هل تستوي تضحيات الحجيج بتضحياتِ المجاهدين؟ وحيثما نظرتَ في موضع يتقاطع فيه الجهاد والحج؛ قادك ...

هل تستوي تضحيات الحجيج بتضحياتِ المجاهدين؟

وحيثما نظرتَ في موضع يتقاطع فيه الجهاد والحج؛ قادك بلا ريب إلى أفضلية جهاد الفريضة، وبصّركَ بالحكمة من ذلك خصوصا في زماننا.

فمثلا، يتقاطع الحج مع الجهاد في التضحية بالمال والجهد والمشقة، فلا حج بغير سفر ولا سفر بغير عناء، ولعل مساحة ذلك تضيق اليوم في ظل تطور وسائل النقل وسبل الإعاشة والراحة التي تتوفر للحجيج خلافا لما كان عليه الحال في السابق، ومع ذلك هل يستوي اليوم بذل الحجيج وتضحيتهم ومشاقهم وسائر جهدهم، بجهاد المجاهدين وتضحيتهم وهجرتهم وشظف عيشهم، الحاملين أرواحهم على أكفهم الباذلين أنفسهم دون دينهم وأمتهم؟!

ويتقاطع الحج مع الجهاد في تحقيق التوحيد، فالحج من أول مناسكه إلى آخرها يقرر التوحيد لله وينفي الشرك، والجهاد إنما شُرع لأجل حماية جناب التوحيد وتحقيقه ودعوة الناس إليه وأطرهم عليه وسوقهم إلى الجنة بالسلاسل.

وبالنظر إلى شيوع الشرك اليوم وحراسة الحكومات والجيوش له، ندرك فضل الجهاد ومدى العوز إليه، وأنه السبيل الوحيد لمقارعة الشرك ونبذه وصد عاديته، كما ندرك أيضا أن الدعاة إلى التوحيد مجرّدين من سيوف الجهاد؛ لم يعودوا قادرين على القيام بالدعوة على الوجه الذي أمر به الشارع الحكيم، وما يصلنا من أنّات وزفرات دعاة التوحيد في ديار الكفر يغني عن مزيد بيان، والله المستعان.


افتتاحية صحيفة النبأ العدد 498
"بين الجهاد والحج"
...المزيد

واجب النساء في جهاد الأعداء النساء شقائق الرجال، وكم من مسلمة لم يقعدها ضعفها وانشغالها بتربية ...

واجب النساء في جهاد الأعداء

النساء شقائق الرجال، وكم من مسلمة لم يقعدها ضعفها وانشغالها بتربية أطفالها وطاعة زوجها عن أن تنال من المعروف ما ناله الكُمّل من الرجال، بل منهن من طرقت أبوابا هي من أخص خصائص الرجال لما فيها من شدّة على النفس، وحاجة إلى القوّة والعزيمة، كباب الجهاد في سبيل الله تعالى.
وإننا اليوم في إطار هذه الحرب على الدولة الإسلامية، وما فيها من شدة وبلاء، يغدو لزاما على النساء المسلمات أن يقمن بواجبهن على كافة الأصعدة في دعم المجاهدين في هذه المعركة، بأن يعددن أنفسهن مجاهدات في سبيل الله، ويتجهزن للذود عن دينهن بأنفسهن فداء لدين الله تبارك وتعالى، وبتحريضهن لأزواجهن وأبنائهن، فيكن كالنساء المجاهدات من الرعيل الأول.

ولبيان أهمية واجبك أختي المسلمة في الصراع المحتدم اليوم بين ملل الكفر وملة الإسلام، لا بد لنا أن نذكرك بالمرأة المجاهدة في العصر الذهبي للإسلام، وما سوف نسوقه لك من نماذج لنساء المسلمين هو أحد الجوانب المضيئة في حياة المرأة المسلمة، أم الأبطال وأخت الأبطال وزوجة الأبطال، وليس غريباً على نساء المسلمين اليوم أن يكون عندهن من الفداء والصدق والحب للدين مثل المجاهدات السابقات اللاتي نصرن الإسلام.

وعسى أن يكون ما سنذكره من صور دافعاً لك -أختي الكريمة- لتقتدي بهن، ليحصل لك من الخير ما حصل لهن وللدين في وقتهن، فهنَّ حقاً من يستحققن أن يقتدى بهن، وليست غيرهن قدوتك أختي المسلمة، كلا، فإن أردت أن تعرفي من أنت فانظري بمن تقتدين، وإذا أردت أن تعرفي حال الأمة فانظري بمن تقتدي نساؤها، فإن كنَّ يقتدين بالعظيمات المجاهدات الصادقات القانتات العابدات الصابرات فقد انتصرت الأمة، وإن كن يقتدين بالكافرات الكاذبات الضالات المضلات المائلات المميلات، فهذه خسارة كبيرة للأمة حقاً.


• حرص النساء الصحابيات على القتال

لقد دخلت المرأة ميدان المعركة في قرون الإسلام الأولى ليس ذلك بسبب قلة الرجال في وقتها، ولكنه راجع إلى حبها للأجر والفداء والتضحية في سبيل الله، يبين ذلك ما رواه أحمد عن حشرج بن زياد الأشجعي عن جدته أم أبيه أنها قالت: خرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزاة خيبر وأنا سادس ست نسوة، فبلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن معه نساء، فأرسل إلينا فقال: (ما أخرجكن؟ وبأمر من خرجتن؟) فقلنا: خرجنا نناول السهام، ونسقي الناس السويق، ومعنا ما نداوي به الجرحى، ونغزل الشَّعر، ونعين به في سبيل الله، قال: (قمن فانصرفن)، فلما فتح الله عليه خيبر أخرج لنا سهاماً كسهام الرجل، قلت: يا جدة ما أخرج لكن؟ قالت: تمراً.

ومن حبها أيضاً للجهاد والفداء لهذا الدين فقد قادها ذلك الحب الصادق إلى طلب خوض الجهاد طلباً صريحاً من الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقالت كما في البخاري وسنن النسائي واللفظ له عن عائشة -رضي اله عنها- أنها قالت: قلت: يا رسول الله، ألا نخرج فنجاهد معك، فإني لا أرى عملاً في القرآن أفضل من الجهاد؟ قال: (لا، ولكنَّ أحسن الجهاد وأجمله حج البيت حج مبرور)، وفي رواية أحمد والبخاري قال: (لا، جهادكنَّ الحج المبرور وهو لكنَّ جهاد).


• نسيبة الأنصارية

وأول تلك النماذج التي نسوقها لك -أختي الكريمة- لتقتدي بها، لو كانت نساء المسلمين مثلها لما ضاع لنا حق ولا انتهكت لنا حرمة إن شاء الله، إنها المجاهدة الشجاعة التي خرجت يوم كان الجهاد جهاد دفع، إنها أم عمارة نَسِيبةُ بنتُ كعبٍ الأنصارية.

جاء في ترجمتها في سير أعلام النبلاء للذهبي: "شهدت أم عمارة ليلة العقبة وشهدت أحداً والحديبية ويوم حنين ويوم اليمامة وجاهدت وفعلت الأفاعيل، وقُطعت يدها في الجهاد، وقال الواقدي شهدَتْ أُحُداً مع زوجها غزية بن عمرو ومع ولديها، خرجت تسقي ومعها شَنٌّ وقاتلت وأبلت بلاء حسناً، وجُرحت اثني عشر جرحاً.
وكان ضمرة بن سعيد المازني يحدث عن جدته وكانت قد شهدت أحداً، قالت سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لمقام نَسيبةَ بنتِ كعبٍ اليومَ خيرٌ من مقامِ فلانٍ وفلان)، وكانت يومئذ تقاتل أشد القتال وإنها لحاجزة ثوبها على وسطها حتى جرحت ثلاثة عشر جرحاً، وضربها ابن قمئة على عاتقها وكان أعظم جراحها، فداوته سنة، ثم نادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حمراء الأسد، فشدت عليها ثيابها، فما استطاعت من نزف الدم، رضي الله عنها ورحمها".• ألق ترسك إلى من يقاتل

قال الإمام الذهبي: "قالت أم عمارة: رأيتني، وانكشف الناس عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فما بقي إلا نفر ما يتمون عشرة، وأنا وابناي وزوجي بين يديه نذب عنه، والناس يمرون به منهزمين، ورآني ولا ترس معي فرأى رجلاً مولياً ومعه ترس، فقال: (ألق ترسك إلى من يقاتل)، فألقاه فأخذته فجعلت أترِّسُ به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما فعل بنا الأفاعيل أصحاب الخيل، ولو كانوا رَجَّالة مثلنا أصبناهم إن شاء الله، فأقبل رجل على فرس فيضربني وترَّسْتُ له فلم يصنع شيئاً وولى، فأضربُ عرقوبَ فرسِه فوقع على ظهره فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يصيح: (يا ابنَ أمِّ عِمارة أمَّكَ أمَّكَ)، قالت: فعاونني عليه حتى أوردته شَعوبَ، وهو اسم من أسماء الموت".

قال الإمام ابن كثير: "قال ابن هشام: وقاتلت أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية يوم أحد، فذكر سعيد بن أبي زيد الأنصاري أن أم سعد بنت سعد بن الربيع كانت تقول: دخلت على أم عمارة فقلت لها: يا خالة أخبريني خبرك، فقالت: خرجت أول النهار أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف وأرمي عن القوس، حتى خلصت الجراح إلي، قالت: فرأيت على عاتقها جرحا أجوف له غور فقلت لها: من أصابك بهذا؟ قالت: ابن قمئة أقمأه الله، لما ولى الناس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقبل يقول: دلوني على محمد لا نجوت إن نجا، فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير وأناس ممن ثبت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضربني هذه الضربة" [البداية والنهاية].


• من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟!

وقال الذهبي: "عن عبد الله بن زيد [وهو ابن أم عمارة] قال: جرحتُ يومئذ جرحاً وجعل الدم لا يَرْقَأُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعصب جرحك)، فتُقْبِل أمي إليَّ ومعها عصائب في حِقْوها، فرَبَطَت جرحي والنبي -صلى الله عليه وسلم- واقف فقال: (انهض بُنيَّ فضارب القوم)، وجعل يقول: (من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟)، فأقبل الذي ضرب ابني فقال رسول الله: (هذا ضارب ابنك)، قالت: فأعترض له فأضرب ساقه، فبرك، فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتبسم حتى رأيت نواجذه، وقال (استقدت يا أم عمارة)، ثم أقبلنا نَعُلُّه بالسلاح حتى أتينا على نفْسِه، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله الذي ظَفَّرَكِ)".

وقال: "عن عبد الله بن زيد بن عاصم أيضاً، قال: شهدتُ أُحُداً، فلما تفرقوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دنوت منه أنا وأمي نذب عنه فقال: (ابن أم عمارة؟) قلت: نعم، قال: (ارمِ)، فرميت بين يديه رجلاً بحجر وهو على فرس، فأصبت عين الفرس، فاضطرب الفرس، فوقع هو وصاحبه، وجعلت أعلوه بالحجارة والنبي -صلى الله عليه وسلم- يتبسم، ونظر إلى جرح أمي على عاتقها فقال: (أمَّكَ أمَّكَ اعصِبْ جُرْحَها، اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة) قلت: ما أبالي ما أصابني من الدنيا".

وقال: "عن محمد بن يحيى بن حبان قال: جُرِحَتْ أم عمارة بأُحُد اثني عشر جرحا، وقطعت يدها يوم اليمامة، وجُرِحَتْ يوم اليمامة سوى يدها أحد عشر جرحا. فقدمت المدينة وبها الجراحة فلقد رئي أبو بكر -رضي الله عنه- وهو خليفة يأتيها يسأل عنها، وابنها حبيب بن زيد بن عاصم هو الذي قطعه مسيلمة، وابنها الآخر عبد الله بن زيد المازني الذي حكى وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قُتل يوم الحرة وهو الذي قَتل مسيلمة الكذاب بسيفه" [سير أعلام النبلاء].

هذه هي المجاهدة الشجاعة الصابرة أم عمارة، وحقاً من يطيق ما تطيق أم عمارة؟ متى كانت هذه قدوتك أختي الكريمة في شجاعتها وفدائها وإقدامها وثباتها وصبرها على هذا الطريق أفلحتِ، بإذن الله.

• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 100
الخميس 15 محرم 1439 ه‍ـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - مقال: الصولة العسكرية شروطها ومدى تأثيرها على العدو تُعَد الصولات ...

الدولة الإسلامية - مقال:

الصولة العسكرية
شروطها ومدى تأثيرها على العدو

تُعَد الصولات الهجومية من أهم وأقدم الطرق القتالية في العالم، وهي طريقة استنزافية للعدو، لا تُستَخدم لكسب حرب أو لمَسك أرض، بل لإيقاع الخسائر البسيطة والموجعة والمستمرة بالعدو، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (أحب الأعمال إلى الله أدومها، وإن قلَّ) [صحيح البخاري].

وتشُنُّ الصولاتَ أعدادٌ صغيرة من المهاجمين، من خمسة إلى خمسة عشر رجلا يزيدون أو ينقصون قليلا، ويتميز القائمون بهذا النوع من الهجمات بالشجاعة واللياقة البدنية العالية، ولا تستهدف الصولات المحاورَ القتالية أو الجبهات الدفاعيةَ القوية فحسب، بل تختار الأطراف الضعيفة المرتخية كأهداف سهلة.


• أركان الصولة:

يعتمد نجاح الصولات على أمرين: أولاً مباغتة العدو، وثانياً السرعة في ضرب الهدف والانسحاب، وتتميز الصولات عن الغزوات العادية بأنها لا تحتاج إلى إعداد طويل أو مُكلف، وبهذا يمكن للمجموعات الصغيرة من المجاهدين القيام بعدد كبير من الصولات في زمن قصير نسبياً.


• أنواع الصولات:

ثمة نوعان من الصولات يقوم بهما جنود الخلافة:

الأول هو صولات المشاة: وفيها يتسلل عدد صغير من المجاهدين إلى مكان قرب العدو ويقومون بضربه ثم الانسحاب بسرعة، وأحياناً يكون الضرب بالاشتباك المباشر المباغت، وأحياناً يكون بزرع عبوات مموهة بشكل جيد على طرق إمداد العدو البرية.

والشكل الثاني للصولات هو استخدام سيارات مصفحة تباغت العدو بالاشتباك بالرشاشات الثقيلة، ثم الانسحاب بسرعة، وفي كلا النوعين لا يكون الاشتباك طويلا، بل يتم الانسحاب قبل تدخل الطيران.


• أين تنجح الصولات؟

من عوامل نجاح الصولات، طول خط التماس مع العدو، فيحتاج العدو إلى عدد كبير من نقاط الرباط مقابل أرض الإسلام، فيعمل الاستطلاع على إيجاد النقاط الأضعف استعداداً، سواءً ضعُفت بسبب عدد الجنود أو تسليحهم أو بسبب طبيعة الأرض، أو حتى بسبب سهولة الانسحاب أو غير ذلك. وفي الصولات يقوم أفراد الهجوم أنفسهم باستطلاع الهدف قبيل القيام بالصولة، أي أن كثرة نقاط رباط العدو على طول خط التماس توفر كثرة في خيارات المهاجِمين، وهو ما يعطي أيضاً ميزات إضافية للمهاجمين.

وقد يطلب بعض الأمراء العسكريين القيام بأكثر من صولة في نفس الوقت بهدف تشتيت الطيران، ولكن التنسيق بين أكثر من مجموعة مهاجِمة يتعارض مع مبدأ الصولات، فإن كثرة الصولات أهم من التنسيق بينها، ويجب الوصول إلى هدف تحييد الطيران عن طريق سرعة الانسحاب بالدرجة الأولى، أو في أسوأ الحالات عن طريق القيام بهجمة وهمية متزامنة في مكان آخر، فهذه يمكن التحضير لها والقيام بها في الوقت المطلوب بلا جهد كبير، وبلا تأثير على الوقت الذي اختاره المهاجمون لصولتهم.

ومن الهام أن يعرف المهاجمون كم من الزمن يحتاج الطيران لكي يتدخل في النقطة التي ينوون مهاجمتها، وأن لا يتأخروا أكثر مما ينبغي في صولتهم.
• ردة فعل العدو:

ليس لدى العدو سوى خيارات محدودة أمام كثرة الصولات، فتجب عليه زيادة قوة نقاط الرباط بزيادة عدد الجنود في كل نقطة، وكذلك زيادة عدد نقاط الرباط وتقليل المسافة بينها لتتمكن من مساعدة بعضها عند الهجوم على إحداها، وأخيراً فإن على العدو زيادة قدرات الجنود على التواصل مع الطيران لكي يتمكن من نجدتهم عند حصول هجوم المجاهدين، وهذا ليس سهلاً أبداً بسبب طبيعة جنود العدو الذين يتصرفون دائماً بارتباك عند تعرضهم للهجوم، وأما الجنود المدربون على استدعاء الطيران وتوجيهه، فليسوا هم الذين يرابطون على طول خط التماس مع العدو، بل هم نسبة صغيرة فقط.

• كيف تعيد الصولات تشكيل أرض المعركة:

تُحدث الصولات تأثيراً كبيراً على البُنية الداخلية لجيش العدو، لأن انتشار جيش العدو مع الزمن يتحول إلى قشرة جوفاء على خطوط التماس الأمامية فقط، ولا عمق خلف هذه القشرة يدفع عنها عندما تُكسر، وهذا هو حال ميليشيات الأكراد اليوم، فمن المعلوم أن الأرض التي خلفهم فارغة من كل وجود عسكري، ولكن الحقيقة غير المتوقعة هي أنه لا يوجد عندهم حل لهذه المشكلة.

وإذا فرضنا أن قدرة العدو على التجنيد سترتفع بسبب التجنيد الإجباري، فإن هذا سيكون أيضاً لصالح المجاهدين، فالمجندون إجبارياً ليسوا مقاتلين حقيقيين، بل جبناء لا يعرفون القتال، ولا قضية عندهم ليقاتلوا من أجلها، خصوصاً أنهم يقاتلون تحت راية الأكراد الذين يكرهونهم أصلاً.


• الفعل ورد الفعل:

للعدو طريقة واحدة للتعامل مع جنود الخلافة، وهي الهرب واستدعاء الطيران، إلههِم الذي يلجؤون إليه، فإذا أحسوا باقتراب المجاهدين، أو بدأت عليهم الرماية، فإن ردة الفعل التي تدربوا عليها هي الهرب للخطوط الخلفية مع استدعاء الطيران، وهنا يجب على المجاهدين أن يكتفوا بما أحدثوا من خسائر، وألا يحاولوا أبداً الاستقرار في المنطقة، وخصوصاً أن لا يبقوا في النقطة التي انسحب منها العدو، بل أن يأخذوا غنائمهم ويبتعدوا عن هذه النقطة بسرعة، فهذه النقاط محددة مسبقاً بدقة لطيران العدو، وحالما ينسحب جنود العدو من نقطتهم يأتي الطيران لضرب هذه النقطة، وهذا هو أهم تكتيكات قتال الأكراد التي دربهم عليها الأمريكان.

ومؤخراً فقد بدأ جيش النصيرية أيضاً باستخدام خطط مماثلة، فإن النقطة المحصنة التي تؤخذ منه تكون محددة كهدف للمدفعية مسبقاً، فإذا استولى المجاهدون على أي نقطة للنصيرية فيجب أن يرابط الإخوة بعيداً عنها ﻷن العدو قد رصد نقاطه مسبقاً كي لا يتمكن الإخوة من الصمود فيها تحت الكثافة النارية العالية.

ومن المهم أن يعرف المجاهد طبيعة العدو الذي يقاتله، فإن نقاط الحراسة التي يتواجد فيها العدو هي نقاط واهنة على العموم، ﻷن نخبة جنود العدو هم الذين يجمعهم في وحدات خاصة، وأما الرباط الثابت على طول خط المواجهة مع الأكراد فهو للمجندين إجبارياً من أهل القرى، وهؤلاء لا قضية لهم يقاتلون عليها.


• تأثير الصولات على عمق العدو:

يحتاج العدو أن يعوض خسائره بشكل مستمر، ولذلك فإن الصولات على خطوط التماس مع العدو هي التي تحدد أين سيضخ العدو جنوده، وأين سيترك خطوطه تضعف، أي أن المهاجم النشيط هو الذي يقرر كيف سيتوزع جيش العدو، وهذه الحيلة، تعمل دائماً بعون الله، ولا يوجد حل لدى العدو حتى عندما يعرف المقصود من الصولات الهجومية، فإما أن يترك خطوط رباطه النائية تضعف نتيجة خسائرها المستمرة، وهو ما يعرضه لخطر الاجتياح من تلك المناطق، وإما أن يستمر بالتعويض عن الخسائر ويُضعف المناطق التي لا تتعرض للهجمات.

وأما أن يكون لدى العدو القدرة على التجنيد لتغطية الجميع، فقد مضى هذا الزمن بالنسبة للأكراد خصوصاً وبالنسبة لجميع أعداء الخلافة عموماً، فقد أرهقت هذه الحرب الجميع.

وبهذا فإن الصولات المستمرة ستعرِّض أي جيش للانهيار مع الزمن، ولم يشهد التاريخ أي حالة صمد فيها جيشٌ أمام الصولات المستمرة، ورغم أن انهيار العدو النهائي يتطلب غزوة معدةً بشكل جيد، إلا أن الصولات هي التي تمهد الطريق لنجاح أي غزوة من هذا النوع بإذن الله.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 100
الخميس 15 محرم 1439 ه‍ـ
...المزيد

علامات مرض القلب وصحته قال ابن قيم الجوزية -رحمه الله- في كتاب (إغاثة اللهفان في مصايد ...

علامات مرض القلب وصحته

قال ابن قيم الجوزية -رحمه الله- في كتاب (إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان):

كل عضو من أعضاء البدن خُلق لفعل خاص به، كمالُه فى حصول ذلك الفعل منه، ومرضه أن يتعذر عليه الفعل الذى خُلق له، حتى لا يصدر منه، أو يصدر مع نوع من الاضطراب.

فمرض اليد: أن يتعذَّر عليها البطش، ومرض العين: أن يتعذر عليها النظر والرؤية، ومرض اللسان: أن يتعذر عليه النطق، ومرض البدن: أن يتعذر عليه حركته الطبيعية أو يضعف، ومرض القلب: أن يتعذر عليه ما خُلق له من المعرفة بالله، ومحبته، والشوق إلى لقائه، والإنابة إليه، وإيثار ذلك على كل شهوة.


• من لم يعرف ربه

فلو عرف العبد كلَّ شىء ولم يعرف ربه، فكأنه لم يعرف شيئا، ولو نال كلَّ حظ من حظوظ الدنيا ولذاتها وشهواتها، ولم يظفر بمحبة الله والشوق إليه والأنس به، فكأنه لم يظفر بلذة ولا نعيم ولا قرة عين، بل إذا كان القلب خاليا عن ذلك عادت تلك الحظوظ واللذات عذابا له ولا بد...

وكل من عرف الله أحبه، وأخلص العبادة له ولا بدَّ، ولم يؤثر عليه شيئا من المحبوبات فمن آثر عليه شيئا من المحبوبات، فقلبه مريض، كما أن المعدة إذا اعتادت أكل الخبيث وآثرته على الطيب سقطت عنها شهوة الطيِّب، وتعوَّضت بمحبة غيره.


• قلب مريض وصاحبه لا يعلم

وقد يمرض القلب ويشتد مرضه، ولا يعرف به صاحبُه، لاشتغاله وانصرافِه عن معرفة صحته وأسبابها، بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته، وعلامة ذلك أنه لا تؤلمه جراحات القبائح، ولا يوجعه جهله بالحق وعقائده الباطلة، فإن القلب إذا كان فيه حياة يألم بورود القبيح عليه، ويألم بجهله بالحق بحسب حياته، وَمَا لِجُرْحٍ بَمِّيتٍ إيلامُ.


• لا يصبر على الدواء

وقد يشعر بمرضه، ولكن يشتد عليه تحمُّل مرارة الدواء والصبر عليها، فيؤثر بقاء ألمه على مشقة الدواء، فإن دواءه فى مخالفة الهوى، وذلك أصعب شيء على النفس، وليس لها أنفع منه.

وتارة يوطِّن نفسه على الصبر، ثم ينفسخ عزمه، ولا يستمر معه لضعف علمه وبصيرته وصبره، كمن دخل فى طريق مَخوف مُفض إلى غاية الأمن، وهو يعلم أنه إن صبر عليه انقضى الخوف وأعقبه الأمن، فهو محتاج إلى قوة صبر، وقوة يقين بما يصير إليه، ومتى ضعف صبره ويقينه رجع من الطريق، ولم يتحمَّل مشقتها، ولا سيما إن عدِم الرفيق، واستوحش من الوحدة، وجعل يقول: أين ذهب الناس؟ فلي بهم أسوة.


• حال أكثر الخلق

وهذه حال أكثر الخلق، وهى التي أهلكتهم، فالبصير الصادق لا يستوحش من قلة الرفيق ولا من فقده إذا استشعر قلبُه مرافقة الرعيل الأول، {الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]، فتفرُّدُ العبد فى طريق طلبه دليل على صدق الطلب....

وما أحسن ما قال أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبى شامة فى كتاب (الحوادث والبدع): "حيث جاء به الأمر بلزوم الجماعة: فالمراد به لزوم الحق واتباعه، وإن كان المتمسِّك به قليلا والمخالف له كثيرا"، لأن الحق هو الذى كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، ولا نظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم.....

والمقصود أن من علامات أمراض القلوب عدولُها عن الأغذية النافعة الموافقة لها إلى الأغذية الضارة، وعدولُها عن دوائها النافع إلى دائها الضار، فهنا أربعة أمور: غذاء نافع، ودواء شاف، وغذاء ضار، وداء مهلك.• القلب الصحيح

فالقلب الصحيح يؤثر النافع الشافي على الضارِّ المؤذى، والقلب المريض بضد ذلك.

وأنفع الأغذية: غذاء الإيمان، وأنفع الأدوية: دواء القرآن، وكلٌّ منهما فيه الغذاء والدواء.

ومن علامات صحته (يعني القلب) أيضا: أن يرتحل عن الدنيا حتى ينزل بالآخرة، ويحلَّ فيها، حتى يبقى كأنه من أهلها وأبنائها، جاء إلى هذه الدار غريبا يأخذ منها حاجته، ويعود إلى وطنه، كما قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمر: (كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وعدَّ نفسك من أهل القبور) [رواه أحمد، والترمذي].

فحيَّ على جنات عدن فإنها
منازلك الأولى وفيها المخيَّم
ولكننا سبيُ العدو، فهل ترى
نعود إلى أوطاننا ونسلَّم؟

وقال على بن أبى طالب رضى الله عنه: "إن الدنيا قد ترحَّلت مدبرة، وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل".

وكلما صحَّ القلب من مرضه ترحل إلى الآخرة، وقرُب منها حتى يصير من أهلها، وكلما مرض القلب واعتلَّ آثر الدنيا واستوطنها، حتى يصير من أهلها.

ومن علامات صحة القلب: أنه لا يزال يضرب على صاحبه حتى يُنيب إلى الله ويخبت إليه، ويتعلق به تعلق المحب المضطر إلى محبوبه، الذى لا حياة له ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا برضاه وقربه والأنس به، فبه يطمئن، وإليه يسكن، وإليه يأوي، وبه يفرح، وعليه يتوكل، وبه يثق، وإياه يرجو، وله يخاف فذكرُه: قوتُه وغذاؤه، ومحبته والشوق إليه: حياته ونعيمه ولذته وسروره، والالتفات إلى غيره والتعلق بسواه: داؤه، والرجوع إليه: دواؤه، فإذا حصل له ربُّه سكن إليه واطمأن به، وزال ذلك الاضطراب والقلق، وانسدت تلك الفاقة، فإن فى القلب فاقة لا يسدُّها شىء سوى الله تعالى أبدا، وفيه شعث لا يلمه غير الإقبال عليه، وفيه مرض لا يشفيه غير الإخلاص له وعبادته وحده، فهو دائما يضرب على صاحبه حتى يسكن ويطمئن إلى إلهه ومعبوده، فحينئذ يباشر روح الحياة، ويذوق طعمها، وتصير له حياة أخرى غير حياة الغافلين المعرضين عن هذا الأمر الذى له خُلق الخَلق، ولأجله خلقت الجنة والنار، وله أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، ولو لم يكن جزاءً إلا نفس وجوده لكفى به جزاءً، وكفى بفوته حسرة وعقوبة.

قال بعض العارفين: "مساكين أهل الدنيا، خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله، والأنس به، والشوق إلى لقائه، والتنعُّم بذكره وطاعته" وقال آخر: "والله ما طابت الدنيا إلا بمحبَّته وطاعته، ولا الجنة إلا برؤيته ومشاهدته".

وقال آخر: "من قرت عينه بالله تعالى قرَّت به كل عين، ومن لم تقرَّ عينه بالله تقطع قلبه على الدنيا حسرات".

ومن علامات صحة القلب: أن لا يفتُر عن ذكر ربه، ولا يسأم من خدمته، ولا يأنس بغيره، إلا بمن يدلُّه عليه، ويذكِّره به، ويذاكره بهذا الأمر.

ومن علامات صحته: أنه إذا فاته وِرْدُه وجد لفواته ألمَا أعظم من تألُّم الحريص بفوات ماله وفقده.

ومن علامات صحته: أنه يشتاق إلى الخدمة، كما يشتاق الجائع إلى الطعام والشراب.

ومن علامات صحته: أنه إذا دخل فى الصلاة ذهب عنه همُّه وغمه بالدنيا، واشتد عليه خروجه منها، ووجد فيها راحتَه ونعيمه، وقرة عينه وسرور قلبه.

ومن علامات صحته: أن يكون همُّه واحدا، وأن يكون في الله.

ومن علامات صحته: أن يكون أشحَّ بوقته أن يذهب ضائعا من أشد الناس شحا بماله.

ومنها: أن يكون اهتمامه بتصحيح العمل أعظم منه بالعمل، فيحرص على الإخلاص فيه والنصيحة والمتابعة والإحسان، ويشهد مع ذلك منَّة الله عليه فيه، وتقصيره فى حق الله.
ذلك منة الله عليه فيه وتقصيره فى حق الله، فهذه ست مشاهد لا يشهدها إلا القلب الحى السليم... انتهى باختصار


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 100
الخميس 15 محرم 1439 ه‍ـ
...المزيد

تعلموا أمر دينكم • صفة الكفر بالطاغوت تكون بـ: ➊ - اعتقاد بطلانها. ➋ - تركها والتبرؤ منها. ➌ ...

تعلموا أمر دينكم

• صفة الكفر بالطاغوت تكون بـ:
➊ - اعتقاد بطلانها.
➋ - تركها والتبرؤ منها.
➌ - بغضها وعداوتها.
➍ - تكفير أهلها.
➎ - معاداتهم في الله.

والدليل قوله تعالى: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ۖ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [الممتحنة: ٤]

إذاً فمن لم يحقق هذه الصفة لم يكن مؤمناً بالله كافرا بالطاغوت، بل العكس، لأن الإيمان بالطاغوت والإيمان بالله ضدان لا يجتمعان في قلب إنسان أبدا، إذ لا يمكن أن يوصف الشخص بأنه مشرك وموحد في نفس الوقت، بل لا بد له من أحد الوصفين لا محالة، إذ لا ثالث لهما، لقوله تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ } وقوله: { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا }

فهذا الطاغوت الذي أمرنا أن نكفر به ونجتنبه، وهذه عبادته التي نهينا عنها وأمرنا بتركها وتكفير أهلها ومعاداتهم.

- كتاب تعلموا أمر دينكم صادر عن ديوان الدعوة والمساجد / سلسلة (4)
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 100 الافتتاحية: • الله أكبر! أبشروا يا معشر ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 100
الافتتاحية:

• الله أكبر! أبشروا يا معشر المسلمين...

من يقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، يعلم أن الاستبشار بالنصر والفتوحات من هديه، فعندما شكى له أصحابه بمكة ما يلاقونه من الأذى والابتلاء على طريق الإيمان والدعوة إلى الله -تعالى- وطلبوا منه الدعاء، أخبرهم بصبر من كان قبلهم من أتباع الأنبياء الذين ساروا على طريق التوحيد والبذل دونه، ثم قال لهم: (والله لَيُتِمَّنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون)، وعندما كان يحفر الخندق قبل وصول الأحزاب بشَّرهم بكنوز كسرى وقيصر، وعندما غدر اليهود أثناء الحصار قال :(الله أكبر! أبشروا يا معشر المسلمين)، وهذا الهدي النبوي ما زلنا نراه في كلام قادة الدولة وأمرائها، فإنه ورغم كل ما يصيب المجاهدين من الابتلاءات لا يزال التبشير بالنصر والفتح والمبين، فإن ما يصيب المسلمين اليوم من الابتلاءات العظيمة بسبب هجمات الأعداء على مدن الخلافة إنما هو آخر حلقات الابتلاء التي تصيب عقر دار الإسلام إن شاء الله، وقد أهلّت بشائر النصر هذه الأيام، فتقدم جنود الخلافة متجاوزين خطوط العدو يرنون إلى فتح المدن، وقد مكَّنهم الله -تعالى- من التنكيل بالكفار وانتزاع مواقع مهمة أربكت العدو وشتَّتت خططه، وبدأ يخبط خبط عشواء، ومقابل هذه البشارات تزداد حدة المواجهة ويزداد البلاء بالقصف الشديد المعبِّر عن صراخ الألم الذي يكابده العدو مقابل ما حقَّقه جنود الخلافة من الانتصارات، ولن تنجلي هذه الجولة المباركة -بإذن الله- إلا عن هلاك هذا العدو المجرم وعن سقوطه وامتلاك المجاهدين أرضه وعدته وعتاده.

وإن في هذا الجهاد المبارك هذه الأيام أمارات بدء مرحلة جديدة من احتدام الصراع المؤذن بانبلاج فجر جديد يمكِّن الله فيه لعباده أكثر مما مكَّنهم من قبل، فمع الصبر والتصبر والاستمرار في الجهاد، نحسب أن الله -تعالى- يهيئ الأرض لأمر عظيم.

فأبشروا يا أهل الإسلام في كل مكان، فلم تبق إلا جموع المرتدين المنهكة من بأس جنود الخلافة الميامين، التي أصبحت تلقي بترسانتها وتحرِّك قطعانها بجنون، بينما ينتظر جنود الخلافة لحظة الانقضاض على هذا العدو الهائج بسبب ما يلاقيه من انتصار وثبات جنود الخلافة، وما بعد هذا الثبات المبارك أمام أمم الصليب وأوليائهم المرتدين إلا فتح عظيم يقلب توازن القوى في العالم، وإنه لنصر عظيم أن يتصدى جنود الخلافة لأمم الكفر وجموع المرتدين هذي السنين بحزم وقوة وفتك عظيم، يقاتلون دون غايتهم حتى آخر رمق، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، ولكن النصر الحقيقي الذي حققه المجاهدون اليوم هو ثباتهم على دينهم وعقيدتهم حتى يلقوا الله -تعالى- وهو راض عنهم كما نحسب، وهذه مدعاة إلى الاستبشار بمرحلة الفتح الأعظم حيث ترفرف راية العقاب في الرياض وبغداد ودمشق ويبدلنا الله -تعالى- بمدننا مدنا خيرا مما في أيدينا، وترتاع اليهود لقرب الوعود، إن شاء الله، وهنا لا بد للمجاهدين في كل ولايات دولة الخلافة وكل المجاهدين المناصرين لدولة الخلافة على أرض الصليبيين أن يكثفوا الجهود ويجردوا سيوفهم في وجه الكفار، فإن لهذا الجهاد المبارك ما بعده، فشمروا للجنة يا عباد الله فما هي إلا إحدى الحسنيين، نصر كبير أو شهادة تدخل بها جنة عرضها السماوات والأرض مع النبيين والصديقين، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 100
الخميس 15 محرم 1439 ه‍ـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - مقال: الصولة العسكرية شروطها ومدى تأثيرها على العدو تُعَد الصولات ...

الدولة الإسلامية - مقال:

الصولة العسكرية
شروطها ومدى تأثيرها على العدو

تُعَد الصولات الهجومية من أهم وأقدم الطرق القتالية في العالم، وهي طريقة استنزافية للعدو، لا تُستَخدم لكسب حرب أو لمَسك أرض، بل لإيقاع الخسائر البسيطة والموجعة والمستمرة بالعدو، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (أحب الأعمال إلى الله أدومها، وإن قلَّ) [صحيح البخاري].

وتشُنُّ الصولاتَ أعدادٌ صغيرة من المهاجمين، من خمسة إلى خمسة عشر رجلا يزيدون أو ينقصون قليلا، ويتميز القائمون بهذا النوع من الهجمات بالشجاعة واللياقة البدنية العالية، ولا تستهدف الصولات المحاورَ القتالية أو الجبهات الدفاعيةَ القوية فحسب، بل تختار الأطراف الضعيفة المرتخية كأهداف سهلة.


• أركان الصولة:

يعتمد نجاح الصولات على أمرين: أولاً مباغتة العدو، وثانياً السرعة في ضرب الهدف والانسحاب، وتتميز الصولات عن الغزوات العادية بأنها لا تحتاج إلى إعداد طويل أو مُكلف، وبهذا يمكن للمجموعات الصغيرة من المجاهدين القيام بعدد كبير من الصولات في زمن قصير نسبياً.


• أنواع الصولات:

ثمة نوعان من الصولات يقوم بهما جنود الخلافة:

الأول هو صولات المشاة: وفيها يتسلل عدد صغير من المجاهدين إلى مكان قرب العدو ويقومون بضربه ثم الانسحاب بسرعة، وأحياناً يكون الضرب بالاشتباك المباشر المباغت، وأحياناً يكون بزرع عبوات مموهة بشكل جيد على طرق إمداد العدو البرية.

والشكل الثاني للصولات هو استخدام سيارات مصفحة تباغت العدو بالاشتباك بالرشاشات الثقيلة، ثم الانسحاب بسرعة، وفي كلا النوعين لا يكون الاشتباك طويلا، بل يتم الانسحاب قبل تدخل الطيران.


• أين تنجح الصولات؟

من عوامل نجاح الصولات، طول خط التماس مع العدو، فيحتاج العدو إلى عدد كبير من نقاط الرباط مقابل أرض الإسلام، فيعمل الاستطلاع على إيجاد النقاط الأضعف استعداداً، سواءً ضعُفت بسبب عدد الجنود أو تسليحهم أو بسبب طبيعة الأرض، أو حتى بسبب سهولة الانسحاب أو غير ذلك. وفي الصولات يقوم أفراد الهجوم أنفسهم باستطلاع الهدف قبيل القيام بالصولة، أي أن كثرة نقاط رباط العدو على طول خط التماس توفر كثرة في خيارات المهاجِمين، وهو ما يعطي أيضاً ميزات إضافية للمهاجمين.

وقد يطلب بعض الأمراء العسكريين القيام بأكثر من صولة في نفس الوقت بهدف تشتيت الطيران، ولكن التنسيق بين أكثر من مجموعة مهاجِمة يتعارض مع مبدأ الصولات، فإن كثرة الصولات أهم من التنسيق بينها، ويجب الوصول إلى هدف تحييد الطيران عن طريق سرعة الانسحاب بالدرجة الأولى، أو في أسوأ الحالات عن طريق القيام بهجمة وهمية متزامنة في مكان آخر، فهذه يمكن التحضير لها والقيام بها في الوقت المطلوب بلا جهد كبير، وبلا تأثير على الوقت الذي اختاره المهاجمون لصولتهم.

ومن الهام أن يعرف المهاجمون كم من الزمن يحتاج الطيران لكي يتدخل في النقطة التي ينوون مهاجمتها، وأن لا يتأخروا أكثر مما ينبغي في صولتهم.
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 99 - تفريغ كلمة صوتية وكفى بربِّك هادياً ونصيراً كلمة صوتية لمولانا أمير ...

صحيفة النبأ العدد 99 - تفريغ كلمة صوتية

وكفى بربِّك هادياً ونصيراً
كلمة صوتية لمولانا أمير المؤمنين الشيخ أبي بكر الحسيني القرشي البغدادي ( تقبله الله )

7/7
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يجد الشهيد مس القتل إلا كما يجد أحدكم مس القرصة)، فالحذر الحذر من أن تزل قدم بعد ثبوتها، وأنتم اليوم بفضل الله تسطرون الملاحم وتنكلون بأعداء الله، ولو شاء العزيز الحكيم لانتصر منهم، ولكن سنته في عباده ماضية، قال سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31].

فإن المجاهد كما قال ابن حزم رحمه الله: "شريك لكل من يحميه بسيفه في كل عمل خير يعمله، وإن بعدت داره في أقطار البلاد، وله مثل أجر من عمل شيئا من الخير، في كل بلد أعان على فتحه بقتال أو حصر، وله مثل أجر كل من دخل في الإسلام بسببه، أو بوجه له فيه أثر إلى يوم القيامة، واعلموا لولا المجاهدون، لهلك الدين ولكنا ذمة لأهل الكفر، فتدبروا هذا فإنه أمر عظيم، وإنما هذا كله إذا صفت النيات وكانت لله".

وقال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: "واعلموا -أصلحكم الله- أن من أعظم النعم على من أراد الله به خيرا أن أحياه إلى هذا الوقت، الذي يجدد الله فيه الدين ويحيي فيه شعار المسلمين، وأحوال المؤمنين والمجاهدين، حتى يكون شبيها بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، فمن قام في هذا الوقت بذلك، كان من التابعين لهم بإحسان، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا، ذلك الفوز العظيم، فينبغي للمؤمنين أن يشكروا الله تعالى على هذه المحنة، التي حقيقتها منحة كريمة من الله، حتى والله، لو كان السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار -كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم- حاضرين في هذا الزمان، لكان من أفضل أعمالهم جهاد هؤلاء القوم المجرمين".

فكونوا يا جنود الخلافة وحراس العقيدة في كل مكان، ردءا لإخوانكم بثباتكم وصبركم، ولا يؤتين الإسلام من قبلكم، وأوصيكم وأذكركم بوصية نبينا صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما حين قال له: (يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)، نعم لو اجتمعت أمريكا وروسيا والعالم بأسره، بطائراتهم و بارجاتهم وقاذفاتهم وما أرهبوا به الأمم لعقود، فلن يضروك شيئا يا عبد الله، إلا بشيء قد كتبه الله عليك، {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51].

فيا جنود الخلافة وأبطال الإسلام، يا حملة الراية وفرسان الميدان، أوقدوا لهيب الحرب على عدوكم، وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم في كل مرصد، تمنطقوا الحزم، والتحفوا الصبر، وأحيوا الهمم وشدوا العزائم نحو القمم، ويا جنود الدولة في الشام، اثبتوا فإن الله ناصركم على عدوكم إن صبرتم وأيقنتم، فجموع النصيرية وملاحدة الأكراد إلى زوال، فهم أذل وأحقر من أن يقفوا أمامكم، إن غابت عنهم طائرات الصليب ساعة، وما الشجاعة لفلولهم ببضاعة.

ويا جنود الإسلام وأنصار الخلافة في كل مكان، كثفوا الضربات تلو الضربات، واجعلوا مراكز إعلام أهل الكفر ودور حربهم الفكرية ضمن الأهداف، فمن لكعب بن الأشرف وحمالة الحطب، من لعلماء السوء ودعاة الشر والفتنة، فواصلوا جهادكم وعملياتكم المباركة، وإياكم أن يهنأ الصليبيون والمرتدون في عقر دارهم بلذيذ عيش وطيب مقام، وإخوانكم يذوقون القصف والقتل والدمار.
ويا إخواننا الأسرى في كل مكان، إنا والله ما نسيناكم ولكم حق علينا، ولن ندخر أي وسيلة في سبيل استنقاذكم، فاثبتوا على العهد، وكونوا عونا لإخوانكم المجاهدين بالدعاء وصدق الالتجاء إليه سبحانه، فإن الأمر كله بيديه، والفرج من عنده، ولن يغلب عسر يسرين، وحسبكم أنكم معذورون عند الله.

اللهم العن الكفرة الذين يصدون عن دينك ويحاربون أوليائك، اللهم رد عادية أمم الكفر عن ديار الإسلام، اللهم اشدد وطأتك على أمريكا وروسيا وإيران ومن حالفهم، اللهم عليك بطواغيت العرب والعجم، اللهم عليك بطواغيت آل سلول، اللهم أزل ملكهم وافتح لنا ديارهم، وارزقنا حج بيتك المحرم في عامنا هذا يا رب العالمين، اللهم يا ناصر المستضعفين، ويا كاشف الكرب عن المظلومين، اكشف كربنا وأزل الغمة عن أمتنا يا أرحم الراحمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 99 - تفريغ كلمة صوتية وكفى بربِّك هادياً ونصيراً كلمة صوتية لمولانا أمير ...

صحيفة النبأ العدد 99 - تفريغ كلمة صوتية

وكفى بربِّك هادياً ونصيراً
كلمة صوتية لمولانا أمير المؤمنين الشيخ أبي بكر الحسيني القرشي البغدادي ( تقبله الله )

6/7
فيا أهل السنة في العراق والشام واليمن، يا أهل السنة في كل مكان، لقد طاول أبناء الخلافة حشود الرفض وقطعان النصيرية والحوثة في العراق والشام واليمن، وفلوا بفضل الله جيوشهم وجموعهم، فثبوا من مخادعكم، وانفضوا غبار الذل عنكم، واعلموا أن الرافضة والنصيرية لن يقبلوا بأنصاف الحلول، بعدما سلبوا الديار وانتهكوا الأعراض، وقد حل بكم ما حذركم منه نبيكم صلى الله عليه وسلم حين قال: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)، فارجعوا إلى دينكم، ارجعوا إلى عزكم وما فيه رفعتكم، وانبذوا فصائل الردة والخسة والعمالة، من تسيرهم أمريكا وحكومات الردة في المنطقة، من يقتاتون بدمائكم وعلى أشلاء أبنائكم، فقولوا لي بربكم، ماذا جنيتم من محافل الذل وفتات الداعمين، سوى مهادنة النصيرية وتسليم دياركم، وأصبح أبناؤكم وقود حرب يُشعلها الصليبي الكافر ضد دولة الإسلام، أو تظنون أنكم اليوم بمنأى من بطش النصيرية وداعميهم، كلا والله، لقد حذرناكم من قبل، ولا زلنا نحذركم من المكر الذي يراد بكم، ولن يغن عنكم المرتد الإخواني التركي شيئا، ولن تُغني عنكم فصائل الردة وداعموهم شيئا، إن اُصطلم لا قدر الله جنود الخلافة وحراس العقيدة في الشام، فإنا نعتقد أنه لولا الله، ثم هؤلاء الشعث الغبر، لكان الأمر على غير ما تشتهون، فأفيقوا من سباتكم يا أهل السنة في الشام، واطردوا آمال السراب عنكم وعودوا إلى ربكم، فقد أقبل النصيرية اليوم وبكل ما يملكون، يدفعهم الروس ودولة المجوس إيران، للمضي قدما في قتال دولة الإسلام، فلا تهولنكم قطعانهم التائهة في أودية الشام وسوحها، فاحملوا على عدوكم حملة رجل واحد، فقد أصبح بفضل الله وحده مكشوف الظهر واهن العظم، فلا تعطوه فرصة لالتقاط أنفاسه، واغتنموا ساعة الإمكان قبل فوات الأوان،
ويا جنود الخلافة وآساد الإسلام في العراق والشام وجزيرة محمد صلى الله عليه وسلم، وخراسان واليمن وليبيا وسيناء ومصر وشرق آسيا، وغرب إفريقية والصومال وتونس والجزائر والقوقاز وبلاد البنغال وغيرها من البلدان.
قال ربنا في كتابه العزيز: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 140].

اعلموا -يرحمكم الله- أنكم اليوم في عُدوةٍ واحدة، تقارعون أمم الكفر وتصدون حملتهم الغاشمة عن ديار الإسلام، فبثباتكم ثبات لإخوانكم وسلوة لهم في كل ثغر وصقع من الأرض، وفي تجلدكم إرباك لمخططات الصليبيين، واستنزاف حقيقي لمقدراتهم، ودفع وتأخير لصيالهم على معقل الإسلام في هذا الزمان، فاثبتوا يرحمكم الله، {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139] فقد أخبر الله سبحانه، عن حال الرسل وأتباعهم لما قاتلوا مَن كفر بالله، وكيف أنهم صبروا ولم يهنوا لما يصيبهم في سبيل الله، ودعوا الله متضرعين أن يغفر لهم ذنوبهم، وأن يثبتهم وينصرهم على القوم الكافرين.

قال ربنا في محكم التنزيل: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 146 - 148].

فالذين رباهم الأنبياء جاهدوا معهم أعداء الله، ولم يضعفوا بسبب ما يصيبهم من الجراحات والقتل، وعلموا أن الذنوب من معوقات النصر وأسباب تأخره، مع أنهم أعدوا ما استطاعوا من قوة، إلا أنهم لا يعتمدون على الأسباب بل قلوبهم متعلقة بربهم عز وجل، الذي يجيب من دعاه، ويكفي من توكل عليه، وينصرمن يستغيث به، فاستعينوا بالله على عدوكم، وواصلوا جهادكم، وأكثروا من التضرع إلى القوي المتين، {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62].
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 99 - تفريغ كلمة صوتية وكفى بربِّك هادياً ونصيراً كلمة صوتية لمولانا أمير ...

صحيفة النبأ العدد 99 - تفريغ كلمة صوتية

وكفى بربِّك هادياً ونصيراً
كلمة صوتية لمولانا أمير المؤمنين الشيخ أبي بكر الحسيني القرشي البغدادي ( تقبله الله )

5/7
وهي ذات الطريق التي سلكها الأنبياء عليهم السلام ولم يحيدوا عنها كما قال تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام: 34]، فمهما حشدوا وألبوا فلن تغني جموعهم من أمر الله شيئا، وقد أخبرنا سبحانه في مواطن من كتابه العزيز، أن العبرة ليست بالعدد والعدة والقوة، قال صاحب أضواء البيان بتصرف يسير: "إن الفئة القليلة المتمسكة بدين ربها تغلب الفئة القوية الكافرة التي لم تتمسك به"، ففي غزوة الخندق، ذلك الحصار العسكري الذي نوه الله بشأنه، وبين شدته وعظمه في سورة الأحزاب في قوله: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب: 10، 11] وقع هذا الحصار العظيم وأهل الكفر في عدد وعدة وقوة، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في ضعف وجوع وقلة من المال والسلاح، حتى ذكر أهل السير، أن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم يشد حزامه على الحجارة من شدة الجوع، ومع شدة الحصار والضيق، نقضت بنو قريظة العهد الذي كان بينهم وبين المسلمين، وهذا هو ديدن اليهود، فأصبح المسلمون في موقف حرج وضيق أشد، فكان الذي واجه المسلمون به هذا الموقف الشديد والحصار العسكري الكبير، هو الإيمان والتسليم كما أخبر الله -تعالى- عنهم بقوله، {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22]، وكان من نتائج هذا الإيمان والتسليم، ما قصه الله علينا في محكم كتابه في سورة الأحزاب في قوله، {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25].

ولقد أثبت أبناء الإسلام في دولة الخلافة بفضل الله ومنه، أنهم بثباتهم وعدم نكولهم من مصادمة آلة العدو وترسانته الصماء، هم حصن الأمة ودرعها المتين، وأملها المتقد، وخط دفاعها الأول، في وجه العدو الرافضي الحوثي المجوسي النصيري، الذي بات يؤمِّل نفسه أن يُحكم قبضته على ديار أهل السنة، وبدعم منقطع النظير من عباد الصليب وأذنابهم المرتدين، ومما يدل على ذلك، صمود رجالات الأمة في هذا الزمان الذين ثبتوا على أرض الموصل، وأبوا أن يسلموا أرضا حكمت بشرع الله لأهل الكفر وأمم الصليب، إلا بدق الرقاب وسكب الدماء، معتزين بدينهم مستعلين بإيمانهم موقنين صابرين محتسبين، فأوفوا بعهدهم وما بذمتهم، ولم يسلموها إلا على جماجمهم وأشلائهم، فأعذروا بعد ما يقارب سنة من القتال والنزال -نحسبهم والله حسيبهم- رغم أن الصليبيين الحاقدين وكعادتهم مع المسلمين، في الموصل وغيرها من ديار الإسلام، لم يتركوا سلاحا فاتكا مدمرا إلا واستخدموه، ولا محرما عندهم زعموا إلا وألقوا به وجربوه، فأحرقوا البشر والشجر وكل شيء على الأرض عليهم من الله ما يستحقون، ولن يثني ذلك المجاهدين عن جهادهم وسيظل أبناء الإسلام يُرخصون دماءهم وأجسادهم في سبيل خالقهم جل وعلا، ولسان حالهم، {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة: 52].

وليعلم كل موحد مجاهد في دولة الإسلام وخارجها، بأنَّا على يقين، أن سيل الدماء والأشلاء الذي سكبه الثابتون الصابرون في الموصل وسرت، والرقة والرمادي وحماة، أن الله سيجريه في البلاد، فيهلك به كل طاغوت جثم على صدر الأمة، وستنزاح به الستور التي فرقت المسلمين لدهور، فلن نعود أعزة كرماء بديننا إلا بضرب البيض الصفاح، ومصادمة العدو في كل ساح، هذا سبيل فلاحنا في ديننا ودنيانا إن اعتصمنا بكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.

وإنا بحول الله وقوته باقون ثابتون صابرون محتسبون في دار الإسلام، لن تثنينا كثرة القتل والأسر وألم الجراح، وأنيسنا قول ربنا {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 104].
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 99 - تفريغ كلمة صوتية وكفى بربك هادياً ونصيراً كلمة صوتية لمولانا أمير ...

صحيفة النبأ العدد 99 - تفريغ كلمة صوتية

وكفى بربك هادياً ونصيراً
كلمة صوتية لمولانا أمير المؤمنين الشيخ أبي بكر الحسيني القرشي البغدادي ( تقبله الله )

4/7
و توالت حملات أمم الكفر على أرض المسلمين وغدت حمى مستباحا فضاع الدين، وأصبح المسلمون في هرج ومرج تتلقفهم الأهواء وتلقي بهم في كل واد، وسلط عليهم طواغيت العرب والعجم أذناب اليهود وخدام الصليب، إلا أن رحمة الله وفضله ومنته على هذه الأمة عظيم، فقيض لها أبناء الإسلام النزاع من القبائل، الذين لم يجمع بينهم شيء من حطام الدنيا الزائل، فعمروا الأرض بالجهاد وأحيوا ما اندرس من معالم الدين الحنيف وشرعة رب العالمين، وقارعوا أمم الكفر في مشارق الأرض ومغاربها، شمالها وجنوبها، حتى ساق الله دولة الصليب أمريكا إلى بلاد الرافدين، واشتعلت جذوة الجهاد، فحمل الراية وتقدم الركب أمير الاستشهاديين، الشيخ المجاهد أبو مصعب الزرقاوي تقبله الله، فقد كان مجددا في عصره مربيا معلما أجاد فأفاد وعم خيره البلاد.

بل وما من مجاهد اليوم في دولة الإسلام إلا وللشيخ عليه فضل كبير، ثم حمل الراية من بعده الجبلان الأشمان، الشيخان المجاهدان، أبو عمر البغدادي، ووزير حربه أبو حمزة المهاجر، نسأل الله أن يتقبلهما من الشهداء، فصانوا الأمانة وساروا على منهج الحق الذي لا لبس فيه، غير مبدلين ولا ناكثين، وفاء المسلمون إلى شرع الله، وعلت بين أبناء الإسلام روح التضحية والفداء، فأعلنت دولة الإسلام وكان لها ولأبنائها نصيب من الابتلاء، وقدر من التمحيص والعناء، لأن سنن الله لا تحابي أحدا من خلقه، قال تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب} [البقرة: 214]. فهم المسلمين الأكبر أن يرضى الله تعالى عنهم ويدخلهم الجنة، ثم أن ينصرهم الله تعالى على عدوه وعدوهم، وهذا هو طريق الجنة، ابتلاء وصبر وثبات على دين الله، وصبر على مقارعة الأعداء، ومهما أصاب المسلمين في هذا الطريق، فإنهم يبقون معتزين متمسكين بدينهم لا يهينون ولا يحزنون، وغدا السائر في طريق الجهاد يرى عجبا من تقلب الأحوال، ما بين صابر ثابت ومنتكس مرتكس ناكث، فتمايزت الصفوف ونفي الخبث، وظل السائرون الثابتون على الطريق وحاديهم قول ربهم، : {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسًا وأشد تنكيلًا} [النساء: 84]، ثم أعقب تلك المحنة التي في حقيقتها منحة جليلة، نصر من الله وفتح مبين، ذاق فيه المجاهدون لذة الصبر وحسن العاقبة، وازدادوا ثقة ويقينا بموعود الله لهم إن صبروا وثبتوا، فأعلنت الخلافة واتسعت رقعة دولة الإسلام، وفي هذه السنوات الماضية، رأى المجاهدون من نصر الله تعالى لهذه الدولة الفتية، بأن مكنها من الحكم بشريعته في مناطق كثيرة، فقد فتحت مدنا عدة وأزالت الحدود التي رسمها الكفار، فأقامت دين الله وعلمته للناس واستنفرتهم للدفاع عنه، وبايع الدولة الإسلامية من وفق الله من أهل التوحيد والجهاد في أقطار عدة، فحصل بفضل الله الاعتصام بحبل الله ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم، وأقامت الدولة الإسلامية -نصرها الله-، الحجة على الناس في المسائل التي ضل فيها أكثرهم، كالحكم بما أنزل الله، حتى صار واقعا استشعره أكثر الناس مسلمهم وكافرهم، ولذلك كله، احتدم الصدام مع أمم الكفر، وامتلأ الطواغيت غيظا وحنقا، فما تركوا باب حيلة إلا وطرقوه، ولا باب مكيدة إلا وفتحوه، يتعجلون زوال شوكة المجاهدين الموحدين ودولتهم، التي أظهرها الله رغم أنوفهم وتجبرهم وطغيانهم في الأرض، مع أن الأحداث اليوم وبفضل الله ومنه، خير شاهد على الإحباط الذي يلف تحالف أمم الكفر، وهم يواجهون ثبات وصمود جنود الخلافة، مما جعلهم يطلبون من بعضهم البعض، تأجيل الخلافات والتعاون وجمع الجهود كلها في خندق واحد لقتال دولة الإسلام، ولكن هذه الحكومات لا تستطيع تأجيل كل شيء لأن هناك أمورا تنضج، وهناك من أمم الكفر من يستغل الأحداث ليسيطر على أماكن جديدة، ويأمل أن يكون له تحكم وفرض لوضعه بالقوة، فأمريكا التي صورت للناس أنها الدولة العظمى الوحيدة، تفقد مكانتها كدولة وحيدة ترأس دول العالم، فقد صارت دولة منهكة مرهقة بديون هائلة، مما يهيئها لسقوط مدوٍ تسحب فيه دولا كثيرة نحو الهاوية، مما جعل روسيا تستغل هذا الضعف، وتظهر على أنها القوة العظمى البديلة عن أمريكا، وأصبحت تتحكم في إدارة ما يسمى بالملف السوري، وذلك بمنأى عن أمريكا، وهذا ما حصل مؤخرا في اجتماع الأستانة، وما نتج عنه من مخرجات هزلية وذر للرماد في العيون، يتم بمقتضاها تسليم مناطق أهل السنة للنظام النصيري، بعد أن أفرغوها من أهلها، ولم يكن لأمريكا أي حضور أو صوت ظاهر على الأقل في ذلك، والروس يتدخلون في مناطق عدة، كأوكرانيا والقرم على غير ما يشتهي الأمريكان والأوربيون، وصارت كوريا الشمالية تهدد أمريكا واليابان بالقوة النووية.
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 99 - تفريغ كلمة صوتية وكفى بربِّك هادياً ونصيراً كلمة صوتية لمولانا أمير ...

صحيفة النبأ العدد 99 - تفريغ كلمة صوتية

وكفى بربِّك هادياً ونصيراً
كلمة صوتية لمولانا أمير المؤمنين الشيخ أبي بكر الحسيني القرشي البغدادي ( تقبله الله )

3/7
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع الصحابة على الإيمان وعلى أن ينصروا دين الله، وكان يخبرهم أن الله ناصر دينه، دون أن يضرب لذلك أجلا محددا، أو كيفية معينة، حتى لا يربطوا النصر والخسارة بفقد أرض أو مقتل أحد من المؤمنين، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].

وقبل وفاته صلى الله عليه وسلم أكمل الله لعباده الدين وأتم عليهم النعمة، قال سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] فعن أبي ذر رضي الله عنه، قال: "تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما طائر يقلب جناحيه في الهواء، إلا وهو يذكرنا منه علما، قال، فقال: صلى الله عليه وسلم: (ما بقي شيء يقرب من الجنة، ويباعد من النار، إلا وقد بُيِّن لكم)" وترك أمته صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك، وسار على هديه الخلفاء الراشدون المهديون فكانوا بحق حماة للدين، وأخزى الله على أيديهم من ارتد من العرب، فنصروا رضوان الله عليهم الملة والدين، وشرعة رب العالمين، فجابوا الأرض بكتائب الإسلام ينشرون الدين بالسيف والسنان والحجة والبيان، وقد أثنى عليهم ربنا بقوله {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29].

قال ابن كثير: "وهذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديدا عنيفا على الكفار، رحيما برا بالأخيار، غضوبا عبوسا في وجه الكافر، ضحوكا بشوشا في وجه أخيه المؤمن".

ومن تأمل حال الصحابة رضوان الله عليهم، وكيف تلقوا هذا الدين وفهموه وطبقوه واقعا معاشا في جميع أحوالهم، وكيف سرى نَمِير الإيمان في أجسادهم وخالط بشاشة قلوبهم، سمت همته واشرأبت نفسه للسير في ركابهم والاقتداء بهم، فهم أعرف الناس بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كيف لا وهم خير القرون وأزكاها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير أمتي القرن الذين يلوني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم).

وبعد قرون مضت من قيام حكم الله في الأرض واتساع سلطان المسلمين ودولتهم، انكفأ المسلمون وانحسر سلطانهم بما كسبت أيديهم {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] ولن يصلح حالهم حتى يغيروا ما بأنفسهم {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].

و توالت حملات أمم الكفر على أرض المسلمين وغدت حمى مستباحا فضاع الدين، وأصبح المسلمون في هرج ومرج تتلقفهم الأهواء وتلقي بهم في كل واد، وسُلط عليهم طواغيت العرب والعجم أذناب اليهود وخدام الصليب، إلا أن رحمة الله وفضله ومنته على هذه الأمة عظيم، فقيض لها أبناء الإسلام النزاع من القبائل، الذين لم يجمع بينهم شيء من حطام الدنيا الزائل، فعمروا الأرض بالجهاد وأحيوا ما اندرس من معالم الدين الحنيف وشرعة رب العالمين، وقارعوا أمم الكفر في مشارق الأرض ومغاربها، شمالها وجنوبها، حتى ساق الله دولة الصليب أمريكا إلى بلاد الرافدين، واشتعلت جذوة الجهاد، فحمل الراية وتقدم الركب أمير الاستشهاديين، الشيخ المجاهد أبو مصعب الزرقاوي تقبله الله، فقد كان مجددا في عصره مربيا معلما أجاد فأفاد وعم خيره البلاد.
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً