وللصراع بين الحق والباطل ثمن يدفعه المؤمنون، فقد قال الله تعالى: {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} ...

وللصراع بين الحق والباطل ثمن يدفعه المؤمنون، فقد قال الله تعالى: {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: 111]، وما أعظم تلك الدروس المنتقاة، والعبر المستقاة من غزوة أُحُد، تلك الغزوة التي لم يُقتل فيها وزير، أو أمير، أو قائد، واحد أو اثنان أو ثلاثة أو عشرة، بل قُتل فيها سيد الشهداء حمزة عم النبي -صلى الله عليه وسلم- في سبعين من خيرة الصحابة، رضي الله عنهم جميعا، يوم واحد يُقتل فيه هذا العدد من الرجال ويُمثّل بهم، وأي رجال؟ إنهم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويوم أُحُد علا صوت الكفر، وانتفش ريش الكفرة وظنوا أن صولتهم تلك دائمة؛ «وأشرف أبو سفيان فقال: أفي القوم محمد؟ فقال: (لا تجيبوه)، فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ قال: (لا تجيبوه)، فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: إن هؤلاء قُتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا؛ فلم يملك عمر نفسه، فقال: كذبت يا عدو الله، أبقى الله عليك ما يخزيك؛ قال أبو سفيان: اعلُ هبل، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (أجيبوه)، قالوا: ما نقول؟ قال: (قولوا: الله أعلى وأجل)؛ قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (أجيبوه)، قالوا: ما نقول؟ قال: (قولوا الله مولانا، ولا مولى لكم)» [رواه البخاري].

إذا سيد منّا خلا قام سيد
قؤول لما قال الكرام فعولُ
وأيامنا مشهورة في عدوّنا
لها غُرر معلومة وحُجولُ

وهل المؤمنون اليوم أكرم على الله من ذاك الرعيل الأول الذين ابتلوا وزلزلوا زلزالا شديدا حتى بلغت القلوب الحناجر؟! ومن يظن أن فتح رومية والقسطنطينية يُدرَك بالكلام لا الكلوم، فهو مختلط موهوم!

ومن هنا يتبين أنه وأمام الابتلاء والتمحيص يصمد المؤمن الموحد، بإذن ربه، وينهار المنافق ومن في إيمانه وهن، فلا تبقى بعدها إلا الصفوة، أولئك الذين صُهر معدنهم ونُقّي من شوائب الدنيا وأدرانها، وحينها... حينها فقط يعلو في نفوسهم صوت الحق، وتأتيهم الإجابة فتنزل بردا وسلاما على قلوبهم: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]، فواهاً ثم واهاً لذاك النصر وتلك الفتوح، وإنا لنجد ريح خلافتنا المباركة، وهي تعصف من مشارق الأرض إلى مغاربها، لولا أن يفندونا، فصبر جميل، والله المستعان.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 48
الثلاثاء 25 ذو الحجة 1437 ه‍ـ

• لقراءة الصحيفة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at


بشّر الصابرين
...المزيد

بشّر الصابرين بأن نصر الله قريب لقد خلق الله تعالى العباد، وجعل سنة الابتلاء ماضية فيهم، حتى ...

بشّر الصابرين بأن نصر الله قريب

لقد خلق الله تعالى العباد، وجعل سنة الابتلاء ماضية فيهم، حتى يميز الخبيث من الطيّب، وليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة، فلا تمكين إلا بعد تمحيص، ولا نصر إلا بعد شدة، ولا سرّاء إلا بعد ضرّاء.

والطريق إلى الله -عز وجل- وما أعد للمؤمنين فيه من جزيل عطاء، طريق باهض التكاليف، وهذه التكاليف لا يستطيع دفعها إلا المؤمنون حقا، المعلقة قلوبهم بالله وحده، الثابتون على نهج النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحبه الكرام، وهم الذين لم يفتنهم الرجال ولا الأسماء، طلبوا الحق فعرفوا أهله، وأهل الحق ليسوا من الذين ذاع صيتهم في الجهاد لعقود، ثم بعدت عليهم الشقة فانتكسوا وارتكسوا وباتوا اليوم من أهل الخذلان والجحود، وليسوا من الذين أفنوا أعمارهم بين المحابر والطروس، ولما صاح البشير أن دولة الإسلام قد قامت فهلّموا أتبعوا العلم بالعمل، ولوا مستكبرين، كأن في آذانهم وقرا.

يقول ابن قيم الجوزية -رحمه الله- واصفا الطريق إلى جنات الخلد: «أين أنت والطريق طريقٌ تَعِب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورُمي في النار الخليل، وأُضجع للذبح إسماعيل، وبيع يوسف بثمن بخس، ولبث في السجن بضع سنين، ونُشر بالمنشار زكريا، وذُبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضر أيوب، وزاد على المقدار بكاء داود، وسار مع الوحش عيسى، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد» [الفوائد].

فإن كان هذا حال الأنبياء ومنهم أولو العزم -على نبينا وعليهم خير الصلاة وأزكى التسليم- لاقوا ما لاقوا في ذات الله -عز وجل- فصبروا وثبتوا، وأوذوا بسبب دعوتهم إلى التوحيد الخالص أيما أذية، فما وهنوا وما ضعفوا، فكيف بمن هم دونهم؟ ألا يُبتلون فيطهرون، ويُمحَّصون فيُخلِصون؟ وقد سئل الشافعي، رحمه الله: «أيّهما أفضل للرجل أن يمكّن أو يبتلى؟» فقال: «لا يمكّن حتى يبتلى» [الفوائد لابن القيم].

نعم؛ من لم تكن له بداية محرقة، لم تكن له نهاية مشرقة، ولا تمكين حتى تعظم الابتلاءات، وتضيق الحلقات، وتشتد الأزمات، لأن الموعود للصادقين والصادقات الجنة، الجنة التي يُرى فيها وجه الله، جل في علاه، أعلى النعم وأغلى الأمنيات، وهل يُدرك ذلك برغد الدنيا، ولذيذ العيش؟ بل قعصا بالرماح تحت ظلال السيوف؛ {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة: 214]؛ يقول الطبري، رحمه الله: «فمعنى الكلام: أم حسبتم أنكم أيها المؤمنون بالله ورسله تدخلون الجنة، ولم يصبكم مثل ما أصاب من قبلكم من أتباع الأنبياء والرسل من الشدائد والمحن والاختبار، فتبتَلَوا بما ابتُلُوا واختُبِروا به من البأساء وهو شدة الحاجة، والفاقة، والضراء، وهي العلل، والأوصاب؛ ولم تزلزلوا زلزالهم، يعني: ولم يصبهم من أعدائهم من الخوف، والرعب شدة وجهد حتى يستبطئ القوم نصر الله إياهم، فيقولون: متى الله ناصرنا».

ولم يَخفَ ذلك عن هرقل ملك الروم إذ قال لأبي سفيان: «سألتك كيف كان قتالكم إياه فزعمت أن الحرب سجال ودول، فكذلك الرسل تُبتلى ثم تكون لهم العاقبة... الحديث» [متفق عليه]، فكيف يخفى عن الموحدين الظانين بالله ظن الخير؟!

وإن هذا الدين غال، والدعوة إلى التوحيد الخالص وإعلاء كلمة الله في الأرض تحتاج إلى تضحيات جسام، كتلك التي قدمها أصحاب الأخدود، الذين استأصل الطاغوت حينها شأفتهم، وأبادهم عن بكرة أبيهم، ولم يبق منهم أحد، وكانوا -من بَعد إيمانهم برب الغلام- يرون الكفار وهم يخدون الأخاديد ويضرمون فيها النيران ليقحموا فيها من يثبت ولا يرتد، غير أن ذلك لم يخدش إيمانهم، ولم يزحزحهم عن دينهم، حتى جاءت امرأة كانت تحمل صبيا وتتقاعس عن إلقاء نفسها في النار، فيقول لها صبيها مثبتا: «يا أمه اصبري فإنك على الحق» [متفق عليه].

وروى ابن أبي شيبة في مصنّفه: عن الحسن قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ذكر أصحاب الأخدود تعوذ بالله من جهد البلاء».

وقد بوّب البخاري في صحيحه: «باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر»، وأخرج فيه عن خباب بن الأرت -رضي الله عنه- قال: «شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: (كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض، فيُجعل فيه، فيُجاء بالمنشار فيُوضع على رأسه فيُشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمنّ هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)».
...المزيد

قصة انغماسي قتل وأصاب 20 مرتداً في ريف حلب الشمالي • النبأ - ولاية حلب - خاص تجهز الأبطال ...

قصة انغماسي قتل وأصاب 20 مرتداً في ريف حلب الشمالي

• النبأ - ولاية حلب - خاص

تجهز الأبطال وارتفعت هممهم، ولسان حالهم: «والله لنرين الله منا ما يحب، بإذن الله، فهو يرانا في هذه الساعة وينظر إلى أعمالنا، وما هي إلا إحدى الحسنيين إما نصر وإثخان بأذناب الصليب وعبيده وإما شهادة نُعذر بها أمام الله».

فانطلقت المجموعة نحو قرية قنطرة غرب بلدة الراعي في ريف حلب الشمالي بعد أن تمكنت فصائل صحوات الردة وبدعم بري ومدفعي تركي وإسناد جوي من طائرات التحالف الصليبي من السيطرة عليها في وقت سابق، وبعد اشتباكات مع الصحوات منّ الله على المجاهدين باستعادة السيطرة على القرية بعد فرار المرتدين منها. لتبدأ الطائرات والمدفعية بقصف مكثف على القرية بعد دخول المجاهدين إليها.

وهنا بدأت قصة الأخ الانغماسي الذي بقي في القرية وحيدا وأثخن في أعداء الله موقعا 20 مرتدا منهم بين قتيل وجريح.

(النبأ) التقت الأخ الانغماسي فحدّثها عن تفاصيل عمليته المباركة قائلا: «بعد أن انحازت المجموعة التي كانت معي قررت البقاء وحدي في القرية، ومضت عدة ساعات قبل أن يقترب المرتدون منها، فاخترت أحد المنازل وفخخت أبوابه الثلاثة واختبأت في حفرة فردية بجانب المنزل أرصد تحركات أعداء الله مستعدا ومنتظرا وصولهم».

دخلت فصائل صحوات الردة إلى القرية بأعداد كبيرة من العناصر والآليات والأسلحة الثقيلة، وبدؤوا تمشيط القرية منزلا منزلا، وبقي الأخ الانغماسي في حفرته الفردية من الساعة 11 ظهراً إلى الساعة 6 مساءً، دون أن يعلم المرتدون به، بفضل الله.

فظن عناصر الصحوات أن القرية خالية تماما من المجاهدين فباتوا يتحركون بأمان بعد أن كانت تحركاتهم بحيطة وحذر، يصيبهم الرعب والهلع بمجرد سماع صوت أي تحرك.

يضيف الأخ الانغماسي أنه وبعد أن حل الظلام سمع صوت إحدى آلياتهم تتحرك في مكان قريب منه، فخرج من مكانه لكنه تركها تمر دون أن يعترضها، لتعود بعد قليل إلى المكان نفسه محملة بالعديد من العناصر وتقف خلف مسجد القرية، فتسلل الانغماسي إلى داخل المسجد وراقب المرتدين ورصد تحركاتهم وهم يتلقون أوامر من شخص يبدو أنه المسؤول عنهم، إذ أرسل الآلية المزودة بالمدفع الرشاش إلى مكان آخر وبدأ يوزع مهام الرباط على العناصر الموجودين.

ويتابع الانغماسي: «وقبل أن يتفرقوا اقتربت منهم شيئا فشيئا حتى أصبحت على بعد 10 أمتار، وكان عددهم قرابة 15 مرتدا فنزعت -مستعينا بالله- صاعق القنبلة اليدوية التي كانت معي ورميتها عليهم فقُتل وأُصيب عدد منهم، فألحقتها بالقنبلة الثانية وسط حالة من الفوضى والصراخ في صفوفهم، ثم خرجت وأجهزت بسلاحي الرشاش على من بقي منهم».

وبعد أن أجهز الأخ الانغماسي على تلك المجموعة استقدم المرتدون مدفع 23 ملم وعددا من العناصر إلى الموقع، فاختار الأخ لحظة معينة وباغتهم بالهجوم بالقنابل اليدوية والسلاح الرشاش، فيسر الله له إعطاب المدفع وإصابة عدد من المرتدين.

استغل الانغماسي حالة الفوضى والارتباك التي عصفت بالمرتدين وقرر الانحياز من القرية بعد أن قتل وأصاب قرابة 20 مرتدا، فتسلل من منزل إلى آخر من بين نقاط العدو، حتى وصل إلى مناطق سيطرة جنود الدولة الإسلامية، ولله الحمد.

لتنتهي بذلك قصة من مئات القصص لعمليات انغماسية نفذها رجال صادقون، نحسبهم والله حسيبهم، مخلفين العشرات من القتلى والجرحى في صفوف العدو، تاركين وراءهم فرحة في قلوب الموحدين، وغصة ولوعة في قلوب المشركين.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 48
الثلاثاء 25 ذو الحجة 1437 ه‍ـ

• لقراءة الصحيفة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

ولتستبين سبيل المجرمين • مع اشتداد الابتلاء يزداد التمحيص، ويزداد فسطاطا الإيمان والنفاق ...

ولتستبين سبيل المجرمين


• مع اشتداد الابتلاء يزداد التمحيص، ويزداد فسطاطا الإيمان والنفاق تمايزا، حتى يصبح افتراقهما واضحا لكل ذي عينين، وما ذلك إلا لأن أهل الإيمان والتوحيد يزدادون إيمانا وإظهارا لإيمانهم، وأهل النفاق والشرك يزدادون كفرا وإظهارا لكفرهم.

فبعد سنوات من تلبيسهم على الناس في قضية علاقتهم بالصليبيين والطواغيت، فضح الله مرتدي الصحوات بقتالهم إلى جانب الجيش التركي المرتد، وتحت غطاء من طائرات التحالف الصليبي وبتنسيق معهما، بل واتضح الأمر أكثر بدخول القوات الصليبية الأمريكية إلى المناطق التي يسيطرون عليها، وإقامتهم قواعدهم العسكرية داخلها، الأمر الذي لم يعد ممكنا تمويهه، ولا إخفاؤه عن أعين الناس، ولا تفيد لتبريره فتاوى علماء السوء، بمجالسهم وتجمعات الضرار التي أنشؤوها.

وقد أنعم الله على الدولة الإسلامية بمنهج قويم مبني على الصدق والعمل به، فعندما حكمت على بعض الفصائل في الشام بأنها من جنس صحوات العراق بناء على أفعال قادتها وتصريحاتهم ومناداتهم بالديموقراطية وعلاقاتهم مع الصليبيين والطواغيت في المنطقة، كانت صادقة في الوصف والحكم، ولم يكن ذلك مجرد ذريعة لقتالهم كما اتهمها المضلّون، الذين زادوا على ذلك بإلصاق تهمة «الخارجية» الباطلة بمجاهديها والدعوة إلى سفك دماء المهاجرين والأنصار تقربا إلى الله بزعمهم، رغم أن مجاهدي الدولة الإسلامية كانوا حينها في موقف دفاع عن أنفسهم وأعراضهم، بعد غدر الفصائل بهم تلبية لأوامر الصليبيين والطواغيت.

ولم تكن موجة الهجوم والاتهامات هذه بجديدة على الدولة الإسلامية، بل لم تزد عن كونها تكرارا لما قيل بحقها سابقا إبان فتنة الصحوات في العراق، التي انتهت بزوال فصائل الصحوات تماما بعد أن أظهر مقاتلوها ردّتهم الصريحة بقتالهم جنود الدولة الإسلامية برفقة المدرعات الأمريكية التي كانت تقتلهم بالأمس، وتحت غطاء من المروحيات التي كانت تدك مدنهم وقراهم قبل أيام، ولم تنفعهم كل الفتاوى والتبريرات التي أصدرها علماء الطواغيت الذين حركتهم أجهزة المخابرات لمناصرة مشروع الصحوات الذي خدم الصليبيين أيما خدمة.

واليوم يسير مرتدو الصحوات في الشام على سنّة أسلافهم في العراق، إذ لم يكتفوا بالعمالة للصليبيين من خلال التجسس على المسلمين وقتالهم خدمة لهم، والتنسيق مع طيرانهم لضرب الموحّدين، بل لم يزل بهم الأمر حتى صاروا يقاتلون تحت العلم الأمريكي وتحت القيادة الأمريكية كما رأينا في حالة صحوات «جيش سوريا الجديد» في الجنوب، وصارت المدرعات الأمريكية تجوب مناطق سيطرتهم في الشمال، وصار الجنود الأمريكيون يظهرون معهم في العلن وبلا استحياء.

إن الدولة الإسلامية عندما قاتلت مرتدي الصحوات قبل ثلاث سنين لم تكن تقاتل مجاهدين موحّدين كما كان يزعم السفهاء ومنظرو الصحوات وعلماء الطواغيت، ولكنها قاتلت في ذلك الوقت مشركين موالين للصليبيين والطواغيت، مع من والاهم فصار منهم، وإن حكمها فيهم لم يتغير منذ ظهرت منهم تلك الموالاة المكفّرة، ولكن الذي تغير هو تصريحات بعض من كان يجادل عنهم، بعد أن اتسع الخرق عليهم ولم يعد بإمكانهم ترقيعه، فصاروا يهاجمون عمالة الصحوات الواضحة للصليبيين على استحياء، وقد فضح الله أمرهم أمام جنودهم وأنصارهم المرتدين المدّعين للجهاد، والذين لا يمكنهم قبول التناقض بين ما كان يلقى على أسماعهم من وجوب العداء لأمريكا، وحصر القتال بها على أنها رأس الكفر في العالم، وبين أن يروا جنود أمريكا يتجولون في أرضهم وبحماية حلفاء مدّعي الجهاد.

وإننا نقول لمن استبان له الأمر اليوم بعد أن أعماه عن رؤيته عصبية جاهلية، وحزبية تنظيمية، وتقديس لـ»الرموز»، كيف تبرّر لنفسك بعد اليوم بقاءك على الردّة في صف المرتدين؟ وكيف تبرّر لنفسك قتالك الموحدين من جنود الدولة الإسلامية بالتحالف مع الصليبيين؟ وكيف تبرّر لنفسك طاعة شيوخك وعلمائك الضالين المضلّين بعد أن استبان لك كذبهم على الدولة الإسلامية ومجادلتهم عن المرتدين؟

لقد آن لك أن تتوب إلى الله مما أوقعت نفسك فيه من الردّة، وأن تفارق صفوف المرتدين مهاجرا إلى دار الإسلام، لتقول حينها للموحد الذي عاديته قبل توبتك: {تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف: 91] بأن أظهر لك ردّة الصحوات، وهداك إلى تكفيرهم والبراءة منهم وقتالهم، وأن تتبع ما أسلفت من السيئات بحسنات الجهاد في سبيل الله والدخول في جماعة المسلمين، وإن أرض الدولة الإسلامية مفتوحة لكل المسلمين، ولا تثريب منها على التائبين من الردّة، ولو كانوا قتلوا من جنودها ألف ألف من المجاهدين، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 48
الثلاثاء 25 ذو الحجة 1437 ه‍ـ
...المزيد

الغلظة على الكفار والمرتدين في سيرة الخلفاء الراشدين [2/2] وأما في اليمامة فقد جرت أشد المعارك ...

الغلظة على الكفار والمرتدين في سيرة الخلفاء الراشدين

[2/2]
وأما في اليمامة فقد جرت أشد المعارك وأحماها وطيسا مع المرتدين من أتباع مسيلمة الكذاب، وبذل فيها الصحابة -رضوان الله عليهم- أقصى ما يستطيعون حتى مكّنهم الله من رقاب أعدائهم فأبادوا خضراءهم، قال ابن كثير: «فكان جملة من قتلوا في الحديقة وفي المعركة قريبا من عشرة آلاف مقاتل، وقيل واحد وعشرون ألفا، وقتل من المسلمين ستمائة وقيل خمسمائة»، وقال ابن الأثير في «الكامل»: «ووصل كتاب أبي بكر إلى خالد أنْ يقتل كل محتلم، وكان قد صالحهم فوفى لهم ولم يغدر»، ولولا الصلح الذي عقده خالد بن الوليد -رضي الله عنه- مع مجاعة عن قومه بني حنيفة قبل وصول كتاب الصديق -رضي الله عنه- لاستأصل ما بقي منهم، والله أعلم.

وفي البحرين بعد أن أثخن العلاء بن الحضرمي -رضي الله عنه- بمرتديها ففروا أمامه وتبعهم المسلمون ينكلون بهم، ركب المرتدون السفن وعبروا الخليج، قال ابن كثير: «ثم ركب المسلمون في آثار المنهزمين يقتلونهم بكل مرصد وطريق، وذهب من فر منهم أو أكثرهم في البحر إلى دارين»، وهنا لم يترك لهم المسلمون فرصة التقاط الأنفاس أو الهرب بأنفسهم، فقرروا عبور الخليج بالسفن إليهم، ولما وجدوا أنَّ ذلك سيؤخرهم عن مبتغاهم قرر العلاء الحضرمي -رضي الله عنه- أن يخوض هو وجيشه الخليج متوكلاً على ربه مستعينا به، قال ابن كثير: «فأجاز بهم الخليج -بإذن الله- يمشون على مثل رملة دمثة فوقها ماء، لا يغمر أخفاف الإبل، ولا يصل إلى ركب الخيل ومسيرته للسفن يوم وليلة، فقطعه إلى الساحل الآخر فقاتل عدوه وقهرهم واحتاز غنائمهم ثم رجع فقطعه إلى الجانب الآخر، فعاد إلى موضعه الأول وذلك كله في يوم، ولم يترك من العدو مخبرا واستاق الذراري والأنعام والأموال»، وعلى هذه الوتيرة كانت كل حروب الردة، تنكيل وإثخان بالمرتدين حتى يرجعوا لأمر الله أو يقتلوا على ردتهم.

وبفراغ الصديق -رضي الله عنه- من حروبهم، عمد إلى البدء في فتوح العراق والشام، فالمرتدون عقبة كؤود في طريق الجهاد في سبيل الله ونشر الإسلام في الأرض لا بد من اقتلاعها، حتى يتيسر لأمة الإسلام دعوة من خالفها من الأمم وقتالهم على أمر الله.

وفي إحدى معاركه مع الفرس المجوس أقسم سيف الله المسلول -رضي الله عنه- أن يجري النهر بدمائهم، قال ابن كثير: «وقال خالد اللهم لك علي إن منحتنا أكتافهم أن لا أستبقي منهم أحدا أقدر عليه حتى أجري نهرهم بدمائهم، ثم إن الله -عز وجل- منح المسلمين أكتافهم، فنادى منادي خالد الأسر الأسر لا تقتلوا إلا من امتنع من الأسر، فأقبلت الخيول بهم أفواجا يساقون سوقا وقد وكَّل بهم رجالا يضربون أعناقهم في النهر، ففعل ذلك بهم يوما وليلة، ويطلبهم في الغد ومن بعد الغد، وكلما حضر منهم أحد ضربت عنقه في النهر، وقد صرف ماء النهر إلى موضع آخر، فقال له بعض الأمراء إن النهر لا يجري بدمائهم حتى ترسل الماء على الدم فيجري معه فتبرَّ بيمينك، فأرسله فسال النهر دما عبيطا، فلذلك سمى نهر الدم إلى اليوم... وبلغ عدد القتلى سبعين ألفا».

وفي إحدى حروب خالد بن الوليد -رضي الله عنه- مع الروم سأله أحد قادتهم -وهو ماهان- اللقاء والمحاورة ليرده عن قصده فكان الجواب المرعب من خالد مُوقفاً له عند حده. قال ابن كثير: «فقال ماهان: إنا قد علمنا أنّ ما أخرجكم من بلادكم الجهد والجوع، فهلموا إلى أن أعطي كل رجل منكم عشرة دنانير وكسوة وطعاما وترجعون إلى بلادكم، فإذا كان من العام المقبل بعثنا لكم بمثلها؛ فقال خالد: إنه لم يخرجنا من بلادنا ما ذكرت، غير أنَّا قوم نشرب الدماء، وأنه بلغنا أنه لا دم أطيب من دم الروم، فجئنا لذلك؛ فقال أصحاب ماهان: هذا والله ما كنا نحدَّث به عن العرب».

وفي خلافة علي -رضي الله عنه- ظهر قوم غلوا فيه وادعوا ربوبيته فأمر بإحراقهم جميعا، ذكر الذهبي في «تاريخ الإسلام»: «جاء أُناس إلى علي فقالوا: أنت هو! قال: من أنا؟ قالوا: أنت هو! قال: ويلكم من أنا؟ قالوا: أنت ربنا! قال: ارجعوا! فأبوا، فضرب أعناقهم، ثم خدّ لهم في الأرض، ثم قال: يا قنبر ائتني بحزم الحطب، فحرقهم بالنار، وقال: لما رأيت الأمر أمراً منكراً أوقدت ناري ودعوت قنبرا».


إن ما ذكرناه من قصص هنا لا يعدو كونه نماذج قليلة من نمط تعامل الصحابة مع الكفرة والمرتدين في حروبهم معهم، فمن شاء أن يسير على هداهم فقد اهتدى ونجا، ومن أراد أن يتبع غير سبيلهم، فسيوليه الله ما تولّى من المناهج والملل الضالة المضلة، ومن زعم أنه أهدى منهم فقد كذب على الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- والله يهدي إلى سواء السبيل.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 47
الثلاثاء 18 ذو الحجة 1437 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

الغلظة على الكفار والمرتدين في سيرة الخلفاء الراشدين [2/2] وأما في اليمامة فقد جرت أشد المعارك ...

الغلظة على الكفار والمرتدين في سيرة الخلفاء الراشدين

[2/2]
وأما في اليمامة فقد جرت أشد المعارك وأحماها وطيسا مع المرتدين من أتباع مسيلمة الكذاب، وبذل فيها الصحابة -رضوان الله عليهم- أقصى ما يستطيعون حتى مكّنهم الله من رقاب أعدائهم فأبادوا خضراءهم، قال ابن كثير: «فكان جملة من قتلوا في الحديقة وفي المعركة قريبا من عشرة آلاف مقاتل، وقيل واحد وعشرون ألفا، وقتل من المسلمين ستمائة وقيل خمسمائة»، وقال ابن الأثير في «الكامل»: «ووصل كتاب أبي بكر إلى خالد أنْ يقتل كل محتلم، وكان قد صالحهم فوفى لهم ولم يغدر»، ولولا الصلح الذي عقده خالد بن الوليد -رضي الله عنه- مع مجاعة عن قومه بني حنيفة قبل وصول كتاب الصديق -رضي الله عنه- لاستأصل ما بقي منهم، والله أعلم.

وفي البحرين بعد أن أثخن العلاء بن الحضرمي -رضي الله عنه- بمرتديها ففروا أمامه وتبعهم المسلمون ينكلون بهم، ركب المرتدون السفن وعبروا الخليج، قال ابن كثير: «ثم ركب المسلمون في آثار المنهزمين يقتلونهم بكل مرصد وطريق، وذهب من فر منهم أو أكثرهم في البحر إلى دارين»، وهنا لم يترك لهم المسلمون فرصة التقاط الأنفاس أو الهرب بأنفسهم، فقرروا عبور الخليج بالسفن إليهم، ولما وجدوا أنَّ ذلك سيؤخرهم عن مبتغاهم قرر العلاء الحضرمي -رضي الله عنه- أن يخوض هو وجيشه الخليج متوكلاً على ربه مستعينا به، قال ابن كثير: «فأجاز بهم الخليج -بإذن الله- يمشون على مثل رملة دمثة فوقها ماء، لا يغمر أخفاف الإبل، ولا يصل إلى ركب الخيل ومسيرته للسفن يوم وليلة، فقطعه إلى الساحل الآخر فقاتل عدوه وقهرهم واحتاز غنائمهم ثم رجع فقطعه إلى الجانب الآخر، فعاد إلى موضعه الأول وذلك كله في يوم، ولم يترك من العدو مخبرا واستاق الذراري والأنعام والأموال»، وعلى هذه الوتيرة كانت كل حروب الردة، تنكيل وإثخان بالمرتدين حتى يرجعوا لأمر الله أو يقتلوا على ردتهم.

وبفراغ الصديق -رضي الله عنه- من حروبهم، عمد إلى البدء في فتوح العراق والشام، فالمرتدون عقبة كؤود في طريق الجهاد في سبيل الله ونشر الإسلام في الأرض لا بد من اقتلاعها، حتى يتيسر لأمة الإسلام دعوة من خالفها من الأمم وقتالهم على أمر الله.

وفي إحدى معاركه مع الفرس المجوس أقسم سيف الله المسلول -رضي الله عنه- أن يجري النهر بدمائهم، قال ابن كثير: «وقال خالد اللهم لك علي إن منحتنا أكتافهم أن لا أستبقي منهم أحدا أقدر عليه حتى أجري نهرهم بدمائهم، ثم إن الله -عز وجل- منح المسلمين أكتافهم، فنادى منادي خالد الأسر الأسر لا تقتلوا إلا من امتنع من الأسر، فأقبلت الخيول بهم أفواجا يساقون سوقا وقد وكَّل بهم رجالا يضربون أعناقهم في النهر، ففعل ذلك بهم يوما وليلة، ويطلبهم في الغد ومن بعد الغد، وكلما حضر منهم أحد ضربت عنقه في النهر، وقد صرف ماء النهر إلى موضع آخر، فقال له بعض الأمراء إن النهر لا يجري بدمائهم حتى ترسل الماء على الدم فيجري معه فتبرَّ بيمينك، فأرسله فسال النهر دما عبيطا، فلذلك سمى نهر الدم إلى اليوم... وبلغ عدد القتلى سبعين ألفا».

وفي إحدى حروب خالد بن الوليد -رضي الله عنه- مع الروم سأله أحد قادتهم -وهو ماهان- اللقاء والمحاورة ليرده عن قصده فكان الجواب المرعب من خالد مُوقفاً له عند حده. قال ابن كثير: «فقال ماهان: إنا قد علمنا أنّ ما أخرجكم من بلادكم الجهد والجوع، فهلموا إلى أن أعطي كل رجل منكم عشرة دنانير وكسوة وطعاما وترجعون إلى بلادكم، فإذا كان من العام المقبل بعثنا لكم بمثلها؛ فقال خالد: إنه لم يخرجنا من بلادنا ما ذكرت، غير أنَّا قوم نشرب الدماء، وأنه بلغنا أنه لا دم أطيب من دم الروم، فجئنا لذلك؛ فقال أصحاب ماهان: هذا والله ما كنا نحدَّث به عن العرب».

وفي خلافة علي -رضي الله عنه- ظهر قوم غلوا فيه وادعوا ربوبيته فأمر بإحراقهم جميعا، ذكر الذهبي في «تاريخ الإسلام»: «جاء أُناس إلى علي فقالوا: أنت هو! قال: من أنا؟ قالوا: أنت هو! قال: ويلكم من أنا؟ قالوا: أنت ربنا! قال: ارجعوا! فأبوا، فضرب أعناقهم، ثم خدّ لهم في الأرض، ثم قال: يا قنبر ائتني بحزم الحطب، فحرقهم بالنار، وقال: لما رأيت الأمر أمراً منكراً أوقدت ناري ودعوت قنبرا».


إن ما ذكرناه من قصص هنا لا يعدو كونه نماذج قليلة من نمط تعامل الصحابة مع الكفرة والمرتدين في حروبهم معهم، فمن شاء أن يسير على هداهم فقد اهتدى ونجا، ومن أراد أن يتبع غير سبيلهم، فسيوليه الله ما تولّى من المناهج والملل الضالة المضلة، ومن زعم أنه أهدى منهم فقد كذب على الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- والله يهدي إلى سواء السبيل.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 47
الثلاثاء 18 ذو الحجة 1437 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

الغلظة على الكفار والمرتدين في سيرة الخلفاء الراشدين [1/2] كان الصحابة -رضوان الله عليهم- أرقّ ...

الغلظة على الكفار والمرتدين في سيرة الخلفاء الراشدين

[1/2]
كان الصحابة -رضوان الله عليهم- أرقّ الناس أفئدة، وألينهم قلوبا وجانبا، وأحسنهم معشرا وأخلاقا، وأخلصهم في الدعوة والحرص على نشر الدين ورفع راية الإسلام، وكانوا أشد الناس حرصا على التمسك بالهدي النبوي واتّباع سنّة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الأمور كلّها، ومن ذلك قضية التعامل مع الكفار في أوقات السلم وأوقات الحروب على حد سواء، فقد كانوا أشداء على الكفار، يغلظون عليهم بالسيف واللسان، حتى ثبّتوا للدين أصوله، وأقاموا للإسلام قواعده، ورفعوا للتوحيد رايته.

وأولهم الصديق -رضي الله عنه- الذي ثبّت الله الإسلام بثباته حين عزم على قتال المرتدين الذين امتنعوا عن شريعة واحدة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة، وهي فريضة الزكاة، فلم يفرق بينهم وبين من عاد إلى عبادة الأوثان أو من اتبع الدجّالين، لذا عقد الألوية وبث السرايا، ومنها اللواء الذي عقده لسيف الله المسلول خالد بن الوليد، رضي الله عنه.

وفي أولى صولاته مع المرتدين تمكن خالد -رضي الله عنه- من كسر جيش طليحة بن خويلد الأسدي، ومن انضم إليه من قبائل العرب، ففلَّ جمعهم وكسر شوكتهم، فأرسل الصديق إليه يوصيه بالتنكيل والإثخان فيهم، قال ابن كثير: «وقد كتب أبو بكر الصديق إلى خالد بن الوليد حين جاءه أنه كسر طليحة ومن كان في صفه وقام بنصره، فكتب إليه: ليزدك ما أنعم الله به خيرا، واتق الله في أمرك، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، جُدَّ في أمرك ولا تلن، ولا تظفر بأحد من المشركين قتل من المسلمين إلَّا نكلت به، ومن أخذت ممن حاد الله أو ضاده ممن يرى أن في ذلك صلاحا فاقتله» [البداية والنهاية].

وقد أنفذ سيف الله المسلول الوصية، فانطلق يطلب مَن بقي مِن المرتدين مِن فلول الجيش المنهزم وينكل بهم ويقتص منهم، قال ابن كثير: «فجعل يتردَّد في طلب هؤلاء شهرا يأخذ بثأر من قتلوا من المسلمين الذين كانوا بين أظهرهم حين ارتدوا، فمنهم من حرَّقه بالنار ومنهم من رضخه بالحجارة، ومنهم من رمى به من شواهق الجبال، كل هذا ليعتبر بهم من يسمع بخبرهم من مرتدة العرب»، وفي هذا إرهاب لمن بقي من المرتدين الذين بدءوا يتسامعون هذه الأخبار فبادر بعضهم إلى التوبة والانقياد وعاند آخرون وأصروا على القتال والجلاد.

ولما قدم وفد بزاخة يسألون أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- الصلح متعهدين بالرجوع إلى أحكام الإسلام كافة، خيّرهم بين الحرب المجلية أو السلم المخزية، قال ابن كثير: «فقالوا يا خليفة رسول الله أما الحرب المجلية فقد عرفناها، فما السلم المخزية؟ قال: تؤخذ منكم الحلقة والكراع وتتركون أقواما يتبعون أذناب الإبل، حتى يري الله خليفة نبيه والمؤمنين أمرا يعذرونكم به، وتؤدون ما أصبتم منا ولا نؤدي ما أصبنا منكم، وتشهدون أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار»، والحديث عند البخاري مختصرا.

وهذا الفعل من الصديق -رضي الله عنه- إذلال لمن حارب الله ورسوله ليتبين لهم سوء ما فعلوه وعظم ما اقترفوه، وفيه تأمين لدولة الإسلام من خطرهم بنزع سلاحهم بعد توبتهم، وهو منبئ عن عزة الإسلام والمسلمين، فمع أنَّ الحرب لم تنته بعد مع المرتدين، إلا أنه فرض الشروط التي تدل على عزة المسلمين وعزة دولتهم وذلة من يعاديها أو يحاربها.

وللصديق رضي الله عنه موقف آخر مع مرتد خادع المسلمين وحاربهم وهو الفجاءة السلمي، فكان جزاؤه أن يحرقه بالنار، قال ابن كثير: «وقد كان الصديق حرَّق الفجاءة بالبقيع في المدينة، وكان سببه أنه قدم عليه فزعم أنه أسلم وسأله أن يجهز معه جيشا يقاتل به أهل الردة، فجهز معه جيشا فلما سار جعل لا يمر بمسلم ولا مرتد إلا قتله وأخذ ماله، فلما سمع الصديق بعث وراءه جيشا فردّه، فلما أمكنه بعث به إلى البقيع فجُمعت يداه إلى قفاه، وألقي في النار فحرقه وهو مقموط».

وأما في اليمامة فقد جرت أشد المعارك وأحماها وطيسا مع المرتدين من أتباع مسيلمة الكذاب، وبذل فيها الصحابة -رضوان الله عليهم- أقصى ما يستطيعون حتى مكّنهم الله من رقاب أعدائهم فأبادوا خضراءهم، قال ابن كثير: «فكان جملة من قتلوا في الحديقة وفي المعركة قريبا من عشرة آلاف مقاتل، وقيل واحد وعشرون ألفا، وقتل من المسلمين ستمائة وقيل خمسمائة»، وقال ابن الأثير في «الكامل»: «ووصل كتاب أبي بكر إلى خالد أنْ يقتل كل محتلم، وكان قد صالحهم فوفى لهم ولم يغدر»، ولولا الصلح الذي عقده خالد بن الوليد -رضي الله عنه- مع مجاعة عن قومه بني حنيفة قبل وصول كتاب الصديق -رضي الله عنه- لاستأصل ما بقي منهم، والله أعلم.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 47
الثلاثاء 18 ذو الحجة 1437 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

الجهادُ بالـدُّعاء (2) [2/2] ومن أهم شروط استجابة الدعاء إخلاص الدعاء لله الواحد الأحد، ...

الجهادُ بالـدُّعاء (2)

[2/2]

ومن أهم شروط استجابة الدعاء إخلاص الدعاء لله الواحد الأحد، ومنها: متابعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طريقة دعائه وكيفيته وتجنب البدع والمحدثات في الدعاء، ومنها: العزم والجزم، قال، صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا أحدكم فليعزم في الدعاء، ولا يقل: اللهم إن شئت فأعطني) [متفق عليه]، ومنها: الثقة بإجابة الله تعالى للدعاء، قال صلى الله عليه وسلم: (فإذا سألتم الله فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإنَّ الله لا يستجيبُ لعبدٍ دعاءً من ظهرِ قلبٍ غافل) [رواه أحمد]، ومنها: الرغبة فيما عند الله تعالى من الثواب، والرهبة مما عنده من العقاب، وحضور القلب والخشوع، قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90].

كما أنَّ للدعاء آدابا ومستحبات، تجعل الدعاء أقرب للإجابة، منها: أن يكون الداعي طاهراً ويستقبل القبلة ويرفع يديه، ومنها أن يثني الداعي على الله -عز وجل- بما هو أهله ويصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل الدعاء، ومنها: أن يقدِّم بين يدي دعائه عملاً صالحاً، ومنها: الإلحاح على الله في الطلب وتكراره ثلاثاً أو أكثر، والبكاء، ومنها: خفض الصوت بالدعاء إذا كان الداعي منفرداً، أما الإمام فلا بد من رفع صوته حتى يؤمّن الناس على دعائه، ومنها: تحري مواطن إجابة الدعاء، كالثلث الأخير من الليل وأدبار الصلوات المفروضة، وبين الأذان والإقامة، وعند نزول الغيث، وعند زحف الصفوف في سبيل الله، وعند التقائها، والساعة الأخيرة من يوم الجمعة، وفي السجود، وعند سماع صياح الديكة، وعند الفطر من الصوم، وفي السفر...

هذا وليحذر الداعي من موانع استجابة الدعاء، التي منها: دعاء غير الله تعالى والاستشفاع بالأموات والغائبين، فهذا شرك أكبر مخرج من الملّة، ومنها: التوسل إلى الله بأدعية بِدعية، كدعاء الله سبحانه بجاه النبي -صلى الله عليه وسلم- قائلا: «اللهم أسألك بجاه نبيّك»، ومنها: تحجير رحمة الله، كأن يقول الداعي: اللهم ارحم فلانا واغفر لفلان ولا ترحم وتغفر لفلان، ومنها: الدعاء بالإثم وقطيعة الرحم، ومنها: ارتكاب المعاصي وخاصةً أكل الحرام كالسرقة والربا والخمر والدخان، وقد ذكر رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟!) [رواه مسلم]، ومنها: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم) [رواه الترمذي وحسنه].

كما على الداعي أن يتجنَّب مكروهات الدعاء، كالجهر الشديد بالصوت، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «نزلت هذه الآية {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} في الدعاء» [متفق عليه]، ومنها: التكلُّف والتصنُّع باستخدام ألفاظ مسجوعة أو غير مفهومة للعامة، وإن كانت الفصاحة في الدعاء محمودة لكي لا يتأثر المعنى، لكنّ الخروج عن المألوف في ذلك مذموم، كونه يُذهب الخشوع ويلهي القلوب، ومنها: أن يطلب الداعي مسألة لا يليق طلبها، كأن يسأل الله تعالى أن يخلِّده في الدنيا، أو أن يطلب أن تكون منزلته مثل منزلة الأنبياء...

فيا جنود الدولة الإسلامية ويا أمراءها ويا رعاياها ويا مناصريها، ادعوا الله أن ينصر خلافتكم، وأن يهزم جالوت العصر أمريكا وجنودها، فالله مستجيبٌ دعاءكم ولو بعد حين .


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 47
الثلاثاء 18 ذو الحجة 1437 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

الجهادُ بالـدُّعاء (2) [1/2] الدعاء سلاح المؤمن، وهو نوعٌ من أنواع الجهاد في سبيل الله ...

الجهادُ بالـدُّعاء (2)

[1/2]

الدعاء سلاح المؤمن، وهو نوعٌ من أنواع الجهاد في سبيل الله باللسان، ويتأكد بحق المستضعفين من المسلمين ومن لم ييسر الله لهم مباشرة القتال بالنفس والمال، وقد كان الدعاء سبب انتصار طالوت وجنوده الموحدين على جالوت وجنوده الكافرين كما في سورة البقرة، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أول ما يفزع إليه إذا داهم المسلمين عدو أو حاصرهم أو التحمت صفوفهم بالمشركين.

وكذا كان الصحابة -رضي الله عنهم- وتابعوهم، لا يلجؤون في معاركهم إلّا إلى ربِّهم، يتوكلون عليه، وينكسرون بين يديه، ويتضرعون إليه، ويتبرؤون من حولهم وقوتهم إلى حوله وقوته سبحانه، فما يلبثون إلا أن يثبِّتهم جلَّ جلاله، وينزّل عليهم السكينة، ويخذل عدوهم ويقذف في قلوبهم الرعب ويردَّهم مهزومين.

فهذا الصحابي الجليل النعمان بن مقرن، أرسله الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- على رأس جيشٍ لقتال الفرس الذين خرجوا بمائة وخمسين ألف مقاتل لغزو بلاد المسلمين عام 21 هـ، فالتقى الجمعان في منطقة نهاوند في بلاد فارس، وانتظر النعمان ليبدأ القتال في في أحبِّ الساعات التي كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتحين لقاء العدو فيها، وذلك عند الزوال، فلما كان قريباً من تلك الساعة ركب فرسه وسار في الناس ووقف على كل راية يذكّرهم ويحرّضهم ويعدهم الظفر، وقال لهم: «إني مكبّر ثلاثاً، فإذا كبَّرت الثالثة فإني حامل فاحملوا»، ثم دعا قائلاً: «اللهم أعزز دينك، وانصر عبادك، واجعل النعمان أول شهيدٍ اليوم، اللهم إني أسألك أن تقرَّ عيني بفتح يكون فيه عز الإسلام، واقبضني شهيداً»، فبكى الناس وأمَّنوا على دعائه.

فماذا كانت العاقبة؟! فبعد أن اقتتلوا قتالاً شديداً، انهزم الفرس وقُتل منهم ما بين الزوال والإعتام ما ملأ أرض المعركة دماً يزلق به الناس والدواب، فلما أقرَّ الله عين النعمان بالفتح ورأى هزيمة المشركين؛ اصطفاه شهيداً في آخر المعركة استجابةً لدعوته [الكامل في التاريخ لابن الأثير].
ولو أتينا نتتبع آثار السلف الصالح في استخدامهم لسلاح الدعاء في معاركهم، وكيف أن الدعاء كان له الأثر البالغ في انتصاراتهم؛ لطال بنا المقام، فمن ذلك أن الفاتح الكبير القائد قتيبة بن مسلم الباهلي -رحمه الله- كان يصطحب معه في فتوحاته العلماء والفقهاء والعُبَّاد، يستنصر بدعائهم، ففي أواخر القرن الأول الهجري وفي إحدى غزواته، صافَّ قتيبة الترك، فهاله أمرهم وجموعهم وعدتهم؛ فبعث يسأل عن الإمام التابعي محمد بن واسع -رحمه الله- فقيل له: «هو ذاك في ميمنة الجيش متكئاً على قوسه رافعاً إصبعه يناجي ربه النصر على العدو»، فقال قتيبة قولته المشهورة: «تلك الإصبع أحبُّ إليَّ من مائة ألف سيف شهير وشاب طرير» [سير أعلام النبلاء]، وما قال ذلك واستبشر بالنصر إلا لعلمه بفضل سلاح الدعاء وأهميته، وبالفعل فإنه لما التقى جيش الترك المشركين وقاتلهم؛ فتح الله له وكسرهم، وأخذ البلاد منهم، وقتل منهم خلقا وأسر آخرين، وغنم أموالا كثيرة [البداية والنهاية].

وتعالوا بنا نقف مع فاتحٍ ثانٍ، إنه القائد البطل والي خراسان أسد بن عبد الله القسري -رحمه الله- ففي إحدى معاركه الطاحنة مع الترك عام 119 هـ صلى بعسكر المسلمين الصبح ثم خطب بهم قائلاً: «إنَّ عدو الله الحارث بن سريج -وهو ممن خرج عن طاعة بني أمية في زمن هشام بن عبد الملك- استجلب طاغيته -يقصد خاقان الترك- ليطفئ نور الله ويبدل دينه، والله مذله إن شاء الله، وإنّ عدوكم الكلب أصاب من إخوانكم ما أصاب، وإن يرد الله نصركم لم تضركم قلتكم وكثرتهم، فاستنصروا الله»، ثم قال: «إنه بلغني أن العبد أقرب ما يكون إلى الله إذا وضع جبهته لله، وإني نازلٌ وواضعٌ جبهتي، فادعوا الله واسجدوا لربكم وأخلصوا له الدعاء».

ففعلوا ثم رفعوا رؤوسهم وهم لا يشكّون في الفتح، وساروا لقتال الترك المشركين، فلما وصلوا لبَلْخ -إحدى مدن خراسان- صلى بالناس ركعتين طوَّلهما، ثم نادى في الناس أن ادعوا الله، وأطال في الدعاء ودعا بالنصر وأمَّن الناس على دعائه، فقال: «نُصرتم وربِّ الكعبة إن شاء الله» ثلاث مرات.

فلما وصلوا للمشركين والمرتدين انهزم الحارث وولى خاقان مدبراً وتلاشى الترك في الأرض لا يلوون على أحد، فتبعهم المسلمون يقتلون من يقدرون عليه حتى انتهوا إلى أغنامهم، فاستاقوا أكثر من خمس وخمسين ومائة ألف شاة [تاريخ الطبري].

تلك كانت قبسات من مآثر أسلافنا التي نستلهم منها أن الدعاء أحد أهم أسباب النصر على العدو، متى ما تحققت فيه شروط الاستجابة وانتفت موانعها.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 47
الثلاثاء 18 ذو الحجة 1437 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 47 الإفتتاحية: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم إن القتال في سبيل الله وفاء ...

صحيفة النبأ العدد 47
الإفتتاحية:
فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم


إن القتال في سبيل الله وفاء بالعهد الذي بين الله تعالى ومن آمن به حقا، والذي وصفه سبحانه بقوله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111]، ولا يكمل إيمان مسلم حتى يوفي ما عليه من شروط هذا البيع، وينال لقاء ذلك الجنة التي وعد الله بها عباده المؤمنين حقا، وذلك الفوز العظيم.

ولعظيم درجة الشهداء بين المؤمنين فإن هممهم تتسابق لنيل هذه الدرجة، وبلوغ تلك المرتبة، وإن أنفسهم تتسابق على ورود حياض المنايا، يتنازعون كؤوسها، ويفزعون إلى سوح القتال كلما سمعوا هيعة إليها، يطلبون الموت مظانّه، قربة إلى الله ربّ العالمين، غير متناسين بالطبع الشطر الآخر من مقتضيات الطلب الربّاني منهم، المتمثّل بقتل المشركين، وضرب رقابهم، قربة أخرى إلى الله ربّ العالمين.

وتأكيدا على فضل هذا النوع من القربات، جعل الله تعالى قتل الكافرين وسفك دمائهم كفارة للذنوب والمعاصي، وعهد نجاة من النار لمن فعله من المسلمين، كما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبدا) [رواه مسلم]، بل ورتّب في الزيادة فيه والإكثار منه زيادة في الإيمان، كما قال سبحانه: {وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة: 120]، وكل ذلك الفضل ينعم به الله تعالى على المسلمين رغم أنه سبحانه يقتلهم بقضائه وقدره، كما قال جلّ جلاله: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17]، فهو يُنعم على من يجعل فعل القتل للكافرين على أيديهم من أهل الإيمان.

وإن التعبّد بقتل المشركين، والتقرّب بدمائهم إلى الله سبحانه، وطلب التكفير عن الذنوب والخطايا بها، مما أُمر به الموحّدون ممن سبقنا، حيث جعلها الله شرطا لقبول التوبة من بني إسرائيل بعد أن وقعوا في شرك عبادة العجل، فأمر المسلمين منهم بقتل المرتدين، كما في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 54]، رغم أنه جل جلاله قد أخذ على بني إسرائيل الميثاق بأن لا يسفكوا دماءهم، ولكن لعظم جريمة الشرك، جعلها الله أشد عنده من القتل وسفك الدماء اللذين جعلهما الله جزاء للكافرين في الدنيا، قبل أن يلاقوا العذاب الأليم في الآخرة، كما في قوله تبارك وتعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 191].

وإذا علم الموحّد أن الله سبحانه جعل جزاء الكفار في الدنيا أن يُقتلوا على أيدي المؤمنين علم أنه يجب عليه أن يتعبّد الله بقتلهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وبأي وسيلة يمكّنه الله منها، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وأنه لا يحقر قتل أي فرد من المشركين الحربيين مهما صغر قدره عندهم، وإن كان يسعى لاستهداف أئمة الكفر منهم، وخاصة الطواغيت وجنودهم وعلماء السوء المجادلين عنهم وأحفاد قارون المرتبطين بهم، لما في ذلك من كسر لشوكتهم، وتنكيس لرايتهم.

فليحرص أتباع ملّة إبراهيم -عليه السلام- على قتل المشركين كحرصهم على الشهادة في سبيل الله، وليسْعَ المنغمس في أعداء الله إلى إيقاع أكبر قدر من القتل في صفوف المشركين، فإن له بكل نفس منهم يزهقها عملا صالحا، وكفارة للذنوب، وتحقيقا للنجاة من النار، وخزيا وعذابا للمشركين، وشفاء لصدور المؤمنين، وإذهابا لغيظ قلوبهم، وتوبة من الله يتوب بها على من يشاء من عباده الموحّدين، والله عليم حكيم.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 47
الثلاثاء 18 ذو الحجة 1437 ه‍ـ
...المزيد

من قصص الثبات في حياة الصحابيات [2/2] وأما أسماء، فبنت الصديق، رضي الله عنها وعن أبيها، تلك ...

من قصص الثبات في حياة الصحابيات
[2/2]

وأما أسماء، فبنت الصديق، رضي الله عنها وعن أبيها، تلك التي ضربت في الثبات والجهاد أروع الأمثلة، أسماء التي يخرج أبوها مهاجرا مع النبي، صلى الله عليه وسلم، فيأخذ كل ماله ولا يترك لهم شيئا، فلا تتذمر ولا تتبرم، بل تحتال على جدها ولا تفضح أباها، فعن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، أن أباه، حدثه عن جدته أسماء بنت أبي بكر، قالت: «لما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخرج معه أبو بكر، احتمل أبو بكر ماله كله معه: خمسة آلاف درهم، أو ستة آلاف درهم»، قالت: «وانطلق بها معه»، قالت: «فدخل علينا جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره، فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه»، قالت: «قلت: كلا يا أبه، إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا»، قالت: «فأخذت أحجارا، فوضعتها في كوة البيت، كان أبي يضع فيها ماله، ثم وضعت عليها ثوبا، ثم أخذت بيده، فقلت: يا أبه، ضع يدك على هذا المال»، قالت: «فوضع يده عليه، فقال: لا بأس، إن كان قد ترك لكم هذا، فقد أحسن، وفي هذا لكم بلاغ»، قالت: «ولا والله ما ترك لنا شيئا، ولكني قد أردت أن أسكّن الشيخ بذلك» [رواه أحمد وغيره].

ولم تسلم ذات النطاقين من بطش الطاغوت أبي جهل إذ تقول: «لما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر، أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل، فوقفوا على باب أبي بكر فخرجت إليه»، فقالوا: «أين أبوك يا بنت أبي بكر؟» قالت: «قلت: لا أدري والله أين أبي»، قالت: «فرفع أبو جهل يده، وكان فاحشا خبيثا، فلطم خدي لطمة خر منها قرطي»، قالت: «ثم انصرفوا» [حلية الأولياء].

هكذا حال المسلمة المؤمنة بربها، الظانة به ظن الخير، المستعذِبة العذابَ في سبيل دينها، وإنه لما خرج قوم على خليفة المسلمين عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- وحاصره الحَجّاج الثقفي في مكة، كانت أسماء تلك الأم التي ثبتت ابنها وحرضته على الموت في سبيل الله تعالى، يقول ابن كثير: «ودخل عبد الله بن الزبير على أمه فشكا إليها خذلان الناس له، وخروجهم إلى الحَجّاج حتى أولاده وأهله، وأنه لم يبق معه إلا اليسير، ولم يبق لهم صبر ساعة، والقوم يعطونني ما شئت من الدنيا، فما رأيك؟ فقالت: يا بني، أنت أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق وتدعو إلى حق فاصبر عليه، فقد قُتل عليه أصحابك، ولا تمكّن من رقبتك، يلعب بها غلمان بني أمية، وإن كنتَ إنما أردتَ الدنيا فلبئس العبد أنت؛ أهلكتَ نفسك وأهلكتَ من قُتل معك، وإن كنتَ على حق فما وهن الدين، وإلى كم خلودكم في الدنيا؟ القتل أحسن [...] ثم جعلت تذكّره بأبيه الزبير، وجدّه أبي بكر الصديق، وجدّته صفية بنت عبد المطلب، وخالته عائشة زوج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وترجيه القدوم عليهم إذا هو قتل شهيدا، ثم خرج من عندها، فكان ذلك آخر عهده بها، رضي الله عنهما وعن أبيه وأبيها» [البداية والنهاية].

وأما الخنساء بنت عمرو، فحالها ليس ببعيد عن حال أسماء، فعن أبي وجزة، عن أبيه، قال: «حضرت الخنساء بنت عمرو بن الشريد السلمية حرب القادسية ومعها بنوها أربعة رجال، فقالت لهم من أول الليل: يا بني، إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم، ولا غبرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمّرت عن ساقها، واضطرمت لظى على سياقها، وجللت نارا على أوراقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها، عند احتدام خميسها، تظفروا بالغنم والكرامة، في دار الخلد والمقامة» [الاستيعاب].

فكان للخنساء ما أرادت، وخرج أبناؤها الأربعة يبتغون الموت مظانه فقتلوا جميعهم في يوم واحد، ولما بلغها خبرهم ما زادت على أن قالت: «الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته».

فلله در نساء كهؤلاء، ما قعدن يبكين وينتحبن في ساعات الشدة والبلاء، بل حملن على أعتاقهن هم الدين والأمة، فهذه تثبت زوجا، وتلك تحرض ابنا...
وبمثل هؤلاء تقتدي المسلمة، وإذا اشتدت الأزمات وضاقت الحلقات، تسلت بذكر ثباتهن، واستعطرت بطيب سيرهن.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


• المصدر: صحيفة النبأ - العدد 46
الثلاثاء 4 ذو الحجة 1437 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

من قصص الثبات في حياة الصحابيات [1/2] الجنة... سلعة الله الغالية، خير المقام ومنتهى المرام، ...

من قصص الثبات في حياة الصحابيات
[1/2]

الجنة... سلعة الله الغالية، خير المقام ومنتهى المرام، إليها يتسابق المؤمنون، ويتنافس في نيلها المتنافسون، تحار في كنهها العقول، ويعجز عن وصفها فحل قؤول، غير أنها قد حُفّت بالأشواك لا بالورود، ودماء المشترين وأشلاؤهم على ذلك شهود، والجود بالنفس أقصى غاية الجود، «بالله ما هزلت فيستامها المفلسون، ولا كسدت فيبيعها بالنسيئة المعسرون، لقد أقيمت للعرض في سوق من يريد، فلم يرض ربها لها بثمن دون بذل النفوس، فتأخر البطّالون، وقام المحبّون ينتظرون أيُّهم يصلح أن يكون نفسه الثمن» [زاد المعاد].

يقول الله -عز وجل- في كتابه العزيز قولا عظيما، طوبى لمن قرأه أو سمعه فتأمله وتدبره: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 140-142]، إنه التدبير الرباني المحكم؛ قرح بقرح، ودولة بدولة، والمؤمنون منهم شهداء، والذين آمنوا يُبتلون ليتمايزوا، ويعلو الطيّب على الخبيث، وأما الجنة فثواب من نجح في الاختبار، وصبر عند البلاء، وثبت ساعة الشدة، ولم يفزع أو يسخط، ولم يكن لسان حاله: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا}، وهيهات لمثل هذا أن ينعم بجنان ربه هيهات.

ولا تظنَّنَّ المسلمة الموحدة أنها بمنأى عن دوائر التمحيص والابتلاء، بل إنها في ذلك والرجل سواء بسواء، وأكثر من ذلك؛ قد يكون لها عظيم الدور في تثبيت الزوج والأبناء.

فهذه خديجة وأسماء، وتلك سمية وخنساء وغيرهن كثيرات ممن لا يسع المقام لذكر مناقبهن؛ أما خديجة فأم المؤمنين صاحبة أول قلب يخفق إيمانا بالرسالة المحمدية، خديجة التي كانت ممن ثبّت الله هذا الدين بتثبيتها زوجها سيد المرسلين محمد، صلى الله عليه وسلم.

أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- وبعد نزول الوحي عليه لأول مرة في غار حراء وفزعه منه، أتى خديجة زوجه فأخبرها الخبر ثم قال: (لقد خشيتُ على نفسي)، قالت له خديجة: «كلا أبشر، فوالله، لا يخزيك الله أبدا، والله، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق...» إن أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- وهي تسمع ذاك الخبر العجاب من زوجها، لم تجزع ولم تهلع، ولم تمسك بتلابيب بعلها خوفا من قادم الأيام، ولم تثبّط فؤاده بل ثبّتته، حتى قال العلماء عن كلامها كما نقل النووي فقال: «قال العلماء... وفيه [أي كلام خديجة، رضي الله عنها] أعظم دليل وأبلغ حجة على كمال خديجة -رضي الله عنها- وجزالة رأيها، وقوة نفسها، وثبات قلبها، وعظم فقهها، والله أعلم» [شرح صحيح مسلم].
وتمضي الأيام وينتشر أمر الدعوة ويبطش طواغيت قريش بالموحدين، ويحاصرونهم في شعب أبي طالب ويمنعون عنهم القوت والماء، وأم المؤمنين ثابتة مع زوجها، صابرة محتسبة، يصيبها ما يصيب القوم من جوع وظمأ، وهي من هي، سليلة الحسب والنسب، صاحبة المال والجاه، حتى حوصرت معهم في شعب أبي طالب لعامين، وضرها ما لاقت من جوع وتعب، فماتت وهي صابرة محتسبة، ثابتة على دينها، راض عنها زوجها، عليه الصلاة والسلام، فرضي الله عنها وأرضاها.

أما سمية فهي سمية بنت خياط، أم عمار بن ياسر، وكانت سابع سبعة في الإسلام، وأول شهيدة تسقي بدمائها شجرة التوحيد، نعم يا مسلمة؛ إن أول دماء سالت في سبيل لا إله إلا الله كانت دماء امرأة، فقد كانت سمية وزوجها وابناها من موالي بني مخزوم، ولما أسلموا لقوا صنوفا وألوانا من العذاب، فعن جابر، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مرّ بعمار وأهله وهم يعذبون، فقال: (أبشروا آل عمار، وآل ياسر، فإن موعدكم الجنة) [رواه الضياء والحاكم].

إن سمية لم تعذب إلا في الله، كي تعود عن دينها، وتترك سبيل محمد، صلى الله عليه وسلم، هذا الرجل الذي لم يأتهم بمال ولا ذهب ولا فضة، وإنما بدين «جديد» لم يكن عليه الآباء من قبل، بكلمة يشهدونها ويعملون بها فتكون لهم الجنة، ورغم التعذيب الشديد، إلا أن سمية تلك المرأة الضعيفة المستضعفة ثبتت ولم تتزحزح عن دينها، ولم تتراجع عما باتت تعتقده وتدين الله تعالى به، قال ابن إسحاق في «السيرة»: «حدثني رجال من آل عمار بن ياسر أن سمية أم عمار عذبها آل بني المغيرة على الإسلام، وهي تأبى غيره حتى قتلوها»، فكانت خاتمتها الشهادة بعد صبرها وثباتها إذ طعنها عدو الله أبو جهل بحربة فقتلها.


• المصدر: صحيفة النبأ - العدد 46
الثلاثاء 4 ذو الحجة 1437 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً