الشهرة بمنظور إسلامي الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين سيدنا محمد وعلى اله ...

الشهرة بمنظور إسلامي الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين أيها القراء الأعزاء الشهرة وما أدراك ما الشهرة أين مكانها، وما كيف الوصول إليها ؟
هنا الجواب، مكانها في السماء، الطريق إليها بكثرة ذكر الله، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرتُه في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليَّ شبرًا، تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرَّب إليَّ ذراعًا تقرَّبت إليه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة" أيها القراء الأماجد، قد يسأل سائل ويقول: كيف نشكر الله؟
اسمع الإجابة، كما ذكر ابن كثير في تفسيره، قال عبدالله بن وهب، عن هشام بن سعيد، عن زيد بن أسلم أن موسى عليه السلام قال: يا رب، كيف أشكرك؟ قال له ربُّه: تذكُرني ولا تنساني، فإذا ذكرتني فقد شكرتني، وإذا نسيتني فقد كفرتني.
فالله سبحانه يذكر مَن ذكَره، ويزيد من شكره، ويعذِّب مَن كفَر بنعمه؛ كما قال الحسن البصري وغيره.
هناك معنى عظيم لقوله تعالى: ( اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ) أحد السلف يبيِّن لنا هذا المعنى، فيقول: هو أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر.
أيها الأخوة الأفاضل، ما هو الذكر الحقيقي الذي ينبغي أن نهتم به؟
يُجيب على ذلك العلامة ابن عثيمين رحمه الله في تفسيره، فيقول: إنَّ الذكر الحقيقي هو ذكر الله بالقلب، وكيف يذكره بالقلب؟ الجواب: يُنيب إلى الله، يتوكل عليه، يرجوه، يخافه، يستحضر حبه وعظمته وغير ذلك. والمؤمن إذا ذكر الله، ذكَره الله برحمة، لكن الكافر والظالم إذا ذكر الله دون أن يُسلم ويوحد الله، ذكره الله بعذاب؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أوحى الله إلى داود عليه السلام: قل للظلمة لا يذكروني، فإنَّ حقًّا عليَّ أن أذكُرَ من ذكرني، وإنَّ ذِكْري إياهم أن ألعنَهُم".
وهنا يرد سؤال ما هو الشكر الحقيقي المطلوب؟
الشكر يكون بالقلب إقرارا بالنعم واعترافًا، وباللسان ذكرًا وثناءً، وبالجوارح طاعةً وانقيادًا لأمره ، واشكروا لله بالطاعة، ولا تكفروه بالمعصية، فإن من أطاع الله فقد شكره ومن عصاه، فقد كفره. وقدَّم سبحانه الأمر بالذكر على الأمر بالشكر؛ لأن في الذكر اشتغالًا بذاته تعالى، وفي الشكر اشتغالًا بنعمته، والاشتغال بذاته أَولى بالتقديم من الاشتغال بنعمته، وقوله: ﴿ ولا تكْفرُون ﴾ تأكيد لقوله: ﴿ واشْكُروا لِي ﴾فقد ثبت في المسند والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ رضي الله عنه: "والله إني لأحبك، فلا تنسى أن تقول دُبُرَ كلِّ صلاة، اللهم أعني على ذِكرك وشكرك وحسن عبادتك".
وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أَعطَى أربعًا فقد أُعطِيَ أربعًا، وتفسير ذلك في كتابِ الله، من أَعطَى الذكر ذكره الله؛ لأن الله يقول: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ ومن أَعْطَى الدُّعاء أُعطِيَ الإجابة؛ لأن الله يقول: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم ﴾ ومن أَعْطَى الشكر أعطي الزيادة؛ لأن الله يقول: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ ومن أَعطَى الاستغفار أُعطِيَ المغفرة؛ لأن الله يقول: ( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا )هذا ما تم إيراده وسمح به الوقت وإلا فالموضوع طويل وما لا يدرك كله لا يترك جله هذا وصلى وسلم على نبيا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
...المزيد

نصيحة!

صدقني يا عزيزي أنت لا تحتاج لتكلف كذبة أو اصطناع ادعاء أو انتحال صفة لتتمكن من مواجهة خصمك السياسي أو الفكري.

حتى لو تحللت من قيمك الدينية، وفكرت في ما تفعله من منطلق نفعي بحت؛ فستجد أن ما تفعله يضر قضيتك بشكل ذاتي، حين يتم فضح أكاذيبك، ونقض بنيانك الذي أسسته على شفا جرفٍ هارٍ من الدعاوي الباطلة، فيصير ضررك على قضيتك أعظم من حجج خصمك.

صدقني يا عزيزي؛ إنما ينُصر الحق بالحق.

نصيحة!

صدقني يا عزيزي أنت لا تحتاج لتكلف كذبة أو اصطناع ادعاء أو انتحال صفة لتتمكن من مواجهة خصمك السياسي أو الفكري.

حتى لو تحللت من قيمك الدينية، وفكرت في ما تفعله من منطلق نفعي بحت؛ فستجد أن ما تفعله يضر قضيتك بشكل ذاتي، حين يتم فضح أكاذيبك، ونقض بنيانك الذي أسسته على شفا جرفٍ هارٍ من الدعاوي الباطلة، فيصير ضررك على قضيتك أعظم من حجج خصمك.

صدقني يا عزيزي؛ إنما ينُصر الحق بالحق.

الثناء العلوي للنبي الأعظم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف ألأنبياء والمرسلين ...

الثناء العلوي للنبي الأعظم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف ألأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
إنِّ الأخلاق في السنة النبوية لم تدع جانبا من جوانب الحياة الإنسانية إلاّ رسمت له المنهج الأمثل للسلوك الرفيع في تناسق وتكامل وبناء ، فالنبي- صلي الله عليه وسلم- قد بلغ القمة في الأخلاق وأفضل طريق للوصول إلى مكارم الأخلاق هو طريق رسول الله- صلي الله عليه وسلم- والذي خاطبه تعالى بقوله:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (4) سورة القلم
وتتجاوب أرجاء الوجود بهذا الثناء الفريد على النبي الكريم ويثبت هذا الثناء العلوي في صميم الوجود! ويعجز كل قلم ، ويعجز كل تصور ، عن وصف قيمة هذه الكلمة العظيمة من رب الوجود ، وهي شهادة من اللّه ، في ميزان اللّه ، لعبد اللّه ، يقول له فيها : «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» ومدلول الخلق العظيم هو ما هو عند اللّه مما لا يبلغ إلى إدراك مداه أحد من العالمين! ودلالة هذه الكلمة العظيمة على عظمة محمد صلى الله عليه وسلم تبرز من نواح شتى :
1- تبرز من كونها كلمة من اللّه الكبير المتعال جل علاه وعظمته وكبريائه ، يسجلها ضمير الكون ، وتثبت في كيانه ، وتتردد في الملأ الأعلى إلى ما شاء اللّه.
2- وتبرز من جانب آخر، من جانب إطاقة محمد صلى الله عليه وسلم لتلقيها ، وهو يعلم من ربه هذا ، قائل هذه الكلمة ، من هو؟ ما عظمته؟ ما دلالة كلماته؟ ما مداها؟ ما صداها؟ ويعلم من هو إلى جانب هذه العظمة المطلقة ، التي يدرك هو منها مالا يدركه أحد من العالمين.
ولقد رويت عن عظمة خلقه في السيرة ، وعلى لسان أصحابه روايات منوعة كثيرة ، وكان واقع سيرته أعظم شهادة من كل ما روي عنه ، ولكن هذه الكلمة أعظم بدلالتها من كل شيء آخر.
أعظم بصدورها عن العلي الكبير جلت عظمته وتقدست أسمائه وصفاته ، وأعظم بتلقي محمد صلى الله عليه وسلم لها وهو يعلم من هو العلي الكبير ، وبقائه بعدها ثابتا راسخا مطمئنا .
إن هذه الرسالة من الكمال والجمال ، والعظمة والشمول ، والصدق والحق ، بحيث لا يحملها إلا الرجل الذي يثني عليه اللّه هذا الثناء ، فتطيق شخصيته كذلك تلقي هذا الثناء ، في تماسك وفي توازن ، وفي طمأنينة ، طمأنينة القلب الكبير الذي يسع حقيقة تلك الرسالة وحقيقة هذا الثناء العظيم ، ثم يتلقى - بعد ذلك - عتاب ربه له ومؤاخذته إياه على بعض تصرفاته ، بذات التماسك وذات التوازن وذات الطمأنينة ، ويعلن هذه كما يعلن تلك ، لا يكتم من هذه شيئا ولا تلك ..وهو هو في كلتا الحالتين النبي الكريم ، والعبد الطائع ، والمبلغ الأمين .
إن حقيقة هذه النفس من حقيقة هذه الرسالة ، وإن عظمة هذه النفس من عظمة هذه الرسالة ، وإن الحقيقة المحمدية كالحقيقة الإسلامية لأبعد من مدى أي مجهر يملكه بشر ، وقصارى ما يملكه راصد لعظمة هذه الحقيقة المزدوجة أن يراها ولا يحدد مداها ، وأن يشير إلى مسارها الكوني دون أن يحدد هذا المسار!
ومرة أخرى أجد نفسي مشدودا للوقوف إلى جوار الدلالة الضخمة لتلقي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لهذه الكلمة من ربه ، وهو ثابت راسخ متوازن مطمئن الكيان ..لقد كان صلى الله عليه وسلم - وهو بشر - يثني على أحد أصحابه ، فيهتز كيان صاحبه هذا وأصحابه من وقع هذا الثناء العظيم ، وهو بشر وصاحبه يعلم أنه بشر ، وأصحابه يدركون أنه بشر ، إنه نبي نعم ، ولكن في الدائرة المعلومة الحدود ، دائرة البشرية المقيدة ، فأما هو فيتلقى هذه الكلمة من اللّه ، وهو يعلم من هو اللّه ، هو بخاصة يعلم من هو اللّه! هو يعلم منه ما لا يعلمه سواه ، ثم يصطبر ويتماسك ويتلقى ويسير ...إنه أمر فوق كل تصور وفوق كل تقدير!!!
إنه محمد - وحده - هو الذي يرقى إلى هذا الأفق من العظمة ..
إنه محمد - وحده - هو الذي يبلغ قمة الكمال الإنساني المجانس لنفحة اللّه في الكيان الإنساني .
إنه محمد - وحده - هو الذي يكافئ هذه الرسالة الكونية العالمية الإنسانية حتى لتتمثل في شخصه حية ، تمشي على الأرض في إهاب إنسان .
إنه محمد - وحده الذي علم اللّه منه أنه أهل لهذا المقام ، واللّه أعلم حيث يجعل رسالته - وأعلن في هذه أنه على خلق عظيم ، وأعلن في الأخرى أنه - جل شأنه وتقدست ذاته وصفاته ، يصلي عليه هو وملائكته «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ».
وهو - جل شأنه - وحده القادر على أن يهب عبدا من عباده ذلك الفضل العظيم ..
ثم إن لهذه اللفتة دلالتها على تمجيد العنصر الأخلاقي في ميزان اللّه وأصالة هذا العنصر في الحقيقة الإسلامية كأصالة الحقيقة المحمدية .
والناظر في هذه العقيدة ،كالناظر في سيرة رسولها ، يجد العنصر الأخلاقي بارزا أصيلا فيها ، تقوم عليه أصولها التشريعية وأصولها التهذيبية على السواء ..الدعوة الكبرى في هذه العقيدة إلى الطهارة والنظافة والأمانة والصدق والعدل والرحمة والبر وحفظ العهد، ومطابقة القول للفعل ، ومطابقتهما معا للنية والضمير ، والنهي عن الجور والظلم والخداع والغش وأكل أموال الناس بالباطل ، والاعتداء على الحرمات والأعراض ، وإشاعة الفاحشة بأية صورة من الصور ..والتشريعات في هذه العقيدة لحماية هذه الأسس وصيانة العنصر الأخلاقي في الشعور والسلوك ، وفي أعماق الضمير وفي واقع المجتمع ، وفي العلاقات الفردية والجماعية والدولية على السواء ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ رسول الله صلى عليه وسلم :« إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ »...فالرسول صلى الله عليه وسلم لخص رسالته في هذا الهدف النبيل ، وتتوارد أحاديثه تترى في الحض على كل خلق كريم ، وتقوم سيرته الشخصية مثالا حيا وصفحة نقية ، وصورة رفيعة ، تستحق من اللّه أن يقول عنها في كتابه الخالد: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» ..فيمجد بهذا الثناء صلى الل عليه وسلم كما يمجد به العنصر الأخلاقي في منهجه الذي جاء به هذا النبي الكريم ، ويشد به الأرض إلى السماء ، ويعلق به قلوب الراغبين إليه - سبحانه - وهو يدلهم على ما يحب ويرضى من الخلق القويم.
وهذا الاعتبار هو الاعتبار الفذ في أخلاقية الإسلام ، فهي أخلاقية لم تنبع من البيئة ، ولا من اعتبارات أرضية إطلاقا وهي لا تستمد ولا تعتمد على اعتبار من اعتبارات العرف أو المصلحة أو الارتباطات التي كانت قائمة في الجيل ، إنما تستمد من السماء وتعتمد على السماء ، تستمد من هتاف السماء للأرض لكي تتطلع إلى الأفق.
وتستمد من صفات اللّه المطلقة ليحققها البشر في حدود الطاقة ،كي يحققوا إنسانيتهم العليا ،وكي يصبحوا أهلا لتكريم اللّه لهم واستخلافهم في الأرض وكي يتأهلوا للحياة الرفيعة الأخرى: «فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ» ..ومن ثم فهي غير مقيدة ولا محدودة بحدود من أي اعتبارات قائمة في الأرض إنما هي طليقة ترتفع إلى أقصى ما يطيقه البشر، لأنها تتطلع إلى تحقيق صفات اللّه الطليقة من كل حد ومن كل قيد.
ثم إنها ليست فضائل مفردة : صدق، وأمانة ، وعدل، ورحمة، وبر ....إنما هي منهج متكامل ، تتعاون فيه التربية التهذيبية مع الشرائع التنظيمية وتقوم عليه فكرة الحياة كلها واتجاهاتها جميعا ، وتنتهي في خاتمة المطاف إلى اللّه ، لا إلى أي اعتبار آخر من اعتبارات هذه الحياة! وقد تمثلت هذه الأخلاقية الإسلامية بكمالها وجمالها وتوازنها واستقامتها واطرادها وثباتها في محمد صلى الله عليه وسلم وتمثلت في ثناء اللّه العظيم،وقوله:«وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» ..
وخلاصة القول :
ماذا عسانا أن نتحدث عنه ونحدّث وقد اجتمع فيه ما تفرق من أخلاق الكرام ، لا تحصى فضائله، ولا تعد مزاياه ، وهو خير خلق الله إنسانا ، ما من صفة كمال إلا اتصف بها، ولا قبيحة إلا وتبرأ منها.
أقسم الله الصادق العليم بـ﴿النجم إذا هوى﴾ على تزكية المصطفى والثناء عليه،
فزكى عقله ﴿ما ضل صاحبكم وما غوى﴾
وزكى قلبه ﴿ما كذب الفؤاد ما رأى﴾
وزكى بصره ﴿ما زاغ البصر وما طغى﴾
وزكى لسانه ﴿وما ينطق عن الهوى﴾
وزكى رسالتَه ﴿إن هو إلا وحي يوحى﴾
وزكى مُعلِّمَه ﴿علمه شديد القوى، ذو مرة فاستوى﴾
وزكى أصحابه ﴿والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم﴾
وزكاه كله ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾
ووصفه بصفتين من صفاته ﴿بالمؤمنين رؤوف ف رحيم﴾
ونعته بالرسالة ﴿محمد رسول الله﴾
وناداه بالنبوة ﴿يا أيها النبي﴾
وشرّفَه بالعبودية ﴿سبحان الذي أسرى بعبده﴾
وشهد له بالقيام بها ﴿وأنه لما قام عبد الله يدعوه﴾
تالله ما حملت أنثى ولا وضعت *** مثل الرسول نبي الأمة الهادي
ولا برا الله خلقاً من بريته *** أوفى بذمة جارٍ أو بميعاد
مِن الذي كان فينا يستضاء به *** مبارَك الأمر ذا عدل وإرشاد
اقرؤوا سيرته، واسبروا سُنّته، وطالعوا هديه وسمته، فلن تجدوا إلا نوراً وصفاء وضياء، وصدقا ، وعفافا ووفاء، وبرا وكرما وحياء،
صلّى عليه اللهُ ما عينٌ بكَتْ *** شوقًا إليه، وما بَدَا إشراقُ
...المزيد

مفهوم النعم لدى المسلم سورة ( النعم ) نموذجا الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف ...

مفهوم النعم لدى المسلم سورة ( النعم ) نموذجا
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد /
حمدتك ربي كلما لاح كوكبُ *** وما ناح قمري على الغصن يندبُ
وشكر جزيلاً والثناء مردودٌ *** لك الحمد ما امتدت إليك المطالبُ
في القرآن عجائب لا تنقضي، وعلم لا ينتهي، لم يزل العلماء والمتدبرون منذ قرون ينهلون من علومه، ويستخرجون فنونه، فانقطعوا وما انقطعت، واندثروا وما انتهت، وعبت منها أجيال وأجيال فاتسعت وما نقصت، ولا بد أن يكون كذلك ما كان وصفه تبيانا لكل شيء ، وسورة النحل من السور التي عددت نعم الله تعالى وفصلتها ولفتت القراء إليها، وبينت أوجه الانتفاع بها، ودعت العباد لشكرها، حتى سماها بعض السلف (سورة النعم) لما عدد الله تعالى فيها من النعم على عباده، فحري بمن قرأها بتدبر أن يعرف نعم الله تعالى عليه فيشكره عليها.
فقد أنعم الله على عباده من بني البشر بنعم كثيرة لا تعدّ ولا تحصى، وهناك الكثير من النعم التي يتمتّع بها بني آدم، منها: نِعمة القوّة الجسديّة ، والصحّة والعافية، نِعمة السَّمع، والبصر، نِعمة الكلام واللسان، نِعمة التذوّق والشمّ، نِعمة العقل والتفكير السليم، نِعمة الماء والطعام. نِعمة الذريّة الصالحة من بنين وبنات. نِعمة الزوجة الصّالحة، قال النَّبي صلّى الله عليه وسلّم: (ما استفَادَ مؤمنٌ من بعدِ تقوَى اللَّهِ خيرًا لهُ من زوجَةٍ صالِحةٍ إن أمرَها أطاعَتهُ وإن نظرَ إليها سرَّتهُ) رواه الزرقاني في مختصر المقاصد، رقم: 872، وقال عنه: حسن لغيره. نِعمة الجيران الصالحين، والصّحبة الصّالحة الطّيبة، نِعمة الأمن والطمأنينة، قال تعالى: (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) سورة قريش، 4. ونعم لا تعد ولا تحصى .
( ربِّ كم من نعمة أنعمت بها عليَّ، قَلّ لك عندها شكري، وكم من بلية ابتليتني بها، قَلّ لها عندك صبري، فيا من قَلّ عند نعمته شكري ف رحمني، ويا من قَلّ عند بليته صبري فلم يخذلني، ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني. (
ووعد الله عباده المؤمنين بالعديد من النعم جزاءً لإيمانهم وطاعتهم وصبرهم، ومن تلك النعم التي وعد الله بها عباده المؤمنين: الحياة الطيّبة، فقد وعد الله عباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالحياة الطيبة، الحياة الهنيئة المبنيّة على الالتزام بمنهج الله القويم، وصراطه المستقيم، الأمن والنجاة في الدنيا والآخرة، فقد وعد الله عباده المؤمنين بالنجاة في الدنيا والأمن في الآخرة من الفزع الأكبر ، المغفرة، فقد وعد الله عباده المؤمنين بالمغفرة والأجر والثواب، فيغفر الله زلّاتهم، وكلّ ذلك برحمته تعالى، النصر على الأعداء، فكم من فئة قليلة غلبت فئةً كثيرة بأمر الله، فقد وعد الله الذين آمنوا بالخلافة في الأرض والتمكين لهم، وستعود للإسلام هيبته، ويعود له عزّه بإذن الله ، فهذه بعض الوعود التي وعد الله بها عباده المؤمنين، وهي من نعم الله التي ننتظرها بإذن الله تعالى.
هذه توطئة للوقوف مع نعم الله من خلال سورة النعم :
نعم الله تعالى من خلال سورة النحل نموذجا
وأول النعم وأعظمها وأهمها وأولاها في سورة النحل : نعمة الهداية إلى الله تعالى، والعلم به سبحانه وبما يرضيه، وهي أول نعمة ذكرت في السورة، ودعي قارئها إليها، وتكررت في تضاعيفها لأهميتها [يُنَزِّلُ المَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ] {النحل:2} وفي خاتمة ربعها الأول تذكير بحملة الوحي ومبلغيه للناس؛ لاتباعهم فيه، وبيان دعوتهم التي دعوا إليها [وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ] {النحل:36} والرسول صلى الله عليه وسلم هو حامل القرآن ومبلغه، والعلماء هم حملة العلم من بعده ومبلغوه للناس؛ ليتتابع العلم بالله تعالى وبما يرضيه بين البشر جيلا بعد جيل إلى آخر الزمان، وهو ما نوهت به السورة في ثلثها الأول [وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * بِالبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ] {النحل:44}، ثم أكدته في وسطها مع بيان أنه هدى ورحمة، وفَصّل في المسائل الكبرى التي اختلف فيها البشر [وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ] {النحل:64} وأكدت عليه أيضا في ثلثها الأخير [وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ] {النحل:89} وبينت أنه سبب للثبات على الحق [قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ] {النحل:102} فما أحوج المسلمين اليوم والفتن تحيط بهم من كل جانب إلى ملازمة القرآن تلاوة وفهما وتدبرا وعملا لتثبيت القلوب والربط عليها، وفي خاتمة السورة أمر باقتفاء أثر الخليل عليه السلام؛ لأنه رمز في الثبات على الحق، والدعوة إليه، والصبر على الأذى فيه [ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ] {النحل:123} هذا التكرار لنعمة الهداية وبيان مصادرها يحتم على المؤمن العناية بها على قدر عناية القرآن بها، وتكرير السورة لها.
أبي الإسلام لا أب لي سواه *** إذا افتخروا بقيسٍ أو تميمِ
إن يختلف ماء الوصال فمـاؤنا *** عذبٌ تحدَّر من غمامٍ واحدِ
أو يفترق نسب يؤلف بيننا *** دين أقمناه مقام الوالد
وهذه النعمة هي أهم من نعمة خلق الإنسان؛ لأن خلقه سبب لابتلائه، فإن لم يهتد كان عدمه خيرا من وجوده، [وَيَقُولُ الكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا] {النَّبأ:40} وما تمنى العدم إلا لما يرى من خسارته وشقائه.
ونعمة الخلق في سورة النحل جاءت تالية لنعمة الهداية [خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ] {النحل:4}. ومن تمام نعمته سبحانه عليه في خلقه أنه ركب فيه أدوات تحصيل العلم؛ لينتفع بها في علوم دينه ودنياه، وهي نعم عدة تحتاج إلى شكر كثير [وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] {النحل:78}.
والعيش في الدنيا، وعمارة الأرض له ضرورات، لا يستغني عنها الإنسان، وهي المآكل والمشارب والمراكب والمساكن، وكلها مذكورة في هذه السورة، ففي المآكل والمشارب [هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ] {النحل:10-11} وفي مقام آخر [وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ * وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا] {النحل:66-67}. وفي نعمة الملابس [وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ] {النحل:81} وتلك ملابس الحر وملابس الحرب، وأما ملابس البرد ففي قوله تعالى [وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ] {النحل:5}. وأعقب نعمة الدفء بها نعما عدة وهي: ركوبها، وحمل المتاع عليها، والتجمل بها، واتخاذها زينة [وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالخَيْلَ وَالبِغَالَ وَالحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ] {النحل:8} لينتظم في هذه الجملة [وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ] كل ما يركبه الناس ويتزينون به مما يستجد لهم إلى آخر الزمان.
وأما المساكن والأثاث من فرش وأغطية وأوان وغيرها ففي قوله سبحانه [وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ * وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الجِبَالِ أَكْنَانًا] {النحل:80-81}.
ويجمع ذلك كله، مع ما في الأرض مما ينفع الناس، وما يستخرجونه من باطنها قوله سبحانه: [وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ] {النحل:13} .
واستقرار الأرض ضرورة لعيش الإنسان فيها، وزراعتها وعمرانها، وشق طرقها، والسير فيها، فذللها الله تعالى للإنسان، ووفر له ما يحتاج إليه فيها [وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ] {النحل:15-16}.
ولا تقتصر سورة النحل على ذكر ما في الأرض من نعم فقط، بل تتجاوزه إلى ما في البحر من خيرات الله تعالى [وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ البَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] {النحل:14}.
وتتجاوز سورة النحل ما في البر والبحر من نعم لتحلق بقارئها في الفضاء تذكره بما بثه الله تعالى فيه من نعم سخرها لهذا الإنسان الضعيف، من أجل أن يقيم دين الله تعالى في الأرض، وأن يشكر الله تعالى على نعمه [وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ] {النحل:12}.
ودواء الأمراض لم تغفله السورة التي سميت بالمخلوق الذي ينتجه [وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ] {النحل:68-69}.
ونعمة التزاوج والإنسال، والفرح بالأولاد والأحفاد؛ أتت السورة على ذكرها، ومنة الله تعالى على الإنسان بها [وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ] {النحل:72}.
فيا لها من سورة ما أعظمها! ومن نعم ما أكثرها وما أجلها! فمن منا يلهج بشكر الله تعالى عليها، ويتبع القول عملا، بلزوم الطاعات، ومجافاة المحرمات؟! نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الشاكرين، وأن يجنبنا سبل الجاحدين؛ فإن الله تعالى وصفهم في السورة نفسها بقوله [أَفَبِنِعْمَةِ الله يَجْحَدُونَ] {النحل:71} وبعدها بآية وصفهم بقوله عز وجل [أَفَبِالبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ الله هُمْ يَكْفُرُونَ] {النحل:72}حري بمن قرأ سورة النحل وتدبرها، وتنقل بين آياتها وهي تفصل نعم الله تعالى عليه أن يمتلئ قلبه بتعظيم الله تعالى على قدرته وخلقه، وشكره على نعمه وفضله.. نعم كثيرة تعددها السورة في رحم كل نعمة منها نعم أخرى فمن يحصيها؟!
وأكثر سورة نُوِّه فيها بالنعم هي هذه السورة، وهي أكثر سورة تكررت فيها مفردة (نعمة) ومشتقاتها، ذكرها الله تعالى بأساليب مختلفة ليغرينا بالشكر، ويغرسه في قلوبنا؛ فتارة يذكرنا الله تعالى بكثرتها [وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا] {النحل:18}. وتارة أخرى يلفت انتباهنا إلى أن أي نعمة فهي منه سبحانه [وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ الله] {النحل:53} وفي كرة ثالثة يبين الحكمة في تتابع هذه النعم وإتمامها على الإنسان [كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ] {النحل:81} وفي رابعة يأمر سبحانه بالشكر بعد ذكر النعم [فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ الله إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ] {النحل:114}.
ويضرب في السورة مثلين مهمين: لمن لا يشكر حتى يحذر الناس طريقته، وآخر لمن شكر حتى يتأسوا به، أما مثل الكافرين ففي قوله سبحانه [يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ الله ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الكَافِرُونَ] {النحل:83} ثم بين ما يصيبهم من عقوبة بسبب ذلك [وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ] {النحل:112}وأما مثل الشاكرين فالخليل عليه السلام، وبسيرته وشكره ختمت السورة [إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لله حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ المُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ] {النحل:121} وليس إخبارا عنه فقط، فكما ذكر الله تعالى عقوبة من كفروا نعم الله تعالى بأن أبدل شبعهم جوعا، وأمنهم خوفا، فإنه سبحانه ذكرنا بما أعطى الخليل جزاء له على شكره، وأمرنا بأن نقتدي به لنفوز كما فاز [وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا] {النحل:122-123}.
فهل تجدون تكريسا لقضية -مهما كانت مهمة- في وجدان الإنسان أكثر من تكريس شكر الله تعالى على نعمه في سورة النحل، والإلحاح عليها، وجعل التوحيد الذي هو القضية الأولى في القرآن مظهرا من مظاهر الشكر.
ما أحوجنا لتدبر هذه السورة، وما أحوجنا لشكر الله تعالى على نعم أتمها علينا، في وقت يتخطف فيه العالم من حولنا، وتضطرب أحوال الدول والأمم، ولا قيد للنعم كشكرها، ولا نماء لها إلا بشكرها، ولا شكر إلا بطاعة الله تعالى وإقامة شريعته. وأما من يحاربون الله تعالى، ويصادرون شريعته، ويعطلون أحكامها، ويحلون حرامها، ويسقطون واجبها، ويحرفون نصوصها؛ مجاراة للعصر، وموافقة لأهل الكفر؛ فهم سبب زوال النعم وسلبها، وهم سبب حلول الخوف والجوع في الأرض، والاحتساب عليهم واجب، ونهيهم عن المنكر فريضة، وإلا حلت بنا المثلات كما حلت بمن قبلنا، نسأل الله تعالى أن يعافينا وأن يسلمنا [فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الغَافِرِينَ]
يقول الشافعي الشيباني المتوفي عام 777هجري في أبيات جميلة تكتب بماء الذهب
سأحـــــمد ربـــــي طاعـــــة وتعـــبدا * وأنظــــم عـــــقدا في العـــقيدة أوحدا
أفـــــادتكم النعـــــماء منـــــي ثلاثة: * يــــدي ولسانـــــي والضمــير محجبا
إلى أن قال رحمه الله في عقيدة المسلم في نعم الله تعالى .
فهـــــذا اعتـــــقاد الشـــــافعي إمامنا * ومالـــــك والنعــــمان أيضا وأحمدا
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً