة الضيف" [سنن البيهقي].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبدا بعفو ، إلا عزا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) [رواه مسلم].

وحذَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من التكبر وضرب لنا مثلا على سوء مصير صاحبه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بينما رجلٌ يتبختر يمشي في برديه قد أعجبته نفسه فخسف الله به فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة) [رواه البخاري ومسلم].

قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63]، قال ابن كثير: "أي بسكينة ووقار من غير تجبُّر ولا استكبار".

أخي المجاهد لقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى التواضع، وحَثّ عليه لما له من فوائد كثيرة، فقد روى عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إنّ الله أوحَى إليَّ أنْ تواضعوا حتى لا يَفْخَر أحد على أحد ولا يَبغي أحد على أحد) [رواه مسلم].

وقد ذكر لنا ربنا عز وجل أن أعظم فوائده هي الجائزة الكبيرة التي يحصل عليها المتواضعون في الدار الآخرة، قال سبحانه:{تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[القصص:83].


جعلنا الله ممن يتواضعون لعباده المؤمنين، ويلين جناحهم للمسلمين، وأعاذنا الله من الكبر والمتكبرين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 133
الخميس 8 رمضان 1439 ه‍ـ
...المزيد

واجب النساء في جهاد الأعداء النساء شقائق الرجال، وكم من مسلمة لم يقعدها ضعفها وانشغالها بتربية ...

واجب النساء في جهاد الأعداء


النساء شقائق الرجال، وكم من مسلمة لم يقعدها ضعفها وانشغالها بتربية أطفالها وطاعة زوجها عن أن تنال من المعروف ما ناله الكُمّل من الرجال، بل منهن من طرقت أبوابا هي من أخص خصائص الرجال لما فيها من شدّة على النفس، وحاجة إلى القوّة والعزيمة، كباب الجهاد في سبيل الله تعالى.

وإننا اليوم في إطار هذه الحرب على الدولة الإسلامية، وما فيها من شدة وبلاء، يغدو لزاما على النساء المسلمات أن يقمن بواجبهن على كافة الأصعدة في دعم المجاهدين في هذه المعركة، بأن يعددن أنفسهن مجاهدات في سبيل الله، ويتجهزن للذود عن دينهن بأنفسهن فداء لدين الله تبارك وتعالى، وبتحريضهن لأزواجهن وأبنائهن، فيكن كالنساء المجاهدات من الرعيل الأول.

ولبيان أهمية واجبك أختي المسلمة في الصراع المحتدم اليوم بين ملل الكفر وملة الإسلام، لا بد لنا أن نذكرك بالمرأة المجاهدة في العصر الذهبي للإسلام، وما سوف نسوقه لك من نماذج لنساء المسلمين هو أحد الجوانب المضيئة في حياة المرأة المسلمة، أم الأبطال وأخت الأبطال وزوجة الأبطال، وليس غريباً على نساء المسلمين اليوم أن يكون عندهن من الفداء والصدق والحب للدين مثل المجاهدات السابقات اللاتي نصرن الإسلام.

وعسى أن يكون ما سنذكره من صور دافعاً لك -أختي الكريمة- لتقتدي بهن، ليحصل لك من الخير ما حصل لهن وللدين في وقتهن، فهنَّ حقاً من يستحققن أن يقتدى بهن، وليست غيرهن قدوتك أختي المسلمة، كلا، فإن أردت أن تعرفي من أنت فانظري بمن تقتدين، وإذا أردت أن تعرفي حال الأمة فانظري بمن تقتدي نساؤها، فإن كنَّ يقتدين بالعظيمات المجاهدات الصادقات القانتات العابدات الصابرات فقد انتصرت الأمة، وإن كن يقتدين بالكافرات الكاذبات الضالات المضلات المائلات المميلات، فهذه خسارة كبيرة للأمة حقاً.


• حرص النساء الصحابيات على القتال:

لقد دخلت المرأة ميدان المعركة في قرون الإسلام الأولى ليس ذلك بسبب قلة الرجال في وقتها، ولكنه راجع إلى حبها للأجر والفداء والتضحية في سبيل الله، يبين ذلك ما رواه أحمد عن حشرج بن زياد الأشجعي عن جدته أم أبيه أنها قالت: خرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزاة خيبر وأنا سادس ست نسوة، فبلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن معه نساء، فأرسل إلينا فقال: (ما أخرجكن؟ وبأمر من خرجتن؟) فقلنا: خرجنا نناول السهام، ونسقي الناس السويق، ومعنا ما نداوي به الجرحى، ونغزل الشَّعر، ونعين به في سبيل الله، قال: (قمن فانصرفن)، فلما فتح الله عليه خيبر أخرج لنا سهاماً كسهام الرجل، قلت: يا جدة ما أخرج لكن؟ قالت: تمراً.

ومن حبها أيضاً للجهاد والفداء لهذا الدين فقد قادها ذلك الحب الصادق إلى طلب خوض الجهاد طلباً صريحاً من الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقالت كما في البخاري وسنن النسائي واللفظ له عن عائشة -رضي اله عنها- أنها قالت: قلت: يا رسول الله، ألا نخرج فنجاهد معك، فإني لا أرى عملاً في القرآن أفضل من الجهاد؟ قال: (لا، ولكنَّ أحسن الجهاد وأجمله حج البيت حج مبرور)، وفي رواية أحمد والبخاري قال: (لا، جهادكنَّ الحج المبرور وهو لكنَّ جهاد).


• نسيبة الأنصارية:

وأول تلك النماذج التي نسوقها لك -أختي الكريمة- لتقتدي بها، لو كانت نساء المسلمين مثلها لما ضاع لنا حق ولا انتهكت لنا حرمة إن شاء الله، إنها المجاهدة الشجاعة التي خرجت يوم كان الجهاد جهاد دفع، إنها أم عمارة نَسِيبةُ بنتُ كعبٍ الأنصارية.

جاء في ترجمتها في سير أعلام النبلاء للذهبي: "شهدت أم عمارة ليلة العقبة وشهدت أحداً والحديبية ويوم حنين ويوم اليمامة وجاهدت وفعلت الأفاعيل، وقُطعت يدها في الجهاد، وقال الواقدي شهدَتْ أُحُداً مع زوجها غزية بن عمرو ومع ولديها، خرجت تسقي ومعها شَنٌّ وقاتلت وأبلت بلاء حسناً، وجُرحت اثني عشر جرحاً.
وكان ضمرة بن سعيد المازني يحدث عن جدته وكانت قد شهدت أحداً، قالت سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لمقام نَسيبةَ بنتِ كعبٍ اليومَ خيرٌ من مقامِ فلانٍ وفلان)، وكانت يومئذ تقاتل أشد القتال وإنها لحاجزة ثوبها على وسطها حتى جرحت ثلاثة عشر جرحاً، وضربها ابن قمئة على عاتقها وكان أعظم جراحها، فداوته سنة، ثم نادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حمراء الأسد، فشدت عليها ثيابها، فما استطاعت من نزف الدم، رضي الله عنها ورحمها".

• ألق ترسك إلى من يقاتل:

قال الإمام الذهبي: "قالت أم عمارة: رأيتني، وانكشف الناس عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فما بقي إلا نفر ما يتمون عشرة، وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذب عنه، والناس يمرون به منهزمين، ورآني ولا ترس معي فرأى رجلاً مولياً ومعه ترس، فقال: (ألق ترسك إلى من يقاتل)، فألقاه فأخذته فجعلت أترِّسُ به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل، ولو كانوا رَجَّالة مثلنا أصبناهم إن شاء الله، فأقبل رجل على فرس فيضربني وترَّسْتُ له فلم يصنع شيئاً وولى، فأضربُ عرقوبَ فرسِه فوقع على ظهره فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يصيح: (يا ابنَ أمِّ عِمارة أمَّكَ أمَّكَ)، قالت: فعاونني عليه حتى أوردته شَعوبَ، وهو اسم من أسماء الموت".

قال الإمام ابن كثير: "قال ابن هشام: وقاتلت أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية يوم أحد، فذكر سعيد بن أبي زيد الأنصاري أن أم سعد بنت سعد بن الربيع كانت تقول: دخلت على أم عمارة فقلت لها: يا خالة أخبريني خبرك، فقالت: خرجت أول النهار أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف وأرمي عن القوس، حتى خلصت الجراح إلي، قالت: فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور فقلت لها: من أصابك بهذا؟ قالت: ابن قمئة أقمأه الله، لما ولى الناس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقبل يقول: دلوني على محمد لا نجوت إن نجا، فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير وأناس ممن ثبت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضربني هذه الضربة" [البداية والنهاية].


• من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟!

وقال الذهبي: "عن عبد الله بن زيد [وهو ابن أم عمارة] قال: جرحتُ يومئذ جرحاً وجعل الدم لا يَرْقَأُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعصب جرحك)، فتُقْبِل أمي إليَّ ومعها عصائب في حِقْوها، فرَبَطَت جرحي والنبي -صلى الله عليه وسلم- واقف فقال: (انهض بُنيَّ فضارب القوم)، وجعل يقول: (من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟)، فأقبل الذي ضرب ابني فقال رسول الله: (هذا ضارب ابنك)، قالت: فأعترض له فأضرب ساقه، فبرك، فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتبسم حتى رأيت نواجذه، وقال (استقدت يا أم عمارة)، ثم أقبلنا نَعُلُّه بالسلاح حتى أتينا على نفْسِه، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله الذي ظَفَّرَكِ)".

وقال: "عن عبد الله بن زيد بن عاصم أيضاً، قال: شهدتُ أُحُداً، فلما تفرقوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دنوت منه أنا وأمي نذب عنه فقال: (ابن أم عمارة؟) قلت: نعم، قال: (ارمِ)، فرميت بين يديه رجلاً بحجر وهو على فرس، فأصبت عين الفرس، فاضطرب الفرس، فوقع هو وصاحبه، وجعلت أعلوه بالحجارة والنبي -صلى الله عليه وسلم- يتبسم، ونظر إلى جرح أمي على عاتقها فقال: (أمَّكَ أمَّكَ اعصِبْ جُرْحَها، اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة) قلت: ما أبالي ما أصابني من الدنيا".

وقال: "عن محمد بن يحيى بن حبان قال: جُرِحَتْ أم عمارة بأُحُد اثني عشر جرحا، وقطعت يدها يوم اليمامة، وجُرِحَتْ يوم اليمامة سوى يدها أحد عشر جرحا. فقدمت المدينة وبها الجراحة فلقد رئي أبو بكر -رضي الله عنه- وهو خليفة يأتيها يسأل عنها، وابنها حبيب بن زيد بن عاصم هو الذي قطعه مسيلمة، وابنها الآخر عبد الله بن زيد المازني الذي حكى وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قُتل يوم الحرة وهو الذي قَتل مسيلمة الكذاب بسيفه" [سير أعلام النبلاء].

هذه هي المجاهدة الشجاعة الصابرة أم عمارة، وحقاً من يطيق ما تطيق أم عمارة؟ متى كانت هذه قدوتك أختي الكريمة في شجاعتها وفدائها وإقدامها وثباتها وصبرها على هذا الطريق أفلحتِ، بإذن الله.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 132
الخميس 1 رمضان 1439 ه‍ـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - فأس الخليل خلق الله الناس ليعبدوه وحده، ولا يشركوا به شيئا، فافترقوا بين ...

الدولة الإسلامية - فأس الخليل

خلق الله الناس ليعبدوه وحده، ولا يشركوا به شيئا، فافترقوا بين مؤمن وكافر، فأرسل الله لهم الرسل يدعونهم إلى الخير والصلاح، والفوز والفلاح، فأبى أكثرهم إلا الكفر والجحود، وآثروا كبراءهم وزعماءهم وما كان عليه آباؤهم على هدى الله، وهنا أُضرم سراج الدعوة إلى الله، لإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.

وتعددت سبل الدعوة عند الأنبياء رغم وحدة الرسالة، فدعوا بما أذن الله لهم به، فمنهم من دعا إلى الله بالحجة والبرهان، فكان يناظِر أئمة الكفر ويحاججهم، ويدعو عامة الناس ويخاطبهم، ومنهم من دعا بهما مع السيف والسنان، فيقاتل بمن آمن معه من كفر ، ويضرب أئمة الكفر لينتهي من هو دونهم عن غيِّه، ويزيلوا رموز الشرك ويهدموا حصونه.

وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة عشر سنين، فما آمن معه إلا قليل، وكان أغلبهم يخفي إيمانه خوفا من بطش المشركين، فلما هاجر إلى المدينة وبايعه الأنصار وقويت شوكة المسلمين، أمِن الموحدون على دينهم، فتوافدوا زرافات ووحدانا ودخلوا في دين الله أفواجا، وهنا أُذن للنبي صلى الله عليه وسلم بالقتال، فعقد الألوية تلو الألوية، وشنَّ الغزوات تلو الغزوات، في سبيل إظهار نور الحق وإخماد نار الشرك، حتى منَّ الله عليه بقطف رؤوس الكفرة المعاندين، وكسر أصنام المشركين.

وإن كان شرك الأصنام هو المنتشر في زمن نبينا صلى الله عليه وسلم، فإن شرك الحكم والتشريع هو الذي فشا في زمننا هذا، فقد اتخذ كثير من الناس لله أندادا، يُحلُّون لهم الخبائث ويحرمون عليهم الطيبات، وسخَّروا في سبيل إرساء حكم الجاهلية الشُّرَط والجيوش، وإن اختلفت هذه الأنظمة في طرق إرساء حكمها وسبل تنفيذه، فإنها اجتمعت في الحكم الشرعي، فكلها طواغيت تحكم بغير ما أنزل الله، فعبد من رضي بهم ربا أصناما لم تعرفها قريش ولا أهل اليمن، كان من أشهرها صنم الديمقراطية.

وإن الدولة الإسلامية حريصة على دعوة الناس وتجنيبهم الشرك، ويتجلى ذلك في تاريخها الحافل بالبذل في سبيل تحقيق العبودية لله، ولما كان صنم الديمقراطية أظهر أنواع الشرك في عصرها، سعت جاهدة في فضحه وتعريته، وقررت منع الانتخابات الشركية بشتى الوسائل، فسخَّرت لذلك جنودها في حملات إعلامية مدروسة، وعمليات عسكرية منظمة، حيث وزعت دولة العراق الإسلامية -سنة 1431 للهجرة- البيانات والمنشورات التي تكشف حقيقة الديمقراطية للناس، وتحذرهم من المشاركة فيها رغم خطورة ذلك الفعل في عقر دارهم، وسخَّرت إعلامها لذلك، واستهدفت مراكز الانتخابات بما يقارب 2000 عملية في يوم الانتخابات، فأحجم كثير من الناس عن المشاركة في الانتخابات حينها.

ولما أعلنت الحكومة الرافضية عن موعد الانتخابات قبل أشهر معدودة، بدأت أجناد الخلافة في مختلف الولايات تعد العدة لهذا اليوم، لتُعمل في هذا الصنم فأس الخليل -عليه السلام-، فبدأوا قبل الانتخابات بقطف رؤوس المترشحين لها والداعين للمشاركة فيها حتى خبت أصواتهم، وازدادت وتيرة عمليات المجاهدين حدة مع اقتراب ذلك اليوم، فلما كان يوم الانتخابات، استهدفوا مراكزها والقائمين عليها، حتى زُرعت الرهبة في قلوب الناس، فباتت المراكز الانتخابية خاوية على عروشها، وسجلت الانتخابات العراقية سنة 1439 للهجرة أدنى مستويات المشاركة منذ 15 عاما، بفضل الله.

وسيواصل جنود الخلافة حربهم على الشرك بكل أنواعه، وسيمضون في تحطيم الأصنام وثنا تلو وثن، مستعينين بالله مستخدمين جميع الوسائل الممكنة حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله، والعاقبة للمتقين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 132
الخميس 1 رمضان 1439 ه‍ـ
...المزيد

إيَّاكم والظن فإنه أكذب الحديث بسببه يُتهم البريء، ويُكذَّبُ الصادق، ويخوَّن المُؤتمن، ويُرمى ...

إيَّاكم والظن فإنه أكذب الحديث

بسببه يُتهم البريء، ويُكذَّبُ الصادق، ويخوَّن المُؤتمن، ويُرمى العفيف، ويُدان المظلوم، وهو باب من أبواب الظلم، يتلبس بأصعب المواقف التي يتعرض لها المرء في حياته، وقد حذرَنا رب العزة منه، وأمرنا باجتنابه والابتعاد عنه فقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } [الحجرات: 12].

إنه سوء الظن، له محرضات كثيرة أولها الادِّعاء بمعرفة ما في القلوب، والزعم بالاطلاع على خبايا الصدور، ولقد علَّمنا الشرع الحنيف ألا نحكم على الناس من خلال السرائر، فالله تعالى -هو الوحيد- المطلع عليها، ولم يسمح لنا بالتفتيش فيها والتنقيب بها.

أخي المجاهد: إن الحكم على ما في قلوب الناس يدفع المرء لإساءة الظن بهم، فيرى الخطأ غير المقصود مفتعلا ومدروسًا، بل عن سابق قصد وترصد، ويسمع الكلمة -حمَّالة الأوجه- ذما، ويرى الابتسامة استهزاء، والمزاح ازدراء، والنصيحة اتهاما، والعون انتقاصا.

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانها) [أخرجه البخاري وأحمد].

ففي الحديث تحذير من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من التحسس والتجسس، لأن بهما اطلاع على جزء من الأمر وليس كله، وقد يكون الحق فيما خفي، كذلك الحسد مدخل من مداخل سوء الظن بالناس، فهو يحرض عليه، فما مبرر تمنيه زوال النعمة عن أخيه إلا أن الأخير فعل كذا وقال كذا وقصد كذا، فهو بذلك يبرر حسده ولن يرى كسوء الظن معينا له على ذلك، وقل ذلك أيضا عن التباغض، فإذا ما أبغض المرء أخاه أساء الظن به.

وإن الأولى بالمسلم الانشغال بذكر الله عن الانشغال بعورات الناس وتتبعها، والعمل على علاج أمراضه بدل السعي لعلاج أمراض غيره، فمن انشغل بنفسه لن يجد الوقت للانشغال بالآخرين.

وليس المقصود هنا التوقف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل المقصود أن يبتعد المرء عن إساءة الظن إن لم يكن لديه دليل قاطع واضح بيِّن، وتحسين الظن فيما يستوعب ذلك.

قال أحدهم: "إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له العذر جهدك، فإن لم تجد له عذراً فقل في نفسك: لعلَّ لأخي عذراً لا أعلمه".

وقال تعالى: { وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا } [النجم:28].

أخي المجاهد إن الشيطان متكفل بسوء الظن، فهو الوقود الذي يستعمله لزرع الخصومات والعداوات بين الإخوة، ولا يكاد يفتر عن التحريش بينهم، وأهم الأمور الواجب اتباعها لقطع الطريق على الشيطان في هذا الباب هو إحسان الظن بإخوانه والمسلمين.


• قالوا عن سوء الظن:

"من حكم بشرٍ على غيره بمجرد الظن حمله الشيطان على احتقاره، وعدم القيام بحقوقه، والتواني في إكرامه، وإطالة اللسان في عرضه، وكلها من المهلكات، فليس أريح لقلب العبد في هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من حسن الظن، فبه يسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تؤذي النفس، وتكدر البال، وتتعب الجسد".

"ثم إن من آفات سوء الظن أنه يحمل صاحبه على اتهام الآخرين، مع إحسان الظن بنفسه، وهو نوع من تزكية النفس التي نهى الله عنها في كتابه فقال: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32]".


- وعن الأسباب التي تعين المسلم على إحسان الظن بالآخرين عدَّد بعضهم أمورا، أهمها:

حمل الكلام على أحسن المحامل، واستحضار آفات سوء الظن، ودعاء الله تعالى والالتجاء إليه لتخليصه من هذه الآفة، وإنزال النفس منزلة الآخر، فلو أن كل واحد منا عند صدور فعل أو قول من أخيه، وضع نفسه مكانه لحمله ذلك على إحسان الظن بالآخرين، وقد وجَّه الله عباده لهذا المعنى حين قال سبحانه: {لوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً} [النور:12].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 132
الخميس 1 رمضان 1439 ه‍ـ
...المزيد

مقال: الإيمان باليوم الآخر • القبر أول منازل الآخرة الحمد لله مالك الملك وجامع الناس ليوم ...

مقال: الإيمان باليوم الآخر

• القبر أول منازل الآخرة

الحمد لله مالك الملك وجامع الناس ليوم عظيم، يوم يقوم الناس من قبورهم لرب العالمين، والصلاة والسلام على نبيِّه المصطفى صاحب الحوض المورود والشفاعة العظمى، بالمؤمنين رؤوف رحيم، أما بعد...

كثيرا ما تكرَّر ذكر اليوم الآخر في كتاب الله تعالى، فيذكر الله تعالى أن أهل الإيمان يؤمنون به وباليوم الآخر، وأنهم يرجونه ويرجون اليوم الآخر، أي حسن العاقبة عنده سبحانه عندما يبعث عباده فيجازيهم بأعمالهم، ولا بد من ذكر تفاصيل ما سيحصل في ذلك اليوم، كما أخبر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولعلَّنا نبدأ بأول منازل الأخرة، وهو القبر، الذي غفل عن أهواله الغافلون، ونام عن وقائعه النائمون، وأمِن من كربه المفرِّطون المضيِّعون، فالقبر أول منازل الآخرة، فمن رأى فيه مقعده من النار، فإنه صائر إليها ومن رأى مقعده من الجنة، فإنه صائر إليها.

عن هانئ مولى عثمان -رضي الله عنه- قال: كان عثمان، إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا؟ فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه) [رواه أحمد والترمذي].

وقد جاء ذكر عذاب القبر في الكتاب والسنة، أما في كتاب الله تعالى، ففي قوله سبحانه ذاكرا أهوال القبر وما أعدَّه لفرعون وأتباعه: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّا وَعَشِيّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آل فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46]، وقال الله تعالى عن المنافقين: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة: 101].
وأمَّا ما جاء في السنة النبوية فقد ثبت في الصحيحَين وغيرهما، عن أبي أيوب -رضي الله عنه- قال: خرج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد وجبت الشمس، فسمع صوتا فقال: (يهود تُعذَّب في قبورها) [متفق عليه].

وعن عائشة -رضي الله عنها-: أن يهودية دخلت عليها، فذكرت عذاب القبر، فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر، فسألت عائشة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن عذاب القبر، فقال: (نعم، عذاب القبر)، قالت عائشة -رضي الله عنها-: فما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعدُ صلَّى صلاة إلا تعوَّذ من عذاب القبر، زاد غندر: (عذاب القبر حق) [رواه البخاري].

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: مرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بقبرَين، فقال: (إنهما ليُعذَّبان، وما يُعذَّبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) ثم أخذ جريدة رطبة فشقَّها نصفين، فغرز في كل قبر واحدة، قالوا يا رسول الله لم فعلت هذا قال: (لعلَّه يخفف عنهما ما لم ييبسا) [متفق عليه].

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا تشهد أحدكم فليستعِذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال) [رواه مسلم].


• سؤال الملكين في القبر:

وأولَّ ما يوضع الإنسان في قبره يأتيه الملكان، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن العبد إذا وُضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه مَلَكان، فيُقعدانه فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل (لمحمد -صلى الله عليه وسلم-) فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا) [متفق عليه]، وفي رواية أخرى للإمام البخاري زيادة على ما سبق وهي قوله -صلى الله عليه وسلم-: (وأما الكافر -أو المنافق- فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثَّقلين).

• ما يحدث للكافر والمؤمن في القبر:

عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- أنه قال: خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يُلحَد، فجلس رسول -صلى الله عليه وسلم- وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير وفي يده عود ينكت في الأرض فرفع رأسه، فقال: (استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا)، ثم قال: (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت -عليه السلام- حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان) قال: (فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض)، قال: (فيصعدون بها فلا يمرون -يعني بها- على ملإٍ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له، فيفتح لهم فيشيِّعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهى به إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليِّين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى)، قال: (فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيُجلسانه فيقولان له من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينادي مناد في السماء أن صدق عبدي، فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة، قال فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، قال: ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له: من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي)، قال: (وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب، قال فتفرَّق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملإ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا فيستفتح له، فلا يفتح له)... الحديث. [رواه أحمد وغيره].


نسأل الله سبحانه أن يميتنا شهداء آمنين من فتنة القبر لنكون أحياء عنده سبحانه بكرمه وفضله ورحمته ولطفه ومغفرته ورأفته، وأن ينجينا من فتنة القبر ويوفقنا للصالحات وأحسن الخواتيم، إنه ولي ذلك ومولاه.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 131
الخميس 24 شعبان 1439 ه‍ـ
...المزيد

تلاميذ الحافظ حذيفة البطاوي بعث الله رسوله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدين كله، ولتُحكم الأرض ...

تلاميذ الحافظ حذيفة البطاوي

بعث الله رسوله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدين كله، ولتُحكم الأرض بشرعه، فكانت العزة لأتباع هذا الدين دِثارا، والكرامة لهم رمزا وشعارا، وقد خالطت الأنفة نفوسهم وترسَّخ الإباء في قلوبهم، فسَموا بما حوَته جنباتهم من إيمان وتوحيد، وارتقوا في درجات الصبر والثبات.

ولما كان هذا حال المسلمين، كان سعي الكفار والمشركين في قهرهم وإذلالهم دائما حثيثا، فيتعرضون لهم بالأسر ليكسروا إرادتهم ويُثنوا عزائمهم.

لكنَّ أهل العز والإباء ممن وقعوا في أيدي الكفار يأبون الرضوخ للذل، ويسعون جاهدين لفكاك أنفسهم، كما يسعى إخوانهم لفكاكهم بالقتال أو المال، ولهم في صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير أسوة، فقد أسر المشركون مالكاً بن عوف الأشجعي -رضي الله عنه- فأفلت من العدو في حين غفلة، حتى أتى المدينة، ومعه إبل قد أصابها، وروى عمران بن حصين قصة امرأة أسرها العدو، فأتت إبلهم عِشاء حتى أصابت منها ناقة، فركبت عليها حتى قدمت بها المدينة، وغير هذا في السنة كثير.

وقد كان فكاك جنود الدولة الإسلامية أنفسهم من أيدي سجانيهم ديدن لهم، وتشهد لهم العمليات الكثيرة، التي انتهت أغلبها بكسرهم قيود الذل، لعل من أشهرها العملية التي قام بها المجاهدون في سجن (أبو غريب) ومن بعده سجن الخالص بديالى حيث تحرك المجاهدون من داخل السجن يؤازرهم إخوانهم من خارجه، وكذلك فعل القائد حذيفة البطَّاوي -تقبله الله- وإخوانه فقتل عميداً في مكافحة الإرهاب وعددًا من مرافقيه بعد أن أدخل له إخوانه السلاح داخل السجن، ثم قُتل تقبله الله.

كما دأبت الدولة الإسلامية منذ تأسيس نواتها على فكاك أسرى المسلمين وبذلوا في ذلك خيارهم، اتباعا لأمر نبيهم، وسيرا على خطى من قبلهم من سلف هذه الأمة، فقد خاض الشيخ أبو أنس الشامي -تقبله الله- الغزوة الأولى على سجن (أبو غريب) بنفسه عام 1425 للهجرة، سعيا في فكاك أسيرات المسلمين وأسراهم، وقدَّر الله ألا تحقق الغزوة هدفها، وتفيض روحه في سبيل الله، وقد أعلن أمراء الدولة الغزوات تلو الغزوات، والحملات تلو الحملات، حتى مكنهم الله من فكاك كثير من أسرى المسلمين في سجون العراق من أيدي الرافضة كسجن بادوش وسجن التاجي وغيرهما الكثير، وكذا فك أسر إخواننا في سجن ماراوي في شرق آسيا من أيدي الصليبيين.

وإن العملية المباركة التي أقدم عليها عدد من جنود الخلافة في سجن ديبوك جنوب العاصمة الإندونيسية جاكرتا لتجسِّد المعنى السامي للمجاهد في كسر قيود الذل التي يكبِّله بها سجانوه، فقد عزمت هذه العصبة القليلة المتسلحة بالإيمان والمتسربلة بالصبر على فكاك أنفسهم بأنفسهم بعد أن خذلهم من حولهم من المسلمين، وحال بينهم وبين المجاهدين بُعد الديار، فقامت الثلة القليلة من ذل الأسر إلى عزة الجهاد، فأسروا من سجانيهم وقتلوا، نسأل الله أن يفتح لهم، وأن يفرغ عليهم صبرا ويثبت أقدامهم.

وعلى من ابتُلي بالأسر أن يتخذ من إخوانه هؤلاء ومن سبقهم أسوة له، فيسعى في فكاك نفسه من الكفار والمرتدين، فلا خير في العيش في سجونهم ذليلا صاغرا، يسومونه ألوان الموت وأصناف العذاب، يحبسونه عن الجهاد في سبيل الله وقتال أعدائه ونيل الشهادة في ذلك، فإن يسَّر له الله الفكاك لحق بإخوانه في ساحات الجهاد، وإن قُتل دون ذلك نال الشهادة، التي طالما حلم بها وسعى لها وإن الجهاد الذي يرجوه إن فرج الله عنه من سجنه والشهادة التي يتمناها ختاما لجهاده، أقرب إليه من غيره إن أخذ بالعزيمة، فالمرتدون والصليبيون لا يبعدون عنه سوى أمتار والسلاح قد يكون قريبا من يده في أية لحظة وإنما هو توفيق وعزيمة ولحظة فاصلة بأمر الله ينقلب الحال فيها من سجين إلى منغمس.

وليعلم الأسرى أن إخوانهم من جنود الخلافة حريصون على فكاكهم، ويبذلون في ذلك قصارى جهدهم، ولن يهنأ لهم بال أو يقر لهم قرار حتى يفكوا قيودهم، ويقتصوا لهم من سجَّانيهم، فعليهم بالصبر والثبات، ومن يتق الله يجل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 131
الخميس 24 شعبان 1439 ه‍ـ
...المزيد

والكاظمين الغيظ ليس أشقَّ على النفس شيئا مثله، فهو أشد خصومة للمرء من خصمه، يتصِّف به ...

والكاظمين الغيظ


ليس أشقَّ على النفس شيئا مثله، فهو أشد خصومة للمرء من خصمه، يتصِّف به الحكماء، ويقدر عليه العقلاء، فهو سلاحهم أمام الجهل والاستفزاز، وأتقن السيطرة عليه من كان عمله لله خالصا، ولوجهه متطلعا، فاستوى عنده المدح والذم، فلم يُستفز بالتوافه، ورغم قدرته ترفَّع عن الرد، شَرع الدين الحنيف له أن يعاقِب بمثل ما عوقِب، غير أنه فضَّل ما هو أعظم.

إنه كظم الغيظ، أساسه التحكم بالغضب الشديد إزاء إساءة أو تصرف صدر من غيرك، فهو يحتاج إلى مجاهدة عظيمة لأنه شديد على النفس، ولكن إذا استعان المرء بالله تعالى عليه، وروَّض نفسه على حبسه صار عليه أقدر، ومرة بعد أخرى سيكون أسهل.

ولكظم الغيظ فوائد جمة، فهو أحد صفات الواردين إلى الجنة، المستحقين للمغفرة، ووجَّه الله سبحانه وتعالى عباده إلى التحلِّي به فقال: { وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [آل عمران: 133-134].

قالوا في تعريفه أنه: حبس الغيظ والغضب، وإمساكه، وضبط النفس وعدم إنفاذ العقوبة للمسبِّب له مع القدرة على ذلك.

وقالوا عن حسن آثاره الدنيوية: النجاة من التصرف الخاطئ المتسرع الذي يجلب الندامة، والتغلب على الشيطان، والانتصار على وساوسه، وإفقاده الأمل من إيقاع العبد في الغضب، وفيما لا يرضي الله، وفيما لا تعقُّل فيه، وتحقيق تقوى الله عزَّ وجلَّ، وتدريب النفس على التحمل والصبر، والتحلي بخُلق الأنبياء، والشعور بالسعادة، وراحة النفس بعد الانتصار عليه، وكسب محبة الآخرين، وتحويل الأعداء إلى أصدقاء ومحبِّين، وإتاحة الفرصة للمرء للتفكير بحكمة ورويَّة، والنظر للأسباب الحقيقية للخصم، وإيجاد الحلول الحقيقية للمشكلات.

أخي المجاهد، اعلم أن صبرك على من جهل عليك أجر ومثوبة، وهو ليس بالمستحيل ولا بالسهل، وله أسباب إن استعنت بها بات الكظم ممكنا، ولقد ذكر بعضهم أمورا تُعين عليه منها: دعاء الله عز وجل، واحتساب الأجر والثواب، والاستعانة بالصبر، واللين والرفق بحق المخطئ، وتربية النفس على الرضا، وحسن الظن بالآخرين، وتجنُّب السرعة في الحكم عليهم، وسعة الصدر، والسمو بالنفس، وتجنب جدال الجاهلين، وحفظ المعروف والخير السابق للمسيء، والتقليل من الكلام حال الغضب، وتذكُّر وصية الرسول الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- بعدم الغضب، وتغيير الحالة التي يكون عليها المرء كأن يجلس إذا كان واقفاً، والاستغفار، وترك مكان النزاع، واللجوء إلى الوضوء، وتعلم العلم النافع، وضبط اللسان، ومعرفة عواقب الأمور، ورجاحة العقل، والتقوى، والتربية على حسن الخلق.

أخي المجاهد، إنك بأمسِّ الحاجة للتخلق بخلق الأنبياء والمرسلين، فالأخلاق الحسنة جوهرة ونحن أحق بها من غيرنا، فلنجاهد أنفسنا للتمثُّل بها، ولنسعَ لها ففيها الخير والوقار والسكينة والأجر.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 131
الخميس 24 شعبان 1439 ه‍ـ
...المزيد

النظام النصيري ودروس حرب لبنان (1) اعتمدت "الحرب اللبنانية" التي بدأت مطلع هذا القرن الهجري ...

النظام النصيري ودروس حرب لبنان (1)


اعتمدت "الحرب اللبنانية" التي بدأت مطلع هذا القرن الهجري بشكل أساسي على مبدأ الإدخال المستمر لأطراف جديدة في الصراع كلما تحقق التوازن بين القوى المتصارعة على أرضه، فيكون دخول الطرف عاملا مساعدا في إمالة الكفة لصالح حلفائه، حتى يقترب من تحقيق النصر على أعدائه، الذين يسعون جهدهم في جر بعض الأطراف إلى صالحهم لإعادة التوازن من جديد على الأقل.

وهكذا دخل الجيش النصيري إلى "لبنان" بعد أن اقتربت الفصائل الفلسطينية العلمانية وحلفاؤها من القوميين (المنتسبين إلى أهل السنة) والاشتراكيين (ومنهم الدروز) من الانتصار على أعدائهم من النصارى، بفرضها الحصار على مناطقهم والتمهيد لاقتحام معاقلهم الجبلية، فوجد فيها النظام النصيري فرصة للتدخل في "لبنان" دون أن يلقى معارضة من الدول الصليبية أو الدولة اليهودية.

فتمكن الجيش النصيري خلال فترة وجيزة من كسر تقدم أعداء النصارى، وأعاد التوازن إلى ساحة المعركة نوعا ما، ولكنه في الوقت نفسه فرض سيطرته على مناطق النصارى في لبنان، الذين أرادوا أن تكون نتيجة المعركة كسر خصومهم في الداخل دون أن يؤدي ذلك إلى سيطرة نظام "قومي عربي" على البلاد بحيث تكون هذه السيطرة سبباً في تعطيل مشاريعهم الهادفة إلى إلحاق "لبنان" بالدول الصليبية الأوروبية وحلفائها من اليهود.


• لعبة الخطوط الحمراء:

ولما كانت الأحزاب والفصائل المسلحة اللبنانية أضعف من أن تجبر النظام النصيري على سحب جيشه من "لبنان" بعد إنقاذ النصارى من هزيمة محققة، وعجزت في الوقت نفسه عن إقناع أمريكا أو فرنسا أو أي من دول الطواغيت العرب بالتدخل لتحقيق ذلك، فإنها سعت إلى إقناع قادة اليهود بالضغط على الجيش النصيري لإجباره على الانسحاب، من خلال تذكيرهم بتشابه حال نصارى "لبنان" مع اليهود في فلسطين، لكونهم أقليات في محيط مليء بالمسلمين، ومن المفيد تحالفهم ضد أعدائهم، وكذلك تخويفهم من خطورة تثبيت وجود الجيش النصيري على حدودهم الشمالية، دون أن يستطيعوا خلق الذريعة الكافية لإقناع قادة اليهود للتدخل في هذه الحرب.

ولعلمهم بالخطوط الحمراء التي رسمها الجيش اليهودي على خارطة "لبنان"، والتي أعلم الجيش النصيري بخطورة تجاوزهم لها، فإن خطة الأحزاب النصرانية اللبنانية اعتمدت على مبدأ جر الجيش النصيري لتجاوز هذه الخطوط، وكان التدخل اليهودي في "لبنان" بعد ذلك لإعادة النصيرية إلى الحدود المرسومة لهم، وخاصة في منطقة سهل البقاع، حيث شن هجمات جوية قاتلة على القوات البرية للجيش النصيري، أعقبها سحق لسلاح الجو النصيري الذي تدخل لحماية قطعانه المنتشرة على الأرض، وبالرغم من أن هذا التدخل لم يجبر الطاغوت (حافظ الأسد) على سحب جيشه الضخم من لبنان، إلا أنه فتح الباب نحو سلسلة من التدخلات المستمرة من الجيش اليهودي في "لبنان" تكللت بالاجتياح الكبير الذي أقدم عليه مخترقا مناطق الجنوب التي كانت بؤرة الصراع بين اليهود والمنظمات الفلسطينية العلمانية ليكون هدف هذا الاجتياح القضاء التام على تلك المنظمات، من خلال السيطرة على مراكز قيادتها، وإجبارها على الخروج من "لبنان" باتجاه المنافي في تونس وليبيا واليمن وغيرها من المناطق البعيدة عن ساحة صراعها الأساسية مع اليهود، ثم إجبارها على الجلوس على طاولة المفاوضات والقبول بشروط مخزية تكون نتيجتها ما نراه اليوم واقعا حيا في حكومة (السلطة الفلسطينية) المرتدة الحاكمة صوريا لبعض المدن والقرى على أرض فلسطين.

تضرر الجيش النصيري كثيرا من اجتياح الجيش اليهودي للبنان رغم تمكنه لاحقا من إزالة كثير من آثاره، ولكنه في الوقت نفسه استفاد دروسا كبيرة في كيفية الموازنة بين الخصوم والأعداء في ساحة المعركة، وفق ما نراه اليوم من ملامح الصراع المرتسم بين كل من دولة اليهود ودولة إيران الرافضية على أرض الشام.


• ثمن التدخل الإيراني:

النظام النصيري استدعى إيران لإنقاذه من هزيمة مؤكدة على الأرض تهدد بسقوطه كليا، بعدما فقد السيطرة على أغلب مساحة البلاد، وانهار جيشه بفعل الانشقاقات والخسائر الكبيرة في صفوفه، وقد تمكن الإيرانيون بما لديهم من قوة عسكرية أساسها الميليشيات الرافضية التي استدعاها من كل مكان من إعادة التوازن إلى ساحة المعركة، مستفيدين من خيانة فصائل الصحوات، وقدرات الطيران الروسي المساند للنصيرية وميليشيات الروافض، ولكن النظام الإيراني في الوقت نفسه بدأ يعلن عن منّه على النظام النصيري ويطالبه بدفع الثمن المناسب للفائدة التي تحصل عليها جرّاء تدخلهم لصالحه، بل بات الكلام يجري عن سعي إيراني لفرض السيطرة على النظام النصيري نفسه، وخاصة مع اعتقادهم بقرب حسم الحرب خلال الأشهر القادمة في ظل اتفاقيات مع الطواغيت في دول الجوار والدول الصليبية التي كشفت عن دعمها لاستمرار حكم النظام النصيري لديار المسلمين في الشام.

وفي الوقت نفسه بدأت الدويلة اليهودية بمحاولات لرسم خطوط حمراء على خارطة "سوريا" لحدود القوة والانتشار الإيراني الذي ستقبل به على الأرض، شبيهة بتلك التي سعت لرسمها من قبل للجيش النصيري في "لبنان"، وكانت ذريعة لاجتياحه فيما بعد للقضاء على الفصائل الفلسطينية وحلفائها.


• ثنائية "إيران - دولة اليهود":

وهنا نجد أنه من المفيد استدعاء "النموذج اللبناني" للصراع بين القوى الخارجية على ساحات أخرى، لفهم مستقبل الصراع بين كل من الروافض واليهود على أرض "سوريا".

فالنظام النصيري وإن كان سعيدا بالتدخل الإيراني لصالحه في معركته ضد أهل السنة، فإنه بالتأكيد ليس سعيدا من المساعي الظاهرة لإيران للسيطرة على الحكم وتحييد النصيرية عنه، مع علمه أن الحكومة الرافضية الإيرانية لن تكتفي ببعض المكاسب الاقتصادية والمالية كمقابل لما قدمته من مساعدة له، وخاصة في ظل عجزه الظاهر عن إبداء أي مقاومة ذاتية للهيمنة الإيرانية، ولو بمساعدة حلفائه الروس الذين يبدون الاكتفاء بمكاسب محدودة على الأرض يمكن تحصيلها بوجود النظام النصيري أو حتى بوجود حكومة أخرى موالية لإيران في دمشق، وكذلك فإن الحرب في الشام لم تحسم بعد، ومن المحتمل أن يؤدي أي ضعف في الدعم الإيراني إلى استعادة زخمها والتهديد بالتالي بخسارة كثير من المكاسب التي تحققت لهم خلال السنتين الماضيتين.

ولذلك كله فإن من مصلحة النظام النصيري أن يجري إضعاف الوجود الرافضي الإيراني في الشام دون فقدانه بالكلية، ريثما يستعيد قوته ويتمكن من فرض سيطرته على الأرض وهذا ما لن يتحقق في سنوات قليلة، وهو ما توافق على تحقيقه الدولة اليهودية ومن معها من الدول الصليبية أيضا، في ظل عجزهم الظاهر عن إجبار إيران على سحب قواتها وميليشياتها من المنطقة، في تكرار لما حدث سابقا في "لبنان".

وبالتالي فإن الإغارات المستمرة على قواعد الجيش الإيراني ستكون الوسيلة الأولى لمنعه من تحقيق وجود ثابت مستقل على الأرض، وتدفعه للعمل بشكل فصائل خاضعة للجيش النصيري وتحت قيادته، وفي الوقت نفسه يسعى الصليبيون واليهود إلى تقوية النظام النصيري حتى يقوى على التخلي عن الدعم الإيراني، مستفيدا من انضمام فصائل الصحوات إليه في المستقبل لتشكيل جيش جديد برعاية روسية، مع إمكانية تأمين الغطاء المناسب لمثل هذا التحرك من قبل علماء السوء ودعاة الكفر، في تكرار لما حدث في العراق عندما أفتوا للفصائل المسلحة هناك بالانضمام إلى الجيش الأمريكي الصليبي الذي كانوا يقاتلونه من قبل بدعوى التصدي للهيمنة الإيرانية، في إطار المشروع الذي أطلق عليه آنذاك مسمى (التصدي لأخطر الاحتلالين)، والذي كان في الحقيقة موجها ضد الموحدين وهادفا الى التمكين للصليبيين وعملائهم في الحكومة والذين تبين أنهم عملاء لإيران ووسائل تحقيق هيمنتها على العراق.


• الدرس اليمني:

النموذج الثاني الذي يجب أن نلفت إليه الانتباه هو "النموذج اليمني" والذي نقصد به أسلوب تعامل إيران مع الطاغوت (علي صالح) الذي تدخلوا للوقوف معه وتثبيت نظامه بعد موجة المظاهرات التي أجبرته على التنازل صوريا عن الحكم، فعندما وجدوا مساعي من أعدائهم لتقويته ليصبح ندا في وجه أتباعهم من رافضة اليمن "الحوثيين" لم يترددوا في القضاء عليه وقتله، بعد أن سيطروا على كل مفاصل النظام السياسية والعسكرية والأمنية والمالية، فتمكنوا من إدارة النظام من بعده دون معوقات أو معارضة داخلية.

وهذا النموذج ممكن التحقق في الشام أيضا في حال تمكن إيران من فرض هيمنتها على مختلف مفاصل النظام النصيري ووجدت نفسها قادرة على القضاء على رأس النظام (بشار الأسد) في حال محاولته الخروج من تحت هيمنتها، مع وجود الفارق أن النظام النصيري يعتمد على طائفة يهيمن أتباعها على كل مفاصل النظام، ولم تتمكن إيران من اختراقها بالشكل الكافي بعد.

والأيام القادمة كفيلة -والله أعلم- بإثبات أن الصراع في الشام لا زال بعيدا عن الحسم لأي من أطراف الصراع الكثيرة التي دخلت فيه، ولن تكون نتيجته النهائية إلا لصالح الموحدين بإذن الله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 130
الخميس 17 شعبان 1439 ه‍ـ
...المزيد

مقال: الفتن والابتلاءات (4) الحمد لله الذي جعل للمتقين فرقاناً يفرقون به بين الصحيح والفاسد ...

مقال: الفتن والابتلاءات (4)


الحمد لله الذي جعل للمتقين فرقاناً يفرقون به بين الصحيح والفاسد من الأقوال والأعمال، والصلاة والسلام على رسوله الذي لنا فيه أسوة حسنة في سائر الأحوال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، وأن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

فإن الله -تعالى- يبتلي عباده بما يشاء، وله الحكمة البالغة في ذلك، ومما ابتلاهم به الفتن التي تُظهر إيمان المؤمنين ونفاق المنافقين، وبعض الناس يصبحون بعد الفتن مرضى قلوب، لا ترى لهم رشداً في تبين الحق وكشف الباطل، فتطيش عقولهم وتضطرب تفسيراتهم للأحداث، حتى يصير المعروف عندهم منكراً والمنكر معروفاً، كما في حديث حذيفة -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (تُعْرَض الفتن على القلوب كالحصير عَوداً عَوداً، فأيُّ قلب أُشْربَها نُكِتَ فيه نُكتة سوداء؟ وأي قلب أنكرها نُكِتَ فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: أبيضَ مثل الصَّفا، فلا تَضره فتنة، ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مُرْباداً، كالكوزِ مُجَخِّياً، لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، إلا ما أُشرب من هواه) [رواه مسلم].


• فقه الحديث:

إن من حكمة الله أن تتعرض القلوب لأنواع من الفتن المتتابعة، فعلى المؤمن أن يعتصم بالله -عز وجل- وبسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- ليعصمه الله من الفتن عند نزولها، ومن هذه الفتن نعم الدنيا المتنوعة أو المصائب المختلفة في الأهل والأولاد أو تسلط الأعداء ونقص الأنفس والثمرات، فيشكر المسلم ربه على ما أنعم به عليه ويعترف أن هذه النعم هي من فضل الله وأنه لم ينلها بحوله وقوته، بل ولا باستحقاقه -لأن المسلم دوماً يتهم نفسه ويخاف من عاقبة ذنوبه وتقصيره- وأيضاً موقف المؤمن أمام النعم أنه لا يغتر بها ولا يقول إنها دليل رضا الله عنه، بل يخاف من الاستدراج من حيث لا يعلم، ويبتلى المؤمن بالنعم ليَظهر هل يستخدمها في طاعة الله وفيما أباحه الله أم أنها تشغله عن طاعة مولاه، وهل يقدم ما يحب من مال وجاه ومناصب وزوجات وبنين على طاعة ربه؟

فإذا خالف المسلم ذلك فقد وقع في الفتن، ثم إنه يألفها ويحبها ويدافع عنها حتى يشرب قلبه حبها ويتعلق بها.

وأما فتن الضراء، فيقابلها المسلم بالصبر والرضا ويتذكر أنها من عند الله فيقابلها بالتسليم لأمر الله، ويعلم أنه إن صبر عليها كانت كفارة لذنوبه، وإن لم يصبر عليها وسخط، سخط الله عليه ولم يجد لمشكلته حلا إلا بما يريده الله عز وجل، ويعلم المؤمن أن المصائب ليست دلالة على سخط الله عليه إلا إذا رأى نفسه ساخطاً على القدر مستغرباً من الابتلاء فهذه والله خسارة الدين والدنيا، والمصائب خير للمؤمن إن صبر وكانت سبباً لعودته إلى ربه ومحاسبته لنفسه.


• فتنة اشتباه الحق بالباطل:

وهناك فتن أخرى أعظم وهي اشتباه الحق بالباطل وأن تبحث عن ناصح صالح فلا تجد إلا ما شاء الله، وأن تسمع تفسير الأحداث باطلاً يشوبه شيء من حق يجعله حمّال أوجه، وأن ترى من كنت تظنهم أهل العلم والحلم مبحرين في الضلال مدافعين عن الباطل بشتى الشبه، منتقصين لأهل الحق رامين لهم بقصور النظر أو بالضلال.

وقد يشتبه الحلال بالحرام، فهنا أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نتورع ولا نقدم على الأمر إلا إذا تبينا حِله، قال صلى الله عليه وسلم: (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كراعٍ يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله تعالى في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) [رواه الشيخان].

هنا يُختبر المرء، هل يُحكّم هواه أم يبحث صادقاً عن الحق الذي لا شبهة فيه، هل يطلب العلاج في كتاب الله وسنة رسوله، عليه الصلاة والسلام، وهو متيقن أن الحق لا يمكن أن يكون في غير سبيل الصحابة ومن تبعهم بإحسان.

والفتن لا تتوقف ما دام المرء حياً، فلا تعجب إذا رأيت مَن صحبوك في طريق التوحيد والجهاد والدعوة وتحكيم الشريعة ينقسمون إلى فريقين:
فريق شبّه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- قلوبَهم في بياضها وصلابتها بالصفا وهي الحجرة الملساء التي لا تشرب الماء ولا تعلق بها القاذورات، بل ازدادت لمعاناً وصفاءً وصقلاً، فهؤلاء لا تضرهم الفتن بفضل الله ورحمته، بل ازدادوا بعدها قوة ونضارة حتى يصير الواحد منهم قدوة في طاعة الله والصبر على طلب مرضاة الله مهما كان الحال.

وفريق -نعوذ بالله من حالهم- انقلبوا على أعقابهم يشككون في صحة طريق الإيمان وارتباط الهداية بالجهاد في سبيل الله، ويقولون لو كنا على حق ما قتلنا ههنا وما صرنا إلى الضيق والحصار، متناسين ما مر على خير البشر من محن في طريق دعوتهم وفي سبيل جهادهم، بل تمر عليهم السنون والحال لا يتغير إلا ما شاء الله، وأهل الإيمان ثابتون يعلمون أن كل لحظة تمر عليهم وهم صابرون محتسبون فمعها الأجر والثواب ورضا الله وعونه وتأييده بل وفتحه على المؤمنين بما لا يحتسبون في العلم والعمل والإصلاح والصبر والرد على أهل الباطل والشبهات.

وإذا أصابتك -يا أخي- فتنة ثم نجاك الله منها فاحمد الله واعلم أنها ليست الأخيرة، فلا راحة للمؤمن دون لقاء ربه عز وجل.


- سبيل النجاة من الفتن:

• سل الله الهداية بصدق وافتقار وضراعة إلى الله، واستشعر هذه المعاني عند قراءتك {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6]، واستعذ بالله من الفتن.

• تعلم العلم الشرعي لتصرف عنك الجهل، وانوِ بتعلمه وجه الله تعالى، وتذكر أن العلم هو من أجْل العمل، وإلا كان وبالاً على صاحبه وحجة عليه.

• اعمل بما علمت، واتق الله حيثما كنت، وجاهد نفسك وهواك في ذات الله عز وجل، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال:29]، فرقاناً تفرق به بين الحق والباطل، وبين والهدى والضلال وبين أهل السعادة وأهل الشقاء.

• لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، فقد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن لزومهما هو النجاة لدين المرء من فتنة الدعاة على أبواب جهنم، والذين هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا كما جاء في الحديث الذي في الصحيحين الذي رواه حذيفة اليمان، رضي الله عنه.

• اجعل لك ورداً يومياً من كتاب الله فتقرأه بتدبر وخشوع.

• احرص على تكميل الفرائض وإتقانها، ثم تقرب إلى الله بالنوافل والإكثار منها، واحرص على أن يكون كثير منها خفياً عن الخلق لا يعلمه إلا الله، قال صلى الله عليه وسلم: (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا) [رواه مسلم].

نسأل الله أن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحيينا ويميتنا على ما يرضيه عنا، إنه هو الولي الحميد.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 130
الخميس 17 شعبان 1439 ه‍ـ
...المزيد

الدولة الإسلامية ودين الديموقراطية لم يُخفِ الموحدون في العراق يوماً موقفهم من دين ...

الدولة الإسلامية ودين الديموقراطية


لم يُخفِ الموحدون في العراق يوماً موقفهم من دين الديموقراطية وأتباعه المشركين، فأعلنوا منذ الأيام الأولى لجهادهم أن الديموقراطية كفر، وأن أربابها من المشرعين من دون الله والحاكمين بغير ما أنزل الله طواغيت، وأن من ينتخبهم أو يرضى بأحكامهم وشرائعهم هم عُبَّاد لهم مشركون.

ولم يمنعهم من إظهار الحق الذي يدينون به أن كان كثير من التنظيمات والأحزاب المنتسبة إلى الإسلام زوراً وبهتاناً يؤمن بدين الديموقراطية، بل صرحوا بتكفيرهم، وقاتلوا من يليهم منهم قتال الكفار المشركين، كما قاتلوا أولياءهم من العلمانيين والروافض والنصارى المحاربين.

أما غيرهم من أدعياء السلفية والزاعمين الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا فقد اتخذ كثير منهم منهجاً باطنياً خبيثاً يقوم على إخفاء حقيقة مذهبهم في الديموقراطية وأوليائها، والاكتفاء بما يحمل الأوجه من الكلام، وبما يُرضي جميع الأطراف ويمنع من الحكم عليهم بما هم أهل له، ليتبين أن القوم يحكمون بإسلام الديموقراطيين، ويعذرون المشرعين من دون الله، والحاكمين بغير ما أنزل الله، والمنتخِبين، بما لم يأذن به الله، بل ويجيز بعضهم انتخاب الطواغيت لما يرون فيه مصلحة للمسلمين، وأيُّ مصلحة في الشرك بالله العظيم؟

وما تزال الدولة الإسلامية منذ أيامها الأول تصرح بلا خفاء ولا تورية بكفرها بالديموقراطية وبراءتها من أوليائها ومعاداتها لهم، معاداة الموحدين للمشركين، فلا تترك مجالاً لزاعم أن يكذب عليها في هذا الباب فينسب إلى أمرائها إعذارهم من وقع في الشرك الأكبر، ونقض أصل الدين، بما لا يعذر فيه عاقل مختار من أعذار المجادلين عن المشركين.

ومع هذا فقد كانت تتمهل في استهداف بعض أصناف من وقع في شرك الديموقراطية كالمنتخِبين، إرجاءً لإيقاع القتل بهم لعلهم يرعوون ويهتدون لنداءات الحق والهداية، وهي مستمرة طوال هذه السنين في بيان حقيقة الانتخابات وأنها عملية استنابة وتفويض من المنتخِبين لمن ينوب عنهم في التشريع من دون الله والحكم بغير ما أنزل الله، فيكونون بذلك "نواباً" عنهم في هذه الأفعال المكفرة، وأن الذين وقعوا في هذا الفعل مشركون بالله -تعالى- لأنهم أجازوا أن يعطوا لغير الله -تعالى- صفات لا تجوز لغيره سبحانه، وهي التشريع والحكم.

وإنا لنحسب أن الدولة الإسلامية قد أعذرت في دعوتها إلى الله -تعالى- في شأن شرك الانتخابات، بل إن في ما قامت به الحكومات الكافرة نفسها من بيان لحقيقة الديموقراطية من خلال البث اليومي لأخبار البرلمانات والحكومات الكافرة، وأخبار انتخاباتها، والحديث المستمر عنها، والدعوة إليها وبيان حالها لترغيب الناس فيها، ما هو كاف لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

ولذلك فإن الدولة الإسلامية مستمرة في منع شرك الانتخابات بأي وسيلة كانت، كما كانت تفعل دائماً، وأنها ستستهدف معابد دين الديموقراطية التي يقرّ فيها أتباعه بعبوديتهم لطواغيت التشريع من دون الله، وهي أماكن انتخاب الطواغيت، وأماكن التشريع من دون الله، وأماكن الحكم بغير ما أنزل الله، قاصدة منع الشرك فيها، وقتل المشركين الذين يمارسون شركهم داخلها.

وكذلك فإنها تستهدف بالقتل كل مشرك يدعو إلى طقوس دين الديموقراطية، كالترشح للمناصب الطاغوتية، وانتخاب الطواغيت، والحكم بشرعهم، والتحاكم إليهم.

وفي الإعلان الذي صدر على لسان المتحدث الرسمي للدولة الإسلامية الشيخ المجاهد أبي الحسن المهاجر -حفظه الله- كفاية لمن أراد الهداية من المشركين فيتوب إلى الله من شركه، ويبرأ إلى الله من المشركين، ويبتعد عن معابدهم ومجالس شركهم.

فقال حفظه الله: "وننوِّہ إلى أن حكومة الحشد الرافضي الإيراني في العراق، مقبلة على ما يسمونه انتخابات، فكلُّ من يسعى في قيامها بالمعونة والمساعدة فهو مُتَوَلٍّ لها ولأهلها، وحكمه كحكم الداعين إليها والمظاهرين لها، والمرشحون للانتخاب هم أدعياء للربوبية والألوهية، والمنتخِبون لهم قد اتخذوهم أرباباً وشركاء من دون الله، وحكمهم في دين الله الكفر والخروج عن الإسلام، فإنا نحذركم يا أهل السنة في العراق من تولي هؤلاء القوم الذين ما تركوا باب ردة إلا وولجوه، وإن مراكز الانتخاب ومن فيها هدف لأسيافنا فابتعدوا عنها واجتنبوا السير بقربها".

فيا أيها المسلمون احفظوا عليكم دينكم ولا يغرنكم علماء السوء ولا تستجيبوا لفتاوى الدعاة على أبواب جهنم.

ويا أيها المجاهدون، جاهدوا أئمة الكفر ممّن دعا إلى هذا الشرك وحرّض الناس عليه وزيّنه لهم ليفسد دينهم ودنياهم، وابدؤوهم بالقتال، واقصدوا مراكز الانتخاب، وأفسدوا على الديموقراطيين دينهم، وسعيهم إلى الإفساد في الأرض.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 130
الخميس 17 شعبان 1439 ه‍ـ
...المزيد

أخي المجاهد من تواضع لله رفعه لا تكتمل الصفات الحسنة للرجال ما لم يتزينوا بالتواضع، فهو بوابة ...

أخي المجاهد من تواضع لله رفعه

لا تكتمل الصفات الحسنة للرجال ما لم يتزينوا بالتواضع، فهو بوابة العبور للقلوب، لا يسلكها إلا من اتصف به، وقلَّ أن ترى رجلا مألوفا عند الناس ليس متخلقا به، أجمع الناس على استحسانه، وجبلت النفوس على حبه.

عرَّفه أهل اللغة بالتذلل، من تواضعت الأرض، أي انخفضت عمّا يليها، واصطلاحا: بلين الجانب والبُعد عن الاغترار بالنفس، قال تعالى: { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا } [الفرقان: 63] قال ابن كثير: "أي بسكينة ووقار من غير تجبُّر ولا استكبار".

إنه التواضع، يرتقي صاحبه بأعين الناس إن ألان لهم جانبه، ويعظم في عيونهم إن بسط لهم نفسه، وكما الأرض المتواضعة المنخفضة تفيض بالماء وتنعم بالبركة والخير الوفير، كذلك النفس المتواضعة تنعم بالقبول والأنس من الجميع.

أخي المجاهد: كيف لبشر خلقه الله من تراب، وشرفه بعبوديته أن يتجاوز حدود ما شرعه الله ويتكبر، وينظر لغيره بعين الصغار، وهو عند الله أصغر، فهنيئا للمتواضعين اندراجهم تحت: { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [المائدة: 54]، وتعسا للمندرجين تحت { فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ } [الزمر: 72].

قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ } [المائدة: 54]، وقال تعالى: { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتّبَعَكَ مِنَ المؤْمِنِينَ } [الشعراء: 215].

فكان أكثر من تمثلت به هذه الصفة الكريمة هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فكان -عليه الصلاة والسلام- يركب الحمار ويلبس الصوف ويأكل على الأرض وينام على الأرض ويجلس على الأرض على حصير وكان يعقل الشاة ويخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في خدمة أهله في بيته ويسلم على الصبيان ويجيب دعوة المملوك على خبز شعير، وتأخذ الأمة الصغيرة بيده فتنطلق به حيث شاءت في المدينة، فهذه صفة النبي الكريم في التواضع، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) [رواه مسلم].

وحذر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من التكبر وضرب لنا مثلا على سوء مصرع ومصير صاحبه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: (بينما رجل يتبختر يمشي في برديه، قد أعجبته نفسه، فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة) [رواه مسلم].

ورفض -صلى الله عليه وسلم- أن يتم إطراؤه بالكلام وفضل وصفه بالعبد فعن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا تطروني، كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله) [رواه البخاري].

أخي المجاهد لقد دعا -صلى الله عليه وسلم- إلى التواضع، وحَثّ عليه لما له من فوائد كثيرة، فقد روى عياض بن حمار -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ الله أوحَى إليَّ أنْ تواضعوا حتى لا يَفْخَر أحد على أحد ولا يَبغي أحد على أحد) [رواه مسلم].

وقد ذكر لنا ربنا -عز وجل- أن أعظم فوائده هي الجائزة الكبيرة التي يحصل عليها المتواضعون في الدار الآخرة فقال سبحانه: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83].

قال ابن كثير: "يخبر تعالى أنَّ الدَّار الآخرة ونعيمها المقيم الذي لا يحول ولا يزول، جعلها لعباده المؤمنين المتواضعين الذين لا يريدون علوا في الأرض، أي: ترفُّعاً على خلق الله وتعاظماً عليهم وتجبُّراً بهم".



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 130
الخميس 17 شعبان 1439 ه‍ـ
...المزيد

إِحيَاءُ السُّنَنِ (1) • قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن أحيا سنّة من سنّتي، فعمل ...

إِحيَاءُ السُّنَنِ (1)


• قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن أحيا سنّة من سنّتي، فعمل بِها النّاس، كان له مثل أجر من عمل بها، لا ينقص من أجورهم شيئا). [الترمذي].


▪ نفضُ الفراش قبل النوم بطرف الإزار
قال -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أوى أحدكم إلى فراشه، فلينفض فراشه بداخلة إزاره؛ فإنه لا يدري ما خلفه عليه). [متفق عليه].

▪ النوم على طهارة على الشق الأيمن
قال -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن). [متفق عليه].

▪ مسح أثر النوم عن الوجه باليد
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده". [البخاري].

▪ أكل اللقمة إذا سقطت بعد تنظيفها
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان). [مسلم].

▪ البدء بالسواك عند دخول البيت
عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- "أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل بيته بدأ بالسّواك". [مسلم].

▪ تغطية الأواني والقِرب في الليل
قال -صلى الله عليه وسلم-: (غطّوا الإناء وأوكوا السقاء؛ فإن في السّنة ليلة ينزل فيها وباء، لا يمرّ بإناء ليس عليه غطاء، أو سقاء ليس عليه وكاء؛ إلا نزل فيه من ذلك الوباء). [مسلم].

▪ منع الصبيان عن الخروج وقت الغروب
قال -صلى الله عليه وسلم-: (إذا كانَ جُنْحُ اللَّيْل -أوْ أمْسَيْتُمْ- فكفّوا صبيانكم؛ فإنّ الشّياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من اللّيل فخلّوهم). [البخاري].

▪ التنفس خارج الإناء أثناء الشرب
عن أنس -رضي الله عنه- قال: "كانَ رَسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتنفّس في الشّراب ثلاثا، ويقول: (إنّه أروى وأبرأ وأمرأ)". [متفق عليه].
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً