تونس وحصاد الديمقراطية
قضت سنة الله تعالى أن العزة لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين، وأن الذلة والصغار والهوان للكافرين والمرتدين والمنافقين الذين حادّوا الله ورسوله وخالفوا أمره، ومِن أكثر مَن حادّ الله ورسوله في هذا الزمان هم طلاب الديمقراطية ودعاتها وأتباعها الذين صدّقوا بها واتخذوها سبيلا ومنهجا، فخالفوا السنة والسنن فضرب الله عليهم الذلة والمسكنة والتيه، وصار ذلك ملازما لهم في كل أحوالهم كالطوق في رقابهم.
وهذا هو عين ما حصل اليوم للإخوان المرتدين في تونس بعد أن خالفوا سبيل المؤمنين واتبعوا الديمقراطية واستعانوا بها وعظّموها وجعلوها حكَما بينهم وهاديا لهم إلى صراط الجحيم، فكانت النتيجة مشابهة لما جرى لهم من قبل، حيث انقلب عليهم من ارتضوه طاغوتا لهم، فعطّل برلمانهم وأقال قادتهم وضرب بثورتهم وسلميتهم وديمقراطيتهم عرض الحائط، ليكتمل بذلك طوق الفشل الإخواني بسقوط آخر قلاعهم الديمقراطية، وفشل آخر تجاربهم السياسية وأسوأها وأكثرها محاربة لشريعة الرحمن.
قال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}[النساء:115]، قال ابن كثير رحمه الله: "أي: ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، فصار في شق والشرع في شق، وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحق وتبين له واتضح؛ جازيناه على ذلك، بأن نحسّنها في صدره ونزيّنها له، استدراجا له، وجعل النار مصيره في الآخرة، لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة". وقال الطبري رحمه الله: "وذلك هو الكفر بالله، لأن الكفر بالله ورسوله غير سبيل المؤمنين وغير منهاجهم، وقوله: (نولّه ما تولّى) أي: نجعل ناصره ما استنصره واستعان به من الأوثان والأصنام، وهي لا تغنيه ولا تدفع عنه من عذاب الله، ولا تنفعه". فماذا نفعت الديمقراطية عبيدها في الدنيا؟! وماذا ستُغني عنهم في الآخرة؟!
لكن هذا التيه المضروب لم يكن حكرا على أحزاب الإخوان المرتدين، بل انسحب أيضا على بعض منظّري القاعدة وتيارها المنحرف! فهم كانوا أول مَن أثنى على الطاغوت التونسي واعتبروا فوزه "مؤشر حسن لعمل الدعاة إلى الله، ونشر التوحيد وبيان الدين الحق!"، ورسموا أوهاماً من خيوط العنكبوت، لا تفسير لها سوى تهوين الكفر واستحسان الديمقراطية وتقبّلها بشكل أو بآخر، ما يؤكد أن الفروق القليلة المتبقية بين الإخوان وتيار القاعدة هي فروق في المقدور عليه وغير المقدور عليه ليس إلا، بدليل أنهم استحسنوا هذا الطاغوت الذي أتت به الانتخابات الكفرية مع علمهم أنه "أستاذ في القانون" الكفري! لا في الشريعة ولا في أصول الفقه، فماذا كانوا يتوقعون منه غير الكفر والديمقراطية؟!
إن موقف مخرّفي القاعدة من الطاغوت التونسي في سذاجته لا يقل عن موقف الإخوان المرتدين الذين شبّهوه يوم تنصيبه بعمر بن الخطاب رضي الله عنه! فإن كنت ستعجب من الإخوان المرتدين على وضاعة عقولهم، فعجبك من القاعدة أولى.
ومن العجيب أيضا أن نراهم منهمكين في التفريق والمفاضلة بين فريقي "الثورة" و"الثورة المضادة"، والتفريق بين الطواغيت الذين يدعمون كل فريق منهما!، وهذا لا شك فإنه يعكس عمق الانحراف الذي أصاب هؤلاء فصاروا يفاضلون بين فريقين كلاهما يرى في السلمية وسيلة وفي الديمقراطية حكما وفي الجهاد جريمة!
ولقد أقرّ عبيد الديمقراطية بأن جميع تجارب ما يسمى بـ"الربيع العربي" فشلت، لكنهم عزوا ذلك لأسباب "داخلية وخارجية"، والحقيقة التي لم ولن يتطرقوا إليها أن كل هذه التجارب فشلت لأنها خالفت شريعة الإسلام وسنن الله تعالى في خلقه، ولم نكن ننتظر فشلها في تونس لكي نحكم على فشلها بالجملة، لكن يكفي اعتراف أربابها بفشلها عبرة لمن فتنه بريق "ثورات الياسمين والربيع" الذي سرعان ما انقلبت عليهم شتاء بريح صرصر لا سقيا فيها ولا ماء!
ومن العبر مما جرى، أنه برغم الكفر البواح الذي ارتكبه الإخوان المرتدون في تونس ومحاربتهم للشريعة بغير مواربة إرضاء لـ"الشركاء الدوليين والمحليين"، إلا أن ذلك لم يمنع الانقلاب عليهم، وهو المصير الذي ينتظره كل المفرطون والمتراجعون، فلن ينالوا غير الخسارة ولن يحصدوا غير الفشل والإخوان ليسوا استثناء في ذلك.
ومن العبر أيضا، خروج الحواضن تصفق وتهلل للطاغوت بعد انقلابه على ديمقراطيتهم المزعومة، وفي ذلك رسالة لمن يعوّل كثيرا على هذه الحواضن ويحمّلها وثوراتها ما لا تحتمل! فالحواضن والثورات تحركها مصالح الدنيا وأجندات الداعمين لا اعتبارات الدين، وهذا سبب من أسباب انحراف المنخدعين بها كالقاعدة وأخواتها.
وعليه فيجب على المسلمين أن يعلموا يقينا أن الديمقراطية والسلمية ليست سبيل المؤمنين، فسبيل المؤمنين هو الجهاد الذي يرمي إلى أن تكون الشريعة هي الحاكمة لا الديمقراطية ولا غيرها من المناهج الكفرية التي أفسدت البشرية وأوصلتها إلى هذا الانحطاط الشامل في كل مناحي الحياة.
يقول الشيخ العدناني رحمه الله: "لقد علمت الدولة الإسلامية أنّ الحق لا يُسترد إلا بالقوة فاختارت صناديق الذخيرة لا صناديق الاقتراع، وأنّ رفع الظلم والتغيير لا يكون إلا بالسيف فأصرّت على التفاوض في الخنادق لا في الفنادق، فهجرت أضواء المؤتمرات وأضرمت نار الغارات".
إن العزة والهداية مقرونة بالجهاد في سبيل الله تعالى، لقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}، فهدى الله تعالى المجاهدين إلى سبيل الحق، بينما أركس المنافقين والمخلفين -بما كسبوا- وحرمهم الهداية، فصاروا يتناقضون في كل تنظيراتهم حتى أرهقوا أتباعهم وأدخلوهم في لجج التيه والتخبط الذي لا تخطئه العيون.
إن الأحداث والتغيرات المتسارعة في العالم تُثبت صوابية الدولة الإسلامية في توجهاتها شرعا وسياسة وحكما، لأنها سارت على صراط الله تعالى الذي خلق الخلق ويعلم ما يُصلحهم، قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، فإن صلاح الدنيا والدين هو بالتوحيد والجهاد والشريعة، لا بثالوث الشر؛ الديمقراطية والسلمية وربيبتها الثورات!
فلتفخروا يا جنود الخلافة ومناصريها في كل مكان، فلو لم يكن لكم إلا سلامة المنهج وصحة الطريق لكفاكم ذلك، فكيف وأنتم اليوم رأس حربة تقودون المسلمين إلى نجاتهم والكافرين إلى حتوفهم، قال الشيخ أبو حمزة القرشي حفظه الله: "لابد عليكم يا أجناد الخلافة، أن تدركوا مكانتكم، والنعم العظيمة التي أفاء الله تعالى بها عليكم دون غيركم، وأن تشكروه سبحانه وتعالى على نعمه الظاهرة والباطنة، ما علمتم منها وما لم تعلموا، شكرا لا يفارق الألسن والقلوب، ووالله لتكفي نعمة الهداية لو بقيت وحدها من النعم، فهي لو وضعت في كفة، وتقابلها الدنيا في كفة أخرى، لرجحت كفة الهداية؛ فالدنيا فانية بالية، والهداية موصلة لجنة باقية عالية".
فمزيدا من الثبات على طريقكم ومزيدا من الدعوة إليه ومزيدا من الصبر على ذلك، فلقد بتم ترون ثمار هذا الثبات في مشارق الأرض ومغاربها، بينما يتجرع المرتدون والمبدّلون غصص الذل والحسرة والهوان جراء تفريطهم وتبديلهم واتباعهم سبل الكافرين ومناهج المنحرفين، ولا يظلم ربك أحدا.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 297
الخميس 19 ذي الحجة 1442 هـ ...المزيد
مساعدة
الإبلاغ عن المادة
تعديل تدوينة
تونس وحصاد الديمقراطية قضت سنة الله تعالى أن العزة لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين، وأن الذلة ...
تونس وحصاد الديمقراطية
قضت سنة الله تعالى أن العزة لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين، وأن الذلة والصغار والهوان للكافرين والمرتدين والمنافقين الذين حادّوا الله ورسوله وخالفوا أمره، ومِن أكثر مَن حادّ ...المزيد
قضت سنة الله تعالى أن العزة لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين، وأن الذلة والصغار والهوان للكافرين والمرتدين والمنافقين الذين حادّوا الله ورسوله وخالفوا أمره، ومِن أكثر مَن حادّ ...المزيد
تأملات في هجوم بغداد بدّد الهجوم الاستشهادي المبارك الذي ضرب تجمعات الرافضة المشركين في ...
تأملات في هجوم بغداد
بدّد الهجوم الاستشهادي المبارك الذي ضرب تجمعات الرافضة المشركين في بغداد، الأوهام والمزاعم الرافضية حول بسط الأمن في مناطق العراق، كما بدَّد معه أيضا الأماني الصليبية التي تعاقب طواغيت أمريكا على الحكم وهم يحلمون بتحقيقها، فيما استمرت الدولة الإسلامية سائرة ماضية على طريقها بفضل الله تعالى، بينما تمضي الإدارات الأمريكية تباعا إلى مصير أسود تتوراث فيه إرثاً كبيرا من الفشل والخسائر الاقتصادية والعسكرية.
وكان لافتا مسارعة الصليبيين: أمريكا والتحالف الدولي والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن، وعدد من الدول والكيانات الصليبية الأخرى، كان لافتا مسارعتهم إلى "إدانة الهجوم" المبارك، و"تقديم التعازي" لهلكى الرافضة، والتشديد على "ضرورة تقديم منفّذي الهجوم إلى العدالة!، ومواصلة محاربة الإرهاب"، بينما قال "مسؤولون في الأمم المتحدة" في بيان صدر عن مكتب المنظمة في "نيويورك" إن "التفجيرات الأمنية في العراق، هي الأشد التي تشهدها العاصمة بغداد منذ ستة أشهر".
هذه الضجة الصليبية ممثلة بتتابع الإدانات بـ"لهجة حادة"، وتزاحم تصريحات "التهديد" والتأكيد على ضرورة محاربة الدولة الإسلامية وملاحقة جنودها في كل مكان؛ تعكس بجلاء حجم القلق الذي يعيشه الصليبيون الآن، والخطر الذي يحدق بهم بعد كل هذه السنوات في حربهم وتكالبهم على دولة الإسلام، والتي يقرّون اليوم بأن "إرهابها لا يعرف حدودا"، والحقيقة أن غير حدود الشرع الحكيم فليس ثمة حدود.
لقد ضرب المجاهدون ضربتهم في بغداد فأصابوا بها قلب أمريكا الصليبية وحلفاءها الذين لم يعد يُغني عنهم وعنها كل ما أنفقوه وبذلوه في حربهم ضد الجهاد، فإذا به يمتد ويشتد ويعود بهم إلى المربع الأول، أيام دامية وهجمات في قلب المدن.
من الناحية الشرعية، فإن الهجوم يأتي استجابة لأوامر الله تعالى بقتال المشركين إزالةً للشرك، قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة:193]، قال الطبري رحمه الله: "يعني: حتى لا يكون شركٌ بالله، وحتى لا يُعبد دونه أحدٌ، وتضمحلَّ عبادة الأوثان والآلهة والأنداد، وتكونَ العبادة والطاعة لله وحده دون غيره".
إن توحيد الله تعالى يقتضي أن نقاتل مَن أشرك معه آلهةً أخرى، فكيف لو جمع مع ذلك محاربة المسلمين وقتلهم لأجل دينهم وسنّيتهم؟!، والرافضة عساكر وغير عساكر يتقاسمون هذا الوزر، وتاريخ جرائمهم بحق أهل السنة في العراق لا ينُسى.
ومن ناحية أخرى، سيجد المجاهدون مَن يطعن بهم وبجهادهم وينتقد عملياتهم هذه، ويبثّ الأراجيف والشبهات حول مشروعيتها، رغم أن قادة المجاهدين لم يتركوا شاردة ولا واردة في هذا الباب إلا أوضحوها وبيّنوها دعوة وبيانا، وتلك محاضرات الشيخ أبي مصعب الزرقاوي رحمه الله قد أجادت وأفادت لمن رام الحق، وغيرها كثير.
إلا أننا نودّ أن نلفت عناية المجاهدين وأنصارهم على أن الانتقادات والتشغيبات على جهادهم لم ولن تتوقف، فغربة الدين تتصاعد بمرور الزمان ولا تقل، وهي وعدٌ سيحياه كل مؤمن سار على هذا الطريق، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيباً، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيباً، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) [رواه مسلم]، وإنّ ما يلقاه جنود الخلافة اليوم من طعن وتشويه أدعياء العلم؛ هو ضرب من ضروب هذه الغربة المستمرة، فليوطّدوا أنفسهم على ذلك ولا ينتظروا أن يتلقاهم أهل الزيغ والانحراف بغير ذلك، وما عليهم إلا أن يواصلوا جهادهم على منهاج نبيهم -صلى الله عليه وسلم- ولا يلتفتوا لأهواء وأمزجة العبيد.
قال ابن القيم رحمه الله: "ومن صفات هؤلاء الغرباء الذين غبطهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ التمسك بالسنة إذا رغب عنها الناس، وترْك ما أحدثوه وإن كان هو المعروف عندهم، وتجريد التوحيد وإن أنكر ذلك أكثر الناس". [مدارج السالكين] ومن الناحية الأمنية، فإن اللحظة التي يفجّر فيها المجاهد حزامه الناسف هي آخر خطوة في العملية، تسبقها سلسلة طويلة من خطوات الإعداد والتخطيط والتجهيز حتى تصل العملية إلى مرحلتها الأخيرة، وفي ذلك لفتة نذكّر بها المسلمين بأن التوفيق في هذه العمليات إنما هو من الله تعالى وحده، وهو سبحانه الذي يسدد رمي عباده المجاهدين ويوصلهم إلى أهدافهم، ويعمي عنهم أبصار عدوهم.
وفي ذلك يقول الله تعالى مخاطبًا عباده: { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال:17]، قال ابن كثير رحمه الله: "أي ليس بحولكم وقوتكم قتلتم أعداءكم مع كثرة عددهم وقلة عددكم، بل هو الذي أظفركم بهم ونصركم عليهم، فهو المحمود سبحانه، لأنه هو الذي وفقهم لذلك وأعانهم".
فعلى المجاهدين وأنصارهم أن يتذكّروا ويتذاكروا هذه المعاني ويمتثلوها فإنهم بذلك يتبرأون مِن حولهم وقوتهم إلى الله تعالى، فيسلمون ويغنمون.
كما إن نجاح هذه العمليات الجريئة في قلب المدن رغم الاحتياطات الكبيرة للعدو، نموذج حي على استمرارية الجهاد رغم كل المؤامرات العالمية لوقفه ووأده، فهو ماضٍ إلى قيام الساعة، ماضٍ بقلة عدد أو بكثرة، ماضٍ بنا أو بغيرنا، ماضٍ على كل حال ماضٍ، فإن أدرك المسلم الفطن ذلك، لزمه أن يجتهد في أن يكون له سهم في هذا الجهاد، والمحروم من حُرم ذلك، والسعيد من وفقه الله تعالى فلحق بالقافلة.
وأخيرا، فإن استهداف المجاهدين للرافضة في بغداد، يجب أن يُشعل في نفوس المسلمين الغيرة على قلاعهم وعواصمهم السليبة فيتذكروا أن بغداد أرض للمسلمين أتباع أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم، وليست لأعدائهم الرافضة المشركين أحفاد ابن سبأ وابن العلقمي، ولن تكون بغداد كذلك للصليبيين ولا لغيرهم، وستعود إلى حاضرة الإسلام كما كانت، وعلى المسلمين أن يشاركوا في تحقيق هذه العودة الميمونة، ولا عودة إلى بغداد والقدس ومكة ودمشق، بغير العودة إلى منهاج النبوة الذي لأجله يسارع الصليبيون والمرتدون في تحزيب الأحزاب لقتال الدولة الإسلامية في كل مكان أحيت فيه هذا المنهاج.
هجوم بغداد الجديد لم يكن الأول من نوعه، ولن يكون الأخير بإذن الله تعالى، لكن على المسلمين أن يتأملوا هذه المعاني الإيمانية، ويتذكروا أن الله تعالى غنيٌ عنهم، وأنه قادر على نصرة دينه فهو سبحانه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولكن اقتضت حكمته البالغة أن يخلق الخلق ليبلوهم أيّهم أحسن عملا، وإن المجاهدين اليوم هم أحسن الناس عملا فهم يتربّعون على ذروة سنام الإسلام، وهو الجهاد الذي يُنصر به الدين وتعلو به الملة، فأين طلاب هذا الشرف الرفيع؟.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 296
الخميس 12 ذي الحجة 1442 هـ ...المزيد
بدّد الهجوم الاستشهادي المبارك الذي ضرب تجمعات الرافضة المشركين في بغداد، الأوهام والمزاعم الرافضية حول بسط الأمن في مناطق العراق، كما بدَّد معه أيضا الأماني الصليبية التي تعاقب طواغيت أمريكا على الحكم وهم يحلمون بتحقيقها، فيما استمرت الدولة الإسلامية سائرة ماضية على طريقها بفضل الله تعالى، بينما تمضي الإدارات الأمريكية تباعا إلى مصير أسود تتوراث فيه إرثاً كبيرا من الفشل والخسائر الاقتصادية والعسكرية.
وكان لافتا مسارعة الصليبيين: أمريكا والتحالف الدولي والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن، وعدد من الدول والكيانات الصليبية الأخرى، كان لافتا مسارعتهم إلى "إدانة الهجوم" المبارك، و"تقديم التعازي" لهلكى الرافضة، والتشديد على "ضرورة تقديم منفّذي الهجوم إلى العدالة!، ومواصلة محاربة الإرهاب"، بينما قال "مسؤولون في الأمم المتحدة" في بيان صدر عن مكتب المنظمة في "نيويورك" إن "التفجيرات الأمنية في العراق، هي الأشد التي تشهدها العاصمة بغداد منذ ستة أشهر".
هذه الضجة الصليبية ممثلة بتتابع الإدانات بـ"لهجة حادة"، وتزاحم تصريحات "التهديد" والتأكيد على ضرورة محاربة الدولة الإسلامية وملاحقة جنودها في كل مكان؛ تعكس بجلاء حجم القلق الذي يعيشه الصليبيون الآن، والخطر الذي يحدق بهم بعد كل هذه السنوات في حربهم وتكالبهم على دولة الإسلام، والتي يقرّون اليوم بأن "إرهابها لا يعرف حدودا"، والحقيقة أن غير حدود الشرع الحكيم فليس ثمة حدود.
لقد ضرب المجاهدون ضربتهم في بغداد فأصابوا بها قلب أمريكا الصليبية وحلفاءها الذين لم يعد يُغني عنهم وعنها كل ما أنفقوه وبذلوه في حربهم ضد الجهاد، فإذا به يمتد ويشتد ويعود بهم إلى المربع الأول، أيام دامية وهجمات في قلب المدن.
من الناحية الشرعية، فإن الهجوم يأتي استجابة لأوامر الله تعالى بقتال المشركين إزالةً للشرك، قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة:193]، قال الطبري رحمه الله: "يعني: حتى لا يكون شركٌ بالله، وحتى لا يُعبد دونه أحدٌ، وتضمحلَّ عبادة الأوثان والآلهة والأنداد، وتكونَ العبادة والطاعة لله وحده دون غيره".
إن توحيد الله تعالى يقتضي أن نقاتل مَن أشرك معه آلهةً أخرى، فكيف لو جمع مع ذلك محاربة المسلمين وقتلهم لأجل دينهم وسنّيتهم؟!، والرافضة عساكر وغير عساكر يتقاسمون هذا الوزر، وتاريخ جرائمهم بحق أهل السنة في العراق لا ينُسى.
ومن ناحية أخرى، سيجد المجاهدون مَن يطعن بهم وبجهادهم وينتقد عملياتهم هذه، ويبثّ الأراجيف والشبهات حول مشروعيتها، رغم أن قادة المجاهدين لم يتركوا شاردة ولا واردة في هذا الباب إلا أوضحوها وبيّنوها دعوة وبيانا، وتلك محاضرات الشيخ أبي مصعب الزرقاوي رحمه الله قد أجادت وأفادت لمن رام الحق، وغيرها كثير.
إلا أننا نودّ أن نلفت عناية المجاهدين وأنصارهم على أن الانتقادات والتشغيبات على جهادهم لم ولن تتوقف، فغربة الدين تتصاعد بمرور الزمان ولا تقل، وهي وعدٌ سيحياه كل مؤمن سار على هذا الطريق، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيباً، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيباً، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) [رواه مسلم]، وإنّ ما يلقاه جنود الخلافة اليوم من طعن وتشويه أدعياء العلم؛ هو ضرب من ضروب هذه الغربة المستمرة، فليوطّدوا أنفسهم على ذلك ولا ينتظروا أن يتلقاهم أهل الزيغ والانحراف بغير ذلك، وما عليهم إلا أن يواصلوا جهادهم على منهاج نبيهم -صلى الله عليه وسلم- ولا يلتفتوا لأهواء وأمزجة العبيد.
قال ابن القيم رحمه الله: "ومن صفات هؤلاء الغرباء الذين غبطهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ التمسك بالسنة إذا رغب عنها الناس، وترْك ما أحدثوه وإن كان هو المعروف عندهم، وتجريد التوحيد وإن أنكر ذلك أكثر الناس". [مدارج السالكين] ومن الناحية الأمنية، فإن اللحظة التي يفجّر فيها المجاهد حزامه الناسف هي آخر خطوة في العملية، تسبقها سلسلة طويلة من خطوات الإعداد والتخطيط والتجهيز حتى تصل العملية إلى مرحلتها الأخيرة، وفي ذلك لفتة نذكّر بها المسلمين بأن التوفيق في هذه العمليات إنما هو من الله تعالى وحده، وهو سبحانه الذي يسدد رمي عباده المجاهدين ويوصلهم إلى أهدافهم، ويعمي عنهم أبصار عدوهم.
وفي ذلك يقول الله تعالى مخاطبًا عباده: { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال:17]، قال ابن كثير رحمه الله: "أي ليس بحولكم وقوتكم قتلتم أعداءكم مع كثرة عددهم وقلة عددكم، بل هو الذي أظفركم بهم ونصركم عليهم، فهو المحمود سبحانه، لأنه هو الذي وفقهم لذلك وأعانهم".
فعلى المجاهدين وأنصارهم أن يتذكّروا ويتذاكروا هذه المعاني ويمتثلوها فإنهم بذلك يتبرأون مِن حولهم وقوتهم إلى الله تعالى، فيسلمون ويغنمون.
كما إن نجاح هذه العمليات الجريئة في قلب المدن رغم الاحتياطات الكبيرة للعدو، نموذج حي على استمرارية الجهاد رغم كل المؤامرات العالمية لوقفه ووأده، فهو ماضٍ إلى قيام الساعة، ماضٍ بقلة عدد أو بكثرة، ماضٍ بنا أو بغيرنا، ماضٍ على كل حال ماضٍ، فإن أدرك المسلم الفطن ذلك، لزمه أن يجتهد في أن يكون له سهم في هذا الجهاد، والمحروم من حُرم ذلك، والسعيد من وفقه الله تعالى فلحق بالقافلة.
وأخيرا، فإن استهداف المجاهدين للرافضة في بغداد، يجب أن يُشعل في نفوس المسلمين الغيرة على قلاعهم وعواصمهم السليبة فيتذكروا أن بغداد أرض للمسلمين أتباع أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم، وليست لأعدائهم الرافضة المشركين أحفاد ابن سبأ وابن العلقمي، ولن تكون بغداد كذلك للصليبيين ولا لغيرهم، وستعود إلى حاضرة الإسلام كما كانت، وعلى المسلمين أن يشاركوا في تحقيق هذه العودة الميمونة، ولا عودة إلى بغداد والقدس ومكة ودمشق، بغير العودة إلى منهاج النبوة الذي لأجله يسارع الصليبيون والمرتدون في تحزيب الأحزاب لقتال الدولة الإسلامية في كل مكان أحيت فيه هذا المنهاج.
هجوم بغداد الجديد لم يكن الأول من نوعه، ولن يكون الأخير بإذن الله تعالى، لكن على المسلمين أن يتأملوا هذه المعاني الإيمانية، ويتذكروا أن الله تعالى غنيٌ عنهم، وأنه قادر على نصرة دينه فهو سبحانه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولكن اقتضت حكمته البالغة أن يخلق الخلق ليبلوهم أيّهم أحسن عملا، وإن المجاهدين اليوم هم أحسن الناس عملا فهم يتربّعون على ذروة سنام الإسلام، وهو الجهاد الذي يُنصر به الدين وتعلو به الملة، فأين طلاب هذا الشرف الرفيع؟.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 296
الخميس 12 ذي الحجة 1442 هـ ...المزيد
النكباتُ الرافضية لا يكاد يمر أسبوع أو أقل على الرافضة المشركين في العراق إلا وتصيبهم بما ...
النكباتُ الرافضية
لا يكاد يمر أسبوع أو أقل على الرافضة المشركين في العراق إلا وتصيبهم بما أشركوا وظلموا قوارعُ العذاب المختلفة التي يصبُّها الله تعالى عليهم صبّا وتقرعهم قرعا، فأفنى اللهُ بها خلْقاً كثيرا منهم ومزّقهم شرّ ممزق، فصاروا أحاديث لكل العالم، حتى أننا لم نجد حاجة لأنْ نسهب في الحديث عن ما آلت إليه أوضاع الرافضة في العراق مؤخرا مِن تتابع الأزمات وتوالي النكبات عليهم، لاشتهارها في وسائل الإعلام وانتشارها انتشار النار في "الجنوب"!
وكان مِن آخرها وأشدّها عليهم الحرائق التي شوت أجساد المئات منهم في موطن كان الأصل فيه أن يكون موطن أملٍ وشفاء فانقلب عليهم ألما وعناء، وهذا هو القرع الذي يدهم الكافرين دهْما فيفجؤهم ويفجعهم به، نكالا من الله تعالى لما أشركوا معه سبحانه من الأنداد والآلهة الباطلة، وحاربوا آولياءه وطغوا وبغوا وأفسدوا في الأرض إفسادا كبيرا، والجزاء من جنس العمل.
فما يجري على الرافضة اليوم هو نظير ما جرى على الأمم والأقوام الكافرة قبلهم، وهو نظير قوله تعالى: { وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}[الرعد: 31].
فهذا وعد ووعيد دائم ومستمر من الله تعالى لكل الكافرين في الأرض أيّا كانوا وأينما ومتى كانوا، بأنه تعالى سيرسل عليهم من القوارع والدواهي والنقم وألوان العذاب المختلفة، وهم -ما لم يتوبوا ويؤمنوا- فإنهم غارقون باقون في هذا العذاب الدنيوي حتى يأتي وعد الله تعالى، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
قال الإمام القرطبي رحمه الله: "أي ما يزال الكافرون تصيبهم داهية مهلكة تفجؤهم بكفرهم وعتوهم، من صاعقة، أو من قتل أو من أسر أو جدب، أو غير ذلك من العذاب والبلاء، وقال عكرمة عن ابن عباس: "القارعة النكبة". وقال الإمام الطبري رحمه الله: "هي ما يقرعهم من البلاء والعذاب والنِّقم، بالقتل أحياناً، وبالحروب أحياناً، والقحط أحياناً، (أو تحل) أو تنزل أنت يا محمد (قريبًا من دارهم) بجيشك وأصحابك (حتى يأتي وعدُ الله) الذي وعَدك فيهم، وذلك ظهورُك عليهم وفتحُك أرضَهمْ، وقهرْك إياهم بالسيف (إن الله لا يخلف الميعاد) ". وقال الإمام البغوي رحمه الله: "(حتى يأتي وعد الله) قيل: يوم القيامة، وقيل: الفتح والنصر".
والمتأمل يجد أن الله تعالى يسلط على الكافرين نوعين من العذاب: الأول أن يرسل سبحانه عذابه ونقمته على الكافرين بأيدي جند مِن جنده، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}، قال ابن كثير رحمه الله: "أي: ما يعلم عددهم وكثرتهم إلا هو تعالى" وذلك كالنار والإعصار والطوفان وغيرها مما عذّب الله به الكافرين قديما وحديثا، والثاني: أن يسلط الله عباده المؤمنين على الكافرين بالقتل والأسر والقهر بالسيف والجهاد.
نكبات يعقب بعضها بعضا تتوالى على الرافضة المشركين ليس فقط في العراق، بل حتى في إيران المجوسية والتي تداهمها هي الأخرى قوارع العذاب والكوارث بين الفينة والأخرى، مع ما تعانيه من أزمة اقتصادية انعكست على أتباعها وميليشياتها في العراق فصاروا يلعنونها سرا وجهرا.
وبينما يحاول الرافضة المشركون أن يُعلّقوا السبب في كل هذه النكبات على شمّاعة "الميليشيات، والفساد الحكومي، والخلل البنيوي في الهيكلية الإدارية..."؛ إلا أنّ المؤمنين يرون فيما يحلّ بالرافضة وغيرهم من الكافرين آية من الله تعالى وتهيئة وتمهيدا لتحقيق وعده الإلهي بهزيمة الكافرين وسيادة المسلمين في الأرض، ليحكموها بالشريعة الإسلامية المهيمنة على كل ما سواها من الشرائع، فلا دين غير الإسلام يحكم في الأرض، وهي الغاية التي لأجلها قامت دولة الإسلام وعنها لن تحيد بإذن الله.
إن الأزمة الرافضية في حقيقتها، ليست أزمة كهرباء أو ماء أو حريق أو وباء، إنها أزمة مزمنة مهلكة سببها شركهم بالله تعالى وحربهم على المسلمين، وعبادتهم مع الله آلهة أخرى، وقد رأيناهم عند كل داهية أو نازلة تنزل بهم يسارعون ويلوذون بآلهتهم من دون الله تعالى، يستنجدون بالبشر ويطلبون غوثهم ومددهم ورحمتهم!
وهنا لا بد للمجاهدين أن يُبقوا هذه التأملات حاضرة في قلوبهم وعقولهم وهم يقاتلون ويصاولون الرافضة في طول العراق وعرضه؛ أن الرافضة مخذولون ولو استعانوا بكل طواغيت الروم والفرس، مهزومون ولو معهم كل جيوش الأرض!
وفي ذلك يقول الشيخ أبو محمد العدناني -رحمه الله- موجّها ومذكّرا: "يا جنود الدولة؛ تذكروا دائماً أنكم تقاتلون أمة مخذولة، إن استعانوا فبعلي، وإن استغاثوا فبالحسين، وإن استجاروا فبالعباس، وإن استنصروا فبفاطمة، رضي الله عنهم وعنها، يتوكلون على البشر ويعبدون الأوثان، فحاشا لله أن ينصرهم عليكم!، فاجعلوا عدتكم عقيدتكم، وقوتكم تقواكم، وكونوا على يقين بنصر الله، فأنتم جنود الله، تقاتلون في سبيل الله، والروافض جنود الشيطان، يقاتلون في سبيل الطاغوت".
فالمجاهد في طريقه إلى الله تعالى عليه أن يتأمل ويتدبر هذه الحقائق ليقوى بها يقينه وتكون دافعا إضافيا له في ميدان القتال فينقضّ على هؤلاء المشركين الحقراء كالأسد لا يلفت وجهه، وهو يعلم أنه منصور في كل حال، فالظفر والقتل كلاهما عند الله فوز.
وبرغم غرق الرافضة في نكباتهم المتلاحقة إلا أنهم لم يتوقفوا عن التحذير من "خطر تصاعد الإرهاب" وأن هذه الأزمات تصبّ في صالح المجاهدين، وهو ما تقدّم ذكره مِن أنّ ذلك كله من تدبير الله تعالى لعباده ومعيته لهم وتهيئتهم للوعد الحق.
وقد يقول قائل: إن هذه النكبات والمصائب قد تصيب أيضاً بعض المسلمين المستضعفين المتخفّين في تلك البلاد، فنقول وبالله التوفيق: شتّان شتّان بين المآلين والعاقبتين، فهل يستوي عذاب الله تعالى للكافرين، وتمحيصه -سبحانه- ورفعه درجات المؤمنين الصابرين؟!، إنه الفرق بين المحق والتمحيص وهو لا يخفى، قال تعالى: { وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}[آل عمران: 141]، فالتمحيص رفعة للمؤمنين، والمحق تدمير ومهلكة للكافرين، ولا يظلم ربك أحدا.
يضاف إلى كل ذلك، حالة الفُرقة التي اجتاحت صفوف الرافضة في العراق، فخالف الله بين قلوبهم وتفرّقوا شذر مذر، حتى أصبحت الحكومة تيارات! والحزب الواحد أحزاب، وانظر إلى حالهم في "الجنوب المحترق"، يُغنيك عن طويل بيان.
اللهم أنجِ المستضعفين من المسلمين في العراق وكل مكان، اللهم اشدد وطأتك على الرافضة وحلفائهم وخالف بين قلوبهم، اللهم اجعلها سنين كسِنِين يوسف، اللهم استجب.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 295
الخميس 5 ذو الحجة 1442 هـ ...المزيد
لا يكاد يمر أسبوع أو أقل على الرافضة المشركين في العراق إلا وتصيبهم بما أشركوا وظلموا قوارعُ العذاب المختلفة التي يصبُّها الله تعالى عليهم صبّا وتقرعهم قرعا، فأفنى اللهُ بها خلْقاً كثيرا منهم ومزّقهم شرّ ممزق، فصاروا أحاديث لكل العالم، حتى أننا لم نجد حاجة لأنْ نسهب في الحديث عن ما آلت إليه أوضاع الرافضة في العراق مؤخرا مِن تتابع الأزمات وتوالي النكبات عليهم، لاشتهارها في وسائل الإعلام وانتشارها انتشار النار في "الجنوب"!
وكان مِن آخرها وأشدّها عليهم الحرائق التي شوت أجساد المئات منهم في موطن كان الأصل فيه أن يكون موطن أملٍ وشفاء فانقلب عليهم ألما وعناء، وهذا هو القرع الذي يدهم الكافرين دهْما فيفجؤهم ويفجعهم به، نكالا من الله تعالى لما أشركوا معه سبحانه من الأنداد والآلهة الباطلة، وحاربوا آولياءه وطغوا وبغوا وأفسدوا في الأرض إفسادا كبيرا، والجزاء من جنس العمل.
فما يجري على الرافضة اليوم هو نظير ما جرى على الأمم والأقوام الكافرة قبلهم، وهو نظير قوله تعالى: { وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}[الرعد: 31].
فهذا وعد ووعيد دائم ومستمر من الله تعالى لكل الكافرين في الأرض أيّا كانوا وأينما ومتى كانوا، بأنه تعالى سيرسل عليهم من القوارع والدواهي والنقم وألوان العذاب المختلفة، وهم -ما لم يتوبوا ويؤمنوا- فإنهم غارقون باقون في هذا العذاب الدنيوي حتى يأتي وعد الله تعالى، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
قال الإمام القرطبي رحمه الله: "أي ما يزال الكافرون تصيبهم داهية مهلكة تفجؤهم بكفرهم وعتوهم، من صاعقة، أو من قتل أو من أسر أو جدب، أو غير ذلك من العذاب والبلاء، وقال عكرمة عن ابن عباس: "القارعة النكبة". وقال الإمام الطبري رحمه الله: "هي ما يقرعهم من البلاء والعذاب والنِّقم، بالقتل أحياناً، وبالحروب أحياناً، والقحط أحياناً، (أو تحل) أو تنزل أنت يا محمد (قريبًا من دارهم) بجيشك وأصحابك (حتى يأتي وعدُ الله) الذي وعَدك فيهم، وذلك ظهورُك عليهم وفتحُك أرضَهمْ، وقهرْك إياهم بالسيف (إن الله لا يخلف الميعاد) ". وقال الإمام البغوي رحمه الله: "(حتى يأتي وعد الله) قيل: يوم القيامة، وقيل: الفتح والنصر".
والمتأمل يجد أن الله تعالى يسلط على الكافرين نوعين من العذاب: الأول أن يرسل سبحانه عذابه ونقمته على الكافرين بأيدي جند مِن جنده، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}، قال ابن كثير رحمه الله: "أي: ما يعلم عددهم وكثرتهم إلا هو تعالى" وذلك كالنار والإعصار والطوفان وغيرها مما عذّب الله به الكافرين قديما وحديثا، والثاني: أن يسلط الله عباده المؤمنين على الكافرين بالقتل والأسر والقهر بالسيف والجهاد.
نكبات يعقب بعضها بعضا تتوالى على الرافضة المشركين ليس فقط في العراق، بل حتى في إيران المجوسية والتي تداهمها هي الأخرى قوارع العذاب والكوارث بين الفينة والأخرى، مع ما تعانيه من أزمة اقتصادية انعكست على أتباعها وميليشياتها في العراق فصاروا يلعنونها سرا وجهرا.
وبينما يحاول الرافضة المشركون أن يُعلّقوا السبب في كل هذه النكبات على شمّاعة "الميليشيات، والفساد الحكومي، والخلل البنيوي في الهيكلية الإدارية..."؛ إلا أنّ المؤمنين يرون فيما يحلّ بالرافضة وغيرهم من الكافرين آية من الله تعالى وتهيئة وتمهيدا لتحقيق وعده الإلهي بهزيمة الكافرين وسيادة المسلمين في الأرض، ليحكموها بالشريعة الإسلامية المهيمنة على كل ما سواها من الشرائع، فلا دين غير الإسلام يحكم في الأرض، وهي الغاية التي لأجلها قامت دولة الإسلام وعنها لن تحيد بإذن الله.
إن الأزمة الرافضية في حقيقتها، ليست أزمة كهرباء أو ماء أو حريق أو وباء، إنها أزمة مزمنة مهلكة سببها شركهم بالله تعالى وحربهم على المسلمين، وعبادتهم مع الله آلهة أخرى، وقد رأيناهم عند كل داهية أو نازلة تنزل بهم يسارعون ويلوذون بآلهتهم من دون الله تعالى، يستنجدون بالبشر ويطلبون غوثهم ومددهم ورحمتهم!
وهنا لا بد للمجاهدين أن يُبقوا هذه التأملات حاضرة في قلوبهم وعقولهم وهم يقاتلون ويصاولون الرافضة في طول العراق وعرضه؛ أن الرافضة مخذولون ولو استعانوا بكل طواغيت الروم والفرس، مهزومون ولو معهم كل جيوش الأرض!
وفي ذلك يقول الشيخ أبو محمد العدناني -رحمه الله- موجّها ومذكّرا: "يا جنود الدولة؛ تذكروا دائماً أنكم تقاتلون أمة مخذولة، إن استعانوا فبعلي، وإن استغاثوا فبالحسين، وإن استجاروا فبالعباس، وإن استنصروا فبفاطمة، رضي الله عنهم وعنها، يتوكلون على البشر ويعبدون الأوثان، فحاشا لله أن ينصرهم عليكم!، فاجعلوا عدتكم عقيدتكم، وقوتكم تقواكم، وكونوا على يقين بنصر الله، فأنتم جنود الله، تقاتلون في سبيل الله، والروافض جنود الشيطان، يقاتلون في سبيل الطاغوت".
فالمجاهد في طريقه إلى الله تعالى عليه أن يتأمل ويتدبر هذه الحقائق ليقوى بها يقينه وتكون دافعا إضافيا له في ميدان القتال فينقضّ على هؤلاء المشركين الحقراء كالأسد لا يلفت وجهه، وهو يعلم أنه منصور في كل حال، فالظفر والقتل كلاهما عند الله فوز.
وبرغم غرق الرافضة في نكباتهم المتلاحقة إلا أنهم لم يتوقفوا عن التحذير من "خطر تصاعد الإرهاب" وأن هذه الأزمات تصبّ في صالح المجاهدين، وهو ما تقدّم ذكره مِن أنّ ذلك كله من تدبير الله تعالى لعباده ومعيته لهم وتهيئتهم للوعد الحق.
وقد يقول قائل: إن هذه النكبات والمصائب قد تصيب أيضاً بعض المسلمين المستضعفين المتخفّين في تلك البلاد، فنقول وبالله التوفيق: شتّان شتّان بين المآلين والعاقبتين، فهل يستوي عذاب الله تعالى للكافرين، وتمحيصه -سبحانه- ورفعه درجات المؤمنين الصابرين؟!، إنه الفرق بين المحق والتمحيص وهو لا يخفى، قال تعالى: { وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}[آل عمران: 141]، فالتمحيص رفعة للمؤمنين، والمحق تدمير ومهلكة للكافرين، ولا يظلم ربك أحدا.
يضاف إلى كل ذلك، حالة الفُرقة التي اجتاحت صفوف الرافضة في العراق، فخالف الله بين قلوبهم وتفرّقوا شذر مذر، حتى أصبحت الحكومة تيارات! والحزب الواحد أحزاب، وانظر إلى حالهم في "الجنوب المحترق"، يُغنيك عن طويل بيان.
اللهم أنجِ المستضعفين من المسلمين في العراق وكل مكان، اللهم اشدد وطأتك على الرافضة وحلفائهم وخالف بين قلوبهم، اللهم اجعلها سنين كسِنِين يوسف، اللهم استجب.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 295
الخميس 5 ذو الحجة 1442 هـ ...المزيد
التحالف الصليبي بين روما ودابق كان التحالف الصليبي يصرّح سابقا أن هدفه هو إلحاق "الهزيمة" ...
التحالف الصليبي بين روما ودابق
كان التحالف الصليبي يصرّح سابقا أن هدفه هو إلحاق "الهزيمة" بالدولة الإسلامية في العراق والشام، وبعد ثمان سنوات على تشكيله من أجل هذا الهدف الذي لم يتحقق، أصبح يصرّح بأن هدفه هو إلحاق "هزيمة دائمة" بالدولة الإسلامية، فكيف لمن عجز عن إلحاق "الهزيمة" أن يجعلها "دائمة"؟! وكيف لمن غرق في براري العراق والشام أن ينجو من مستنقعات إفريقية والساحل وشرق آسيا وغيرها من الولايات؟!
وقد اجتمع وزراء التحالف الصليبي وجها لوجه قبل أيام نيابة عن ثلاث وثمانين دولة في روما الصليبية، في أول اجتماع مباشر لهم منذ عامين متتالين فشل خلالها التحالف الصليبي بكل قواته أن يجمع قادته خشية الوباء الذي سلطه الله تعالى عليهم.
وبالنظر إلى مخرجات هذا الاجتماع الجديد الذي دعت إليه كل من إيطاليا وأمريكا، فقد أكد التحالف على مجموعة من المهام تتلخص في ضرورة مواصلة "العمل المشترك" من أجل محاربة الدولة الإسلامية، وضرورة دعم "المناطق المحررة" التي "حرّروها" من حكم الشريعة ففقدت الأمن والاستقرار وصارت مناطق بور وخوف ودمار، بعد أن كانت مناطق أمن وإيمان وسلامة وإسلام.
كما أكد التحالف الصليبي على ضرورة تتبع وحظر "مصادر التمويل" لجنود الخلافة والذين يواصلون جهادهم معتمدين على خزائن الله تعالى الملأى التي لا تقدر أمريكا ولا كل طواغيت الأرض على وقفها أو حظرها ولو اجتمعوا.
ولم ينسَ التحالف الصليبي أن يؤكد على ضرورة محاربة إعلام الدولة الإسلامية ومنعها من "استغلال منصات التواصل" على الشبكة العنكبوتية، وهو الهدف الذي حشد له التحالف جيوشا جرارة من الكفار والمرتدين والمنافقين يقودهم إبليس ويوحي إليهم، سعيا في إسكات صوت الحق وإطفاء نور الإيمان، قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:32].
وإن التحالف المهزوم لم تكفه عشرات الدول التي ضمّها إلى حلفه المأزوم، فأعلن عن انضمام أربع دول جديدة هي "إفريقية الوسطى والكونغو وموريتانيا واليمن"، ليصيب حكومات وجيوش هذه الدول "لعنة التحالف" تماما كما يلعنون اليوم "رامسفيلد" وزير الدفاع الأمريكي البائد الذي هلك بينما وصلت دولة الإسلام إلى موزمبيق!
إلا أن الملف الأبرز والأثقل على طاولة التحالف الصليبي في هذا الاجتماع هو ساحة إفريقية والساحل، فقد أقرّ وزير خارجية إيطاليا بأنه "لا تكفي" مجابهة الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، بل عليهم النظر إلى "مواقع أخرى" تتواجد فيها، معتبرا أن تمدد الدولة الإسلامية في إفريقية والساحل "يثير القلق"، مؤكدا أن حماية المنطقة الساحلية تعني "حماية أوروبا"!
وليس مصادفة أن يلتقي الصليبيون وحلفاؤهم المرتدون بعد ثماني سنوات من تأسيس حلفهم في روما الصليبية، وليس عبثا أن تشعر إيطاليا بالخوف من تهديد إفريقية والساحل وتُخوَّف معها أوروبا بأسرها والتي تحبس أنفاسها وهي تراقب أجناد الخلافة في الساحل الإفريقي تغدو وتروح وتنكّل بحلفائها المرتدين، ويزيدها فرَقا ورعبا كلما سمعت زئير أسود الخلافة في ليبيا يصولون ويجولون.
إن مخاوف أوروبا الصليبية في محلها ولا شك، وإن مخاوف روما طبيعية مُبرَّرة، فهي كانت وما تزال على قائمة الأهداف الكبرى للمجاهدين، لأنها وعد الله تعالى لعباده المؤمنين الذين يوقنون بتحقّقه وينتظرونه بفارغ الصبر، ويعدون له العدة منذ إنطلاق جهادهم المبارك في العراق.
يومها كان قادة الدولة الإسلامية لا يكلون عن تهديد روما في خطاباتهم وكلماتهم، ولم يكن العالم يومها يدرك أن قادة المجاهدين يؤدون بذلك عبادة اليقين القلبية التي يفتقدها كثير من الناس اليوم في زمن الريبة والشك والحيرة وضعف اليقين.
كان المجاهدون يهدّدون روما مِن صحاري العراق في الرمضاء في العراء! هنالك في تلك البقاع التي حوت أجساد أبطال غيّروا خارطة العالم وأعادوا رسمها بدمائهم، مِن هناك كانوا يُهدِّدون روما، ولم يدرِ الروم الصليبيون يومها ومعهم المنافقون من الأعراب أن يقين هؤلاء الأبطال هو يقين نابع من إيمانهم بالله العظيم وتصديقهم لوعده سبحانه بالنصر والتمكين، وببشارة نبيه صلى الله عليه وسلم بفتح روما.
وبعد سنوات من الصبر واليقين، فتح الله تعالى على عباده المجاهدين في العراق ويسّر لهم بقوته وتدبيره التمدد إلى الشام ليكونوا على مشارف دابق الذي ينتظر فيها المسلمون الملحمة الكبرى إن شاء الله، أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق…).
فها هي روما تضمّ حلف الصليب وتُجدِّده وتطالبه بأن يبذل مزيدا من الجهد لحماية الساحل الإفريقي من توسّع الدولة الإسلامية وتجاهر بأن ذلك يعني "حماية أوروبا"!، وها هي أمريكا الصليبية التي تولّت كِبر هذا التحالف البغيض تسحب جيوشها من بعض المناطق لكي تعزّز تواجدها في مناطق أخرى منها شرق الفرات في الشام، حيث أعلن ملاحدة الأكراد عن "توسيع مهابط الطائرات في مناطق سيطرتهم تمهيدا لاستيعاب القوات الأمريكية المنسحِبة من المناطق الأخرى".
إنهم يخططون في روما ويقصدون دابق!، وهنا نستذكر قول الشيخ العدناني -تقبله الله- يوم قال مخاطبا أمريكا: "فلا تفرحي أمريكا، ولتستمرِّن بحشد قواتك، وتحشيد حلفائك من الصليبيين حتى تنزلوا بدابق الذي فيه بإذن الله ستكسرون، وتهزمون وتغلبون".
إن هذه التحالفات والمؤامرات التي يحيكها الصليبيون من روما حتى دابق تذكّرنا بما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم يوم كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشّرهم بفتح البلدان بينما هم تحت وطأة تكالب الأحزاب عليهم، لكن تصديقهم بموعود الله تعالى كان أقوى من كلّ ذلك، إنه اليقين فما أعذبه!، فهو سر من أسرار ثبات المجاهدين على طريق الحق الذي تخلّى عنه الكثيرون، فلم يعِش جنود الخلافة على قصص الماضي ولم يتركوا العمل انتظارا لبشريات المستقبل، بل أعادوا أمجاد الماضي بالدماء والتضحيات، ويسعون جاهدين لتحقيق مستقبل الإسلام بالعمل والجهاد والمراغمة بالولاء والبراء والمفاصلة، فكان يقينهم يقين المتوكل لا المتواكل.
وما زال مجاهدو الدولة الإسلامية ينتظرون تحقّق وعد الله تعالى لهم، فهذا دابق وهذه الغوطة، وهذه القدس، وتلك روما، سندخلها لا كذب، وها نحن ذا والأيام بيننا والملاحم قادمة والسعيد من واصل المسير.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 294
الخميس 28 ذي القعدة 1442 هـ ...المزيد
كان التحالف الصليبي يصرّح سابقا أن هدفه هو إلحاق "الهزيمة" بالدولة الإسلامية في العراق والشام، وبعد ثمان سنوات على تشكيله من أجل هذا الهدف الذي لم يتحقق، أصبح يصرّح بأن هدفه هو إلحاق "هزيمة دائمة" بالدولة الإسلامية، فكيف لمن عجز عن إلحاق "الهزيمة" أن يجعلها "دائمة"؟! وكيف لمن غرق في براري العراق والشام أن ينجو من مستنقعات إفريقية والساحل وشرق آسيا وغيرها من الولايات؟!
وقد اجتمع وزراء التحالف الصليبي وجها لوجه قبل أيام نيابة عن ثلاث وثمانين دولة في روما الصليبية، في أول اجتماع مباشر لهم منذ عامين متتالين فشل خلالها التحالف الصليبي بكل قواته أن يجمع قادته خشية الوباء الذي سلطه الله تعالى عليهم.
وبالنظر إلى مخرجات هذا الاجتماع الجديد الذي دعت إليه كل من إيطاليا وأمريكا، فقد أكد التحالف على مجموعة من المهام تتلخص في ضرورة مواصلة "العمل المشترك" من أجل محاربة الدولة الإسلامية، وضرورة دعم "المناطق المحررة" التي "حرّروها" من حكم الشريعة ففقدت الأمن والاستقرار وصارت مناطق بور وخوف ودمار، بعد أن كانت مناطق أمن وإيمان وسلامة وإسلام.
كما أكد التحالف الصليبي على ضرورة تتبع وحظر "مصادر التمويل" لجنود الخلافة والذين يواصلون جهادهم معتمدين على خزائن الله تعالى الملأى التي لا تقدر أمريكا ولا كل طواغيت الأرض على وقفها أو حظرها ولو اجتمعوا.
ولم ينسَ التحالف الصليبي أن يؤكد على ضرورة محاربة إعلام الدولة الإسلامية ومنعها من "استغلال منصات التواصل" على الشبكة العنكبوتية، وهو الهدف الذي حشد له التحالف جيوشا جرارة من الكفار والمرتدين والمنافقين يقودهم إبليس ويوحي إليهم، سعيا في إسكات صوت الحق وإطفاء نور الإيمان، قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:32].
وإن التحالف المهزوم لم تكفه عشرات الدول التي ضمّها إلى حلفه المأزوم، فأعلن عن انضمام أربع دول جديدة هي "إفريقية الوسطى والكونغو وموريتانيا واليمن"، ليصيب حكومات وجيوش هذه الدول "لعنة التحالف" تماما كما يلعنون اليوم "رامسفيلد" وزير الدفاع الأمريكي البائد الذي هلك بينما وصلت دولة الإسلام إلى موزمبيق!
إلا أن الملف الأبرز والأثقل على طاولة التحالف الصليبي في هذا الاجتماع هو ساحة إفريقية والساحل، فقد أقرّ وزير خارجية إيطاليا بأنه "لا تكفي" مجابهة الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، بل عليهم النظر إلى "مواقع أخرى" تتواجد فيها، معتبرا أن تمدد الدولة الإسلامية في إفريقية والساحل "يثير القلق"، مؤكدا أن حماية المنطقة الساحلية تعني "حماية أوروبا"!
وليس مصادفة أن يلتقي الصليبيون وحلفاؤهم المرتدون بعد ثماني سنوات من تأسيس حلفهم في روما الصليبية، وليس عبثا أن تشعر إيطاليا بالخوف من تهديد إفريقية والساحل وتُخوَّف معها أوروبا بأسرها والتي تحبس أنفاسها وهي تراقب أجناد الخلافة في الساحل الإفريقي تغدو وتروح وتنكّل بحلفائها المرتدين، ويزيدها فرَقا ورعبا كلما سمعت زئير أسود الخلافة في ليبيا يصولون ويجولون.
إن مخاوف أوروبا الصليبية في محلها ولا شك، وإن مخاوف روما طبيعية مُبرَّرة، فهي كانت وما تزال على قائمة الأهداف الكبرى للمجاهدين، لأنها وعد الله تعالى لعباده المؤمنين الذين يوقنون بتحقّقه وينتظرونه بفارغ الصبر، ويعدون له العدة منذ إنطلاق جهادهم المبارك في العراق.
يومها كان قادة الدولة الإسلامية لا يكلون عن تهديد روما في خطاباتهم وكلماتهم، ولم يكن العالم يومها يدرك أن قادة المجاهدين يؤدون بذلك عبادة اليقين القلبية التي يفتقدها كثير من الناس اليوم في زمن الريبة والشك والحيرة وضعف اليقين.
كان المجاهدون يهدّدون روما مِن صحاري العراق في الرمضاء في العراء! هنالك في تلك البقاع التي حوت أجساد أبطال غيّروا خارطة العالم وأعادوا رسمها بدمائهم، مِن هناك كانوا يُهدِّدون روما، ولم يدرِ الروم الصليبيون يومها ومعهم المنافقون من الأعراب أن يقين هؤلاء الأبطال هو يقين نابع من إيمانهم بالله العظيم وتصديقهم لوعده سبحانه بالنصر والتمكين، وببشارة نبيه صلى الله عليه وسلم بفتح روما.
وبعد سنوات من الصبر واليقين، فتح الله تعالى على عباده المجاهدين في العراق ويسّر لهم بقوته وتدبيره التمدد إلى الشام ليكونوا على مشارف دابق الذي ينتظر فيها المسلمون الملحمة الكبرى إن شاء الله، أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق…).
فها هي روما تضمّ حلف الصليب وتُجدِّده وتطالبه بأن يبذل مزيدا من الجهد لحماية الساحل الإفريقي من توسّع الدولة الإسلامية وتجاهر بأن ذلك يعني "حماية أوروبا"!، وها هي أمريكا الصليبية التي تولّت كِبر هذا التحالف البغيض تسحب جيوشها من بعض المناطق لكي تعزّز تواجدها في مناطق أخرى منها شرق الفرات في الشام، حيث أعلن ملاحدة الأكراد عن "توسيع مهابط الطائرات في مناطق سيطرتهم تمهيدا لاستيعاب القوات الأمريكية المنسحِبة من المناطق الأخرى".
إنهم يخططون في روما ويقصدون دابق!، وهنا نستذكر قول الشيخ العدناني -تقبله الله- يوم قال مخاطبا أمريكا: "فلا تفرحي أمريكا، ولتستمرِّن بحشد قواتك، وتحشيد حلفائك من الصليبيين حتى تنزلوا بدابق الذي فيه بإذن الله ستكسرون، وتهزمون وتغلبون".
إن هذه التحالفات والمؤامرات التي يحيكها الصليبيون من روما حتى دابق تذكّرنا بما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم يوم كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشّرهم بفتح البلدان بينما هم تحت وطأة تكالب الأحزاب عليهم، لكن تصديقهم بموعود الله تعالى كان أقوى من كلّ ذلك، إنه اليقين فما أعذبه!، فهو سر من أسرار ثبات المجاهدين على طريق الحق الذي تخلّى عنه الكثيرون، فلم يعِش جنود الخلافة على قصص الماضي ولم يتركوا العمل انتظارا لبشريات المستقبل، بل أعادوا أمجاد الماضي بالدماء والتضحيات، ويسعون جاهدين لتحقيق مستقبل الإسلام بالعمل والجهاد والمراغمة بالولاء والبراء والمفاصلة، فكان يقينهم يقين المتوكل لا المتواكل.
وما زال مجاهدو الدولة الإسلامية ينتظرون تحقّق وعد الله تعالى لهم، فهذا دابق وهذه الغوطة، وهذه القدس، وتلك روما، سندخلها لا كذب، وها نحن ذا والأيام بيننا والملاحم قادمة والسعيد من واصل المسير.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 294
الخميس 28 ذي القعدة 1442 هـ ...المزيد
وحدتنا وتشرذمهم في إفريقية ما زالت شجرة الجماعة ضاربة جذورها في عمق أرض الإسلام في غرب ...
وحدتنا وتشرذمهم في إفريقية
ما زالت شجرة الجماعة ضاربة جذورها في عمق أرض الإسلام في غرب إفريقية، يتفيؤ المسلمون ظلالها ويتنسّمون عبيرها ويقطفون ثمارها بركة وتوفيقا وهدى وسدادا، وهم منذ قيامها يحرسونها ويسقونها دماءهم ويفدونها مهجهم وأرواحهم بعد أن ذاقوا حلاوتها فمَن ذاق عرف ومن عرف اغترف.
وفي المقابل، تغزو الفُرقة والانقلابات حكومات وجيوش الكفر والردة في دويلات غرب إفريقية والساحل، فكل يوم انقلاب هذا أبيض وذلك أسود، هذا ناعم وآخر خشن.
ومنذ إعلان دولة الخلافة كان للمجاهدين في غرب إفريقية قصب السبق في البدار والمسارعة إلى اللحاق بركبها وبيعة أميرها اتباعا للحق وطاعة لأمر الله تعالى ورسوله بالاعتصام بالجماعة، فقامت ولاية غرب إفريقية على منهاج النبوة وقاتلت جيوش الكفر ونكلت بهم وأدمت قلوبهم وأدامت مآتمهم وأطالت أيام حدادهم، فذاع صيتها، وفتح الله عليها والتف حولها المسلمون ولحق بركبها الأنصار والمهاجرون، فنصرت الإسلام وأهله ورعت شؤونهم وصانت حقوقهم، وذلك بفضل الله تعالى ثم ببركة الجماعة.
وقد أتمّ الله تعالى على جنود الخلافة في غرب إفريقية بركة الوحدة والاعتصام وزادهم من فضله سبحانه فأراح البلاد والعباد من غوائل الغلاة وشقاء الخارجين عن الجماعة ففرح المسلمون بذلك فرحا شديدا وتحرر الآلاف مِن رقّ البدعة والغلو إلى السنّة والعلو، في إنجاز جديد يضاف إلى قائمة إنجازات الدولة الإسلامية في غرب إفريقية، ولله الفضل أولا وأخيرا.
ونحن على يقين بأن هذه الخطوة المباركة المسددة سيجني المجاهدون هناك ثمارها وسيرون بركتها وآثارها الطيبة في الفترة القادمة أضعاف ما كان إن شاء الله تعالى، ولعل من أولى بركاتها ما تبعها بيومين فقط مِن تحطّم طائرة للجيش النيجيري المرتد ومقتل "رئيس أركان الجيش الجديد وجميع كبار ضباط الجيش" وهذا مِن منح الله تعالى لعباده المؤمنين، ونحسب أنه من الفأل الحسن إن شاء الله.
ولقد أدرك الصليبيون والمرتدون خطورة ما جرى، وراح قادتهم يصرحون علنا بأن ذلك سيؤدي إلى تعاظم قوة الدولة الإسلامية في غرب إفريقية وتوسُّع مناطق سيطرتها بعد أن أزاحت من طريقها من أبطأ مسيرتها، ولحق بها من حالت بينه وبينها الحوائل.
وما يزيد من قلق الصليبيين وترقبهم لمجريات الأحداث في غرب إفريقية، هو حالة التشرذم والانقسام التي يعيشها حلفاؤهم المرتدون من حكومات المنطقة، خصوصا بعد سلسلة الانقلابات التي هزّت عروشهم مؤخرا، والتي فاقمت أعباء الصليبيين وعلى رأسهم دويلة فرنسا التي تتولى كبر الحملة الصليبية هناك، ما دفع فرنسا إلى "تعليق عملياتها العسكرية المشتركة مع مالي" وذلك على خلفية الانقلاب الجديد هناك وهو الانقلاب الثاني الذي تشهده مالي خلال أقل من تسعة أشهر!
وكان لحكومة تشاد المرتدة نصيب من هذا التشرذم بعد مقتل طاغوتها في ظروف غامضة بعد يوم واحد فقط من إعلان "فوزه بولاية رئاسية سادسة" قضاها خلال ثلاثين عاما خادما وفيا للصليبيين انتهت بتسلّم نجله الحكم خلفا لأبيه في نفس يوم هلاكه، وسبق ذلك محاولة انقلاب أعلنت عنها حكومة النيجر المرتدة قبل يومين من تنصيب طاغوتها الجديد والذي يواجه أزمات ومصاعب داخلية كبيرة زادتها هجمات المجاهدين الأخيرة تعقيدا.
هذا التشرذم الكبير الذي يعاني منه حلفاء فرنسا في إفريقية والساحل انعكس سلبا على فرنسا نفسها والتي بدا أنها تحاول حسم موقفها المتردد بين مواصلة الغرق في الساحل الإفريقي أو الانسحاب منه كليا أو جزئيا، خصوصا بعد تصاعد تساؤلات "الرأي العام" الفرنسي حول "الجدوى" من وجود قواتهم في إفريقية والمدة الزمنية لبقائهم هناك في ظلّ استمرار خسائرهم وشحّ خياراتهم وانشغال أمريكا بأزماتها عنهم.
تلك لمحة موجزة عن صفوف المرتدين والصليبيين الممزقة المبعثرة العاثرة بعد أن فقدوا الحلول في القضاء على تمدد الدولة الإسلامية في إفريقية، وزاد غيظهم وقلقهم بعد أن فاء إلى صفوفها الآلاف من المجاهدين وذراريهم ليعضّدوا جماعة المسلمين ويعززوا بنيانها ويجددوا بيعتهم لأميرها -حفظه الله تعالى- على منهاج النبوة القويم.
وهنا نبارك لجنود الخلافة في غرب إفريقية وسائر ولايات الدولة الإسلامية هذا الفتح الجديد والتحاق المسلمين أفواجا في جماعة المسلمين بعد أن حجبهم عنها أهل البدعة لسنوات عجاف ذاقوا خلالها الأمرَّين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
كما ندعو المجاهدين وأنصارهم إلى المحافظة على نعمة الجماعة والاعتصام بالكتاب والسنة فهو حبل النجاة في الدنيا والآخرة، ذكر الإمام الطبري رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا}، "قال: يعني الجماعة، وقال آخرون: أي القرآن". ولا خلاف بينهما، فإن العصمة والنجاة في الجماعة ولا جماعة بغير كتاب، وهل ضلت الأحزاب والجماعات والفِرق إلا بمخالفتها الكتاب وتركها الجماعة؟! وهل تمزقت صفوفها وهوى بنيانها إلا بالفرقة والاختلاف؟!
ونقول لجموع المجاهدين الذين فاءوا إلى أمر الله تعالى والتحقوا بجماعة المسلمين في غرب إفريقية، هنيئا لكم ما حققتموه من تمام الوحدة والاجتماع والاتباع، واعلموا أن ذلك كله من فضل الله تعالى عليكم وكرمه وجوده سبحانه وحفظه لهذا الجهاد ومعيته لعباده الذين قاتلوا المشركين من العرب والعجم والأبيض والأسود نصرة لدينه وإقامة لشرعه تعالى، فاحفظوا هذه النعمة وحافظوا عليها وعضّوا عليها بالنواجذ فإن فيها نجاتكم في الدنيا والآخرة، كما قال الإمام القرطبي رحمه الله: "فإن الله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة، فإن الفرقة هلكة والجماعة نجاة".
وختاما، نسوق وصية خليفة المسلمين -حفظه الله- لإخواننا الذين اهتدوا إلى الحق وفارقوا البدعة، فقد أوصاهم بـ"الثبات على أمر دينهم، وأن لا يكونوا أداة لكل صاحب هوى وبدعة، وأن يتقوا الله تعالى في أنفسهم، وأن لا يُعطوا الدنية في دينهم، وأن يبلوا بلاء حسنا في قتال جيوش الطواغيت، ليعوّضوا ما خسروه من أيام قد أضاعوها في اتباع الفتن والخوض في الشبهات". كما نكرر الإشارة إلى ما ورد في الخطاب الأخير للشيخ أبي حمزة القرشي بأن ما جرى "أكبر بيان وبرهان، على صحة طريق الدولة الإسلامية وبراءتها من انحراف وضلال المرجئة والغلاة منذ تأسيسها وإلى يومنا هذا، وأنها على منهاج النبوة -بإذن الله تعالى- لن تزيد ولن تحيد".
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 293
الخميس 21 ذو القعدة 1442 هـ ...المزيد
ما زالت شجرة الجماعة ضاربة جذورها في عمق أرض الإسلام في غرب إفريقية، يتفيؤ المسلمون ظلالها ويتنسّمون عبيرها ويقطفون ثمارها بركة وتوفيقا وهدى وسدادا، وهم منذ قيامها يحرسونها ويسقونها دماءهم ويفدونها مهجهم وأرواحهم بعد أن ذاقوا حلاوتها فمَن ذاق عرف ومن عرف اغترف.
وفي المقابل، تغزو الفُرقة والانقلابات حكومات وجيوش الكفر والردة في دويلات غرب إفريقية والساحل، فكل يوم انقلاب هذا أبيض وذلك أسود، هذا ناعم وآخر خشن.
ومنذ إعلان دولة الخلافة كان للمجاهدين في غرب إفريقية قصب السبق في البدار والمسارعة إلى اللحاق بركبها وبيعة أميرها اتباعا للحق وطاعة لأمر الله تعالى ورسوله بالاعتصام بالجماعة، فقامت ولاية غرب إفريقية على منهاج النبوة وقاتلت جيوش الكفر ونكلت بهم وأدمت قلوبهم وأدامت مآتمهم وأطالت أيام حدادهم، فذاع صيتها، وفتح الله عليها والتف حولها المسلمون ولحق بركبها الأنصار والمهاجرون، فنصرت الإسلام وأهله ورعت شؤونهم وصانت حقوقهم، وذلك بفضل الله تعالى ثم ببركة الجماعة.
وقد أتمّ الله تعالى على جنود الخلافة في غرب إفريقية بركة الوحدة والاعتصام وزادهم من فضله سبحانه فأراح البلاد والعباد من غوائل الغلاة وشقاء الخارجين عن الجماعة ففرح المسلمون بذلك فرحا شديدا وتحرر الآلاف مِن رقّ البدعة والغلو إلى السنّة والعلو، في إنجاز جديد يضاف إلى قائمة إنجازات الدولة الإسلامية في غرب إفريقية، ولله الفضل أولا وأخيرا.
ونحن على يقين بأن هذه الخطوة المباركة المسددة سيجني المجاهدون هناك ثمارها وسيرون بركتها وآثارها الطيبة في الفترة القادمة أضعاف ما كان إن شاء الله تعالى، ولعل من أولى بركاتها ما تبعها بيومين فقط مِن تحطّم طائرة للجيش النيجيري المرتد ومقتل "رئيس أركان الجيش الجديد وجميع كبار ضباط الجيش" وهذا مِن منح الله تعالى لعباده المؤمنين، ونحسب أنه من الفأل الحسن إن شاء الله.
ولقد أدرك الصليبيون والمرتدون خطورة ما جرى، وراح قادتهم يصرحون علنا بأن ذلك سيؤدي إلى تعاظم قوة الدولة الإسلامية في غرب إفريقية وتوسُّع مناطق سيطرتها بعد أن أزاحت من طريقها من أبطأ مسيرتها، ولحق بها من حالت بينه وبينها الحوائل.
وما يزيد من قلق الصليبيين وترقبهم لمجريات الأحداث في غرب إفريقية، هو حالة التشرذم والانقسام التي يعيشها حلفاؤهم المرتدون من حكومات المنطقة، خصوصا بعد سلسلة الانقلابات التي هزّت عروشهم مؤخرا، والتي فاقمت أعباء الصليبيين وعلى رأسهم دويلة فرنسا التي تتولى كبر الحملة الصليبية هناك، ما دفع فرنسا إلى "تعليق عملياتها العسكرية المشتركة مع مالي" وذلك على خلفية الانقلاب الجديد هناك وهو الانقلاب الثاني الذي تشهده مالي خلال أقل من تسعة أشهر!
وكان لحكومة تشاد المرتدة نصيب من هذا التشرذم بعد مقتل طاغوتها في ظروف غامضة بعد يوم واحد فقط من إعلان "فوزه بولاية رئاسية سادسة" قضاها خلال ثلاثين عاما خادما وفيا للصليبيين انتهت بتسلّم نجله الحكم خلفا لأبيه في نفس يوم هلاكه، وسبق ذلك محاولة انقلاب أعلنت عنها حكومة النيجر المرتدة قبل يومين من تنصيب طاغوتها الجديد والذي يواجه أزمات ومصاعب داخلية كبيرة زادتها هجمات المجاهدين الأخيرة تعقيدا.
هذا التشرذم الكبير الذي يعاني منه حلفاء فرنسا في إفريقية والساحل انعكس سلبا على فرنسا نفسها والتي بدا أنها تحاول حسم موقفها المتردد بين مواصلة الغرق في الساحل الإفريقي أو الانسحاب منه كليا أو جزئيا، خصوصا بعد تصاعد تساؤلات "الرأي العام" الفرنسي حول "الجدوى" من وجود قواتهم في إفريقية والمدة الزمنية لبقائهم هناك في ظلّ استمرار خسائرهم وشحّ خياراتهم وانشغال أمريكا بأزماتها عنهم.
تلك لمحة موجزة عن صفوف المرتدين والصليبيين الممزقة المبعثرة العاثرة بعد أن فقدوا الحلول في القضاء على تمدد الدولة الإسلامية في إفريقية، وزاد غيظهم وقلقهم بعد أن فاء إلى صفوفها الآلاف من المجاهدين وذراريهم ليعضّدوا جماعة المسلمين ويعززوا بنيانها ويجددوا بيعتهم لأميرها -حفظه الله تعالى- على منهاج النبوة القويم.
وهنا نبارك لجنود الخلافة في غرب إفريقية وسائر ولايات الدولة الإسلامية هذا الفتح الجديد والتحاق المسلمين أفواجا في جماعة المسلمين بعد أن حجبهم عنها أهل البدعة لسنوات عجاف ذاقوا خلالها الأمرَّين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
كما ندعو المجاهدين وأنصارهم إلى المحافظة على نعمة الجماعة والاعتصام بالكتاب والسنة فهو حبل النجاة في الدنيا والآخرة، ذكر الإمام الطبري رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا}، "قال: يعني الجماعة، وقال آخرون: أي القرآن". ولا خلاف بينهما، فإن العصمة والنجاة في الجماعة ولا جماعة بغير كتاب، وهل ضلت الأحزاب والجماعات والفِرق إلا بمخالفتها الكتاب وتركها الجماعة؟! وهل تمزقت صفوفها وهوى بنيانها إلا بالفرقة والاختلاف؟!
ونقول لجموع المجاهدين الذين فاءوا إلى أمر الله تعالى والتحقوا بجماعة المسلمين في غرب إفريقية، هنيئا لكم ما حققتموه من تمام الوحدة والاجتماع والاتباع، واعلموا أن ذلك كله من فضل الله تعالى عليكم وكرمه وجوده سبحانه وحفظه لهذا الجهاد ومعيته لعباده الذين قاتلوا المشركين من العرب والعجم والأبيض والأسود نصرة لدينه وإقامة لشرعه تعالى، فاحفظوا هذه النعمة وحافظوا عليها وعضّوا عليها بالنواجذ فإن فيها نجاتكم في الدنيا والآخرة، كما قال الإمام القرطبي رحمه الله: "فإن الله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة، فإن الفرقة هلكة والجماعة نجاة".
وختاما، نسوق وصية خليفة المسلمين -حفظه الله- لإخواننا الذين اهتدوا إلى الحق وفارقوا البدعة، فقد أوصاهم بـ"الثبات على أمر دينهم، وأن لا يكونوا أداة لكل صاحب هوى وبدعة، وأن يتقوا الله تعالى في أنفسهم، وأن لا يُعطوا الدنية في دينهم، وأن يبلوا بلاء حسنا في قتال جيوش الطواغيت، ليعوّضوا ما خسروه من أيام قد أضاعوها في اتباع الفتن والخوض في الشبهات". كما نكرر الإشارة إلى ما ورد في الخطاب الأخير للشيخ أبي حمزة القرشي بأن ما جرى "أكبر بيان وبرهان، على صحة طريق الدولة الإسلامية وبراءتها من انحراف وضلال المرجئة والغلاة منذ تأسيسها وإلى يومنا هذا، وأنها على منهاج النبوة -بإذن الله تعالى- لن تزيد ولن تحيد".
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 293
الخميس 21 ذو القعدة 1442 هـ ...المزيد
من علامات العَارِفينَ بالله 1 - أن يكون قلبه مرآةً، إذا نظر فيها رأى فيها الغيب الذي دُعي ...
من علامات العَارِفينَ بالله
1 - أن يكون قلبه مرآةً، إذا نظر فيها رأى فيها الغيب الذي دُعي إلى الإيمان به، فعلى قدر جلاء تلك المرآة يتراءى له فيها اللهُ سبحانه، والدار الآخرة، والجنة والنار، والملائكة، والرسل صلوات الله عليهم وسلامه.
2 - أن يبدو له الشاهد، وتفنى الشواهد، وتنحل العلائق، وتنقطع العوائق، ويجلس بين يدي الرب تعالى، ويقوم ويضطجع على التأهب للقاء الله، كما يجلس الذي قد شدَّ أحماله وأزمع السفر على التّأهب له، ويقوم على ذلك ويضطجع عليه، وكما ينزل المسافر في المنزل فهو جالس وقائم ومضطجع على التأهب.
3 - أنَّه لا يطالب ولا يخاصم، ولا يعاتب، ولا يرى له على أحدٍ فضلًا، ولا يرى له على أحدٍ حقًّا.
4 - أنَّه لا يأسف على فائتٍ، ولا يفرح بآتٍ؛ لأنَّه ينظر إلى الأشياء بعين الفناء والزوال، لأنَّها في الحقيقة كالظِّلال والخيال.
5 - أن يعتزل الخلق بينه وبين الله، حتَّى كأنَّهم أمواتٌ لا يملكون له ضَرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا؛ ويعتزلَ نفسه بينه وبين الخلق، حتى يكون بينهم بلا نفسٍ.
6 - أنَّه مستأنسٌ بربِّه، مستوحشٌ ممَّن يقطعه عنه، ولهذا قيل: العارف من أنس بالله فأوحشه من الخلق، وافتقر إلى الله فأغناه عنهم، وذلَّ لله فأعزَّه فيهم، وتواضع لله فرفعه بينهم، واستغنى بالله فأحوجهم إليه.
[مدارج السالكين] لابن القيم -رحمه الله- ...المزيد
1 - أن يكون قلبه مرآةً، إذا نظر فيها رأى فيها الغيب الذي دُعي إلى الإيمان به، فعلى قدر جلاء تلك المرآة يتراءى له فيها اللهُ سبحانه، والدار الآخرة، والجنة والنار، والملائكة، والرسل صلوات الله عليهم وسلامه.
2 - أن يبدو له الشاهد، وتفنى الشواهد، وتنحل العلائق، وتنقطع العوائق، ويجلس بين يدي الرب تعالى، ويقوم ويضطجع على التأهب للقاء الله، كما يجلس الذي قد شدَّ أحماله وأزمع السفر على التّأهب له، ويقوم على ذلك ويضطجع عليه، وكما ينزل المسافر في المنزل فهو جالس وقائم ومضطجع على التأهب.
3 - أنَّه لا يطالب ولا يخاصم، ولا يعاتب، ولا يرى له على أحدٍ فضلًا، ولا يرى له على أحدٍ حقًّا.
4 - أنَّه لا يأسف على فائتٍ، ولا يفرح بآتٍ؛ لأنَّه ينظر إلى الأشياء بعين الفناء والزوال، لأنَّها في الحقيقة كالظِّلال والخيال.
5 - أن يعتزل الخلق بينه وبين الله، حتَّى كأنَّهم أمواتٌ لا يملكون له ضَرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا؛ ويعتزلَ نفسه بينه وبين الخلق، حتى يكون بينهم بلا نفسٍ.
6 - أنَّه مستأنسٌ بربِّه، مستوحشٌ ممَّن يقطعه عنه، ولهذا قيل: العارف من أنس بالله فأوحشه من الخلق، وافتقر إلى الله فأغناه عنهم، وذلَّ لله فأعزَّه فيهم، وتواضع لله فرفعه بينهم، واستغنى بالله فأحوجهم إليه.
[مدارج السالكين] لابن القيم -رحمه الله- ...المزيد
أزمة الحكم في الواقع الإسلامي وهذا حال المسلمين في هذا الزمان، فقد جاهدوا سنين للخروج من حكم ...
أزمة الحكم في الواقع الإسلامي
وهذا حال المسلمين في هذا الزمان، فقد جاهدوا سنين للخروج من حكم الطواغيت الأوروبيين، ليحل محلهم طواغيت من أقوامهم أشرّ من الصليبيين وأطغى في الأرض، فلمّا جاهدوا لإسقاط حكم الطواغيت "العلمانيين" خرج لهم طواغيت يزعمون الإسلام ونصرة المسلمين لتتغير الأسماء والوجوه وتبقى الحقائق والأحكام وإن مِن واجب المسلمين أن يجاهدوا هؤلاء الطواغيت كافة؛ العلمانيين منهم أو أدعياء الإسلام، ويُسقطوا أحكامهم الكفرية التي يزعمون أنها "إسلامية"، كما أمرهم ربهم جلّ وعلا حتى لا يكون شرك في الأرض وتكون الطاعة لله وحده رب العالمين، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.
* مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد 265 ...المزيد
وهذا حال المسلمين في هذا الزمان، فقد جاهدوا سنين للخروج من حكم الطواغيت الأوروبيين، ليحل محلهم طواغيت من أقوامهم أشرّ من الصليبيين وأطغى في الأرض، فلمّا جاهدوا لإسقاط حكم الطواغيت "العلمانيين" خرج لهم طواغيت يزعمون الإسلام ونصرة المسلمين لتتغير الأسماء والوجوه وتبقى الحقائق والأحكام وإن مِن واجب المسلمين أن يجاهدوا هؤلاء الطواغيت كافة؛ العلمانيين منهم أو أدعياء الإسلام، ويُسقطوا أحكامهم الكفرية التي يزعمون أنها "إسلامية"، كما أمرهم ربهم جلّ وعلا حتى لا يكون شرك في الأرض وتكون الطاعة لله وحده رب العالمين، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.
* مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد 265 ...المزيد
على خطى أتاتورك في ذكرى هلاك أتاتورك خادم اليهود والنصارى، التقى الجولاني بالطاغوت الأمريكي في ...
على خطى أتاتورك
في ذكرى هلاك أتاتورك خادم اليهود والنصارى، التقى الجولاني بالطاغوت الأمريكي في زيارة رسمية إلى عاصمة الشر واشنطن، للتنسيق بشأن الحرب على الإرهاب وحماية المصالح الأمريكية اليهودية، وهي نفس الأهداف التي أفنى أتاتورك عمره في تحقيقها، فما أشبه اليوم بالبارحة.
عبر التاريخ، كان أبو رغال رمزا للخيانة لدى العرب حتى رجموا قبره بعد أن تطوع ليكون دليلا لجيش أبرهة الحبشي يقودهم إلى مكة لهدم الكعبة المشرفة! تماما كحال أحفاده اليوم أدلّاء أذلّاء لجيش التحالف الصليبي نحو حرمات المسلمين.
وكأنّ الجولاني لم يكتف برعي خنازير الإفرنج، حتى قاد أفيالهم الهوجاء إلى ديار المسلمين كأبي رغال! وبذل جهده في هدم خلافتهم على خطى أتاتورك! وأسلم دمشق للصليبيين واليهود كابن العلقمي، وكأن مكامن الخيانة جُمعت فيه حتى تفوّق على رموزها في الماضي والحاضر، وأتى بصنيعهم جميعا دفعة واحدة، إنه خائن في لسان العرب والعجم، بل قاموس محيط في الخيانة.
مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد 521
"أتاتورك في واشنطن" ...المزيد
في ذكرى هلاك أتاتورك خادم اليهود والنصارى، التقى الجولاني بالطاغوت الأمريكي في زيارة رسمية إلى عاصمة الشر واشنطن، للتنسيق بشأن الحرب على الإرهاب وحماية المصالح الأمريكية اليهودية، وهي نفس الأهداف التي أفنى أتاتورك عمره في تحقيقها، فما أشبه اليوم بالبارحة.
عبر التاريخ، كان أبو رغال رمزا للخيانة لدى العرب حتى رجموا قبره بعد أن تطوع ليكون دليلا لجيش أبرهة الحبشي يقودهم إلى مكة لهدم الكعبة المشرفة! تماما كحال أحفاده اليوم أدلّاء أذلّاء لجيش التحالف الصليبي نحو حرمات المسلمين.
وكأنّ الجولاني لم يكتف برعي خنازير الإفرنج، حتى قاد أفيالهم الهوجاء إلى ديار المسلمين كأبي رغال! وبذل جهده في هدم خلافتهم على خطى أتاتورك! وأسلم دمشق للصليبيين واليهود كابن العلقمي، وكأن مكامن الخيانة جُمعت فيه حتى تفوّق على رموزها في الماضي والحاضر، وأتى بصنيعهم جميعا دفعة واحدة، إنه خائن في لسان العرب والعجم، بل قاموس محيط في الخيانة.
مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد 521
"أتاتورك في واشنطن" ...المزيد
فأما الزبد فيذهب جفاءً وقد أبقى ربُّنا سبحانه دعوة التوحيد صافية نقية بريئة مما رماها أهل ...
فأما الزبد فيذهب جفاءً
وقد أبقى ربُّنا سبحانه دعوة التوحيد صافية نقية بريئة مما رماها أهل البدع في كل زمان، ورفع مقام أهلها وأعلى ذكرهم في العالمين، وزال عنهم ما كانوا به يُظلمون، فأين مقام الإمام أحمد -رحمه الله- اليوم من مقام أهل البدع الذين فتنوه في دينه ورموه بالضلال؟!، وأين مقام الإمام ابن تيمية -رحمه الله- من مقام من سجنوه وأباحوا دمه؟!، وأين مقام الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله- من مقام من رموه بالغلو والخارجية وأباحوا دم أتباعه؟!، وليعلمن الناس بعد حين مقام جنود الدولة الإسلامية من مقام أعدائهم وخصومهم أهل الضلال أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
* مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد 262 ...المزيد
وقد أبقى ربُّنا سبحانه دعوة التوحيد صافية نقية بريئة مما رماها أهل البدع في كل زمان، ورفع مقام أهلها وأعلى ذكرهم في العالمين، وزال عنهم ما كانوا به يُظلمون، فأين مقام الإمام أحمد -رحمه الله- اليوم من مقام أهل البدع الذين فتنوه في دينه ورموه بالضلال؟!، وأين مقام الإمام ابن تيمية -رحمه الله- من مقام من سجنوه وأباحوا دمه؟!، وأين مقام الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله- من مقام من رموه بالغلو والخارجية وأباحوا دم أتباعه؟!، وليعلمن الناس بعد حين مقام جنود الدولة الإسلامية من مقام أعدائهم وخصومهم أهل الضلال أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
* مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ العدد 262 ...المزيد
مؤسسة الفرقان - وأَنتُمُ الأعلَونَ إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ تفريغ الكلمة الصوتية للمتحدّث ...
مؤسسة الفرقان - وأَنتُمُ الأعلَونَ إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ
تفريغ الكلمة الصوتية للمتحدّث الرّسمي للدّولة الإسلاميّة الشّيخ المهاجر أبي حمزة القرشيّ (حفظه الله تعالى) بعنوان:
{ وأَنتُمُ الأعلَونَ إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ }
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد:
قال الله تبارك وتعالى: {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحجّ: 15].
هذا إخبارٌ من الله تعالى أنه ناصر دينه ورسوله عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة، ومن حكمته سبحانه أن جعل تجديد أمر الدين على رأس كل زمان، رغم أنف الكافرين، ورغم مكر الماكرين، ورغم حقد الحاقدين، نعم، فليمْدد كل منكم أيها الطواغيت والصليبيون بسببٍ إلى السماء، ثم اقطعوا وانظروا، هل يُذهبن كيدكم ما تغيظون!، أم حسبتم أنّ بحربكم وبمكركم لنور الله تعالى ستطفئون!، وعن سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ستصدون!، أو على عباده الموحدين الذين حملوا الرسالة ستقضون!، كلا وربي، بل وكأنكم للماء بالغربال تجمعون، فهنا حملات فشلكم تطلقون، وهناك أجناد دولتنا لكم ولعبيدكم راصدون كامنون لقتالكم يتسابقون، فموتوا بغيظكم فما حسبتم أنفسكم وماذا تتأملون؟، موتوا بغيظكم وجددوا حسراتكم على ما أنفقتموه في حرب الله تعالى ورسوله وعباده الموحدين، موتوا بغيظكم واستمروا بمكركم، فأنتم تمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، أظننتم أن بوسعكم أن تمنعوا نصر الله تعالى وتصدوه عن عباده المؤمنين؟، موتوا بغيظكم كلما سمعتم بصولات الموحدين، موتوا بغيظكم، فها هي الدولة التي حاربتموها وصببتم على أجنادها جام حقدكم ونار غضبكم في العراق والشام وخراسان، قد صبّحتكم بفضل الله تعالى عملياتها في غرب ووسط إفريقية، وإنها الدولة التي كذبتموها، نعم، إنها الخلافة التي حاربتموها، وإنها رغم أنوفكم باقية بإذن الله تعالى شئتم أم أبيتم، فلقد غركم غروركم وكبركم، وظننتم أنكم بجبروتكم وطغيانكم ستقضون عليها وعلى أجنادها وأنصارها، فاعلموا أن دولة الإسلام اليوم على غير ما تظنون، وعلى خلاف ما تتأملون وتنتظرون.
حرِّضوا وكيدوا وامكروا
أُسْدُ الخلافة للمعالي شمَّروا
بجهادهم كلّ البرايا حيَّروا
لثباتهم تُصغي الجبال وتنظرُ
وها قد بذلتم كل ما بوسعكم لقتالنا، والصد عن سبيل ربنا، فما ازددنا بفضل الله تعالى إلا إصرارا وعزيمة وصلابة، فلن نبالي بجموع الكفر وأتباعه وأحزابه، ولا بجيوشه وجنده وكلابه، فأرعدوا وأزبدوا وهدِّدوا وتوعدوا، فوالله ما خرجنا إلا لنصرة دين الله القائل سبحانه في محكم التنزيل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمّد: 7].
فكيف لكم بقتالنا؟ والله تعالى بفضله ناصرنا ومثبت أقدامنا، وتكفي السنوات الماضية، أن تكون دليلا على ما نقول، فإننا بمعية الله تعالى نقاتل ونصول ونجول، وأما الظهور والانحسار، فما هو إلا امتحان واختبار من المولى العزيز الجبار، واصطفاء لعباده المؤمنين الأخيار، {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 140].
فلله دركم يا أجناد الخلافة، لله دركم أيها الغرباء، في زمن التيه والخذلان والضياع، ونخص منكم أجناد غرب ووسط إفريقية، بارك الله تعالى فيكم وفي جهادكم، وجزاكم الرحمن عنا وعن المسلمين خير الجزاء، كنتم خير من لبى النداء، فأتاكم النصر والتأييد من رب السماء، فاحمدوا الله الكريم يا أجناد الخلافة على نعمه التي غمرتكم وشفت صدور قوم مؤمنين، قال الله تبارك وتعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]. فاحمدوا الله الكريم على نعمه، واعلموا وفقكم الله، أننا لا حول لنا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فلا تغتروا بما فتح الله تعالى عليكم، وتبرأوا من حولكم وقوتكم، وجددوا نواياكم، وأصلحوا طواياكم، وتواضعوا لمن حولكم، وكونوا درعا للمسلمين، وارفعوا عنهم ظلم الطغاة الحاقدين.
وإلى عامة المسلمين في غرب ووسط إفريقية: التفوا حول دولتكم وإمامكم وإخوانكم المجاهدين، وكونوا خير معين لنصرة وتحكيم شرع رب العالمين، وليكن لكم ما حصل لإخوانكم في العراق والشام درسا لم ولن يتكرر، بعد أن تخاذل الكثير منهم وتثاقلوا عن نصرة دينهم ودولتهم، حتى أتاهم اليوم من يسومهم ودينهم وأعراضهم وذراريهم وأموالهم سوء العذاب، بعد أن عاشوا مكرّمين منعّمين آمنين مطمئنين في أرض الخلافة، فسارِعوا وسابقوا والتحقوا بدولتكم وانصروها، وأرهبوا عدو الله وعدوكم، قال الله تبارك وتعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60].
فلا تتخاذلوا عن نصرة دينكم ومِن حمل لواء التوحيد، وإن الدولة تفتح أبوابها لكل من يبغي الجهاد؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24]. فاستجيبوا لله تعالى وتمسكوا بحبله المتين، ولا تلتفتوا إلى أقوال المخذلين، واحذروا مكر الطاعنين المنافقين، واسعوا للنفير، فما بقي وقت للتبرير والتنظير.
وإلى الولاة الأفاضل في غرب ووسط إفريقية -سددكم الله تعالى-، نبلغكم سلام ووصية الشيخ أمير المؤمنين -حفظه الله تعالى-، يوصيكم برأس الأمر تقوى الله العظيم وطاعته سبحانه فيما آتاكم وفتح على أيديكم، وأن تسعوا في ردّ الحقوق إلى أهلها وأن تأخذوا حق كل مظلوم تجرأ الطغاة على حقه، وأن لا تفتر عزائمكم، وأن تواصلوا جهاد عدوكم، وأن تستغلوا الفرص وتكثفوا الغزوات، ويثني الشيخ على عملكم المبارك في تطبيق ما أمر الله تعالى به: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحجّ: 41].
وكما نثني على عملكم المبارك باستئصال ووأد فتنة الخوارج، ونحمد الله الكريم أن وفّق من كان سائرا خلفهم بالعودة لجادة الصواب، وإننا والله لندعو لهم بالهداية، أن يعودوا لجماعة المسلمين تاركين خلفهم طرق التيه والضياع والغواية، وأن يلتفوا حول إمام المسلمين الشيخ المجاهد أبي إبراهيم الهاشمي -حفظه الله-، ولقد فرحنا كثيرا بخبر بيعتهم، ونبلغهم أن أمير المؤمنين قبل بيعتهم ويخصهم بالسلام، ويوصيهم بالثبات على أمر دينهم، وأن لا يكونوا أداة لكل صاحب هوى وبدعة، وأن يتقوا الله تعالى في أنفسهم، وأن لا يعطوا الدنية في دينهم، وعليهم أن يبلوا بلاء حسنا في قتال جيوش الطواغيت، ليعوّضوا ما خسروه من أيام قد أضاعوها في اتباع الفتن والخوض في الشبهات، وهنا نود الإشارة، بأن هذا -بفضل الله تعالى- أكبر بيان وبرهان، على صحة طريق الدولة الإسلامية وبراءتها من انحراف وضلال المرجئة والغلاة منذ تأسيسها وإلى يومنا هذا، وأنها على منهاج النبوة -بإذن الله تعالى- لن تزيد ولن تحيد، وإن الدولة -بفضل الله تعالى- شامخة راسخة كالجبال، ما أثرت فيها رياح وأعاصير الفتن والمحن أو استمرار المعارك والقتال، باقية على منهجها، موقنة بنصر ربها، لن تحابي أحدا أو تداهن، قدم القادة فيها والأجناد أرواحهم ودماءهم رخيصة في سبيل نصرة دين الله تعالى وإعلاء كلمته سبحانه، فللدين خطوط حمراء، نرخص من أجلها الأرواح وتتناثر الأشلاء وتسال الدماء.
وكما نثني على عمل أجناد الخلافة المبارك في ولايات العراق والشام وسيناء وخراسان والصومال وليبيا وباكستان والهند، ونخص آساد الخلافة في ولاية العراق على ما بذلوه في بغداد وشمالها وجنوبها، وصلاح الدين والأنبار وديالى، وكركوك ونينوى والجزيرة، لله دركم يا أباة الضيم، يا مَن حيرتم الرافضة وجعلتموهم مستنفرين طوال حياتهم، وقد فقدوا -بفضل الله تعالى- آمالهم وباتوا يصرّحون بعجزهم وفشلهم عن إيقاف عملياتكم المباركة، والمتكابر منهم من لا يريد الاعتراف بمرارة ما لاقوه على أيديكم خلال الأيام الماضية؛ لم يكن بوسعه إلا أن يطلق حملات فشلهم لتمشيط الصحاري والبراري، فاعلموا يا رافضة العراق، لو كان ما تسعون إليه ممكنا لفعله أسيادكم الأمريكان قبلكم، ولئن تُخففوا الضغط على أهل الزراعة والفلاحة، وتدفعوا جيشكم وحشودكم لحرث الصحاري وحصد الزروع، بدلا من تضييع وقتكم في ملاحقة الموحدين بالآليات والدروع، فانشغلوا بأنفسكم يا رافضة ويا حشود، وجنّبوا طيش أنفسكم عرين وأفعال الأسود، ومن شدة إفلاسكم، بتّم ترون حصولكم على قطعة قماش أو حديد بالية هنا أو هناك، نصرا تعلنون عنه في الفضائيات، وتحضّرون من أجله اللقاءات، وتعقد عليه الاجتماعات والندوات، فما أحمقكم، فنقول لكم: ارجعوا لجحوركم، وجهزوا نعوشكم، واحفروا قبوركم، وأعدوا ملاطمكم، فما أن تعلنوا عن بدء انطلاق إحدى حملات فشلكم الجديدة، إلا ويليها إعلانكم عن دخولكم الطوارئ والإنذار، ثم يليها البؤس والدمار، وتناثر الأشلاء وتطاير الرؤوس كالأحجار، وإننا نعدكم بالمزيد، ولنجري من دمائكم النجسة -بإذن الله- أنهارا من جديد.
وأما أنتم يا حشود العشائر، يا من تشتهون العيش تحت المقابر، أما كفاكم ما حل بأسلافكم من صحوات العراق، أن يكونوا لكم عبرة وعظة، أوَ تظنون بأنكم أشد بأسا منهم أو من أسيادهم وداعميهم، فوفروا نصائحكم لأنفسكم وأسلافكم اليوم، قبل أن تقعوا غدا بأيدينا وتبدؤوا حينها بالنصح والتذكير، لمن يرى أو يسمع مصيركم المعلوم العسير، فلا تخدعوا أنفسكم بأنكم في مأمن من أسيافنا، بل إننا لنؤخّر اقتحام بيوتكم مرات ومرات، عسى أن ترجعوا وتتوبوا قبل أن نقدر عليكم وترونا على فرشكم وفوق رؤوسكم، فلا ينفعكم حينها البكاء والندم، أوَ ما سمعتم ما قاله الله تعالى في سورة القلم: {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}.
وإلى أسد البوادي في ولاية الشام، لله دركم من رجال، تعجز الكلمات عن وصفكم ولو كتبنا لذلك ألف مقال، يا من أرغمتم أنف النصيرية، وأحلافهم وحشودهم من الروس وإيران الصفوية، وقد خابت -بفضل الله تعالى- حملاتهم وفتحت عليهم أبوابا من الاستنزاف والجحيم، بعد أن ظنوا أنهم خارجون نحوكم نزهة وزيادة خير ونعيم، حتى بلغ بهم الحال من هول ما رأوه، أنهم -بفضل الله تعالى- لا يجرؤون على السير والعبور إلا وفوق رؤوسهم الطائرات، أو تحيط أرتالهم الدبابات، وكذلك نثني على العمليات المباركة لآساد المفارز الأمنية في الخير والبركة والرقة وحلب، وتسطيرهم الملاحم في تصفية وقتل قادة الملاحدة وفصائل الصحوات، وإننا نعزم ونشد عليكم يا كماة بقتل واستئصال خبث عمائم السوء ومشايخ العار، المتسلقين على أظهر العشائر، الذين ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون، أن تشردوا بهم من خلفهم، قال الله تبارك وتعالى: {الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ * فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأنفال: 56 - 57].
فلقد عزمنا عليكم يا أجناد الخلافة في الرقة والخير والبركة أن ترونا فيهم القتل والبؤس والدمار، اقتلوهم في الطرقات، أو ادخلوا عليهم بيوتهم وأروهم بأس الاقتحامات، واجعلوهم يتمنون الموت ولا يجدونه، فلقد باعوا دينهم وأعراضهم لملاحدة الأكراد بالأمس، واليوم حرَّضوا على انتخاب طاغوت النصيرية، فيا للعجب من أمرهم، أينتخبون ويحرضون على انتخاب من قتل أولادهم واغتصب نساءهم؟! وسلب خيراتهم ودمر مدنهم وقراهم، فما قرأنا في التاريخ من هو أشد منهم خسة ونذالة!
وإلى آساد الخلافة في ولاية سيناء العز والثبات، أرض الملاحم والبطولات، نعم الحصاد حصادكم سقط على إثره القادات، ودمرت فيه الثكنات، وسالت دماء الصحوات، فواصلوا المسير، فإن جيش فرعون مصر لا يقل سوءا عن جيش الرافضة في العراق، بعد أن فتحوا على أنفسهم قائمة طويلة من الاستنزاف لقادتهم وضباطهم وآلياتهم وأموالهم قبل جنودهم الذين أعدوهم للمحرقة والمهلكة دون مبالاة، وإننا نعزم عليكم يا آساد الخلافة في سيناء أن توسعوا وتمدوا عملياتكم المباركة إلى داخل المدن، وأن تجهزوا مفارز للكواتم واللاصقات، للعمل على تصفية رؤوس الضباط والاستخبارات، واجعلوا لعملياتكم هذه نفسا طويلا، ولا تستعجلوا قطف ثمارها.
وإلى آساد الخلافة في ولاية خراسان، شدوا العزائم والهمم ونغصوا عيش الروافض المشركين وطالبان المرتدين، كما نوصيكم بانتقاء أهداف أشد وأنكى برأس حكومة الطاغوت ومفاصلها، فإذا مكنكم الله تعالى من رأس الأفعى سقط ذيلها وكل ما عليها.
وكما نثني على العملية المباركة لآساد الخلافة في ولاية ليبيا، فهذه بداية انطلاق الشرارة، فأتبعوها غارة إثر غارة.
فيا أجناد الخلافة في كل مكان، لا تهنوا ولا تحزنوا لاجتماع ملل الكفر عليكم، فأنتم الأعلون -بإذن الله تعالى- إن ثبتم على إيمانكم وواصلتم مسير جهادكم، فما كان العلو يوما مقرونا بالتمكين، قال الله تبارك وتعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].
لم يقل سبحانه إن كنتم ممكنين أو في الأرض ظاهرين، بل قال عز شأنه إن كنتم مؤمنين، فنحن الأعلون بإيماننا، ونحن الأعلون باتباع أمر ربنا وهدي نبينا -عليه الصلاة والسلام-، فطوبى لكم أيها الغرباء إن تمسكتم بإيمانكم، والسعي في إقامة شرع ربكم، فمنه سبحانه وحده العون والسداد، فكونوا لدولتكم ونصرة دينكم خير أجناد، وكونوا كالجبال الراسيات، كالأسد في الميدان لا تخشى الممات، واستشعروا خشية الرحمن، تنالوا مالم يكن في الحسبان، واعلموا أن أقدار الله تبارك وتعالى إذا حانت، فكما ينزل المطر من السماء، لا يقدر أحد صده أو منعه، فتيقنوا أن الأمر كله بيد الله العظيم، وأن النصر من عنده سبحانه وحده.
واعلموا يا من تحاربون الدولة بمختلف أسمائكم وأشكالكم، أن حربها -بفضل الله تعالى- قد أنهكتكم، وستنتهون عن كذب انتصاراتكم المزعومة التي لكم سنوات خلف سرابها تلهثون، فلقد أنهكتم جيوشكم التي هنا تطلقون، ومن هناك أذيال خيب تجرون، وحسرات عليها تتجرعون، وقلوبكم تتفطر لصولاتنا وما عنها من أخبار تسمعون، وحرب جعلتكم تائهون حائرون خائرون مرعوبون، هنا ماذا تفعلون؟، وهناك ماذا تنفقون؟!، كلا وربي ولو بعد حين ستغلبون، قال الله تبارك وتعالى: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: 12].
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى-: من ظن أن الباطل سينتصر على الحق، فقد أساء الظن بالله تعالى.
ما بالكم والأُسْد تقتحم الغمار
تبغي هدى الرحمن أنْ يعلو الديار
أيخيفهم أجناد طاغوت وعار
إنْ عاودوا عدنا إليهم بالدمار
ونكرر نداءنا إلى كافة الولايات دون استثناء، ونخص منهم ولايتي العراق والشام، بأن الشيخ أمير المؤمنين -حفظه الله تعالى- قد عزم عليكم أن تبذلوا كل ما بوسعكم لتدمير أسوار السجون، وفكاك أسرى المسلمين من سجون الملاحدة والمرتدين، فلا تدخروا وسعا في ذلك، واستعينوا على قضاء حوائجكم بالسر والكتمان، ولا تفشوا أسرار عملكم إلا لمن لزمه الأمر، من أجل التنفيذ واتخاذ ساعة الصفر، كما نعزم عليكم يا أجناد الخلافة أن تشدوا وطأتكم على القضاة والمحققين انتقاما لأسرانا، ونعلمكم أن الشيخ أمير المؤمنين قد رصد مكافآت مالية لكل من يمكنه الله تعالى من قطف رؤوس طغاة القضاء، والجزارين من المحققين، فاستعينوا بالله تعالى وارصدوا أهدافكم، واستخيروه سبحانه ثم شاوروا إخوانكم، وإذا عزمتم فتوكلوا على الله العظيم، وإذا نزلتم بساحتهم فانزلوها ببأس وجحيم.
وإلى أحبتنا وقرة عيوننا إخواننا الأسرى في كل مكان، نعلم أن فكاك أسركم واجب شرعي علينا، وأنه دين في أعناقنا ما حيينا، وأن إخوانكم قد سعوا لذلك ما أمكنهم، فاعلموا أن الأمر كله بيد الله العظيم، إذا أراد سبحانه أمرا قال له كن فيكون، فيا أحبتنا وقرة عيوننا كونوا كما عهدناكم، رجالا مؤمنين بأقدار الله تعالى خيرها وشرها، ولا تجزعوا أو تفتروا، فالأمر أمر الله تعالى وقضاؤه، فاصبروا وتصابروا، واستغفروا وتذاكروا، قال الله تبارك وتعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 107].
وأما رسالتنا إلى غثاء السيل،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)،فقال قائل:من قلة نحن يومئذ؟ قال: (بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن)، قيل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال:(حب الدنيا، وكراهية الموت). أما آن لكم أن تصحوا من سكركم وغفلتكم؟!، أما آن لكم أن تعوا حقيقة ما يدور من حولكم؟!، أما بان لكم اجتماع الأكلة من جميع الأمم عليكم؟!، أما رأيتم بأم أعينكم تسابقهم وتنافسهم لأكلكم وتضييعكم؟!، فلما رأوا منكم صمت القبور، تجرؤوا عليكم ونزعت المهابة من صدورهم تجاهكم، حتى أخذوا بأيدكم نحو الضياع والثبور، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم).فهذا هو ملخص الداء، وما لكم غير الجهاد دواء، ولقد جربتم السلم لسنوات طويلة، حتى أصبحتم خبراء سلم دون منازع، فماذا تنتظرون؟!،وماذا تتأملون؟!، بعد أن انكشفت لكم جميع الحقائق التي ذكرناها لكم قبل سنين،بأن طواغيت العرب المرتدين هم خدم لمشروع اليهود، وقد عمل بلاعمتهم من علماء الانبطاح تكذيب صريح القول الذي أشرنا إليه مرارا وتكرارا، فها هو جيش طاغوت الأردن، وها هو جيش فرعون مصر، قد سارعوا بالعمل على حماية حدود أسيادهم اليهود، لمجرد سماعهم بتوجه بعض الشباب إليها، فها قد بان كذب بلاعمتهم وحمير علمهم وخداعهم لكم، بعد أن ظننتم أن الطواغيت سينصرون قضية فلسطين ويأخذوا بثأر أهلها، وهنا لكم حق السؤال: أين أسراب طائرات ما يسمى "التحالف العربي" عن نصرة فلسطين، التي صبت نار حقدها بالأمس على المسلمين في الشام والعراق؟!،بزعمهم أننا عملاء لليهود، فإن كانت تلك حربهم على العملاء كما زعموا!،فأين هم اليوم عن قتال اليهود أنفسهم واستنقاذ أهل فلسطين منهم؟!، وأين طائرات دجال تركيا، التي قصفت بالأمس مدن ومناطق ريف حلب الشمالي عندما كانت تحت سلطان دولة الإسلام؟،أتدرون متى ستشارك طائرات كفر التحالف العربي؟عندما تجدون أجناد الخلافة يقاتلون اليهود في فلسطين، في ذلك الحين ستُصدر الأوامر من أسيادهم بالدفاع عن اليهود، فها هي الحقائق قد انجلت أمام عُمْي البصر والبصيرة، ولكن أكثركم للحق كارهون، قال الله تبارك وتعالى:{لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}[الزّخرف: 78]، وقال سبحانه: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}[يوسف: 103]. ويا للعجب من بعض الحثالات في فلسطين، يا للعجب لأمركم،أتستنكرون بالأمس من تطبيع طواغيت الخليج وأتباعهم ومطاياهم مع اليهود!،وأنتم اليوم أظهرتم تطبيعكم بكل بجاحة ووقاحة مع إيران الصفوية المجوسية،الطعانة اللعانة السبابة بعرض وصحب خير البرية -عليه الصلاة والسلام-؟!،أوَ بعد كل هذا تسألون عن سبب خذلانكم؟!،وتجرُّؤ كل من تاجر بكم وعمل على ظلمكم وقتلكم والتعدي على حرماتكم، فوالذي رفع السبع الطباق، لا تقوم لكم قائمة حتى تتوبوا وتؤوبوا وترجعوا لدينكم،فمن ابتغى العزة بغير الإسلام أذله الله العلي العزيز، فأي ذل بعد ذلكم!، وأي حال بعد حالكم!،فلم تعد القضية عندكم إلا قضية هتافات وتصفيق وتطبيل، ورفع صور هلكى الروافض عند بيت المقدس والترحم عليهم، والثناء على الحشود الرافضية في العراق الذين ساموا أهل السنة سوء العذاب.
وهنا نخاطب من بقي له عقل أو ألقى السمع وهو شهيد، الذين سلموا من فتنة موالاة الروافض وعبيدهم، نقول لهم: يا أهل فلسطين اعلموا أن الحق لا يسترد بالسلم والانبطاح،بل بالجهاد وبذل الدماء ونزف الجراح،فيا قومنا أفيقوا لحالكم، وتنبهوا لمآلكم، واصحوا من سباتكم وغفلتكم، وعودوا لرشدكم وصوابكم،وحق عليكم يا أهل فلسطين وجميع أهل الشام،أن تلعنوا فصائل صحوات العار، ما بقيت لكم باقية وشهدت عيونكم الدمار، فلقد أخروا زحف أجناد الخلافة عن نصرتكم وقتال اليهود، بعد أن باتوا حجر عثرة في طريقنا، فبالله عليكم، مَن العملاء الذين يعملون لليهود والصليبيين بالوكالة؟! وها قد بانت لكم حقيقة إخوان الشياطين،وفصائلهم المرتزقة في فلسطين، أوَ بعد كل هذا ترتجون النصر منهم؟!، فلا يغرنكم ما أطلقوه من قذائف وصواريخ، فما أطلقت تلبية لصرخاتكم أو لرفع الظلم عنكم، بل تلبية لنداء أسيادهم الفرس،وما هي إلا سياسة خصوم بينهم وبين اليهود، وإلا، فليس ظلم وبطش اليهود بكم وليد اليوم واللحظة، فلمَ لا تستمر تلك الصواريخ لاسترداد حقوقكم وما سلبه اليهود منكم،ولدفع شرهم عنكم؟! فها قد اتضحت لكم الحقائق وعاينت أعينكم الداء،فعلى كل صادق منكم أن يسعى لطلب الجهاد ورفع البلاء،وقتال فصائل إيران حمير الإخوان،واعلموا أن الموت الذي تفرون منه والله إنه ملاقيكم، فاحرصوا على بذل أرواحكم في سبيل الله رخيصة وأنتم في سوح القتال، مخضبين بالدماء عند النزال، لا في سوح السلم والانبطاح والإذلال.
وإننا نكرر نداءنا لصحوات الردة والعار، خلوا بيننا وبين النصيرية، خلوا بيننا وبين اليهود، أما كفاكم ما خذلتم به الموحدين؟، أما كفاكم ما صنعتم من أنفسكم عبيدا وأحذية ومطية لأجندات الداعمين؟، فيا فصائل الصحوات، خلوا بيننا وبين أسيادكم؛ كي نعتقكم منهم وتكونوا أحرارا من رقهم.
ورسالتنا إلى الحاقدين الطاعنين المتشدقين المتنطعين، من زعموا أنهم على الحق المبين: عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس في الفتن رجل آخذ بعنان فرسه أو قال برسن فرسه خلف أعداء الله يخيفهم ويخيفونه، أو رجل معتزل في باديته يؤدي حق الله تعالى الذي عليه).
فهذا توصيف لحال خير الناس إن أصابتهم الفتن، فما بالك يا من شرحتَ صدرك وأطلقت لسانك وقلمك وبنانك، وتجرأت بالطعن واللعن والهمز واللمز بالمجاهدين، ما بالكم، إذا أصابتكم الفتن لا تعرفون غير جماعة المسلمين لتطعنوا وتشوّهوا جهادها، وتسبوا أجنادها، أما كفاكم تخاذلكم وقعودكم عن نصرة دينكم؟! لكنه الباطل الذي زينتموه لأنفسكم ولمن سار خلفكم، قال الله تبارك وتعالى: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [فاطر: 8]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ لأن العاصي يعلم أنه عاص فيتوب، والمبتدع يحسب أن الذي يفعله طاعة فلا يتوب!"، وقد ذكر الله تعالى واصفا حال أهل النار: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} فأجابوا من جملة ما قالوا: { وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدّثرّ: 45].
فيا من تخوض مع الخائضين، وتطعن وتلعن بالموحدين، حتى تجرأت واستمرأت الطعن بمن سبقك في طريق الجهاد قبل قرابة العقدين من الزمان، والواحد منكم -في ذلك الوقت- لم يتم الرضاعة ولم يفصل بعد، واسمعوا ما قاله الله تعالى في كتابه العزيز: { لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ} [الأحزاب: 8].
فسبحان الله، سيسأل الصادق عن صدقه، فما بالكم يامن تفترون علينا الكذب، كيف سيكون حالكم وسؤالكم؟! وكيف ستجيبون المولى العظيم، فأعدوا لهذا السؤال جوابا، وتداركوا أنفسكم أيها المساكين قبل يوم الحساب، وكفوا شركم عن جهاد الموحدين، واحفظوا قدر أنفسكم أيها الصبية المارقين، فشتان بين رجال الدولة الذين يحملون هم الأمة، وبين الذكور الذين تحمل الأمة همهم.
ما ضرنا نبح الكلاب وفعلها
فالأُسد لا تخشى سوى الرحمن
أجناد دولتنا هلموا أقدِموا
لعداكم كونوا كما البركان
قد حار أهل الزيغ عن إيقافكم
كادوا لكم بمكائد الشيطان
وطلائع الإيمان تمضي ثابتة
تبغي الوصول لجنة الرحمن
قال الفضيل بن عياض -رحمه الله تعالى-: "عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين، وإياك وطريق الباطل، ولا تغتر بكثرة الهالكين، وكلما استوحشت في تفردك، فانظر إلى الرفيق السابق واحرص على اللحاق بهم، وغض الطرف عمن سواهم، فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا، وإذا صاحوا بك في طريق سيرك، فلا تلتفت إليهم، فإنك متى التفت إليهم أخذوك وعاقوك".
فيا رب نسألك من فضلك وكرمك وجودك، أن تربط على قلوبنا وتثبت أقدامنا، وألا تفارق أرواحنا أجسادنا إلا بشهادة في سبيلك ترضى بها عنا، مقبلين غير مدبرين، ثابتين غير مبدلين، قاهرين لعدوك مثخنين، ولسان الحال يقول لهم:
كالأسد في الميدان يوم لقائكم
كالصارم البتار فوق رقابكم
وختاما هذه بعض النصائح التي أذكر بها نفسي وإخواني المجاهدين، إياكم يا أجناد الخلافة، إياكم ثم إياكم من مأثمة الظنون وكذب الحديث، قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَقَاطَعُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا".
وتجنبوا الغيبة والنميمة، قال الله تبارك وتعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات: 12]. ولكم أن تتخيلوا بشاعة المنظر، أن يكون أحدكم فوق جثة أخيه ويأكل من لحمه، والدم يسيل من فمه، فبشاعة الغيبة كبشاعة ذلك المنظر، فلا تتهاونوا في أمركم سددكم الله تعالى.
وتصدقوا ولو بالقليل الميسور، قال الله تبارك وتعالى: { وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: 10]. فيقول المتمني عند طلبه تأخير الموت عنه (فأصّدق) ولم يذكر شيئا غير الصدقة؛ لما لها من أثر مبارك، وما قد ادخره الله تعالى عنده للمتصدقين، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ).
وإياكم ثم إياكم والظلم، احذروه وحذّروا منه واتقوه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الظُّلْمَ فإنَّ الظُّلْمَ ظُلُماتٌ يومَ القيامة)، فلا تظلموا أنفسكم وإخوانكم ومَن ولاكم الله تعالى أمرهم، وإننا نبرأ إلى الله تعالى من كل ظلم يقع بقصد أو دون قصد، فسارعوا وبادروا وأعطوا لكل ذي حق حقه قبل يوم الحساب {وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النّحل: 93].
ولا بد عليكم يا أجناد الخلافة، أن تدركوا مكانتكم، والنعم العظيمة التي أفاء الله تعالى بها عليكم دون غيركم، وأن تشكروه سبحانه وتعالى على نعمه الظاهرة والباطنة، ما علمتم منها وما لم تعلموا، شكرا لا يفارق الألسن والقلوب، ووالله لتكفي نعمة الهداية لو بقيت وحدها من النعم، فهي لو وضعت في كفة، وتقابلها الدنيا في كفة أخرى، لرجحت كفة الهداية؛ فالدنيا فانية بالية، والهداية موصلة لجنةٍ باقيةٍ عاليةٍ -بإذن الله تعالى-، فاحتسبوا الأجر يا أجناد الخلافة، وحسبنا أنكم لا تؤجرون فقط على جهادكم وقتالكم في سبيل الله تعالى، بل قد أجري للموحدين -بإذن الله تعالى- أجرا من أفواه الطاعنين، مَن يغتابكم ويسفّه أحلامكم، أو يطعن بجهادكم وعقيدتكم ومسيركم ومنامكم وبكل شيء في حياتكم، اعلموا أنكم ستؤجرون عليه -بإذن الله تعالى-، وسيؤخذ أجر ذلك منهم رغم أنوفهم.
وهذا تذكير لعامة المسلمين، وكل من سمع ما ذكرناه من كلام رب العالمين، قال المولى عزَّ وجلّ: {لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21]. فبالله عليكم، أتعدلون حجارة أو حصى صغيرة من ذلك الجبل الذي يقف خاشعا متصدعا من خشية الله وما نزل عليه من الذكر؟! فيا من خلقتم من ماء مهين، متى ستقفون خاشعين متصدعين، لأمر وخشية الله رب العالمين؟! {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التّكوير: 26 - 29].
وصلِّ اللهم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 291
الخميس 7 ذو القعدة 1442 هـ ...المزيد
تفريغ الكلمة الصوتية للمتحدّث الرّسمي للدّولة الإسلاميّة الشّيخ المهاجر أبي حمزة القرشيّ (حفظه الله تعالى) بعنوان:
{ وأَنتُمُ الأعلَونَ إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ }
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد:
قال الله تبارك وتعالى: {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحجّ: 15].
هذا إخبارٌ من الله تعالى أنه ناصر دينه ورسوله عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة، ومن حكمته سبحانه أن جعل تجديد أمر الدين على رأس كل زمان، رغم أنف الكافرين، ورغم مكر الماكرين، ورغم حقد الحاقدين، نعم، فليمْدد كل منكم أيها الطواغيت والصليبيون بسببٍ إلى السماء، ثم اقطعوا وانظروا، هل يُذهبن كيدكم ما تغيظون!، أم حسبتم أنّ بحربكم وبمكركم لنور الله تعالى ستطفئون!، وعن سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ستصدون!، أو على عباده الموحدين الذين حملوا الرسالة ستقضون!، كلا وربي، بل وكأنكم للماء بالغربال تجمعون، فهنا حملات فشلكم تطلقون، وهناك أجناد دولتنا لكم ولعبيدكم راصدون كامنون لقتالكم يتسابقون، فموتوا بغيظكم فما حسبتم أنفسكم وماذا تتأملون؟، موتوا بغيظكم وجددوا حسراتكم على ما أنفقتموه في حرب الله تعالى ورسوله وعباده الموحدين، موتوا بغيظكم واستمروا بمكركم، فأنتم تمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، أظننتم أن بوسعكم أن تمنعوا نصر الله تعالى وتصدوه عن عباده المؤمنين؟، موتوا بغيظكم كلما سمعتم بصولات الموحدين، موتوا بغيظكم، فها هي الدولة التي حاربتموها وصببتم على أجنادها جام حقدكم ونار غضبكم في العراق والشام وخراسان، قد صبّحتكم بفضل الله تعالى عملياتها في غرب ووسط إفريقية، وإنها الدولة التي كذبتموها، نعم، إنها الخلافة التي حاربتموها، وإنها رغم أنوفكم باقية بإذن الله تعالى شئتم أم أبيتم، فلقد غركم غروركم وكبركم، وظننتم أنكم بجبروتكم وطغيانكم ستقضون عليها وعلى أجنادها وأنصارها، فاعلموا أن دولة الإسلام اليوم على غير ما تظنون، وعلى خلاف ما تتأملون وتنتظرون.
حرِّضوا وكيدوا وامكروا
أُسْدُ الخلافة للمعالي شمَّروا
بجهادهم كلّ البرايا حيَّروا
لثباتهم تُصغي الجبال وتنظرُ
وها قد بذلتم كل ما بوسعكم لقتالنا، والصد عن سبيل ربنا، فما ازددنا بفضل الله تعالى إلا إصرارا وعزيمة وصلابة، فلن نبالي بجموع الكفر وأتباعه وأحزابه، ولا بجيوشه وجنده وكلابه، فأرعدوا وأزبدوا وهدِّدوا وتوعدوا، فوالله ما خرجنا إلا لنصرة دين الله القائل سبحانه في محكم التنزيل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمّد: 7].
فكيف لكم بقتالنا؟ والله تعالى بفضله ناصرنا ومثبت أقدامنا، وتكفي السنوات الماضية، أن تكون دليلا على ما نقول، فإننا بمعية الله تعالى نقاتل ونصول ونجول، وأما الظهور والانحسار، فما هو إلا امتحان واختبار من المولى العزيز الجبار، واصطفاء لعباده المؤمنين الأخيار، {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 140].
فلله دركم يا أجناد الخلافة، لله دركم أيها الغرباء، في زمن التيه والخذلان والضياع، ونخص منكم أجناد غرب ووسط إفريقية، بارك الله تعالى فيكم وفي جهادكم، وجزاكم الرحمن عنا وعن المسلمين خير الجزاء، كنتم خير من لبى النداء، فأتاكم النصر والتأييد من رب السماء، فاحمدوا الله الكريم يا أجناد الخلافة على نعمه التي غمرتكم وشفت صدور قوم مؤمنين، قال الله تبارك وتعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]. فاحمدوا الله الكريم على نعمه، واعلموا وفقكم الله، أننا لا حول لنا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فلا تغتروا بما فتح الله تعالى عليكم، وتبرأوا من حولكم وقوتكم، وجددوا نواياكم، وأصلحوا طواياكم، وتواضعوا لمن حولكم، وكونوا درعا للمسلمين، وارفعوا عنهم ظلم الطغاة الحاقدين.
وإلى عامة المسلمين في غرب ووسط إفريقية: التفوا حول دولتكم وإمامكم وإخوانكم المجاهدين، وكونوا خير معين لنصرة وتحكيم شرع رب العالمين، وليكن لكم ما حصل لإخوانكم في العراق والشام درسا لم ولن يتكرر، بعد أن تخاذل الكثير منهم وتثاقلوا عن نصرة دينهم ودولتهم، حتى أتاهم اليوم من يسومهم ودينهم وأعراضهم وذراريهم وأموالهم سوء العذاب، بعد أن عاشوا مكرّمين منعّمين آمنين مطمئنين في أرض الخلافة، فسارِعوا وسابقوا والتحقوا بدولتكم وانصروها، وأرهبوا عدو الله وعدوكم، قال الله تبارك وتعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60].
فلا تتخاذلوا عن نصرة دينكم ومِن حمل لواء التوحيد، وإن الدولة تفتح أبوابها لكل من يبغي الجهاد؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24]. فاستجيبوا لله تعالى وتمسكوا بحبله المتين، ولا تلتفتوا إلى أقوال المخذلين، واحذروا مكر الطاعنين المنافقين، واسعوا للنفير، فما بقي وقت للتبرير والتنظير.
وإلى الولاة الأفاضل في غرب ووسط إفريقية -سددكم الله تعالى-، نبلغكم سلام ووصية الشيخ أمير المؤمنين -حفظه الله تعالى-، يوصيكم برأس الأمر تقوى الله العظيم وطاعته سبحانه فيما آتاكم وفتح على أيديكم، وأن تسعوا في ردّ الحقوق إلى أهلها وأن تأخذوا حق كل مظلوم تجرأ الطغاة على حقه، وأن لا تفتر عزائمكم، وأن تواصلوا جهاد عدوكم، وأن تستغلوا الفرص وتكثفوا الغزوات، ويثني الشيخ على عملكم المبارك في تطبيق ما أمر الله تعالى به: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحجّ: 41].
وكما نثني على عملكم المبارك باستئصال ووأد فتنة الخوارج، ونحمد الله الكريم أن وفّق من كان سائرا خلفهم بالعودة لجادة الصواب، وإننا والله لندعو لهم بالهداية، أن يعودوا لجماعة المسلمين تاركين خلفهم طرق التيه والضياع والغواية، وأن يلتفوا حول إمام المسلمين الشيخ المجاهد أبي إبراهيم الهاشمي -حفظه الله-، ولقد فرحنا كثيرا بخبر بيعتهم، ونبلغهم أن أمير المؤمنين قبل بيعتهم ويخصهم بالسلام، ويوصيهم بالثبات على أمر دينهم، وأن لا يكونوا أداة لكل صاحب هوى وبدعة، وأن يتقوا الله تعالى في أنفسهم، وأن لا يعطوا الدنية في دينهم، وعليهم أن يبلوا بلاء حسنا في قتال جيوش الطواغيت، ليعوّضوا ما خسروه من أيام قد أضاعوها في اتباع الفتن والخوض في الشبهات، وهنا نود الإشارة، بأن هذا -بفضل الله تعالى- أكبر بيان وبرهان، على صحة طريق الدولة الإسلامية وبراءتها من انحراف وضلال المرجئة والغلاة منذ تأسيسها وإلى يومنا هذا، وأنها على منهاج النبوة -بإذن الله تعالى- لن تزيد ولن تحيد، وإن الدولة -بفضل الله تعالى- شامخة راسخة كالجبال، ما أثرت فيها رياح وأعاصير الفتن والمحن أو استمرار المعارك والقتال، باقية على منهجها، موقنة بنصر ربها، لن تحابي أحدا أو تداهن، قدم القادة فيها والأجناد أرواحهم ودماءهم رخيصة في سبيل نصرة دين الله تعالى وإعلاء كلمته سبحانه، فللدين خطوط حمراء، نرخص من أجلها الأرواح وتتناثر الأشلاء وتسال الدماء.
وكما نثني على عمل أجناد الخلافة المبارك في ولايات العراق والشام وسيناء وخراسان والصومال وليبيا وباكستان والهند، ونخص آساد الخلافة في ولاية العراق على ما بذلوه في بغداد وشمالها وجنوبها، وصلاح الدين والأنبار وديالى، وكركوك ونينوى والجزيرة، لله دركم يا أباة الضيم، يا مَن حيرتم الرافضة وجعلتموهم مستنفرين طوال حياتهم، وقد فقدوا -بفضل الله تعالى- آمالهم وباتوا يصرّحون بعجزهم وفشلهم عن إيقاف عملياتكم المباركة، والمتكابر منهم من لا يريد الاعتراف بمرارة ما لاقوه على أيديكم خلال الأيام الماضية؛ لم يكن بوسعه إلا أن يطلق حملات فشلهم لتمشيط الصحاري والبراري، فاعلموا يا رافضة العراق، لو كان ما تسعون إليه ممكنا لفعله أسيادكم الأمريكان قبلكم، ولئن تُخففوا الضغط على أهل الزراعة والفلاحة، وتدفعوا جيشكم وحشودكم لحرث الصحاري وحصد الزروع، بدلا من تضييع وقتكم في ملاحقة الموحدين بالآليات والدروع، فانشغلوا بأنفسكم يا رافضة ويا حشود، وجنّبوا طيش أنفسكم عرين وأفعال الأسود، ومن شدة إفلاسكم، بتّم ترون حصولكم على قطعة قماش أو حديد بالية هنا أو هناك، نصرا تعلنون عنه في الفضائيات، وتحضّرون من أجله اللقاءات، وتعقد عليه الاجتماعات والندوات، فما أحمقكم، فنقول لكم: ارجعوا لجحوركم، وجهزوا نعوشكم، واحفروا قبوركم، وأعدوا ملاطمكم، فما أن تعلنوا عن بدء انطلاق إحدى حملات فشلكم الجديدة، إلا ويليها إعلانكم عن دخولكم الطوارئ والإنذار، ثم يليها البؤس والدمار، وتناثر الأشلاء وتطاير الرؤوس كالأحجار، وإننا نعدكم بالمزيد، ولنجري من دمائكم النجسة -بإذن الله- أنهارا من جديد.
وأما أنتم يا حشود العشائر، يا من تشتهون العيش تحت المقابر، أما كفاكم ما حل بأسلافكم من صحوات العراق، أن يكونوا لكم عبرة وعظة، أوَ تظنون بأنكم أشد بأسا منهم أو من أسيادهم وداعميهم، فوفروا نصائحكم لأنفسكم وأسلافكم اليوم، قبل أن تقعوا غدا بأيدينا وتبدؤوا حينها بالنصح والتذكير، لمن يرى أو يسمع مصيركم المعلوم العسير، فلا تخدعوا أنفسكم بأنكم في مأمن من أسيافنا، بل إننا لنؤخّر اقتحام بيوتكم مرات ومرات، عسى أن ترجعوا وتتوبوا قبل أن نقدر عليكم وترونا على فرشكم وفوق رؤوسكم، فلا ينفعكم حينها البكاء والندم، أوَ ما سمعتم ما قاله الله تعالى في سورة القلم: {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}.
وإلى أسد البوادي في ولاية الشام، لله دركم من رجال، تعجز الكلمات عن وصفكم ولو كتبنا لذلك ألف مقال، يا من أرغمتم أنف النصيرية، وأحلافهم وحشودهم من الروس وإيران الصفوية، وقد خابت -بفضل الله تعالى- حملاتهم وفتحت عليهم أبوابا من الاستنزاف والجحيم، بعد أن ظنوا أنهم خارجون نحوكم نزهة وزيادة خير ونعيم، حتى بلغ بهم الحال من هول ما رأوه، أنهم -بفضل الله تعالى- لا يجرؤون على السير والعبور إلا وفوق رؤوسهم الطائرات، أو تحيط أرتالهم الدبابات، وكذلك نثني على العمليات المباركة لآساد المفارز الأمنية في الخير والبركة والرقة وحلب، وتسطيرهم الملاحم في تصفية وقتل قادة الملاحدة وفصائل الصحوات، وإننا نعزم ونشد عليكم يا كماة بقتل واستئصال خبث عمائم السوء ومشايخ العار، المتسلقين على أظهر العشائر، الذين ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون، أن تشردوا بهم من خلفهم، قال الله تبارك وتعالى: {الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ * فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأنفال: 56 - 57].
فلقد عزمنا عليكم يا أجناد الخلافة في الرقة والخير والبركة أن ترونا فيهم القتل والبؤس والدمار، اقتلوهم في الطرقات، أو ادخلوا عليهم بيوتهم وأروهم بأس الاقتحامات، واجعلوهم يتمنون الموت ولا يجدونه، فلقد باعوا دينهم وأعراضهم لملاحدة الأكراد بالأمس، واليوم حرَّضوا على انتخاب طاغوت النصيرية، فيا للعجب من أمرهم، أينتخبون ويحرضون على انتخاب من قتل أولادهم واغتصب نساءهم؟! وسلب خيراتهم ودمر مدنهم وقراهم، فما قرأنا في التاريخ من هو أشد منهم خسة ونذالة!
وإلى آساد الخلافة في ولاية سيناء العز والثبات، أرض الملاحم والبطولات، نعم الحصاد حصادكم سقط على إثره القادات، ودمرت فيه الثكنات، وسالت دماء الصحوات، فواصلوا المسير، فإن جيش فرعون مصر لا يقل سوءا عن جيش الرافضة في العراق، بعد أن فتحوا على أنفسهم قائمة طويلة من الاستنزاف لقادتهم وضباطهم وآلياتهم وأموالهم قبل جنودهم الذين أعدوهم للمحرقة والمهلكة دون مبالاة، وإننا نعزم عليكم يا آساد الخلافة في سيناء أن توسعوا وتمدوا عملياتكم المباركة إلى داخل المدن، وأن تجهزوا مفارز للكواتم واللاصقات، للعمل على تصفية رؤوس الضباط والاستخبارات، واجعلوا لعملياتكم هذه نفسا طويلا، ولا تستعجلوا قطف ثمارها.
وإلى آساد الخلافة في ولاية خراسان، شدوا العزائم والهمم ونغصوا عيش الروافض المشركين وطالبان المرتدين، كما نوصيكم بانتقاء أهداف أشد وأنكى برأس حكومة الطاغوت ومفاصلها، فإذا مكنكم الله تعالى من رأس الأفعى سقط ذيلها وكل ما عليها.
وكما نثني على العملية المباركة لآساد الخلافة في ولاية ليبيا، فهذه بداية انطلاق الشرارة، فأتبعوها غارة إثر غارة.
فيا أجناد الخلافة في كل مكان، لا تهنوا ولا تحزنوا لاجتماع ملل الكفر عليكم، فأنتم الأعلون -بإذن الله تعالى- إن ثبتم على إيمانكم وواصلتم مسير جهادكم، فما كان العلو يوما مقرونا بالتمكين، قال الله تبارك وتعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].
لم يقل سبحانه إن كنتم ممكنين أو في الأرض ظاهرين، بل قال عز شأنه إن كنتم مؤمنين، فنحن الأعلون بإيماننا، ونحن الأعلون باتباع أمر ربنا وهدي نبينا -عليه الصلاة والسلام-، فطوبى لكم أيها الغرباء إن تمسكتم بإيمانكم، والسعي في إقامة شرع ربكم، فمنه سبحانه وحده العون والسداد، فكونوا لدولتكم ونصرة دينكم خير أجناد، وكونوا كالجبال الراسيات، كالأسد في الميدان لا تخشى الممات، واستشعروا خشية الرحمن، تنالوا مالم يكن في الحسبان، واعلموا أن أقدار الله تبارك وتعالى إذا حانت، فكما ينزل المطر من السماء، لا يقدر أحد صده أو منعه، فتيقنوا أن الأمر كله بيد الله العظيم، وأن النصر من عنده سبحانه وحده.
واعلموا يا من تحاربون الدولة بمختلف أسمائكم وأشكالكم، أن حربها -بفضل الله تعالى- قد أنهكتكم، وستنتهون عن كذب انتصاراتكم المزعومة التي لكم سنوات خلف سرابها تلهثون، فلقد أنهكتم جيوشكم التي هنا تطلقون، ومن هناك أذيال خيب تجرون، وحسرات عليها تتجرعون، وقلوبكم تتفطر لصولاتنا وما عنها من أخبار تسمعون، وحرب جعلتكم تائهون حائرون خائرون مرعوبون، هنا ماذا تفعلون؟، وهناك ماذا تنفقون؟!، كلا وربي ولو بعد حين ستغلبون، قال الله تبارك وتعالى: {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: 12].
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى-: من ظن أن الباطل سينتصر على الحق، فقد أساء الظن بالله تعالى.
ما بالكم والأُسْد تقتحم الغمار
تبغي هدى الرحمن أنْ يعلو الديار
أيخيفهم أجناد طاغوت وعار
إنْ عاودوا عدنا إليهم بالدمار
ونكرر نداءنا إلى كافة الولايات دون استثناء، ونخص منهم ولايتي العراق والشام، بأن الشيخ أمير المؤمنين -حفظه الله تعالى- قد عزم عليكم أن تبذلوا كل ما بوسعكم لتدمير أسوار السجون، وفكاك أسرى المسلمين من سجون الملاحدة والمرتدين، فلا تدخروا وسعا في ذلك، واستعينوا على قضاء حوائجكم بالسر والكتمان، ولا تفشوا أسرار عملكم إلا لمن لزمه الأمر، من أجل التنفيذ واتخاذ ساعة الصفر، كما نعزم عليكم يا أجناد الخلافة أن تشدوا وطأتكم على القضاة والمحققين انتقاما لأسرانا، ونعلمكم أن الشيخ أمير المؤمنين قد رصد مكافآت مالية لكل من يمكنه الله تعالى من قطف رؤوس طغاة القضاء، والجزارين من المحققين، فاستعينوا بالله تعالى وارصدوا أهدافكم، واستخيروه سبحانه ثم شاوروا إخوانكم، وإذا عزمتم فتوكلوا على الله العظيم، وإذا نزلتم بساحتهم فانزلوها ببأس وجحيم.
وإلى أحبتنا وقرة عيوننا إخواننا الأسرى في كل مكان، نعلم أن فكاك أسركم واجب شرعي علينا، وأنه دين في أعناقنا ما حيينا، وأن إخوانكم قد سعوا لذلك ما أمكنهم، فاعلموا أن الأمر كله بيد الله العظيم، إذا أراد سبحانه أمرا قال له كن فيكون، فيا أحبتنا وقرة عيوننا كونوا كما عهدناكم، رجالا مؤمنين بأقدار الله تعالى خيرها وشرها، ولا تجزعوا أو تفتروا، فالأمر أمر الله تعالى وقضاؤه، فاصبروا وتصابروا، واستغفروا وتذاكروا، قال الله تبارك وتعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 107].
وأما رسالتنا إلى غثاء السيل،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)،فقال قائل:من قلة نحن يومئذ؟ قال: (بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن)، قيل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال:(حب الدنيا، وكراهية الموت). أما آن لكم أن تصحوا من سكركم وغفلتكم؟!، أما آن لكم أن تعوا حقيقة ما يدور من حولكم؟!، أما بان لكم اجتماع الأكلة من جميع الأمم عليكم؟!، أما رأيتم بأم أعينكم تسابقهم وتنافسهم لأكلكم وتضييعكم؟!، فلما رأوا منكم صمت القبور، تجرؤوا عليكم ونزعت المهابة من صدورهم تجاهكم، حتى أخذوا بأيدكم نحو الضياع والثبور، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم).فهذا هو ملخص الداء، وما لكم غير الجهاد دواء، ولقد جربتم السلم لسنوات طويلة، حتى أصبحتم خبراء سلم دون منازع، فماذا تنتظرون؟!،وماذا تتأملون؟!، بعد أن انكشفت لكم جميع الحقائق التي ذكرناها لكم قبل سنين،بأن طواغيت العرب المرتدين هم خدم لمشروع اليهود، وقد عمل بلاعمتهم من علماء الانبطاح تكذيب صريح القول الذي أشرنا إليه مرارا وتكرارا، فها هو جيش طاغوت الأردن، وها هو جيش فرعون مصر، قد سارعوا بالعمل على حماية حدود أسيادهم اليهود، لمجرد سماعهم بتوجه بعض الشباب إليها، فها قد بان كذب بلاعمتهم وحمير علمهم وخداعهم لكم، بعد أن ظننتم أن الطواغيت سينصرون قضية فلسطين ويأخذوا بثأر أهلها، وهنا لكم حق السؤال: أين أسراب طائرات ما يسمى "التحالف العربي" عن نصرة فلسطين، التي صبت نار حقدها بالأمس على المسلمين في الشام والعراق؟!،بزعمهم أننا عملاء لليهود، فإن كانت تلك حربهم على العملاء كما زعموا!،فأين هم اليوم عن قتال اليهود أنفسهم واستنقاذ أهل فلسطين منهم؟!، وأين طائرات دجال تركيا، التي قصفت بالأمس مدن ومناطق ريف حلب الشمالي عندما كانت تحت سلطان دولة الإسلام؟،أتدرون متى ستشارك طائرات كفر التحالف العربي؟عندما تجدون أجناد الخلافة يقاتلون اليهود في فلسطين، في ذلك الحين ستُصدر الأوامر من أسيادهم بالدفاع عن اليهود، فها هي الحقائق قد انجلت أمام عُمْي البصر والبصيرة، ولكن أكثركم للحق كارهون، قال الله تبارك وتعالى:{لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}[الزّخرف: 78]، وقال سبحانه: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}[يوسف: 103]. ويا للعجب من بعض الحثالات في فلسطين، يا للعجب لأمركم،أتستنكرون بالأمس من تطبيع طواغيت الخليج وأتباعهم ومطاياهم مع اليهود!،وأنتم اليوم أظهرتم تطبيعكم بكل بجاحة ووقاحة مع إيران الصفوية المجوسية،الطعانة اللعانة السبابة بعرض وصحب خير البرية -عليه الصلاة والسلام-؟!،أوَ بعد كل هذا تسألون عن سبب خذلانكم؟!،وتجرُّؤ كل من تاجر بكم وعمل على ظلمكم وقتلكم والتعدي على حرماتكم، فوالذي رفع السبع الطباق، لا تقوم لكم قائمة حتى تتوبوا وتؤوبوا وترجعوا لدينكم،فمن ابتغى العزة بغير الإسلام أذله الله العلي العزيز، فأي ذل بعد ذلكم!، وأي حال بعد حالكم!،فلم تعد القضية عندكم إلا قضية هتافات وتصفيق وتطبيل، ورفع صور هلكى الروافض عند بيت المقدس والترحم عليهم، والثناء على الحشود الرافضية في العراق الذين ساموا أهل السنة سوء العذاب.
وهنا نخاطب من بقي له عقل أو ألقى السمع وهو شهيد، الذين سلموا من فتنة موالاة الروافض وعبيدهم، نقول لهم: يا أهل فلسطين اعلموا أن الحق لا يسترد بالسلم والانبطاح،بل بالجهاد وبذل الدماء ونزف الجراح،فيا قومنا أفيقوا لحالكم، وتنبهوا لمآلكم، واصحوا من سباتكم وغفلتكم، وعودوا لرشدكم وصوابكم،وحق عليكم يا أهل فلسطين وجميع أهل الشام،أن تلعنوا فصائل صحوات العار، ما بقيت لكم باقية وشهدت عيونكم الدمار، فلقد أخروا زحف أجناد الخلافة عن نصرتكم وقتال اليهود، بعد أن باتوا حجر عثرة في طريقنا، فبالله عليكم، مَن العملاء الذين يعملون لليهود والصليبيين بالوكالة؟! وها قد بانت لكم حقيقة إخوان الشياطين،وفصائلهم المرتزقة في فلسطين، أوَ بعد كل هذا ترتجون النصر منهم؟!، فلا يغرنكم ما أطلقوه من قذائف وصواريخ، فما أطلقت تلبية لصرخاتكم أو لرفع الظلم عنكم، بل تلبية لنداء أسيادهم الفرس،وما هي إلا سياسة خصوم بينهم وبين اليهود، وإلا، فليس ظلم وبطش اليهود بكم وليد اليوم واللحظة، فلمَ لا تستمر تلك الصواريخ لاسترداد حقوقكم وما سلبه اليهود منكم،ولدفع شرهم عنكم؟! فها قد اتضحت لكم الحقائق وعاينت أعينكم الداء،فعلى كل صادق منكم أن يسعى لطلب الجهاد ورفع البلاء،وقتال فصائل إيران حمير الإخوان،واعلموا أن الموت الذي تفرون منه والله إنه ملاقيكم، فاحرصوا على بذل أرواحكم في سبيل الله رخيصة وأنتم في سوح القتال، مخضبين بالدماء عند النزال، لا في سوح السلم والانبطاح والإذلال.
وإننا نكرر نداءنا لصحوات الردة والعار، خلوا بيننا وبين النصيرية، خلوا بيننا وبين اليهود، أما كفاكم ما خذلتم به الموحدين؟، أما كفاكم ما صنعتم من أنفسكم عبيدا وأحذية ومطية لأجندات الداعمين؟، فيا فصائل الصحوات، خلوا بيننا وبين أسيادكم؛ كي نعتقكم منهم وتكونوا أحرارا من رقهم.
ورسالتنا إلى الحاقدين الطاعنين المتشدقين المتنطعين، من زعموا أنهم على الحق المبين: عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس في الفتن رجل آخذ بعنان فرسه أو قال برسن فرسه خلف أعداء الله يخيفهم ويخيفونه، أو رجل معتزل في باديته يؤدي حق الله تعالى الذي عليه).
فهذا توصيف لحال خير الناس إن أصابتهم الفتن، فما بالك يا من شرحتَ صدرك وأطلقت لسانك وقلمك وبنانك، وتجرأت بالطعن واللعن والهمز واللمز بالمجاهدين، ما بالكم، إذا أصابتكم الفتن لا تعرفون غير جماعة المسلمين لتطعنوا وتشوّهوا جهادها، وتسبوا أجنادها، أما كفاكم تخاذلكم وقعودكم عن نصرة دينكم؟! لكنه الباطل الذي زينتموه لأنفسكم ولمن سار خلفكم، قال الله تبارك وتعالى: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [فاطر: 8]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ لأن العاصي يعلم أنه عاص فيتوب، والمبتدع يحسب أن الذي يفعله طاعة فلا يتوب!"، وقد ذكر الله تعالى واصفا حال أهل النار: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} فأجابوا من جملة ما قالوا: { وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدّثرّ: 45].
فيا من تخوض مع الخائضين، وتطعن وتلعن بالموحدين، حتى تجرأت واستمرأت الطعن بمن سبقك في طريق الجهاد قبل قرابة العقدين من الزمان، والواحد منكم -في ذلك الوقت- لم يتم الرضاعة ولم يفصل بعد، واسمعوا ما قاله الله تعالى في كتابه العزيز: { لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ} [الأحزاب: 8].
فسبحان الله، سيسأل الصادق عن صدقه، فما بالكم يامن تفترون علينا الكذب، كيف سيكون حالكم وسؤالكم؟! وكيف ستجيبون المولى العظيم، فأعدوا لهذا السؤال جوابا، وتداركوا أنفسكم أيها المساكين قبل يوم الحساب، وكفوا شركم عن جهاد الموحدين، واحفظوا قدر أنفسكم أيها الصبية المارقين، فشتان بين رجال الدولة الذين يحملون هم الأمة، وبين الذكور الذين تحمل الأمة همهم.
ما ضرنا نبح الكلاب وفعلها
فالأُسد لا تخشى سوى الرحمن
أجناد دولتنا هلموا أقدِموا
لعداكم كونوا كما البركان
قد حار أهل الزيغ عن إيقافكم
كادوا لكم بمكائد الشيطان
وطلائع الإيمان تمضي ثابتة
تبغي الوصول لجنة الرحمن
قال الفضيل بن عياض -رحمه الله تعالى-: "عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين، وإياك وطريق الباطل، ولا تغتر بكثرة الهالكين، وكلما استوحشت في تفردك، فانظر إلى الرفيق السابق واحرص على اللحاق بهم، وغض الطرف عمن سواهم، فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا، وإذا صاحوا بك في طريق سيرك، فلا تلتفت إليهم، فإنك متى التفت إليهم أخذوك وعاقوك".
فيا رب نسألك من فضلك وكرمك وجودك، أن تربط على قلوبنا وتثبت أقدامنا، وألا تفارق أرواحنا أجسادنا إلا بشهادة في سبيلك ترضى بها عنا، مقبلين غير مدبرين، ثابتين غير مبدلين، قاهرين لعدوك مثخنين، ولسان الحال يقول لهم:
كالأسد في الميدان يوم لقائكم
كالصارم البتار فوق رقابكم
وختاما هذه بعض النصائح التي أذكر بها نفسي وإخواني المجاهدين، إياكم يا أجناد الخلافة، إياكم ثم إياكم من مأثمة الظنون وكذب الحديث، قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَقَاطَعُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا".
وتجنبوا الغيبة والنميمة، قال الله تبارك وتعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات: 12]. ولكم أن تتخيلوا بشاعة المنظر، أن يكون أحدكم فوق جثة أخيه ويأكل من لحمه، والدم يسيل من فمه، فبشاعة الغيبة كبشاعة ذلك المنظر، فلا تتهاونوا في أمركم سددكم الله تعالى.
وتصدقوا ولو بالقليل الميسور، قال الله تبارك وتعالى: { وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: 10]. فيقول المتمني عند طلبه تأخير الموت عنه (فأصّدق) ولم يذكر شيئا غير الصدقة؛ لما لها من أثر مبارك، وما قد ادخره الله تعالى عنده للمتصدقين، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ).
وإياكم ثم إياكم والظلم، احذروه وحذّروا منه واتقوه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الظُّلْمَ فإنَّ الظُّلْمَ ظُلُماتٌ يومَ القيامة)، فلا تظلموا أنفسكم وإخوانكم ومَن ولاكم الله تعالى أمرهم، وإننا نبرأ إلى الله تعالى من كل ظلم يقع بقصد أو دون قصد، فسارعوا وبادروا وأعطوا لكل ذي حق حقه قبل يوم الحساب {وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النّحل: 93].
ولا بد عليكم يا أجناد الخلافة، أن تدركوا مكانتكم، والنعم العظيمة التي أفاء الله تعالى بها عليكم دون غيركم، وأن تشكروه سبحانه وتعالى على نعمه الظاهرة والباطنة، ما علمتم منها وما لم تعلموا، شكرا لا يفارق الألسن والقلوب، ووالله لتكفي نعمة الهداية لو بقيت وحدها من النعم، فهي لو وضعت في كفة، وتقابلها الدنيا في كفة أخرى، لرجحت كفة الهداية؛ فالدنيا فانية بالية، والهداية موصلة لجنةٍ باقيةٍ عاليةٍ -بإذن الله تعالى-، فاحتسبوا الأجر يا أجناد الخلافة، وحسبنا أنكم لا تؤجرون فقط على جهادكم وقتالكم في سبيل الله تعالى، بل قد أجري للموحدين -بإذن الله تعالى- أجرا من أفواه الطاعنين، مَن يغتابكم ويسفّه أحلامكم، أو يطعن بجهادكم وعقيدتكم ومسيركم ومنامكم وبكل شيء في حياتكم، اعلموا أنكم ستؤجرون عليه -بإذن الله تعالى-، وسيؤخذ أجر ذلك منهم رغم أنوفهم.
وهذا تذكير لعامة المسلمين، وكل من سمع ما ذكرناه من كلام رب العالمين، قال المولى عزَّ وجلّ: {لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21]. فبالله عليكم، أتعدلون حجارة أو حصى صغيرة من ذلك الجبل الذي يقف خاشعا متصدعا من خشية الله وما نزل عليه من الذكر؟! فيا من خلقتم من ماء مهين، متى ستقفون خاشعين متصدعين، لأمر وخشية الله رب العالمين؟! {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التّكوير: 26 - 29].
وصلِّ اللهم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 291
الخميس 7 ذو القعدة 1442 هـ ...المزيد
الانسحاب الأمريكي من خراسان أعلنت أمريكا الصليبية أنها أتمت ما يزيد عن خمسين بالمئة من عملية ...
الانسحاب الأمريكي من خراسان
أعلنت أمريكا الصليبية أنها أتمت ما يزيد عن خمسين بالمئة من عملية سحب قواتها من أفغانستان ضمن بنود "اتفاق السلام" الذي أبرمه الصليبيون والمرتدون في "الدوحة" قِبلة الفصائل والحركات المدجّنة، مقابل تعهّد والتزام ميليشيا طالبان المرتدة بضمانات أمنية تُحقق الهدف الذي غزت أمريكا لأجله أفغانستان، فما هذا الهدف؟
لقد غزت أمريكا أرض أفغانستان وجاءت من خلف البحار بحدّها وحديدها بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وبرّرت غزوها بأن أفغانستان كانت "ملاذا آمنا" لتخطيط وشنّ هجمات كبرى تستهدف المصالح الأمريكية خارج أفغانستان، وهو ما لم تتوقف أمريكا طوال العشرين سنة الماضية عن الحديث بشأنه، بينما لم تتوقف طالبان اليوم عن طمأنة أمريكا والدول الصليبية أنها ستمنع حدوثه مجددا، ولذلك لم يكن مصادفة أن تختار أمريكا "الذكرى العشرين" للهجمات موعدا لإتمام الانسحاب.
وإن ما تعهدت به طالبان المرتدة لأمريكا الصليبية أخطر في تفاصيله مما اشتهر، فإضافة إلى تعهدها ب"عدم السماح لأي فرد أو جماعة بتهديد أمن واستقرار أمريكا وحلفائها"، وأن من يفعل ذلك "لا مقام له في أفغانستان"؛ فإن الاتفاق ينص أيضا على أن تقوم طالبان ب"بمنعهم من التجنيد والتدريب، وجمع التبرعات والمساعدات"، بل "تتعهد طالبان بأنها لن تعطي لمن يُهدد أمن الولايات المتحدة الأمريكية، التأشيرة والجواز أو وثيقة السفر ليدخل أفغانستان"، وهنا نلاحظ أن بنود الاتفاق تفترض أن طالبان ستصل إلى الحكم وستكون قادرة على التحكم في أمور السفر والعبور، ما يعني أنها حكومة أو جزء من حكومة ومع ذلك وقعت أمريكا على الاتفاق، ما يؤكد أن وصول الميليشيا إلى الحكم لا يشكل خطرا على أمريكا إن لم يكن مصلحة أمريكية.
وترى أمريكا الصليبية أنها حققت أهداف غزوها لأفغانستان بضمان عدم مهاجمة مصالحها، وضمان أن لا يكون هناك أي نواة حقيقية لحكم إسلامي يطبّق الشريعة الإسلامية ويواصل الجهاد.
وقد يقول قائل إن طالبان تُصر على أنها تسعى لإقامة ما تسميه "النظام الإسلامي المستقل". فهل يظن عاقل أن طالبان تقصد بذلك إقامة الشريعة الإسلامية التي من أجلها غزت أمريكا خراسان ودكت العراق والشام وسرت بأطنان القنابل وأمهات الصواريخ؟!، فهذه إيران الرافضية التي تسميها طالبان ب"الجمهورية الإسلامية" تصف نفسها بأنها "نظاما إسلاميا"! وتلك فصائل الإخوان المرتدين التي وصلت إلى الحكم في بعض الدول توصف بأنها "حكومات إسلامية" وحتى طواغيت آل سلول يعتبرون حكمهم حكما إسلاميا!
إن وصول طالبان إلى الحكم يعني التزامها بكل المواثيق والمفرزات الناجمة عن عملية السلام في "الدوحة"، فهل يوجد في اتفاقيات "الدوحة" غير الإيمان بالديمقراطية؟!
إن أمريكا لم توقع على الاتفاق مع طالبان إلا بعد ضمان تحقق مصالحها، فهل في مصالح أمريكا إقامة حكم الإسلام؟! وإن أردت أن تعرف الفرق بين "النظام الإسلامي" الذي تزعمه طالبان اليوم وبين حكم الإسلام الذي أقامته الدولة الاسلامية فانظر كيف تحزبت واجتمعت الحكومات الصليبية والمرتدة على إسقاط حكم الدولة الإسلامية في مناطق سيطرتها في العراق والشام وليبيا وسيناء وغيرها، بينما هم أنفسهم يفتحون الفنادق والسفارات اليوم لتمكين طالبان من الحكم لا منعها منه.
إن أمريكا تنسحب اليوم من خراسان وهي لا تخشى من سيطرة طالبان على الحكم لأنها تعلم إن تم ذلك فلن يكون إسلاميا على منهاج النبوة، ولن يستدعي تحالفا كفريا دوليا كالذي حشدته للقضاء على حكم الشريعة في الدولة الإسلامية، بل إن بعض القادة الأمريكيين صرحوا أنهم يتوقعون سقوط الجيش الأفغاني في غضون عام أو عامين بعد الانسحاب ومع ذلك تواصل أمريكا سحب قواتها غير آبهة بذلك، فلا ضير عندها أن تنتقل مهمة الجيش الأفغاني المرتد إلى ميليشيا طالبان فتصبح هي الحارس الأمني لمصالح أمريكا وحلفائها، ومرتدو تنظيم القاعدة جاهزون للترقيع باسم المصلحة والسياسة التي يصفونها ب"الشرعية" والشرع منها ومنهم براء.
وبخصوص الأسباب الحقيقية للانسحاب الأمريكي وتوقيته، فلا شك أن تكلفة الحرب وخسائرها وطول أمدها هو أحد أهم أسباب الانسحاب كما وصفها الطاغوت الأمريكي الجديد بقوله: "حان الوقت لإنهاء أطول حروب أمريكا".
ومن أبرز الأسباب أيضا، توسع وانتشار الجهاد الذي قادته الدولة الإسلامية في مناطق مختلفة من العالم فشتّتت به جهود الصليبيين في حربهم على الإسلام، حيث اعترف الطاغوت الأمريكي بأن "التهديدات الإرهابية أصبحت أكثر تشعبا، وانتشرت في جميع أنحاء العالم في سوريا والعراق وإفريقية وآسيا"، واعتبر أنه "من غير المنطقي تركيز القوات الأمريكية في أفغانستان عندما تكون التهديدات موجودة في أماكن أخرى".
ومع ذلك، فإن أمريكا لن تبتعد كثيرا عن أفغانستان بحسب تصريح أكثر قادتها، وستعمد إلى التموضع في قواعد بديلة أو إنشاء قواعد جديدة في دول قريبة كالخليج مثلا، لتكون قواعد انطلاق لقواتها الجوية للتصدي لأي خطر قد يُهدد مصالحها داخل أفغانستان، وأيضا لكي تبقى مطلة على التحركات الروسية والصينية في المنطقة.
وإلى جانب الضربات الجوية، فإن المخابرات الصليبية أقامت خلال العقدين الماضيين شبكات ضخمة من الجواسيس التابعين لها الذين سيواصلون عملياتهم لضمان تحقيق نفس ما تعهدت به طالبان المرتدة، وهو أن لا تصبح أفغانستان ملاذا آمنا للمجاهدين.
ومع كل هذا التعقيد في المشهد الأفغاني وتباين المواقف والمصالح بين الأطراف المتصارعة فإن جميعهم متفقون على ضرورة التصدي للخطر الذي تشكله الدولة الإسلامية عليهم جميعا، بوصفها عدوا مشتركا لهم سبق أن حاربوه في خندق واحد.
وبعيدا عن التحليلات والتوقعات لما سيكون عليه الوضع بعد الانسحاب الأمريكي لو تم، وأيا يكن الحال بعد الانسحاب، فإن جنود الدولة الإسلامية يواصلون جهادهم على منهاج النبوة ويذكون جذوة القتال في سبيل الله تعالى على بصيرة من أمرهم، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، وقد أذاقوا الكافرين والمرتدين من لهيب عبواتهم وفوهات بنادقهم فلا يمر يوم إلا ويسقط العديد من القتلى والجرحى بعمليات أمنية مكثفة تشمل كابل وننجرهار وبغلان وباروان وغيرها، بفضل الله تعالى.
فجزى الله أسود الخلافة في خراسان خير الجزاء فلقد ثبتوا يوم المحنة حتى امتصوها وهاهم اليوم يكملون المشوار ويصعدون الهجمات ويواصلون الغارات، وهم في جهادهم ماضون إن شاء الله حتى تدور الدائرة على الكافرين، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 291
الخميس 7 ذو القعدة 1442 هـ ...المزيد
أعلنت أمريكا الصليبية أنها أتمت ما يزيد عن خمسين بالمئة من عملية سحب قواتها من أفغانستان ضمن بنود "اتفاق السلام" الذي أبرمه الصليبيون والمرتدون في "الدوحة" قِبلة الفصائل والحركات المدجّنة، مقابل تعهّد والتزام ميليشيا طالبان المرتدة بضمانات أمنية تُحقق الهدف الذي غزت أمريكا لأجله أفغانستان، فما هذا الهدف؟
لقد غزت أمريكا أرض أفغانستان وجاءت من خلف البحار بحدّها وحديدها بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وبرّرت غزوها بأن أفغانستان كانت "ملاذا آمنا" لتخطيط وشنّ هجمات كبرى تستهدف المصالح الأمريكية خارج أفغانستان، وهو ما لم تتوقف أمريكا طوال العشرين سنة الماضية عن الحديث بشأنه، بينما لم تتوقف طالبان اليوم عن طمأنة أمريكا والدول الصليبية أنها ستمنع حدوثه مجددا، ولذلك لم يكن مصادفة أن تختار أمريكا "الذكرى العشرين" للهجمات موعدا لإتمام الانسحاب.
وإن ما تعهدت به طالبان المرتدة لأمريكا الصليبية أخطر في تفاصيله مما اشتهر، فإضافة إلى تعهدها ب"عدم السماح لأي فرد أو جماعة بتهديد أمن واستقرار أمريكا وحلفائها"، وأن من يفعل ذلك "لا مقام له في أفغانستان"؛ فإن الاتفاق ينص أيضا على أن تقوم طالبان ب"بمنعهم من التجنيد والتدريب، وجمع التبرعات والمساعدات"، بل "تتعهد طالبان بأنها لن تعطي لمن يُهدد أمن الولايات المتحدة الأمريكية، التأشيرة والجواز أو وثيقة السفر ليدخل أفغانستان"، وهنا نلاحظ أن بنود الاتفاق تفترض أن طالبان ستصل إلى الحكم وستكون قادرة على التحكم في أمور السفر والعبور، ما يعني أنها حكومة أو جزء من حكومة ومع ذلك وقعت أمريكا على الاتفاق، ما يؤكد أن وصول الميليشيا إلى الحكم لا يشكل خطرا على أمريكا إن لم يكن مصلحة أمريكية.
وترى أمريكا الصليبية أنها حققت أهداف غزوها لأفغانستان بضمان عدم مهاجمة مصالحها، وضمان أن لا يكون هناك أي نواة حقيقية لحكم إسلامي يطبّق الشريعة الإسلامية ويواصل الجهاد.
وقد يقول قائل إن طالبان تُصر على أنها تسعى لإقامة ما تسميه "النظام الإسلامي المستقل". فهل يظن عاقل أن طالبان تقصد بذلك إقامة الشريعة الإسلامية التي من أجلها غزت أمريكا خراسان ودكت العراق والشام وسرت بأطنان القنابل وأمهات الصواريخ؟!، فهذه إيران الرافضية التي تسميها طالبان ب"الجمهورية الإسلامية" تصف نفسها بأنها "نظاما إسلاميا"! وتلك فصائل الإخوان المرتدين التي وصلت إلى الحكم في بعض الدول توصف بأنها "حكومات إسلامية" وحتى طواغيت آل سلول يعتبرون حكمهم حكما إسلاميا!
إن وصول طالبان إلى الحكم يعني التزامها بكل المواثيق والمفرزات الناجمة عن عملية السلام في "الدوحة"، فهل يوجد في اتفاقيات "الدوحة" غير الإيمان بالديمقراطية؟!
إن أمريكا لم توقع على الاتفاق مع طالبان إلا بعد ضمان تحقق مصالحها، فهل في مصالح أمريكا إقامة حكم الإسلام؟! وإن أردت أن تعرف الفرق بين "النظام الإسلامي" الذي تزعمه طالبان اليوم وبين حكم الإسلام الذي أقامته الدولة الاسلامية فانظر كيف تحزبت واجتمعت الحكومات الصليبية والمرتدة على إسقاط حكم الدولة الإسلامية في مناطق سيطرتها في العراق والشام وليبيا وسيناء وغيرها، بينما هم أنفسهم يفتحون الفنادق والسفارات اليوم لتمكين طالبان من الحكم لا منعها منه.
إن أمريكا تنسحب اليوم من خراسان وهي لا تخشى من سيطرة طالبان على الحكم لأنها تعلم إن تم ذلك فلن يكون إسلاميا على منهاج النبوة، ولن يستدعي تحالفا كفريا دوليا كالذي حشدته للقضاء على حكم الشريعة في الدولة الإسلامية، بل إن بعض القادة الأمريكيين صرحوا أنهم يتوقعون سقوط الجيش الأفغاني في غضون عام أو عامين بعد الانسحاب ومع ذلك تواصل أمريكا سحب قواتها غير آبهة بذلك، فلا ضير عندها أن تنتقل مهمة الجيش الأفغاني المرتد إلى ميليشيا طالبان فتصبح هي الحارس الأمني لمصالح أمريكا وحلفائها، ومرتدو تنظيم القاعدة جاهزون للترقيع باسم المصلحة والسياسة التي يصفونها ب"الشرعية" والشرع منها ومنهم براء.
وبخصوص الأسباب الحقيقية للانسحاب الأمريكي وتوقيته، فلا شك أن تكلفة الحرب وخسائرها وطول أمدها هو أحد أهم أسباب الانسحاب كما وصفها الطاغوت الأمريكي الجديد بقوله: "حان الوقت لإنهاء أطول حروب أمريكا".
ومن أبرز الأسباب أيضا، توسع وانتشار الجهاد الذي قادته الدولة الإسلامية في مناطق مختلفة من العالم فشتّتت به جهود الصليبيين في حربهم على الإسلام، حيث اعترف الطاغوت الأمريكي بأن "التهديدات الإرهابية أصبحت أكثر تشعبا، وانتشرت في جميع أنحاء العالم في سوريا والعراق وإفريقية وآسيا"، واعتبر أنه "من غير المنطقي تركيز القوات الأمريكية في أفغانستان عندما تكون التهديدات موجودة في أماكن أخرى".
ومع ذلك، فإن أمريكا لن تبتعد كثيرا عن أفغانستان بحسب تصريح أكثر قادتها، وستعمد إلى التموضع في قواعد بديلة أو إنشاء قواعد جديدة في دول قريبة كالخليج مثلا، لتكون قواعد انطلاق لقواتها الجوية للتصدي لأي خطر قد يُهدد مصالحها داخل أفغانستان، وأيضا لكي تبقى مطلة على التحركات الروسية والصينية في المنطقة.
وإلى جانب الضربات الجوية، فإن المخابرات الصليبية أقامت خلال العقدين الماضيين شبكات ضخمة من الجواسيس التابعين لها الذين سيواصلون عملياتهم لضمان تحقيق نفس ما تعهدت به طالبان المرتدة، وهو أن لا تصبح أفغانستان ملاذا آمنا للمجاهدين.
ومع كل هذا التعقيد في المشهد الأفغاني وتباين المواقف والمصالح بين الأطراف المتصارعة فإن جميعهم متفقون على ضرورة التصدي للخطر الذي تشكله الدولة الإسلامية عليهم جميعا، بوصفها عدوا مشتركا لهم سبق أن حاربوه في خندق واحد.
وبعيدا عن التحليلات والتوقعات لما سيكون عليه الوضع بعد الانسحاب الأمريكي لو تم، وأيا يكن الحال بعد الانسحاب، فإن جنود الدولة الإسلامية يواصلون جهادهم على منهاج النبوة ويذكون جذوة القتال في سبيل الله تعالى على بصيرة من أمرهم، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، وقد أذاقوا الكافرين والمرتدين من لهيب عبواتهم وفوهات بنادقهم فلا يمر يوم إلا ويسقط العديد من القتلى والجرحى بعمليات أمنية مكثفة تشمل كابل وننجرهار وبغلان وباروان وغيرها، بفضل الله تعالى.
فجزى الله أسود الخلافة في خراسان خير الجزاء فلقد ثبتوا يوم المحنة حتى امتصوها وهاهم اليوم يكملون المشوار ويصعدون الهجمات ويواصلون الغارات، وهم في جهادهم ماضون إن شاء الله حتى تدور الدائرة على الكافرين، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 291
الخميس 7 ذو القعدة 1442 هـ ...المزيد
التراجعات الصامتة قبل نحو 14 عاما اهتزت الأوساط الجهادية بموجة ما عُرف بـ"المراجعات الفكرية" ...
التراجعات الصامتة
قبل نحو 14 عاما اهتزت الأوساط الجهادية بموجة ما عُرف بـ"المراجعات الفكرية" لجماعة "الجهاد" والتي ابتدأت أواخر التسعينيات داخل سجون مصر، وبلغت ذروتها بعد نشر ما أسموه "وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم" والتي لاقت معارضة وهجوما حادا من قبل قادة تنظيم القاعدة آنذاك واعتبروها تراجعات لا مراجعات، وعدّوها تخليا عن الجهاد وانقلابا على المبادئ، وهي كذلك.
وسارع الظواهري يومها إلى مهاجمة المتورطين في هذه التراجعات وأصدر كتابا قال فيه إن هذه الوثيقة "كُتبت بإشراف وتوجيه وتدبير وتمويل وإمكانات الحملة الصليبية اليهودية" وإن الهدف منها هو "تعجيز أو إيقاف العمل الجهادي".
إلا أن هذا الموقف الصارم من تلك التراجعات لم يدم طويلا وسرعان ما تبدل وتغير بعد موجة "الربيع العربي" التي افتُتنت بها القاعدة، فسارع الظواهري نفسه إلى إصدار وثيقة ترشيد جديدة باسم "توجيهات عامة للعمل الجهادي" لم تكن في حقيقتها إلا صورة أخرى من صور التراجعات لكن بثوب جديد يناسب مقاس الحواضن والثورات، وهو ما أوصل القاعدة في نهاية المطاف إلى الالتقاء مع حركات الإخوان المرتدين في معظم الطريق وليس منتصفه فحسب.
فقرر قادة تنظيم القاعدة بعد سنوات من التراجعات السرية بعيدا عن الكاميرات، الانخراط في العمل السلمي الثوري، والتركيز بشكل أكبر على فقه الأولويات بدلا من فقه الجهاد الذي لم يكن سوى مرحلة عابرة كانت تمثل حالة الاندفاع والحماسة بينما هم اليوم أكثر حكمة ووعيا بمتطلبات المرحلة!، فصارت الانحرافات والتراجعات أصلا لدى القاعدة وأخواتها، وأصبحت وثائق الترشيد دستورا جديدا لهذه الحركات.
وهكذا كلما اصطدمت القاعدة بفتنة جديدة من فتن الحواضن والعواطف أظهرت نُسخا جديدة من التراجعات الصامتة نلحظها بوضوح في بياناتها الطويلة ومطوياتها المملة، وقد رأينا موقف القاعدة الأخير من الأحزاب والحركات المرتدة الممولة إيرانيا في فلسطين، وكيف غمرت قيادة القاعدة تلك الحركات بعبارات الموالاة والثناء والإشادة ما لم تقله تلك الحركات عن نفسها! ما جعل أتباع القاعدة وخصوصا في الشام يشعرون بحرج كبير لم يستطيعوا كتمه وهم يرون قاعدتهم توالي أولياء قتلَتهم في الشام، بعد أن انتقلت من مرحلة "عظم الله أجركم في قيادة حماس" إلى مرحلة "الإجلال والإكبار" لقادة نفس الحركة الذين ازدادوا صلة ووثوقا بإيران الرافضية، وحرصا وإصرارا على مواصلة طريق الديمقراطية والتحرر الوطني.
وكان مما هاجم به "الظواهري" حركة حماس يومها، قوله: إنها "تنازلت عن التحاكم للشريعة"، وقوله: "اعتدت قيادة حركة حماس على حقوق الأمة الإسلامية عندما قبلت باحترام الاتفاقات الدولية"، فهل تراجعت حماس عن شيء من ذلك؟ فما الذي تغيّر لتُغيِّر القاعدة موقفها تجاه حماس من النقيض إلى النقيض؟!
إن موقف القاعدة اليوم من حماس لا يعتبر إلا مثالا واحدا على التراجعات الصامتة وحصادا مرا جديدا من حصاد وثائق الترشيد التي هاجمها وخوّنها الظواهري قديما.
إن القاعدة أقدمت على التصريح بموقفها الداعم والمؤيد لقيادة حماس وهي تعلم علم اليقين علاقة هذه القيادة العسكرية والسياسية بإيران، وهو ما عجز أتباع القاعدة عن فهمه فراحوا يخبطون خبط عشواء يمدحون حماس ويسبّون إيران! على طريقة مَن يسبّ إبليس في النهار ويمدحه أيضا في النهار!!
ولا عجب أن تخنس القاعدة عن ذلك، فكيف تعيب على حماس علاقتها بإيران؟ بينما طالبان تسير على نفس الخطى وتسعى لتوثيق صلتها بإيران والانتقال من العلاقة السرية إلى العلاقة الرسمية تحت بند "العلاقات مع دول الجوار".
لكنّ حصر المشكلة فقط في علاقة حماس بإيران الرافضية، هو من قبيل التضليل المتعمد لمنظّري القاعدة الذين راحوا يرقّعون ويبررون للقاعدة موقفها، وإلا فإن علاقة حماس بالرافضة واحدة من قائمة انحرافات تطول تعرفها جميعا القاعدة لكنها سكتت عنها، إما موافقة أو مداهنة ولا شيء غير ذلك.
إن هذه الانقلابات والتغيرات في مواقف القاعدة جعلت البعض يتساءل ما هو الفرق إذن بين القاعدة والإخوان وطالبان وحماس وسائر هذه الحركات المنحرفة؟! علام يقسّمون أنفسهم ويصنّفون بعضهم إلى تيارات ومدراس وهم في الحقيقة يجتمعون ويلتقون في أغلب المواقف والتصورات؟! فكل ما أنكرته القاعدة على حركات الاخوان سابقا تفعله اليوم بينما تنتقد فقط ما عجزت عن إتيانه! وكل ما أنكرته على حماس بالأمس فعلته طالبان بل تحرص على أن تأتي ما هو أكثر منه؟! فما الفرق بينهم إذا؟
إن هذه المنعطفات الحادة في دورة حياة القاعدة من مهاجمة التراجعات إلى شرعنتها وجعلها منهاجا وأصلا لن يتوقف عند هذا الحد، في ظل أن الساحة بأسرها تشهد ذوبانا لهذه الحركات في بوتقة واحدة قوامها التراجعات والتنازلات والتحرر من قيود الحق.
لقد حرفت القاعدة الجهاد وحرّفته، وأماتت الولاء والبراء وعطّلته، فوالت طلاب الديمقراطية والانتخابات الكفرية وصحّحت دين مَن أبدل بالقرآن الدساتير الكفرية.
فإن كانت كل هذه المتغيّرات قد اجتاحت ثوابت القاعدة وأخواتها، فما هي الثوابت التي لم تتغير عندهم؟! هل هي عدد الركعات في الصلوات أم صيغة التشهد في التحيات؟!وإن كان ضغط الواقع يُغيّر اعتقاد المرء من الإيمان إلى الكفر! ومن البراءة من المشركين إلى موالاتهم؟ فما الفرق بين الثابت والمتغير؟! وبين الاتباع والهوى؟! وبين الاستسلام لله تعالى والاستسلام للواقع؟
إن الله تعالى ما فرّط في كتابه من شيء وقد دلّ عباده على الطريق إليه فلم يتركهم هملا بغير دليل حاشاه سبحانه، فمن اتبع الدليل واقتفى أثر الأنبياء يوشك أن يصل، ومن اتبع الهوى ولم يحسم منهجه ابتداء ولم يقف على أرضية صلبة سلفا، سوف يهوي مع كل هاو، ويتقلب مع كل موجة، تُغريه الأكثرية وتغلبه العاطفة، ولا شيء أثقل عليه من العقيدة والثبات عليها، ولذلك تجد أكثر هؤلاء صاروا يرون التوحيد عبئا عليهم وثقلا جاثما على صدورهم وعائقا في وجه مصالحهم الموهومة، فقرروا إغفال العقيدة وإزالة البراء من واقعهم، فالتقوا مع كل منحرف وضال وصاروا يحكمون على كل شيء بكل شيء إلا ميزان الشريعة.
إن التراجعات الصامتة التي أجرتها القاعدة سرا لسنوات أخطر بكثير من التراجعات العلنية القديمة، لأن خطر ما استتر أشد من خطر ما انفضح وظهر، إلا أن الله تعالى بعدله اقتضى أن يُظهر الحق من الباطل، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة، فاللهم ثباتا على الإيمان حتى نلقاك.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 290
الخميس 29 شوال 1442 هـ ...المزيد
قبل نحو 14 عاما اهتزت الأوساط الجهادية بموجة ما عُرف بـ"المراجعات الفكرية" لجماعة "الجهاد" والتي ابتدأت أواخر التسعينيات داخل سجون مصر، وبلغت ذروتها بعد نشر ما أسموه "وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم" والتي لاقت معارضة وهجوما حادا من قبل قادة تنظيم القاعدة آنذاك واعتبروها تراجعات لا مراجعات، وعدّوها تخليا عن الجهاد وانقلابا على المبادئ، وهي كذلك.
وسارع الظواهري يومها إلى مهاجمة المتورطين في هذه التراجعات وأصدر كتابا قال فيه إن هذه الوثيقة "كُتبت بإشراف وتوجيه وتدبير وتمويل وإمكانات الحملة الصليبية اليهودية" وإن الهدف منها هو "تعجيز أو إيقاف العمل الجهادي".
إلا أن هذا الموقف الصارم من تلك التراجعات لم يدم طويلا وسرعان ما تبدل وتغير بعد موجة "الربيع العربي" التي افتُتنت بها القاعدة، فسارع الظواهري نفسه إلى إصدار وثيقة ترشيد جديدة باسم "توجيهات عامة للعمل الجهادي" لم تكن في حقيقتها إلا صورة أخرى من صور التراجعات لكن بثوب جديد يناسب مقاس الحواضن والثورات، وهو ما أوصل القاعدة في نهاية المطاف إلى الالتقاء مع حركات الإخوان المرتدين في معظم الطريق وليس منتصفه فحسب.
فقرر قادة تنظيم القاعدة بعد سنوات من التراجعات السرية بعيدا عن الكاميرات، الانخراط في العمل السلمي الثوري، والتركيز بشكل أكبر على فقه الأولويات بدلا من فقه الجهاد الذي لم يكن سوى مرحلة عابرة كانت تمثل حالة الاندفاع والحماسة بينما هم اليوم أكثر حكمة ووعيا بمتطلبات المرحلة!، فصارت الانحرافات والتراجعات أصلا لدى القاعدة وأخواتها، وأصبحت وثائق الترشيد دستورا جديدا لهذه الحركات.
وهكذا كلما اصطدمت القاعدة بفتنة جديدة من فتن الحواضن والعواطف أظهرت نُسخا جديدة من التراجعات الصامتة نلحظها بوضوح في بياناتها الطويلة ومطوياتها المملة، وقد رأينا موقف القاعدة الأخير من الأحزاب والحركات المرتدة الممولة إيرانيا في فلسطين، وكيف غمرت قيادة القاعدة تلك الحركات بعبارات الموالاة والثناء والإشادة ما لم تقله تلك الحركات عن نفسها! ما جعل أتباع القاعدة وخصوصا في الشام يشعرون بحرج كبير لم يستطيعوا كتمه وهم يرون قاعدتهم توالي أولياء قتلَتهم في الشام، بعد أن انتقلت من مرحلة "عظم الله أجركم في قيادة حماس" إلى مرحلة "الإجلال والإكبار" لقادة نفس الحركة الذين ازدادوا صلة ووثوقا بإيران الرافضية، وحرصا وإصرارا على مواصلة طريق الديمقراطية والتحرر الوطني.
وكان مما هاجم به "الظواهري" حركة حماس يومها، قوله: إنها "تنازلت عن التحاكم للشريعة"، وقوله: "اعتدت قيادة حركة حماس على حقوق الأمة الإسلامية عندما قبلت باحترام الاتفاقات الدولية"، فهل تراجعت حماس عن شيء من ذلك؟ فما الذي تغيّر لتُغيِّر القاعدة موقفها تجاه حماس من النقيض إلى النقيض؟!
إن موقف القاعدة اليوم من حماس لا يعتبر إلا مثالا واحدا على التراجعات الصامتة وحصادا مرا جديدا من حصاد وثائق الترشيد التي هاجمها وخوّنها الظواهري قديما.
إن القاعدة أقدمت على التصريح بموقفها الداعم والمؤيد لقيادة حماس وهي تعلم علم اليقين علاقة هذه القيادة العسكرية والسياسية بإيران، وهو ما عجز أتباع القاعدة عن فهمه فراحوا يخبطون خبط عشواء يمدحون حماس ويسبّون إيران! على طريقة مَن يسبّ إبليس في النهار ويمدحه أيضا في النهار!!
ولا عجب أن تخنس القاعدة عن ذلك، فكيف تعيب على حماس علاقتها بإيران؟ بينما طالبان تسير على نفس الخطى وتسعى لتوثيق صلتها بإيران والانتقال من العلاقة السرية إلى العلاقة الرسمية تحت بند "العلاقات مع دول الجوار".
لكنّ حصر المشكلة فقط في علاقة حماس بإيران الرافضية، هو من قبيل التضليل المتعمد لمنظّري القاعدة الذين راحوا يرقّعون ويبررون للقاعدة موقفها، وإلا فإن علاقة حماس بالرافضة واحدة من قائمة انحرافات تطول تعرفها جميعا القاعدة لكنها سكتت عنها، إما موافقة أو مداهنة ولا شيء غير ذلك.
إن هذه الانقلابات والتغيرات في مواقف القاعدة جعلت البعض يتساءل ما هو الفرق إذن بين القاعدة والإخوان وطالبان وحماس وسائر هذه الحركات المنحرفة؟! علام يقسّمون أنفسهم ويصنّفون بعضهم إلى تيارات ومدراس وهم في الحقيقة يجتمعون ويلتقون في أغلب المواقف والتصورات؟! فكل ما أنكرته القاعدة على حركات الاخوان سابقا تفعله اليوم بينما تنتقد فقط ما عجزت عن إتيانه! وكل ما أنكرته على حماس بالأمس فعلته طالبان بل تحرص على أن تأتي ما هو أكثر منه؟! فما الفرق بينهم إذا؟
إن هذه المنعطفات الحادة في دورة حياة القاعدة من مهاجمة التراجعات إلى شرعنتها وجعلها منهاجا وأصلا لن يتوقف عند هذا الحد، في ظل أن الساحة بأسرها تشهد ذوبانا لهذه الحركات في بوتقة واحدة قوامها التراجعات والتنازلات والتحرر من قيود الحق.
لقد حرفت القاعدة الجهاد وحرّفته، وأماتت الولاء والبراء وعطّلته، فوالت طلاب الديمقراطية والانتخابات الكفرية وصحّحت دين مَن أبدل بالقرآن الدساتير الكفرية.
فإن كانت كل هذه المتغيّرات قد اجتاحت ثوابت القاعدة وأخواتها، فما هي الثوابت التي لم تتغير عندهم؟! هل هي عدد الركعات في الصلوات أم صيغة التشهد في التحيات؟!وإن كان ضغط الواقع يُغيّر اعتقاد المرء من الإيمان إلى الكفر! ومن البراءة من المشركين إلى موالاتهم؟ فما الفرق بين الثابت والمتغير؟! وبين الاتباع والهوى؟! وبين الاستسلام لله تعالى والاستسلام للواقع؟
إن الله تعالى ما فرّط في كتابه من شيء وقد دلّ عباده على الطريق إليه فلم يتركهم هملا بغير دليل حاشاه سبحانه، فمن اتبع الدليل واقتفى أثر الأنبياء يوشك أن يصل، ومن اتبع الهوى ولم يحسم منهجه ابتداء ولم يقف على أرضية صلبة سلفا، سوف يهوي مع كل هاو، ويتقلب مع كل موجة، تُغريه الأكثرية وتغلبه العاطفة، ولا شيء أثقل عليه من العقيدة والثبات عليها، ولذلك تجد أكثر هؤلاء صاروا يرون التوحيد عبئا عليهم وثقلا جاثما على صدورهم وعائقا في وجه مصالحهم الموهومة، فقرروا إغفال العقيدة وإزالة البراء من واقعهم، فالتقوا مع كل منحرف وضال وصاروا يحكمون على كل شيء بكل شيء إلا ميزان الشريعة.
إن التراجعات الصامتة التي أجرتها القاعدة سرا لسنوات أخطر بكثير من التراجعات العلنية القديمة، لأن خطر ما استتر أشد من خطر ما انفضح وظهر، إلا أن الله تعالى بعدله اقتضى أن يُظهر الحق من الباطل، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة، فاللهم ثباتا على الإيمان حتى نلقاك.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 290
الخميس 29 شوال 1442 هـ ...المزيد
معلومات
المواد المحفوظة 669
- أخيرا رفعوا "الملا برادلي"! لا جديد ولا غرابة فيما جرى مؤخرا في المشهد الأفغاني، فما رسمه ...
- مقال: خبيئة العمل الصالح الحمد لله رب العالمين، هادي المؤمنين وموفّق الموحدين، المنعم المتفضل ...
- بوادي الشام.. جنان ونار! بينما يعيش النصيرية والنصارى الروس في بوادي الشام حسرة وضنكا ونزيفا ...
- مقال / تُحف الذاكرين (3) الحمد لله حمدا حمدا والشكر له شكرا شكرا، والصلاة والسلام على نبيا ...
- صحيفة النبأ 298 / بل الساعة موعدهم! وعَد اللهُ تعالى عباده المؤمنين القائمين على أمره بالغلبة ...
المواد المفضلة 4
- تأملات في هجوم بغداد بدّد الهجوم الاستشهادي المبارك الذي ضرب تجمعات الرافضة المشركين في ...
- إلى أهل السنة في الشام ها قد رأيتم استبدال شرع ربّ البرية بعد محاربة الدولة الإسلامية، بالقوانين ...
- وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (4) لِأخبار الفتن والملاحم التي تقع آخر الزمان أهمية كبيرة ...
- نواقض الإسلام • قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب (رحمه الله): إعلم أن من أعظم نواقض الإسلام ...