الدولة الإسلامية - مقال: كيفية النصر إن حكمة الله البالغة وتقديره للمؤمنين في الدنيا فيه من ...

الدولة الإسلامية - مقال:
كيفية النصر

إن حكمة الله البالغة وتقديره للمؤمنين في الدنيا فيه من الخفايا ما لا يعلمه إلا هو جل في علاه، ومن ذلك كيفية حصول النصر لعبادة المؤمنين، فقد نصر الله سبحانه وتعالى الأنبياء والرسل والمؤمنين من بعدهم بأشكال وصور متعددة متباينة فلم يقتصر انتصارهم على المعارك المباشرة، وفي ذلك حكم من الله كثيرة.

ومن ذلك أن المؤمن لا يصيبه اليأس مهما سدّت فيه وجهه الأبواب، بل يعلم أن نصر الله سبحانه قد يحصل بما لا يخطر على بال، فيعلق أمله به وحده، وهكذا فقط يأتيه النصر.

وللمؤمن في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أسوة حسنة فلم يلتفتوا كثيرا إلى كيفية حصول النصر، بل عملوا ما أمرهم الله به من تطبيق أمره وقتال الكافرين، قال تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} [النساء: 84].

كما أنهم لم يتأخروا للاستزادة من عدد أو انتظار تحصيل عدة، بل بذلوا ما كان عندهم من أسباب، فنصرهم الله جل وعلا بها بصور كثيرة، فنصرهم بالرعب، ونصرهم بالريح، وبتفريق كلمة الكافرين، كما نصرهم بالملائكة.

فلا يشغلنَّ المؤمن نفسه كثيرا بالتفاصيل، بل يعمل على ما أمره الله به بأفضل ما يستطيع فإن شاء الله عذب الكافرين على يديه وإن شاء بغير ذلك.

ولابد له من الدعاء والتضرع لله سبحانه مع العمل والجهاد في سبيله، ولا يركننَّ إذا لاحت له أسباب يظن أن بها هلاك للكافرين كاختلاف بينهم أو ضرر يصيبهم بأموالهم أو أنفسهم من عند الله، فيعلق أمله كله عليها فإن نجوا منها انهار عزمه وخبت همته، بل يواصل القتال والنزال ويعمل كل ما يستطيع من أسباب، فإن لاح له نصر زاد من تضرعه لله -جل وعلا- أن يتمه فإن لم تكن بها فلا ضير.

فالله أعلم كيف ينصر دينه وهو العالم سبحانه بمآلات الأمور وخواتمها، فرُب نصر عاجل يبقي في صف المسلمين من ليس منهم من المنافقين وغيرهم فلا يتمحص الصف ويبقى فيه من الكدر ما يكون فيه شتاته وهلاكه عياذا بالله، ورب صفة للنصر يرجوها المؤمنون والله قد أخفى لهم في حجب الغيب ما لو علموه لهانت عليهم أمانيهم، فنسأل الله أن يمكن لعباده المؤمنين وينصرهم على الكافرين بما شاء وكيف شاء إنه القاهر فوق عبادة وهم الحكيم الخبير.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 110
الخميس 26 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (3) تحدثنا في الحلقات الماضية من هذه السلسلة عن أخبار الفتن ...

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (3)


تحدثنا في الحلقات الماضية من هذه السلسلة عن أخبار الفتن والملاحم الواردة في نصوص الوحيين، وواجب المسلم نحوها، وبينا أنها من الإيمان بالغيب الذي لا يتم إيمان المرء بغيره.

ونكمل في هذه الحلقة -بإذن الله- كلامنا، مستعينين به -عز وجل- في بيان مكانة هذا الباب من أبواب العلم، ومقدار اهتمام أهل الإسلام به.


• أخبار الغيب وأنواعها

فأخبار الغيب التي أخبر بها الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- تتفاوت من حيث المدى الزمني لوقوعها، فمنها ما وقع قبل زمن التكلم بها، فيوحي بها إلى عباده المرسلين ليبلغوها لأقوامهم على سبيل التعليم وأخذ العبر وإثبات النبوة، كما في أخبار الأمم السالفة التي ما جاء نبي من بعد نوح إلا وأخبر بها، كما قال عنها الله تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49].

ومنها ما كان واقعا في زمن تكلم الأنبياء بها، كإخبارهم -عليهم الصلاة والسلام- الناس بأمور من الغيب لم يطلعوا عليها، على سبيل تقديم الآيات والدلائل على نبوتهم، وتلقيهم الوحي من الله عز وجل، كما في قول عيسى بن مريم -عليه السلام- لقوله، فيما أخبر عنه ربه سبحانه وتعالى: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 49].

ومنها ما كان إخبارا عن أمور ستقع بعد فترة من إخبارهم بها، كما في إخباره -عليه الصلاة والسلام- بدخول المسلمين إلى مكة بعد رؤيا رآها، وصدق ذلك كلام ربه عز وجل: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 27]، قال الإمام أبو محمد البغوي رحمه الله: "وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أُري في المنام بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية أنه يدخل هو وأصحابه المسجد الحرام آمنين، ويحلقون رؤوسهم ويقصرون، فأخبر بذلك أصحابه، ففرحوا وحسبوا أنهم داخلو مكة عامهم ذلك، فلما انصرفوا ولم يدخلوا شق عليهم، فأنزل الله هذه الآية" [معالم التنزيل في تفسير القرآن].

ومن تلك الأخبار، ما لم يقع في حياة الأنبياء المبلغين لها، ولكن بعد أن توفاهم الله، كإخبارهم ببعثة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وأمرهم أتباعهم بالإيمان به، كما في قول عيسى بن مريم عليه السلام: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6].

وكذلك بعض أخبار رسولنا عليه الصلاة والسلام، التي وقعت بعد موته، كما في حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه: (فإن طالت بك الحياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله، ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى)، قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: (كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يُخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله فلا يجد أحدا يقبله منه) [رواه البخاري]، قال عدي عن الحديث نفسه: "فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم الحياة لترون ما قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (يُخرج ملء كفه)".• أخبار الغيب وأشراط الساعة

ومنها ما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أنها تكون بعد موته، وجعلها إشارات أو علامات على اقتراب الساعة، كلما وقع منها شيء دلّ أكثر على اقتراب ذلك اليوم الموعود، كما أنها حين وقوعها تدلّ على صدق رسالته -عليه الصلاة والسلام- فيما أخبر به قبل حدوثه، ففي حديث عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم فقال: (اعدد ستا بين يدي الساعة، موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفا) [رواه البخاري].

ولارتباط هذه الأخبار بالساعة، وهي موعد انتهاء الحياة الدنيا، وبداية الحياة الآخرة، ولعظم الأحداث المرتبطة بهذه الأخبار، فقد أولى بها أهل العلم من صحابة رسول الله وأتباعهم اهتماما كبيرا، وأفرد لها أهل الحديث في صحاحهم وسننهم ومسانيدهم أبوابا وكتبا.

فمنهم من أوردها في معرض الحديث عن الساعة وأشراطها، وذلك ثابت في كلامه عليه الصلاة والسلام، بدلالته على اقتراب الساعة بأحداث تقع قبلها، كما في الحديث السابق، وكما في جوابه لجبريل -عليه السلام- عندما سأله عن الساعة وموعدها، قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها) [متفق عليه]، وكقوله عليه الصلاة والسلام: (إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوما ينتعلون الشعر) [رواه ابن ماجة]، وغير ذلك كثير فيما أخبر عنه عليه الصلاة والسلام.

أحاديث الفتن والملاحم وموقعها من العلم
ومن العلماء من جعلها في باب الحديث عن الأحداث العظام التي تقع قبل قيام الساعة، وهذا ما غلب على وصف هذه الأحاديث، حتى صارت تعرف عند الناس بـ (أحاديث الفتن والملاحم)، ولذلك نجد معظم هذه الأحاديث تحت هذه التسمية في كتب أهل العلم، وقلما نجد كتابا من كتب الحديث يخلو من باب بهذه التسمية أو قريبا منه.

فبوب البخاري في صحيحه (كتاب الفتن)، وفي صحيح مسلم (كتاب الفتن وأشراط الساعة)، و(كتاب الفتن) في كل من سنن الترمذي، وسنن ابن ماجة، ومسند الشافعي، ومصنف ابن ابي الشيبة، و(كتاب الفتن والملاحم) في سنن أبي داود ومستدرك الحاكم.

ومن العلماء من صنف كتبا مستقلة في هذا الباب، ككتاب (الفتن) للإمام أحمد بن حنبل، و(كتاب الفتن) لحنبل ابن إسحق بن حنبل، و(كتاب الفتن) لنعيم بن حماد المروزي، وهو أشهر ما صنف في هذا الباب، رغم تحذير العلماء منه لما احتواه من مناكير، وعلى آثارهم سار من جاء بعدهم، كالحافظ ابن كثير في كتابه (النهاية في الفتن والملاحم)، وغيره كثير من كتب أهل العلم.
فأحاديث (الفتن والملاحم) تندرج في إطار العلم بالساعة، لما توضحه من علامات على قرب موعدها، ومن العلم بدلائل النبوة، لما فيها من أدلة واضحة على صدقه -عليه الصلاة والسلام- فيما يبلغه عن ربه تعالى، بل وجعلها بعض علماء السلف بابا من أبواب الاعتقاد التي يعلمونها للمسلمين، وخاصة الأحاديث التي أنكرها أهل الضلال من المعتزلة والروافض وغيرهم، لما فيها من نقض لأقوالهم ومعتقداتهم الباطلة.

بل ليس من المستبعد اعتبار (الفتن والملاحم) علما مستقلا بذاته، لما في هذا العلم من منهجية خاصة في تأويل الأخبار الواردة في متون الأحاديث التي نقلتها، من حيث مطابقة الأخبار للوقائع التي تحدث في كل زمان، وتقرير إن كانت هذه الوقائع من الأحداث التي تندرج في إطار (الفتن والملاحم) التي يدرسها هذا العلم، أم هي من جملة الأحداث التي يحدثها الله -تعالى- في كل الأزمنة المختلفة، والأماكن المتباعدة، ويبتلي بها عباده، ويمضي بها أقداره.

وسنبين في الحلقة القادمة -بإذن الله- جانبا من أهمية هذا العلم، من خلال بيان اهتمام النبي -عليه الصلاة والسلام- بتعليمه لأصحابه، واهتمامهم -رضي الله عنهم- بتعلمه وتبليغه لمن بعدهم، واهتمام علماء الإسلام بنقل هذا العلم، والفقه فيه، وبيانه للناس، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 109
الخميس 19 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

النصيحة للمجاهدين... تحريض لا تثبيط الحمد لله ولي المجاهدين، وناصرهم وهاديهم إلى الصراط ...

النصيحة للمجاهدين... تحريض لا تثبيط

الحمد لله ولي المجاهدين، وناصرهم وهاديهم إلى الصراط المستقيم، والصلاة والسلام على من جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

فإن الله -سبحانه وتعالى- قد بيَّن لعباده السبيل الذي يحبه ويرضاه، ودلَّهم على مواطن الخلل والنقص لديهم ليحذروا الخطايا وتكرارها، وقد ذكر الله -تعالى- ما وقع من خطأ من المجاهدين، كما أثنى على ما فعلوه من صواب، كما بعد غزوة بدر حيث أنزل الله -تعالى- سورة الأنفال، لتخبر عن تردد بعض المؤمنين أول الأمر وكراهيتهم الخروج للقتال ومجادلتهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعدما تبيَّن الحق {كَمَا أَخرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيتِكَ بِالحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ المُؤمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الحَقِّ بَعدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى المَوتِ وَهُم يَنظُرُونَ} [الأنفال: 5 - 6].


• فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم

وكذلك نزول صدر هذه السورة إثر اختلافهم في تقسيم الأنفال، إذ بيَّن الله -تعالى- لهم أن ما هو أهم من ذلك عنده أن يتقُّوه ولا يسمحوا لأعراض الدنيا أن تكون سبباً لفساد ذات بينهم، ونبَّههم -سبحانه- إلى ضرورة السعي إلى استكمال الإيمان، بذكر صفات المؤمنين التي يحبها ويحب أهلها ويثيبهم أعظم الثواب عليها في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {يَسأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصلِحُوا ذَاتَ بَينِكُم وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ * إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم وَإِذَا تُلِيَت عَلَيهِم آيَاتُهُ زَادَتهُم إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ المُؤمِنُونَ حَقًّا لَهُم دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِم وَمَغفِرَةٌ وَرِزقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 1- 4]، ونزلت آيات كثيرة في شأن غزوة بدر، وفي ثناياها الفوائد الجليلة التي تزكي قلوب المؤمنين وأعمالهم.

منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة
ورغم وجود المنافقين وتربصهم بالمؤمنين وبحثهم عن عثراتهم، نزلت الآيات التي تبين أن الفشل الذي حصل في غزوة أحد إنما هو بسبب معصية بعض المجاهدين لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأن دافع تلك المعصية كان إرادةَ الحياةِ الدنيا ومتاعِها الزائل. قال تعالى: {وَلَقَد صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعدَهُ إِذ تَحُسُّونَهُم بِإِذنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلتُم وَتَنَازَعتُم فِي الأَمرِ وَعَصَيتُم مِن بَعدِ مَا أَرَاكُم مَا تُحِبُّونَ مِنكُم مَن يُرِيدُ الدُّنيَا وَمِنكُم مَن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُم عَنهُم لِيَبتَلِيَكُم وَلَقَد عَفَا عَنكُم وَاللَّهُ ذُو فَضلٍ عَلَى المُؤمِنِينَ} [آل عمران: 152]، وما أجملَ وأحسن أن يخبرهم الله بعفوه عنهم في الموضع الذي ينبِّههم فيه على خطئهم...
ثم أخبر -تعالى- أنه عفا عمن تولى يوم التقى الجمعان، وأخبرهم أن سبب توليهم وقوعهم في معاصٍ سابقة أوقعهم الشيطان في الزلل بسببها، {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوا مِنكُم يَومَ التَقَى الجَمعَانِ إِنَّمَا استَزَلَّهُمُ الشَّيطَانُ بِبَعضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَد عَفَا اللَّهُ عَنهُم إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: 155].


• قل هو من عند أنفسكم

آيات كثيرة تحدثت بالتفصيل عن حِكَم الله -عز وجل- فيما جرى قبل غزوة أحد وأثناءها وبعدها، كان في تلك الآيات الشفاء لقلوب المؤمنين وتساؤلاتهم عن سبب الفشل أمام الكفار في تلك المعركة، قال تعال: {أَوَلَمَّا أَصَابَتكُم مُصِيبَةٌ قَد أَصَبتُم مِثلَيهَا قُلتُم أَنَّى هَذَا قُل هُوَ مِن عِندِ أَنفُسِكُم إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165]، وفي الآيات بيان الحكمة من مقتل عدد من الصحابة، رضي الله عنهم، مع التأكيد على أن إدالة الكفار على المؤمنين لا تدل أبداً على محبة الله للظالمين، {إِن يَمسَسكُم قَرحٌ فَقَد مَسَّ القَومَ قَرحٌ مِثلُهُ وَتِلكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَينَ النَّاسِ وَلِيَعلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُم شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 140]، كما علمهم الله –تعالى- درساً عظيماً لمَّا أُصيب بعض الصحابة بالضعف والوهن عندما أشيع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قُتل، وأن الواجب الاستمرار في طاعة الله بجهاد أعدائه، ومتابعة السير في نصرة الإسلام {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَاتَ أَو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلَى أَعقَابِكُم وَمَن يَنقَلِب عَلَى عَقِبَيهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيئًا وَسَيَجزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144].وأن الموت أو القتل أصاب خيار خلق الله وهم الأنبياء والرسل، عليهم الصلاة والسلام، فلم يمنع ذلك من اتبعوهم بإحسان من الثبات على طريق الدعوة إلى توحيد الله وجهاد أعداء الله لأطرهم على الحق ودفع عدوانهم على الشريعة وأهلها ودارها {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146]، ثم يشير الله -تعالى- إلى أن النصر قادم ولن تحرموا منه رغم ما سبق من أحداث، وأن عليكم أن تقتدوا بالأنبياء وأتباعهم الذين قال الله -تعالى- عنهم: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 147 - 148]، فكأن الله -تعالى- يَعِد الصحابة بالنصر بعد غزوة أحد التي وقع فيها الابتلاء والتمحيص للمؤمنين، ويوصيهم بالصبر والإحسان في طاعته، ويذكرهم بأن يطلبوا من الله مغفرة ذنوبهم وأن ينصرهم على القوم الكافرين. ولذلك كانوا واثقين من نصر الله -عز وجل- لهم يوم الأحزاب رغم الشدة وتكالب الكفار عليهم وإحاطتهم بهم {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22].


• منهج رباني في النصيحة

إننا نحتاج إلى تتبع هذا المنهج الرباني في تذكير المجاهدين، فمن جهة نَذكر أسباب تأخر النصر، ومن جهة أخرى نُذكرهم بحِكَم الله -تعالى- الأخرى في إدالة الكفار على المؤمنين، وأن منها أن يصطفي الله -عز وجل- من المجاهدين أناساً لمنزلة الشهادة، وأن يمحِّص الله -تعالى- المؤمنين، ويستخرج منهم عبادة التذلل والاستكانة لله والتضرع إليه، ولعل منها أن يُخرج الله -تعالى- الخَبث من بيننا، ولعل منها أن الله لو نصرنا دائماً لأصابنا الأشر والبطر وطلب العلو في الأرض والركون إلى الدنيا، كما أن الله -تعالى- يحب أن يرانا صابرين ملحين عليه في الدعاء والاستغاثة به -عز وجل- خائفين من ذنوبنا أن تكون سبب هلاكنا وخسارتنا في دنيانا وآخرتنا، وأن نخاف من الوقوع في الزيغ والضلال والانتكاس بعد معرفة الحق واتباعه {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8]، ومن الحِكم أيضاً أن يُضل الله الكافرين حين يظنون أنفسهم قد انتصروا على الحق والهدى فيزدادوا إثماً وضلالاً، {ولَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران: 178]، فينتقم الله منهم، وينزل بهم بأسه ويسلِّط عليهم أولياءه الموحدين المجاهدين فيعذبهم بأيديهم.

لقد أمرنا الله -عز وجل- أن نحرض المؤمنين على القتال وعلى الصبر فيه والمصابرة والرباط على أعداء الله، ولا يصح أبداً أن نُقنط المجاهدين من رحمة الله، ولا أن نقول لهم إنكم لن تنتصروا أبداً بسبب وقوع الذنوب والأخطاء من بعضكم، فكما أنه لا يصح أن يُغَلِّب المسلم جانب الرجاء بحيث يتجرأ على معاصي الله، فكذلك لا يصح أن يُغلب العبد جانب الخوف إلى أن ييأس من عفو الله ورحمته، فكلا الطرفين مذموم وهو سبب للفتنة والضلال.

بل نقول للمجاهدين: حافظوا على إيمانكم بفعل الواجبات وترك المعاصي، فالإيمان هو سبب نصر الله لنا، مع الخوف من الله ورجاء ما عنده من الرحمة والثواب، وكونوا دوماً أذلة على إخوانكم المؤمنين أشداء على الكفار، وجاهدوا واصبروا واستغفروا الله واطلبوا عفوه ونصره، وأحسنوا ظنكم بالله -تعالى- الذي وعد المؤمنين بالنصر وبخصال أخرى جليلة، بقوله سبحانه: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 14 - 15].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 109
الخميس 19 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

صحيفة النبأ - قصة شهيد: أبو عمر القوقازي وإخوانه هاجروا معاً وسقوا بدمائهم أرض الدولة ...

صحيفة النبأ - قصة شهيد:

أبو عمر القوقازي وإخوانه

هاجروا معاً وسقوا بدمائهم أرض الدولة الإسلامية
11 أخاً جمعتهم الحياة ولم يفرقهم الموت


لم يكن أبو عمر القوقازي وإخوانه العشرة على موعد بمعركة بيجي أو الموصل أو الرقة، ولم يتوقعوا عندما غادروا أرض القوقاز قبل سنوات طويلة متجهين إلى جزيرة العرب لتلقِّي العلوم الشرعية ودراسة اللغة العربية في إحدى جامعاتها أن يسقوا بدمائهم الطاهرة أرض الخلافة.

وكما جمعتهم الأرض على وجهها سنواتٍ طويلة متحابين متآخين في الله، جمعتهم الأرض كذلك في باطنها شهداء، نحسبهم والله حسيبهم.

لقد قُتل الإخوة الأحد عشر على أرض الشام والعراق في المكان الذي طالما حلموا بالعيش فيه والموت على ثراه، لم يمض على هجرتهم عدة أشهر حتى بدأ أحدهم يلحق بالآخر إلى الرفيق الأعلى، لقد تعاهدوا على المضي في الطريق إلى نهايته وقد بلغوها، لم يشغلهم شاغل، أو يمنعهم مانع، أو يعِقهم عائق، أو يلفت وجوههم بريق.

ألقوا ما على أكتافهم من متاع وأزالوا ما في قلوبهم من وهن، شدوا عزائمهم وأزمعوا أمرهم وصححوا هدفهم وجددوا نياتهم وحددوا وجهتهم الجديدة، إنها أرض الخلافة بعد أن تزودوا من علوم الآلة والعلوم الشرعية ما يعينهم على بلوغ الهدف، وبعد أن لم يجدوا بُدّاً من تطبيق ما تعلموه من مسائل العقيدة في الولاء والبراء والحاكمية وقتال الأعداء.

لقد ارتقوا مراتب الشرف ولم يُقنعهم دون النجوم مرام، فكان هاديهم في الطريق قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28]، وكان حاديهم في المسير قول الشاعر:

إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر صغير
كطعم الموت في أمر عظيم

إذا فلتكن الهجرة إلى أرض الخلافة هي الهدف، وليكن القتل في سبيل الله هو المرام، ولتصب المحن والبلايا منهم ما تشاء، فإن سلعة الله غالية وهي تستحق العناء، وإن قدَّر الله لنا أن نُقتل ونحن في أرض الخلافة، فلنقتل ونحن في أرض الخلافة، هذا ما قاله هؤلاء الإخوة الأحد عشر قبل هجرتهم عندما حاول ثنيهم الأهل والأصحاب.

لقد كان لبعض هؤلاء الإخوة أنشطة دعوية في القوقاز وكان أغلبهم يتابع أخبار المجاهدين فيها ويناصرونهم، لم يكونوا جماعة ولكن كانوا يعرفون بعضهم البعض ويحبون الجهاد ويدعمون أهله، ثم التقوا في أرض الجزيرة أثناء طلبهم للعلم وظلوا على تواصل مع بعضهم البعض يلتقون بين الفترة والأخرى.

الصدمة هي الكلمة الوحيدة التي يمكن أن تُعبِّر عن حالة الإخوة ساعة إعلان الخلافة، وكما حدث لآلاف بل لملايين المسلمين في العالم، بدأت الأسئلة تنهال على ألسنتهم، كيف ذلك؟ من هؤلاء الذين أقدموا على أمر عظيم وكبير كهذا؟ هل هذا هو الوقت المناسب لإقامتها؟ هل؟ وهل؟ أسئلة كثيرة دارت على ألسنتهم وجالت في أذهانهم، دفعتهم إلى البحث عن الحقيقة بموضوعية وشجاعة، وبما أنهم طلاب علم فقد لجؤوا إلى الكتب والمؤلفات التي تحدثت عن ذلك، وبدؤوا بالتعرف على الدولة الإسلامية عبر ألسنة قادتها وإصداراتها، وليس عبر كلام المُغرضين الكارهين والمحاربين، والتعرف على معنى الخلافة ومفهومها الشرعي ووجوب إقامتها، ووجوب الدفاع عنها، والتهيؤ لما يمكن أن يلاقوه في ذلك.

فكان أن علموا الحق ووقفوا على الحقيقة بعد أشهر من البحث والنقاش والجدال، ووصلوا إلى نتيجة مفادها أن الدارَ دارُ إسلام وجبت الهجرة إليها، وأن الرجل الذي بايعه المسلمون إمام شرعي واجبة طاعته عليهم، وأن جنوده مجاهدون يقاتلون تحت راية صحيحة نقية، وأنه لا خيار أمامهم سوى الهجرة إلى تلك الأرض، والبيعة لذلك الإمام، والالتحاق بصف أولئك المجاهدين.

فهاجروا إلى الله وهم يعلمون أن بركة العلم في العمل به، لا في الركون إلى الدنيا بزعم التفرغ له في وقت تزداد الحاجة إلى أهله خصوصا في زمن الفتن، ولم يصدهم عن طاعة ربهم تلبيسات المنتسبين إليه من علماء السوء الذين كانوا يتحلَّقون حولهم في الجامعة، وفي المساجد، وفي حلق العلم، وهم يحسنون بهم ظنا، ويحسبونهم على خير، حتى إذا جاءت الفتن عرّت عن أولئك الضالين ما لبسوا من مُسوح العلماء العاملين، وأظهرت سوءاتهم، وأبانت حقائقهم، فإذا هم أدعياء منافقون، يقولون ما لا يفعلون، وبالدين يأكلون، وفي مرضَات الطواغيت يعملون.وكان من هؤلاء الإخوة الأبطال الذين قضوا جميعا في المعارك ضد الكفار والمرتدين وأعوانهم الطبيب المجاهد أبو عمر القوقازي صاحب السبعة والثلاثين عاما، أب لأربعة أبناء، طالب علم لا يكاد يفارق الكتاب يمينَه، لقد سبق أن سجن في بلده بتهمة صداقته لأحد المجاهدين وكانت فترة سجنه رغم قصرها كفيلة بأن تعلمه شراسة الحرب التي يخوضها إخوانه ضد الكفار والمرتدين، فقد لاقى ما لاقاه من أذى، وما إن خرج من محبسه حتى جمع حقائبه وخرج فارا بنفسه وأهله ودينه.

لقد كان مقتل أبي عمر وأحد إخوانه العشرة مثالا على التضحية والفداء، حيث ترافقا -تقبلهما الله- إلى خط الدفاع الأول عن مدينة الموصل وكان ذلك الأخ قناصا، فشاهد مدرعة للروافض المشركين قريبة من نقطة رباطهم فتناول قذيفة خارقة للدروع لقذفها باتجاه المدرعة، ودنا مسافة باتجاه الهدف وفور اقترابه أصابته طلقة بجسده فسقط، فما كان من أبي عمر -تقبله الله- إلا أن تسلل باتجاه أخيه لإنقاذه وإسعافه رغم انكشاف موقعه للروافض المشركين، وما إن وصل إليه حتى وجد أخاه قد فارق الحياة، فأخذ يسحبه حتى أصابته طلقة أردته قتيلا، فسقط فوق أخيه -تقبلهما الله تعالى-.

وكان -تقبله الله- يحلم بأن يكون قناصا يدافع عن دولته، لكنه كان يعاني من ضعف في بصره، وقبل نفيره إلى أرض الخلافة خضع لعلاج كلَّفه ما يزيد على 2000 دولار، وعندما وصل إلى أرض الدولة الإسلامية والتحق بمعسكراتها، أخبر أمير المعسكر بأنه يرغب في الالتحاق بسرايا القناصين، فلما عُرِض على الإخوة في سرايا القنص رفضوا طلبه لضعف بصره، فما كان منه إلا أن بكى وحزن على ذلك.

وكان له -تقبله الله- باعٌ في مجال تربية الأطفال لما يتحلى به من صبر وحلم وأناة وعلم وتقوى -نحسبه والله حسيبه- وكان حافظا لكتاب الله تعالى، مجيدا تجويده وترتيله، فتم فرزه لمعسكرات الأشبال فقدَّم ما يملك في هذا المجال، فكان خير أب وخير معلم وخير مربٍّ، ورغم ضيق الوقت لديه إلا أنه لم ينس حلمه في القنص فكان يتعلمه بمساعدة أحد إخوانه في أوقات فراغه، وكلما سنحت له الفرصة رابط بقناصته على الكفار والمرتدين، فخرَّج في معسكرات الأشبال رجالا سيشهد لهم التاريخ والناس، نسأل الله أن يتقبل منه ومن إخوانه، وأن يتقبلهم جميعا في جنانه.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 109
الخميس 19 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

بيت المقدس إن أولياؤه إلا المتقون ستون سنة والقدس في أيدي اليهود، ثم يتباكى الناس أن أعلنها ...

بيت المقدس إن أولياؤه إلا المتقون

ستون سنة والقدس في أيدي اليهود، ثم يتباكى الناس أن أعلنها الصليبيون اليوم عاصمة لهم، ولا يعلم المرء حقيقة هذا البكاء، أهو بكاء على أرض كانت يوما قبلة للمسلمين، وحاضرة من حواضرهم، تحوي أحد مساجدهم الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا لها، أم هو بكاء على قضية اعتادوا البكاء عند ذكرها، لكونها تختصر كل مآسيهم في عصورهم المتأخرة، أم هي فرصة جديدة للمزاودين والأدعياء ليرفعوا أصواتهم مجددا منادين بهذه القضية اليتيمة التي لم يبق طاغوت من الطواغيت وطائفة من طوائف الكفر والردة في المنطقة إلا وزعم أُبُوَّتها، وادَّعى أنه ولي الدم فيها.

بل وصل الأمر بأهل الضلال أن يجعلوا من هذه الادعاءات الفارغة ماحية لكل جرائم الطواغيت والمشركين، فكانت سلعة رائجة تاجر بها طواغيت "حزب البعث" في الشام والعراق، وطواغيت الرافضة في إيران ولبنان، وطواغيت أحزاب الردة المنتسبة إلى الإسلام في كل مكان، بل كانت بالنسبة إليهم نوعا من المخدّرات التي يحقنون بها أتباعهم وعبيدهم، وسدا منيعا في وجه كل دعوة إلى الإصلاح.

وأطلقوا شعاراتهم المبتدعة، من قبيل "القدس قضية المسلمين الأولى"، الذي قصدوا منه أن لا أمل في تحقيق أي مطلب من مطالبهم قبل أن "تتحرر" القدس، فلا تحكيم للشريعة قبل أن تُخلَّص المدينة من أيدي اليهود، ولا جهاد ضد أيٍّ من أصناف الكفار والمرتدين حتى يعود المسجد الأقصى إلى أيدي المسلمين.

ومنهم من عدَّل ذلك الشعار ليكون "القدس قضية المسلمين المركزية"، قاصدا بذلك أن يجعلها مغناطيسا لجذب الأنصار والأتباع، فإن دعا إلى إقامة الدين جعل الغاية من ذلك "تحرير القدس"، وإن طالب بإعادة الخلافة كان هدفه من ذلك حشد المسلمين لمعركة "فتح القدس"، وإن نادى بتحكيم الشريعة سارع إلى الإعلان أن ذلك سيساعد في "استعادة الأقصى السليب"، ولا نعرف بماذا كانوا سيبرِّرون دعواتهم لو استفاقوا يوما ليجدوا القدس عاصمة للسلطة الفلسطينية المرتدة أو حكومة حماس الطاغوتية.

بل وصل الأمر بالضالين المضلِّين أن ينكروا على كل مجاهد في الأرض، ويطعنوا في جهاده للمشركين، وطاعته لأمر رب العالمين، متهمين إياه أنه بجهاده يصرف الأنظار عن "معركة القدس" التي يجب أن لا تتوجه الأنظار إلا إليها، ويحرف فوهة البندقية عن اليهود الذين يحرم توجيه البنادق إلى غير صدورهم، وردَّ الكثير من أهل الجهاد على هذه الشبهات، وبينوا للناس أن فتح القدس لا يمكن أن يتحقَّق وجيوش الطواغيت تحيط بها إحاطة السوار بالمعصم، وهي تحمي اليهود من ضربات المجاهدين، وتمنع المسلمين من مجرد التفكير في فتح جبهة مع المشركين في بيت المقدس وأكنافه.

لكن أهل الحق الربانيين لا يمكن أن تنطلي عليهم مزاودات الكاذبين، ولا أراجيف المنافقين، فميزانهم في كل أمر هو شريعة رب العالمين، وأحكامهم على الطوائف والأعيان مصدرها الكتاب المبين، فلا يرتفع حكم الكفر عن فرد أو طائفة مهما علا صراخه مناديا بـ "تحرير القدس" حتى يتوب من كفره بالله العظيم ويكون كسائر المسلمين، ولا يتوقف الجهاد المتعيِّن في أرض من الأرضين انتظارا لفتح أرض غيرها، ولا ضد صنف من المشركين تعللا بقتاله لليهود المحاربين، وهم في جهادهم مستمرون حتى يقيموا حكم الله -تعالى- في القدس وغيرها من البلاد، ويزيلوا الشرك عن كل أرض تشرق عليها الشمس، ويغشاها الليل.

يرون أن كل خطوة لهم في مسيرة جهادهم تقربهم أكثر من موعود الله لهم بقتال اليهود في بيت المقدس، وقتلهم على أرضها، حتى يقتل عبدُ الله عيسى بن مريم -عليه السلام- دجالَهم، ولا شك أن ذلك كله لا يكون إلا للطائفة المنصورة من الموحدين، الذين صبروا على الفتن، وثبتوا في الملاحم، ولم يضرهم من خالفهم، ولا من خذلهم، حتى أتاهم أمر ربهم -سبحانه وتعالى- وهم على ذلك.

ورجال هذه الطائفة المتقون هم أولياء بيت المقدس وأهله من المسلمين، وهم أولياء المسجد الأقصى، لا الطواغيت، ولا عبيدهم المشركون، ولا العلمانيون والديموقراطيون وإخوانهم المرتدون، الذين يصدون عن سبيل الله، ويحاربون شريعة الله، وأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا، كما قال الله جل وعلا: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُہُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الأنفال: 34].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 109
الخميس 19 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء عن جابر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلَّى الله عليه ...

أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء

عن جابر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- قبل موته بثلاث، يقول: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل، فإن قوما أرداهم سوء ظنهم بالله -عز وجل- فقال لهم: {وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ}[فصلت: 23]) [رواه مسلم].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يقول الله عز وجل : أنا عند ظن عبدي بي..) [رواه مسلم]

أخي المجاهد، انزع من قلبك الهم والحزن واستعن بمولاك وأحسن الظن به، فهو لا يَرُدُّ من استجار به، ولا يُبعد من تقرب إليه، فكم أزال عنك شدة، وكم دفع عنك مكروها.

هو الذي خلقك ورزقك وربَّاك وعدلك، رزقك وأنت في رحم أمك، وأجرى لك اللبن سائغا دافئا فور خروجك، وما زال يطعمك ويسقيك ويكسوك ويشفيك ويحميك.

ربَّاك وعلَّمك وحفظ عليك سمعك وبصرك، ومنَّ عليك بكل ما تمتعت به من نعم وأولها أن أوجدك، ثم هداك، ثم اصطفاك، هداك للإسلام، واصطفاك لقتال أعدائه، فكم أنت محظوظ أن جعلك أحد جنوده، ولست أحد جنود الطواغيت، فأنت -أخي- على خير عظيم ما التزمت تقاه ولزمت طريقه.

تذكر دائما -أخي- أن الله رحمن رحيم، وأنك تردد هاتين الصفتين في اليوم والليلة بضع عشرة مرة في صلاتك المفروضة وتكررهما في البسملة، فحاشا للرحمن الذي هو أرحم بك من أمك أن يتخلى عنك فأحسن الظن به تفلح.

رُوي أن حماد بن سلمة عاد سفيان الثوري، فقال له: يا أبا سلمة أترى الله يغفر لمثلي؟ فقال حماد: والله لو خُيِّرت بين محاسبة الله إياي وبين محاسبة أبوَي، لاخترت محاسبة الله على محاسبة أبوَي، وذلك أن الله أرحم بي من أبوَي.

فلتكن -أخي- عالي الهمة شديد التعلُّق بالله والتوكل عليه، فإن حسن الظن بالله باب من أبواب التوكل عليه والاعتماد عليه، فلن تستطيع التوكل على الله ما لم تُحسن الظن به.

عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: لله أرحم بعبده يوم يأتيه أو يوم يلقاه من أم واحد فرشت له بأرض فيء ثم قامت فلمست فراشه بيدها، فإن كان به شوكة كانت بها قبله، وإن كانت لدغة كانت بها قبله.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 109
الخميس 19 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

تعلموا أمر دينكم • صفة الكفر بالطاغوت تكون بـ: ➊ - اعتقاد بطلانها. ➋ - تركها والتبرؤ منها. ➌ ...

تعلموا أمر دينكم

• صفة الكفر بالطاغوت تكون بـ:
➊ - اعتقاد بطلانها.
➋ - تركها والتبرؤ منها.
➌ - بغضها وعداوتها.
➍ - تكفير أهلها.
➎ - معاداتهم في الله.

والدليل قوله تعالى: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ۖ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [الممتحنة: ٤]

إذاً فمن لم يحقق هذه الصفة لم يكن مؤمناً بالله كافرا بالطاغوت، بل العكس، لأن الإيمان بالطاغوت والإيمان بالله ضدان لا يجتمعان في قلب إنسان أبدا، إذ لا يمكن أن يوصف الشخص بأنه مشرك وموحد في نفس الوقت، بل لا بد له من أحد الوصفين لا محالة، إذ لا ثالث لهما، لقوله تعالى: { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ } وقوله: { إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا }

فهذا الطاغوت الذي أمرنا أن نكفر به ونجتنبه، وهذه عبادته التي نهينا عنها وأمرنا بتركها وتكفير أهلها ومعاداتهم.

- كتاب تعلموا أمر دينكم صادر عن ديوان الدعوة والمساجد / سلسلة (4)
...المزيد

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (2) تحدثنا في العدد السابق -بحمد الله تعالى- عن بعض الضوابط في ...

وقفات عند أحاديث الفتن والملاحم (2)

تحدثنا في العدد السابق -بحمد الله تعالى- عن بعض الضوابط في مسألة التعامل مع أخبار الفتن والملاحم التي تقع في آخر الزمان، وخاصة ما ورد منها في صحاح الأحاديث النبوية.

وبيّنا وجوب الإيمان بكل خبر ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية، بما فيها أخبار الفتن والملاحم التي هي من أنباء الغيب، مع التأكيد على التثبت من صحة نسبة هذه الأخبار إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصحة تأويل هذه الأخبار الواردة في الوحيين، وعدم الالتفات إلى الأخبار المكذوبة والتأويلات الباطلة.

وكما يتفاضل الناس إزاء أي من واجبات الإيمان، فإنهم يتفاضلون أيضا في مواقفهم من هذا الواجب، وهو الإيمان بأخبار المرسلين، التي منها ما أخبروا عنه من فتن آخر الزمان وأشراط الساعة، فهُم بين مؤمن بها حق الإيمان، وبين ناقصٍ إيمانه بها لمرض في قلبه، وبين جاحد لها أشد الجحود، ومنافق يظهر الإيمان، ويطعن فيه من جوانب يظنها تخفى على المؤمنين.

ولنا في كتاب الله وسيرة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- الكثير من النماذج التي توضح اختلاف مواقف الناس من أخبار المرسلين.


• الكافرون: فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ

فقد أوحى الله تعالى إلى عبده نوح -عليه السلام- شيئا من الغيب في مصير من كفر من قومه، وأمره بصناعة الفلك لتجنيب الذين آمنوا ما سيصيب المشركين من العذاب، ولكن الذين كفروا بكل ما أنبأهم نبيهم من أمر الغيب لم يكونوا ليؤمنوا بما بلغهم من أمر العذاب الذي قدّره الله عليهم، فسخروا من نوح وما يعدهم به من العذاب، وطالبوه أن يستعجل لهم ما يعدهم به، حتى حاق بهم ما كانوا به يستهزؤون، في الوقت الذي كان نبي الله موقنا بوعد ربه له، ويتوعد به الكفار أنهم مصيبهم ما وعدهم ربهم لا محالة، قال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ * وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [هود: 36-39].

وهذا المشهد نجده يتكرر في كثير من قصص الأنبياء مع الكافرين من أقوامهم، تكذيب لهذه الوعود، وسخرية منها، حتى وهم متيقنون من صدق أنبياءهم، كما كان حال كفار قريش مع الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ومن ذلك ما رواه عمرو بن العاص -رضي الله عنه- من اعتداء قومه على النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة، فلما أكثروا من أذاه، توعَّدهم بما يسوؤهم، وهو في حال استضعاف منهم، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (تسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفس محمد بيده، لقد جئتكم بالذبح)، فأخذت القوم كلمته، حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع، حتى إن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول، حتى إنه ليقول: "انصرف يا أبا القاسم، انصرف راشدا، فوالله ما كنت جهولا"، ثم عادوا إلى إيذائه في اليوم التالي، رغم ما وجدوه في أنفسهم من رهبة له عندما توعدهم.


• المنافقون: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا

وكذلك نجد في مواقف المنافقين محاولات للطعن في صدق دعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من خلال التشكيك فيما أخبر المسلمينَ به من بشائر وهم في أحلك الظروف، ليثبتهم بها، ويربط على قلوبهم، فاستغل المنافقون الضعف الذي مرَّ به المسلمون، ليشككوهم في صدقه -عليه الصلاة والسلام-، إذ يبشّرهم بفتح الله لهم مشارق الأرض ومغاربها، وهم يخشون أن يدخل عليهم عدوهم في أي لحظة، فيستبيح بيضاءهم ويستأصل شأفتهم.

فقد روى الإمام أبو جعفر الطبري -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب: 12]، عن قتادة قوله: "قال ذلك أُناس من المنافقين، قد كان محمد يعدنا فتح فارس والروم، وقد حُصرنا هاهنا، حتى ما يستطيع أحدنا أن يبرز لحاجته، ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا" [جامع البيان في تأويل القرآن].• الظالمون: اذهب أنت وربك فقاتلا

وهذا المرض، وهو عدم تصديق أخبار الأنبياء والمرسلين، قد لا يتجلى في الإنكار القولي، ولكنه يظهر أحيانا بصورة التولي العملي عن تنفيذ الأحكام التي قد ترتبط بهذه الأخبار، كما كان حال بني إسرائيل مع إخبار نبيهم موسى -عليه السلام- لهم بأن الله قد جعل لهم الأرض المقدسة، وأمرهم فقط أن يدخلوها فينصرهم الله على عدوهم ويورثهم الأرض التي بأيديهم، وهذا ما فقِهَه أولوا الإيمان من بني إسرائيل، فقالوا: {ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23].

فكان جواب الظالمين التشكيك في هذا الوعد من خلال امتناعهم عن تنفيذ أمر الله لهم بدخول تلك الأرض، بحجة أن فيها قوما جبارين يمنعون من تحقيق موعود الله تعالى لهم، كما قال تعالى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} [المائدة: 21-22].

فكان عقوبة فعلهم هذا أن حرَّمها الله عليهم أربعين سنة، ثم صدق وعده مع بني إسرائيل بأن أدخلهم هذه الأرض التي كتبها لهم، كما قال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الأعراف: 137]، وذلك بعد أن خرج منهم من صدّق موعود الله وأطاع أمره سبحانه، وما كان الله ليُخلف وعده، وإن استبطأ الناس تحقيقه، قال تعالى: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [إبراهيم: 47].


• المؤمنون: هذا ما وعدنا الله ورسوله

أما أهل الإيمان فإنهم يصدقون موعودَ الله، ويزدادون إيمانا بما يجدونه في واقعهم من حدوث ما آمنوا به سابقا من أخبار جاءتهم عن طريق الوحي، حتى لو كانت تلك الأخبار تتضمن ابتلاءات سيجدونها في طريقهم قبل أن يأتيهم نصر الله، كما كان موقفهم من قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]، إذ وجدوا مصداقا لها في ذات الموقف الذي أظهر المنافقون فيه كفرهم، وهو الشدة التي أصابتهم يوم الأحزاب، فازدادوا بذلك تصديقا لكلام الله ورسوله، وازدادوا بذلك إيمانا.

قال الإمام أبو محمد البغوي رحمه الله: "فالآية تتضمن أن المؤمنين يلحقهم مثل ذلك البلاء، فلما رأوا الأحزاب وما أصابهم من الشدة قالوا: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22] أي: تصديقا لله وتسليما لأمر الله" [معالم التنزيل في تفسير القرآن].

وهذا التصديق رافقه عمل صالح هو الثبات أمام الأحزاب، والصبر على الشدة والحرب حتى فصل الله بينهم وبين القوم المشركين، وكان فرحهم بتحقق موعود الله تعالى لهم بالنصر يرافقه فرح آخر ببشرى جديدة ألقاها إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، تتعلق بانقلاب كلي في مسار الحرب بين المسلمين ومشركي قريش، بقوله: (نغزوهم ولا يغزوننا) [رواه البخاري]، فلا زالوا مصدّقين لذلك حتى فتح الله عليهم مكة عقر دار المشركين يومئذ.

وهكذا هم المتّقون في كل زمان، يؤمنون بالغيب، الذي منه ما جاءهم من أنباء ما يأتي من الأيام، ويؤمنون بكل ما أنزل إلى أنبيائهم، ومنه ما أوحي إليهم من أخبار آخر الزمان، ويوقنون بالآخرة وبالساعة، التي يبعث فيها الناس من قبورهم، ويُنشرون لحسابهم، ويؤمنون بما جاءهم من أشراطها، التي لا تقوم إلا بعد حدوثها، كما قال تعالى فيهم: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 2-5].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 108
الخميس 12 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

لقد كان في قصصهم عبرة (3) • ذو القرنين رحمه الله لقد أنزل الله سبحانه القرآن العظيم على ...

لقد كان في قصصهم عبرة (3)

• ذو القرنين رحمه الله

لقد أنزل الله سبحانه القرآن العظيم على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وقد تضمن آيات الأحكام والقصص والعبر والأمثال لتكون منارا للموحدين السائرين إلى ربهم، ومن القصص التي ينبغي أن نقف عندها ونستقي منها العلم النافع ونحن نسير على طريق الموحدين الغزاة في سبيل الله هي قصة ذي القرنين.

ذلك الملك الصالح الغازي في سبيل الله الذي بلغ مشارق الأرض ومغاربها فاتحا داعيا إلى الله تعالى بالسيف واللسان، وهذا ما يحتاجه المجاهدون اليوم وهم يسيرون على خطى ذلك الملك الصالح في بلوغ الوعد الإلهي وظهور هذه الأمة في هذا الزمان على العالمين، فإن الله تعالى أعطى ذا القرنين من كل شيء سببا، أي إن الله تبارك وتعالى أراد له التمكين في الأرض فأعطاه من كل العلوم والخبرات لتكون له سببا في سعيه وغزوه في سبيل الله ومواجهة أمم الكفر في وقته، قال الإمام البغوي في تفسيره: "أعطيناه من كل شيء يحتاج إليه الخلق، وقيل: من كل ما يستعين به الملوك على فتح المدن ومحاربة الأعداء، {سببا} أي: علما يتسبب به إلى كل ما يريد ويسير به في أقطار الأرض، والسبب: ما يوصل الشيء إلى الشيء".

وحينها أخبرنا الله تعالى أنه {اتبع سببا}، أي سار في منازل الأرض ومعالمها وطرقها، فبلغ مغرب الشمس ووجد في تلك البلاد البعيدة أمة عظيمة من الأمم الكافرة، فألهمه الله أن يفعل فيهم أحد أمرين إما أن يعذبهم بالقتل إن لم يقبلوا التوحيد أو أن يتخذ فيهم حسنا قيل: أي أن يأسرهم ويعلمهم الهدى، وبعد أن أظفره الله بهم كان حكمه فيهم: {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} [الكهف: 87-88]، فأخبرنا الله تعالى عن سيرته في الأقوام الكافرين، فمن أصر منهم وعاند فإن جزاءه التعذيب الدنيوي بيد ذي القرنين وهو القتل، ثم يرد إلى ربه سبحانه فيعذبه العذاب الأنكر من القتل وهو العذاب بنار جهنم.

وهكذا يسير كل موحد مجاهد في من ظلم وتعدى على حق الله وعبد غيره، فإن الشرك أعظم الظلم، ومن تعدى على حق الله وعبَد غيره فإن جزاءه العذاب بأيدي الموحدين، قال الله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 14]، وأما من آمن وعمل صالحا فله الحسنى عند ربه وهي الجنة، وأما عند ذي القرنين فإنه سيجد منه اللين والمعاملة الطيبة، معاملة المسلم لأخيه المسلم، فمنهج ذي القرنين يعتمد على أخوة الدين مهما اختلفت الأعراق والأجناس، فمن أسلم وعبَد الله وكفر بالمعبودات الباطلة فهو وليه وأخوه.

وتستمر رحلة الملك الغازي في سبيل الله سيرا في طرق الأرض ومعالمها حتى بلغ مطلع الشمس فوجد فيها قوما ليس لهم بنيان يسترهم عنها، فسار فيهم مسيرة من قبلهم في المعاملة الرشيدة، ثم سار في مسلك آخر حتى وصل بين السدين أي الجبلين حيث يخرج من بينهما قوم يأجوج ومأجوج ليشنوا غاراتهم، وهم قوم مفسدون ظالمون باغون، وكان خارج السد أقوام في عزلة عن الناس، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "لا يفهمون كلام أحد ولا يفهم الناس كلامهم"، ولكن الله تعالى آتى ذا القرنين من كل شيء سببا، فجاءه المترجم ليسمع منه مُراد أولئك القوم الذين عانوا من فساد وشر يأجوج ومأجوج ، فوجدوا في ذي القرنين الرجل الصالح الذي يريد إصلاح الأرض بالتوحيد والسير بين الناس بالعدل ورفع الظلم، {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} [الكهف: 94].

وسياق الآية يدل على أن هؤلاء الأقوام المنعزلين عن محيطهم كانوا أيضا يملكون المال ولكنهم لم يستطيعوا توظيف جهدهم لمواجهة خطر يأجوج ومأجوج، فعرضوا على ذي القرنين أن يعطوه المال مقابل أن يبني لهم سدا يكف به شر يأجوج ومأجوج الذين أهلكوا الحرث والنسل، ولكن ذا القرنين عرض عليهم عرضا مغايرا، فأخبرهم أنه ليس بحاجة إلى أموالهم ولكن يحتاج جهدهم البشري، فكان جوابه يفيض بالاعتراف بنعمة الله تعالى ونسبة الفضل إليه والتعفف عن أموال الغير، قال الإمام ابن كثير في تفسيره: "فقال ذو القرنين بعفة وديانة وصلاح وقصد للخير: {مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} أي: إن الذي أعطاني الله من الملك والتمكين خير لي من الذي تجمعونه، كما قال سليمان عليه السلام: {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} [النَّمْلِ: 36] وهكذا قال ذو القرنين: الذي أنا فيه خير من الذي تبذلونه، ولكن ساعدوني {بِقُوَّةٍ} أي: بعملكم وآلات البناء".وعندما تهيأت آلات البناء واستعد الناس للعمل، قام ذو القرنين باستخدام ما حباه الله به من أسباب النجاح فقال، {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف: 96]، أي إن ذا القرنين جمع قطع الحديد ورتبها حتى بلغ بها رؤوس الجبلين، ثم أجج فيها النار ثم أفرغ في الحديد المذاب نحاسا حتى يكون السد صلبا لا يمكن ثقبه، {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}، ولأن الظهور من فوق السد أسهل من نقبه، جاءت الأولى بالتخفيف بدون تاء {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} وجاءت الثانية بالتاء للتعبير عن استحالة إحداث نقب فيه {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}.

ثم قال ذو القرنين بعد اكتمال بناء السد معترفا مرة أخرى بنعمة الله عليه ورادا الفضل إليه: {هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي}، وهكذا ينبغي لكل مجاهد غاز في سبيل الله أن يرد الفضل لله سبحانه في كل أحواله مهما بذل وتعب ومهما جنى من النتائج المفرحة التي يحبها ويرجوها من المغنم والفتح والتمكين والظهور على الكفار، فإن ذلك كله بفضل الله ورحمته، وقد ذكر الله قول عبده الملك الصالح لنقتديَ به ونعتبر، فمن شكر نعمة الله زاده الله من فضله ورحمته.

أما هؤلاء القوم المفسدون فلا يزالون يحفرون حتى يأذن الله عز وجل بخروجهم وذلك حين يسوي الله تعالى السد بالأرض فيدكه دكا، وقد أعطى الله تعالى ذا القرنين العلم بهذا حين قال: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا}، قال الإمام الطبري -رحمه الله- في تفسيره: "فإذا جاء وعد ربي الذي جعله ميقاتا لظهور هذه الأمة وخروجها من وراء هذا الردم لهم، جعله دكاء، يقول: سوَّاه بالأرض، فألزقه بها، وكان وعد ربي الذي وعد خلقه في دك هذا الردم، وخروج هؤلاء القوم على الناس، وعيثهم فيه، وغير ذلك من وعده حقا، لأنه لا يخلف الميعاد فلا يقع غير ما وعد أنه كائن".

فهذه قصة عبد صالح من عبيد الله تعالى، مكن له في الأرض، فحمد الله على هذه النعمة بإقامة دينه، والسعي في إخضاع الناس لحكمه، وجهاد المشركين في سبيله، واتخذ في ذلك كل ما مكنه الله من وسائل القوة المادية التي استعان بها على أعداء الله تعالى، وحري على كل مسلم أن يستن بسنة هذا العبد الصالح، الذي أثنى عليه ربه، وقص قصته على عبيده ليتأسوا به.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 108
الخميس 12 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 108 - قصة شهيد: دعا إلى الله بقوله، وقاتل أعداءه بفعله أبو سليمان الليبي: ...

صحيفة النبأ العدد 108 - قصة شهيد:

دعا إلى الله بقوله، وقاتل أعداءه بفعله
أبو سليمان الليبي:
"لقد عاهدت الله على رصاصة تدخل من هنا وتخرج من هنا"


إن الدعوة إلى الله هدي الأنبياء، وسبيل الصالحين والأتقياء، قال سبحانه وتعالى مخاطبا نبيه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125]، وللدعوة طريقان، طريق السنان وطريق اللسان، وأكمل أسلوب للدعوة هو الجمع بين الطريقين، وقد تجسَّد ذلك كله بأخلاق النبي العدنان صلى الله عليه وسلم، وسار على هديه الصحابة والتابعون الكرام، فقد كانوا دعاة لله بأفعالهم قبل أقوالهم.

وممن نحسبه كذلك -والله حسيبه- الأخ المجاهد أبو سليمان الليبي -تقبله الله- فلقد كان -رحمه الله- مثلا في الدعوة إلى الله بفعله وقوله، حيث كان طالب علم على صغر سنِّه الذي لم يتجاوز الرابعة والعشرين، وقد كان حافظا لكتاب الله، ولآلاف من الأحاديث النبوية الصحيحة، وكان له باع في علوم الآلة.

ولم يكن -تقبله الله- ممن حفظ المتون والكتب وتجاهل العمل بها، بل كان علمه قائدا له في جميع شؤون حياته، فكان قوّاما بالليل صواما بالنهار، عابدا لله على بصيرة، مجاهدا ذو أخلاق كريمة رفيعة.

لم تمنعه الدنيا من الالتحاق بجندية الخلافة
ينحدر أبو سليمان الليبي -تقبله الله- من عائلة ثرية من مدينة بنغازي، فلم يكن ينقصه المال كي يطلبه عبر الغزوات أو القتال، ولم تكن تنقصه الشهرة كي يطلبها عن طريق الالتحاق بصفوف الدولة الإسلامية وجنديتها، لم يرض القعود ودماءُ المسلمين تسيل، وأعراضهم تنتهك، فشمَّر عن ساعد الجد، وتسلَّح بالإيمان وتوكل على الله، وأدرك يقينا حقيقة الضر والنفع، التي لخَّصها رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- بقوله لابن عباس -رضي الله عنه- عندما كان يافعا: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) [سنن الترمذي].

كان حريصا على طلب العلم وتعلمه، وكان أكثر ما يحرص على علم المواريث، ولم يكن طلبه للعلم يصدُّه عن الجهاد في سبيل الله، بل كان من السباقين للقتال في ليبيا منذ اندلعت شرارة الجهاد فيها، وأُصيب -تقبله الله- في إحدى المعارك هناك خلال قتاله ضد المرتدين أعوان الصليبيين الأمريكان.

ولما منّ الله على عباده المجاهدين بإعلان الخلافة، سارع بإعلان بيعته لخليفة المسلمين وحثَّ إخوانه هناك على اللحاق بركب الخلافة، خاصة وأنه وجد في إعلانها في ذلك الوقت فرصة ذهبية لجمع شتات الأمة بعد تبعثرها ولإحيائها بعد موتها بمئات السنين، ففرح أشد الفرح لإعلانها وبدأ ينشط نشاطا كبيرا لإقناع إخوانه بالالتحاق بركبها.


• ابتعاثه إلى أرض الشام

فانتدبه إخوانه للهجرة إلى أرض الشام مبتعثا من قبلهم للتواصل مع الأمراء، وإخبارهم عن حال إخوانهم في ليبيا وإطلاعهم على منهجهم وعقيدتهم، فانطلق أبو سليمان قاصدا أرض الشام، فالتقى بإخوانه من الأمراء ورفع لهم أمر إخوانه في ليبيا، فرحبوا به وبإخوانه بعد أن تأكدوا من صحة منهجهم، وقوة عزيمتهم، وقام بدوره -تقبله الله- بنقل ما رآه في أرض العراق والشام لإخوانه في ليبيا مشجعا ومحرضا لهم على البيعة، فبايع الإخوة هناك.

وبعد فترة وجيزة من وصوله لأرض الشام، عُين -تقبله الله- الشرعي العام لولاية حمص وأميرا للمراكز الشرعية فيها، فأحبه الإخوة حبا شديدا لما رأوا من طيب أخلاقه وحسن إدارته، وما زادته تلك التكليفات إلا انكسارا لربه وتواضعا لإخوانه الذين وُلِّي أمرهم.

واستمر الشيخ -رحمه الله- في طلب العلم والجهاد في سبيل الله حتى بعد تكليفه بمهام كثيرة منها خدمة إخوانه، فكان يدير شؤونهم في النهار ويسهر على طلب العلم في الليل، وإذا ما نادى منادي الجهاد والقتال تراه في الصفوف الأولى بجنب إخوانه المقاتلين في المعارك يحرض ويقاتل، وكأن لسان حاله ما قاله ابن حزم:

مناي من الدنيا علوم أبثها
وأنشرها في كل باد وحاضر

دعاء إلى القرآن والسنن التي
تناسى رجال ذكرها في المحاضر

وألزم أطراف الثغور مجاهدا
إذا هيعة قامت فأول نافر

لألقى حمامي مقبلا غير مدبر
بسمر العوالي والربيع البواتر

فيا رب لا تجعل حمامي بغيرها
ولا تجعلني من قطين المقابر

لم يغفل -رحمه الله- عن العمل بما تعلمه من خلق نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فلقد كان لينا رحيما بإخوانه المجاهدين، يؤثرهم على نفسه حتى في أموره الخاصة، وكانوا لا يسمعون منه إلا طيب الكلام ولا يرون منه إلا حسن المعاملة، ولقد صدق من قال عنه أنه كان مدرسة بفعله وأخلاقه وتعامله مع إخوانه.• مقتله -تقبله الله-

ولقد كان لمقتله –تقبله الله- أثر كبير في نفوس إخوانه لا يمحى، فلقد كان مقتله علامة على صدقه -نحسبه والله حسيبه-، صدق الله عز وجل فصدقه الله، وما أشبه مقتله بمقتل ذلك الصحابي الكريم الذي قال عندما وصله نصيبه من الغنائم: "ما على هذا بايعتك يا رسول الله، بايعتك على سهم يدخل من هنا ويخرج من هنا، بايعتك على أن أقتل في سبيل الله"، وما هي إلا أن دارت رحى الحرب حتى تفقد الصحابة الكرام الصحابي فرأوا السهم وقد اخترق رقبته كما أشار.

وهنا مع أخينا أبي سليمان الليبي حصل الشيء نفسه، حيث ينقل لنا أحد إخوانه الذين كانوا مع في آخر غزوة خاضها -رحمه الله- ما حدث فيقول: ركب أخونا أبو سليمان معنا في عربة BMP لينغمس في حاجز للجيش النصيري في محيط المحطة الثالثة بولاية حمص شرق مدينة تدمر، فأصيب بطلق ناري وبدأ ينزف دما فيغمى عليه ويفيق، فقال له الأخوة: ارجع يا شيخ لن تستطيع مواصلة القتال معنا فلقد أُصبت، فقال: "لا والله لا أرجع"، فلما أعاد عليه إخوانه طلب الرجوع وألحوا عليه قال: "لا والله لا أرجع ولقد عاهدت الله على رصاصة تدخل من هنا وتخرج من هنا وأشار إلى جبهته ومؤخرة رأسه"، وما هي إلا دقائق قليلة حيث رفع رأسه فجاءته رصاصة أصابت جبهته بالمكان الذي أشار إليه فارتقى -تقبله الله- شهيدا كما نحسبه.

رحمك الله أبا سليمان، لقد كنت نعم الأخ ونعم الرفيق ونعم الأمير ونعم المعلم، وأسكنك الله فسيح جنانه.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 108
الخميس 12 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

إن اللَّه بريء من المشركين ورسولُه إن مجادلة أهل الضلال للمؤمنين لصدهم عن بعض دينهم أو كله ...

إن اللَّه بريء من المشركين ورسولُه


إن مجادلة أهل الضلال للمؤمنين لصدهم عن بعض دينهم أو كله سنّة مستمرة لا تنقطع ما دام هناك إيمان وكفر على هذه الأرض، ولن يتوقف الطواغيت عن هذه المجادلة حتى يجعلوا الناس عبيدا لهم من دون الله، يطيعونهم في معصية الله سبحانه، ويتبعونهم على غير هدى أو كتاب مبين.

ولا زلنا نرى بعض من يزعم الإسلام يجادل المجاهدين في قتال بعض طوائف الشرك أو كلها، فبعد الغزو الأمريكي للعراق وما فتح الله به على الموحدين من تنكيل في الصليبيين، وجدنا التأييد الكبير من مختلف الطوائف لأهل الجهاد جزاء على ما يفعلونه من صد لعادية المحتلين لبلاد المسلمين.

فلما وجدوا أن المجاهدين لا يقتصرون في جهادهم على الكافر المحارب فحسب، وإنما يشملون به طوائف الكفر كلها سواء كان كفرها أصليا أو طارئا، رأينا كيف بدأ الكثير من المصفقين ينفضّون عن أهل التوحيد، ويعادونهم وينعتونهم بأبشع الأوصاف، بل ويعينون الصليبيين المحتلين عليهم، وسمعنا بعضهم يشترط على المجاهدين أن يكون القتال لأمريكا وجنودها فقط، دون أوليائها من مرتدي الشرطة والجيش، فضلا عن بقية أصناف المرتدين، كالروافض والديموقراطيين وغيرهم.

كما وجدنا تكرارا لهذا الأمر في الشام، إذ كنا ولا زلنا نرى مختلف الطوائف من الناس تفرح أشد الفرح عندما يرون جنود الدولة الإسلامية يقيمون حكم الله في الروافض والنصيرية ذبحا وتقتيلا، ثم إذا رأوا حكم الله يقام على مرتدي الصحوات أو غيرهم من طوائف الردة إذا هم يستنكرون.

وتجد هؤلاء الضالين المضلين يجادلون عن المشركين المرتدين، ويعصمون دماءهم التي أباحها الله تعالى بسبب كفرهم به سبحانه، بعبارات مختلقة ما أنزل الله بها من سلطان، من قبيل "حرمة الدم العراقي"، و"حرمة دماء الثوار"، وغيرها من العبارات التي يحرمون بها ما شاؤوا ويبيحون بها ما شاؤوا من دين الله عز وجل.
ولا شك أن القصة ذاتها مكررة في مصر، وسيناء، وخراسان، وليبيا، واليمن، والصومال، والقوقاز، وشرق آسيا، وغيرها من الأصقاع والبلدان التي يجاهد فيها جنود الخلافة أعداء الله بمختلف مللهم ونحلهم.

وإن المجاهد الموحد لله عز وجل، الكافر بالطواغيت، لا يمكن أن يلتفت إلى شيء من هذا، إذ مرجعه في أمره كله كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فإباحة الدماء وتحريمها من الله عز وجل وحده، أما مسألة تقديم قتال صنف من المشركين، أو تأخير قتال آخر، بحسب درجة ضررهم على المسلمين، أو بحسب قوة المسلمين، فيطيع في ذلك إمامه، وليس ذلك من تحريم الحلال أو تحليل الحرام في شيء، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].

بل على المسلم عموما أن يحذر على دينه من طاعة المشركين في أي أمر فيه مخالفة لأمر ربه عز وجل، حذار أن يصير من المشركين، كما قال ربه جل وعلا: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121]، فيحذر كل الحذر من استباحة دم معصوم، أو تحريم دم مباح، خوفا من الناس أو إرضاء لهم، أو طمعا في نصرتهم، ويكون من الذين قال الله تعالى فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} [محمد: 25-26].

فيا جنود الخلافة، امضوا على بركة الله، قاتلوا أعداء الله، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، قاتلوا المشركين بكل طوائفهم حتى يكفروا بما يعبدون من دون الله، ويؤمنوا بالله وحده، كما أمركم ربكم: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 5].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 108
الخميس 12 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

أخي المجاهد فِرَّ إلى الله إذا نزل بك الكرب واشتد حولك الخطب وأحاطت بك المُلمات وجهدت في ...

أخي المجاهد فِرَّ إلى الله


إذا نزل بك الكرب واشتد حولك الخطب وأحاطت بك المُلمات وجهدت في البحث عن طريق للنجاة، فاعلم -أخي- أن الطريق هو الفرار إلى الله ربِّ الأرض والسماوات،خالق الليل والنهار، من هو كل يوم في شأن.

نعم فِرَّ إلى الله، فهو من قدَّر الأقدار، وهو من يجيب المضطر إذا دعاه، ومن أقوى منه تلجأ إليه؟! أو أشد بأسا تحتمي بحماه؟!

فِرَّ إلى الله بالتضرع إليه والانكسار بين يديه، فِرَّ إليه بالصلاة والذكر، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عند الكرب: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم)، وأمرك ربك بالاستعانة بالصلاة فقال: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45].

فِرًّ إليه بالتوبة والاستغفار مما بدر منك في حقه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33].

فِرَّ إليه باتباع أمره، والانتهاء عن نهيه، بالثبات والصبر على دينك وجهادك، والأخذ بالأسباب، واليقين بصدق وعده، قال تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات: 50].

قال ابن قيم الجوزية رحمه الله: "فإذا فرَّ العبد إلى الله فإنما يفر من شيء، إلى شيء وُجد بمشيئة الله وقدره، فهو في الحقيقة فارٌّ من الله إليه، ومن تصور هذا حق تصوُّره فهم معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وأعوذ بك منك) [صحيح مسلم]، وقوله: (لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ) [رواه الشيخان]، فإنه ليس في الوجود شئ يُفرُّ منه ويستعاذ منه ويلجأ منه إلا هو مِن الله خلقاً وإبداعا، فالفارُّ والمستعيذ: فارٌّ مما أوجبه قدر الله ومشيئته وخلقه، إلى ما تقتضيه رحمتُه وبِره ولطفه وإحسانه" [الرسالة التبوكية].

وإياك إياك أن تتبع الشيطان في طريق فيه هلاكك وسوء عاقبتك، فلقد أمرك ربك أن تجاهد عدوه وأمرك بالصبر على ذلك، وحذرك من الفرار، وبين لك الطريق وأعلمك بالعاقبة ودلَّك على درب النجاة.

قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [البقرة: 155 - 156]، فأخبرهم بقدره عليهم وهو البلاء، ودلَّهم على طريق النجاة وهو الصبر.

ولك أسوة حسنة بالأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين، فلقد علموا طريق نجاتهم وسلكوه، فكانت لهم العاقبة وأهلك الله عدوهم ونصرهم عليهم.

فهذا نبي الله موسى لما أدركه فرعون وجنوده من خلفه، والبحر من أمامه، وقال أصحابه إنا لمدركون، أبى ذلك ودلهم على طريق نجاته الذي لايخيب، {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 61 - 63].

وهذا رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- يخِرُّ راكعا لله -عز وجل- يوم بدر، وقد حشَّد المشركون حشدهم، وجاؤوا ببهرجهم، يحاربون الله ورسوله، فسلك رسول الله طريقه، وتضرع إلى خالقه وألح عليه في الدعاء حتى أمده الله بجنده ونصره.
فدونك هذا الطريق فالزمه، وإياك أن تحيد عنه، واعلم أن الله نعم المولى ونعم النصير.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 108
الخميس 12 ربيع الأول 1439 ه‍ـ
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً