فَوَائِدُ الذِكر • قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ؛ ...

فَوَائِدُ الذِكر

• قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ؛ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ العَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ، فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ العَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ) [الترمذي].

• قال ابن القيم: "فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة لكان حقيقاً بالعبد أن لا يفتر لسانه من ذكر الله تعالى".

◾️ من فوائده:

▪️ يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره
▪️ يرضي الرحمن وينجي من عذابه
▪️ يزيل الهم والغم ويجلب الفرح والسرور
▪️ يقوي القلب والبدن وينور الوجه
▪️ يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة
▪️ يورث المحبة التي هي روح الإسلام
▪️ يورث المراقبة ويدخله في باب الإحسان
▪️ يزيل الوحشة بين العبد وبين ربه سبحانه
▪️ سبب نزول السكينة وغشيان الرحمة وحفوف الملائكة
▪️ سبب اشتغال اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش
▪️ أيسر العبادات وهو من أجلها وأفضلها
▪️ ينبه القلب ويوقظه ويداوي قسوته
▪️ يوجب صلاة الله وملائكته على الذاكر
▪️ يسهّل الصعب وييسر العسير ويخفف المشاق
▪️ كثرة ذكر الله عز وجل أمان من النفاق

[الوابل الصيب - بتصرف يسير]
...المزيد

مِن أقوال علماء الملّة قال الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى-: في تفسير قوله تعالى: {يَا ...

مِن أقوال علماء الملّة

قال الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى-:

في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ..}: "ينهى تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، يعني مصاحبتهم ومصادقتهم ومناصحتهم وإسرار المودة إليهم، وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم"

[تفسير ابن كثير]
...المزيد

وحرض المؤمنين محن ونوازل متلاحقة يشتدّ فيها الصراع بين الحق والباطل، ويكشّر الكفار فيها عن ...

وحرض المؤمنين

محن ونوازل متلاحقة يشتدّ فيها الصراع بين الحق والباطل، ويكشّر الكفار فيها عن أنيابهم ليحاربوا المسلمين في كل مكان، فيسفكون الدماء وينتهكون الحرمات وينهبون الخيرات ويهلكون الحرث والنسل، فكان لزاما على أبناء الإسلام التصدي لهم ورد عاديتهم، نصرة للدين وصونا للحرمات.

• من ينتصر للإسلام؟

أخي الموحد، أما تغضب لدينك وأنت ترى بلدان المسلمين تُحكم بشرع الشيطان بدل شرع الرحمن؟، أما تبصر مآسي أمتك فوق كل أرض وتحت كل سماء على أيدي النصارى واليهود وأذنابهم المرتدين؟، أما يحزنك قصف المنازل على رؤوس الصغار والكبار؟ أما تغضبك أخبار الاعتداء على الأعراض؟ أما يحرك قلبك أنين الأسارى؟، هب أن المُعتدَى عليهم أهلك وأبناؤك، هل كنت ستقف موقف المتفرج أم أنك ستدافع بكل ما أوتيت من قوة؟ قل لنا بالله عليك: لماذا تحرّك قلبك تجاه أقاربك في النسب ولم يتحرك تجاه إخوانك في الدين، مع أن أواصر الدين أقوى وأمتن؟! أما تعلم أن نصرة إخوانك في الدين واجب شرعي عليك، لقوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا}، قال القرطبي: "حض على الجهاد، وهو يتضمن تخليص المستضعفين من أيدي الكفرة المشركين الذين يسومونهم سوء العذاب، ويفتنونهم عن الدين؛ فأوجب تعالى الجهاد لإعلاء كلمته وإظهار دينه واستنقاذ المؤمنين الضعفاء من عباده، وإن كان في ذلك تلف النفوس".

• إني أجد ريح الجنة!

كلمة سطرها التاريخ لأنس بن النضر رضي الله عنه في غزوة أحد لمّا تراجع الناس "فَتَقَدَّمَ بِسَيْفِهِ، فَلَقِيَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، فَقَالَ: أَيْنَ يَا سَعْدُ؟ إِنِّي أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ فَمَضى فَقُتِل". [متفق عليه]، فنال ما تمنى، أما آن لك أن يحترق قلبك شوقا إلى بلاد الأفراح، حيث سعادة الأنفس والأرواح، حيث ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، نعيم لا ينفد وقرة عين لا تنقطع، كما في الحديث القدسي: (قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ). [البخاري]

فقل لنا بالله عليك: أما طمعت نفسك في الجنان، وفي النظر إلى الرحيم الرحمن، أما قرأت قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ}، تأمل كيف يشتري سبحانه منك نفسك ومالك وهو المالك الحقيقي، وبأغلى الأثمان!، فما ضرك يا أخي أن تبذل نفسك رخيصة في سبيل خالقها ومالكها فتفوز بأعلى الجنان؟!

• انفروا خفافا وثقالا

أخي الموحد، اعلم أن الله تعالى شرع الجهاد والهجرة في سبيله وقرن سبحانه بينهما في آيات كثيرة كقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، فما الذي يقعدك عن اللحاق بإخوانك والهجرة إليهم، أما سمعت قول ربك: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}، قال ابن كثير: "هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنا من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حراما بالإجماع". أخي الموحد، ما أخرك عن اللحاق بقوافل المهاجرين، أهما والداك؟ فلن يدفعا عنك يوم القيامة عذاب ترك الجهاد، بل لعلك بالجهاد والشهادة تكون شفيعا لهما يوم الحساب، وحسبك في الدنيا أن تبرهما وتحسن إليهما وليس من ذلك ترك الجهاد المتعين، أم أخرك زوجك وأبناؤك؟، هب أنك قعيد بينهم أكنت أنت رازقهم أم كنت أنت الذي تحميهم من نوائب الدهر؟!، أتخشى عليهم الفقر بعدك؟ فمن كان إذًا لـ "هاجر" زوج الخليل -عليه السلام- بعد أن تركها في صحراء قاحلة لا طعام لها ولا زاد، ولكن يقينها بربها كان أقوى فقالت: "يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: اللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ.قَالَتْ: إِذَنْ لَا يُضَيِّعَنَا" [البخاري]، فاعلم وتيقن أن رزق عيالك على ربك سبحانه، وإن كان ما أخرّك مسكن واسع أو تجارة رابحة أو غير ذلك من عرض الدنيا الفانية فتدبر قوله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} فخف على نفسك وعيد ربك.

• واقتلوهم حيث ثقفتموهم

أخي المسلم، إن حيل بينك وبين الهجرة ولم تهتد إليها سبيلا، فاعلم أنك على ثغر مهم لا يقل شأنا عن ثغور الجهاد إن أحسنت استغلاله، فابذل الأسباب واستعن بالله ودونك رقاب الكفار والمرتدين، فاقطف رؤوسهم وأحرق مراكبهم واجعلهم لا يأمنون على أنفسهم حتى في بيوتهم، واجعل قدوتك في ذلك صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن تبعهم، فهذا محمد بن مسلمة رضي الله عنه ذهب إلى "كعب بن الأشرف" فقتله بين أظهر المشركين، نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم يوم قال: (مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ؟ فَإِنَّهُ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ)، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (نَعَمْ) [البخاري]

فيا أخي في الدين، كم مرة سبّوا فيها نبينا صلى الله عليه وسلم وتطاولوا على جنابه الكريم في أرض الكفار الأصليين وعند الأنجاس المرتدين؟! كما يفعل الرافضة في العراق وغيرهم، وكم مرة شتموا فيها ديننا! بل وتطاولوا على خالقنا! -جل جلاله- باسم "حرية التعبير" و "التنوير" أما يغضبك ذلك؟! أما يحرك فيك دماء الثأر والانتقام؟ فكن أخي على درب محمد بن مسلمة وانتصر لدينك ونبيّك، أو كن مثل الصحابي فيروز الديلمي الذي اغتال رأس الردة "الأسود العنسي" في عقر داره وعلى فراشه، أو كن مثل تلك الثلة المباركة من الصحابة بقيادة عبد الله بن أنيس، الذين تسللوا إلى خيبر واغتالوا عدو الله "سلام بن أبي الحقيق"، فقتلوه وامرأته تصرخ وتولول! [تاريخ ابن كثير].

وعلى خطى الصحابة سار أبطال الإسلام اليوم، أما سمعت عن فوارس دولتنا الذين صالوا وجالوا في عقر أوروبا وأمريكا وروسيا وغيرها من بلاد الكفر، فمنهم من دهس! ومنهم من ذبح! ومنهم من فجّر وانغمس واشتبك!، فكن مثلهم واقتد بهم واسلك طريقهم، ولا تدع الشيطان يثبطك، ولا تتعذر بقلة العدة فالقليل يغني مع الصدق الكثير، ولا تتهيب الأسر، فهو -إنْ وقع- ابتلاء من جملة الابتلاءات التي يقدرها الله على عباده ليميز الخبيث من الطيب، فادفعه عنك ببذل الأسباب وحسن التوكل على مولاك، واصبر وصابر واستعن بالله وانطلق، والله خير حافظا.

فحاصل الكلام أخي المسلم، أن تشارك إخوانك المجاهدين في أرض العز بالهجرة إليهم كما فعل غيرك، فانهض وتجهز وكن لبنة من لبنات التمكين لهذا الدين، ولا يغرنك تخلف المتخلفين ولا ثرثرة القاعدين، فإن حيل بينك وبين الوصول إلى المجاهدين، فاجتهد وجاهد في مكانك فأئمة الكفر وجنودهم في كل مكان حولك، ولتكن غايتك رضا مولاك ولتضع هذه الآية نصب عينيك: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}.


• المصدر:
صحيفة النبأ العدد 505
السنة السابعة عشرة - الخميس 29 المحرم 1447 هـ
مقال:
وحرض المؤمنين
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 505 الافتتاحية: • وقود التوحيد لكل قضية نبيلة ضريبة ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 505
الافتتاحية:

• وقود التوحيد

لكل قضية نبيلة ضريبة تُدفع وثمن باهظ يُبذل، مهما سمت تلك القضية التي نؤمن بها ونعيش من أجلها، فلا يمكن لراياتها أن تعلو ولبنيانها أن يشمخ ويرتفع إلا بوجود وقود يذكيها ويشعل جذوتها، وكفاح وبذل يترجم صدقها وصدق حامليها، ولا قضية أنبل وأعظم من التوحيد، وهو ليس مجرد كلمة تقال، بل هو حقيقة ذات تكاليف، وأمانة ذات أعباء تحتاج إلى جهد ومصابرة واحتمال.

وإن وقود الاستخلاف في الأرض حتى يكون السلطان والحكم فيها لله وحده مصداقا لقوله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}؛ هو الجهاد في سبيل الله والصبر على مشاقه وتكاليفه؛ وذلك ببذل المهج وإرخاص الأرواح كما قال سبحانه: {وَقَاتِلُوهُمْ}، فلم يقل: سايروهم أو سالموهم أو شاركوهم لأن الدم لا يُحقن إلا بالدم! والحديد لا يُفل إلا بالحديد، وكرامة النصر والتمكين ليست غنيمة باردة تأتي بالمجان دون مقابل، والقعود والانبطاح والاستسلام وكل دعاوى الانهزام بجميع أشكالها وصورها لم تكن يوما سبيلا لإقامة الحق ونصرة الدين والعقيدة، بل القتال هو الطريق الأوحد والسبيل الآكد لتحقيق ذلك، لذلك أمر به سبحانه فقال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}، قال ابن عباس رضي الله عنه: "حتى لا يكون شرك، ويخلص التوحيد لله". [ابن كثير]، وبهذا السبيل لا بغيره استطاع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تشييد أعظم دولة عرفها التاريخ، بنوها بجماجمهم وسقوا أصولها بدمائهم حتى غدت سيرتهم في ذلك منارة شماء تهدي الأجيال الوافدة، وموكب نور يضيء شعاعه وسط الدجنة الحالكة.

أما من اختطّ له طريقا غير التوحيد وسلك سُبلا أخرى غير سبيل الجهاد، زاعما بسلوكها نصرة المستضعفين ومجابهة الظلم والظالمين، فقد ضل الطريق وتاه عن السبيل وزين له الشيطان سوء عمله فرآه حسنا، قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا}، فلقد جعل الله تعالى القتال سبيل نصرة الإسلام والمسلمين، ولو سلك الناس كل سبيل لرفع الاستضعاف عن أمة الإسلام؛ فلن يجدوا غير الجهاد سبيلا، شريطة أن يكون جهادا في سبيل الله على منهاج النبوة، وليس قتالا جاهليا في سبيل الطاغوت كالذي يملأ نتنه الآفاق اليوم.

ولذلك فالضريبة الثقيلة الدامية التي طابت نفوس المؤمنين قديما وحديثا بدفعها، واستسهلوا وعرها واستعذبوا عذابها هي ضريبة الشريعة وحاكميتها، ضريبة الحق كاملا لا بعضه ولا أنصافه، ضريبة منهاج النبوة لا مناهج الجاهلية والوطنية وكل ضروب الغثاء.

ولقد كان من فضل الله تعالى وتوفيقه وتسديده للدولة الإسلامية، أن هداها وأعانها على سلوك هذا السبيل القويم، فلم تبغ غير الجهاد سبيلا ولا لنهجه نائبا في إقامة دين الله وشرعه والدفاع عن بيضته والذود عن حياضه، منذ أن قامت وشقّت طريقها وحتى يومنا هذا الذي اشتدت فيه الهجمة على الإسلام، فتمايز الناس وتغربلت صفوفهم وتمحصت مناهجهم.

لقد احتمل مجاهدو دولة الإسلام تكاليف هذا الطريق وأعباءه ومشاقه ودفعوا ضريبته طوعا، من نفير وهجرة وقرح وجرح وقتل وأسر وفقدان للأحباب ومفارقة للأصحاب وإيثار السكنى في الأودية والشعاب، وافتراش الأرض والتحاف السماء في العراء وسط الرمضاء، لقد عاينوا كل ألوان المحنة والشدة واللأواء؛ جريا منهم على نهج وسيرة خاتم الرسل والأنبياء وصحابته السادة النجباء الذين ذاقوا من البأساء في سبيل إقامة الدين ألوانا وتجرعوا من العلقم كيزانا، في ترجمة واقعية لسنة الله في حمل أمانته ونصرة دينه وشريعته يسلّيهم قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}؛ قال ابن كثير: "أي: أحسبتم أن تدخلوا الجنة ولم تبتلوا بالقتال والشدائد.. أي: لا يحصل لكم دخول الجنة حتى تُبتلوا ويرى الله منكم المجاهدين في سبيله والصابرين على مقاومة الأعداء".

وإن ما يسطره جنود الدولة الإسلامية -ثبّتهم الله- من ملاحم عظيمة ومعارك شرسة في ظروف غير متكافئة بكل المقاييس، تراق فيها الدماء وتمزق الأشلاء وتتساقط فيها جماجم الشهداء، متصدّين فيها لحملات الصليبيين وأوليائهم المرتدين في سائر الولايات والميادين؛ شاهد وبرهان على أن وقود التوحيد باهظ وطريقه شائك، ليس عنه محيد، وخوضه طاعة لله واحتمال ما فيه، هو أمارة صدق وبشرى للسائرين عليه الباذلين فيه أغلى ما يملكون وبشراهم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ}.إن ضريبة تحكيم شريعة الله في أرضه ونقلها من حيز التنظير إلى أرض الواقع تحتاج منكم -معاشر المجاهدين- إلى كثير من التضحيات، وهذا هو قدره الغالب وحكمته البالغة وسنته الماضية في خلقه لم تحاب أحدا قبلكم بمن فيهم الأنبياء والرسل {مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا}، مع أنه سبحانه قادر على نصرة دينه وإهلاك أعدائه بدون قتال ولا جهاد، ولكنه سبحانه فرض ذلك على عباده امتحانا لإيمانهم واختبارا لصبرهم وتمحيصا لصفوفهم ورفعا لدرجاتهم، كما قال في كتابه: {ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ}.

إن الضريبة التي يدفعها المجاهد في سبيل إقامة شرع الله مهما عظمت، فنتاج أمرها بين جزاءين لا ثالث لهما: الأول هو النصر والظفر لمن يبقيه الله تعالى حتى يريه ذلك، وهذا النصر حق ووعد لا شك في تحقيقه في الحياة الدنيا، والثاني هو نيل مرتبة الشهادة السامية لمن يُقتل على هذا الدرب مؤمنا صابرا محتسبا لم يبدل ولم ينكل، وكلا الجزاءين للمجاهد فوز وكرامة ونجاة، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ العدد 505
السنة السابعة عشرة - الخميس 29 المحرم 1447 هـ
...المزيد

أحلام الجولاني المفتون بالحكم في الوقت الراهن تتجاذب دوائر صنع القرار اليهودي طريقتين للتعامل مع ...

أحلام الجولاني المفتون بالحكم

في الوقت الراهن تتجاذب دوائر صنع القرار اليهودي طريقتين للتعامل مع المشهد السوري الجديد، الطريقة الأولى تتمثل في حسم الملف أمنيا وعسكريا، وعدم الوثوق بالنظام الجديد مهما قدّم من قرابين وعرابين، ومهما التزم بآداب حسن الجوار أسوة بنظيره الأردني والمصري وهلم جرا.

بينما الطريقة الثانية وتؤيدها مراكز أبحاث "الأمن القومي اليهودي" تتمثل في التعامل مع النظام السوري الجديد كحليف محتمل مستقبلا، أسوة بسلفه "الأسد" الذي كان يرفع شعار "المقاومة" في الهواء وعلى الأرض يلتزم التزاما حديديا بحماية الحدود اليهودية! مع فارق أن الطاغوت الجديد لا يرفع أي شعارات سوى "السلام".

لكن تبقى النزعة الأمنية اليهودية حتى الآن متغلبة على غيرها في التعامل مع المشهد السوري، وهو ما يصطدم بالأحلام الجولانية الواعدة لمد جسور السلام والوئام مع العدو التقليدي للمسلمين تشبُّثا بالحكم وليس ثمة شيء آخر.

فالسلوك الرسمي للنظام السوري الجديد بدا واضحا منذ الأيام الأولى لتسلُّمه الحكم، وكان حاسما لا يقبل المواربة بأن "سوريا الجديدة" لن تشكل خطرا على اليهود! ولن تسمح لأحد بذلك! وهذا شيء متوقع ليس في الفترة الانتقالية فحسب، بل حتى لو حكم الجولاني مئة عام فلن يسعى لإغضاب الجار اليهودي!، فالرجل المفتون بالحكم طلّق دينه ثلاثا من أجل هذه "اللحظة التاريخية!" أتراه يغامر باللعب في الملف الأخطر على الإطلاق وهو الأمن اليهودي؟!

افتتاحية النبأ "الجولاني بين جدارين" 488
لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم تتشوق النفس البشرية للتعرف على ما هو كائن في قابل الأيام، سواء ...

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم


تتشوق النفس البشرية للتعرف على ما هو كائن في قابل الأيام، سواء عما يتعلق بمستقبل الإنسان نفسه أم بمصير البشرية كلها وصولا إلى قيام الساعة، ولعل في انتشار الكهنة والعرافين في كل أمم الشرك خير دليل على ذلك، إذ يُنفق المشركون كثيرا من أموالهم طلبا لمعرفة المستقبل الذي يزعم أولئك الكذبة الدجالون معرفته.

وفي الوقت نفسه فإن الله سبحانه -الذي لا يعلم الغيب إلا هو- أوحى إلى بعض عباده وهم الأنبياء -عليهم السلام- في جملة ما أوحى إليهم أمورا هي من الغيب، تخص ما هم ملاقوه وأتباعهم في أيامهم القادمة، ولعل أكبر مثال على ذلك، ما أوحاه -تعالى- للمرسلين السابقين عن بعثة أخيهم محمد، صلى الله عليه وسلم، وأمره لهم بالإيمان به ونصرته هم وأتباعهم، وأخذ الميثاق منهم على ذلك.

وكذلك فإن نبينا -عليه الصلاة والسلام- بلَّغ من جملة ما بلَّغه عن ربه -تعالى- من العلم أمورا تحصل بين بعثته وقيام الساعة، منها ما هو من أخبار الفتن والملاحم التي تكون في آخر الزمان، ومنها ما هو من أشراط الساعة التي يجعلها الله -سبحانه- علامات على اقتراب قيامها، فلا تقوم إلا بعد ظهور هذه الأشراط.

ولا زال المسلمون في كل عصر يولون هذه الأحاديث الاهتمام الكبير، فيؤمنون بما فيها من العلم، ويعلِّمونها، ويبلِّغها كل قرن للذي يليه، وكما في كل مسألة من مسائل الدين الكثيرة التي ضل فيها أقوام، فإن طوائف كثيرة من الناس قد ضلت في هذه القضية الهامة، فغلوا فيها إفراطا أو تفريطا، بين متعلق بها أشد التعلق يريد أن يُسقط كل ما يسمعه من أنبائها على واقعه المعاش، هربا من ضغوط عليه أو طمعا في مصير يطمح إليه، وبين قالٍ يريد أن يردّ هذه الأحاديث كلها، ويكفر بها، لأنه لا يعتقد بما ورد فيها من أمور لا تتوافق مع عقله القاصر.

والمؤمن يعمل بالمسألة كما أراد الله سبحانه، فلا يندفع في عالم من الجهل، يتتبع كل كلمة لا يعرف صدقها فيجعلها من محكمات الدين، ولا يزهد في هذا الباب من العلم الذي نزل به الروح الأمين من لدن رب العالمين، وبلغه إلى رسولنا الكريم، عليه الصلاة والسلام، ونقله عنه خيار الناس من الصحابة والتابعين، ولا زال مدار اهتمام وتعليم له من أهل العلم الراسخين، ومن أهم أسس المنهج النبوي في هذا الباب:

• الإيمان بكل ما جاء في الكتاب والسنة

فلا شك أن من أصول أهل الإيمان أن يؤمنوا بكل ما جاءنا من النبي، عليه الصلاة والسلام، ومن ذلك الإيمان بما ورد في الكتاب والسنة من أحاديث الفتن والملاحم، فقد ورد كثير مما يتعلق بهذا الباب في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يصح إيمان امرئ لا يؤمن أن كل ما فيه حق، وأنه من الله تعالى، وكذلك الإيمان بكل ما صح عن النبي، عليه الصلاة والسلام، وإن لم يعقله، أو يدرك مغزاه، وأن لا يكون في صدره حرج منه، كما قال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136].
ولذلك نجد أن أئمة السلف جعلوا الإيمان بالمسائل الغيبية التي أنبأ النبي -عليه الصلاة والسلام- بحدوثها في آخر الزمان في كتب العقيدة التي كتبوها للناس، مبينين من خلالها اعتقاد أهل السنة والجماعة الذين لا يزيغ عن عقيدتهم إلا هالك، وما كان اهتمامهم الكبير بإبراز هذه المسائل إلا خوفا على المسلمين من أن يفتنهم أهل الضلال عنها، ويدفعوهم إلى الكفر ببعض ما ورد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- اتباعا لأهواء الذين لا يعلمون.

قال ابن قدامة في لمعة الاعتقاد: "ويجب الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصح به النقل عنه فيما شهدناه أو غاب عنا، نعلم أنه حق وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه، مثل: حديث الإسراء والمعراج، ومن ذلك أشراط الساعة، مثل خروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم -عليه السلام- فيقتله، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وأشباه ذلك مما صح به النقل"، انتهى كلامه رحمه الله.

ولا يشترط تواتر الأحاديث لوجوب الإيمان بها، بل إذا صح الحديث عند علماء الحديث فإننا نؤمن ونعمل به، خلافاً لأهل البدع الذين اشترطوا تواتر الحديث لإثبات أمور العقائد، وادعوا أن الحديث غير المتواتر لا يفيد العلم اليقيني.

ولا يجوز اعتقاد أن بعض الأخبار المستقبلية قد نسخ، لأن النسخ يكون للأحكام لا للأخبار، فما أخبر عنه الله -عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- كله حق وصدق، قال تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء: 122]، وقال عن نبيه، صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4].
• الحذر من الأحاديث المكذوبة والتأويلات الفاسدة

ولما كانت القضية هنا تتعلق بما ورد عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وجب التأكد من نسبة الأقوال إليه، قبل الإيمان بها أو نسبتها إليه عند تبليغها للناس، وخاصة أن باب الفتن والملاحم من الأبواب التي كثر الكذب فيها من أهل الضلال الذين حاولوا الانتصار لضلالهم من هذا الطريق، وخاصة الروافض الملاعين الذين أكثروا من الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- وآل بيته، ووضعوا قصصا كثيرة يزعمون من خلالها انتصار ضلالهم في آخر الزمان.

وكذلك فإن كثيرا من أحاديث الفتن والملاحم وصلتنا من طرق ضعيفة لا يقوم بها دين، فالحديث الضعيف وإن لم يكن شديد الضعف فهو لا يفيد العلم اليقيني، بل يفيد الظن، والظن لا يغني من الحق شيئاً، ولكن من الجهة الأخرى لا يُكذب المسلم ما جاء في الأحاديث الضعيفة من أخبار، وإن لم يؤمن بها، إلا إذا جاء في الأحاديث الصحيحة ما يعارضها وينفي صحة ما جاء فيها، لأن بعض الأحاديث تختلف فيها اجتهادات أهل العلم بالحديث فيصححها بعضهم ويضعفها آخرون.

والإيمان بما ورد من الغيبيات يقتضي أن نصدق بالأخبار على ظاهرها، خلافاً لأهل البدع الذين يسمون أنفسهم العقلانيين ومن على شاكلتهم حيث ادعوا الإيمان بالغيب ثم صرفوا كثيراً من النصوص عن ظاهرها، فلا نتأول أحاديث الفتن والملاحم تأولا يحرفها عن حقيقتها، بل نؤمن بما جاء فيها، ونمررها كما جاءت عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى يظهر تأويلها واضحا جليا في الوقت الذي يأذن به الله عز وجل.

والواجب على المسلم الرجوع إلى تفسير أهل العلم للآيات والأحاديث التي فيها أخبار عن أشراط الساعة وغيرها من الأمور المستقبلية، كما هو شأن المسلم دائماً، ألا يفسر القرآن برأيه ولا بآراء أهل البدع والضلال.

وكذلك فإنه ينبغي الابتعاد عن إسقاط النصوص التي تتضمن إشارات إلى أحاديث آخر الزمان على واقع المسلمين في أي زمان دون برهان بيّن من الشريعة، ففي هذه الهاوية زلَّت كثير من الأقدام، وفي هذا الطريق ضلت طوائف من الناس، وسنسعى -بإذن الله- إلى الحديث عن هذا الجانب الخطير من جوانب الإيمان بأحاديث الملاحم والفتن، والله الهادي إلى سواء السبيل.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 107
الخميس 5 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

لقد كان في قصصهم عبرة فاذهب أنت وربك فقاتِلا (2) الحمد لله رب العالمين، باعث الرسل مبشرين ...

لقد كان في قصصهم عبرة
فاذهب أنت وربك فقاتِلا (2)

الحمد لله رب العالمين، باعث الرسل مبشرين ومنذرين، والصلاة على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، سلام الله عليهم أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم البعث والدين، أما بعد...

إن لله -عز وجل- سننا لا تتبدل، وقضاء لا يتغير، وإن المرء إذا سار على خطى قوم كانت خاتمته كخاتمتهم، وعاقبته كعاقبتهم، فإن سنن الله لا تحابي أحدا، وقضاؤه ماض أبدا، واللبيب من اعتبر بغيره.

إن من أعظم القصص التي ذكرها الله في كتابه المجيد لقصة نبيه موسى -عليه السلام- مع قومه، بني إسرائيل، إذ ذكرها الله مرارا وتكرارا، كاملة ومجزأة، عامة ومفصلة، وما ذلك إلا دليل على عظمة ما جرى فيها من أحداث، وعلى ما فيها من عبر نفيسة، ودروس قيمة، وليس هذا مقام ذكرها كاملة، لكننا سنذكر -بعون الله- قصته مع الجبارين.

لقد كان الجبارون قوما أولي قوة وبأس شديد، وكانوا يسكنون قرى محصنة في الأرض المقدسة، فلما أنجى الله موسى وقومه من فرعون وجنده، بعد أن أراهم آياته، وشق لهم في البحر طريقا يبسا، وفرق لهم الماء فرقا، ونصرهم على عدوهم بلا جهد منهم أو نصب، أمرهم بقتال الجبارين، ودخول الأرض المقدسة، فذكَّرهم نبي الله موسى بفضل الله عليهم، فقال: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 20]، ثم أمرهم بدخول الأرض المقدسة، وقتال قومها، وضمن لهم النصر إن هم فعلوا ذلك، وحذرهم من تولية الأدبار، ومن سوء العاقبة، {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [المائدة: 21]، فما كان منهم إلا أن أجابوه بكلام ملؤه السخرية {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} [المائدة: 22]، إذ لا يُعقل أن يخرج قوم عتاة جبابرة من أرضهم بلا قتال، وقد حصَّنوا قراهم، وأعدوا للحرب عدتها، وإنما قال بنو إسرائيل ذلك استهزاء واستخفافا، فقال لهم رجلان من قومهم، يخشون ربهم ويخافونه، قد أنعم الله عليهم بطاعته، أن خُذوا بالأسباب، وتوكلوا على ربكم، فإن فعلتم أفلحتم، وكانت لكم الغلبة على عدوكم، {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة: 23]، فلم تنفع تلك القلوب التي أعماها الخوف تذكرة المذكرين، ولم يمتثلوا لأمر رب العالمين، بل أصروا على ضلالهم وتمادوا في غيهم، {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]، فهنا أحسَّ نبي الله موسى بخذلان قومه له، وبانقطاع أسباب الأرض عنه، فالتجأ إلى مسبب الأسباب، ورب الأرباب، وتضرع إليه، {قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 25]، فأنزل الله عليهم عذابه، بأن حرمهم الأمن الذي بسببه قعدوا عن الجهاد، والاستقرار الذي لأجله عزفوا عن القتال، {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 26].

لقد ذكر الله في هذه القصة حال بني إسرائيل مع نبي الله موسى، إذ خذلوه وتخلوا عنه، ولم ينصروه وقد أمروا بذلك، ولم يعزروه وقد كُتب عليهم ذلك، بل كان ردهم القعود والخذلان، والنفور والعصيان، وزادوا على ذلك السخرية والاستهزاء، فما كان من المؤمنين إلا أن ثبتوا على ما أمروا به من جلاد الأعداء، وصبروا على ما نهوا عنه من الفرار وتولية الأدبار، حتى قال نبي الله موسى: "رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين".إن أمثال قوم نبي الله موسى من ذوي المعادن الرديئة والنفوس الدنيئة، يدخلون في صفوف أهل الحق إذا قووا، ويحتمون بشوكتهم، وهذا ديدنهم في كل زمان ومكان. فهُم إذا رأوا من عدوهم كثرة عدة وشدة بأس أحجموا عن القتال، وقعدوا عن الجهاد، مع ما أراهم الله من نصره لهم في مواطن كثيرة على من هم أشد منهم قوة، ووعده لهم بالظفر والتمكين. فترى من أضلهم الله ينهون من هداهم عن القتال والجلاد، بل ويسخرون منهم، ويخذلونهم عند حاجتهم لهم، راكنين إلى زخرف الحياة الدنيا، راضين بها، قائلين بلسان حالهم: "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون".

وإن هذا الخبث إن وُجد في صفوف المؤمنين، فإن المؤمنين لا يألون جهدا في نصحهم، ولا يدخرون وسعا في تذكيرهم بربهم، رأفة بهم وإشفاقا عليهم، وخوفا من أن يصيبهم الله بذنوب هؤلاء، فيهلك الكل بجريرتهم لكثرة الخبث، روت أم المؤمنين زينب بنت جحش -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها فزعا يقول: (لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه) وحلَّق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش فقلت: "يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟" قال: (نعم، إذا كثر الخبث) [رواه البخاري]، فإن الخبث إذا كثر، سلط الله على المسلمين المحن والبلاء، والشدة واللأواء، حتى يرجعوا إلى أمر الله، فقد عاقب الله بني إسرائيل لما عتوا عن أمر ربهم بالتيه 40 سنة، حتى فني أولئك العصاة الفاسقون، ونشأ الصبيان على الشدة والجلد، بعيدا عن الدعة والترف، فلما انقضت تلك السنون الأربعون، قاتل الصالحون الجبارين ففتح الله عليهم، ودخلوا الأرض المقدسة، وأسكنهم الله مساكنهم وأورثهم أموالهم.

إن من سنن الله أن يبتلي المسلم إذا تعلق قلبه بغير ربه، فيمتحنه بوقوع ما يكره، أو بفقدان ما يحب، فإن هو رجع إلى الله فكان هو ورسوله أحب إليه مما سواهما من ملذات الدنيا وزخارفها، رفع الله عنه البلاء، ومكن له في الأرض، وإلا بقي في البلاء حتى يرجع، فإن أبى أتى الله بمن هو خير منه، واستبدل به قوما يحبهم ويحبونه، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون فيه لومة لائم، ينصرونه ورسوله، ويقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص، فإنما ينصر المؤمنون بطاعتهم لربهم، وتمسكهم بجماعتهم، وبالمضي قدما في جهادهم، ولا يخذلهم مثل القعود عما أمرهم الله به، والإحجام عما أعده الله لهم من نعيم.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 107
الخميس 5 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 107 - قصة شهيد: قُتل منغمساً بالمشركين الحوثة في الصف الأول أبو صالح ...

صحيفة النبأ العدد 107 - قصة شهيد:

قُتل منغمساً بالمشركين الحوثة في الصف الأول
أبو صالح العولقي:
قائد عسكري أقسم أن ينصر دينه وألَّا ينام على ضيم

كان قليل الكلام، شديد التواضع، كريم النفس، طيب السجايا، عفيفا، شهد له إخوانه برُقيّه وسمو أخلاقه، مع ما اكتسى به من شجاعة مفرطة، أقسم أن ينصر دينه وألا ينام على ضيم، عُرض عليه أن يأخذ كفالة مالية من الدولة فلم يرض وقال: لكي نبني الدولة يجب أن نقدم لها لا أن نأخذ منها.

إنه الأخ المجاهد والقائد العسكري أبو صالح العولقي، تقبله الله، من قبيلة العوالق، إحدى أكبر قبائل ولاية شبوة في اليمن، خرَّجت هذه القبيلة كثيرا من المجاهدين الأبطال على مر العصور، وكان للدولة الإسلامية منهم نصيبٌ ليس بالقليل.

تزوج أبو صالح في أرض اليمن وجلس فيها فترة، ثم ضرب في الأرض متجهاً لبلاد الحرمين طلبا للرزق، فعمل في مجال التسويق، لما تميز به من أسلوب قوي في الإقناع وشخصية رزينة في الإلقاء والتعامل، وبينما هو كذلك إذ أراد الله له الخير فساقه له سوقاً.

كان شقيقه يتابع أخبار الدولة الإسلامية، ويحدثه عنها ويبشره بالخير العظيم الذي تحمله وما يناله من ينتسب إليها ومن يكون مؤيدا وناصرا لها من أجر وثواب، ثم ما طفق أن بات يبحث عن أخبار المجاهدين، ويتابع ويواكب أحداث الدولة الإسلامية وتحركاتها في جميع بقاع العالم، حتى تعلق قلبه بها تعلقا كبيرا، وصار جل اهتمامه أن يكون مجاهداً في صفوفها، ويقدم كل ما يستطيع في سبيل نصرتها ونصرة جنودها.


• التحاقه بالركب:

أصبح فؤاد أبي صالح يموج بخلجات النفير والالتحاق بركب جيش الخلافة، وأثناء هذا التماوج ظهر إصدار "جند الخلافة في اليمن" فترك سعيه في الدنيا واكتفى بما رزقه الله منها في بلاد الحرمين وعاد إلى اليمن باحثاً عن سبب أو سبيل يربطه بجند الخلافة، فيسر الله -تعالى- له الأمر وهداه إلى إخوانه وانضم إليهم.

لقد كان لإعلان الخلافة من قِبل الدولة الإسلامية الأثر الكبير في انتشار منهجها، ومؤشرا كبيرا على الهمة العظيمة التي حملها قادة الدولة وأمراؤها من الجيل الأول الذين قدموا دماءهم فداء دينهم وفداء أمتهم، تقبل الله منهم وتقبلهم، لقد حملوا همّ الأمة على عاتقهم ولموا شملها بعد ضياع استمر لمئات الأعوام، فجمعوا الأمة ووحدوا صفها وأقاموا الفريضة المغيبة، فريضة الخلافة، ففرح بها وأحبها كل مؤمن، وكذلك فعلت بأبي صالح العولقي، واغتاظ منها وعارضها وكرهها كل كافر ومنافق.

نفر أبو صالح والتحق بإخوانه في المعسكر، وظهر تميزه -تقبله الله- بين إخوانه منذ بداية نفيره وجهاده، في المضافات والمعسكرات والكتائب، ورأى منه إخوانه الصلاح والسمت والوقار، ما جعله محل ثقة بين إخوانه وأمرائه، فأسلموا إليه المهام تلو المهام، معينا لإخوانه وأميرا عليهم وخادما وناصحا لهم، حتى سلموه إمارة كتيبة "الصديق"، فأجاد وأحسن فصار خير أمير لجنده، إن جالسهم أحبوه، وإن أمرهم أطاعوه، إن شكوا إليه مشكلة أو بثوا إليه هماً لم يجدوا منه إلا أذناً مصغية وقلباً عطوفاً، ومع لين الجانب لإخوانه إلا أنه كان شديداً على أعداء الله، كثيراً ما يشارك في صد حملات الحوثة المشركين، فتجده أول الحاضرين للصف، وكثيرا ما كان يخرج مع إخوانه في مفارز القنص لاصطياد الحوثة المشركين، ويرابط على ثغور المسلمين.

ومن كانت هذه صفاته كان جديراً أن يزيده الله رفعة، فعُيِّن بعدها إداريا عسكريا للجيش.


• من أشد ما مرّ به:

ومن أشد ما مرّ به -تقبله الله- أنه لما تزوج لم يُرزق بذرية وبقي على ذلك مدة طويلة، وقد حاول أن يتعاطى العلاج علّه يُرزق بمولود وسعى لذلك سعياً حثيثاً، لكن دون جدوى، ولما وفقه الله للنفير والجهاد أتاه خبر بأن امرأته حامل، وما هي إلا أشهر معدودة حتى وضعت له مولوداً، فشكر الله وحمده، وعرف أنه فتنة له وأنها الدنيا تزيّنت، ولم يكن ضعيفاً أو مفتوناً فيترك الجهاد أو يستأذن، بل احتسب الأمر عند الله وواصل جهاده، ورباطه وقتاله لأعداء الله.• استشهاده -تقبله الله-:

عند إعداد جنود الخلافة للغزوة المباركة على منطقة "حمة لقاح"، كلَّفه أمير الجيش بترتيب السرايا وتوزيعها، وكان مما أمره به تجهيز 6 من الانغماسيين، فجهَّز له 5 أسماء وقدمها له، فقال له: أين السادس؟ قال: موجود، ولم يخبره أنه سيجعل نفسه السادس مخافة أن يُمنع من المشاركة في الغزوة، فكان يماطل أميره، وكلما سأله أين الأخ الانغماسي السادس؟ يجيبه بأنه: موجود، حتى اقترب موعد الغزوة، فقال له الأمير: ستبدأ الغزوة ولم تخبرني من السادس؟ فقال أبو صالح: أنا سادسهم، فرفض الأمير والإخوة مشاركته في الغزوة، وبعد إلحاحه الشديد وافقوا، فكان أمير سرية الانغماسيين في اقتحام الجبل.

ولما كانت ليلة الغزوة أخذ يحرض إخوانه على القتال والثبات، وحب لقاء الله، ويذكرهم بالتضرع إلى الله والتوكل عليه وحده دون سواه، وتعظيم الأمر الذي هموا عليه، والانكسار لله عز وجل، ولما طلع فجر يوم الغزوة، سلّم على إخوانه الذين كانوا موجودين فردا فردا وطلب منهم السماح، ثم شد هو وإخوانه الانغماسيون كالصقور الجارحة على مواقع الحوثة المشركين، فقاتلوا قتال الأبطال الشجعان وأثخنوا بالحوثة المشركين، فارتقى -تقبله الله- شهيداً كما نحسبه والله حسيبه، مقبلاً في الصف الأول لم يلفت وجهه حتى قتل، مسطراً بدمه معنىً لمن بعده أن قادة المجاهدين أحرص الناس على نيل الشهادة في سبيل الله، وأنهم يتقدمون الصفوف قبل إخوانهم ولا يتأخرون، وبذلك يكونون خير قدوة وخير محرض لثبات إخوانهم وتنكيلهم بأعدائهم.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 107
الخميس 5 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

فوائد دريّة من كلام الإمام ابن قيم الجوزية الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما ...

فوائد دريّة من كلام الإمام ابن قيم الجوزية

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:

قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد: [فصل في ذكر بعض الحكم والغايات المحمودة التي كانت في وقعة أحد].

وقد أشار الله -سبحانه وتعالى- إلى أمهاتها، وأصولها في سورة (آل عمران) حيث افتتح القصة بقوله: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} [آل عمران: 121] إلى تمام ستين آية.

فمنها: تعريفهم سوء عاقبة المعصية والفشل والتنازع، وأن الذي أصابهم إنما هو بشؤم ذلك، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} [آل عمران: 152]، فلما ذاقوا عاقبة معصيتهم للرسول، وتنازعهم، وفشلهم، كانوا بعد ذلك أشد حذرا ويقظة، وتحرزا من أسباب الخذلان.

ومنها: أن حكمة الله وسنته في رسله وأتباعهم جرت بأن يدالوا مرة ويدال عليهم أخرى، لكن تكون لهم العاقبة، فإنهم لو انتصروا دائما دخل معهم المؤمنون وغيرهم، ولم يتميز الصادق من غيره، ولو انتصر عليهم دائما لم يحصل المقصود من البعثة والرسالة، فاقتضت حكمة الله أن جمع لهم بين الأمرين ليتميز من يتبعهم ويطيعهم للحق، وما جاءوا به ممن يتبعهم على الظهور والغلبة خاصة.

ومنها: أن هذا من أعلام الرسل كما قال هرقل لأبي سفيان: (هل قاتلتموه؟ قال: نعم، قال: كيف الحرب بينكم وبينه؟ قال: سجال يدال علينا المرة، وندال عليه الأخرى، قال: كذلك الرسل تبتلى، ثم تكون لهم العاقبة).

ومنها: أن يتميز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب، فإن المسلمين لما أظهرهم الله على أعدائهم يوم بدر، وطار لهم الصيت دخل معهم في الإسلام ظاهرا من ليس معهم فيه باطنا، فاقتضت حكمة الله عز وجل أن سبب لعباده محنة ميزت بين المؤمن والمنافق، فأطلع المنافقون رءوسهم في هذه الغزوة، وتكلموا بما كانوا يكتمونه، وظهرت مخبآتهم، وعاد تلويحهم تصريحا، وانقسم الناس إلى كافر ومؤمن ومنافق انقساما ظاهرا، وعرف المؤمنون أن لهم عدوا في نفس دورهم، وهم معهم لا يفارقونهم، فاستعدوا لهم، وتحرزوا منهم. قال الله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: 179]، أي ما كان الله ليذركم على ما أنتم عليه من التباس المؤمنين بالمنافقين حتى يميز أهل الإيمان من أهل النفاق كما ميزهم بالمحنة يوم أحد {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} [آل عمران: 179] الذي يميز به بين هؤلاء وهؤلاء، فإنهم متميزون في غيبه وعلمه وهو سبحانه يريد أن يميزهم تمييزا مشهودا فيقع معلومه الذي هو غيب شهادة. وقوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: 179] استدراك لما نفاه من اطلاع خلقه على الغيب سوى الرسل، فإنه يطلعهم على ما يشاء من غيبه كما قال: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 26 - 27] فحظكم أنتم وسعادتكم في الإيمان بالغيب الذي يطلع عليه رسله فإن آمنتم به وأيقنتم فلكم أعظم الأجر والكرامة.

ومنها: استخراج عبودية أوليائه وحزبه في السراء والضراء، وفيما يحبون وما يكرهون، وفي حال ظفرهم وظفر أعدائهم بهم، فإذا ثبتوا على الطاعة والعبودية فيما يحبون وما يكرهون فهم عبيده حقا، وليسوا كمن يعبد الله على حرف واحد من السراء والنعمة والعافية.

ومنها: أنه سبحانه لو نصرهم دائما، وأظفرهم بعدوهم في كل موطن، وجعل لهم التمكين والقهر لأعدائهم أبدا لطغت نفوسهم، وشمخت وارتفعت، فلو بسط لهم النصر والظفر لكانوا في الحال التي يكونون فيها لو بسط لهم الرزق، فلا يصلح عباده إلا السراء والضراء، والشدة والرخاء، والقبض والبسط، فهو المدبر لأمر عباده كما يليق بحكمته، إنه بهم خبير بصير.

ومنها: أنه إذا امتحنهم بالغلبة والكسرة والهزيمة ذلوا وانكسروا وخضعوا، فاستوجبوا منه العز والنصر، فإن خلعة النصر إنما تكون مع ولاية الذل والانكسار، قال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: 123]، وقال: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 25]، فهو - سبحانه - إذا أراد أن يعز عبده ويجبره وينصره كسره أولا، ويكون جبره له ونصره على مقدار ذله وانكساره.
ومنها: أنه سبحانه هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته لم تبلغها أعمالهم، ولم يكونوا بالغيها إلا بالبلاء والمحنة، فقيض لهم الأسباب التي توصلهم إليها من ابتلائه وامتحانه، كما وفقهم للأعمال الصالحة التي هي من جملة أسباب وصولهم إليها.

ومنها: أن النفوس تكتسب من العافية الدائمة والنصر والغنى طغيانا وركونا إلى العاجلة، وذلك مرض يعوقها عن جدها في سيرها إلى الله والدار الآخرة، فإذا أراد بها ربها ومالكها وراحمها كرامته قيض لها من الابتلاء والامتحان ما يكون دواء لذلك المرض العائق عن السير الحثيث إليه، فيكون ذلك البلاء والمحنة بمنزلة الطبيب يسقي العليل الدواء الكريه، ويقطع منه العروق المؤلمة لاستخراج الأدواء منه، ولو تركه لغلبته الأدواء حتى يكون فيها هلاكه.

ومنها: أن الشهادة عنده من أعلى مراتب أوليائه، والشهداء هم خواصه والمقربون من عباده، وليس بعد درجة الصديقية إلا الشهادة، وهو سبحانه يحب أن يتخذ من عباده شهداء تراق دماؤهم في محبته ومرضاته، ويؤثرون رضاه ومحابه على نفوسهم، ولا سبيل إلى نيل هذه الدرجة إلا بتقدير الأسباب المفضية إليها من تسليط العدو.

ومنها: أن الله سبحانه إذا أراد أن يهلك أعداءه ويمحقهم قيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها هلاكهم ومحقهم، ومن أعظمها بعد كفرهم بغيهم وطغيانهم، ومبالغتهم في أذى أوليائه، ومحاربتهم وقتالهم والتسلط عليهم، فيتمحص بذلك أولياؤه من ذنوبهم وعيوبهم، ويزداد بذلك أعداؤه من أسباب محقهم وهلاكهم، وقد ذكر سبحانه وتعالى ذلك في قوله: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 139 - 141]، فجمع لهم في هذا الخطاب بين تشجيعهم وتقوية نفوسهم وإحياء عزائمهم وهممهم، وبين حسن التسلية، وذكر الحكم الباهرة التي اقتضت إدالة الكفار عليهم فقال: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عمران: 140]، فقد استويتم في القرح والألم، وتباينتم في الرجاء والثواب، كما قال: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء: 104]، فما بالكم تهنون وتضعفون عند القرح والألم، فقد أصابهم ذلك في سبيل الشيطان، وأنتم أصبتم في سبيلي وابتغاء مرضاتي.

ثم أخبر أنه يداول أيام هذه الحياة الدنيا بين الناس، وأنها عرض حاضر، ثم ذكر حكمة أخرى، وهي أن يتميز المؤمنون من المنافقين فيعلمهم علم رؤية ومشاهدة بعد أن كانوا معلومين في غيبه، وذلك العلم الغيبي لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب، وإنما يترتب الثواب والعقاب على المعلوم إذا صار مشاهدا واقعا في الحس.

ثم ذكر حكمة أخرى، وهي اتخاذه سبحانه منهم شهداء، فإنه يحب الشهداء من عباده، وقد أعد لهم أعلى المنازل وأفضلها، وقد اتخذهم لنفسه، فلا بد أن ينيلهم درجة الشهادة.

وقوله: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 140]، تنبيه لطيف الموقع جدا على كراهته وبغضه للمنافقين الذين انخذلوا عن نبيه يوم أحد فلم يشهدوه ولم يتخذ منهم شهداء، لأنه لم يحبهم فأركسهم وردهم ليحرمهم ما خص به المؤمنين في ذلك اليوم، وما أعطاه من استشهد منهم، فثبط هؤلاء الظالمين عن الأسباب التي وفق لها أولياءه وحزبه.

انتهى كلامه رحمه الله رحمة واسعة بما أفاد من الدرر البديعة، وقد أوردناها ليتأملها كل مجاهد ويأخذ منها ما يتزود به لشدائد الجهاد في سبيل الله، ولتكون له سلوة على هذا الطريق الشاق، طريق العز والمعالي ورفعة المنزلة في الجنة والقرب من الله جل جلاله والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 107
الخميس 5 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

تكونون غثاءً كغثاء السيل لا شك أن لكل مرض يعتري الأفراد والجماعات أسبابا علمها من علمها وجهلها ...

تكونون غثاءً كغثاء السيل


لا شك أن لكل مرض يعتري الأفراد والجماعات أسبابا علمها من علمها وجهلها من جهلها، ولا يمكن علاج هذه الأمراض قبل التعرف عليها، كما لا يمكن الوقاية منها دون معرفة الأسباب التي تسببها.

ومن عادة كثير من الناس عندما تحل بهم مصيبة أو يطرأ عليهم طارئ أن يبحثوا عن أسباب ذلك في خارج أنفسهم ليُلقوا بالتبعات على غيرهم من الظروف أو الأعيان، كما وصف الله -تعالى- ذلك في حال أهل النفاق بقوله: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا * مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [النساء: 78 - 79].

فما يصيب الإنسان هو من عند نفسه، وتغييرُ حال الإنسان يكون من عند نفسه، إن شاء الله تعالى، كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد: 11]، فما تغيَّر حال عبد من حال خير إلى غيره أو العكس إلا بتغير أصابه في نفسه، وكذلك الأمم والدول، ومن كان له علم بالعمران والسياسة عرف ذلك.

فعندما يتغلب العدو على طائفة من المسلمين، فإن كثيرا منهم يُحيلون ذلك إلى تفوقهم في العدد والعدة، أو ضعف المسلمين في هذه الأبواب، ويسبب تركيزهم على الجانب الكمي من القضية تغافلا منهم عن نوعية الأفراد الذين يشكلون هذا الكم الذي ينظر إليه هؤلاء، وهذا الأمر نجدُ مصداقا له في حديث ثوبان -رضي الله عنه- حين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها)، قال: قلنا: يا رسول الله أمن قلة بنا يومئذ؟ قال: (أنتم يومئذ كثير ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل، ينتزع المهابة من قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوهن)، قال: قلنا: وما الوهن؟ قال: (حب الحياة وكراهية الموت) [رواه أحمد].

فالكثرة العددية لا تغني عن الجيش شيئا إن كان أفراده قد تسلط عليهم الوهن، فكرهوا القتال، وركنوا إلى الدعة والسلامة التي يحسبونها في البعد عن الحرب، والعدو وإن كان قليل العدد فإنه سيتجرأ على المسلمين إن نزعت من نفسه مهابتهم، وصار لا يلقي لهم بالا، خاصة إذا عرف ما فيهم من وهن، وضعف في النفوس، وكراهية للقتال.

ولقد رأينا في حال الأمم التي سبقتنا وفي حالنا أن القلة الصابرة ينصرها الله تعالى، وإن الجمع المتخاذل لا تغني عنه كثرته شيئا، كما في قوله سبحانه: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249]، وفي قوله سبحانه: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ} [آل عمران: 13].

ولذلك فإن إصلاح النفوس وتجديد إيمانها هو أول خطوات العلاج لمرض الوهن الذي نتيجته الحتمية تسلط العدو على المسلمين، وسبيله تذكير المسلمين بأن كراهية الموت لا تبعده ولا تؤخر أجله، والفرار منه لا يفيد في دفعه، وأن النهاية الحتمية لكل حي أن يموت، فيرجع إلى الله -تعالى- ليجزيه على جهاده وثباته أو يعاقبه على قعوده وتوليه، كما قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185].

وكذلك تذكيرهم بأن عاقبة الركون إلى متاع الدنيا من زوجة وولد ومال وعشيرة وخِيمة في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24].

فيا أهل التوحيد، جددوا الإيمان في قلوبكم، وأحيوا حب الجهاد والاستشهاد في نفوسكم، واسألوا الله المراتب العلى من الجنة، تجدوا نتيجة ذلك في حياتكم الدنيا قبل الآخرة، نصرا على عدوكم، ومهابة لكم في نفوس العالمين، ومن كان همه الآخرة فلا يأبه لما يبتليه الله به في الدنيا، والعاقبة للمتقين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 107
الخميس 5 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

إنفوغرافيك صحيفة النبأ العدد 504 الغفلَة: * أسبابها كثرة المعاصي التعلق في الدنيا صحبة ...

إنفوغرافيك صحيفة النبأ العدد 504
الغفلَة:

* أسبابها
كثرة المعاصي
التعلق في الدنيا
صحبة الغافلين
الإسراف في المباح
هجر القرآن والذكر


* أخطارها

1- الضلالة عن سبيل الرشاد
قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ... ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ}.

2- الضياع والتشتت والهلاك
قال تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}.

3- استحقاق العقوبات الإلهية
قال تعالى: {فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ}.

4- الندم والحسرة يوم القيامة
قال تعالى: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ}.


* علاجها

1- الإكثار من ذكر الله تعالى
قال تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ}.

2- التفكر في آيات الله تعالى
قال تعالى: {وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}؛ "يخبر تعالى عن غفلة أكثر الناس عن التفكر في آيات الله ودلائل توحيده". [ابن كثير].

3- تذكر الموت وأهوال القيامة
قال تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} إلى قوله: {لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}.

4- مفارقة الغافلين ومرافقة الصالحين
قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
...المزيد

مقتطفات نفيسة (48) من كلام الشيخ المجاهد أبي مصعب الزرقاوي تقبله الله تعالى أيها المجاهدون؛ إن ...

مقتطفات نفيسة (48)
من كلام الشيخ المجاهد أبي مصعب الزرقاوي تقبله الله تعالى

أيها المجاهدون؛
إن سنة الله جرت؛ أنه ليس هناك من هو فوق الحكم الشرعي، بل إن الله خاطب نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بخطاب تنخلع له القلوب، فقال تعالى: {وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء: 74-75]، فهذا في حق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لو ركن إلى الأعداء -وحاشاه- فكيف بمن دونه؟

فالنجاة النجاة، والصبر الصبر، والثبات الثبات، على ما كان عليه السلف الذين قال الله فيهم: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23].

فلا تبدلوا إخوة التوحيد.. لا تبدلوا يا إخوة التوحيد.
وإياكم أن تكونوا ممن يخون الله ورسوله، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27].
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً