صحيفة النبأ العدد 129 - مراسلون ولاية دمشق | معركة جنوب دمشق جيش العدو ومحاور هجومه ووعد ...

صحيفة النبأ العدد 129 - مراسلون

ولاية دمشق | معركة جنوب دمشق
جيش العدو ومحاور هجومه ووعد المجاهدين


يخوض جنود الخلافة جنوب دمشق حربا شرسة ضد الجيش النصيري وميليشياته الفلسطينية المرتدة والرافضية الذين يحاولون التقدم على مواقع المجاهدين في المنطقة.

وتأتي هذه الحملة للجيش النصيري بهدف إكمال النفوذ الرافضي على العاصمة دمشق ومحيطها وإبعاد أي خطر يمكن أن يهدد النفوذ الإيراني فيها، لكن جنود الخلافة يتوعَّدون الجيش النصيري وحلفاءه بمعركة حامية الوطيس تستنزف ما بقي لهم من قدرات بإذن الله، ونسأل الله النصر فيها لعباده الموحدين.

ووفقا للمصادر العسكرية فقد شن المرتدون هجومهم من 4 محاور، هي محور الحجر الأسود عبر نقاط أخذها من الصحوات وانطلق منها نحو الحي، والمحور الثاني هو شمال مخيم اليرموك، والثالث هو من حي التضامن، والرابع من حيِّ القدم حيث يحاول الجيش النصيري اقتحام (جورة الشريباتي) ومنطقة (الماذنية) وهي المنطقة التي سيطر عليها جنود الخلافة بعد أن تسلَّمها الجيش النصيري من الصحوات.

وقد تمكن جنود الخلافة -بفضل الله- حتى كتابة هذا الخبر من صدِّ جميع محاولات التقدم، وقتل العشرات من عناصر الجيش النصيري في كافة المحاور، الأمر الذي دعا المرتدين إلى تكثيف عمليات القصف أملا في إضعاف معنويات المجاهدين وإيقاف الاستنزاف الكبير الذي أصابهم على ثغور المنطقة.

وكعادة النظام النصيري في معاركه الأخيرة مع الصحوات في الغوطة والقلمون وجنوب دمشق فقد تأمَّل التوصل إلى اتفاق يقضي بخروج المجاهدين وتسليم مناطقهم، وأشاعوا كذبا وزورا في الإعلام حدوث مثل هذه المفاوضات، لكن مصدرا عسكريا أفاد (النبأ) بأن النظام طلب المفاوضات وجاءه الرد قاسيا من جنود الخلافة، وظهر هذا الرد بصور نشرها المكتب الإعلامي للولاية.

وأشار المصدر العسكري إلى أن جنود الخلافة اغتنموا خلال معاركهم مع الجيش النصيري أسلحة عليها شعار "جيش الإسلام" المرتد، مما يعني أن النظام شرع مباشرة في استخدام الأسلحة التي سلَّموها له، وأنَّه بعد أن كان -أي النظام- يقاتل الدولة الإسلامية بعناصر "جيش الإسلام" في الماضي، يقاتلهم الآن بالسلاح الذي سلَّموه له.

ويشارك في الهجوم على المخيَّم كل من ميليشيات ( لواء القدس وجيش التحرير وفتح الانتفاضة والقيادة العامة) الفلسطينية المرتدة إضافة إلى الحرس الجمهوري والجيش النصيري ومنه الفرقة الرابعة التي تخضع لقيادة النظام النصيري مباشرة، ومليشيات الدفاع الوطني، وذكرت وسائل إعلامية أنَّ ميليشيات رافضية عراقية ستشارك في الهجوم بعد كثرة الاستنزاف في صفوف الجيش النصيري.
ويعتمد النظام على القصف الجوي الذي يشارك فيه الروس، مستخدمين الصواريخ شديدة الانفجار والقنابل العنقودية، فضلا عن استخدام الراجمات والمدفعية الثقيلة، الأمر الذي أدى إلى تدمير كبير في المنطقة، ولا حول ولاقوة إلا بالله.
ومن جهتهم أغلق عناصر الصحوات معبر (العروبة) الفاصل بين المخيم ويلدا، وشدَّدوا على مسائل الدخول والخروج من خلاله، في دعم واضح لحملة الجيش النصيري المرتد.

وحول واقع مناطق الصحوات أفاد مصدر عسكري بأن النظام سيطر على بعض النقاط عندهم وانطلق منها لحرب جنود الخلافة، في ظل اتفاقات المصالحة بين النظام وروسيا من جهة والصحوات المرتدين من جانب آخر.

وفي ظل هذا الواقع تبايع جنود الدولة الإسلامية على الموت وأقسموا أن يروا الله عز وجل من أنفسهم ما يحب، وأن يذيقوا النصيرية من الكأس التي أذاقوها للمسلمين المستضعفين، بإذن الله.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 129
الخميس 10 شعبان 1439 ه‍ـ
...المزيد

تفريغ / مؤسسة الفرقان تقدم: كلمة صوتية للمتحدث الرسمي للدولة الإسلامية الشيخ المجاهد أبي الحسن ...

تفريغ / مؤسسة الفرقان تقدم:
كلمة صوتية للمتحدث الرسمي للدولة الإسلامية
الشيخ المجاهد أبي الحسن المهاجر (تقبله الله)
بعنوان
(فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)


الحمد لله معز الإسلام بنصره، ومذل الشرك بقهره، ومصرِّف الأمور بأمره، ومستدرج الكافرين بمكره، الذي قدَّر الأيام دولا بعدله، وجعل العاقبة للمتقين بفضله، والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه، أما بعد:

ففي حومة الوغى، ورجع صدى آمال أهل الكفر بالقضاء على دولة الإسلام، يستمد حَمَلة الراية وحراس العقيدة قوَّتهم من خالقهم جل وعلا، فاعتمادهم وتوكلهم، عليه لأن الأمر بيديه، ادَّرعوا بالإيمان وصالح الأعمال، فلم يفتَّ في عضدهم انهزام المرجفين والخوَّارين والمبطلين، فكانوا بحق سادةً نجباءً أعزةً كرماءً، قرأوا قول الله: {إِلَّا تَنْفِرُوا} [التوبة: 39] فوثبوا، وأصغت آذانهم لنداء: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ} [التوبة: 40] فضحوا وبذلوا، خفافا وثقالا، كهولا وشبانا، لم يخلدوا إلى الدعة والنعيم، ولم يركنوا إلى حطام الدنيا الزائل، تجرَّدوا للحق فلزموا غرزه فأنبت وأينع طيب الثمر وأنماه، وضرب الجهاد بجِرانه في الأرض فاتسعت رقعته لتلفح بلهيبها أمم الصليب وحكومات الردة والعمالة، في جهاد لأعداء الله عز شأوه، وملاحمِ صدق سطَّرها الصابرون الموقنون بموعود الله لهم، قرأوا قول ربهم: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: 179]، فأدركوا فداحة الموقف مع تقادم الأيام، وأنَّ التمييز والتمحيص والابتلاء، آتٍ لا محالة، سنة الله الماضية، {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 62]، فمع كل حدث ونازلة، يفيئون ويرتوون من معين الهدى الذي لا ينضب، فما خالط بشاشة قلوبهم الريب، وما أثقلت كواهلهم اللأواء ولا كثرة الأعداء.


غطارفةٌ مثل الجبال حُلومُهُم *** تكونُ لهم شم الجبال هضابا
إذا غضبوا للَّه أرضاك فتكهم *** وأَفتكُ ما تلقى الأُسودُ غضابا
وإِن جَزموا الأعمارَ في الحرب صَيّروا *** عوامِلَهُم في الدّارِعينَ حرابا
وتَحسَبُهُم تحت السوابغ والقنا *** ضراغمَ شقّتْ في العَرينِ سَرابا


أذهلوا أمم الكفر وأرعبوها، وسلبوها الراحة والأمان وشتتوها، فأصبحت تتمنى صفو العيش فلا تجده ولا تدري من أي باب ستؤتى، وغدا الموحد المجاهد المستضعف في الأرض، يرى -بفضل الله ومنِّه- العلج الصليبي الأوروبي والأمريكي، يُدهس ويُطعن ويُقتل في طرقات باريس ولندن ومنهاتن، مثلاً بمثلٍ وسواءً بسواءٍ جزاءً وفاقاً، فكما يَقتلون يُقتلون، وكما يَقصفون يُنسفون، وإلى جهنم سيحشرون.

قتلناهُمُ قَتلَ الكلاب فلم نَدَع *** لهم في جميع الناس يا صاحِ من فَخرِ

فلم يتعظ الأغرار دهاقنة الكفر بعد ولم يعتبروا، ولا زال سفهاؤهم يمنُّونهم ويغرونهم فيتمادون في إجرامهم، دون اعتبار بما ستبدي لهم الأيام، جرَّاء حمقهم وعسفهم بالمسلمين دون رحمة أو شفقة، فعلام نعجب؟! فهذا ديدنهم ودأبهم، كما أخبرنا العليم الخبير إذ قال في كتابه العزيز: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217].

فربنا الحكيم العليم قد جلَّى لنا في كتابه حقيقة هؤلاء الكفرة المجرمين، وأمرنا بقتلهم وقتالهم حتى يكون الدين كلُّه لله، فإما أن يسلموا أو يستسلموا لأمر الله وحكمه أذلةً صاغرين، فأوجب علينا أن نطهر الأرض من زهم شرك هؤلاء، من جاهلية هؤلاء، من عبث هؤلاء، من تجبُّرهم وطغيانهم في الأرض، وأمرنا ربنا -تبارك وتعالى- أن نقاتل المشركين كافة كما يقاتلوننا كافة، فلا فرق بين قتالنا الطاغوت المرتد سلمان وابنه السفيه وقتالنا السيسي وجيشه، ولا فرق بين قتالنا الصفوي الرافضي خامنئي وقتالنا عباس العلماني وحماس، لا فرق بين قتالنا لهؤلاء وبين قتالنا أولياءهم الصليبيين الأمريكان والروس والأوروبيين غير أن أولئك من أبناء يعرب أشد على الإسلام وأنكى وفي الدركات أهوى، قال ربنا: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 36]، وقال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 193]، وحذَّرنا فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51].

فقتال الكفرة المشركين دين نتعبد الله به، ونتقرب به إليه -سبحانه- ليرضى عنا، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]، وقال مذكرا ومرغبا عباده في عظيم أجر من جاهد في سبيله لقتال أعدائه: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة: 120]، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4]، وإنَّ القتال في سبيل الله لهو التجارة الرابحة التي دلَّ عباده عليها، فقال جلَّ من قائل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف: 10 - 11]، فجعل الثواب والجزاء عظيما جليلا بيَّنه في قوله: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: 12 - 13].

قال ابن القيم في مدارجه: "فإن عبودية الجهاد من أحب أنواع العبودية إليه سبحانه، ولو كان الناس كلهم مؤمنين لتعطلت هذه العبودية وتوابعها، من الموالاة فيه سبحانه، والمعاداة فيه، والحب فيه والبغض فيه، وبذل النفس له في محاربة عدوه"، إلى أن قال: "ومنها عبوديةُ مخالفةِ عدوِّه، ومراغمته في الله، وإغاظته فيه، وهي من أحب أنواع العبودية إليه، فإنه -سبحانه- يحب من وليِّه أن يغيظ عدوه ويراغمه ويسوءه، وهذه عبودية لا يتفطَّن لها إلا الأكياس" انتهى كلامه رحمه الله.

وفي الصحيح عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها، وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم، إلا بحقها وحسابهم على الله) ]رواه البخاري[.
قال إمام الدعوة النجدية -رحمه الله- عندما سئل عن معنى "لا إله إلا الله" فأجاب: "اعلم -رحمك الله- أن هذه الكلمة هي الفارقة بين الكفر والإسلام، وهي كلمة التقوى، وهي العروة الوثقى، وهي التي جعلها إبراهيم عليه السلام: {كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف: 28]، وليس المراد قولها باللسان مع الجهل بمعناها، فإن المنافقين يقولونها وهم تحت الكفار في الدرك الأسفل من النار، مع كونهم يُصلُّون، ويصومون، ويتصدقون، ولكن المراد معرفتها بالقلب، ومحبتها ومحبة أهلها، وبغض من خالفها ومعاداته، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله مخلصا) وفي رواية: (صادقا من قلبه) وفي لفظ: (من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يُعبد من دون الله) إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على جهالة أكثر الناس بهذه الشهادة" انتهى كلامه.

وقال -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 120]، "أما قولهُ تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}، لئلا يستوحشَ سالكُ الطريقِ مِنْ قلةِ السالكين، {قَانِتًا لِلَّهِ} لا للملوكِ ولا للتجارِ المترفين، {حَنِيفًا} لا يميلُ يميناً ولا شمالاً كفعلِ العلماءِ المفتونين، {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} خلافا لمن كثَّر سوادهم وزعم أنه من المسلمين".

فلا إله إلا الله، ما أكثر الناكصين المتنكبين عن كلمة الإخلاص، العاملين بضدها من المنتسبين لهذه الأمة، الهادمين لركنها، المدَّعين نصرتها، الموالين لأعدائها، المحاربين حَمَلَتها والذائدين عنها، وإن حال أهل الإسلام لا يستقيم ولن يستقيم، إلا بكتاب يهدي وسيف ينصر، وإحياء لسنة الصديق -رضي الله عنه- فيمن ارتد وندَّ عن حكم الله وشرعه، وقفز إلى معسكر أهل الكفر ووالى الطواغيت والمشركين والملحدين، وإن صلى وصام وطاف بالبيت الحرام، ففي موقف تجلت رعاية الله وحفظه لهذا الدين -ولا يقوم بمثله إلا ذوو العزمات المسددون الملهمون الموفَّقون من الرجال- قتالُ الصديق -رضي الله عنه- من ارتد من العرب، إذ قمع الله به كل عدو للدين وألف له الأمة وردهم إليه، بعد أن ارتد أكثرهم عن دينه وانقلب الغالب منهم على أعقابهم كافرين، إذ وقف -رضي الله عنه- كالطود الشامخ أمام ريح عاتية وفتنة مدلهمة حتى قال: "والله لأقتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها"، وذلك يوم أن قال له الصحابة -رضي الله عنهم- كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (أُمرت أن أقاتل الناس، حتى يقولوا: لا إله إلا الله) قال عمر -رضي الله عنه- فقلت يا خليفة رسول الله تألَّف الناس وارفق بهم فقال لي: "أجبار في الجاهلية وخوار في الإسلام قد انقطع الوحي وتم الدين أينقص وأنا حي؟".

حتى قال الفاروق عمر رضي الله عنه: "والله لقد رجح إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمة جميعا في قتال أهل الردة".

وقال أبو بكر بن عياش: سمعت أبا حصين يقول: "ما ولد بعد النبيين مولود أفضل من أبي بكر رضي الله عنه، لقد قام مقام نبي من الأنبياء في قتال أهل الردة".

قال ابن تيمية رحمه الله: "وإذا كان السلف قد سموا مانعي الزكاة مرتدين مع كونهم يصومون ويصلون، ولم يكونوا يقاتلون جماعة المسلمين، فكيف بمن صار مع أعداء الله ورسوله قاتلا للمسلمين".

بل ونقول في وقتنا هذا: فكيف بمن صار مع أعداء الله ورسوله، من الطواغيت المبدِّلين لشرع الله وحكمه، خادما ذليلا مواليا مظاهرا للصليبيين والملحدين، وهو مع ذلك، يزفر غيظا وحنقا على جماعة المسلمين، متمنيا وراجيا زوال حكم الله وشرعه، مباهيا بذلك مستعلنا به محتفيا، كما حدث في الموصل وسرت والرقة وغيرها.
وإن من عجائب الزمان سفاهةَ من استمرأ الكذب والبهتان يشمت بدولة الخلافة، وانحسار نفوذها عن أرض حكمتها بشرع الله، في وقت لا يجد المسلم في الأرض دار إسلام يفيء إليها سوى ما تحت سلطان الخلافة، رغم شدة الحملة الصليبية وشراستها، وما زال جنود الخلافة في العراق والشام واليمن وخراسان وسيناء وليبيا وغرب إفريقية وغيرها من الولايات، يقدِّمون أرواحهم رخيصة في سبيل إعلاء كلمة الحق والدين، فهم في هذا الوقت المقاتلون عن دين الإسلام، وهم من أحرى الناس دخولا في الطائفة المنصورة، التي ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة)، وقال: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة).

فيا أبناء الإسلام وحملة التوحيد في كل مكان، دونكم طلائع الخلافة كثِّروا سوادها والحقوا بركبها، فإنا مقبلون على فتح قريب ونصر عزيز بإذن الله، فلا يفوتنكم أجر السبق وحسن التمام.
وإن قتالنا لأهل الكفر والردة قدر محتوم وفرض واجب، ولا يسع من آمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا، التخلُّف أو النأي بالنفس عنه، دفعا لصيالهم، وسلبهم بلاد المسلمين، فمنذ عهد ليس بالقليل، والمسلمون كالغنم المطيرة فى الليلة الشاتية؛ لتسلط عدوهم وزوال سلطانهم، ولا ترى من كثير ممن ينتسبون للإسلام، إلا أهواءً متبعةً، وجنوحاً مريعاً عن الملة، في ردة وعمالة صارخة لأحفاد القردة والخنازير، فلم يُصَب أهل الإسلام على مر العصور بمصاب كهذا، من حرب عقدية ومنهجية واقتصادية وعسكرية وإعلامية، ولم تبتلَ الأمة بمن ينتسبون للعلم كهذا الابتلاء، بل وقد غدا هؤلاء الذين ينسبون أنفسهم للعلم، حربة يقاتل بها كل من يسعى لإقامة حكم الله وشرعه في الأرض.

فواعجبا ممن يقرأ كتاب ربه، ثم يعيش في كنف الذلة والمهانة مسلوب الإرادة، يُملى عليه ما يجب اعتقاده، وما يجب عليه اجتنابه من دينه، في فصام نكد يعيشه وبعد حقيقي عن فهم الواقع، الذي لا يعرفه ولا يفقهه إلا من وثب من الدون، وارتقى بسنام الدين ذروة الصُّم الشواهق، فأبصر بمقال الفعال لا بمقال الهذرمة وحشو الكلام، حال المتخلفين المخذولين، وما هو السبيل لخلاص أهل الإسلام من هذا الكرب العظيم والشر المستطير، فإن هداية الله لمن جاهد في سبيله أسبق، ووعده لهم أصدق.

قال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]، قال ابن القيم: "واعلم، أنه لا يستقر للعبد قدم في الإسلام حتى يعقد قلبه على أن الدين كله لله، وأن الهدى هدى الله، وأن الحق دائر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجودا وعدما، وأنه لا مطاع سواه ولا متبوع غيره، وأن كلام غيره يعرض على كلامه فإن وافقه قبلناه، لا لأنه قاله، بل لأنه أخبر به عن الله -تعالى- ورسوله، وإن خالفه رددناه، ولا يعرض كلامه -صلى الله عليه وسلم- على آراء القياسيين، ولا على عقول الفلاسفة والمتكلمين ولا أذواق المتزهدين، بل تعرض هذه كلها على ما جاء به، عرض الدراهم المجهولة على أخبر الناقدين، فما حكم بصحته فهو منه المقبول، وما حكم برده فهو المردود" انتهى كلامه رحمه الله.

فيا أيها المقتفي نهج نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الأخيار، يا من أبيت إلا السير على درب سلف هذه الأمة الأبرار، يا من دهمته طوارق الليل وأهمَّته تباريح النهار، يا من أسلمت وجهك لله، فاستبطأت الفرج وحلَّ الكُرب، بعد أن أيقنت أنه لا حل ولا سبيل ولا وسيلة، لفلاح هذه الأمة ونجاتها من دركات الشقاء، يرضاها ربنا جل في علاه، إلا بالجهاد في سبيله والقتل والقتال، ليعود المسلم حرا كريما لا عبدا تابعا ذليلا، ويسود الإسلام الأرض، وتخضع البرية جمعاء لله رب العالمين، اعلم بأنه لا يُوصل إلى الراحة واللذة إلا على جسر التعب والألم، وهذا يريك -أخي المجاهد- أن المصائب والآلام حشوها نعم ولذات ومسرات، كيف بك وأنت اليوم في موطن جليل مهيب، عز من يقفه في هذا الزمان، تنافح فيه عن ملة إبراهيم وسنة خير المرسلين، عليهم أفضل الصلاة والسلام، طاعة لله رجاء موعوده وإنفاذا لأمره، فإياك من كيد الغرور إياك، فإنه لا يزال بالعبد الصالح يغريه تارة ويمنيه تارة، حتى يقع في شراكه وحبائل كيده ومكره، فإن الخطب جلل، وليهنك وعد ربك لمن آمن به وصدق رسله وهاجر وأوذي في سبيله وقاتل حتى قتل صابرا محتسبا، فإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.

فالصحابة -رضوان الله عليهم- خير القرون وأزكاها وأعلم الناس قاطبة بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ما نكلوا عن قتال الكفرة المشركين مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في زمانه، وما نكصوا عن قتال أهل الردة بعد وفاته، وقد ضربوا في ذلك أسمى المواقف وأجلِّها، فأعلوا منار الإسلام بعد أن كاد يُصطلم ويخرم.

ففي صورة من صور البذل والفداء لهذا الدين، وعزمة من عزمات السابقين الأولين، يرويها أنس -رضي الله عنه- حيث قال: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: "يا رسول الله، غبتُ عن أول قتال قاتلتَ المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين، ليَرينَّ اللهُ ما أصنع"، فلما كان يوم أُحُد، وانكشف المسلمون قال: "اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني أصحابه، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء، يعني المشركين"، ثم تقدَّم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: "يا سعد بن معاذ، الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد"، قال سعد: "فما استطعت يا رسول الله ما صنع"، قال أنس: "فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قُتل وقد مثَّل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه"، قال أنس: "كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] إلى آخر الآية" ]رواه البخاري[، وعنه أيضا قال: "انطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقدِّمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه)، فدنا المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض)، قال: - يقول عمير بن الحمام الأنصاري: - يا رسول الله، جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: (نعم)، قال: بخٍ بخٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ؟) قال: لا والله يا رسول الله، إلا رجاءة أن أكون من أهلها، قال: (فإنك من أهلها)، فأخرج تمرات من قَرَنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، قال: فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قُتل" [رواه مسلم].

بل ولقد كان حملة القرآن من الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- هم السبَّاقون المبادرون المتقحِّمون غمار الموت، نعم يا طالب العلم، ففي حروب الردة، خشي الفاروق والصديق رضي الله عنهما ذهاب كثير من القرآن لكثرة القتل فيهم، حتى قال الفاروق عمر -رضي الله عنه- لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ القتل قد استحرَّ [أي: كثر] يوم اليمامة بقرَّاء القرآن، وإني أخشى أن يستحرَّ القتل بالقراء بالمواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن"، فكان ذلك سببا لجمع القرآن وحفظه مكتوبا في المصاحف، فما أجلَّ موقف حامل العلم والقرآن يوم أن تكون ثمرة علمه بادية عليه، شجاعا مقداما غير هياب ولا مرتاب.

وهذا زيد بن الخطاب -رضي الله عنه- يحمل راية المسلمين يوم اليمامة في حروب الردة، وكان يقول وهو يصيح بصوت الموقن بأن ما عند الله خير وأبقى وأن العاقبة للتقوى: "اللهم إنِّي أعتذر إليك من فرار أصحابي، وأبرأ إليك مما جاء به مسيلمة"، فلم يزل يتقدم بالراية في نحر العدو، ثم قاتل حتى قُتل، فأخذها سالم مولى أبي حذيفة، ولما انكشف المسلمون يوم اليمامة قال سالم وهو من حملة القرآن: "ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفر لنفسه حفرة وقام فيها، ومعه راية المهاجرين يومئذ فقاتل حتى قتل رحمه الله".

وعن جعفر بن عبد الله بن أسلم، قال: "لما كان يوم اليمامة، واصطف الناس، كان أول من جُرح أبو عقيل، رُمي بسهم فوقع بين منكبيه وفؤاده في غير مقتل، فأُخرج السهم، ووهن له شقه الأيسر في أول النهار، وجُرَّ إلى الرحل، فلما حمي القتال وانهزم المسلمون، وجاوزوا رحالهم، وأبو عقيل واهن من جرحه، سمع معن بن عدي يصيح: يا للأنصار! الله الله والكَرَّة على عدوكم! قال عبد الله بن عمر: فنهض أبو عقيل يريد قومه، فقلت: ما تريد؟ ما فيك قتال! قال: قد نوَّه المنادى باسمي، قال ابن عمر: فقلت له: إنما يقول: يا للأنصار، ولا يعني الجرحى، قال أبو عقيل: أنا من الأنصار، وأنا أجيبه ولو حبوا، قال ابن عمر: فتحزَّم أبو عقيل وأخذ السيف بيده اليمنى، ثم جعل ينادي: يا للأنصار! كَرَّة كيوم حنين! فاجتمعوا رحمكم الله جميعا، تقدَّموا فالمسلمون دريئة دون عدوهم، حتى أقحموا عدوهم الحديقة، فاختلطوا، واختلفت السيوف بيننا وبينهم.

قال ابن عمر: فنظرت إلى أبي عقيل وقد قُطعت يده المجروحة من المنكب، فوقعت إلى الأرض، وبه من الجراح أربعة عشر جرحا كلها قد خلصت إلى مقتل، وقُتل عدو الله مسيلمة. قال ابن عمر: فوقفت على أبي عقيل وهو صريع بآخر رمق، فقلت: يا أبا عقيل! قال: لبيك -بلسان ملتاث- لمن الدَّبرة؟ قلت: أبشر قد قتل عدو الله، فرفع إصبعه إلى السماء يحمد الله، ومات يرحمه الله".

أولئك جيل المكرمات فمن يكن *** له أثَرٌ بالعزم يسعى ويخطر
تراهم إلى الهيجاء صاح نذيرهم *** فأرخص روحا في الوغى يتبختر
وماذا عسى الأطراس تجديك عالما *** إذا ضاع منك الفعل والقول أبتر
بسيف وإقدام وصون عقيدة *** بها الدين يزهو والنجائب ضمَّر

وليعلم كل محارب لدولة الخلافة، أنها ماضية في إنفاذ وعيدها بأعدائها، فأسيافنا -بفضل الله- ما نبت، وإن الملاحم لتوها بدأت.

وما خاض أبناء الإسلام غمار هذا البحر اللُّجي المتلاطم، إلا وهم على يقين برسوِّهم ودنوهم من سعة الدنيا والآخرة، وما متقحم لهذه المخاضة بخاسر.

فإنما هي إحدى الحسنيين، إحدى الكرامتين، إما نصر وإما شهادة، حياة عز لا حياة ذل، حياة إباء لا حياة استخذاء واستجداء.

وإن الناظر اليوم ليرى بفضل الله ومنِّه ثم بثبات أبناء الخلافة وأنصارها، ربَّة القطب الأوحد فيما مضى أمريكا، وهي تعيش أحلام اليقظة، تمني نفسها القضاء على دولة الإسلام، ونسيت أو تناست، كيف آل بها الحال مع خصومها ومنافسيها من الأمم، ومن في حقيقة الأمر انتصر وظفر، من فقد الصدارة والريادة، وما عادت رياح السياسة تجري وفق ما يشتهي ويؤمِّل، فها أنت اليوم يا ربة السوء تائهة متخبطة متعثرة الخطوات مشتتة الأهداف، ذلَّت إرادتك فأصبحتِ تناغين خصومك المفترضين وتسايرين رغباتهم، وترضين بأنصاف الحلول ولا تقوين على الصدام المباشر معهم، وما حديثك عن احتواء النفوذ الصفوي في المنطقة عنَّا ببعيد، وهو خير دليل وشاهد، وإن الشقاء الذي حل بك اليوم من جراء عجزك الاقتصادي المدقع قد أفقدك السياسة التي تزعمين والكياسة مع الحلفاء، فما عدت تخجلين أن تظهري ابتزازك لأصدقاء الأمس واليوم أمام العالم، بل وترهنين بقاءك في الشام بدعمهم الغير مشروط أو أن يحلوا مشاكلهم بأنفسهم، أو تظنين أن قصفك للنظام النصيري المجرم القاتلِ لأهل السنة سيخضع الروس أو يغيِّر من المعادلة شيئا أم سينسي جرائمك بحق أهل السنة في العراق والشام، وما الغوطة ودوما إلا حلقة من قصة لم تنتهِ فصولها من الكرب الذي يعانيه أهل السنة، وما إقدامك على فعل ذلك إلا ذرٌ للرماد في العيون واستخفاف بالعقول، واختلاق لنزاع متوهم، لتحفظي شيئا من مصالحك مع طواغيت المنطقة من مرتدي أهل السنة، فأنت من أسلمت مناطق أهل السنة لدولة المجوس إيران، كيف وأساطيلك البحرية والجوية تواكب حشود الرافضة الصفويين في العراق، وتمهِّد لهم سلب ديار أهل السنة، بل وأصبح حزب اللات الرافضي ذراع إيران يحمد على فعله وما اقترفته يداه بحق أهل السنة في الشام، وتلك العصائب والميليشيات الرافضية في العراق تعتلي المناصب ويُشاد بتنكيلها واستباحتها لمناطق أهل السنة، الذين ما اندمل لهم جرح وما رقَّ لهم دمع، مذ أقبلتِ غازيةً تبشرين بتعاستهم واستعبادهم وحرب دينهم ونهب ثرواتهم.

فعن أي نصر يتحدث هؤلاء، عن أي نصر تتحدثين أمريكا، والمجاهدون -بفضل الله- في علو ورفعة وقوة ساعد، وشدة بأس وبعد نظر ووحدة صف، وحالٍ خير من الحال الذي وليت فيه مهزومة ذليلة من العراق منذ سنين؟ وما كانت إلا أعوام قلائل حتى فتح الله على عباده المجاهدين المدن والأرياف، وأغناهم من فضله، فعن أي نصر تتكلمين، وأنت اليوم خرَّاجة ولاجة من بلد لآخر، تخطبين ود دول وتناغين أخرى، بعد أن عاد للصدارة خصمُك الألد وعدوك الأبعد روسيا الصليبية، التي لم تهنأ هي الأخرى بنصرها المزعوم على أرض الملاحم، وحاولت آيسة وبحفاوة كاذبة، أن تظهر ولو إعلاميا بصورة المخلِّص لشركائها النصيرية في الشام، بعد أن استخدمت سياسة الأرض المحروقة في استعراض مفرط للقوة، مع مدن وبلدات أهل السنة، فلم يَرُقْ لك أمريكا ذلك المشهد، والصورة التي أراد أن يوصلها العلج الروسي للعالم، بأن قد عدتُ للصدارة، فأعجزك الدهاء، وما كان من رقيع بيتك الأخرق، إلا أن يوقِّع بقلمه أمام العالم بأن القدس عاصمة لدولة يهود، ليفسد بذلك على خصمه الروسي احتفاءه بالنصر، ويصرف عنه أنظار العالم، فأغضبتِ الغُثاء ممن يعتقدون فيك النفع والضر، وأنت اليوم تتعجلين أمرا لن تبلغيه، فكفي عنه وعودي خلف البحار ما لك وللمجاهدين وديار المسلمين، فاعتبري بما سلف فالعاقل لا يُجرب المجرَّب، وإن وعد الله لعباده المتقين المجاهدين بالتمكين أقرب، ثم هل سيجدي اعترافك هذا من أمر الله شيئا، حتى وإن نزلت وأتيت بكل بارجة وطائرة، وخبير ومستشار على أرض المسرى وأولى القبلتين لتحمي يهود، فإن لأجناد الإسلام معهم موعدا لن يخلفوه، وإنها الوعود ورب محمد صلى الله عليه وسلم، فصبرا يا أهلنا في مسرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صبرا، فوالله ما نسيناكم، وإنَّ إخوانكم في دولة الخلافة ما قاتلوا أمم الكفر، إلا وهم يتلمَّظون أسى وأسفا عن مجابهة يهود، لانشغالهم بدفع صيال عدوِّهم وإزالة حدود الذل والعار المكبِّلة لأهل الإسلام، وما صمود وثبات أجناد الخلافة في سيناء وصدُّهم الحملات تلو الحملات إلا برهان حق ودليل صدق وإن غدا لناظره لقريب.

فعن أي نصر تتكلمين أمريكا، وما زال أبناء المسلمين من أقطار الأرض يتوافدون على بيعة الخلافة ونصرتها، راجين أن يكونوا لبنة صالحة في تشييد صرحها وإعلاء بنيانها، بل ولا زال جنود الخلافة في العراق والشام واليمن وخراسان وسيناء وليبيا وغرب إفريقية والصومال والفلبين وتونس، ينازلون عملاءك وجنودك ويطاولونهم في جهاد يحبه الله ويرضاه، ولن يتوقف حتى ينزل عيسى ابن مريم -عليه السلام- حكما مقسطا، وإنَّ الكابوس الذي تجرَّعتم فصوله المرعبة لن ينهيَه حلم زائف، أو لحظة من غطاء جوي هائل، فإن القادم -بإذن الله- أدهى وأمر.

فمن أنت يا جندي الخلافة، لتجتمع على حربك أكثر من سبعين دولة؟!
من أنت يا جندي الخلافة، لتُعقد من أجلك المؤتمرات والتحالفات؟!
من أنت ليقبل العلج الأمريكي والروسي والأوروبي والغربي والشرقي لحربك وقتالك؟!
من أنت، لتقصف بأم القنابل والفسفور ويُصب من فوق رأسك كل ما جرَّموه وحرَّموه؟!
من أنت لتتنكر عن نصرتك أمة الغثاء بل وتقف مع عدوها لحربك، فمضيت ولم تلفت وجهك عن نصرة دينك؟!
من أنت ليضجَّ إعلامهم الفاجر لتحطيمك أكوام حجارة لا حياة فيها، ويقف شاخصا واجما وبصمت مطبق، وهو يرى بلاد أهل السنة تُباد وتدك على رؤوس ساكنيها، تُزهق فيها الأرواح وتنتهك الحرم بدعوى حربك وقتالك؟!
فمن أنت يا جندي الخلافة، لتوصم بالزندقة تارة، وبالعمالة تارة، وبالخارجية تارة، وبالكفر تارة، وبالإلحاد تارة، فاحتار البلاعمة المرتدون في وصفك ولمزك وغمزك، ثم أنت مع ذلك كله، تُلقي بنفسك في غمرات الموت تذب عن أمتك ودينك؟!
من أنت لله درُّك وعلى الله أجرك؟! فتَذَكَّر من أنت، لتعلم فضل الله عليك فأدِّ شكر هذه النعمة، بالثبات على دينه وجهاد أعدائه، فإنك على الحق. اللهم أمض لجنود الخلافة هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم.

وإن دولة الخلافة منذ إعلانها و نشأتها، قد بشرت الأمة بالجهاد والقتل والقتال في سبيل الله، ولم تعدها وتمنِّيها بشيء من الدنيا، فأقامت الدين وأحيت الولاء والبراء، وانخلعت من ضيق الأحزاب والتنظيمات إلى سعة الخلافة، فأعادت لجماعة المسلمين هيبتها وعزَّها بين الأنام، ولولا ذلك لما اجتمع عليها طواغيت الشرق والغرب ولما حاربتها الأمم، فبايع المجاهدون الصادقون أمير المؤمنين أبا بكر الحسيني القرشي البغدادي -حفظه الله- خليفة للمسلمين، فنحا الصراع بذلك الإعلان مع أهل الكفر شكلا آخر وسِمَة مغايرة عن كل جهاد سلف في زماننا، فكان ذلك من توفيق الله -تعالى- لأهل الجهاد في العراق والشام، فالإمام جُنَّة كما قال صلى الله عليه وسلم: (يُقاتل من ورائه، ويتقى به) [رواه البخاري ومسلم]، فتُحسم بذلك مادة الشر المتمثلة بالاختلاف، الذي يستثمره أهل الغدر والمكر والخيانة، ليبقى أبناء الإسلام فرقا وأحزابا وجماعات أشتاتا، فبإعلان الخلافة، عادت -بفضل الله- أواصر الأخوة الإيمانية، وتحقَّق معنى الجسد الواحد في هذه الأمة بين أبناء الإسلام وفي شتى البقاع، فترى الموحِّد الذي عزَّ عليه النفير والهجرة إلى دار الإسلام، القاطن بين ظهراني المشركين، من يهود وصليبيين ومرتدين، يقاتل على بصيرة من أمره نصرة لدينه، بعد أن وضح أمام ناظريه على أي شيء يقاتل ليُقتل، حتى غدت...

أسيافنا في كل غرب ومشرق *** بها من قراع الدارعين فلول
وأيامنا مشهورة في عدونا *** لها غرر معلومة وحجول

فيا جنود التوحيد في دولة الإسلام، إنها الخلافة فخر المسلمين وغيظ الكافرين، فاحمدوا المولى بأن أكرمكم برفع رايتها والذود والذبِّ عنها، وإنا لنحسب أن من بقي منكم كمن سلف من خياركم، فامضوا إلى فتح جديد إلى نصر مجيد، وإن جيلا تربى على التوحيد، وعاش الولاء والبراء واقعا حيا عمليا، وذاق عزة الجهاد ولذة البذل في سبيل الله، هو الأمة التي يُعقد عليها الآمال، ويعول عليه بعد الله -عز وجل- النهوض بالإسلام في هذا الزمان، وها أنتم اليوم تشهدون الملاحم على أرض العراق والشام وغيرها من البلدان فأروا الله من أنفسكم خيرا.

وما مُنعت دار ولا عزَّ أهلها *** من الناس إلا بالقنا والقنابل

وإن لأبناء الإسلام بحول الله وقوته مع أعداء الله الرافضة الصفويين، وعملائهم المرتدين المحسوبين زورا وبهاتانا على أهل السنة، موعدا وأجلا مضروبا معجَّلا، فما وضعت الحرب أوزارها، وما زال آساد الخلافة -بفضل الله- يسيرون وفق ما أرادوا ورسموا، فهم سائسو الحروب ومروِّضوها، وقاهرو أمم الكفر ومزلزلوها، فلا يظنن وضيع جبان أن يدا له امتدت على المجاهدين وأعراضهم سينعم بها، فقسما بمن أجرى السحاب وبنى السبع الشداد، وشتَّت عند الفتح جموع الكافرين في كل واد، لتقطعنَّ يداه ورجلاه، ولتسلَبنَّ روح حواها جسده ولينبذنَّ جيفة في رمسه، فما ضعفنا وما جَبُنَّا، نحن أحفاد الصديق وابن الوليد، ولنحيِينَّ سنته في كل من ارتد وناصب المسلمين العداء، من الدهماء والغوغاء، فاسمعوها وعوها منا يا رافضة العراق ومجوس إيران، فقسما قسما لتضيقَنَّ الواسعة من نتن موتاكم، وليشوبنَّ دجلة والفرات نجيع قتلاكم، وإن بكل مسلمة عفيفة طاهرة سيقت إلى مشانق الموت، ما سيخلع قلوبكم ويُدمي أيامكم.

فيا مسعِّرة الحروب في أرض السواد ومهد الخلافة، يا رجالات الدولة وحماة الدين والملة، لا تدعوا مفصلا أمنيا أو عسكريا أو اقتصاديا أو إعلاميا لحكومة الرافضة، إلا وجعلتموه أثرا بعد عين، ولا تُبقوا رأس عشيرة عفن مرتد إلا وقطفتموه، ولا قرية محاربة إلا وتركتموها آية لمعتبر وعظة لكل مغتر أشر، فهؤلاء هم من وقفوا أنفسهم خداما للرافضة وعبيدا لهم، وعينا ساهرة تحول بين المجاهدين وعدوِّهم، واكتموا أنفاس دعاة الفتنة والضلالة، من تواصوا وتعاهدوا على تبديل عقائد الناس، من الأئمة والخطباء والمعممين والأساتذة والمعلمين، فلا تأخذكم بهم رأفة أو شفقة في دين الله، فهم مرتدون زنادقة مجرمون، يذلِّلون الناس ليكونوا طوع قياد الرافضة، وافلقوا هام كل من آذى عباد الله الموحدين، ممن ارتد وإن كان يوما في ركاب المجاهدين، واقبلوا توبة من تاب قبل القدرة عليه، وأحسنوا إلى من آوى وناصر ورعى العهد ولم يخفُر ذمته مع المسلمين، وكونوا له عونا وسندا، وآتوه من مال الله الذي آتاكم، واخفضوا له الجناح.

ولتعلموا يا أهل السنة في العراق والشام وكل مكان أنه ما عاد لكم بعد الله سوى أجناد الخلافة في دولة الإسلام، فآووهم وانصروهم وكونوا لهم يدا على من سواهم، وننوِّه إلى أن حكومة الحشد الرافضي الإيراني في العراق، مقبلة على ما يسمونه انتخابات، فكلُّ من يسعى في قيامها بالمعونة والمساعدة فهو مُتَولٍ لها ولأهلها، وحكمه كحكم الداعين إليها والمظاهرين لها، والمرشحون للانتخاب هم أدعياء للربوبية والألوهية، والمنتخِبون لهم قد اتخذوهم أربابا وشركاء من دون الله، وحكمهم في دين الله الكفر والخروج عن الإسلام، فإنا نحذركم يا أهل السنة في العراق من تولي هؤلاء القوم الذين ما تركوا باب ردة إلا وولجوه، وإن مراكز الانتخاب ومن فيها هدف لأسيافنا فابتعدوا عنها واجتنبوا السير بقربها، ومن ضنَّ منكم بنفسه وأخلد إلى الأرض عن نصرة دولة المسلمين وموئل أهل السنة فليسعه بيته ولينشغل بخاصة نفسه، ولا يكونن نصيرا وظهيرا للرافضة المشركين وأذنابهم المرتدين المحسوبين على أهل السنة.

ويا جنود الخلافة وأنصارها في كل مكان، اعلموا أننا اليوم نمرُّ بمرحلة جديدة، ومنعطف شدة في طريق جهاد عدو حقود، يرجو السيطرة على بلاد المسلمين، وأن يرث ما خلَّفته أمريكا، بعد أن أنهكها المجاهدون بعملياتهم، ومطاولتهم لها ما يقرب عقدين من الزمان، فبدأت تعود القهقرى لا تلوي على شيء، وهي ترى تنكُّر الحلفاء لها، عاجزة عن كبح جماح الروس ودولة المجوس إيران، فاجعلوا هاتين الضُرَّتين هدفا لمسرح عملياتكم وجهادكم، ليذوق المجوس ومن ورائهم الروس شيئا من جحيم طغيانهم، وحرقهم مناطق أهل السنة في العراق والشام، فخذوا لهذه الحرب أهبتها، وتزوَّدوا لها فإن خير الزاد التقوى، ثم امضوا وأنتم على يقين بوعد الله ونصره، والزموا الطاعة واحفظوا وارعوا الجماعة، وإياكم والاختلاف، فإنه شر ما تُصابون به وهو أحدُّ عليكم من كل لهذم قاطع، واقضوا حوائجكم بالكتمان، واستنفذوا الوسع والطاقة في استطلاع الأهداف وكشف ثغرات العدو، واحذروا الجاسوس اللصيق، أجهزة الاتصال فإنها دليل النصال، واتخذوا كل وسيلة من شأنها النكاية بعدوكم والإثخان فيه، فهاهم الصليبيون الأمريكان قد استمرأوا ما فيه هلاكهم بإذن الله، وتجرأوا بالنزول بين فينة وأخرى، فلا يفوتن أحدَكم نصيبه منهم وقد حلُّوا بساحتكم.

وتذكروا في كل وقت وحين تذكروا دائما، أن قبَّة النصر -كما قال ابن القيم- لا تُبتنى إلا على خمسة أشياء ذكرها ربنا في قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 45 - 46]، ففي هذه الآية أمر الله المجاهدين بخمسة أشياء، ما اجتمعت في فئة قط إلا نُصرت وإن قلت وكثر أعداؤها؛ أولاها الثبات، وثانيها كثرة ذكره سبحانه وتعالى، وثالثها طاعته وطاعة رسوله، ورابعها اتفاق الكلمة وعدم التنازع، الذي يوجب الفشل والوهن، وهو جند يقوِّي به المتنازعون عدوهم عليهم، فإنهم في اجتماعهم كالحزمة من السهام، لا يستطيع أحدٌ كسرها، فإذا فرقها وصار كل منهم وحده كسرها كلها، وأما خامسها ملاكُ ذلك كله وقوامه وأساسه وهو الصبر، فهذه خمسة أشياء تُبتنى عليها قبة النصر، ومتى زالت أو بعضها زال من النصر بحسب ما نقص منها، وإذا اجتمعت قوَّى بعضها بعضا، وصار لها أثر عظيم في النصر، ولما اجتمعت في الصحابة لم تقم لهم أمة من الأمم، وفتحوا الدنيا ودانت لهم العباد والبلاد، ولما تفرقت فيمن بعدهم وضعفت، آل الأمر إلى ما آل، والله المستعان وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 129
الخميس 10 شعبان 1439 ه‍ـ
...المزيد

حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ كثيرة هي أسماء التنظيمات والفصائل التي ظهرت في الشام خلال ...

حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ

كثيرة هي أسماء التنظيمات والفصائل التي ظهرت في الشام خلال هذه السنوات، وكثيرة هي التشققات التي حصلت والاندماجات والتحالفات والجبهات التي تشكلت، وفي الغالب لا يختلف حال تلك الفصائل في اجتماعها أو تفككها، فالتغير يجري على الصور والمسميات ولا تخضع له الحقائق والمقتضيات.

وقد رأينا كيف انشقت مجموعة من المرتدين عن جبهة الجولاني بعد أن شاركوه في كل الموبقات التي فعلها طيلة السنوات الماضية، من شق لصف المسلمين، ثم مظاهرة للمشركين على الموحدين، إلى امتناع عن إقامة الدين، ثم إقامة حكومة تحكم بغير شريعة رب العالمين، فشكلوا فصيلاً جديداً، وأطلقوا على أنفسهم مسمّى "حراس الدين" وهم لم يتوبوا بعد من حراستهم للشرك والمشركين، كما أن كثيراً من الأدلة تثبت أنهم تركوا عصبة الجولاني ليظهروا انتماءهم لحركة طالبان المرتدة التي لا زالوا على بيعتهم لأميرها، وعلى الولاء لأفرادها المرتدين.

فكل تلك الموبقات لم تستوجب عند أولئك المنشقين أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر، ولكن أن يفضح المرتد الجولاني سفاهتهم، ويكشف أنه كان يتلاعب بهم وبشيخهم "الظواهري" كما يلعب الطفل الصغير بالكُرة، فهذا ما لم تحتمله عقولهم المريضة بحب الشهرة والفوائد، والحرص على الاتسام بالحكمة والدراية والمحامد.

وظن أولئك المرتدون أنهم بمجرد خروجهم من طائفة من طوائف الردة قد صاروا مسلمين، متناسين -وهم يدّعون العلم- أن اعتزال طائفة الكفر هو قرينة تدل على صدق من ادّعى التوبة، وهو مقدمة للتوبة لا حقيقتها، وأن المرتد لا بد وأن يعلن توبته من كل مكفّر خرج بسببه من دين الإسلام قبل أن يعلن العودة إليه.

ففي حالتهم لا بد أن يقترن بخروجهم من طائفة "هيئة تحرير الشام" المرتدة إعلانٌ منهم بالبراءة منها، ومن أفرادها المرتدين، ومن كل كفر تلبست به، ويمتنعوا عن الدخول في أي من طوائف الردّة الأخرى كأمثال "حركة طالبان الوطنية"، ثم إعلانٌ عن تجديد إسلامهم من بعد كفر كانوا عليه، فيكونوا بذلك من أتباع ملة إبراهيم، الذين قالوا لقومهم المشركين: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4]، وهذا غير متحقق في هؤلاء المرتدين.

فخروجهم من طائفة الردة التي كانوا من جنودها لا يختلف عن خروج بعضٍ من جنود الجيش النصيري المرتدين فيما يسمونه "انشقاقاً عنه" دون أن يتوبوا من الكفر الذي تلبسوا به، فهم باقون على أصل ردّتهم حتى يظهر خلاف ذلك، وحكمهم حكم أعيان الجيش النصيري، حتى يتوبوا إلى الله من الكفر الذي شاركوهم فيه، ويتبرؤوا منهم ومن شركهم ويعادوهم لكفرهم بالله العظيم.

أما وصفنا لهم بأنهم "حراس الشرك" فهو حقيقة ثابتة فيهم، فزيادة على الشرك الذي تلبسوا به بانتمائهم إلى طائفة كفر يعلمون حالها هي "جبهة الجولاني" المرتدة، فأتباع هذا التنظيم يدعون إلى قتال الدولة الإسلامية إن غزت ديار الكفر التي يحكمها إخوانهم المرتدون، ولو لإزالة الشرك الذي يعلوها وإقامة الدين فيها، فهم قد رضوا أن يكونوا "حراساً للشرك" الذي يحكم تلك الأرض، فلا يقيمون شرع الله فيها، ولا يسمحون لمن يريد ذلك ويقدر عليه أن يتمكن منها، ويسمُّون مقاتلته دون ذلك "دفعاً للصائل" استجابة لأحد المرتدين من علماء السوء، الذي أمرهم بمظاهرة طائفة "جبهة الجولاني" المرتدة على الموحدين، رغم علمه بما وقعت فيه من الكفر المبين.

بل إن من قادة هذا التنظيم وجنوده من قاتلوا الموحدين فعلاً إلى جانب من يحكمون هم بكفرهم، وفتنوا المسلمين في سجونهم، وقتلوهم تعذيباً وصبراً أو غيلة ومكراً، كما فعلوا في مناطق حوران وحماة والقلمون وريف حلب الشمالي، فيما هم الآن يمتنعون عن "دفع صيال" مرتدي "الجيش الحر" على أخيهم الجولاني وجنوده حرصاً منهم على دماء من يسمونهم "مسلمين".

وإننا نحذر المسلمين من موالاتهم بأي شكل حتى يتوبوا من ردّتهم، ويتبرؤوا من الكفر الذي كانوا عليه، والكفر الذي لا زالوا متلبسين به، وممن تلبس به من إخوانهم، ويعادوهم لكفرهم بالله العظيم، ويجاهدوا في سبيل الله رب العالمين، فيكونوا بذلك من الفائزين، قال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [التوبة: 11].



* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 129
الخميس 10 شعبان 1439 ه‍ـ
...المزيد

مؤسسة آفاق الإلكترونية - سلسلة نصائح أمنية الحلقة الأولى: الفقرة (٣) فعل خاصية Sensors Off على ...

مؤسسة آفاق الإلكترونية - سلسلة نصائح أمنية
الحلقة الأولى: الفقرة (٣)

فعل خاصية Sensors Off على جهازك لإيقاف عمل الكاميرا والمايك والموقع وغير ذلك من الخدمات التي يمكن تتبعك منها.

يمكنك إيجاد كيفية تفعيل هذه الخاصية حسب جهازك ونظام التشغيل من خلال البحث على الانترنت، سيعينك هذا بإذن الله على زيادة أمن جهازك. ...المزيد

أحاديث مَدَار الإسلام (2) ◾ قال الإمام النووي في بستان العارفين: "ومما ينبغي الاعتناء به، بيان ...

أحاديث مَدَار الإسلام (2)

◾ قال الإمام النووي في بستان العارفين:
"ومما ينبغي الاعتناء به، بيان الأحاديث التي قيل إنها أصول الإسلام، وأصول الدين، أو عليها مدار الإسلام أو مدار الفقه والعلم".

16- (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم...). [البخاري].

17- (البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس). [مسلم].

18- (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة...). [مسلم].

19- (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت...). [متفق عليه].

20- (قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- أوصني، قال: لا تغضب، فردد مرارا قال: لا تغضب). [البخاري].

21- (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها...). [الدارقطني].

22- (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها...). [الترمذي].

23- (لقد سألت عن عظيم.. تعبد الله لا تشرك به شيئا...). [الترمذي].

24- (قل لي في الإسلام.. قال: قل آمنت بالله ثم استقم). [مسلم].

25- (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد...). [الترمذي].

26- (يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك...). [الترمذي].

27- حديث عمر رضي الله عنه، في بيان معنى الإيمان والإسلام والإحسان. [مسلم].

28- (مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى، إذا لم تستحي فاصنع ما شئت). [البخاري].

29- (أرأيت إذا صليت الصلوات الخمس المكتوبات وصمت... أأدخل الجنة؟ قال: نعم). [مسلم].



• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 511
السنة السابعة عشرة - الخميس 12 ربيع الأول 1447 هـ
...المزيد

مِن أقوال علماء الملّة قال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "إيّاك أنْ تغتر بما يغتر به ...

مِن أقوال علماء الملّة

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى-:

"إيّاك أنْ تغتر بما يغتر به الجاهلون، فإنهم يقولون: لو كان هؤلاء على حق، لم يكونوا أقلّ الناس عددا، والناسُ على خلافهم؛ فاعلم أنّ هؤلاء هم الناس، ومَن خالفهم فمشبَّهون بالناس ليسوا بناس!، فما الناسُ إلا أهل الحق وإنْ كانوا أقلهم عددا".

[مفتاح دار السعادة]
...المزيد

الدولة الإسلامية - مقتطفات نفيسة (51) من كلام الشيخ المجاهد أبي حذيفة الأنصاري -حفظه الله ...

الدولة الإسلامية - مقتطفات نفيسة (51)
من كلام الشيخ المجاهد أبي حذيفة الأنصاري -حفظه الله تعالى-


• على منهاج النبوة

وعلى هذا النهج المبارك نشأت الدولة الإسلامية ومضت، فالتوحيد قصدت، والشريعة نصرت، والشرك نبذت وفارقت وفاصلت وحاربت، والجهاد وسيلة اتخذت، فأخذت منهاج النبوة قولا وعملا، وضربت بعرض الحائط كل ما خالفه وناوأه من المناهج والدساتير والخرافات والأساطير، ففتح الله عليها وألهمها رشدها، فرأت الحق حقا واتبعته، والباطل باطلا واجتنبته، فكانت هذه من أعظم النعم التي أكرم الله بها دولة الإسلام، فسارت على بصيرة من أمرها، تتقدم بثبات نحو غايتها التي لن تعدل بها غاية، رغم كل ما تعرضت له من حروب ومحن وزلازل تنهد لها الجبال، إلا أنها ما زالت باقية ماضية بفضل الله تعالى على طريقها المبارك، وولاياتها في شرق الأرض وغربها تواصل معركة التوحيد حتى يكون الدين كله لله، وكل مجاهد فيها على ثقة ويقين بأنه لو لم يخرج من هذه الدنيا إلا بالتوحيد والوفاة على الإسلام، لكفى به حظا ونصرا.


• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 511
السنة السابعة عشرة - الخميس 12 ربيع الأول 1447 هـ
...المزيد

عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من أنفق زوجين في سبيل الله، ...

عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:

(من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة)، فقال أبو بكر رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها، قال: (نعم وأرجو أن تكون منهم). [متفق عليه] ...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ - قصة شهيد: الطبيب أبو حنظلة -تقبله الله- قائد العمليات في ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ - قصة شهيد:

الطبيب أبو حنظلة -تقبله الله-
قائد العمليات في كابل


نُشهر أقلامنا اليوم لنكتب قصة من قصص البطولة والفداء، وسيرة عطرة من سير الفرسان النبلاء، نقتبس عِبَرها ونتنسّم عبيرها، ونتسنّم ذراها ونتفيّأ ظلالها، قصة الحياة والموت معا لكن في سبيل الله تعالى، بطلها المجاهد الطبيب (نقيب علي أكبر) أبو حنظلة -تقبله الله تعالى- أحد أبطال خراسان وقادتها الشجعان.

• طبيب الأعصاب

وُلد المجاهد أبو حنظلة في إحدى قرى (لوجر) عام 1407 هـ، وتربى في كنف أسرة محافظة غرست فيه القيم النبيلة والأخلاق الأصيلة، وعندما قارب سنّ البلوغ انتقل مع عائلته إلى باكستان واستقر في (بيشاور)، وهناك أتمّ مراحله الدراسية بتفوّق ملحوظ.

في المرحلة الجامعية اختار أبو حنظلة دراسة الطب وتفوّق فيها محرزًا المرتبة الثالثة على دفعته بجامعة الطب في كابل، وحصل على شهادة الطب في "جراحة الأعصاب".

• منحة وسط الأسر

لكن هذه الشهادة الورقية والدرجات الدنيوية لم تكن لتحجب المؤمن عن غايته في نيل الشهادة العليا والدرجات الحقيقية التي أعدها الله للمجاهدين كما في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ في الجنَّةِ مائَةَ درجةٍ أعدَّهَا اللَّه للمُجَاهِدينَ في سبيلِ الله، مَا بيْن الدَّرجَتَينِ كَمَا بيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ).

ولم تكن جراحة الأعصاب المربحة، تنسيه جراح أمته الغائرة، فطلّق الطبيب الوقور عيش الدعة والقعود وخرج سنة 1430 هـ في طلب الجهاد قاصدا ثغور (وزير ستان).

وهناك تعرض الطبيب أبو حنظلة للأسر من قبل الجيش الأفغاني المرتد وحُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، قضاها في سجن (بُل جرخي)، كانت منحة في ثوب محنة، ونورا أضاء دربه وسط العتمة، (وعَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ)، إذْ شاء الله تعالى أن يلتقي في السجن ببعض إخوانه من جنود الخلافة، ويستمع إليهم عن قرب، ويتعرف على منهجهم عن كثب، فانشرح صدره وحسم أمره وبايع الدولة الإسلامية من فوره.

بعد خروجه من الأسر لم ينشغل الشاب الطبيب بخاصة نفسه وإصلاح مستقبله كما هو دأب أكثر شباب الأمة اليوم، بل صدّق القول بالعمل وأتبعَ البيعة بالوفاء، والتحق رسميا بصفوف الدولة الإسلامية في كتيبة كابل، ليبدأ فصلا جهاديا حافلا بالبذل والعطاء للمسلمين، والنكاية والإثخان في الكافرين.

• متواضع رفيق بإخوانه

يُجمع كل من احتك بالطبيب أبي حنظلة أنه حظي بصفات حميدة وخصال مجيدة ينبغي لكل مجاهد أن يتصف بها، من حسن العشرة ودماثة الخلق واللين في أيدي إخوانه، فكان شفيقا رفيقا بإخوانه المجاهدين، متواضعا خافضا جناحه لهم، مهتما لأمرهم وأمر سائر المسلمين وجراحاتهم، باذلا غاية جهده في نصرتهم، ساعيا في تحصيل أسباب قوتهم، ورعا حريصا على حفظ مقدراتهم، كما كان كثير المدارسة للمباحث الشرعية ليحيا عن بينة ويقاتل على بصيرة.

• قائد الهجمات وبطل المعمعات

وعلى الجهة المقابلة، كان المجاهد الطبيب شجاعا في مقارعة الكافرين غليظا عليهم، وبينما ينغمس أطباء الأمة عادة في الترف والإحجام حتى أخمصهم، انغمس طبيبنا في الجهاد والاقتحام حتى اكتظ سجله الجهادي بالصولات والملاحم، فجمع سِفرا من البطولات وخوض المعمعات قلّما يجتمع لأحد في زمن الإسفاف، نُفصح اليوم عن بعض صفحاته شحذا للهمة وتحريضا للأمة، وإبرازا للقدوات الحقيقية التي حريّ أنْ تُقتدى ويُقتفى أثرها ويُحتفى بها، تشجيعا لمن أحجم ليتقدم، وحثا لمن تلكأ أن يقدم، ورفعا للستار عن بعض مآثر المجاهدين في خراسان الذين التقت عمائم النفاق بقبّعات "المارينز" على حربهم.

كان أبو حنظلة نائبا لأمير كابل، وفي الوقت عينه قائد العمليات ورجل المهمات، يخطط ويقود ويشرف ويشارك ويباشر العمل بنفسه في الميدان.

خاض حنظلة العدا المواجهات، وقاد العديد من المعارك والغزوات ضد مفاصل الحكومة المرتدة في كابل، أذاق فيها جنود الطاغوت بأس المؤمنين وغضبة المجاهدين.

• من المشفى العسكري إلى القصر الرئاسي!

ولعل من أشهر الغزوات التي خطط لها وقادها، الهجوم الانغماسي على أكبر مشفى عسكري مخصص لاستقبال القوات المرتدة في كابل، قاد الطبيب الهجوم بخمسة من الأنصار والمهاجرين، اجتازوا جميع التحصينات وخاضوا أشرس الاشتباكات وقتلوا العشرات، حتى تشاركت القوات الأفغانية الخاصة والقوات النرويجية في التصدي للهجوم عبر إنزال جوي بعد عجزهم عن اقتحام المكان طيلة ست ساعات.

ومن العمليات التي نفذها المجاهد الطبيب مرارا وتكرارا قصف "مطار كابل العسكري" و "القصر الرئاسي" بصواريخ الكاتيوشا، منغّصا عيش الطواغيت وجنودهم، زارعا الرعب في قلوبهم.

• الانتقام للموصل

بعد أيام على احتفال السفارة العراقية في كابل بجرح الموصل التي خاض أبناؤها أشرس ملاحم العصر، جاء القرار بالانتقام وهبّ الطبيب الأريب لوضع خطة الهجوم، فجهّز وأرسل الانغماسيين الغيارى يؤدبون الرافضة في سفارتهم، وسروا بالموت إليهم، فقتلوا منهم وشرّدوا بقيتهم، وأروهم نجوم الموصل في رابعة خراسان، في تطبيق عملي للولاء والبراء والنصرة والإخاء، ولمَ العجب؟ فهذا منهاج السماء وهؤلاء أبطاله وكماته الأوفياء.

• يتابع الهدف بنفسه

كان من دأب القائد حنظلة قبيل كل هجوم، أنه يجتهد في بحث ودراسة الهدف بنفسه، للوصول إلى أفضل الطرق للانطلاق وأكثرها إنجاحا للهجوم، فكان يدرس خريطة الموقع وجميع ثغراته ومداخله ومخارجه، ولا يتركه حتى يطمئن بنفسه إلى سلامة الخطة ومناسبتها للهدف، ثم يسمح بعدها لإخوانه بالتحرك، ويقودهم بنفسه أحيانا إلى موقع الهجوم بكل تفان وإقدام.

• المزيد من البطولات

وما زلنا نقلّب صفحات المجد في سجل هذا الكمي الهمام، لننقل إليكم مزيدا من البطولات والهجمات التي خططها وقادها جرّاح الأعصاب، بإيجاز نسردها، فنحن على كل الأحوال لن نوفيها حقها.

منها الهجوم الانغماسي قرب مطار كابل وقصفه بالصواريخ، بالتزامن مع زيارة وزير الدفاع الأمريكي وزعيم الناتو، وقد تكتموا عنه وحاولت طالبان سرقته.

ومنها العملية الاستشهادية قرب تجمّع السفارات الصليبية، ومنها العملية الانغماسية على مبنى "فضائية شمشاد"، ومنها العملية الانغماسية على المركز التدريبي للاستخبارات الأفغانية، ومنها العملية الانغماسية الخماسية على "مقر الفرقة 111" في كابل، حيث أوصل أبو حنظلة الانغماسيين إلى عقر الكلية الحربية، عبر التسلل فوق الأسلاك الشائكة، فما استفاق جنود الطاغوت إلا وعشاق المنايا فوق رؤوسهم.

ومنها العملية الاستشهادية المزدوجة على مقري الاستخبارات الأفغانية بمنطقة (شاش درك) في كابل.

• وللرافضة نصيب

كما كان للرافضة نصيب من بأس الطبيب، حيث لفحتهم نار الثأر خلال العملية الانغماسية المزدوجة التي شارك في تخطيطها، واستهدفت قطعانهم السائبة في منطقة (دشت برجي) في العاصمة كابل، والتي تعد خزانا بشريا للرافضة في خراسان ومددا لميليشياتهم المقاتلة في كل مكان، خصوصا إبّان حملتهم المجوسية الأخيرة على بلاد الشام والعراق.

• الغزوة العشرية على وزارة الداخلية

ومن أبرز الهجمات التي شارك حنظلة العدا في تخطيطها والإشراف عليها، الغزوة الانغماسية العشرية على وزارة الداخلية في كابل، حيث انطلق فيها عشرة من المهاجرين والأنصار، بسيارتين مضادتين للرصاص، وتخطوا جميع الحواجز الأمنية، متنكرين بملابس القوات الأمريكية حتى وصلوا إلى مقر الوزارة، وفجّروا أحزمتهم واشتبكوا وقتلوا وأصابوا العشرات، وكان الهدف منها "وزير الداخلية" بنفسه، إلا أن طارئا فنيا حال دون الوصول إليه.

• مهندس التفجيرات

لم يكن الطبيب قائدا ومخططا للهجمات فحسب، بل كان مهندسا يصنع العبوات ويطور اللاصقات بأبسط الإمكانيات المحليّة المتوفرة، بعون من الله وتوفيقه.

وقد هندس وأشرف الطبيب على إعداد سلسلة التفجيرات التي ضربت المراكز والنقاط الانتخابية، خلال إحدى جولات الانتخابات الشركية في العاصمة كابل، قبل عدة سنوات بمعدل عشرين تفجيرا.

كما نجح في تصنيع العبوات المخصصة لاستهداف السيارات المصفحة، وغيرها من أنواع العبوات المطورة والموقوتة التي أحدثت نقلة نوعية في الهجمات وسهلت كثيرا من المهمات، حتى استفاد المجاهدون منها في كسر جدران (سجن جلال آباد)، وحققت إثخانا وقطّعت أوصالا في صفوف جنود المرتدين.

فرحل الطبيب وبقيت عبواته ولمساته تداوي جراح المسلمين وتشفي صدورهم، وتنكي بالكافرين وتدمي قلوبهم، هكذا يفعل الطبيب عندما يكون على منهاج النبوة، اللهم فاجعل هذا له من الباقيات الصالحات.

• مقتله بغارة أمريكية في مهمة جلال آباد

في رمضان عام 1440 هـ، كان القائد أبو حنظلة وإخوانه يستعدون لخطوة ميدانية كبيرة تتمثل في السيطرة على منطقة (جلال آباد).

وقد انهمك أبو حنظلة وإخوانه في الإعداد لهذه الخطوة، ووضعوا الخطة الكاملة، ورصدوا لها العدة اللازمة، كما أرسلوا إلى الخليفة أبي بكر البغدادي تقبله الله يخبرونه بالأمر، ففرح الشيخ بذلك وأرسل إليهم مبلغا خاصا من بيت المال لدعم الخطوة الشجاعة.

وبينما كان أبو حنظلة في طريقه للاجتماع بأمراء المجاهدين للتشاور بشأن إتمام مراحل الخطة، قصفته مسيّرة أمريكية بمنطقة (زاوه) بقاطع (ننجرهار) ليومين بقيا من رمضان عام 1440 هـ، ليقضي نحبه في الغارة وهو منغمس في الإعداد والتجهيز لنصرة الإسلام والتمكين له، وكفى بها نهاية وخاتمة حسنة لحياة رجل أتته الدنيا راغمة فركلها ومضى يطبب القلوب بالجهاد ويداوي العلل بالقتال، فرحم الله حنظلة العدا ومسعر الحرب.

أما خطة السيطرة على (جلال آباد) فكانت إحدى مراحلها اقتحام سجنها المركزي وقد تم، ويليها مراحل أخرى أوسع، لكن حال دون إتمامها "الحملة الثلاثية" التي تقاسمها الصليبيون والحكومة الأفغانية وطالبان على مناطق سيطرة المجاهدين، وكان أولياء طالبان آنذاك يخفون مشاركتهم فيها، غير أن الخبر السيء لهؤلاء جميعا، أن الطبيب حنظلة ترك خلفه من يكمل المشوار ويضع الخطط ويواصل المسير بإذن الله تعالى، حتى تخضع خراسان لحكم الشريعة لا الديموقراطية.


المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 511
السنة السابعة عشرة - الخميس 12 ربيع الأول 1447 هـ

قصة شهيد:
الطبيب أبو حنظلة -تقبله الله-
قائد العمليات في كابل
...المزيد

سلامة الصدور من نعم الله على المؤمنين أن رتّب لهم أجورا على سلامة صدورهم واتساع خواطرهم ...

سلامة الصدور

من نعم الله على المؤمنين أن رتّب لهم أجورا على سلامة صدورهم واتساع خواطرهم لإخوانهم، ولعِظم مكانة هذه الصفة الحميدة خصّ الله تعالى بها أهل الجنة فقال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ}.

ولمّا كان المسلمون الأولون، أذلة على إخوانهم، سليمة صدورهم تجاه بعضهم، صاروا يدا واحدة على من سواهم، فرُصت صفوفهم واشتد بنيانهم، وقويت شوكتهم ودان العرب والعجم لهم.

معنى سلامة الصدر

إن سلامة الصدر تعني خلّوه من الغل والحقد والحسد والضغينة تجاه المسلمين، فلا يحمل المسلم في صدره لأخيه إلا المحبة، ولا يظن به إلا خيرا، ولا يتمنى له إلا خيرا، بل يحب له الخير كما يحبه لنفسه.

ولكن، اعلم أخي المسلم، أنّ سلامة الصدر مما يشق على النفوس، فإن العبد قد يصبر على مكابدة قيام الليل وصيام الهواجر، لكنه قد لا يطيق إزالة ما رسب في قلبه على إخوانه! يشهد لذلك قصة الرجل الذي قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)، والحديث اختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه، إلا أن الشاهد منه قول الصحابي: "هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق"، فدلّ على أن تنقية الصدر من هذه العوالق لا تطيقه النفوس إلا بإرغامها وأطرها عليه.

كيف أحقق ذلك؟

إذن، المسلم مطالب ابتداء بمجاهدة نفسه في تحقيق سلامة صدره وتخليصه مما يوغره ويعلق به من غل ونحوه، فالمجاهدة أول الطرق إلى تحقيق ذلك.

- ومما يعين على ذلك: التوجه إلى الله تعالى بالدعاء أن يطهر قلبه من هذه الأدران، لأن الدعاء مفتاح كل خير، وقد كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: (واسلل سخيمة صدري)، يعني نقّه من الغل والحقد.

- ومما يعين على ذلك مطالعة سير السابقين الأولين في تعاملاتهم فيما بينهم، وكيف اجتثوا جذور الغل والحسد والشحناء من صدورهم، بعد أن سمت نفوسهم إلى معالي الأمور وترفّعت عن سفاسفها، فما عاد يهمها من قال فيها بمدح أو ذم، وما عاد يحزنها أن يفوتها حظ من حظوظ الدنيا.

الصحابة وسلامة الصدر

لقد أثنى الله على الأنصار في كتابه لسلامة صدورهم تجاه إخوانهم المهاجرين، فقال عز وجل: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا}، قال ابن كثير: "أي، ولا يجدون في أنفسهم حسدا للمهاجرين، فيما فضلهم الله به من المنزلة والشرف، والتقديم في الذكر والرتبة".

وحرصا على سلامة صدورهم، كان الصحابة يسارعون لتطييب خواطر إخوانهم لكي لا تتراكم هذه العوالق فتتكاثر على القلب حتى تملأه غلا وحقدا، ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه: "أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سَلْمَانَ، وَصُهَيْبٍ، وَبِلَالٍ فِي نَفَرٍ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا، قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ؟ فَأَتَى النَّبِيَّ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ، لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ، لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ!)، فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهْ أَغْضَبْتُكُمْ؟ قَالُوا: لَا، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَخِي"، فتأمل مسارعة الصدّيق إلى إخوانه ليتأكد أنهم لم يحملوا عليه في صدورهم، وتأمل ردهم عليه.

هكذا كان الصحابة الكرام، وهكذا رباهم نبينا عليه الصلاة والسلام، الواحد منهم يرى غيره من إخوانه خيرا منه، يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، وينافسه في الآخرة لا في الدنيا.

إن بعض الظن إثم

ومما يعين على سلامة الصدر، ترك مهلكة الظنون، إذ ليس أهلك لصدر المؤمن وأروى لنبتة الضغينة في قلبه، من سوء الظن بإخوانه، لأنه يورث التجسس والغيبة والخوض في الأعراض والنيات، وقد حرّم الله تعالى ذلك كله ونهى عنه فقال تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}، قال ابن كثير: "يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله، لأن بعض ذلك يكون إثما محضا، فليجتنب كثير منه احتياطا... وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه قال: ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرا، وأنت تجد لها في الخير محملا". اهـ.

لا تباغضوا ولا تحاسدوا

- وقد نهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن جملة من الصفات الذميمة التي توغر الصدر وتُذهب سلامته، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا) [البخاري]، أما التباغض فمحمود مع الكافرين، محرَم بين المسلمين، فالمؤمن مفروض عليه بغض الكافرين ومعاداتهم، وحب المسلمين وموالاتهم، وليس العكس كما يفعل المرتكسون.

ولو كان المسلم عاقلا، ما حسد أخاه على نعمة رزقها الله إيَاها، إذ كيف يحسده عليها، وهو يعلم أنه تعالى هو الذي قسم هذه النعم بين خلقه بعدله وحكمته؟! فقد يكون الحسد هنا اعتراضا منه على قدر الله تعالى! فليحترس المسلم من ذلك ويربأ بنفسه أن يقع في هذا المنزلق من أجل لعاعة الدنيا وحطامها.

الدنيا وإبليس

- ومن أسباب الجنوح إلى تلك الصفات الموغرة للصدر، الحرص على الدنيا والتعلق بها واتخاذها دار قرار لا دار ممر، وكما قيل: فحب الدنيا رأس كل خطيئة! وأغلب خصومات الناس اليوم سببها التنافس على الدنيا، وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته من ذلك فقال: (فَوَاللهِ ما الْفَقْرَ أخْشَى علَيْكُم، ولَكِنِّي أخْشَى أنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا، كما بُسِطَتْ علَى مَن كانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كما تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كما أهْلَكَتْهُمْ) [البخاري]، وأي شيء يجلبه التنافس على الدنيا غير الأحقاد والأضغان؟

- ومن أسباب فقدان سلامة الصدر: إبليس اللعين الذي لا يتوقف عن السعي في إيقاع العداوة بين المسلمين، والتحريش بينهم بالخصومات والشحناء والنفخ في نفوسهم كما قال الصادق المصدوق: (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ) [مسلم]. والعجب ممن يجعل إبليس دليله إلى عورات إخوانه، فيضلهم ويحرش بينهم.

المؤمن للمؤمن كالبنيان

لقد وصف النبي علاقة المسلم بأخيه المسلم فقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ) [متفق عليه]، فلا يمكن للبناء أن يعلو ويستقيم إذا كان به ثغرات وفجوات، فيكون حينها عرضة للتصدع والانهيار، ولذا جاء النهي عن كل ما يؤدي لذلك من الأقوال والأفعال.

فالواجب على المسلمين عامة وأصحاب الثغور خاصة -كونهم الأحوج للألفة والاجتماع- الحرص على سلامة صدورهم لإخوانهم، واجتناب كل ما قد يلقيه الشيطان بينهم لإيقاع التدابر والتشاحن فيما بينهم حتى تأتلف الأرواح وتتحد القلوب، وترتص الصفوف، ويقوى عودها وتنتظم لبناتها، ويشمخ بنيانها فيعلو الإسلام ويعز جنابه ويسود أهله، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 511
السنة السابعة عشرة - الخميس 12 ربيع الأول 1447 هـ

مقال:
سلامة الصدور
...المزيد

الفرق بين الشجاعة والقوة الصدّيق نموذجا "وكثيرٌ من الناس تشتبه عليه الشجاعة بالقُوَّة، وهما ...

الفرق بين الشجاعة والقوة الصدّيق نموذجا

"وكثيرٌ من الناس تشتبه عليه الشجاعة بالقُوَّة، وهما متغايران، فإن الشجاعة هي ثباتُ القلب عند النوازل، وإن كان ضعيف البطش، وكان الصِّدِّيق أشجع الأُمَّة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان عُمَرُ وغَيْرُهُ أقوى منه، ولكن برز على الصحابة كلهم بثباتِ قلبه في كل موطن من المواطن التي تزلزل الجبال، وهو في ذلك ثابت القلب، ربيط الجأش، يلوذ به شجعان الصحابة وأبطالهم، فيثبِّتُهم ويشجِّعُهم، ولو لم يكن له إلا ثبات قَلْبه يوم الغَار وليلته، وثبات قَلْبهِ يوم بَدْرٍ، وهو يقول لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا رسول الله! كفاك بعض مناشدتك ربَّك؛ فإنه منجز لك ما وعدك"، وثبات قلبه يوم أحد، وقد صَرَ خ الشيطان في الناس بأن مُحَمَّدًا قد قُتِل، ولم يبق أحدٌ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا دون عشرين في أُحدٍ، وهو مع ذلك ثابت القلْب، سَاكن الجَأْش، وثبات قلبه يوم الخندق، وقد زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وثبات قلبه يوم الحديبية، وقد قلق فارس الإسلام عمر بن الخطاب، حتى إن الصدِّيق ليثبِّتُه ويُسكِّنُه ويُطَمْئنُه، وثبات قلبه يوم حُنينٍ، حيث فرَّ الناس، وهو لم يفرّ، وثبات قلبه حين النازلة التي اهتزَّت لها الدنيا أجمع، وكادت تزول لها الجبال، وعُقِرَت لها أقدام الأبطال، وماجتْ لها قلوبُ أهل الإسلام، كموج البحر عند هُبُوْب قواصف الرياح، وصاح لها الشيطان في أقطار الأرض أبلغ الصِّيَاح، وخرج الناس بها من دين الله أفواجًا، وأثار عدو الله تعالى بها أقطار الأرض عجَاجًا، وانقطع لها الوحي من السماء، وكاد لولا دفاع الله تعالى لطمس نجوم الاهتداء، وأنكرت الصحابة بها قلوبهم، كيف لا وقد فقدوا رسولهم من بين أظهُرِهِم وحبيبهم، وطاشت الأحْلام، وغشي الآفاق ما غشيها من الظلام، واشرأبَّ النفاق، ومدَّ أهله الأعناق، ورفع الباطل رأسًا كان تحت قدم الرسول -صلى الله عليه وسلم- موضوعًا، وسَمِع المسلمون من أعداء الله تعالى ما لم يكن في حياته بينهم مَسْمُوعًا، وطمع عدوُّ الله أن يُعيد الناس إلى عبادة الأصنام، وأن يصرف وجوههم عن البيت الحرام، وأن يصدَّ قلوبهم عن الإيمان والقرآن، ويدعوهم إلى ما كانوا عليه من التهوُّد والتمجُّس والشرك وعبادة الصُّلبان، فشمَّر الصدِّيق من جِدِّه عن ساقٍ غير خوَّار، وانْتَضَى سيف عزمه الذي هو ثاني ذي الفقار، وامتطى من ظُهور عزائمه جوادًا لم يكن يَكْبُو السَّبَاق، وتقدَّم جنود الإسلام فكان أفرسهم إنما همُّه اللَّحَاق، وقال: "والله لأجاهدنَّ أعداء الإسلام جَهْدِي، ولأَصدُقَنَّهُمُ الحرب حتى تنفرد سالفتي أو أفرد وحدي، ولأدْخِلَنَّهُم في الباب الذي خرجوا منه، ولأرُدَّنَّهُم إلى الحق الذي رغبوا عنه" فثبَّت الله تعالى بذلك القلب -الذي لو وُزِن بقلوب الأمة لرجَحَها- جيوش الإسلام، وأذلَّ بها المنافقين والمرتدين وأهل الكتاب وعبدة الأصنام، حتى استقامت قناة الدين من بعد اعوجاجها، وجرت الملَّة الحنيفية على سننها ومنهاجها، وتولّى حزبُ الشيطان وهم الخاسرون، وأذَّن مؤذَّن الإيمان على رؤوس الخلائق: {أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

هذا؛ وما ضعفت جيوش عزماته، ولا استكانت ولا وهنت، بل لم تزل الجيوش بها مؤيَّدة ومنصورة، وما فرحت عزائم أعدائه بالظفر في موطن من المواطن، بل لم تزل مذلولة مكسورة، تلك لعَمْر الله تعالى الشجاعة التي تضاءلت لها فُرْسَان الأمم، والهِمَّة التي تصاغرت عِنْدها عَلِيَّات الهِمَم، ويحقُّ لصدِّيق الأُمَّة أن يْضرِب من هذا المَغْنم بأوفر نصيب، وكيف لا وقد فاز من ميراث النبوَّة بكمال التَّعْصِيْب، وقد كان الموروث صلوات الله تعالى وسلامه عليه أشجع الناس، فكذلك وارثه وخليفته من بعده أشجع الأمَّة بالقياس، ويكفي أنَّ عمر بن الخطاب سهمٌ من كِنَانَتِه، وخالد بن الوليد سلاحٌ من أسْلِحته، والمهاجرون والأنصار أهل بيعته وشوكته، وما منهم إلا من اعترف أنه يستمدُّ من ثباته وشجاعته".

الفروسية المحمدية / لابن القيم



• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 511
السنة السابعة عشرة - الخميس 12 ربيع الأول 1447 هـ

مقتطفات النبأ:
الفرق بين الشجاعة والقوة
الصدّيق نموذجا
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 511 الافتتاحية: منزلة الشهادة لا شيء يكثر الحديث عنه في ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 511
الافتتاحية:

منزلة الشهادة

لا شيء يكثر الحديث عنه في ميادين الجهاد وثغور الرباط مثل الشهادة، وهي منزلة عظيمة ودرجة عالية رفيعة، معراجها الدماء وصداقها الأشلاء، يطلبها الكثيرون ولا ينالها إلا الأنقياء، إذْ أنها محض اصطفاء كما أخبر المولى: {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ}، فما كل من خطبها أجابته ولا كل من تمنّاها أتته، ولكن من يصدق الله يصدقه.

وقد تواترت نصوص الوحيين في فضلها والترغيب فيها، وتتابعت أقوال الأئمة في بيان أحكامها ومنازلها، وتوالت قوافل المجاهدين تسعى خلفها وتجاور المنايا لأجلها، تتمناها وتبذل لها غاية جهدها، وكلما سمعت هيعة أو فزعة طارت إليها تطلبها في مظانها، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.

وفي أسباب تسمية الشهيد تكاثرت أقوال العلماء وتقاطرت، قال ابن حجر في الفتح: "اختُلف في سبب تسمية الشهيد شهيدا، فقال النضر بن شميل: لأنه حي فكأنّ أرواحهم شاهدة أي حاضرة، وقال ابن الأنباري: لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة، وقيل: لأنه يشهد عند خروج روحه ما أعد له من الكرامة، وقيل: لأنه يشهد له بالأمان من النار، وقيل: لأن عليه شاهدا بكونه شهيدا، وقيل: لأنه لا يشهده عند موته إلا ملائكة الرحمة، وقيل: لأنه الذي يشهد يوم القيامة بإبلاغ الرسل، وقيل: لأن الملائكة تشهد له بحسن الخاتمة، وقيل: لأن الأنبياء تشهد له بحسن الاتّباع، وقيل: لأن الله يشهد له بحسن نيته وإخلاصه، وقيل: لأنه يشاهد الملائكة عند احتضاره، وقيل: لأنه يشاهد الملكوت من دار الدنيا ودار الآخرة، وقيل: لأنه مشهود له بالأمان من النار". أهـ. وقد وردت أقوال غيرها كلها تقطر فضلا وتدرّ أجرا وفخرا.

وإنّ أنفس العقود وأبرها وأوثقها عقد الشهيد وصفقته مع ربه تبارك وتعالى، ولذلك أكدها الله بأنواع المؤكدات في كتبه المنزلة على أولي العزم من رسله فقال سبحانه: {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ}، قال ابن كثير: "إذا أردت أن تعرف مقدار الصفقة، فانظر إلى المشتري من هو؟ وهو اللّه جل جلاله، وإلى العوض وهو أكبر الأعواض وأجلها، جنات النعيم، وإلى الثمن المبذول فيها وهو النفس، والمال الذي هو أحب الأشياء للإنسان ، وإلى من جرى على يديه عقد هذا التبايع وهو أشرف الرسل، وبأي كتاب رقم وهي كتب اللّه الكبار المنزلة على أفضل الخلق". اهـ.

ولمّا كان الموت مصير كل حي، كان الأجدر بمن ملأ اليقين قلبه، أن يبادره قبل أن يباغته، وأن يطارده قبل أن يداهمه، وأن يختار له أرجى الطرق وأجداها وأجودها، وهو القتال في سبيل الله، ذودا عن حياض الدين وحرمات المسلمين، وما أعذب الموت في هذا السبيل المبرور، فلقد كان أمنية خير الخلق وأتقاهم نبينا -صلى الله عليه وسلم- القائل: (والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل) [متفق عليه]، وقد بوّب الإمام البخاري في صحيحه: "باب تمني الشهادة".

كما تمناها وسعى إليها صفوة الخلق بعد الأنبياء -عليهم السلام- الصحابة الكرام الذين باعوا أنفسهم لله وطلّقوا الدنيا وبتّوا طلاقها وطلبوا الشهادة في مواطنها، فاشتروا أنفسهم ابتغاء مرضاة الله، سعيا في نيل منزلتها، خير المنازل عند الله تعالى، لا تعلوها إلا منزلة الأنبياء والصديقين، وقد وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- دار الشهداء في الجنة فقال: (رأيت الليلة رجلين أتياني فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني دارا هي أحسن وأفضل، لم أرَ قط أحسن منها، قالا: أما هذه فدار الشهداء). [البخاري].

وأما مصير أرواح الشهداء بعد مقتلهم فأكرم به من مصير، قال الإمام ابن كثير: "خبّر تعالى عن الشهداء بأنهم وإن قُتلوا في هذه الدار، فإن أرواحهم حية مرزوقة في دار القرار، في حواصل طير خضر، فهي كالكواكب بالنسبة إلى أرواح عموم المؤمنين فإنها تطير بأنفسها" اهـ، وبيّن الإمام ابن رجب الفرق بين أرواح الشهداء وأرواح عموم المؤمنين في البرزخ: "أن أرواح الشهداء تخلق لها أجساد، وهي الطير التي تكون في حواصلها، ليكمل بذلك نعيمها ويكون أكمل من نعيم الأرواح المجردة من الأجساد، فإن الشهداء بذلوا أجسادهم للقتل في سبيل الله، فعُوِّضوا عنها بهذه الأجساد في البرزخ". اهـ.

ومن أعظم فضائل الشهيد أنه يؤمّن من فتنة القبر، وقد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- سبب ذلك، فأخرج النسائي في السنن: "أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله، ما بالُ المؤمنين يُفتنون في قبورِهم إلَّا الشَّهيدَ؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: (كفَى ببارقةِ السُّيوفِ على رأسِه فتنةً)". فإنّ فتنة القبر تختبر صدق الإيمان، وثبوت المجاهد في مواطن التقاء السيوف وتطاحن الصفوف، خير دليل على صدق إيمانه، فكفته هذه تلك.

وطالما شكّك أهل الوهن والعينة في طريق الجهاد والشهادة، مع أن الله تولى الرد عليهم بذاته العلية، قال ابن كثير: "لمّا كان من شأن القتال أن يُقتل كثير من المؤمنين، قال: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} أي: لن يُذهبها، بل يكثرها وينميها ويضاعفها، ومنهم من يجري عليه عمله في طول برزخه". اهـ.

ثم تدبر قوله تعالى: {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} هل هو إلا سلوى للمؤمنين وبلسمٌ للسائرين على هذا الدرب، الذي يلاقي فيه المجاهد القابض على الجمر، ما يهدّ الجبال ويفتت جلامد الصخر، وهو مع ذلك ثابت لا يتزعزع ماض لا يتضعضع، وكأنها بشارة إلهية إلى عباده الغرباء الذين ينصر بهم ملته والناس عنهم صدود؛ أنّ الله سيصلح بالكم ويعوضكم أضعاف ما عانيتم وقاسيتم في درب الجهاد، ومن ذاق عرف، ولا يفقه القرآن مثل مجاهد.

وما هذه النصوص الثابتة إلا نزر يسير من غزير فضل الشهادة، نسوقها لنحرّك الأشواق إلى مصارع العشاق ونثير الغرام إلى دار السلام، فهبّوا للجهاد حماة الإسلام، تقافزوا للمنون وتواثبوا إلى الطعان، وانفروا خفافا وثقالا، وتذكروا أن الشهادة منازل تتفاضل، ألا فتنافسوها كما تنافسها الربّيون قبلكم، وكلهم من باب الإخلاص جازوا فما كل قتيل في الصف شهيد، والله أعلم بمن يقاتل في سبيله، وهذا الذي عليه العهدة، فيا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا بالإسلام حتى نلقاك عليه مقبلين غير مدبرين.


• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 511
السنة السابعة عشرة - الخميس 12 ربيع الأول 1447 هـ
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً