من تعلّق طاغوتاً وُكل إليه • رُوي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من تعلّق شيئا وُكل ...

من تعلّق طاغوتاً وُكل إليه

• رُوي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من تعلّق شيئا وُكل إليه) [رواه النسائي عن أبي هريرة].

قال سليمان آل الشيخ، رحمه الله: «من تعلّق قلبه شيئا بحيث يتوكل عليه ويرجوه، وَكلَه الله إلى ذلك الشيء، فإن تعلّق العبد بربه وإلهه وسيده ومولاه، ربِّ كل شيء ومليكه، وكله إليه، فكفاه ووقاه وحفظه وتولاه، ونعم المولى ونعم النصير، كما قال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدهُ} [الزمر: 36]، ومن تعلّق بالسحر والشياطين، وكله الله إليهم فأهلكوه في الدنيا والآخرة، وبالجملة فمن توكل على غير الله كائنا من كان، وُكل إليه، وأتاه الشر في الدنيا والآخرة من جهته مُقابَلة له بنقيض قصده، وهذه سنة الله في عباده التي لا تُبدّل، وعادته التي لا تُحوّل، أن من اطمأن إلى غيره أو وثق بسواه، أو ركن إلى مخلوق يدبره، أجرى الله تعالى له بسببه أو من جهته خلاف ما علَّق به آماله، وهذا أمر معلوم بالنص والعيان. ومن تأمل ذلك في أحوال الخلق بعين البصيرة النافذة رأى ذلك عياناً» [تيسير العزيز الحميد].

وقال رحمه الله: «التعلّق يكون بالقلب، ويكون بالفعل، ويكون بهما جميعا، أي: من تعلّق شيئا بقلبه، أو تعلّقه بقلبه وفعله، وُكل إليه، أي: وكله الله إلى ذلك الشيء الذي تعلّقه، فمن تعلّقت نفسه بالله، وأنزل حوائجه بالله، والتجأ إليه، وفوّض أمره كلَّه إليه، كفاه كل مؤنة، وقرّب إليه كل بعيد، ويسّر له كل عسير، ومن تعلّق بغيره أو سكن إلى علمه وعقله ودوائه وتمائمه، واعتمد على حوله وقوته، وَكلَه الله إلى ذلك وخذله، وهذا معروف بالنصوص والتجارب؛ قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]...» [تيسير العزيز الحميد].

أفما آن لصحوات الردة -بجميع فرقهم وطوائفهم- أن يتدبروا واقعهم وحالهم؟ ألا يرون أن توكّلهم على الطواغيت وموالاتهم لعبّاد الصليب وقولَهم لهم {سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ} لم يُجْدِ شيئا سوى أن خلّى الحَكَمُ العدل -عز وجل- بينهم وبين عدوّهم الغاشم، حتى دخل الجيش النصيري وحلفاؤه من الروافض والصليبيين ديارهم واستباح دماءهم وأموالهم في أحياء حلب الشرقية والقديمة؟ دخلها بسويعات، من غير صواريخ ذكية ولا مسيّرات قاصفة ولا تحالف دولي ليس له مثيل في التاريخ المعاصر، أفلا يتدبّرون؟!

ولم يقدّم طاغوت الإخوان المرتدين أردوغان لعبيده من الصحوات شيئا، سوى اجتماعات مع صليبيي روسيا السفّاحين وتهاني لصليبيي أمريكا بمناسبة نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة وحملات على المهاجرين والأنصار الذين كانوا السد المنيع أمام تقدم النصيرية في مدينة حلب وأريافها قبل غدر صحوات الردة بهم؟

نعم، من تعلّق شيئا وُكل إليه، فمن تعلّق طاغوتا عابدا لهواه، وُكل إليه، فاستخدمه في تحقيق مصالحه الشخصية والحزبية ثم رماه في مزبلة التاريخ مع غيره من الخونة الغادرين، فكيف إذا قاتل المتوكلُ على الطاغوت تحت راية جاهلية وفي سبيله ولإعلاء كلمته في أرض الشام المباركة؟!

ولو كان طاغوتهم أردوغان يخاف على أعراضهم، لأرسل جنوده الكفرة الفجرة نحو النصيرية الباطنية والبعثية العلمانية لقتالهم وقتلهم، ولوهب للصحوات ما عنده في ترسانة الجيش التركي المرتد من مضادات للطيران الروسي والسوري العتيق، لكن أنّى له ذلك؟ فحلب ليست جزءا من دولته المرتدة ولن يسمح لها إخوانه من الصليبيين أن تكون كذلك، فلا حاجة له فيها سوى القضاء على الـ PKK المرتدين، لمنعهم من زلزلة عرشه الفاني.

وما زال المجاهدون الموحدون يرجون لمن انتسب إلى الإسلام والسنة من الصحوات في حلب وإدلب وغيرهما وارتد وطنيا أو علمانيا أو ممتنعا عن الشرائع أو متوليا للمرتدين، أن يتوب إلى الله -جل وعلا- ويكفُر بما دونه، ويوالي فيه، ويعادي فيه، ويقاتل في سبيله، وحده لا شريك له، ويعلن ملّة الخليلين -عليهما الصلاة والسلام- على الملأ دون خجل، متوكّلا على الحي القيوم، متبرئا من الدعم المشروط والكافر الطاغوت.

ومن قتل ألف ألف من المهاجرين والأنصار، وأراد التوبة، فله الأمان، كما قال أمير المؤمنين -حفظه الله- وسلطان الشريعة خير له من أرض تُحكم بقوانين الفصائل وأعرافها، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}، والحمد لله رب العالمين.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 58
الخميس 8 ربيع الأول 1438 ه‍ـ
...المزيد

إنما تصان العقائد بالدماء إنّ العقائد لا تحفظ في متون الكتب وبطونها، إنما تصونها الدماء -وتصون ...

إنما تصان العقائد بالدماء

إنّ العقائد لا تحفظ في متون الكتب وبطونها، إنما تصونها الدماء -وتصون الدماء- في ميادين القتال والمراغمة، وترسم خارطة الطريق في الحكم والعلاقات والولاءات، يحتكم إليها المسلمون دوما وأبدا دون غيرها ولا يعدلون أو يخلطون بها سواها، ولا يستبدلونها بالشورى الأمريكية نعني "الديمقراطية".


مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ " في الأصل لا الحاشية! " العدد (482)

• لقراءة الصحيفة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

حُدود الأخلاق ◾ للأخلاق حد متى جاوزته صارت عدوانا، ومتى قصرت عنه كان نقصا ومهانة • ...

حُدود الأخلاق

◾ للأخلاق حد متى جاوزته صارت عدوانا، ومتى قصرت عنه كان نقصا ومهانة

• الغضب
فللغضب حد، وهو الشجاعةُ المحمودةُ والأَنفةُ من الرذائل والنقائص، وهذا كماله فإذا جاوز حدَّه تعدَّى صاحبُه وجار، وإن نقصَ عنه جبُن ولم يأْنَفْ من الرذائل.

• الحرص
وللحرص حد، وهو الكفاية في أمور الدنيا وحصول البلاغ منها. فمتى نقص من ذلك كان مهانةً وإضاعةً، ومتى زاد عليه كان شَرَهًا ورغبةً فيما لا تُحمَد الرغبةُ فيه.

• الحسد
وللحسد حد، وهو المنافسةُ في طلب الكمال والأنفةُ أن يتقدَّم عليه نظيرُه. فمتى تعدَّى ذلك صار بغيًا وظلمًا.

• الشهوة
وللشهوة حد، وهو راحةُ القلب والعقل من كَدِّ الطاعةِ واكتساب الفضائل والاستعانة بقضائها على ذلك فمتى زادت على ذلك صارت نَهْمةً وشَبَقًا والتحقَ صاحبُها بدرجة الحيوانات، ومتى نقصتْ عنه ولم يكن فراغًا في طلب الكمال والفضل كانت ضعفًا وعجزًا ومهانةً.

• الراحة
وللراحة حد، وهو إجمامُ النفس والقُوى المدرِكة والفعَّالة للاستعداد للطاعة واكتساب الفضائل وتوفرها على ذلك، بحيثُ لا يُضعِفُها الكد والتعبُ ويضعفُ أثرها. فمتى زاد على ذلك صار توانيًا وكسلًا وإضاعةً وفات به أكثرُ مصالح العبد، ومتى نقص عنه صار مُضرًّا بالقُوى مُوهِنًا لها.

• الجود
والجود له حد بين طرفين؛ فمتى جاوز حدَّه صار إسرافًا وتبذيرًا، ومتى نقصَ عنه كان بُخلًا وتقتيرًا.

• الشجاعة
وللشجاعة حد؛ متى جاوزته صارت تهورًا، ومتى نقصتْ عنه صارتْ جُبنًا وخَوَرًا. وحدها الإقدام في مواضع الإقدام والإحجامُ في مواضع الإحجام.

• الغيرة
والغيرةُ لها حد؛ إذا جاوزته صارتْ تهمةً وظنًّا سيئًا بالبريء، وإن قصَّرتْ عنه كانت تغافلًا ومبادئ دياثةٍ.

• التواضع
وللتواضع حد؛ إذا جاوزه كان ذُلًّا ومهانةً، ومن قصَّر عنه انحرف إلى الكبر والفخر.

• العزة
وللعزِّ حد؛ إذا جاوزهُ كان كبرًا وخُلُقًا مذمومًا، وإن قصَّرَ عنه انحرف إلى الذُّلِّ والمهانة.

◾ وضابط هذا كُلِّه العدلُ، وهو الأخذُ بالوسطِ الموضوع بين طرفي الإفراط والتفريط، وعليه بناءُ مصالح الدنيا والآخرة.

[الفوائد] لابن القيم -رحمه الله-


المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 484
السنة السادسة عشرة - الخميس 28 شعبان 1446 هـ

• لقراءة الصحيفة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

مِن أقوال علماء الملّة قال الإمام ابن قدامة المقدسي -رحمه الله تعالى-: "كل من اتبع إِمَامًا ...

مِن أقوال علماء الملّة

قال الإمام ابن قدامة المقدسي -رحمه الله تعالى-:
"كل من اتبع إِمَامًا فِي الدُّنْيَا فِي سنة أَو بِدعَة أَو خير أَو شَرّ كَانَ مَعَه فِي الْآخِرَة فَمن أحب الْكَوْن مَعَ السّلف فِي الْآخِرَة وَأَن يكون موعودًا بِمَا وعدوا بِهِ من الجنات والرضوان فليتبعهم بِإِحْسَان وَمن اتبع غير سبيلهم دخل فِي عُمُوم قَوْله تَعَالَى {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ} [النِّسَاء]". [ذم التأويل] ...المزيد

مقتطفات نفيسة (46) من كلام أمير المؤمنين الشيخ أبي بكر البغدادي تقبله الله تعالى فاستقبلوا ...

مقتطفات نفيسة (46)

من كلام أمير المؤمنين الشيخ أبي بكر البغدادي تقبله الله تعالى

فاستقبلوا رمضان بالتوبة النصوح والعزيمة الصادقة؛
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [التحريم: 8]، {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]، وليس مِن عمل في هذا الشهر الفضيل ولا في غيره أفضل مِن الجهاد في سبيل الله، فاغتنموا هذه الفرصة، وسيروا على نهج سلفكم الصالح؛ انصروا دين الله بالجهاد في سبيل الله، فهبّوا أيها المجاهدون في سبيل الله؛ أرهبوا أعداء الله، وابتغوا الموت مظانّه؛ فالدنيا زائلة فانية، والآخرة دائمة باقية. ...المزيد

تذكرة بين يدي رمضان (٢/٢) وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يبشّر أصحابه بقدوم رمضان، كما ...

تذكرة بين يدي رمضان

(٢/٢)

وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يبشّر أصحابه بقدوم رمضان، كما خرّجه الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يبشّر أصحابه، يقول: (قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم)، قال بعض العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة النّاس بعضهم بعضا بشهر رمضان.

كيف لا يبشّر المؤمن بفتح أبواب الجنان، كيف لا يبشّر المذنب بغلق أبواب النيران، كيف لا يبشّر العاقل بوقت يغلّ فيه الشيطان، من أين يشبه هذا الزمان زمان.

وقال معلّى بن الفضل: كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلّغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبّل منهم. وقال يحيى بن أبي كثير: كان من دعائهم: "اللهم سلّمني إلى رمضان، وسلّم لي رمضان، وتسلّمه منّي متقبّلا".

بلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة على من أقدره الله عليه، ويدلّ عليه حديث الثلاثة الذين استشهد اثنان منهم، ثم مات الثالث على فراشه بعدهما، فرئي في المنام سابقا لهما، فقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (أليس صلّى بعدهما كذا وكذا صلاة، وأدرك رمضان فصامه، فوالذي نفسي بيده، إنّ بينهما لأبعد ممّا بين السّماء والأرض) خرّجه الإمام أحمد وغيره.

من رُحم في رمضان فهو المرحوم، ومن حُرم خيره فهو المحروم، ومن لم يتزوّد فيه لمعاده فهو ملوم.

يا من طالت غيبته عنّا، قد قربت أيّام المصالحة، يا من دامت خسارته قد أقبلت أيّام التّجارة الرّابحة، من لم يربح في هذا الشّهر ففي أيّ وقت يربح؟! من لم يقرب فيه من مولاه فهو على بعده لا يبرح.

كم ينادى: حيّ على الفلاح وأنت خاسر؟! كم تدعى إلى الصّلاح وأنت على الفساد مثابر؟!

كم ممّن أمّل أن يصوم هذا الشهر فخانه أمله، فصار قبله إلى ظلمة القبر، كم من مستقبل يوما لا يستكمله، ومؤمّل غدا لا يدركه. إنّكم لو أبصرتم الأجل ومسيره، لأبغضتم الأمل وغروره.

خطب عمر بن عبد العزيز آخر خطبة خطبها، فقال فيها: إنّكم لم تخلقوا عبثا، ولن تتركوا سدى، وإنّ لكم معادا ينزل الله فيه للفصل بين عباده، فقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كلّ شيء، وحرم جنّة عرضها السّماوات والأرض.

ألا ترون أنّكم في أسلاب الهالكين، وسيرثها بعدكم الباقون؟ كذلك حتّى تردّ إلى خير الوارثين. وفي كلّ يوم تشيّعون غاديا ورائحا إلى الله قد قضى نحبه، وانقضى أجله، فتودّعونه وتدعونه في صدع من الأرض غير موسّد ولا ممهّد، قد خلع الأسباب، وفارق الأحباب، وسكن التّراب، وواجه الحساب، غنيّا عمّا خلّف، فقيرا إلى ما أسلف؛ فاتّقوا الله عباد الله قبل نزول الموت وانقضاء مواقيته، وإنّي لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد من الذّنوب أكثر ممّا أعلم عندي، ولكني أستغفر الله وأتوب إليه. ثمّ رفع طرف ردائه وبكى حتّى شهق، ثمّ نزل فما عاد إلى المنبر بعدها حتّى مات رحمه الله".

[لطائف المعارف]
لابن رجب الحنبلي -رحمه الله-


المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 484
السنة السادسة عشرة - الخميس 28 شعبان 1446 هـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

تذكرة بين يدي رمضان (١/٢) "وهؤلاء يستثقلون رمضان؛ لاستثقالهم العبادات فيه؛ من الصّلاة ...

تذكرة بين يدي رمضان

(١/٢)

"وهؤلاء يستثقلون رمضان؛ لاستثقالهم العبادات فيه؛ من الصّلاة والصّيام، فكثير من هؤلاء الجهّال لا يصلّي إلا في رمضان إذا صام، وكثير منهم لا يجتنب كبائر الذنوب إلا في رمضان؛ فيطول عليه، ويشقّ على نفسه مفارقتها لمألوفها، فهو يعدّ الأيّام والليالي؛ ليعود إلى المعصية؛ وهؤلاء مصرّون على ما فعلوا وهم يعلمون، فهم هلكى؛ ومنهم من لا يصبر عن المعاصي، فهو يواقعها في رمضان..

فمن أراد الله به خيرا حبّب إليه الإيمان وزيّنه في قلبه، وكرّه إليه الكفر والفسوق والعصيان، فصار من الراشدين. ومن أراد به شرّا خلّى بينه وبين نفسه، فأتبعه الشيطان، فحبّب إليه الكفر والفسوق والعصيان، فكان من الغاوين.

الحذر الحذر من المعاصي، فكم سلبت من نعم، وكم جلبت من نقم، وكم خرّبت من ديار، وكم أخلت ديارا من أهلها، فما بقي منهم ديّار، كم أخذت من العصاة بالثار، كم محت لهم من آثار.

أين حال هؤلاء الحمقى من قوم كان دهرهم كله رمضان، ليلهم قيام ونهارهم صيام، باع قوم من السّلف جارية، فلمّا قرب شهر رمضان رأتهم يتأهّبون له ويستعدّون بالأطعمة وغيرها، فسألتهم فقالوا: نتهيّأ لصيام رمضان، فقالت: وأنتم لا تصومون إلّا رمضان؟ لقد كنت عند قوم كلّ زمانهم رمضان، ردّوني عليهم، وباع الحسن بن صالح جارية له، فلمّا انتصف الليل قامت فنادتهم: يا أهل الدار، الصّلاة الصّلاة، قالوا: طلع الفجر؟ قالت: وأنتم لا تصلّون إلّا المكتوبة؟ ثم جاءت إلى الحسن، فقالت: بعتني على قوم سوء لا يصلّون إلا الفرائض، ردّني ردّني.

قال بعض السّلف: صم الدّنيا واجعل فطرك الموت، الدّنيا كلّها شهر صيام المتقين، يصومون فيه عن الشّهوات المحرّمات، فإذا جاءهم الموت فقد انقضى شهر صيامهم، واستهلّوا عيد فطرهم.

من صام اليوم عن شهواته أفطر عليها بعد مماته، ومن تعجّل ما حرّم عليه قبل وفاته عوقب بحرمانه في الآخرة وفواته، وشاهد ذلك قوله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} الآية [الأحقاف: 20]. وقول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (من شرب الخمر في الدّنيا لم يشربها في الآخرة) و (من لبس الحرير في الدّنيا لم يلبسه في الآخرة).


المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 484
السنة السادسة عشرة - الخميس 28 شعبان 1446 هـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 484 المقال الافتتاحي: سبيل العزة (٢/٢) فالمسلم عزيز باتباعه دين الله، ...

صحيفة النبأ العدد 484
المقال الافتتاحي:
سبيل العزة

(٢/٢)
فالمسلم عزيز باتباعه دين الله، وسلوكه نهج نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ومن ثمار هذه العزة أنك تجد المسلم مقداما شجاعا يقول الحق ولا يخشى في الله لومة لائم، يتقدم ولا يحجم، ولا يعمل حسابا لغير الله تعالى، لأنه يعلم أن الله عزيز مغالب عزّ على كل شيء فغلبه وقهره، فبات وما في قلبه إلا خوف العزيز القهار فاكتسب بذلك عزة ومهابة ظهرت على جوارحه حتى هابه أعداؤه ولو كان وحده، فلا يقتحمون عليه عرينه إلا بغطاء الطائرات وأرتال الآليات، كما نراهم في حملاتهم المكوكية على أجناد الخلافة شرقا وغربا يحشدون المئات لاقتحام كهف غائر في جبل أو خيمة في فلاة في أقصى الأرض.

والمؤمن العزيز بالله المستعين به تعالى، يقدم على الموت في سبيل الله تعالى إنْ كان في الموت سلامة توحيده ونصرة شريعته، كما حدث مع سحرة فرعون بعد إيمانهم واعتزازهم بدينهم، وكيف حوّل الإيمان بالقوي العزيز حالهم من عبدة لفرعون أذلاء إلى مؤمنين لله أعزاء، فلم يعبأوا بتهديده ووعيده ومضوا إلى ربهم يرجون لقاءه وهم يرون مصارعهم ودنوّ آجالهم، بعد أن قالوا لفرعون في صورة فريدة لثبات المؤمن المعتز بدينه: {قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ}، ولسان حالهم: كفرنا بك ولم نعد نبالي بما تفعله بنا، بعد أن لامس الإيمان شغاف قلوبنا وصحّ توحيدنا وارتشفنا لأول مرة طعم الاعتزاز بالله وعذوبة طاعته، وهكذا يفعل التوحيد الخالص بأصحابه، يعز شأنهم ويعلي ذكرهم ويحسن خاتمتهم ويجرّؤهم على تقحُّم الأخطار طلبا للأمن يوم العرض الأكبر.

وفي زماننا هذا الذي نعيشه تتكرر القصة بين الثلة المؤمنة، والطواغيت الكفرة الفجرة، وقد تكالبت أمم الكفر على الإسلام وأهله، وعاد الإسلام غريبا كما بدأ، وعاد القائمون بأمره المستمسكون به غرباء في الأرض بعد أن حملوا راية الإسلام صافية ورفضوا الالتقاء مع أعدائه في منتصف الطريق، ووقفوا في وجه طواغيت العصر وفراعنته، وكفروا بهم وجاهروا بعداوتهم وبغضهم تحقيقا لملة إبراهيم عليه السلام، وجاهدوا في سبيل الله تعالى كل من رام صرفهم عن غايتهم بتعبيد الناس لخالقهم سبحانه، وأن لا يحكم في الأرض بغير شرعه.

فجمع الطواغيت لحربهم كل أحلافهم وأوباشهم من الصليبيين واليهود والمنافقين، وأتوا بجيوشهم الكافرة عبر البر والبحر والجو، يريدون ما أراده فراعنة الأمس من حرب التوحيد وطمس دعوته، فثبت لهم أجناد الإسلام ثبات الجبال ولم يعطوا الدنية في دينهم، وقاتلوا في سبيل الله -نحسبهم ولا نزكيهم-، وبذلوا الغالي والنفيس وما ضرهم ما يصيبهم لمّا علموا أنه إلى الله المنقلب، وكانت تضحياتهم نورا أضاءت طريق إخوانهم من بعدهم، وأحيا الله بها أجيالا من شباب الإسلام لا يعدلون بالتوحيد مصلحة، ولا يرون غير الشريعة غاية، ولم يُضع الله تعالى إيمانهم وتضحياتهم وقد استعانوا بالملك العزيز ولاذوا بجنابه، ورفضوا الالتجاء إلى غيره سبحانه، والاعتصام بغير حبله، فكانوا أعزة في حياتهم ومماتهم، وعلى ذلك فليواصل إخوانهم الطريق مِن بعدهم، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 484
السنة السادسة عشرة - الخميس 28 شعبان 1446 هـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 484 المقال الافتتاحي: سبيل العزة (١/٢) تقرر في شريعة ربنا أنّ العزة لله ...

صحيفة النبأ العدد 484
المقال الافتتاحي:
سبيل العزة

(١/٢)
تقرر في شريعة ربنا أنّ العزة لله جميعا، فمن كان باحثا عن العزة طالبا لها، فليلزم سبيل العبودية لله وليسلك صراطه المستقيم فهو سبيل العزة في الدنيا والآخرة، وهو وحده -سبحانه- يعز من يشاء ويذل من يشاء، ولا يملك أحد من الخلق ذلك ولو ملك كل أسباب القوة المادية، ولو فاق قارون مُلكًا وفرعون طغيانًا.

وفي تاريخنا المجيد، نجد أنه لمّا تمسك سلفنا الأوائل بدين الله سبحانه، وسلكوا سبيله؛ عزّوا وعزّ شأنهم ودانت لهم الأمم، في حين لما تخلّف المتخلّفون عن سبيل الله تعالى، وسلكوا سبل الغواية والجاهلية؛ ذلوا وتجرأت عليهم الأمم.

وقد دلنا الله تعالى في كتابه على طريق نيل العزة فقال عز وجل: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}، والمعنى كما بيّنه الإمام ابن كثير في تفسيره: "أي: من كان يحب أن يكون عزيزا في الدنيا والآخرة، فليلزم طاعة الله، فإنه يحصل له مقصوده؛ لأن الله مالك الدنيا والآخرة، وله العزة جميعها"، فدلّ ذلك على أن طاعة الله تعالى والاستسلام له، هو سبيل العزة لا سبيل غيره مهما تعددت السبل وافترقت الملل والنحل.

ولا يتصور عاقل البتة أنْ يبتغي المرء العزة بعيدا عن جناب الله تعالى، مفارقا عتبة العبودية له؛ منطرحا على عتبات الطواغيت طوّافا على محافلهم وقصورهم كما يفعل اليوم كثير من الهيئات والأحزاب المرتدة! اللاهثة خلف سراب المكاسب وفتات المناصب تحت أجنحة "النظام الدولي" الكافر! وقد جلّى لنا الله في كتابه حال هؤلاء فقال: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}، وما أجود ما ساقه ابن كثير في معرض تفسيره للآية فقال: "والمقصود من هذا، التهييج على طلب العزة من جناب الله، والالتجاء إلى عبوديته، والانتظام في جملة عباده المؤمنين الذين لهم النصرة في هذه الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد".

فعُلم بذلك أن موالاة الكافرين من اليهود والنصارى وأذنابهم المرتدين ومداهنتهم وركوب مراكبهم، بحثا عن السلامة والمصالح المتوهمة؛ سراب بقيعة لن يجني أصحابه غير المهانة والمذلة، عقابا لهم بخلاف مرادهم، والجزاء من جنس العمل.

كما قضى سبحانه أنّ العزة والمهابة هي في الإيمان بالله تعالى وما اتصل به من موالاة المؤمنين السائرين على منهاج النبوة قولا وعملا، ومحبتهم وتأييدهم وتكثير سوادهم فلهم العزة بنص القرآن الكريم، فقال عز وجل: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}، وكما روي عن عمر بن الخطاب قوله لأبي عبيدة بن الجراح: "إنَّا كنَّا أذَلَّ قومٍ، فأعزَّنا اللَّهُ بالإسلامِ، فمهما نطلُبِ العِزَّةَ بغيرِ ما أعزَّنا اللَّهُ به، أذلَّنا اللَّهُ" [رواه الحاكم وصححه].

فالمسلم عزيز باتباعه دين الله، وسلوكه نهج نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ومن ثمار هذه العزة أنك تجد المسلم مقداما شجاعا يقول الحق ولا يخشى في الله لومة لائم، يتقدم ولا يحجم، ولا يعمل حسابا لغير الله تعالى، لأنه يعلم أن الله عزيز مغالب عزّ على كل شيء فغلبه وقهره، فبات وما في قلبه إلا خوف العزيز القهار فاكتسب بذلك عزة ومهابة ظهرت على جوارحه حتى هابه أعداؤه ولو كان وحده، فلا يقتحمون عليه عرينه إلا بغطاء الطائرات وأرتال الآليات، كما نراهم في حملاتهم المكوكية على أجناد الخلافة شرقا وغربا يحشدون المئات لاقتحام كهف غائر في جبل أو خيمة في فلاة في أقصى الأرض.

والمؤمن العزيز بالله المستعين به تعالى، يقدم على الموت في سبيل الله تعالى إنْ كان في الموت سلامة توحيده ونصرة شريعته، كما حدث مع سحرة فرعون بعد إيمانهم واعتزازهم بدينهم، وكيف حوّل الإيمان بالقوي العزيز حالهم من عبدة لفرعون أذلاء إلى مؤمنين لله أعزاء، فلم يعبأوا بتهديده ووعيده ومضوا إلى ربهم يرجون لقاءه وهم يرون مصارعهم ودنوّ آجالهم، بعد أن قالوا لفرعون في صورة فريدة لثبات المؤمن المعتز بدينه: {قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ}، ولسان حالهم: كفرنا بك ولم نعد نبالي بما تفعله بنا، بعد أن لامس الإيمان شغاف قلوبنا وصحّ توحيدنا وارتشفنا لأول مرة طعم الاعتزاز بالله وعذوبة طاعته، وهكذا يفعل التوحيد الخالص بأصحابه، يعز شأنهم ويعلي ذكرهم ويحسن خاتمتهم ويجرّؤهم على تقحُّم الأخطار طلبا للأمن يوم العرض الأكبر.


• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 484
السنة السادسة عشرة - الخميس 28 شعبان 1446 هـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

من موجبات الجهاد في جزيرة العـرب للشيخ فارس بن أحمد آل شُويل الزهراني المعروف بأبي جندل الأزدي - ...

من موجبات الجهاد في جزيرة العـرب
للشيخ فارس بن أحمد آل شُويل الزهراني
المعروف بأبي جندل الأزدي - تقبله الله

(٢/٢)
الأسباب الموجبة للجهاد في جزيرة العرب كثيرة جدا، وكل سبب يُعتبر أحد مفاتيح الصراع التي لو لم يُتوفر منها إلا هو لكفى به سببا موجبا للجهاد، إذ أعداء الله قد كشروا عن أنيابهم وأظهروا نواياهم وكشفوا مخططاتهم.

٢ - وجوب إزالة الحكام المبدلين لشرع الله

ومن الأسباب الموجبة للجهاد إزالة أنظمة الكفر والردة التي حكمت بغير بما أنزل الله، وعطّلت العمل بالحدود والأحكام الشرعية، واحتكمت إلى شرائع الكفر الطاغوتية من دون شرع الله، وشرّعت التشريع المضاهي لشرع الله تعالى، ونسبت لنفسها كثيرا من خصائص وصفات الإلهية، وحلّلت الحرام وحرّمت الحلال، وحاربت الله ورسوله والمؤمنين بأساليب مختلفة ومتنوعة ترغيبا وترهيبا، وصدّت الناس عن دين الله تعالى وعن التوحيد الخالص بمكر الليل والنهار من أجل أن يتحقق لهم ذلك، وكرهت ما أنزل الله من الدين والتوحيد والجهاد، وسخِرت من دين الله ومن أوليائه، وباركت الشرك الأكبر وأقرّته ولم تُغيّره أو حتى سمحت بتغييره، ودخلت حتى العظم في موالاة أعداء الأمة من اليهود والنصارى وخدمتهم، وخدمت مصالحهم وذادت عنهم... إلخ، ولكل فقرة من هذه الفقرات عشرات الأدلة من الكتاب والسنة، فكيف بها وقد اجتمعت كلها في هذه الأنظمة الكافرة؟

٣ - وجوب استنقاذ أسرى المسلمين من سجون الطواغيت

ومن الأسباب الموجبة للجهاد استنقاذ أسرانا من سجون هؤلاء الطواغيت في جزيرة العرب وقد كتبت في ذلك كتابا بعنوان «وجوب استنقاذ المستضعفين من سجون الطواغيت والمرتدين»، وذكرت فيه عشرات القصص لما يجري لإخواننا المأسورين، فك الله أسرهم، يقول الله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75].

وقال العز بن عبد السلام: «وإنقاذ أسرى المسلمين من أيدي الكفار من أفضل القربات، وقد قال بعض العلماء: إذا أسروا مسلما واحدا وجب علينا أن نواظب على قتالهم حتى نخلصه أو نبيدهم، فما الظن إذا أسروا خلقا كثيرا من المسلمين؟!».

٤ - وجوب جهاد الدفاع

ومن الأسباب الموجبة للجهاد إقامة دولة الإسلام واستعادة أموال المسلمين المنهوبة والدفاع عن أموالنا وعن أعراضنا وعن أراضينا وعن بحارنا -وقبل ذلك عن ديننا- وهذه كلها من جهاد الدفع، ولذا علينا أن نحرّك أمّتنا المسلمة لكي تذود عن كل ما سبق، والله أعلم.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 57
الخميس 1 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

من موجبات الجهاد في جزيرة العـرب للشيخ فارس بن أحمد آل شُويل الزهراني المعروف بأبي جندل الأزدي - ...

من موجبات الجهاد في جزيرة العـرب
للشيخ فارس بن أحمد آل شُويل الزهراني
المعروف بأبي جندل الأزدي - تقبله الله

(١/٢)
الأسباب الموجبة للجهاد في جزيرة العرب كثيرة جدا، وكل سبب يُعتبر أحد مفاتيح الصراع التي لو لم يُتوفر منها إلا هو لكفى به سببا موجبا للجهاد، إذ أعداء الله قد كشروا عن أنيابهم وأظهروا نواياهم وكشفوا مخططاتهم.


١ - وجوب إخراج المشركين من جزيرة العرب

فإخراج المشركين من جزيرة العرب سبب رئيس في قيام الجهاد في جزيرة العرب، والأدلة على ذلك كثيرة ومتوافرة، والبحوث في ذلك منتشرة لا تخفى على كل ذي لب، لو لم يكن منها إلا حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) لكفى.

وإني لأتعجب ممن ما زال يطنطن حول أن هؤلاء مُعاهدون وذميون إلخ، وسأورد هنا تعريفا للذمي، وأريد من القارئ أن يطبقه على الأمريكان: «هو الكتابي -يهودي أو نصراني- وكذلك المجوسي، واختُلف في غيرهم، الذي يقيم بدار الإسلام -عدا جزيرة العرب- ويلتزم بأحكام الإسلام في المعاملات، ويدفع الجزية عن يد وهو صاغر»، ولن أطيل في الحديث هنا ولكن على القارئ أن يحكم.

كيف وقد اجتمع مع ذلك أن الحرب الصليبية الجديدة بمراحلها التي تمت، أفغانستان ثم العراق ثم... ثم... كلها انطلقت من جزيرة العرب من قاعدة الخرج وقاعدة العُديد والكويت... إلخ، فهل هؤلاء ذمّيون يا عقلاء؟!

يقول حمود العقلا الشعيبي في كتابه «القول المختار في حكم الاستعانة بالكفار»: «ولما رأيت بعض الحكومات -التي تدعي الإسلام- في الجزيرة العربية قد تجاهلت مدلول هذه النصوص، فسهّلت الطريق لدخول اليهود والنصارى إلى الجزيرة، ومكّنتهم من الإقامة فيها وتكديس ترسانات أسلحتهم المتنوعة فيها لإرهاب المسلمين... ومهاجمتهم بالأسلحة الفتاكة واستمرار الهجمات والضربات العسكرية عليهم من وقت لآخر، رأيت لزاما عليّ أن أبين هذه الحقيقة وفق ما يُفهم من كتاب الله وسنة رسوله، عليه الصلاة والسلام، فكتبت هذا البحث المختصر، وضمنته بعضا من النصوص الواردة في القرآن الكريم وفي السنة المطهّرة في هذا الشأن، كما ذكرت فيه جملة من أقوال علماء الأمة الذين أدوا الأمانة ووفوا بالعهود التي أخذها الله عليهم، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيرا».

ويقول: «لقد اتفق من يُعتد بقوله من فقهاء الأمة وعلمائها على أنها لا تجوز إقامة اليهود والنصارى والمشركين في جزيرة العرب -لا إقامة دائمة ولا مؤقتة- ما عدا أن بعض العلماء يرى جواز إقامتهم ثلاثة أيام للضرورة، ولا يجوز لمسلم أن يأذن لهم في دخولها للإقامة، معتمدين على الأحاديث الصحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- والآثار الثابتة عن الصحابة، رضوان الله عليهم».

ثم أورد تلك النصوص، ثم قال: «هذه النصوص وغيرها مما لم أورده تدل دلالة قاطعة على أنه لا يجوز لليهود والنصارى وغيرهم من الكفار أن يبقوا في جزيرة العرب، وهي كما ترى في مكان من حيث الصحة والصراحة ووضوح المعنى والإحكام بحيث لا يمكن الطعن فيها بالتضعيف أو التأويل أو دعوى النسخ، وذلك أنها مخرَّجة في الصحيحين وبعضها في المسند وبعضها في السنن، وقد اتفق العلماء على أن ما اتفق على إخراجه البخاري ومسلم -رحمهما الله- أنه يفيد العلم اليقيني، لأن الأمة تلقته بالقبول والتصديق، فلا مجال للطعن فيما اتفق عليه البخاري ومسلم، وأما عدم جواز تأويلها، فذلك لأجل صراحة ألفاظها ووضوحها وكونها نصا في الموضوع لا يحتمل لفظها معنى غير المعنى الظاهر منها، وما كان كذلك فلا يصح تأويله عند علماء الأصول وغيرهم من العلماء، إنما الذي يجوز تأويله من النصوص هو الذي يكون لفظه محتملا لمعنيين فيُرجّح أحدهما لأجل قرينة تحف به، أما كونها محكمة وغير قابلة للنسخ، فلأجل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر وأوصى بإخراجهم من جزيرة العرب في آخر حياته، كما روى الإمام أحمد عن عائشة أنها قالت: كان آخر ما عهد به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لا يترك بجزيرة العرب دينان)، وكما قال الإمام مالك -رحمه الله- في الموطأ: أنه سمع عمر يقول: كان آخر ما تكلم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (قاتل الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لا يبقين دينان بأرض العرب)؛ فإذا كان الأمر كذلك، فدعوى النسخ غير واردة لمعرفة تأخّر تأريخ تكلّمه -صلى الله عليه وسلم- بذلك».


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 57
الخميس 1 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

أمير نشر الإسلام في بلاد السودان عرضنا في المقالة السابقة شيئا من مسيرة الفقيه المجدد عبد الله ...

أمير نشر الإسلام في بلاد السودان

عرضنا في المقالة السابقة شيئا من مسيرة الفقيه المجدد عبد الله بن ياسين في تكوين الدولة المرابطية المجاهدة، هذا الرجل الذي أنشأ فضلا عن الدولة جيلا يحمل الراية من بعده، كان منه يوسف بن تاشفين الذي توجه بجيوش المسلمين شمالا فعبر إلى الأندلس وهزم الصليبيين، وكان منه كذلك القائد المظفر أبو بكر بن عمر الذي عَبر رمال الصحراء حاملا الإسلام وحكم الشريعة إلى إفريقية.

وإن ممَّا يميز سيرة هذا الرجل هو تضحيته بكل شيء خدمةً لدينه وأمته، حرصا منه على وحدة صفها وعلو شأنها، ولم يكن ابن عمر ممن يسعى لخدمة نفسه ومصالحها على حساب الأمة ووحدتها، كما هو حال كثير ممن انتسب إلى هذه الأمة في الغابر والحاضر.

- القائد العسكري الجديد

بدأت مسيرة ابن لمتونة وأميرها متعلماً على يد ابن ياسين ثم قائدا عسكريا لجيوشه، ففي المحرم سنة (448 هـ) تولى أبو بكر بن عمر القيادة العسكرية للمرابطين خلفا لأخيه يحيى بن عمر، وواصل تحت إشراف الفقيه ابن ياسين مسيرة الجهاد.

غزو الروافض البجلية

وفي السنة ذاتها (448 هـ) غزا أبو بكر بن عمر بلاد السوس، وفي سنة (449 هـ) افتتح ماسة وتارودانت، وكانت هذه المدن من معاقل الرافضة في المغرب، قال السلاوي في الاستقصا: «وكان بها قوم من الرافضة يُقال لهم البجلية، نسبة إلى عليّ بن عبد الله البَجلِيّ الرافضي... فقاتلهم عبد الله بن ياسين وأبو بكر بن عمر حتى فتحوا مدينة تارودانت عنوة، وقتلوا بها خلقا كثيرا، ورجع من بقي منهم إلى مذهب السنة والجماعة».

- خليفة الشيخ بن ياسين يكمل مسيرته

وبعد استئصال الرافضة سار ابن عمر مع شيخه ابن ياسين لقتال قبائل برغواطة ذات المعتقدات الشبيهة بعقائد المجوسية، وفي أثناء هذه الحرب أصيب عبد الله بن ياسين وكانت بها شهادته، كما نحسبه، فآلت إمارة المرابطين كاملة إلى أبي بكر بن عمر، قال السلاوي: «فكان أول ما فعله بعد تجهيزه إيّاه ودفنه [ابن ياسين] أن زحف إلى برغواطة مصمما في حربهم، متوكلا على الله في جهادهم، فأثخن فيهم قتلا وسبيا حتى تفرقوا في المكامن والغياض، واستأصل شأفتهم وأسلم الباقون إسلاما جديدا، ومحا أبو بكر بن عمر أثر دعوتهم من المغرب وجمع غنائمهم وقسمها بين المرابطين وعاد إلى مدينة أغمات»، وهذا نصر آخر يضاف إلى سلسلة انتصارات ابن عمر في حرب أهل الضلالة ونشر التوحيد، وبهذا أيضا فتحت الدنيا ذراعيها لأبي بكر بن عمر الذي غدا القائد الوحيد للمرابطين.

- أبو بكر بن عمر يترك المغرب متوجها إلى الصحراء

ولكن الأمور لم تدم صافية لابن عمر في إمارة قومه ببلاد المغرب المفتتحة، فبعد أن حقق كل هذه الانتصارات جاءته الأنباء بما يكدر صفوه، قال السلاوي: «ثم ورد عليه رسول من بلاد القبلة فأخبره باختلال أمر الصحراء ووقوع الخلاف بين أهلها»، وهنا وُضع هذا القائد على مفترق طرق، أيرسل أحد أبناء عمومته ليحل هذا الخلاف؟ أم يذهب بنفسه؟ وإن ذهب بنفسه فهل يتخلى عن إمرة قومه بالمغرب بعد كل انتصاراته فيها؟
وهنا ظهرت معادن الرجال، قال السلاوي: «كان الأمير أبو بكر رجلا متورعا فعظم عليه أن يقتل المسلمون بعضهم بعضا، وهو قادر على كفهم ولم يرَ أنه في سعة من ذلك وهو متوالي أمرهم ومسؤول عنهم، فعزم على الخروج إلى بلاد الصحراء ليصلح أمرها ويقيم رسم الجهاد بها»، فترك كل شيء في سبيل الله وحده.

- الأمير يوحد الناس على قتال المشركين

ورحل الأمير المرابطي إلى الصحراء فأصلح حالها ومهد لدولة الإسلام فيها، ثم خرج إلى بلاد السودان مجاهدا في سبيل الله داعيا إليه، قال ابن خلدون: «ولحق بقومه ورفع ما كان بينهم من خرق الفتنة، وفتح باباً من جهاد السودان، فاستولى على نحو تسعين رحلة من بلادهم»، فلم يكتف -رحمه الله- بالإصلاح بين قومه فحسب، بل مهد لغزو جيوش المسلمين غرب إفريقية وإقامة دولة الإسلام فيها.

قال السلاوي: «كان سفر أبي بكر بن عمر إلى الصحراء في ذي القعدة سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة، ولما وصل إليها أصلح شأنها ورتب أحوالها وجمع جيشا كثيفا وغزا به بلاد السودان فاستولى منها على نحو تسعين مرحلة».

- أبو بكر بن عمر يُخضِع كفار الصحراء

ويذكر السلاوي في موضع آخر أنَّ أبا بكر بن عمر غزا مملكة غانة، ونشر فيها وفيما يجاورها الإسلام: «ثمَّ أن أهل غانة ضعف ملكهم وتلاشى أمرهم في المائة الخامسة، واستفحل أمر الملثمين المجاورين لهم من جهة الشمال ممّا يلي البربر، وزحف إليهم الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني»، ويذكر السلاوي أن أبا بكر بن عمر فتح من تلك البلاد مسيرة ثلاثة أشهر «وحمل الكثير منهم ممن لم يكن أسلم قبل ذلك على الإسلام».
- يترك إمارة المغرب لابن تاشفين ويعود للجهاد في السودان

ويذكر المؤرخون أن أبا بكر بن عمر -رحمه الله- عاد إلى المغرب بعدما عظم شأن ابن عمه يوسف بن تاشفين، ولكنه لما رأى ما وصل إليه ابن عمه من الفتوحات، لم ينازعه في سلطته بل تنازل له عنها وقفل عائدا إلى الصحراء، وذكر السلاوي في (الاستقصا) وصية ابن عمر لابن تاشفين، فقال: «فقال أبو بكر: إني قد وليتك هذا الأمر، وإني مسؤول عنه، فاتق الله تعالى في المسلمين وأعتقني وأعتق نفسك من النار، ولا تضيع من أمور رعيتك شيئا فإنك مسؤول عنه».

اللمتوني شهيدا في بلاد السودان

 وبعد أن أوصى ابن عمر ابن عمه قفل عائدا إلى الصحراء مجاهدا الكفار في إفريقية، قال السلاوي: «فأقام بها مواظبا على الجهاد في كفار السودان إلى أن استشهد من سهم مسموم أصابه في شعبان سنة (480 هـ) بعد أن استقام له أمر الصحراء كافة إلى جبال الذهب من بلاد السودان»، وهكذا انطوت صفحة فارس من فرسان الإسلام، ترك ملذات الدنيا والرياسة، فأبدله الله خيرا منها، قال ابن كثير: «اتفق له من الناموس ما لم يتفق لغيره من الملوك، كان يركب معه إذا سار لقتال عدو خمسمائة ألف مقاتل، كان يعتقد طاعته، وكان مع هذا يقيم الحدود ويحفظ محارم الإسلام، ويحوط الدين ويسير في الناس سيرة شرعية، مع صحة اعتقاده ودينه، وموالاة الدولة العباسية».

رحم الله الشيخ المجاهد الشهيد -بإذن الله- أبا بكر اللمتوني، وتقبّل منه دعوته وجهاده، ونصر أحفاده من جنود الخلافة في غرب إفريقية وشمالها والصحراء، الذين يسعون لإقامة دين الله في تلك البقاع، وإزالة كل آثار الشرك منها، ورزقهم الفتح والتمكين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 57
الخميس 1 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

• لقراءة الصحيفة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

معلومات

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً