مُفترق طُرق إن مسلسل التبديل والانحراف في الأوساط الجهادية، يقيم الحجة على هؤلاء الخصوم، ويضع ...

مُفترق طُرق


إن مسلسل التبديل والانحراف في الأوساط الجهادية، يقيم الحجة على هؤلاء الخصوم، ويضع كل فرد منهم أمام مفترق طرق؛ هل يتبع هواه وينكر البيّنات والحقائق والواضحات؟ أم يتبع الحق الذي حصحص وبان، فيكثّر سواده ويعذر إلى ربه قبل فوات الأوان.


مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد [503]
"حصحص الحق!"
...المزيد

قوَّة الصِّينيِّين، نمر من ورق! إِنَّ سبب تَجَرُّؤ الصِّينيِّين المشركين على المںںںـلمين في ...

قوَّة الصِّينيِّين، نمر من ورق!

إِنَّ سبب تَجَرُّؤ الصِّينيِّين المشركين على المںںںـلمين في تركستان الشَّرقيَّة هو تَرك الجهاد في سبيل الله، وخذلان الحركات المنتسبة للإسلام عن نصرتهم، وتعاون المرتدِّين العرب والعجم مع الصِّينيين.


فيا إخواننا في تركستان، إِنَّ الطُّرق السِّلميَّة التي يُخدعكم بها المنافقون والجبناء، لن تُوقِف المجرمين الصِّينيين، بَل بِإسالة دمائهم في شوارع بكين وضرب اقتصادهم في شنغهاي، وتڡْجير التَّجمُّعات الحكوميَّة الشُّيوعيَّة التي تملأ البلاد.
...المزيد

سنن الله في أهل الباطل إن انتفاشة أهل الباطل واغترارهم بما في أيديهم من وسائل البطش، ليست ببدع ...

سنن الله في أهل الباطل


إن انتفاشة أهل الباطل واغترارهم بما في أيديهم من وسائل البطش، ليست ببدع من أمرهم وما هي بجديد عليهم، بل هي طريقة متبعة سار عليها أسلافهم من المبطلين الذاهبين جُفاءً، الذين مضت عليهم سنن الله التي لا تتحول ولا تتبدل، وستمضي على هؤلاء الأخلاف حتى يلاقوا ما لقي أسلافهم من الأخذ والعقوبات الربانية، بعذاب من عند الله أو بتسليط أوليائه عليهم.

مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد [504]
"فأما الزبد فيذهب جفاءً"
...المزيد

سلسلة سؤال وجواب (1) ما معنى "لا إله إلا الله"؟ - وكم أركانها، وما هي؟ ومتى ينتفع الإنسان ...

سلسلة سؤال وجواب (1)


ما معنى "لا إله إلا الله"؟ - وكم أركانها، وما هي؟
ومتى ينتفع الإنسان بقول "لا إله إلا الله"؟


- أولاً: قال الله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ﴾ [محمد: 19]
ومعناها: لا معبود بحق إلا الله.


- ثانيًا: عدد أركانها:
لها ركنان:

1 - (لا إله): نفي
2 - (إلا الله): إثبات


- ثالثًا: متى ينتفع بها:

ينتفع الإنسان بقول لا إله إلا الله إذا:

1 - عرف معناها.
2 - وعمل بمقتضاها.
...المزيد

الباطل لا يُزهقه إلا الحق ومعلوم أن الباطل لا يزول بالباطل ؛ فلا يزول بالسلمية وشعاراتها، ولا ...

الباطل لا يُزهقه إلا الحق


ومعلوم أن الباطل لا يزول بالباطل ؛ فلا يزول بالسلمية وشعاراتها، ولا الوطنية وراياتها، فضلًا أن يزول بتقليده ودخول جحره! وكذلك لا يزول بالتماهي، أو التهاون، أو الالتقاء معه في منتصف الطريق كما هو شأن الجماعات المࢪتدّة؛ ولا يزول الباطل بالمحاورات، وأوهام "التقارب والتعايش" التي لا تحرق سوى أصحابها، كما لا يزول الباطل بإحلال مثله أو أشدّ منه محله!، فهذا كله مناقض للسنن الشرعية والكونية، ومخالف للعقول والفطر السويّة.


مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد [504]
"فأما الزبد فيذهب جفاءً"
...المزيد

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (4) لِأخبار الفتن والملاحم التي تقع آخر الزمان أهمية كبيرة ...

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (4)


لِأخبار الفتن والملاحم التي تقع آخر الزمان أهمية كبيرة عند المسلمين، وذلك لارتباطها بقيام الساعة التي هي أكبر وأخطر حدث في العالم، وكذلك لاحتواء هذه الأخبار على بشارات بالخير الذي يجب أن يحرصوا عليه، وإنذار من الشرور التي يجب أن يحذروها ويتجنبوها.


• بل الساعة موعدهم

أما من حيث ارتباط هذه الأخبار بقيام الساعة، فإن السؤال عن موعدها من أكبر الأسئلة التي تشغل أذهان الناس، ويسعون جهدهم لتحصيل الإجابات عن ذلك من أنبيائهم، قال جل جلاله: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب: 63]، فالله -عز وجل- قد حجب موعدها عن كل خلقه بما فيهم الأنبياء، عليهم السلام، ولم يطلعهم إلا على أمارات وشرائط تنبئ باقترابه، فكانوا يبلغون عن تلك الأمارات كلما سئلوا عنها، كما في حديث جبريل، قال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها) [متفق عليه]، وكذلك ورد هذا على لسان نبي آخر من الأنبياء في قصة الإسراء والمعراج، فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى قال: فتذاكروا أمر الساعة فردوا أمرهم إلى إبراهيم فقال: لا علم لي بها، فردوا الأمر إلى موسى فقال: لا علم لي بها فردوا الأمر إلى عيسى فقال: أما وجبتها فلا يعلمها أحد إلا الله ذلك وفيما عهد إلي ربي -عز وجل- أن الدجال خارج قال: ومعي قضيبان فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص قال: فيهلكه الله حتى إن الحجر والشجر ليقول: يا مسلم إن تحتي كافرا فتعال فاقتله قال: فيهلكهم الله ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم قال: فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج...) [رواه أحمد].
وعلى هذا سار الصحابة الكرام في تبليغ أحاديث الفتن والملاحم عند سؤالهم عن الساعة، كما في الأثر عن يسير بن جابر، قال: هاجت ريح حمراء بالكوفة، فجاء رجل ليس له هجيري إلا:
"يا عبد الله بن مسعود، جاءت الساعة"، قال: فقعد وكان متكئا، فقال: (إن الساعة لا تقوم حتى لا يُقسم ميراث ولا يُفرح بغنيمة، ثم قال بيده هكذا -ونحاها نحو الشام- فقال: عدو يجمعون لأهل الإسلام ويجمع لهم أهل الإسلام، قلت: الروم تعني؟ قال: نعم...) [رواه مسلم].


• يدعون إلى الخير

وأما من دلالة الأنبياء والمرسلين أقوامهم على ما سيصيبهم في قابل الأيام من خير أو شر، فهو جزء مما أُمروا بتبليغه للناس لتبشيرهم وإنذارهم، كما قال، عليه الصلاة والسلام: (إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلَمه لهم، وينذرهم شر ما يعلَمه لهم) [رواه مسلم].

فمن تبشيرهم بالخير ودلالتهم أقوامهم عليه، ما كان من إخبارهم عن بعثته -عليه الصلاة والسلام- بعد أن أبلغهم ربهم -تبارك وتعالى- بذلك، كما قال سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 81]، فأبلغوا هذا الأمر لأقوامهم، كما قال عيسى -عليه السلام- لقومه: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6]، ولذلك فإنه كان معروفا عندهم، ينتظرون خروجه، ويعلمون مآل دعوته مما بلغهم من الأنبياء عنه، وقد اعترف أحد كبرائهم وعلمائهم بذلك، وهو هرقل عظيم الروم، لما قال لأبي سفيان، رضي الله عنه: "إن يكن ما تقول فيه حقا فإنه نبي، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظنه منكم، ولو أني أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، وليبلغن ملكه ما تحت قدمي" [متفق عليه].


• قل إنما أنذركم بالوحي

ومن إنذارهم من الشر وتحذيرهم أقوامهم منه، تواتر أقوالهم على التحذير من فتنة الدجال، كما قال -عليه الصلاة والسلام- في شأنه: (إني أُنذركموه، وما من نبي إلا قد أنذره قومَه، لقد أنذره نوحٌ قومَه، ولكن سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه، تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور) [متفق عليه].

وهكذا نجد النبي -عليه الصلاة والسلام- يبادر بإبلاغ أصحابه بما هو كائن إلى قيام الساعة، كما في الحديث عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: "قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقاما، ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه" [رواه مسلم].

ونجد من اهتمام صحابته -رضي الله عنهم- بسؤاله عن ما يكون من خير وشر، فيجيبهم -عليه الصلاة والسلام- بما ينفعهم، كما في حديث حذيفة -رضي الله عنه- قال: كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في الجاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: (نعم)، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: (نعم، وفيه دخن)، قلت: وما دخنه؟ قال: (قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر)، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: (نعم، دعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها)، قلت: يا رسول الله صفهم لنا؟ فقال: (هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا)، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: (فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) [متفق عليه].

فكان الصحابة يتذاكرون أحاديث الفتن ويتدارسونها ويؤوِّلونها، كما في حديث حذيفة -رضي الله عنه- قال: "كنا عند عمر، فقال: أيكم سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه، فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره، قالوا: أجل، قال: تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة، ولكن أيكم سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر الفتن التي تموج موج البحر، قال حذيفة: فأسكت القومُ، فقلت: أنا، قال: أنت لله أبوك..." [رواه مسلم]، وفي الحديث أيضا قول حذيفة: وحدثته أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر، قال عمر: أَكَسراً لا أبا لك، فلو أنه فتح لعله كان يعاد، قلت: لا بل يكسر، وحدثته أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت، حديثا ليس بالأغاليط.

وهكذا وجدنا اهتمام أتباع الصحابة من أهل السنة والجماعة بهذا الباب من العلم، يسألون عنه، ويتدارسونه، ويعلِّمونه للناس، ويصنفون فيه الكتب والرسائل، فهم يسألون عن الخير ليكونوا من أهله، ويسألون عن الشر ليتَّقوه، ويتجنبوا أهله، ويعلموا حكم الله فيهم، ويسألون عن أشراط الساعة إيمانا بها، وتصديقا لموعود رسولهم بظهور علاماتها، وطلبا لإرغام من كفر بوقوعها.

وكذلك وجدنا منهم إسقاطا لأخبار الغيب على ما يجدونه أمامهم من وقائع وطوائف وأعيان، والاجتهاد في الحكم عليها وفق ما يرونه من قرائن تتيح لهم إطلاق تلك الأحكام.

وفي الوقت نفسه نجد على امتداد التاريخ من أراد إسقاط أخبار الفتن والملاحم على الواقع من غير هدى ولا كتاب منير، وقد سبب ذلك كثيرا من المصائب التي حلت بالمسلمين على امتداد تاريخ المسلمين.

وسنسعى في الحلقة القادمة من هذه السلسلة إلى بيان بعض الأوجه التي طبَّق فيها السلف أخبار الفتن والملاحم على واقعهم بمنهاج أهل السنة والجماعة، ثم سنبين -بإذن الله- بعض الحالات التي تم إسقاط أحاديث الفتن والملاحم على الوقائع والطوائف والأعيان بمناهج بدعية أودت بأتباعها إلى الضلال، والله الهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 110
الخميس 26 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

مقال: وألَّف بين قلوبهم الحمد لله الذي ألَّف بين قلوب المؤمنين فأصبحوا بنعمته إخواناً، ...

مقال: وألَّف بين قلوبهم


الحمد لله الذي ألَّف بين قلوب المؤمنين فأصبحوا بنعمته إخواناً، والصلاة والسلام على نبيه الذي ربَّى أصحابه على توحيد الله والإحسان إلى عباده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد..

فقد مرَّ أبو سفيان قبل أن يسلِّم على سلمان وصهيب وبلال -رضي الله عنهم- في نَفَر بالمدينة، فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها، فقال أبو بكر، رضي الله عنه: أتقولون هذا لشيخِ قريش وسيِّدهم؟ فأتى أبو بكر النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فأخبره، فقال: (يا أبا بكر لعلَّك أغضبتَهم، لئن كنتَ أغضبتَهم لقد أغضبتَ ربك)، فأتاهم أبو بكر، فقال: يا إخوتاه أغضبتُكم؟ قالوا: لا، ثم قالوا: يغفر الله لَكَ يا أخي. [رواه مسلم].
بهذه الأخلاق العالية كانوا يتعاملون، ولإخوانهم يتواضعون، وعن أخطائهم يتراجعون.


• تآلف قلوب المؤمنين مِنَّة عظيمة من الله (عز وجل)

في معرض الامتنان أخبر الله -تعالى- نبيه -صلى الله عليه وسلم- أنه أيَّده بنصره وبالمؤمنين، وألَّف بين قلوبهم، وأن تأليف القلوب هو بيد الله –تعالى- وحده، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا في الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 62 - 63].
وفي الآية إشارة إلى أن سبب تآلف القلوب هو الإيمان، وأن أمر تآلف القلوب يستحق أن تبذل فيه أموال الدنيا كلها لو كان يُدرك ببذل أسباب دنيوية، ولكنه مِنَّة من الله _تعالى- على من اهتدى بهداه، واتبع نبيه، صلى الله عليه وسلم، وقدَّم رابطة الإيمان على كل رابطة، من قرابة أو انتساب لقبيلة أو لغة أو غيرها...


• تآلف القلوب من أسباب النصر

كما أن في الآية إشارة إلى أن من أهم أسباب النصر تآلف قلوب المؤمنين المجاهدين، فالعكس صحيح، وإن التنازع والتفرق من أهم أسباب الفشل وذهاب ريح المؤمنين وقوتهم، وهو معنى نصَّت عليه آية أخرى، هي قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46].
والمعنِيُّ بالصبر هنا الصبر على طاعة الله وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بصفته رسولاً وبصفته قائداً لهم في المعارك، والصبر على إخوة الجهاد، فالمجاهد قد تبدر منه أخطاء بسبب ما يمر به من شدائد تخرجه عن طباعه، فيحتاج المجاهدون إلى أن يصبروا على بعضهم البعض، مع التناصح لإصلاح العيوب وتلافي الذنوب، حتى ننال معية الله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153].


• الألفة بين المهتدين

للتآلف أسباب أهمها الإيمان -كما ذكرنا- والصبر على الإخوان، والتواصي معهم على الحق وعلى الصبر كما قال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر].

ومن الإيمان الاعتصام بحبل الله جميعاً وعدم التفرق: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103].

وقد جمع الله المجاهدين في دولة الإسلام القائمة على الحكم بشريعة الله، وتوحيده، والكفر بالطواغيت، ومجاهدتهم، ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم، فحرِيٌّ بالمجاهدين أن يكونوا كالبنيان المرصوص: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4]، فيشعر كل مؤمن بأخيه، يفرح لفرحه ويحزن لحزنه، كما قال، صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) [رواه الشيخان].


• ما تحصل به الألفة

السعيُ إلى تآلف القلوب ومنعُ أسباب التفرق من الواجبات الشرعية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وهذه بعض التوجيهات النبوية لتحقيق ما أمرنا الله به:

- أن يحب المؤمن لأخيه ما يحب لنفسه، قال نبينا، صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) [رواه الشيخان]، فالإيمان لا يتم حتى نحب لإخواننا محبة صادقة ما نحب لأنفسنا من خصال الدين، وخيري الدنيا والآخرة.

- أن يؤدي إليه حقوقه، ومنها ما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس) [رواه الشيخان]، وفي رواية لمسلم: (حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد اللَّه فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه).

- الابتعاد عن أسباب التفرق والتنافر والتشاحن، كما قال، صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخْذُلُه ولا يَحْقره، التقوى هاهنا، وأشار إلى صدره، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله عرضه) [رواه مسلم].

- أن تعين أخاك على الحق والمعروف، وتمنعه من العصيان والظلم، قال صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالما أو مظلوما)، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال: (تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره) [رواه البخاري].

وهناك أمور أخرى كثيرة تصون الأخُوَّة وتحافظ عليها وتغلق منافذ الشيطان، وتقف أمام تحريشه بين الإخوان، فمنها الصدق معهم، وصفاء القلب لهم، ونصيحتهم، وانتقاء أطايب الكلام لمخاطبتهم، كما قال تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّاً مُبِيناً} [الإسراء: 53].


• ثوابٌ ومنافعُ يُحصلها المتحابون في الله

إن محبتنا للمؤمنين دليل على محبتنا لله عز وجل، وبها يجد المؤمن حلاوة الإيمان، ففي الحديث المتفق عليه: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان) ومنها: (أن يحب المرء لا يحبه إلا لله).
وبالأخذ بأسباب الألفة نكون قد عملنا بأوامر الله، ونكسب الأجر والثواب الجزيل، وتطيب حياتنا، ونكون بعون الله قد انتصرنا على شح نفوسنا ووساوس الشياطين، وتقوى عزائمنا لجهاد أعداء الله وأعدائنا..

كما أن تآلفنا وتراحمنا وتآخينا يحقق مصلحة الإسلام ومصلحة الجماعة، وهي دولة الإسلام، أمراء ورعية، وقد روي عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: "لا إسلام إلا بجماعة، ولاجماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة" [سنن الدارمي].

إن التعاون على البر والتقوى الذي أمرنا الله -عز وجل- به لا يتحقق على الوجه الذي يحبه الله إلا بإخوة متحابين في الله متآلفين، وما أعظم ربحهم بأن يظلهم الله -عز وجل- في ظله يوم القيامة، كما في الحديث القدسي الذي يقول الله -تعالى- فيه: (أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) [رواه مسلم].

نسأل الله أن يجعلنا من المتآلفة قلوبهم على دين الله، المتحابين في ذات الله، والمتناصرين في طاعة الله، والحمد لله رب العالمين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 110
الخميس 26 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

مناظرة بين ابن تيمية وبعض أهل البدع جاء في مجموع الفتاوى لابن تيمية من مناظرة بينه وبين أهل ...

مناظرة بين ابن تيمية وبعض أهل البدع


جاء في مجموع الفتاوى لابن تيمية من مناظرة بينه وبين أهل البدع:

وسألني الأمير عما تطلب منهم فقلت: متابعة الكتاب والسنة مثل أن لا يعتقد أنه لا يجب عليه اتباعهما، أو أنه يسوغ لأحد الخروج من حكمهما ونحو ذلك، أو أنه يجوز اتباع طريقةٍ تخالف بعض حكمهما، ونحو ذلك من وجوه الخروج عن الكتاب والسنة التي توجب الكفر. وقد توجب القتل دون الكفر، وقد توجب قتال الطائفة الممتنعة دون قتل الواحد المقدور عليه.

فقالوا: نحن ملتزمون الكتاب والسنة أتنكر علينا غير الأطواق؟

نحن نخلعها. فقلت: الأطواق وغير الأطواق، ليس المقصود شيئا معينا؛ وإنما المقصود أن يكون جميع المسلمين تحت طاعة الله ورسوله -صلى الله تعالى عليه وسلم- فقال الأمير فأي شيء الذي يلزمهم من الكتاب والسنة؟ فقلت: حكم الكتاب والسنة كثير لا يمكن ذكره في هذا المجلس، لكن المقصود أن يلتزموا هذا التزاما عاما ومن خرج عنه ضربت عنقه....

قلت: ومن ذلك الصلوات الخمس في مواقيتها كما أمر الله ورسوله؛ فإن من هؤلاء من لا يصلي ومنهم من يتكلم في صلاته..

فلما أظهروا التزام الكتاب والسنة، وجموعهم بالميدان بأصواتهم وحركاتهم الشيطانية يظهرون أحوالهم، قلت له: أهذا موافق للكتاب والسنة؟ فقال: هذا من الله حال يرِد عليهم فقلت: هذا من الشيطان الرجيم لم يأمر الله به ولا رسوله -صلى الله تعالى عليه وسلم- ولا أحبَّه الله ولا رسوله فقال: ما في السموات والأرض حركة، ولا كذا ولا كذا إلا بمشيئته وإرادته، فقلت له: هذا من باب القضاء والقدر، وهكذا كل ما في العالم من كفر وفسوق وعصيان هو بمشيئته وإرادته وليس ذلك بحجة لأحد في فعله؛ بل ذلك مما زينه الشيطان وسخطه الرحمن.


• السياط الشرعية للأحوال الشيطانية

فقال: فبأي شيء تبطُل هذه الأحوال. فقلت: بهذه السياط الشرعية. فأعجب الأمير وضحك وقال: أي والله! بالسياط الشرعية تبطل هذه الأحوال الشيطانية كما قد جرى مثل ذلك لغير واحد، ومن لم يُجب إلى الدين بالسياط الشرعية فبالسيوف المحمدية. وأمسكت سيف الأمير وقلت: هذا نائب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغلامه، وهذا السيف: سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن خرج عن كتاب الله وسنة رسوله ضربناه بسيف الله وأعاد الأمير هذا الكلام.

وأخذ بعضهم يقول: فاليهود والنصارى يُقرُّون ولا نقر نحن؟، فقلت: اليهود والنصارى يقرون بالجزية على دينهم المكتوم في دورهم، والمبتدِع لا يُقر على بدعته. فأفحموا لذلك.

و "حقيقة الأمر " أن من أظهر منكرا في دار الإسلام لم يُقر على ذلك، فمن دعا إلى بدعة وأظهرها لم يقر، ولا يقر من أظهر الفجور، وكذلك أهل الذمة لا يُقرون على إظهار منكرات دينهم، ومن سواهم فإن كان مسلما أخذ بواجبات الإسلام وترك محرَّماته، وإن لم يكن مسلما ولا ذمِّيا فهو إما مرتد وإما مشرك وإما زنديق ظاهر الزندقة.


ذم المبتدعة

وذكرت ذم "المبتدعة " فقلت روى مسلم في صحيحه عن جعفر بن محمد الصادق عن أبيه أبي جعفر الباقر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته (إن أصدق الكلام كلامُ الله، وخيرَ الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة).

وفي السنن عن العرباض بن سارية قال: خطبَنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- خطبةً ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال: (أوصيكم بالسمع والطاعة فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) وفي رواية: (وكل ضلالة في النار).

• البدعة شر من المعصية

فقال لي: البدعة مثل الزنا، وروى حديثا في ذم الزنا، فقلت هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، والزنا معصية والبدعة شر من المعصية، كما قال سفيان الثوري: البدعة أحبُّ إلى إبليس من المعصية؛ فإن المعصية يُتاب منها والبدعة لا يتاب منها.

وكان قد قال بعضهم: نحن نتوِّب الناس، فقلت: مماذا تتوبونهم؟ قال: من قطع الطريق والسرقة ونحو ذلك. فقلت: حالهم قبل تتويبكم خيرٌ من حالهم بعد تتويبكم؛ فإنهم كانوا فساقا يعتقدون تحريم ما هم عليه، ويرجون رحمة الله، ويتوبون إليه، أو ينوون التوبة، فجعلتموهم بتتويبكم ضالين مشركين خارجين عن شريعة الإسلام، يحبِّون ما يبغضه الله ويبغضون ما يحبه الله، وبيَّنت أن هذه البدع التي هم وغيرهم عليها شر من المعاصي.

قلت مخاطبا للأمير والحاضرين: أما المعاصي فمثل ما روى البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب أن رجلا كان يُدعى حماراً، وكان يشرب الخمر، وكان يُضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان كلما أتي به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم جلده الحد، فلعنه رجل مرة.

وقال: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: (لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله).

قلت: فهذا رجلٌ كثير الشرب للخمر، ومع هذا فلما كان صحيح الاعتقاد يحب الله ورسوله شهد له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك ونهى عن لعنه.

وأما المبتدع فمثل ما أخرجا في الصحيحين عن علي بن أبي طالب وعن أبي سعيد الخدري وغيرهما - دخل حديث بعضهم في بعض - أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقسم، فجاءه رجل ناتئ الجبين كث اللحية محلوق الرأس، بين عينيه أثر السجود، وقال ما قال. فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: (يخرج من ضئضئ هذا قوم يحقر أحدُكم صلاته مع صلاتهم، وصيامَه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية؛ لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)... فلما ظهر قبح البدع في الإسلام وأنها أظلم من الزنا والسرقة وشرب الخمر وأنهم مبتدعون بدعا منكرة فيكون حالهم أسوأ من حال الزاني والسارق وشارب الخمر، أخذ شيخهم عبد الله يقول: يا مولانا لا تتعرَّض لهذا الجناب العزيز - يعني أتباع أحمد بن الرفاعي - فقلت منكرا بكلام غليظ: ويحك؛ أي شيء هو الجناب العزيز وجناب من خالفه أولى بالعز يا ذو الزرجنة تريدون أن تبطلوا دين الله ورسوله، فقال: يا مولانا يحرقك الفقراء بقلوبهم فقلت: مثل ما أحرقني الرافضة لما قصدت الصعود إليهم، وصار جميع الناس يخوفوني منهم ومن شرهم، ويقول أصحابهم إن لهم سرا مع الله فنصر الله وأعان عليهم. وكان الأمراء الحاضرون قد عرفوا بركة ما يسَّره الله في أمر غزو الرافضة بالجبل.

وقلت لهم: يا شبه الرافضة يا بيت الكذب.. وقلت لهم: أنا كافر بكم وبأحوالكم { فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ} [هود: 55].

ولما رددت عليهم الأحاديث المكذوبة، أخذوا يطلبون مني كتبا صحيحة ليهتدوا بها فبذلت لهم ذلك، وأعيد الكلام أنه من خرج عن الكتاب والسنة ضُربت عنقه، وأعاد الأمير هذا الكلام واستقر الكلام على ذلك. والحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 110
الخميس 26 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 110 الافتتاحية: عليكم بالشام مجددا، يزعم المشركون ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 110
الافتتاحية:

عليكم بالشام

مجددا، يزعم المشركون انتصارهم على الدولة الإسلامية، فيخرج طواغيت الشرق والغرب ليعلنوا انتهاء حربهم ضدها، بل ويمضي أحدهم بعيدا في خداعه لأتباعه فيبشرهم بانتهاء الدولة الإسلامية، والقضاء على كل مجاهديها، في حين يكتفي آخر بإعلان الانتصار عليها، مُنبِّها إلى استعداده للاستمرار في حربه حتى القضاء على آخر جندي من جنودها.

وقد اعتدنا طوال هذه السنين على التصريحات المتهورة التي يطلقها طواغيت الشرق والغرب كل فترة معلنين انتهاء الحرب ضد المجاهدين بعد أن يخدعوا شعوبهم وأسيادهم بأوهام انتصارات يروِّجون لها على أنها خاتمة الحروب، وحاسمة المعارك.

وليس بعيدا عنا عبارة الأحمق المطاع بوش الثاني: "تمت المهمة"، التي لا زالت إلى يومنا هذا مدار سخرية العالم، بعدما رأوا ما أعقبها من هزيمة مدوية تعرض لها جيش بوش الصليبي الذي سحقه المجاهدون في العراق، قبل أن يتمكن خلفه بغل اليهود أوباما من إنقاذ فلوله من الإبادة بسحبهم من ساحة المعركة، معتبرا هذا الانسحاب المخزي نصرا كبيرا، وأحد أكبر إنجازات حكمه لأمريكا.

كما اعتدنا على تصريحات قادة أحزاب الردة وفصائل الضرار التي يطلقونها في كل مرَّة، تداعب أخبارُ الإعلام خيالاتهم المريضة، فتنشيهم هذه السكرة حتى يحسبوا أن الساحة قد خلت لهم، فلم يبق إلا أن يصبُّوا أسن أفكارهم في قلوب المسلمين وعقولهم، فيتبعوهم على ضلالهم، ويتخذوهم رموزا، وينصبوهم أئمة، ولو اتعظ هؤلاء بمصير إخوانهم من صحوات العراق، وهم بعد عقد من الزمان على مزاعمهم بانتهاء الدولة الإسلامية لا زالوا محتمين من بطش جنودها بالروافض ومخابرات الطواغيت، لكَفَوا أنفسهم الخيبات، وكفوا المسلمين الأذى.

لقد جاهد الصليبيون وأحلافهم من الطواغيت ومرتدو الصحوات طوال عقد من الزمان، ساعين إلى إطفاء جذوة الجهاد التي لم تزل مشتعلة في أرض العراق، مخافة أن يمتد شررها إلى هشيم الحكومات الطاغوتية في محيطه، فخيَّبهم الله تعالى، وبقي الجهاد متَّقِدا، تتعاهد جذوته سلاسل من الرجال الأفذاذ، كلما هلك دون لوائه عَلَم، قام تحته أَخُوهُ، حتى مكَّنهم الله من إيقاد ناره في الشام، وإلهابها في جيش النصيرية، وفصائل الردَّة، وجموع الملحدين، يورون بما أمدَّهم الله به من مدد الشام نار الجهاد من جديد بقطعان الروافض والصحوات في مدن العراق التي حسب الروافض أن قد أمَّنوها، وأريافه التي ظنُّوا أنهم قدروا عليها، وصحاريه التي خدعوا أنفسهم بتمثيليات أرتالهم العسكرية التي تجوبها على تخوُّف وترقب، حتى أساء الله وجوه المرتدين، وأرى الموحدين ما يحبّون من الفتح والتمكين، والخلافة وظهور الدين، وصار أقصى أماني المشركين أن يَخبو لظى الجهاد في العراق، فيعود جمرا يُشعُّ سناه من تحت الرماد، وهيهات.. هيهات، فمن أحيا الجهاد في العراق طوال هذه السنين، لن يزال حيا قيوما، ولن يزال عباده يتقرَّبون إليه على هذه الأرض بقتال المشركين والمرتدين، فلا خوف على الجهاد في العراق، بإذن الله تعالى.

واليوم يأمل المشركون أن يطفئوا نور الإسلام في الشام، ويعيدوا هذه الأرض المقدسة إلى ما كانت عليه قبل أن تنفي عنها نارُ الجهاد خبثَ المشركين، وتزهر في ربوعها غراس التوحيد، بل وتثمر، دولة تحكم بشريعة الرحمن، وخلافة على منهاج النبي العدنان، وجماعة أرَزَ إليها المسلمون من كل مكان.

ولا زلنا على يقين بأن كل ما منَّ الله به علينا من منح، وما ابتلانا به من محن، ما هو إلا شيء يسير مما أعده لنا على أرض الشام من فتن وملاحم، يهلك فيها من هلك، ويرفع الله فيها من بإيمانه ارتفع، فهي عقر دار المؤمنين، وهي خيرة الله من أرضه يصطفي إليها خيرته من عباده، وإليها وجَّه النبي -عليه الصلاة والسلام- من تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

فعليكم بالشام، عليكم بالشام، عليكم بالشام، وعليكم باليمن، فقد تكفّل الله بالشام وأهله.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 110
الخميس 26 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - مقال: كيفية النصر إن حكمة الله البالغة وتقديره للمؤمنين في الدنيا فيه من ...

الدولة الإسلامية - مقال:
كيفية النصر

إن حكمة الله البالغة وتقديره للمؤمنين في الدنيا فيه من الخفايا ما لا يعلمه إلا هو جل في علاه، ومن ذلك كيفية حصول النصر لعبادة المؤمنين، فقد نصر الله سبحانه وتعالى الأنبياء والرسل والمؤمنين من بعدهم بأشكال وصور متعددة متباينة فلم يقتصر انتصارهم على المعارك المباشرة، وفي ذلك حكم من الله كثيرة.

ومن ذلك أن المؤمن لا يصيبه اليأس مهما سدّت فيه وجهه الأبواب، بل يعلم أن نصر الله سبحانه قد يحصل بما لا يخطر على بال، فيعلق أمله به وحده، وهكذا فقط يأتيه النصر.

وللمؤمن في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أسوة حسنة فلم يلتفتوا كثيرا إلى كيفية حصول النصر، بل عملوا ما أمرهم الله به من تطبيق أمره وقتال الكافرين، قال تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} [النساء: 84].

كما أنهم لم يتأخروا للاستزادة من عدد أو انتظار تحصيل عدة، بل بذلوا ما كان عندهم من أسباب، فنصرهم الله جل وعلا بها بصور كثيرة، فنصرهم بالرعب، ونصرهم بالريح، وبتفريق كلمة الكافرين، كما نصرهم بالملائكة.

فلا يشغلنَّ المؤمن نفسه كثيرا بالتفاصيل، بل يعمل على ما أمره الله به بأفضل ما يستطيع فإن شاء الله عذب الكافرين على يديه وإن شاء بغير ذلك.

ولابد له من الدعاء والتضرع لله سبحانه مع العمل والجهاد في سبيله، ولا يركننَّ إذا لاحت له أسباب يظن أن بها هلاك للكافرين كاختلاف بينهم أو ضرر يصيبهم بأموالهم أو أنفسهم من عند الله، فيعلق أمله كله عليها فإن نجوا منها انهار عزمه وخبت همته، بل يواصل القتال والنزال ويعمل كل ما يستطيع من أسباب، فإن لاح له نصر زاد من تضرعه لله -جل وعلا- أن يتمه فإن لم تكن بها فلا ضير.

فالله أعلم كيف ينصر دينه وهو العالم سبحانه بمآلات الأمور وخواتمها، فرُب نصر عاجل يبقي في صف المسلمين من ليس منهم من المنافقين وغيرهم فلا يتمحص الصف ويبقى فيه من الكدر ما يكون فيه شتاته وهلاكه عياذا بالله، ورب صفة للنصر يرجوها المؤمنون والله قد أخفى لهم في حجب الغيب ما لو علموه لهانت عليهم أمانيهم، فنسأل الله أن يمكن لعباده المؤمنين وينصرهم على الكافرين بما شاء وكيف شاء إنه القاهر فوق عبادة وهم الحكيم الخبير.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 110
الخميس 26 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (3) تحدثنا في الحلقات الماضية من هذه السلسلة عن أخبار الفتن ...

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (3)


تحدثنا في الحلقات الماضية من هذه السلسلة عن أخبار الفتن والملاحم الواردة في نصوص الوحيين، وواجب المسلم نحوها، وبينا أنها من الإيمان بالغيب الذي لا يتم إيمان المرء بغيره.

ونكمل في هذه الحلقة -بإذن الله- كلامنا، مستعينين به -عز وجل- في بيان مكانة هذا الباب من أبواب العلم، ومقدار اهتمام أهل الإسلام به.


• أخبار الغيب وأنواعها

فأخبار الغيب التي أخبر بها الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- تتفاوت من حيث المدى الزمني لوقوعها، فمنها ما وقع قبل زمن التكلم بها، فيوحي بها إلى عباده المرسلين ليبلغوها لأقوامهم على سبيل التعليم وأخذ العبر وإثبات النبوة، كما في أخبار الأمم السالفة التي ما جاء نبي من بعد نوح إلا وأخبر بها، كما قال عنها الله تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49].

ومنها ما كان واقعا في زمن تكلم الأنبياء بها، كإخبارهم -عليهم الصلاة والسلام- الناس بأمور من الغيب لم يطلعوا عليها، على سبيل تقديم الآيات والدلائل على نبوتهم، وتلقيهم الوحي من الله عز وجل، كما في قول عيسى بن مريم -عليه السلام- لقوله، فيما أخبر عنه ربه سبحانه وتعالى: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 49].

ومنها ما كان إخبارا عن أمور ستقع بعد فترة من إخبارهم بها، كما في إخباره -عليه الصلاة والسلام- بدخول المسلمين إلى مكة بعد رؤيا رآها، وصدق ذلك كلام ربه عز وجل: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 27]، قال الإمام أبو محمد البغوي رحمه الله: "وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أُري في المنام بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية أنه يدخل هو وأصحابه المسجد الحرام آمنين، ويحلقون رؤوسهم ويقصرون، فأخبر بذلك أصحابه، ففرحوا وحسبوا أنهم داخلو مكة عامهم ذلك، فلما انصرفوا ولم يدخلوا شق عليهم، فأنزل الله هذه الآية" [معالم التنزيل في تفسير القرآن].

ومن تلك الأخبار، ما لم يقع في حياة الأنبياء المبلغين لها، ولكن بعد أن توفاهم الله، كإخبارهم ببعثة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وأمرهم أتباعهم بالإيمان به، كما في قول عيسى بن مريم عليه السلام: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6].

وكذلك بعض أخبار رسولنا عليه الصلاة والسلام، التي وقعت بعد موته، كما في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه: (فإن طالت بك الحياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله، ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى)، قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: (كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يُخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله فلا يجد أحدا يقبله منه) [رواه البخاري]، قال عدي عن الحديث نفسه: "فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم الحياة لترون ما قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (يُخرج ملء كفه)".

• أخبار الغيب وأشراط الساعة

ومنها ما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أنها تكون بعد موته، وجعلها إشارات أو علامات على اقتراب الساعة، كلما وقع منها شيء دلّ أكثر على اقتراب ذلك اليوم الموعود، كما أنها حين وقوعها تدلّ على صدق رسالته -عليه الصلاة والسلام- فيما أخبر به قبل حدوثه، ففي حديث عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال: (اعدد ستا بين يدي الساعة، موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا) [رواه البخاري].

ولارتباط هذه الأخبار بالساعة، وهي موعد انتهاء الحياة الدنيا، وبداية الحياة الآخرة، ولعظم الأحداث المرتبطة بهذه الأخبار، فقد أولى بها أهل العلم من صحابة رسول الله وأتباعهم اهتماما كبيرا، وأفرد لها أهل الحديث في صحاحهم وسننهم ومسانيدهم أبوابا وكتبا.

فمنهم من أوردها في معرض الحديث عن الساعة وأشراطها، وذلك ثابت في كلامه عليه الصلاة والسلام، بدلالته على اقتراب الساعة بأحداث تقع قبلها، كما في الحديث السابق، وكما في جوابه لجبريل -عليه السلام- عندما سأله عن الساعة وموعدها، قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها) [متفق عليه]، وكقوله عليه الصلاة والسلام: (إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما ينتعلون الشعر) [رواه ابن ماجة]، وغير ذلك كثير فيما أخبر عنه عليه الصلاة والسلام.

أحاديث الفتن والملاحم وموقعها من العلم
ومن العلماء من جعلها في باب الحديث عن الأحداث العظام التي تقع قبل قيام الساعة، وهذا ما غلب على وصف هذه الأحاديث، حتى صارت تعرف عند الناس بـ (أحاديث الفتن والملاحم)، ولذلك نجد معظم هذه الأحاديث تحت هذه التسمية في كتب أهل العلم، وقلما نجد كتابا من كتب الحديث يخلو من باب بهذه التسمية أو قريبا منه.

فبوب البخاري في صحيحه (كتاب الفتن)، وفي صحيح مسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة)، و(كتاب الفتن) في كل من سنن الترمذي، وسنن ابن ماجة، ومسند الشافعي، ومصنف ابن ابي الشيبة، و(كتاب الفتن والملاحم) في سنن أبي داود ومستدرك الحاكم.

ومن العلماء من صنف كتبا مستقلة في هذا الباب، ككتاب (الفتن) للإمام أحمد بن حنبل، و(كتاب الفتن) لحنبل ابن إسحق بن حنبل، و(كتاب الفتن) لنعيم بن حماد المروزي، وهو أشهر ما صنف في هذا الباب، رغم تحذير العلماء منه لما احتواه من مناكير، وعلى آثارهم سار من جاء بعدهم، كالحافظ ابن كثير في كتابه (النهاية في الفتن والملاحم)، وغيره كثير من كتب أهل العلم.
فأحاديث (الفتن والملاحم) تندرج في إطار العلم بالساعة، لما توضحه من علامات على قرب موعدها، ومن العلم بدلائل النبوة، لما فيها من أدلة واضحة على صدقه -عليه الصلاة والسلام- فيما يبلغه عن ربه تعالى، بل وجعلها بعض علماء السلف بابا من أبواب الاعتقاد التي يعلمونها للمسلمين، وخاصة الأحاديث التي أنكرها أهل الضلال من المعتزلة والروافض وغيرهم، لما فيها من نقض لأقوالهم ومعتقداتهم الباطلة.

بل ليس من المستبعد اعتبار (الفتن والملاحم) علما مستقلا بذاته، لما في هذا العلم من منهجية خاصة في تأويل الأخبار الواردة في متون الأحاديث التي نقلتها، من حيث مطابقة الأخبار للوقائع التي تحدث في كل زمان، وتقرير إن كانت هذه الوقائع من الأحداث التي تندرج في إطار (الفتن والملاحم) التي يدرسها هذا العلم، أم هي من جملة الأحداث التي يحدثها الله -تعالى- في كل الأزمنة المختلفة، والأماكن المتباعدة، ويبتلي بها عباده، ويمضي بها أقداره.

وسنبين في الحلقة القادمة -بإذن الله- جانبا من أهمية هذا العلم، من خلال بيان اهتمام النبي -عليه الصلاة والسلام- بتعليمه لأصحابه، واهتمامهم -رضي الله عنهم- بتعلمه وتبليغه لمن بعدهم، واهتمام علماء الإسلام بنقل هذا العلم، والفقه فيه، وبيانه للناس، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 109
الخميس 19 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

النصيحة للمجاهدين... تحريض لا تثبيط الحمد لله ولي المجاهدين، وناصرهم وهاديهم إلى الصراط ...

النصيحة للمجاهدين... تحريض لا تثبيط

الحمد لله ولي المجاهدين، وناصرهم وهاديهم إلى الصراط المستقيم، والصلاة والسلام على من جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

فإن الله -سبحانه وتعالى- قد بيَّن لعباده السبيل الذي يحبه ويرضاه، ودلَّهم على مواطن الخلل والنقص لديهم ليحذروا الخطايا وتكرارها، وقد ذكر الله -تعالى- ما وقع من خطأ من المجاهدين، كما أثنى على ما فعلوه من صواب، كما بعد غزوة بدر حيث أنزل الله -تعالى- سورة الأنفال، لتخبر عن تردد بعض المؤمنين أول الأمر وكراهيتهم الخروج للقتال ومجادلتهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعدما تبيَّن الحق {كَمَا أَخرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيتِكَ بِالحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ المُؤمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الحَقِّ بَعدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى المَوتِ وَهُم يَنظُرُونَ} [الأنفال: 5 - 6].


• فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم

وكذلك نزول صدر هذه السورة إثر اختلافهم في تقسيم الأنفال، إذ بيَّن الله -تعالى- لهم أن ما هو أهم من ذلك عنده أن يتقُّوه ولا يسمحوا لأعراض الدنيا أن تكون سبباً لفساد ذات بينهم، ونبَّههم -سبحانه- إلى ضرورة السعي إلى استكمال الإيمان، بذكر صفات المؤمنين التي يحبها ويحب أهلها ويثيبهم أعظم الثواب عليها في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {يَسأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصلِحُوا ذَاتَ بَينِكُم وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ * إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم وَإِذَا تُلِيَت عَلَيهِم آيَاتُهُ زَادَتهُم إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ المُؤمِنُونَ حَقًّا لَهُم دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِم وَمَغفِرَةٌ وَرِزقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 1- 4]، ونزلت آيات كثيرة في شأن غزوة بدر، وفي ثناياها الفوائد الجليلة التي تزكي قلوب المؤمنين وأعمالهم.

منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة
ورغم وجود المنافقين وتربصهم بالمؤمنين وبحثهم عن عثراتهم، نزلت الآيات التي تبين أن الفشل الذي حصل في غزوة أحد إنما هو بسبب معصية بعض المجاهدين لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأن دافع تلك المعصية كان إرادةَ الحياةِ الدنيا ومتاعِها الزائل. قال تعالى: {وَلَقَد صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعدَهُ إِذ تَحُسُّونَهُم بِإِذنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلتُم وَتَنَازَعتُم فِي الأَمرِ وَعَصَيتُم مِن بَعدِ مَا أَرَاكُم مَا تُحِبُّونَ مِنكُم مَن يُرِيدُ الدُّنيَا وَمِنكُم مَن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُم عَنهُم لِيَبتَلِيَكُم وَلَقَد عَفَا عَنكُم وَاللَّهُ ذُو فَضلٍ عَلَى المُؤمِنِينَ} [آل عمران: 152]، وما أجملَ وأحسن أن يخبرهم الله بعفوه عنهم في الموضع الذي ينبِّههم فيه على خطئهم...
ثم أخبر -تعالى- أنه عفا عمن تولى يوم التقى الجمعان، وأخبرهم أن سبب توليهم وقوعهم في معاصٍ سابقة أوقعهم الشيطان في الزلل بسببها، {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوا مِنكُم يَومَ التَقَى الجَمعَانِ إِنَّمَا استَزَلَّهُمُ الشَّيطَانُ بِبَعضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَد عَفَا اللَّهُ عَنهُم إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: 155].


• قل هو من عند أنفسكم

آيات كثيرة تحدثت بالتفصيل عن حِكَم الله -عز وجل- فيما جرى قبل غزوة أحد وأثناءها وبعدها، كان في تلك الآيات الشفاء لقلوب المؤمنين وتساؤلاتهم عن سبب الفشل أمام الكفار في تلك المعركة، قال تعال: {أَوَلَمَّا أَصَابَتكُم مُصِيبَةٌ قَد أَصَبتُم مِثلَيهَا قُلتُم أَنَّى هَذَا قُل هُوَ مِن عِندِ أَنفُسِكُم إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165]، وفي الآيات بيان الحكمة من مقتل عدد من الصحابة، رضي الله عنهم، مع التأكيد على أن إدالة الكفار على المؤمنين لا تدل أبداً على محبة الله للظالمين، {إِن يَمسَسكُم قَرحٌ فَقَد مَسَّ القَومَ قَرحٌ مِثلُهُ وَتِلكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَينَ النَّاسِ وَلِيَعلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُم شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 140]، كما علمهم الله –تعالى- درساً عظيماً لمَّا أُصيب بعض الصحابة بالضعف والوهن عندما أشيع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قُتل، وأن الواجب الاستمرار في طاعة الله بجهاد أعدائه، ومتابعة السير في نصرة الإسلام {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَاتَ أَو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلَى أَعقَابِكُم وَمَن يَنقَلِب عَلَى عَقِبَيهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيئًا وَسَيَجزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].

وأن الموت أو القتل أصاب خيار خلق الله وهم الأنبياء والرسل، عليهم الصلاة والسلام، فلم يمنع ذلك من اتبعوهم بإحسان من الثبات على طريق الدعوة إلى توحيد الله وجهاد أعداء الله لأطرهم على الحق ودفع عدوانهم على الشريعة وأهلها ودارها {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146]، ثم يشير الله -تعالى- إلى أن النصر قادم ولن تحرموا منه رغم ما سبق من أحداث، وأن عليكم أن تقتدوا بالأنبياء وأتباعهم الذين قال الله -تعالى- عنهم: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 147 - 148]، فكأن الله -تعالى- يَعِد الصحابة بالنصر بعد غزوة أحد التي وقع فيها الابتلاء والتمحيص للمؤمنين، ويوصيهم بالصبر والإحسان في طاعته، ويذكرهم بأن يطلبوا من الله مغفرة ذنوبهم وأن ينصرهم على القوم الكافرين. ولذلك كانوا واثقين من نصر الله -عز وجل- لهم يوم الأحزاب رغم الشدة وتكالب الكفار عليهم وإحاطتهم بهم {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22].


• منهج رباني في النصيحة

إننا نحتاج إلى تتبع هذا المنهج الرباني في تذكير المجاهدين، فمن جهة نَذكر أسباب تأخر النصر، ومن جهة أخرى نُذكرهم بحِكَم الله -تعالى- الأخرى في إدالة الكفار على المؤمنين، وأن منها أن يصطفي الله -عز وجل- من المجاهدين أناساً لمنزلة الشهادة، وأن يمحِّص الله -تعالى- المؤمنين، ويستخرج منهم عبادة التذلل والاستكانة لله والتضرع إليه، ولعل منها أن يُخرج الله -تعالى- الخَبث من بيننا، ولعل منها أن الله لو نصرنا دائماً لأصابنا الأشر والبطر وطلب العلو في الأرض والركون إلى الدنيا، كما أن الله -تعالى- يحب أن يرانا صابرين ملحين عليه في الدعاء والاستغاثة به -عز وجل- خائفين من ذنوبنا أن تكون سبب هلاكنا وخسارتنا في دنيانا وآخرتنا، وأن نخاف من الوقوع في الزيغ والضلال والانتكاس بعد معرفة الحق واتباعه {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8]، ومن الحِكم أيضاً أن يُضل الله الكافرين حين يظنون أنفسهم قد انتصروا على الحق والهدى فيزدادوا إثماً وضلالاً، {ولَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران: 178]، فينتقم الله منهم، وينزل بهم بأسه ويسلِّط عليهم أولياءه الموحدين المجاهدين فيعذبهم بأيديهم.

لقد أمرنا الله -عز وجل- أن نحرض المؤمنين على القتال وعلى الصبر فيه والمصابرة والرباط على أعداء الله، ولا يصح أبداً أن نُقنط المجاهدين من رحمة الله، ولا أن نقول لهم إنكم لن تنتصروا أبداً بسبب وقوع الذنوب والأخطاء من بعضكم، فكما أنه لا يصح أن يُغَلِّب المسلم جانب الرجاء بحيث يتجرأ على معاصي الله، فكذلك لا يصح أن يُغلب العبد جانب الخوف إلى أن ييأس من عفو الله ورحمته، فكلا الطرفين مذموم وهو سبب للفتنة والضلال.

بل نقول للمجاهدين: حافظوا على إيمانكم بفعل الواجبات وترك المعاصي، فالإيمان هو سبب نصر الله لنا، مع الخوف من الله ورجاء ما عنده من الرحمة والثواب، وكونوا دوماً أذلة على إخوانكم المؤمنين أشداء على الكفار، وجاهدوا واصبروا واستغفروا الله واطلبوا عفوه ونصره، وأحسنوا ظنكم بالله -تعالى- الذي وعد المؤمنين بالنصر وبخصال أخرى جليلة، بقوله سبحانه: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 14 - 15].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 109
الخميس 19 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً