الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 513 الافتتاحية: مأساة غزة تفاقمت مأساة المسلمين في غزة ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 513

الافتتاحية: مأساة غزة


تفاقمت مأساة المسلمين في غزة خلال الأيام الأخيرة مع بلوغ الحرب اليهودية الدينية ذروة القصف والتدمير، وإعادة تهجير أهلها مجددا إلى جنوبها، بعد أن سمحوا لهم قبل أشهر بالعودة إليها في إطار "تهدئة" لا يُعرف من وقّع عليها ممّن وقَع فيها.

ترافق ذلك مع قصف الجيش اليهودي دويلة قطر "الوسيط" وسط عاصمتها ومركز سيادتها، لترد الأخيرة بقمة عربية طارئة جمعت ربائب أمريكا بمن فيهم "سوريا الجديدة" على طاولة واحدة وأكدوا بصوت واحد أنّ هذه الممارسات اليهودية "تقوّض جهود السلام!"، علما أن التصعيد اليهودي من فلسطين إلى الخليج؛ تزامن مع ذكرى توقيع "اتفاقيات أبراهام" للسلام!

إن ما تمر به الساحة الفلسطينية اليوم هو الأخطر منذ "النكبة" ليس على صعيد موجة القتل والتدمير فحسب، بل على صعيد إمكانية تطبيق مخطط "التهجير" المطروح على خارطة الحرب اليهودية، وهو ما دأب الهواة العابثون على نفيه نفيا قاطعا دون أي مستند واقعي، في حين أنه بات يكمن للفلسطينيين في كل منعطف.

وبعيدا عن السجالات السياسية التي تغرق فيها الساحة الفلسطينية منذ الغزو البريطاني وإلى أن ترتفع فيها راية الشريعة؛ فإنّ عامة المسلمين في فلسطين اليوم يتعرضون لأبشع صور الظلم والعدوان اليهودي الذي يوجب على إخوانهم المسلمين شرقا وغربا مناصرتهم، كل على قدر استطاعته بدءا بالأقرب إليهم ثم الذين يلونهم.

والأدلة على وجوب نصرة المسلمين وإعانتهم وغوثهم وتفريج كربتهم وحرمة خذلانهم؛ فاضت به النصوص الشرعية في الكتاب والسنة، ويتلقاه الناس ويمتثلونه كل بحسب إيمانه وغيرته، فالناس في ذلك بين مستجيب غيور ومُعرض بليد، بين صادق وكاذب، بين مناصر ومتخاذل، وتلك أصناف الناس تجاه كل قضايا المسلمين وجراحاتهم قديما وحديثا.

ولكن بالجملة، فكثير من أبناء المسلمين يسعون لتقديم العون لإخوانهم في فلسطين، وهذا السعي قديم ويتجدّد مع تجدُّد المأساة الفلسطينية التي تشهد حاليا فصول "نكبة" جديدة تفوق نكبات الأمس مجتمعة؛ لكن هؤلاء السُّعاة لا يجدون سبيلا للمشاركة الفعلية المجدية المؤثرة في نصرة مسلمي فلسطين، لأنهم يصطدمون في كل مرة بـ "الحدود الوطنية" التي حدّدها الغزاة وحرسها الطغاة، وتربّت الأجيال على تعظيمها والموالاة والمعاداة فيها!

فمِن حيث البعد الميداني الجغرافي، لا يوجد أي منفذ أو ممر يوصل السُّعاة إلى داخل فلسطين الأسيرة أو يحقق لهم تماسا ومواجهة مباشرة مع اليهود، بما في ذلك "الجنوب السوري" الذي يخضع فعليا للقبضة الأمنية اليهودية، والسيطرة الصورية السورية، تماما كأي حدٍّ من الحدود الطاغوتية الأربعة المحيطة بفلسطين، التي يقف عندها جنود عرب مرتدون يؤدون "واجبهم الوطني" في حماية وتأمين حدود اليهود، يستوي في ذلك جيوش مصر والأردن ولبنان وسوريا القديمة والجديدة.

أمام هذا الواقع المرير والمأساة التي تتفاقم، فإنّ الخيارات العملية المتاحة للمسلمين السُّعاة لنصرة إخوانهم، تتركز في مسارين اثنين لطالما حرّضنا عليهما، وبريدهما الوحيد التوحيد؛ الأول: سعي شباب المسلمين للقيام بعمليات جريئة شجاعة تستهدف التجمُّعات والأحياء اليهودية والنصرانية في كل مكان، خصوصا في دول أوروبا الصليبية مثل بلجيكا وفرنسا وبريطانيا وغيرها، لقوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ}، قال ابن جرير: "أي اقتلوهم في أي مكان تمكنتم من قتلهم، وأبصرتم مقاتلهم".

والمسار الثاني وهو مسار أصيل يوما بعد يوم تتأكد صحته ويشتد تأثيره، وهو استهداف الجيوش والحكومات العربية المرتدة التي تحرس حدود اليهود وتشكل طوقا خانقا لفلسطين، فهؤلاء هم "جُدُر اليهود" التي يقاتلون مِن ورائها، وبسقوطها تبدأ المعركة المرتقبة مع اليهود داخل قراهم المحصنة، ومهما شقّ الناس طرقا لقتال اليهود، فقطعا سيمرّون -طوعا أو كرها- من هذا الطريق الذي يأباه أكثرهم في تناقض عجيب لا يفسّره إلا تغلُّب وطنيتهم على دينهم! وطغيان عاطفتهم على عقيدتهم! فكيف سيفلحون؟ وبماذا سينتصرون؟!

ونستذكر في هذا الموطن كلام الشيخ المجاهد أبي حذيفة الأنصاري -حفظه الله- في هذا السياق حين قال في خطابه بمناسبة الحرب على غزة: "إننا نقولُ ونؤكدُ على أن المعركة مع اليهود اليوم هي في حقيقتها معركة مع حلفاء اليهود أكثر من اليهود أنفسهم، وتؤكّد ذلك فصولُ الحرب الأخيرة التي شنُّوها على غزة، وكيف كان تواطؤُ الحكومات العربية المرتدة ثقيلا على أهل غزة كثِقَلِ القنابل والصواريخ الأمريكية، ولذلك فالحل الشرعيُّ يكمن في قتالِ هؤلاء كافة".

والمجاهد المنفرد والمسلم الغيور مدعوٌّ اليوم إلى سلوك أيّ هذين المسارين بحسب استطاعته، وبحسب قوة دافعه الإيماني ومنطلقه العقائدي، فنحن إنّما نحرّض على ذلك تديُّنا وتعبُّدا لله تعالى، انطلاقا من كون فلسطين أرضًا للمسلمين داهمها العدو الكافر وعجز أهلها عن صد عاديته، فوجب على إخوانهم المسلمين مشاركتهم في قتاله ودفع صياله.

كما نحرّض على ذلك انطلاقا من كون المعركة مع اليهود معركة دينية، وليست معركة دونية وطنية لخصوبة ترابها واعتدال مناخها وسهولة تضاريسها، فهذه تربية وطنية لا جهادية ولا إيمانية، وهو مما صبغ "القضية الفلسطينية" فعطّل مسيرتها وحرف بوصلتها منذ انطلاقها، وجعلها قضية وطنية قومية تتخذ الإسلام شعارا لا مسارا، وتراه عائقا لا منطلقا.

وإنما يجب على المسلم أن ينطلق في نصرة إخوانه المسلمين في فلسطين وغير فلسطين؛ من هذه المنطلقات والمقاصد الشرعية التي تناولها مرارا وتكرارا قادة ومشايخ الدولة الإسلامية في خطاباتهم وصوتياتهم عملا بأصول الكتاب والسنة، دعوةً ونصحًا للمسلمين، وكلها تدور وتتمحور حول غاية الجهاد المركزية: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}.

فإنْ ضبَطَ المسلمُ هذه الغاية وصحَّحَ المسار والراية، فلينطلق على بركة الله تعالى ويتخيّر أقرب الأهداف وأدسمها، ويا حبذا في أعيادهم وما أكثرها، وليضع نصب عينيه أنات الأطفال وصرخات الحرائر واستغاثات المستضعفين، فإنها بلغت الآفاق وأدمت قلب كل مسلم غيور على دينه وأمته، وإنّ خير ترجمة لهذه الغيرة الإيمانية هي السعي العملي لقتال اليهود أو حراسهم، وفي كلّ خير وأجر بإذن الله تعالى، فأين الأباة الغيارى يتدافعون للثأر لإخوانهم، ويتنافسون لتأديب عدوهم؟

اللهم الطف بالمسلمين في فلسطين وكل مكان، اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم، اللهم أدر دائرة السوء على اليهود وأعوانهم، وهيِّئ للمجاهدين أسباب قتالهم، واشف صدور قوم مؤمنين.



•المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 513
السنة السابعة عشرة - الخميس 26 ربيع الأول 1447 هـ

المقال الافتتاحي:
مأساة غزة
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ - قصة شهيد طلب العلم في الأردن ورابط جنوب دمشق ونفَّذ عمليته ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ - قصة شهيد


طلب العلم في الأردن ورابط جنوب دمشق ونفَّذ عمليته الاستشهادية في الموصل

أبو الزهراء الأردني
أحد رجال الدولة الإسلامية وطلبة العلم فيها


طلب العلم في الأردن، ورابط جنوب دمشق، ونفَّذ عمليته الاستشهادية في الموصل، رحلة ثرية على درب الجهاد، مليئة بالصبر والثبات والالتجاء إلى الله ومناجزة الأعداء، لم يثنه مقتل 3 من إخوانه كانوا برفقته على الحدود المصطنعة في طريق هجرته إلى الشام من استكمال طريقه، بل تابع المسير إلى أن وصل درعا، ثم اتجه بعد فترة إلى جنوب دمشق مرابطا على الروافض المرتدين فيها، ليحط رحاله الأخيرة بالموصل موقعا بأعداء الله مقتلة كبيرة بعمليته الاستشهادية -نحسبه والله حسيبه-.

إنه أبو الزهراء الأردني ابن الثلاثين ربيعا، بطل، همام، طيبُ القلب، باسم الثَّغر، غيور على دينه، مدافع عن عقيدته، لا يخشى في الله لومة لائم، أحد رجال دولة الخلافة الإسلامية وطلبة العلم فيها، من مدرسة أمير الاستشهاديين الشيخ "أبي مصعب الزرقاوي" -تقبَّله الله- نهل وتعلم، وفي مدينته عاش وترعرع.

كانت بداية رحلته في طريق الجهاد طلب العلم الشرعي على يد محبي الجهاد في الأردن، لم يثنه ما لاقى من مضايقات وطرد من الجامعة ومن المساجد ومن مقتل إخوانه في طريق هجرته على يد جنود طاغوت الأردن، من استكمال دربه، بل زادته تلك الأحداث والمواقف إصرارا على بلوغ النهاية، فلم يكن يرضى بأنصاف الحلول، وقد استكمل طريقه كما أراد، دون تردد، أو تراجع، أو تلفُّت.

نشأَ أبو الزهراء على العقيدة والإيمان، ونَهَل من نبع التوحيد الصَّافي ومنهج السَّلف الصَّالح، وتربى على أيدي الشُّيوخ المطارَدين في سبيل الله، أَنهى المرحلة الثَّانوية، وأراد أن يسجِّل في الجامعة، فرأى الفساد وضلال المنهج في تلك الجامعات الطاغوتيَّة، كان سلاحه قال الله وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فناقش واعترض وخاصم، ولما لم يُجْدِ نفعا تشاجر، وعلى إثر ذلك تم فصلُه، ومُنِع من الدِّراسة في باقي الجامعات، عندها قرر التفرُّغ لطلب العلم الشَّرعي، فدرس على أيدي بعض الشُّيوخ المحبين للجهاد وأهله، ثم بدأ يُدَرِّس حِلَق العلم في المساجد، ولكنَّ المخابرات الأُردنية المرتدة ضيَّقت عليه وهدَّدته مرارًا، وأنّى لها أن ترضى بـ قال الله أو قال رسول الله، فمُنع من إعطاء الدروس في المساجد.

فحوَّل -تقبله الله- الدروس إلى لقاءات مع بعض إخوانه في أماكن خاصة، إضافة إلى النصح وتعليم التوحيد والتحريض على الجهاد ما أمكنه في مجالسه حيثما تواجد، وقد همَّ خلال تلك الفترة بالهجرة إلى خراسان مرات عدة، ولكن لم يُوفق إلى ذلك.

وهو على هذه الحال ما لبث أن انقدحت شرارة الجهاد في الشَّام، فكان من أوائل اللاحقين بالركب، المهاجرين طلبًا لرضى الرحمن، حيث خرج برفقة ستَّة من أصحابه، فعبروا الحدود الموهومة من الأردن إلى الشام، وفي الطريق أطلق الجيش الأردني المرتد عليهم عدة رصاصات، فقتل ثلاثة منهم، ونجى هو مع أخوَين من رفاق دربه، وتمكن بفضل الله من الوصول إلى مدينة درعا، والتحق بإخوانه في الدولة الإسلامية الذين كانوا في تلك الأيام يعملون تحت مسمى "جبهة النصرة".

كانت الدولة الإسلامية حينها في بداية تأسيسها في بلاد الشَّام، واختارت اسم "جبهة النصرة" بداية لعملها، عندها أرادت الدولة الإسلامية -أعزها الله وحفظها- أن تعزز قاطعها في جنوب دمشق، فوقع الاختيار على أبي الزهراء الأردني من بين الكادر المرسل إلى تلك المنطقة، ووصل إلى جنوب دمشق عبر التهريب، وعند وصوله استقبله الإخوة هناك بكل سعادة وفرح، لأَنَّه كان من المهاجرين القلائل المتواجدين هناك.

بدأت مسيرة أبي الزهراء الجهاديَّة، بالرِّباط بأَكثر جبهاتِ القتال ضراوة، وهي جبهة "حُجَّيرة" المحاذية لمقام "السيدة زينب" الشركي، وبعد مدَّة من رباطه قدَّر الله له أن يصاب بصاروخ موجه، فابتعد فترة نقاهته عن الرباط، وخلال فترة استراحته لم يفتر عن الجهاد، حيث تفرغ للدعوة وتعليم الإخوة أمور دينهم من بعض ما علمه الله، كما أنه لم يغفل عن دعوة عوام المسلمين أيضًا، فكان يزور مقرات فصائل الصحوات ويدعوهم إلى الله وإلى المنهج الصحيح، وقد منَّ الله عليه بالقبول، فتوافد الكثير من الشبَّان تاركين فصائلهم الضالة ملتحقين بركب الجهاد، وكل ذلك بفضل الله ثم بفضل الأُسلوب الرائع، والصدق الواضح الذي تمتع به أخونا أبو الزهراء.

وعند تمدد الدولة الإسلامية إلى الشام، وإعلان الخلافة، وإعلان أن جبهة النصرة ما هي إلا يد الدولة الإسلامية في الشام، تبين له ضلال الذين رفضوا الانصياع إلى أمر أمير المؤمنين بالاندماج تحت مسمى الدولة الإسلامية، وهاله وقوف الجبهة إلى جانب الصحوات المرتدين، وفصائل الجيش الحر المرتد، الذي كان لعبة بيد طواغيت الخليج، وهاله أكثر قتالهم للمجاهدين والمهاجرين في سبيل الله، وموالاتهم للصحوات المرتدين، فسارع للانضمام إلى صفوف دولة الخلافة الإسلامية -أعزها الله-، فكان التحاقه بركب الخلافة بمثابة الصفعة التي أذهبت عقل من رفض الانصياع لأوامر أمير المؤمنين وظل معاندا تحت ما بات يعرف بـ "جبهة الخسرة"، وبالمقابل كان التحاقه بركب الخلافة فرحة أدخلت السرور لقلوب إخوانه المنتظرين قدومه، وذلك لما علموه من صفات حسنة فيه.

وبعد فترة من الزمن تم تعيين الأخ أبي الزهراء مُفتيا في صفوف دولة الخلافة الإسلامية وذلك لما يمتلكه من جلد وصبر وهمة عالية، حتى بلغ عدد الدروس التي يقدمها في اليوم الواحد، أحد عشر درسًا، تنوعت بين معسكرات التجنيد، وبين دعوة الفصائل ورعايا أمير المؤمنين إلى المنهج القويم.

وفي هذه الأثناء تكالبت جموع الصحوات على دولة الخلافة الإسلامية وأجمعوا على قتالها وتفكيكها في جنوب دمشق، وذلك سنة ١٤٣٥ للهجرة، ودارت رحى المعركة، واضطرت الدولة الإسلامية إثر ذلك للانحياز إلى منطقة الحجر الأسود، وبقيت محاصرة في تلك المنطقة من جميع الجبهات شهور عدة، وفي هذه الأثناء برز دور أخينا أبي الزهراء بالدعوة والتثبيت والصبر، وقد عُرف عنه طيب معشره، وخفة ظله، كما عُرف بصوته الندي في الإنشاد، فكان سببًا في امتاع الإخوة والترويح عنهم، وتحبيبهم بالجنة والاستشهاد في سبيل الله.

واستمرَّ الحال على ما هو عليه حتى فتح الله على دولة الخلافة الإسلامية، ومكَّنها من رقاب أعدائها في جنوب دمشق، فتلاشت جموع الصحوات المرتدين وذهبت فلولهم ولله الحمد، وذلك بعد عجزهم عن القضاء على دولة الإسلام، وعندها منَّ الله على جنود الدولة بفتح بعض الأحياء الجديدة جنوب دمشق، وعمَّ الخير آنذاك، وإثر ذلك الفتح أكرم الله أخانا أبا الزهراء وتزوج، وأنجب منها طفلا سماه "عمر".

واستمر بإعطاء الدروس والتَّوجيه الشَّرعي، حتى بدأت ملحمة الموصل، وتحرقت نفسه لمساندة إخوانه فطلب السماح له بالنفير إلى أرض الموصل، وبعد حصوله على الإذن يسر الله له الطريق، وسرعان ما توجه إلى أرض العزة في الموصل، وانقطعت أخباره عن إخوانه فترة من الزمن، ليعلموا لاحقا أنه -تقبله الله- نفَّذ عملية استشهادية على جموع الروافض المرتدين، فأوقع فيهم القتل والجرح، فنسأل الله سبحانه وتعالى له القبول في عليين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 134
الخميس 15 رمضان 1439 ه‍ـ
...المزيد

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام (2) قال ابن قيم الجوزية: "وكان من هديه -صلى الله عليه ...

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام (2)


قال ابن قيم الجوزية: "وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- أن يدركه الفجر وهو جنب من أهله، فيغتسل بعد الفجر ويصوم [رواه البخاري ومسلم]،
(وكان يقبل بعض أزواجه وهو صائم في رمضان)[رواه البخاري ومسلم]، وشبَّه قبلة الصائم بالمضمضة بالماء [من حديث رواه أبو داود]..

وأما الحديث الذي رواه أحمد وابن ماجه عن ميمونة مولاة النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: " «سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل قبل امرأته وهما صائمان، فقال: قد أفطر» فلا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أبو يزيد الضني، رواه عن ميمونة، وهي بنت سعد، قال الدارقطني: ليس بمعروف، ولا يثبت هذا، وقال البخاري: هذا لا أحدث به، هذا حديث منكر، وأبو يزيد رجل مجهول.

ولا يصح عنه صلى الله عليه وسلم التفريق بين الشاب والشيخ، ولم يجئ من وجه يثبت، وأجود ما فيه حديث أبي داود عن نصر بن علي، عن أبي أحمد الزبيري: حدثنا إسرائيل، عن أبي العنبس، عن الأغر، عن أبي هريرة أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم، فرخَّص له، وأتاه آخر فسأله فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ، وإذا الذي نهاه شاب [رواه أبو داود وهو حسن]، وإسرائيل، وإن كان البخاري ومسلم قد احتجا به وبقية الستة، فعلَّة هذا الحديث أن بينه وبين الأغر فيه أبا العنبس العدوي الكوفي، واسمه الحارث بن عبيد، سكتوا عنه.


• صحة صيام من أكل ناسياً:

وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إسقاط القضاء عمَّن أكل وشرب ناسيا، وأن الله سبحانه هو الذي أطعمه وسقاه، فليس هذا الأكل والشرب يضاف إليه، فيفطر به، فإنما يفطر بما فعله، وهذا بمنزلة أكله وشربه في نومه، إذ لا تكليف بفعل النائم، ولا بفعل الناسي.


• المفطرات:

والذي صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أن الذي يفطر به الصائم: الأكل والشرب والحجامة والقيء[إذا كان عمدا]، والقرآن دال على أن الجماع مفطر كالأكل والشرب، لايعرف فيه خلاف، ولا يصح عنه في الكحل شيء، وصح عنه أنه كان يستاك وهو صائم، وذكر الإمام أحمد عنه، أنه كان يصب الماء على رأسه وهو صائم.

وكان يتمضمض ويستنشق وهو صائم، ومنع الصائم من المبالغة في الاستنشاق..

وقال حنبل: حدثنا أبو عبد الله، حدثنا وكيع، عن ياسين الزيات، عن رجل، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم «احتجم في رمضان بعد ما قال: (أفطر الحاجم المحجوم)» قال أبو عبد الله: الرجل أراه أبان بن أبي عياش، يعني: ولا يحتج به.

وقال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: روى محمد بن معاوية النيسابوري، عن أبي عوانة، عن السدي، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم، فأنكر هذا، ثم قال: السدي عن أنس؟ قلت: نعم، فعجب من هذا. قال أحمد: وفي قوله: (أفطر الحاجم والمحجوم) غير حديث ثابت.

وقال إسحاق: قد ثبت هذا من خمسة أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والمقصود أنه لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه احتجم وهو صائم، ولا صح عنه أنه نهى الصائم عن السواك أول النهار ولا آخره، بل قد روي عنه خلافه. ويذكر عنه ( من خير خصال الصائم السواك) ، رواه ابن ماجه من حديث مجالد وفيه ضعف.

• الاكتحال للصائم:

وروي عنه -صلى الله عليه وسلم- «أنه اكتحل وهو صائم» ، وروي عنه أنه «خرج عليهم في رمضان وعيناه مملوءتان من الإثمد»، ولا يصح، وروي عنه أنه «قال في الإثمد: (ليتقه الصائم) ولا يصح. قال أبو داود: قال لي يحيى بن معين: هو حديث منكر.


• فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في صيام التطوع:

كان صلى الله عليه وسلم يصوم حتى يقال: لا يفطر، ويفطر حتى يقال: لا يصوم، وما استكمل صيام شهر غير رمضان، وما كان يصوم في شهر أكثر مما يصوم في شعبان [رواه البخاري ومسلم].
ولم يكن يخرج عنه شهر حتى يصوم منه.

ولم يصم الثلاثة الأشهر سردا كما يفعله بعض الناس، ولا صام رجبا قط، ولا استحب صيامه، بل روي عنه النهي عن صيامه، ذكره ابن ماجه [ضعيف]، وكان يتحرى صيام يوم الاثنين والخميس [رواه الترمذي والنسائي].

وقال ابن عباس رضي الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفطر أيام البيض في سفر ولا حضر) ذكره النسائي. (وكان يحض على صيامها) [رواه أحمد].

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من غرة كل شهر ثلاثة أيام» ذكره أبو داود والنسائي.

وقالت عائشة رضي الله عنها: «لم يكن يبالي من أي الشهر صامها» ذكره مسلم، ولا تناقض بين هذه الآثار.

وأما صيام عشر ذي الحجة فقد اختلف، فقالت عائشة: «رأيته صائما في العشر قط» ، ذكره مسلم.
وقالت حفصة: «أربع لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: صيام يوم عاشوراء والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، وركعتا الفجر» . ذكره الإمام أحمد رحمه الله.

ذكر الإمام أحمد عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه «كان يصوم تسع ذي الحجة، ويصوم عاشوراء، وثلاثة أيام من الشهر، أو الاثنين من الشهر والخميس» وفي لفظ: الخميسين. والمثبِت مقدَّم على النافي إن صح.
وأما صيام ستة أيام من شوال فصح عنه أنه قال: (صيامها مع رمضان يعدل صيام الدهر) [رواه مسلم] ".

انتهى كلامه رحمه الله باختصار من كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 134
الخميس 15 رمضان 1439 ه‍ـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - مقال: الإمام جُنَّة لما كانت الفرقة سببا في ضعف الجماعات والأمم، والتشرذم ...

الدولة الإسلامية - مقال: الإمام جُنَّة


لما كانت الفرقة سببا في ضعف الجماعات والأمم، والتشرذم وسيلة يستخدمها أعداؤها في حربهم عليها، وجب عليهم نبذها وتجنبها، فيكونوا بذلك جسدا واحدًا، وكيانا متماسكا، ولا يتم لهم ذلك إلا برأس يقودهم، ويأطر المُفارق منهم على الجماعة أطرا، ولهذا جعل الله أنبياءه ورسله خلفاء في الناس وأئمة، يسوسونهم بشرعه، ويقودونهم بأمره، ويدعون إلى دينه على بصيرة بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى لانت لهم من الناس القلوب، وهوَت إليهم الأفئدة، فالتف حولهم المؤمنون، ونصرهم وعزَّرهم عباد الله المصطفَون المخلَصون.

والإمام مصباح ينير الدرب لمن خلفه، يرشد ضالَّهم، ويصوِّب مخطئهم، ويأمر رعيته بالخير ويفتح لهم أبوابه، وينهاهم عن المنكر ويقطع عنهم طرقه ومسالكه، فيعمُّ بذلك الخير، ويسود العدل، ويٌقمع الشر، وتخبو نار الظلم وتضمحل، والإمام درع لأتباعه، تُتَّقى به المكاره، ويُقاتل مِن ورائه، فتصان بذلك بيضة الدين، وتُحفظ الحرمات، وينال المؤمنون الرفعة والسيادة، والعزة والريادة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنما الإمام جنة يُقاتل من ورائه ويتقى به، فإن أمر بتقوى الله وعدل، فإن له بذلك أجرا، وإن قال بغيره فإن عليه منه) [رواه البخاري ومسلم].

وقد كان لأئمة المؤمنين في مختلف العصور والأزمنة الدور المحوري والمهمة الأساسية في قيادة الأمة إلى بر الأمان، فهذا نبي الله موسى -عليه السلام- يتقدم الصفوف إذ تبعه فرعون وجنوده، فلما انقطعت ببني إسرائيل السُّبل، وزاغت أبصارهم وبلغت القلوب الحناجر، وظنُّوا بالله ظنَّ السوء، قال بقلب ثابت وبصيرة صادقة ويقين بالله عز وجل: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62]، وكذا الحال مع نبينا -صلى الله عليه وسلم- يوم حُنين، إذ تولى عنه أصحابه فثبت وصبر، وسار يبتغي قتال القوم، ويُعرِّف باسمه ليثبت أصحابه، فعن البراءِ -رضي الله عنه- أن رجلا جاءه فقال: "يا أبا عمارةَ، أتوليتَ يوم حنينٍ؟" فقال: "أما أنا فأشهدُ على النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- أنه لم يولِّ، ولكن عجِل سَرَعانُ القومِ، فرشقتْهم هوزانُ، وأبو سفيانِ بن الحارثِ آخذٌ برأسِ بغلتِه البيضاءِ، يقول: (أنا النبيُّ لا كذب، أنا ابنُ عبدِ المطلب) [رواه البخاري]، ثم أمر -صلى الله عليه وسلم- العباس أن ينادي الصحابة بقبائلهم ويذكرهم بفضائلهم، فآبوا إلى النبي ملبِّين دعوته، لما رأوه من ثباته وجلده.

كما قد ثبت الصحابة رضي الله عنهم بثبات أبي بكر -رضي الله عنه- في قتال المرتدين، حيث كان -رضوان الله عليه- حاسما جازما ثابتا على قتالهم، حتى شرح الله صدور الصحابة لقتالهم، فقد قال أبو بكر رضي الله عنه: "والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها"، قال عمر رضي الله عنه: "فما هو إلا أن رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر -رضي الله عنه- بالقتال، فعرفت أنه الحق" [رواه البخاري].

وأهمية الإمام في حفظ بيضة المسلمين وجمع كلمتهم في شرع الله جلية بيِّنة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، وقال رسول الله ﷺ وهو يخطب في حجة الوداع: (اتقوا الله، وصلُّوا خمسَكم، وصوموا شهرَكم، وأدُّوا زكاة أموالكم، وأطيعوا أمراءَكم، تدخلوا جنة ربكم) [رواه الترمذي] وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أطاعني فقد أطاع الله ومن يعصني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني) [رواه مسلم]، فلا يستقيم أمر الجماعة دون طاعة للأمير ، ذكر الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلا أمَّروا عليهم أحدهم)، والمفسدة في السفر في نفر قليل أيسر بكثير من المفسدة عند الجماعة المسلمة دون أمير، وإن انعدام الإمامة العظمى لزمن طويل كان من أهم أسباب ضياع الدنيا والدين، فمهما بلغ العدد وكثرت العدة دون أمير يسوسهم ويجمع كلمتهم ويوحِّد صفهم ويأمرهم وينهاهم، فلا يزيدون على أن يكونوا غثاءً كغثاء السيل، فالحمد لله الذي أنعم علينا بقيام الخلافة والبيعة للإمام، ونسأل الله أن يحفظه ويرزقه الهداية والصلاح في الأمور كلها.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 134
الخميس 15 رمضان 1439 ه‍ـ
...المزيد

مركب الرجال لبلوغ المقاصد لا يبلغ المرء مراتب الشرف إلا بها، فهي دأب الطامحين، ومركب القاصدين، ...

مركب الرجال لبلوغ المقاصد


لا يبلغ المرء مراتب الشرف إلا بها، فهي دأب الطامحين، ومركب القاصدين، وسبيل الراغبين، لا يلزمها إلا من قصد العُلى، وأتبع السعي للمُنى، فأرهق النفس للبلوغ، وأتعب الجسد للوصول.
فهي الدافع للعمل، والمحرِّض على النجاح، وقد شبَّهوها بجناحي الطائر، يطير بها المرء فتحلق به إلى أعلى الآفاق، طليقة من القيود التي تكبل الأجساد.

إنها الهمة يجود صاحبها بأغلى ما يملك لبلوغ هدفه، وتحقيق غايته، ولا غنى له عنها في سعيه للمكارم والخيرات، وعلو الدرجات، ومن علم أن الجنة محفوفة بالمكاره، أدرك أنه لا بد من البذل، ومن أيقن أن الشهادة غالية علم كذلك أنه لن ينالها بالقعود، فالدرب ورغم أنها مفروشة بالمشقة، إلا أنها مشقة محمودة مُسعدة، يرتاح الجسد في خِضمِّها عندما يستشعر مرضاة ربه، وتطمئن النفس إن استحضر أن ذلك ما هو إلا في سبيل ربه، ولقد مدح ربنا -عز وجل- علو الهمة بقوله، فقال جلَّ من قائل: { وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا } [الإسراء: 19]، وقال تعالى { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة : 148].

ولا بد لعلو الهمة من زاد يدفعها نحو الاستمرار والتجدد، وإن خير الزاد التقوى وأفضله الصبر، فلا شيء من دون التقوى، ولا نتائج مرجوة من دون الصبر، قال تعالى: { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } [الأحقاف: 35].

وإن علو الهمة ليس أحد أجدر بها منك أخي المجاهد، فأنت على رأس الأمر، وهذه المرتبة لا بد لها من همة عالية.

ومن العوامل المساعدة عليها: الاستعانة بالله، وكثرة الذكر، والتزام النوافل وكثرة الصلاة، وقراءة القرآن، وذكر الموت واستحضار لقاء الله، وكثرة الدعاء، ومصاحبة أصحاب الهمم العالية، والابتعاد عن الكسالى والمثبِّطين، والمحبطين واليائسين والبائسين.

فالتحلي بها يجعلك أخي المجاهد تتطلَّع إلى كل شرف، وتبتعد عن كل نقيصة، وليكن هدفك مرضاة الله، وحذار أخي أن تستخدم علو همتك في التنافس على جاه أو سلطان أو إمارة، وارغب بما عند الله، وازهد بما عند سواه، واجعل سعيك وتنافسك مع إخوانك على الطاعات، واستحضر في كل أحوالك قول التابعي الجليل وهيب بن الورد -رضي الله عنه-: "إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل".

وقول الحسن البصري -رحمه الله-: "من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياه فألقها في نحره".

وقد ضرب الله لنا مثلا عن أصحاب الهمم المتدنية ليحذِّرنا من أعمالهم فقال تعالى: { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [الأعراف: 175-176].

ومن الأسباب التي تؤدي إلى دنو الهمة: الوهن، والفتور، وإهدار الوقت في غير طاعة الله، والعجز، والكسل، والغفلة، والتسويف والتمني، وكثرة المعاصي، والسعي في ملذات الدنيا، فاحذر أخي المجاهد منها وابتعد قدر الإمكان عنها، ولتكن همتك مرتبطة بالسعي لأشرف مقصد، ألا وهو نشر التوحيد وقتال أعداء الله والشهادة في سبيله.

ولقد قال الشاعر قديما:

إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر صغير
كطعم الموت في أمر عظيم



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 134
الخميس 15 رمضان 1439 ه‍ـ
...المزيد

نورٌ لا يخالطه ريب من كان شيخه كتابه كان صوابه أكثر من خطئه... نعم، إن كان كتابه كتابا {لَّا ...

نورٌ لا يخالطه ريب

من كان شيخه كتابه كان صوابه أكثر من خطئه... نعم، إن كان كتابه كتابا {لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}، كتابا {لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}، كتابا أنزله الله على عبده {وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا}، كتابا {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}، كتابا {مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ}، كتابا لو {كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}، كتابا قال الله -جل وعلا- فيه: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}، وقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، وقال: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ}.

فمن كان كتابه كلاما غير مخلوق، من الله بدأ وإليه يعود، وكان للطالب قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فصوابه أكثر من خطئه، لا ريب في ذلك.


• مقتبس من مقال صحيفة النبأ العدد [27]
"أعظم الناس إيماناً"
...المزيد

التخلص من الخوف والجهاد في سبيل الله واحد من أهم الوسائل التي تعين العبد على التخلص من عبودية ...

التخلص من الخوف

والجهاد في سبيل الله واحد من أهم الوسائل التي تعين العبد على التخلص من عبودية الخوف من أجهزة المخابرات، ومن الطواغيت عموما، فمن يحيا في أرض الجهاد، ويمارسه فعلا، يدرك حقيقة ثمرات التوكل على الله، ويرى بعينه ضعف المشركين رغم أعدادهم وعتادهم وأسلحتهم وطائراتهم، وتشتد عزيمته وهو يرى إخوانه يقتحمون على أعدائهم بأقل السلاح فينصرهم الله عليهم، لما اعتقدوا يقينا أن الخطط العسكرية والأسلحة والأعداد إنما هي محض أسباب، وأن النصر يكتبه الله لمن يشاء، وما على العبد إلا أن يعمل بما أمره الله به من جهاد الكفار بما يستطيع، وقد وعده إحدى الحسنيين، النصر أو الشهادة.


• مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد [24]
"عملية بروكسل.. إن كيد الشيطان كان ضعيفاً"
...المزيد

ألا سحقًا سحقًا فهم خوفا من الموت يأبون القتال في سبيل الله تعالى ثم خوفا من الموت يقاتلون في ...

ألا سحقًا سحقًا

فهم خوفا من الموت يأبون القتال في سبيل الله تعالى ثم خوفا من الموت يقاتلون في سبيل الطاغوت فالناس من خيشة الذل تعيش كل أعمارها في ذل وهربًا من الموت في سبيل الله تعالى يقتلون أنفسهم في سبيل الطاغوت ألا سحقًا سحقًا.



• مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد [168]
...المزيد

جهاد المسلمين في رمضان (1) خاض المسلمون على مر تاريخهم العشرات من المعارك الفاصلة والمؤثرة في ...

جهاد المسلمين في رمضان (1)


خاض المسلمون على مر تاريخهم العشرات من المعارك الفاصلة والمؤثرة في شهر رمضان المبارك، وكان هذا الشهر العظيم ببركة أيامه وساعاته، وتنزل الرحمات فيه، دافعا ومحرضا للمسلمين على أن يخوضوا فيه أعتى معاركهم مبتغين فيه الأجر والنصر من رب العالمين.

وفي حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت أعضم غزواته فيه، إذ وقعت فيه غزوة بدر التي فرَّق الله فيها بين الحق والباطل، وقُتل فيها صناديد قريش، وأذلَّهم الله بعد أن خرجوا يبتغون استئصال المسلمين، وذلك في اليوم السابع عشر من أيامه في السنة الثانية للهجرة، وكان فيه فتح مكة للنبي -صلى الله عليه وسلم- ثم دخول الناس في دين الله أفواجا، دخلها رسول الله فاتحا بعد أن منعوه قبل سنتين من دخولها وآذوه، ليأذن الله بالفتح في اليوم العاشر من رمضان في السنة الثامنة للهجرة.

وفي عهد الخلافة الراشدة خاض المسلمون بقيادة المثنى بن حارثة الشيباني -رحمه الله- معركة البويب في رمضان من السنة الثالثة عشرة للهجرة ضد الفرس المجوس، والتي انتصر فيها المسلمون وأعادوا هيبتهم بعد معركة الجسر، وقيل عن البويب: "ما كانت بين المسلمين والفرس وقعة أبقى رمة منها، بقيت عظام القتلى دهرا طويلا، وكانوا يحزرون القتلى مئة ألف، وسُمِّي ذلك اليوم الأعشار، أحصي مئة رجل قتل كل رجل منهم عشرة".

وفي رمضان من سنة 92 للهجرة كان فتح الأندلس بقيادة المجاهد المسلم طارق بن زياد -رحمه الله-، وفي الأندلس كذلك خاض المسلمون في هذا الشهر العظيم المعركة الكبرى التي أوقفت زحف الصليبيين عليهم، وأخرتهم لقرون معركة الزلاقة بقيادة المجاهد المسلم يوسف بن تاشفين -رحمه الله- عام 479 للهجرة، وأقيمت بعدها دولة للمرابطين في الأندلس.

وفي المشرق كانت موقعة عين جالوت في رمضان من عام 658 للهجرة بقيادة المجاهد المسلم (قطز) والتي أوقفت غزو التتار لبلاد المسلمين، وأوقفت زحفهم نحو مصر، وطردتهم من بلاد الشام، وأعادت توازن القوة معهم.

وهذا غيض من فيض من غزوات المسلمين في هذا الشهر العظيم، ولعلنا نقف معها وقفة أخرى، نسأل الله أن يجعل شهرنا هذا شهر نصر وتمكين لجنود دولة الإسلام، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 133
الخميس 8 رمضان 1439 ه‍ـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - قصة شهيد: أبو كرم الحضرمي كريمٌ حَيِيٌ مِعْوانٌ في النائبات أبو كرم ...

الدولة الإسلامية - قصة شهيد:

أبو كرم الحضرمي
كريمٌ حَيِيٌ مِعْوانٌ في النائبات

أبو كرم الحضرمي، أحمد بن سعيد العمودي، ولد أبو كرم - تقبله الله - في مدينة الرياض وترعرع في بيت ميسور الحال.

نشأ في بيئة عصفت بها الفتن والشهوات والأهواء فتأثرت بها قلوب كثير من الشباب، وما ذاك إلا حينما هيَّأ لها الطواغيت أسبابها طمعًا بصرف شباب الأمة عن مواطن عزهم المجيد.

تاه قلبٌ صغير لم يجد يدًا تقوده إلى الهدى والرشاد، فتلقفته أيادٍ خدّاعة أغرته بالمال والجاه وغيرها من الملذات التي جعلتْها ستارًا للأوهام والفساد والضياع، مضى برهة من الزمن عليها، ثم أُسِر على إثرِها، فمكث في السجن قرابة الأربع سنين، كان السجن لحظة فارقة غيَّرت مجرى حياته، وجعلت ذلك القلب يُفتّح عينيه لينظر في مجريات الأحداث ويُحللها ويضع نفسه جزءًا منها.

أحس أبو كرم بالصدع الحاصل بأمة الإسلام والذل الذي يُكرِّسه الطواغيت عليها، فعزم على التوبة والندم مما كان عليه وعزم على ألا يخرج من سجنه إلا وقد بدأ يعمل لدين الله.

امتن الله عليه بالخروج من السجن، ووفقه لتغيير رفقة السوء، وأنار الله بصيرته.


• بداية الطريق:

بدأ من بلاد الحرمين يبحث عن موطئ صدق يطأ فيه قدمه لينصر الدين، فلم يُرِہِ الله خيرا من أرض دولة الإسلام، فاختار فَيْلَقَها وانشرح لمنهجها.

ثم ظل يبحث عن جنود الدولة الإسلامية، ولم يكن العثور عليهم يسيرًا بادئ الأمر لكن الموفَّق من وفقه الله فوجد من أرشده إلى مسؤولٍ في الدولة الإسلامية في اليمن.

لكن واجهته مشكلة لطالما واجهت الكثير ممن رام الالتحاق بصف مجاهدي الدولة الإسلامية، وهي مشكلة عدم وجود من يُزكيه، لكن من علم الله صدقه هداه ويسَّر له أمره، فأعطى الله أبا كرم ما أراد فالتقى بإخوانه في الدولة الإسلامية في اليمن.

وبعد أن منَّ الله عليه بسلوكه طريق الجهاد ولقائه بإخوانه، طلب منهم أن يلتحق بالإخوة في الشام وكان ذلك متيسرًا له ولكن طلب الإخوة منه البقاء في أرض اليمن ليكون من حجر الأساس الذي تبنى عليه الدولة الإسلامية.

وافق أبو كرم على عدم المغادرة إلى أرض الشام لكن بشرط، ألا وهو تنفيذ عملية استشهادية، فوافق الإخوة على ذلك الشرط، وطلبوا منه أن يعمل معهم فترة لحاجتهم الماسة لمثله، فقد كان له الفضل بعد الله في إيواء الإخوة في حضرموت وفتح المضافات، واستقبال الشباب وقضاء حوائجهم، حتى صار من الإخوة المسؤولين عن سير الحركة في تلك الولاية.

ثم بعد ذلك انتدبه الإخوة في سير الحركة بين الولايات، وذلك لما برع به من إتقان لهذا العمل وحسن البلاء فيه، فكان يلبي حاجة الإخوة ويستقبل النافرين، وينقل المجاهدين، وبذل في ذلك جهدًا عظيم الأثر، جليل القدر، وتميَّز أبو كرم بوجهٍ بشوش وقلب كبير وصيت حسن، مع صبر وافرٍ رُزِق به، يأنس به كل من جالسه وعاشره.


• ساقٍ لإخوانه المجاهدين:

ثم بعد ذلك انتقل مع إخوانه إلى ولاية البيضاء -قيفة- وشارك مع إخوانه في غزوة حمة لقاح.

وكان من أهم الأعمال التي أسندت إليه وأحبها إلى قلبه سقيا الماء، فكان ينقل الماء إلى إخوانه في المواقع والجبهات، فينعم إخوانه بعذوبتين عذوبة الماء وعذوبة لقاء أبي كرم وحديثه، وعلى ما يحمل هذا العمل من مشقة إلا أنه كان محتسبًا فيه متلذذًا به، مستشعرًا -كما نحسبه- الأجر العظيم حينما يرطّب كَبِدَ مجاهدٍ رمى بنفسه في شواهق جبال البيضاء جائعًا ظامئًا بائعًا نفسه لله، يمتثل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (في كل ذات كبد رطبة أجر) ، ولما سئل صلى الله عليه وسلم (أي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء).


• أذلة للمؤمنين أعزة على الكافرين:

وما من قلب كقلب أبي كرم رقيقًا على إخوانه ذليلاً لهم، إلا وجدته شديد الغلظة على أعداء الله، فكم من مرة يطالب الإخوة ويؤكد عليهم تعجيل عمليته الاستشهادية وتجهيز سيارته المفخخة ليثخن في أعداء الله الكافرين ويمزقهم كل ممزق.

• استشهاد أبي كرم:

عرض عليه الإخوة الزواج ولكنه رفض ذلك؛ خشية أن يصرفه عن العملية الاستشهادية، فكان ممن ترك شيئًا لله كما نحسبه فرزقه الله خيرًا منه الشهادة في سبيل الله.


وأثناء جولات أبي كرم لسقيا الماء بين الجبهات، خبَّأ الله له خيرًا طالما طلب من إخوانه تعجيله، فعند استراحته في ذلك الموقع تناول مصحفه تاليًا ورده، فإذا بقذيفة من العدو تسقط بالقرب منه فتصيبه، لتصعد روحه الطاهرة محلِّقة في جوف طير خضر – كما نحسبه والله حسيبه – تسرح في الجنة حيث شاءت.


فكانت خير قِتلة أُعطِيَها مجاهد، سقْيُ الماء وتلاوة لكتاب الله اجتمعن في موطن رباطٍ يستمر أجر صاحبه إلى يوم القيامة.

تأثر لمقتله كل من عرفه أو سمع به، وما فتر لسان عن الدعاء له والترحم عليه، ولْتصدحِ القلوبُ التي كان يؤنسها أبو كرم، والأكبادُ التي كان يرطّبها أبو كرم مجتمعةً مُرَدِدَةً:

عليك سلامُ ربك في جنانٍ
مُخالِطُها نعيمٌ لا يزول

فرحمك الله يا أبا كرم، وأكرمك من فضله العظيم، وجمعنا بك في مستقر رحمته، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 133
الخميس 8 رمضان 1439 ه‍ـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - مقال: المنطقة العازلة (1) ماذا يُراد بأهل رفح وسيناء؟ الحمد لله ولي ...

الدولة الإسلامية - مقال: المنطقة العازلة (1)
ماذا يُراد بأهل رفح وسيناء؟


الحمد لله ولي المتقين، والصلاة والسلام على النبي الأمين الذي بعث بالسيف رحمة للعالمين، وعلى صحابته الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد، فسؤال يطرح نفسه بعد كل ما جرى ويجري في سيناء، ماذا يريد الجيش المصري المرتد ومِن خلفه أمم الكفر من الصليبين واليهود بأرض سيناء، تلك الأرض المباركة، التي عليها كلَّم اللهُ موسى نبيَّه ورسوله إلى بني إسرائيل، وفيها تجلى الله على جبل الطور، وماذا يُخطط لمدينة رفح بالتحديد؟

مدينة رفح استثمرها اليهود ودمَّرها المرتدون
ولنعلم أولا أن رفح كانت مدينة واحدة، حتى جاء كفار بلاد الغرب يجرون خبثهم على أهل الإسلام بعدما ابتعدوا عن دينهم، وفرَّقوا أرض المسلمين إلى قُطيعات، وقسِّمت المدينة إلى قسمين رفح المصرية ورفح الفلسطينية.

ومكَّن المحتل الغربي لليهود من دويلة -زائلة بإذن الله- في أرض فلسطين، سرعان ما توسعت لتشمل الجولان من سوريا، والعقبة من الأردن، وسيناء من مصر، وعاش اليهود في سيناء ردحا من الزمن، فوجدوا أن مدينة رفح من أجمل البقاع فيها من حيث المناخ والتربة، فاستثمروها خير استثمار وبنوا فيها أرقى "المستوطنات"، وشيدوا فيها معابدهم ومهدوا الطرق والممرات، وتنعَّموا بما حباها الله تعالى من ثروات وخيرات.

كما حفروا فيها عشرات الآبار من الغاز الطبيعي الذي كان يدرُّ منها أكبر دخل مالي على دويلة اليهود، إلى أن قام طواغيت مصر -بعد غفلة- مستغلين فرصة مواتية، وانقضوا على دويلة يهود في معركة أسموها (6 أكتوبر)، ليعيدوا شيئا من كرامتهم التي أُهدرت في النكسة، ولكن سرعان ما تحركت أمم الصليب وأصدرت أوامرها للجيش المصري المرتد بالتوقف فورا عن قتال اليهود، بعد كم كبير قدمه من التضحيات والدماء في سبيل استرجاع الأرض، فتوقفوا عن الحرب، ثم وقَّعوا اتفاقية مهينة لا تتلاءم مع ما بُذل، كان من بنودها إرجاع سيناء إلى أرض مصر "منقوصة السيادة" إذ كان من ضمن بنود الاتفاقية السماح بعدد محدود من القوات الأمنية على الأرض وألَّا يدخل السلاح الثقيل إلى سيناء إلا بإذن من اليهود، وألا يُصنع مشروع في سيناء إلا بعد موافقتهم، وألا يستخرجوا الغاز الطبيعي من الآبار التي كان اليهود يستخدمونها في سيناء إلا بموافقتهم، فتظل مُغلقة حتى يَأذن لهم أسيادهم بذلك.

وجاءت القوات المتعددة الجنسيات الصليبية لحفظ "السلام" المزعوم، ولتتفقد أحوال الجيش المصري المرتد وتراقب حركاته وسكناته لضمان حفظ أمن وسلام دويلة اليهود، وما زالت هي الرقيب عليه حتى وقتنا هذا، فطائرات الصليب المروحية تحلِّق بشكل دوري فوق الكمائن والارتكازات الأمنية في سيناء لمراقبة أي تغير ملحوظ في عدد الأفراد والآليات.

وكان من ضمن الاتفاقية المشؤومة إرجاع نصف مدينة رفح فقط إلى مصر، ويبقى نصفها "رفح الفلسطينية" مع اليهود، ووافق الجيش المصري المرتد على ذلك، فكانت اتفاقية هزيمة وعار وليست اتفاقية عزة وانتصار، ورجعت نصف رفح إلى العرب وبقي النصف الآخر مع اليهود إلى أن خرجوا من غزة، منذ قرابة أكثر من عقد، وقبيل ذلك هدم اليهود كل المستوطنات التي بنوها في رفح وخرَّبوا كل المزارع التي زرعوها في أرض المسلمين، وأغلقوا كل آبار الغاز، وعادت الأرض إلى أهلها، وسكنوها في عهد "السادات"، وتولى الجيش المصري المرتد سيناء إدارة فقط، وكانت هذه أولى طعنات الغدر بأرض سيناء.


• مشاريع المنطقة العازلة:

ثم قامت الحكومة المصرية في شهر ذي الحجة من عام 1435 بتنفيذ ما أسمته بالمنطقة العازلة على الحدود المصطنعة بين مصر وفلسطين، وبدأ الجيش المصري بعمل المنطقة العازلة بدعوى محاربة الإرهاب والقضاء على الأنفاق الحدودية التي كانت تُعد دعما كبيرا للمسلمين في غزة، ومن ورائهم التنظيمات المسلحة.

وصنع المرتدون منطقة عازلة بعمق 500 متر من الحدود المصطنعة مع فلسطين باتجاه الغرب داخل الأراضي المصرية، وبطول 14كيلومترا من ساحل البحر شمالا إلى الجنوب كمرحلة أولى، ثم مرت شهور وبدأوا بالمرحلة الثانية فتوسعت المنطقة العازلة فسارت من الحدود المصطنعة شرقا بعمق 1200 متر غربا داخل الأراضي المصرية، وبطول 14 كيلو مترا من ساحل البحر شمالا إلى الجنوب أيضا، وهُجِّرت آلاف الأسر ودُمِّرت مئات المنازل، وفُجِّرت عشرات المساجد، وهُدِّمت المدارس وجرِّفت مزارع الزيتون والفاكهة، ودمِّر الجزء الرئيسي من المدينة، وبدأ الناس بالنزوح إلى أماكن أخرى وترك ممتلكاتهم وديارهم وراءهم، فمن الناس من نزح بما يستطيع من أثاث بيته، ومنهم من نزح بنصف أثاث البيت، ومنهم من لم ينزح إلا بنفسه وأهله وترك كلَّ شيء وراءه خوفا من بطش الجيش المصري المرتد، الذي يهدم البيت فوق رأس صاحبه إن تأخر في تركه والخروج منه.

وأصبح بذلك نصف مدينة رفح الرئيسي تحت الركام، ولم يكتف الجيش المصري المرتد بذلك، بل بدأ بالتضييق على مَن تبقى مِن أهل المدينة بقطع الكهرباء لأسابيع وشهور متواصلة مما أدى لجفاف المزارع، وبقطعِ الطرق عليهم بالحواجز والارتكازات الأمنية التي يتم ترحيل من حولها من السكان، وبعدها بحوالي 4 أشهر أعلنت السلطات المصرية عزمها تنفيذ مرحلة ثالثة بتجريف 500 متر أخرى، يليها الإعلان عن مرحلة رابعة بـ 500 متر أخرى، وتم الإعلان -استرضاء للناس- عن صرف تعويضات مالية لأهالي رفح عن بيوتهم المهدمة.

وفي غضون مراحل التجريف منذ عام 1435 حتى يومنا هذا كان المرتدون يتعمَّدون إطلاق النار الكثيف والعشوائي بمختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، إضافة للقصف المدفعي للمنطقة من الكمائن والثكنات العسكرية، وأيضا شنِّ الحملات تلو الحملات على المنطقة المراد تجريفها وترحيل أهلها، ويصاحب ذلك أحيانا قصف بالطائرات الحربية والطائرات المسيَّرة، مما أدى إلى مقتل وإصابة الكثير من عوام المسلمين، ووفقا لإحصائية أعلنت عنها إحدى "منظمات حقوق الإنسان" المهتمة بالوضع في سيناء فقد قُتل وأُصيب ما يقارب من 400 شخص من بينهم نساء وأطفال وشيوخ، والله المستعان.

ويبقى السؤال، هل الحرب على "الإرهاب" تقتضي تهجير المسلمين من أرضهم وهدم بيوتهم ومساجدهم، أم أن وراء الأكمة ما وراءها.

ثم بعد ذلك تأتيك الأنباء تترى عن صفقة يسمونها صفقة القرن، يقال أنها تتضمن ترحيل جزء من أهل فلسطين إلى سيناء، ورفح بالخصوص، وفي الواقع ترى أن الجيش المصري المرتد يشن حملة أخرى مكبرة بداعي الحرب على الإرهاب، يضاعف فيها عملية التجريف وتهجير أهل سيناء من أرضهم، ثم يعمد أخيرا إلى عزل رفح بالكلية عن سيناء. فما هي صفقة القرن وما يراد لهذه الأرض وأهلها، وما هو موقف جنود الخلافة وردهم على الصليبيين واليهود وأذنابهم من المرتدين، لعل ذلك مما نقف عليه في الجزء الثاني من هذه السلسلة، وبالله التوفيق.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 133
الخميس 8 رمضان 1439 ه‍ـ
...المزيد

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام (1) قال ابن قيِّم الجوزية رحمه الله: فصل في هديه صلى ...

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام (1)


قال ابن قيِّم الجوزية رحمه الله: فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الصيام، لما كان المقصود من الصيام حبسَ النفس عن الشهوات، وفطامَها عن المألوفات، وتعديلَ قوتها الشهوانية، لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمِها، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتُها الأبدية، ويكسِر الجوعُ والظمأ من حِدَّتها وسَورتِها، ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين.

وتضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب، وتُحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرُّها في معاشها ومعادها، ويُسكَّن كلَّ عضو منها وكلَّ قوة عن جماحه وتلجم بلجامه، فهو لجام المتقين، وجُنَّة المحاربين، ورياضة الأبرار والمقرَّبين، وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال، فإن الصائم لا يفعلُ شيئا، وإنما يترك شهوتَه وطعامَه وشرابَه من أجل معبوده، فهو ترك محبوبات النفس وتلذُّذاتها إيثارا لمحبة الله ومرضاته، وهو سِرٌّ بين العبد وربِّه لا يطَّلع عليه سواه، والعبادُ قد يطَّلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة، وأما كونه ترك طعامَه وشرابَه وشهوتَه من أجل معبوده، فهو أمر لا يطَّلع عليه بشرٌ، وذلك حقيقة الصوم...

والمقصود: أن مصالح الصوم لما كانت مشهودةً بالعقول السليمة والفِطَرِ المستقيمة، شرعه اللهُ لعباده رحمةً بهم، وإحساناً إليهم، وحميةً لهم وجُنَّة.

وكان هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه أكمل الهدي، وأعظمَ تحصيل للمقصود، وأسهلَه على النفوس.

ولما كان فطمُ النفوس عن مألوفاتها وشهواتِها مِن أشق الأمور وأصعبها، تأخَر فرضُه إلى وسط الإسلام بعد الهجرة، لما توطَّنت النفوسُ على التوحيد والصلاة، وألِفت أوامر َالقرآن، فنُقلت إليه بالتدريج.


• متى فرض الصيام؟

وكان فرضُه في السنَّة الثانية من الهجرة، فتوفِّي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد صام تسع رمضانات، وفُرض أولا على وجه التخيير بينه وبين أن يُطعِم عن كلِّ يوم مسكينا، ثم نُقل من ذلك التخيير إلى تحتُّم الصوم، وجعل الإطعام للشيخ الكبير والمرأة إذا لم يطيقا الصيام، فإنهما يُفطران ويُطعمان عن كل يوم مسكينا، ورخَّص للمريض والمسافر أن يُفطرا ويقضيا، وللحامِل والمُرضع إذا خافتا على أنفسهما كذلك، فإن خافتا على ولديهما، زادتا مع القضاء إطعامَ مسكين لكلِّ يوم، فإن فطرَهما لم يكن لخوف مرض، وإنما كان مع الصحة، فجُبر بإطعام المسكين كفِطر الصحيح في أول الإسلام.


• الإكثار من العبادات في رمضان:

وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات، فكان جبريل يدارسُه القرآن في رمضان، وكان إذا لقيَه جبريل أجودَ بالخير من الريح المرسلة، (وكان أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان) [رواه البخاري ومسلم]، يُكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن، والصلاة والذكر والاعتكاف....


• فصل في ثبوت رمضان:

وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- أن لا يدخُل في صوم رمضان إلا برؤية محقَّقة، أو بشهادة شاهد واحد...، وكان إذا حال ليلةَ الثلاثين دون منظره غيمٌ أو سحاب، أكمل عدة شعبان ثلاثين يوما، ثم صامه. ولم يكن يصوم يوم الإغمام، ولا أمر به، بل أمر بأن تُكمل عدة شعبان ثلاثين إذا غمَّ، وكان يفعل كذلك، فهذا فعله وهذا أمره...


• هديه صلى الله عليه وسلم في الفطر:

وكان يُعجِّل الفِطر ويحضُّ عليه، ويتسحَّر ويَحُث على السَّحور، ويؤخِّره ويُرغِّب في تأخيره، وكان يحض على الفطر بالتمر، فإن لم يجد فعلى الماء، هذا من كمال شفقته على أمته ونُصحهم، فإن إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خُلوِّ المعدة أدعى إلى قبوله وانتفاع القُوى به، ولا سيما القوة الباصرة، فإنها تقوى به، وحلاوةُ المدينة التمر، ومرباهم عليه، وهو عندهم قوت، وأُدمٌ ورُطَبه فاكهة.

وأما الماء فإن الكَبد يحصُل لها بالصوم نوع يبس. فإذا رُطبت بالماء كمُل انتفاعها بالغذاء بعده. ولهذا كان الأولى بالظمآن الجائع أن يبدأ قبل الأكل بشرب قليل من الماء، ثم يأكل بعده، وكان -صلى الله عليه وسلم- يُفطر قبل أن يصلي، وكان فِطره على رطبات إن وجدها، فإن لم يجدها فعلى تمرات، فإن لم يجد فعلى حسوات من ماء.. وروي عنه أنه كان يقول إذا أفطر: (ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى)، ذكره أبو داود من حديث الحسين بن واقد، عن مروان بن سالم المقفع، عن ابن عمر، ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم: (إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد). رواه ابن ماجه.

وصح عنه أنه قال: (إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، فقد أفطر الصائم) [رواه البخاري]. وفُسِّر بأنه قد أفطر حكما، وإن لم ينوه، وبأنه قد دخل وقت فطره، كأصبح وأمسى، ونهى الصائم عن الرَّفث والصَّخب والسِّباب وجواب السِّباب، فأمره أن يقول لمن سابه: (إني صائم) فقيل: يقوله بلسانه وهو أظهر، وقيل: بقلبه تذكيرا لنفسه بالصوم، وقيل: يقوله في الفرض بلسانه، وفي التطوع في نفسه، لأنه أبعد عن الرياء.

• الصوم في السفر:

وسافر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان، فصام وأفطر، وخيَّر الصحابة بين الأمرين.
وكان يأمرهم بالفطر إذا دَنوا من عدوِّهم ليتقووا على قتاله.

فلو اتفق مثلُ هذا في الحَضَر ، وكان في الفطر قُوة لهم على لقاء عدوِّهم فهل لهم الفطر؟ فيه قولان أصحهما دليلا: أنَّ لهم ذلك، وهو اختيار ابن تيمية، وبه أفتى العساكر الإسلامية لما لقوا العدو بظاهر دمشق، ولا ريب أن الفطر لذلك أولى من الفِطر لمجرد السفر، بل إباحة الفطر للمسافر تنبيهٌ على إباحته في هذه الحالة، فإنها أحقُّ بجوازه، لأن القوة هناك تختص بالمسافر، والقوة هنا له وللمسلمين، ولأن مشقة الجهاد أعظم من مشقة السفر، ولأن المصلحة الحاصلة بالفطر للمجاهد أعظم من المصلحة بفطر المسافر، ولأن الله تعالى قال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ } [الأنفال: 60]. والفِطر عند اللقاء من أعظم أسباب القوة، .. ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة لما دنوا من عدوهم: (إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم) . وكانت رخصة ثم نزلوا منزلا آخر فقال: ( إنكم مصبحو عدوكم، والفطر أقوى لكم فأفطِروا) فكانت عزمة [فأفطرنا] [رواه مسلم]، فعلَّل بدنوهم من عدوهم واحتياجهم إلى القوة التي يلقون بها العدو، وهذا سبب آخر غير السفر، والسفر مستقل بنفسه، ولم يذكر في تعليله ولا أشار إليه.

وسافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان في أعظم الغزوات وأجلِّها في غزاة بدر ، وفي غزاة الفتح.

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان غزوتين، يوم بدر والفتح، فأفطرنا فيهما. انتهى كلامه (باختصار من كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد).



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 133
الخميس 8 رمضان 1439 ه‍ـ
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً