الدولة الإسلامية - قصيد شهيد فضّلوا اللحاق بأرض التوحيد على البقاء في أرض يحكمها الطواغيت ولم ...

الدولة الإسلامية - قصيد شهيد

فضّلوا اللحاق بأرض التوحيد على البقاء في أرض يحكمها الطواغيت ولم يعبؤوا بجاه أو منصب أو مال

• قصة نفير الضباط التائبين الثلاثة من مصر إلى سيناء

سلكوا سبيل الرشاد ضاربين بعرض الحائط سبل الضلال، مضوا غير آبهين بما سعى له دعاة الباطل من تزيين الكفر والردة التي وقع بها طواغيت مصر.

بحث الضباط التائبون من الجيش المصري المرتد عن طريق الحق فوفقهم الله عز وجل لخوض غمار المفاصلة مع المرتدين وإظهار البراءة منهم والولاء للمؤمنين.

فهجروا الجاهلية التي كانوا يسلكونها وهاجروا والتحقوا بإخوانهم ممن يذود ويدافع عن الإسلام، منتقلين من الظلمات إلى النور.

في مكان متواضع مفرغ من كل شواغل الدنيا وعلى ضوء خافت في فيافي سيناء كان الموعد مع رجال يتفجر الطُهر من جنباتهم ونور التوبة في وجوههم وأثر النعيم والترف بادِ عليهم، يعلو محيّاهم حياء الرجال ووقارهم، وأما سعادتهم بالهجرة والنفير فهو أكثر ما يمكنك أن تلاحظه من تعبيراتهم وقسماتهم.

إنهم الإخوة أبو عمر (حنفي جمال محمود سلمان)
والأخ أبو بكر (محمد جمال عبد الحميد (تقبله الله) والأخ أبو علي (خيرت سامي عبد المجيد السبكي) تقبلهم الله،

ما إن رأوا إخوانهم حتى سارعوا إلى مصافحتهم وعناقهم عناق من يعرفهم لسنوات طوال، وبدأوا يسردون قصة هدايتهم ونجاتهم من دركات الشرك، وإليكم جانبا منها وما عاينه إخوانهم معهم على ثرى سيناء.


• حياتهم قبل الهجرة

كانوا يعيشون في مدن مصر حياة الترف، يسكنون الشقق الفاخرة ويركبون المراكب الفارهة ويتبوؤن الرتب والمناصب المرموقة في النظام المرتد، حيث تخرجوا من كلية الشرطة المرتدة عام 1433، وكنتيجة لتفوقهم البدني والأكاديمي تم إلحاقهم للعمل كضباط في "إدارة العمليات الخاصة"، ينحدرون من أسر ثرية وطبقات عالية، الأخ (أبو علي) والده عميد بنظام الردة، و(أبو عمر) كان مدربا في معهد العمليات الخاصة ومرافقا لأحد أئمة الكفر، لما تميز به من تفوق بدني وأداء قوي.

باختصار لم يكن ينقصهم شيء من متاع الغرور فلقد جمعوا بين المنصب والجاه والمال، تلك الحياة التي يتمناها كل عبيد الدنيا! كان تحت أيديهم ما تشتهيه الأنفس الدنيئة من ملذات وشهوات. لكن فطرَهم السليمة وحبهم لدينهم أخرج حب الدنيا من قلوبهم فطلقوها ثلاثا! وقرروا طوعا واختيارا الهجرة إلى إخوانهم في دولة الإسلام بسيناء، طمعا فيما عند الله تعالى، فما عنده خير وأبقى، فآثروا الحياة الآخرة على الحياة الدنيا والباقية على الفانية، تركوا النعيم المنقطع واختاروا النعيم المقيم.


• دورهم في اعتصام رابعة

كعادة أبواق الضلال والتي تسعى لتشويه حال أهل التوحيد، غاضين الطرف عن أرتالهم العسكرية والتي كان على رأسهم طاغوتهم المرتد (محمد مرسي) حينما شنوا حملة على سيناء لا تختلف كثيراً عما يقوم بها زبانية طاغوت مصر الآن، فادعوا أن الإخوة كانوا من ضمن المتواجدين مع القوات الأمنية فيما عرف (باعتصام رابعة) إلا أن الحقيقة أقوى من أن يغطيها هؤلاء وأبواقهم فلم يكن إلا الأخ أبو عمر "تقبله الله" وبعكس ما ادعوه فقد قام بتهريب وإنقاذ الكثير من المتظاهرين ظنّاً منه أنه سبيل الحق، فتبين وعلم بعد توبته ردة الإخوان المجرمين،ودينهم السلمي الباطل.
نقطة تحول

اعتاد الضباط الأربعة أثناء فترة التزامهم الأولى على حضور دروس بعض من انخدعوا بهم من دعاة الضلال ممن مكنهم الطاغوت من المنابر والشاشات، حيث لم يكن منهج الحق والتوحيد واضحا بالنسبة إليهم في تلك المرحلة.

وشاء الله تعالى أن تأخذ حياتهم مساراً آخرا بعد أن تم ايقافهم في أحد الأيام عند حاجز أمني للمرور أثناء ذهابهم مع أحد أصدقائهم الملتحين لحضور درس في أحد المساجد،وكان الطريق مغلقا نظرا لمرور موكب المرتد "عدلي منصور" وعند محاولتهم المرور حصلت مشادة كلامية بينهم وبين عقيد مرور نصراني كان في النقطة، وبمجرد أن رآهم برفقة صديقهم الملتحي قام بإبلاغ أمن الدولة ووزارة الداخلية، وهو دأب الطواغيت وأنصارهم في كل مكان، وعلى الفور تم اقتيادهم للتحقيق في قسم "الشرابية" ثم في قسم "إدارة العمليات الخاصة" حيث قام بالتحقيق معهم كل من: عقيد أمن العمليات الخاصة، عميد الشؤون الإدارية للعمليات الخاصة، قائد قطاع الأمن المركزي، مدير إدارة العمليات الخاصة اللواء المرتد "مدحت المنشاوي".

وكانت من ضمن الأسئلة التي وجِّهَت إليهم:عن صلاتهم وهل يلتزمون بها في الجماعة بالمسجد وخاصة الفجر، وتهدف هذه الأسئلة إلى تصنيفهم! فمجرد المحافظة على الصلوات بالنسبة لطواغيت مصر تعني دق نواقيس الخطر! وهو ما عبر عنه صراحة المرتد "مدحت المنشاوي"أثناء التحقيق معهم بقوله: "أنه يفضّل أن يضبط ضباطه متلبسين بالفاحشة على أن يحضروا دروس العلم في المساجد"!وكانت هذه نقطة التحول بالنسبة لهم، فرغم عملهم في نظام الردة إلا أن فطرهم السليمة لم تستوعب ما تفوه به هذا المرتد والذي يعبر صراحة عن واقع وحقيقة جميع أنظمة الردة في كل مكان وزمان.• بداية الملاحقة الأمنية

بعد أسبوعين من هذه الواقعة تم نقلهم جميعا من أماكن عملهم وإلحاقهم بالأمن العام بدلا من الأمن المركزي، وتفريقهم عن بعضهم في أماكن متباعدة؛ حيث تم نقل الأخ أبو عمر إلى الأمن العام بأسوان، والأخ أبو بكر إلى الأمن العام بسوهاج، والأخ أبو علي إلى الأمن العام بالوادي الجديد، في محاولة من الطواغيت لتفريقهم وإبعادهم عن بعضهم.


• طلب العلم بحثا عن المنهج الصحيح

شكل التضييق الذي تعرض له الضباط نتيجة اكتشاف الطواغيت لمجرد حضورهم لمجلس علم عند شيخ قاعد ضال! نقطة تحول في إدراكهم لحجم العداوة والبغضاء التي يكنها النظام المصري المرتد لكل ما يمتّ للإسلام بصلة! فراحوا يتحرون الحق ويطلبون العلم بحثا عن المنهج الصحيح حتى قيّض الله لهم بعض الموحدين الذين دعوهم لعقيدة التوحيد ووجوب الجهاد وردة النظام الحاكم، ترتب على ذلك تفكيرهم بشكل جدي في ترك العمل والبراءة من الشرك طاعة لله وخوفا من عقابه، ورغبة في التوبة مما اقترفوه وسعياً للجهاد والنفير إلى أرض الإسلام والهجرة.


• محاولات الهجرة والنفير

وقياما بواجب الأمة المضيع -الهجرة والجهاد- حاول الإخوة ابتداء النفير إلى إحدى ولايات الدولة الإسلامية في الشام متشوقين للّحاق بإخوانهم فيها حيث كانوا يتابعون أخبارهم وما يصدر عنهم، عبر السفر لها عام 1436 لكن لم يكتب لهذه المحاولة النجاح لحكمة شاءها الله تعالى.


• الهجرة إلى ولاية سيناء

بحلول عام1437 كان التضييق الأمني قد بلغ ذروته، وأصبح الأسر خطرا محدقا بهم، مما حدا بهم إلى التفكير في أحد أمرين؛ الأول هو القيام بتنفيذ عملية انغماسيّة في مبنى أمن الدولة بالحي السادس بالقاهرة، والثاني هو الهجرة فورا لأرض سيناء دون تنسيق مع أحد فرارا بدينهم من فرعون وجنده! وهو ما هداهم الله إليه، فخرجوا وقد وكلوا أمرهم إلى الله تعالى وألسنتهم تلهج بالدعاء أن يُبلغهم أرض الهجرة وطريق النجاة.

وضجت مصر وأروقة الأجهزة الأمنية بقصتهم وكعادتهم أوعزوا لأبواقهم بشن حملة إعلامية عليهم ملئها الكذب واختلاق القصص الواهية التي صاغوها من نسج الخيال.


• لحظة دخولهم سيناء

وعن قصة نفيرهم أخبرونا أنهم لما قرروا الهجرة لإخوانهم لم يكن يحجبهم عن ذلك إلا ما كان يبثه في نفوسهم شياطين الإنس من "وسائل الاعلام ودعاة الضلال" أن الدولة الإسلامية تقتل العساكر حتى لو أتوها تائبين! وبعد تردد عزموا أمرهم أخيرا يبغون النجاة بدينهم في أرض يقام فيها شرعه.

وعند وصولهم إلى أرض سيناء نزلوا من السيارة التي كانوا يستقلّونها وعادت أدراجها والترقب والرهبة تسيطر على قلوبهم من المشهد، وفجأة سرعان ما تقدم إليهم أحد الإخوة مقبلا عليهم بوجه بشوش مُرحّبا بهم، فزال عنهم كل ما لاقوه في سبيل الوصول لديار الإسلام، نسوا كل ما مر بهم من صعاب وتحديات قبل ذلك، خرّوا لله سجدا، شكراً لله عز وجل أن يسر لهم مبتغاهم وفرحة بالوصول والنجاة من براثن الشرك والغواية.

وظلت هذه اللحظات الجميلة عالقة في أذهانهم وقلوبهم يحبونها ويذكرونها، بل حتى الأخ الذي كان في استقبالهم -تقبله الله-كانوا عندما يرونه يعانقوه وينفجرون بالبكاء، لأنه يذكرهم بأول يوم لهم في أرض الجهاد.

أي حب هذا الذي ملأ هذه القلوب للجهاد؟ إنه الحب الذي يوصل إلى صلاح الدين والدنيا ولا صلاح لها إلا بالتوحيد والجهاد.

وقد ذكر الإخوة بأنفسهم حفاوة اللقاء الأول وحسن الكرم والاستقبال الذي لاقوه من إخوانهم المجاهدين وهو الحال مع كل من أتى إلى ديار الإسلام في ولاية سيناء وغيرها من ولايات الخلافة.


• التدرج بالعمل داخل الولاية

نظرا لمّا تمتع به الإخوة من مهارات وخبرات قتالية وعسكرية أوكلت إليهم مهام عدة (فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه)، وأي أمر أفضل من أن يكون المرء جنديا في صفوف المجاهدين ينصر دينه وتوحيده؟

حيث عمل الإخوة جميعهم في المفارز الأمنية المكلفة بضبط وملاحقة الجواسيس وأبدوا يقظة ومهارة عالية في ذلك، وعمل الأخ أبو عمر (تقبله الله) كأحد كوادر "إدارة التخطيط العسكري" وغرف العمليات، فشارك في غرفة عمليات غزوتي "القصر والكتيبة"، والإغارة على كميني (العُجرة وكرم القواديس)، كما كان مدرباً في إعداد القادة العسكريين، بينما عمل الأخ أبو علي (تقبله الله) في قطاع التدريب العسكري، وشارك في غزوة القصر، كما تولّى القيادة الميدانية للإغارة على كمين العُجرة.• تواضع جم

اتصف الإخوة بصفات طيبة كثيرة كان أبرزها التواضع الجم وخفض الجناح لإخوانهم المؤمنين يلحظ ذلك كل من عرفهم، فيروي من عاشرهم في المعسكرات أنهم كانوا كما قال الله تعالى: (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين)، أهل بذل وعطاء وتضحية ووفاء بذلوا أرواحهم رخيصة في سبيل التوحيد، وديارهم التي تركوها حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.

كما كانوا شعلة من النشاط والهمة العالية يحرّضون إخوانهم ويرفعون هممهم ويسبقونهم إلى أي أمر يطلبونه منهم، ومن ذلك موقف حدث قبل الانطلاق لغزوة القواديس في إحدى معسكرات الولاية، حيث قام الأخ (أبو علي) يحرض الإخوة قبل الغزوة وقال لهم: "قوموا وتعانقوا"، وبدأ هو وأبو عمر بالعناق وفجأة انفجروا بالبكاء حتى ضجّ المعسكرُ كله باكيا!
وفي أبواب الطاعات كانوا أحرص ما يكونوا على الصيام والقيام وسائر النوافل، فلم تشغلهم تكاليف الجهاد وأعباء المهام الموكلة إليهم عن عبادات التضرع والمناجاة وتزكية الأنفس، وقد ذكر الأخ أبو عثمان (حفظه الله) أن الأخ أبا علي (تقبله الله) كان قد كتب في مذكرة صغيرة خاصة به جميع العيوب التي ابتلي بها ليتعاهد نفسه بالتربية والتزكية منشغلا بعيوبه عن عيوب غيره، وأخبر –أبو عثمان- أنه قبل أن يقتل بفترة وجيزة كان قد تخلص منها كلها بفضل الله تعالى، ولا عجب فإن ميادين الجهاد أفضل الميادين لتزكية الأنفس وتربيتها وتنقيتها من الأمراض والآفات.


• مثل يحتذى في الأخوّة الصادقة

لقد ضرب هؤلاء الإخوة أروع الأمثلة في الأخوّة الإيمانية الصادقة، لقد كانوا نموذجا يُحتذى في الاجتماع على طاعة الله تعالى، والتواصي بالحق والصبر، والتعاون على البر والتقوى لم تكن صداقتهم سبيلا إلى اللهو ومضيعة الوقت، لقد كانت أخوّتهم إحدى أسباب انتقالهم من الظلمات إلى النور فكانوا عونا لبعضهم على طريق الحق يشد بعضهم أزر بعض وظلوا هكذا حتى آخر لحظة في هذه الحياة.

فحري بشباب الأمة اليوم أن يقتدوا بهذه النماذج ويسيروا على خطاها، فسيرة هؤلاء الإخوة تقبلهم الله مدرسة كاملة من التوبة والهداية إلى الولاء والبراء مرورا بالهجرة والجهاد والأخوّة الصادقة والصبر والثبات، وانتهاء بالقتل في سبيل الله، هذا هو سبيل الرشاد الذي ندعو شباب الجيل إليه بدلا من سبل الضلالة والهوى.


• إصاباتهم ثم مقتلهم "تقبلهم الله"

في أواخر عام 1437 أدى قصف يهودي غادر إلى إصابة كل من أبي عمر وأبي عليّ بإصابات متفاوتة، ومقتل أبي بكر تقبله الله، فلم يفت ذلك في عضدهم ولم ينل من عزيمتهم فلا الجراح ولا فقد الخلاّن يوقف المجاهد عن جهاده، فواصلوا جهادهم بين تحريض وتدريب وصبر وجلاد، حتى جاء القدر الذي لا مفر منه وحانت لحظة اللّحاق بمن سبقهم على ذات الدرب فقد أدى قصف بالطائرات المسيرة إلى مقتل أبي عمر وأبي علي وذلك خلال العام الحالي 1440 ، ليرتحل ثلاثة من الإخوة -تقبلهم الله-بعد أن حققوا التوحيد في حياتهم قولا وعملا وجاهدوا وبذلوا أموالهم وأنفسهم رخيصة في سبيل الله حتى أتاهم اليقين من ربهم، فنسأله تعالى أن يتقبلهم وأن يجمعنا بهم في مستقر رحمته على سرر متقابلين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 159
الخميس 28 ربيع الأول 1440 هـ
...المزيد

مقال - لا تكلف إلا نفسك إن من شر البلاء الذي ابتليت به أمة الإسلام، أن كثر فيها أهل التنظير ...

مقال - لا تكلف إلا نفسك


إن من شر البلاء الذي ابتليت به أمة الإسلام، أن كثر فيها أهل التنظير وقل فيها العاملون، نتيجة انتشار العلم وسهولة تحصيله فيتحول كل فرد من الناس إلى منظر يصوب هذا ويخطئ ذاك وهو قاعد تارك للعمل، ويصير هذا الأمر لديه إلى إدمان فيخشى مع مرور الزمن أن يعمل، خوف الوقوع في الخطأ واستصعاباً للخروج عن الراحة التي اعتادها، فينتظر من غيره التغيير ولا يحس بالذنب ولا العار من قعوده وركونه بل قد يمن على إخوانه إن وصله فتحهم أنه كان مناصراً لهم قبل ذلك ولم يكن أكثر من قاعدٍ يُقيّم أفعال المجاهدين، فيكون بذلك من الغثاء كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل) [رواه أبو داوود].

وقد يتسلل هذا السلوك إلى صفوف العاملين والمجاهدين وأنصارهم، فيركن بعضهم إلى إخوانه ويجعل عمله مقتصرا على ما يرفع اللوم عنه ولا يبادر لأكثر من ذلك، فإن ظهر له أمر يعيق عمله الذي وُكّل به قعد وركن منتظراً من يزيل ذلك العائق ويمهد له الطريق ليكمل عمله، وقد يلقي في قعوده اللّوم على أميره أو على الجماعة كلها غافلا عن أن أصل عمله هو نصرة دين الله، وأن ما يعترضه من مصاعب وعوائق أياً كان سببها وأصلها لا بد له من معالجتها بنفسه وبذل الجهد والصبر والمصابرة في ذلك، ولا يقل هذا الأمر أهمية عن بذل النفس في سبيل الله، فلا يمكنه إتمام صفقة البيع للنفس مع الله دون أن يبذل في ذلك الوسع ويبلغ الجهد.

وإن خير سلف للمسلم فعل صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بصير رضي الله عنه، فلما أقفلت أبواب الهجرة في وجهه ومنع من اللّحاق بالجماعة عمل بما في طاقته ففتح الله له من فضله، ولم يبقى في مكة بعد فعله قاعدا منتظراً فتح المسلمين لها ملقيا اللوم على دولة المسلمين في المدينة، وإنما كان فعله ذاك نابعاً عن علمه رضي الله عنه بأن العمل في سبيل الله أسمى من مجرد التخلص من شعور الإحساس بالذنب أو تجنب الملامة، فهدفه إرضاء ربه سبحانه والسعي لنيل رحمته بكل ما يقدر عليه من أبواب الخير التي في وسعه طرقها.

وعلى العبد أن يجدد النية دوما ويتهم نفسه بالتقصير ولا يعجب بعمله ويركن إلى ما قدم أو يمنّ على إخوانه بهذا العمل، فيكون حاله كمن قال الله فيهم {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: 17]، فلا يستنكف عن بذل الجهد والعمل والسعي لنصرة دين الله بكل وسيلة متاحة.

وقد أمر الله سبحانه عباده بالقتال وأراحهم من هم النتائج فأجرهم محفوظ عند ربهم ما داموا في عملهم مخلصين ولنبيهم متبعين، قال تعالى {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} [النساء: 84]، بل كان أجر المجاهد في سبيل الله الذي يفوته الظفر أعظم من غيره ممن نال السلامة والغنيمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما من غازية أو سرية تغزو، فتغنم وتسلم إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجورهم ، وما من غازية أو سرية تخفق وتصاب إلا تم أجورهم) [رواه مسلم].

فعلى كل مجاهد ومناصر أن يتذكر أنه محاسب يوم القيامة وحده، فابذل وسعك وجاهد في سبيل الله واعمل لنصرة دينه واعلم أنه لن ينجيك يوم الحساب غير رحمة ربك سبحانه فأرِ الله منك ما تنال به رضوانه، وتذكر أنه لا عمل من دون مشقة ومصاعب تعترضك فمن أراد الجنة فليبذل لها ثمنها {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 142].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 159
الخميس 28 ربيع الأول 1440 هـ
...المزيد

تحريض المؤمنين على القتال ودفع صيال الكافرين إن من فضل الله وإحسانه لكم يا جنود الخلافة ثم ...

تحريض المؤمنين على القتال ودفع صيال الكافرين


إن من فضل الله وإحسانه لكم يا جنود الخلافة ثم بفضل سابقيكم من الذين أخذوا بهذا الدين بعزيمة أهل العزم كأسلافهم ، أخذوه عِلما وعملا وقتالا في سبيل إعلائه، أنكم رأيتم بأعينكم الإسلام الذي أقيم في هذا الزمان ، رأيتم خلافةً علی منهاج النبوة ، بمنهجِها الصافي النقي، برجالِها العالِمين بهذا المنهجِ والعاملين به، المطبقين له علی كل أرض مُمَكّـنةٍ لها، دون مُداهنةٍ لأي حِزب وتنظيم، أو كافرٍ ومرتد، أو طاغوتٍ وعاتٍ عن أمر ربه، عربي وأعجمي، أو صليبي وبوذي وهندي، أو أيِّ مشرك وملحد وزنديق ورافضي، وغيرهم من أمثالهم، ودون مخافةٍ لأي لائم مُجَنـَّدٍ أو غيرِ مجند؛ من حمير العلم وسحرةِ الطواغيت بالجملة ومن غيرهم من أهل الضلال والزيغ.

ورأيتم كيف يتقدم ويهاجر المسلمون من كل أرض الله بمختلف أجناسهم وألوانهم ليستظلوا بظل هذه الخلافة، يوما بعد يوم، وينصرون دينَ الله ربِّ العالمين، وترون كيف يتوحد صفُها ويَتَنَقّى، ويتقوی عودُها ويصلُب، فإنكم رأيتم كل هذا وذاك، فلله الحمد علی ما هدانا واختارنا لدينه بالعلم الصحيح؛ بمنهج النبوة، وبالتمسك بسنام الإسلام، بالجهاد القويم لأجل ذلك.

ثم إنكم رأيتم وترون بأعينكم أيضا، كيف أظهرت دولُ الكفر والردة والزندقة وأحذيتُهم الصحواتُ المستأجرون، ويتبعونهم ويناصرونهم في ذلك؛ الشيعةُ الرافضةُ بشلاتِهم وبدولتِهم إيرانَ الخبيثة، كيف أظهرت كلُّ هذه الثعالبُ مخالبها، وقشعت عن أنيابها، رمت بكل ما لديها من قوةٍ علی أراضي الدولة الإسلامية التي قامت؛ عِداءً لهذا الدين القويم، المتمثَلِ في صورة هذه الخلافة التي حباها الله نعمةً وهِبَةً منه سبحانه وتعالى، ليشكرَ الناسُ أم يكفرون! ولكن أبی كثيرٌ من الناس إلا نفوراً عن دينه القويم وكفرا به وإلحاداً وعِداء له، وتشنيعا لنظامه القويم وعِداء وحشيا له، ولا حول لا قوة إلا بالله.

ورأيتم ثالثا كيف يمتحننا اللهُ ويبتلينا في كثير من المراحل والأحيان والأماكن، ويبتلينا بهذا وذاك؛ يأخذ منا ما يشاء ويعطينا ما يشاء، فله الملك وله الحمد علی كل حال، وله الشكر، شكرَ عبادٍ له مخلصين له بإذنه تعالی.

إنّ نقاء المنهج وشموله والثبات عليه تماما، بالتطبيق والقتال، دفعا وطلبا، لهو كفيلٌ بمجيء النصر وحصولِ التمكين الكامل بحول الله وقوته، وإنما تمر به الدولة الإسلامية اليوم في كل ولاياتِها، إنما هو امتحانٌ وابتلاء، تمحيصٌ وتنقية، واتخاذُ شهداءٍ لدين الله القويم، وثباتٌ بإذنه سبحانه وتعالی علی الحق، وإظهارٌ له وللحقائق المُغَـيَّـبة عن الواقع، والتي لا يفقهها الكثيرُ إلا بعد أن يعتبروا بالواقع.

ثم لا يستقيم الحديد ولا يتشكل ولا يتقوی كما يريده صاحبُه، إلا بوضعه بالأفران الملهَبةِ الشديدةِ لصهره لإكمال صورته المطلوبة، فاثبتوا وانصهروا كما يريد بكم ربُّكم وإلهُكم، اللهُ الواحدُ الأحد، الفردُ الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، فاثبتوا وانصهروا واستقيموا وتوحدوا في هذه الشدائد والابتلاءات، لا ينفكّ أحدُكم عن الآخر، وامضوا كما علمكم الله ورسوله، فإن هذه الشدائد ليست إلا لتتقووا وتتنقوا ويتصلب عودُكم أكثر فأكثر، ولا يكن خوفكم علی مناطق خرجت من سيطرة الدولة الإسلامية، فإن هذا ربما هو ابتلاء لنا في هذه المرحلة، أنثبُت أم تزلَّ أقدامُنا (عياذا بالله) فمع كل هذا، نحن علی يقين بنصر الله عز وجل، بأنها ستعود بإذن الله الواحد الأحد إلی سلطان الله سبحانه وتعالى؛ إلی سلطان الخلافة التي أذن بعودتها، ولكن الله يفعل ما يشاء، وهو أعلم بحكمته في ذلك.

إن الله سبحانه وتعالی أمرنا بالقتال ويحب من يقاتل في سبيله، وأيضا هو الذي يمتحننا ويبتلينا ومِن ثـَم هو أيضا يواسينا في مِحنِنا ومصائبـِنا ويحثنا علی الثبات والمضيِّ علی الدرب الذي حدده لنا! وهو الذي يمن علينا بنصره، فهو إلهنا الذي يحب من يحبه، ويحب من يقاتل من أجله، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54] فلا أبعدَنا الله عن محبته! ولا أبعدنا إلهُنا عن القتال في سبيله! وأن يُوقِّرَ في قلوبنا بأن لا نخافَ لومة لائم.

وهو كذلك وحده الذي يعلم علم اليقين بما فيه خيرُنا بالدنيا وبالآخرة ومتی يُمكـِّن لنا دينَه الذي اختاره لنا التمكين الكامل بكل مستوياته ومراحله، وهو وحده كذلك الذي يعلم متی ينصرنا النصرَ العظيمَ الظاهر علی أهل الكفر والردة.فامضوا وانتظروا وارتقبوا نصر الله العزيز لأهل الإيمان به عز وجل قال سبحانه: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]، وقد واسانا الله سبحانه وتعالی في هذه الابتلاءاتِ والامتحاناتِ والشدائد، فقال لنا في كتابه الحكيم: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139].

هذا ربنا وإلهنا يواسينا بجميل أنواع الكـَلِم الطيب. لِما يواسينا؟! حتی نثبُت علی ما يريده منا ونثبت في كل مرحلة من المراحل، وفي كل ابتلاء من الابتلاءات، ولكن بشرط أن نكون ثابتين علی ذلك الإيمان الذي هدانا إليه في كتابه وعن طريق رسوله خاتمِ الأنبياء والمرسلين، نبيِّ الرحمة والملحمة صلوات ربي وسلامه عليه، فأيقنوا بكلامه سبحانه وتعالى، وتمعَّنوا بآياتِه العظيمة. فالحقيقة - أيها المجاهدون القشاعم! - الحقيقةُ هي أن هذا الإيمان الذي ينغرس في قلوبنا، الإيمان الذي يكبر ويكبر ويزداد في قلوبنا، الإيمان الذي يثبت في قلوبنا، إنما هو في الحقيقة جندي من جنود الله الذي يهزم كلَّ قوةٍ عاتية عن أمر ربها! فلا يحزن بعدها أحد مما يحدث له، ولا يهن، ولن يستعلي عليه أيُّ عاتٍ عن أمر الله، فتمسكوا بهذا الإيمان بكل حقائقه ومتطلباته يكن لكم كلّ نصر وتمكين بإذنه تعالی ، وما هو إلا ابتلاء لإيماننا هذا ، فاثبتوا عليه رعاكم الله وتولاكم ، وتزودوا بمايزيده ويثبِّتُـه، فهو مصدر قوتنا التي لا تُقهَر ، وهو المطلوب الأساسي الذي يريده منا ربنا وإلهنا ، لأنه لا قوة لنا مِن الله إلا بهذا الإيمان الذي لا قوة ولا طاقة لمخلوق في الكون تغلبه قال تعالى: { وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا } [ آل عمران:140 ] فالله سبحانه وتعالی بهذه المداولة ، يريد معرفة مدى هذا الايمان في قلوبنا لأنه هو مصدر الفلاح في الدنيا والآخرة ، وحسبنا أن يلهِمَنا ربنا الرشاد والسداد وزيادة الإيمان.

وقال تعالى: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:128] والعاقبة للمتقين أيها المجاهدون، قال تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [آل عمران: 137]
فانتظروا العاقبتين، عاقبتنا الموعودة بالخير وعاقبتهم الموعودة بالشر، توكلوا علی اللهِ الواحدِ الأحد، الحي القيوم، تقدموا وخوضوا المعامِع، ولا تيأسوا مِن رَوحِه عز وجل، وتذكروا إنما النصرُ والتمكينُ الكاملُ لا يتَـأتَی إلا بالتمحيص والابتلاء ، والنصرُ والتمكينُ قريب بإذنه عز وجل، وما النصرُ إلا صبر ساعة، وإنّ أحسنَ العواقب إنما هي لأهل الإيمان، ولأهل العمل الصالح، وللمتواصين للهِ ولرسوله وللمؤمنين ولأئمتهم، المتواصين بالحق والعدل والمتواصين بالصبرِ والثبات، فهم الناجون حتماً من أية خسارة دنيوية وأخروية، وهم أهل الفلاح والنصر، وتأكدوا وتيقنوا بأن شرَّ العواقبِ والمصائرِ إنما هي لأهلِ الكفرِ والعصيان، لأهل الردةِ والطغيان، لأنه لا مولی لهم، نعم، لأنه لا مولی لهم، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11]
أحسنوا الظن بربِّكم وإلهِكم بنصرِہ لكم وبتمكينِه ، وبِدَحرِ الكفرِ والإلحاد بقهرِہ، فهو ربكم وإلهكم ومولاكم الذي له أجلّ الأسماء وأحسنُ الصفات ، وهو القائل لرسولِنا الكريم محمدٍ صلی الله عليه وسلم : ( أنا عِندَ ظنِّ عبدي بي ... ) [ صحيح البخاري ]، فأحسنوا الظن بإلهكم ومولاكم سبحانه وتعالی في كل حالٍ من الأحوال ؛ يكن معنا بعونه تعالی بنصرِہ العزيز ، والحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا علی الظالمين



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 158
الخميس 21 ربيع الأول 1440 هـ
...المزيد

سبيل الخاسرين أقر طاغوت تونس السبسي قانونا جديداً يضاف إلى قوانينهم الكفرية الأخرى، والذي يساوي ...

سبيل الخاسرين

أقر طاغوت تونس السبسي قانونا جديداً يضاف إلى قوانينهم الكفرية الأخرى، والذي يساوي بين الرجل والمرأة في الميراث، بعد جدل كبير حوله وبعدما حاول كثير من الأحزاب المنتسبة للإسلام إيقاف هذا القانون دون جدوى.

كانت هذه النتيجة لمسلسل طويل من تنازلات قدمتها جميع الجهات والأحزاب والجماعات المنتسبة للإسلام، في محاولة لكسب رضى الجماهير تارة وترغيب العامة في الدين تارة أخرى بزعمهم، ولتجنب بطش دول الصليب ومحاولة تحييدها عبر كسب رضاها تارات أخرى، فكانت النتيجة أن ضيعوا دينهم ودين من تبعهم، وأفسدوا على غيرهم ممن أراد أن يتمسك بالطريق القويم، ثم ضيعوا دنياهم بعد ذلك فلم يرضى منهم الطواغيت ما قدموا من تنازلات وكذلك تشتّت أحزابهم وجماعاتهم فلم يبقى لهم كيان يستطيعون به تغيير شعرة من الواقع الذي حل بهم.

فعندما ثار الناس في تونس ومصر وليبيا وغيرها، حصل في أيام ما يحتاج لسنوات طوال في القتال كما يظن كثير من الأحزاب والجماعات، ولكنهم لم يدركوا أن الذي تغير ليس إلا أشخاص الطواغيت لا نظمهم وحكوماتهم الكافرة، غير أن بعض الجماعات قد غرها اقتراب عامة الناس منهم حيث صاروا في خندق واحد يعادون الطاغوت نفسه ولو كان لأيام فقط فيما سمي بالربيع العربي فاستوحشت تلك الجماعات من الوحدة وخافت العزلة، وظن كثير منهم ممن سلك طريق الجهاد سابقاً بأنهم كانوا يحاولون عبثاً الوصول إلى التمكين وأن قتالهم السابق ليس إلا حرثاً في البحر كما صور لهم الشيطان.

ولم يدر في خلد أحد منهم أن الغاية تعبيد الناس لله وتطبيق شرعه في الأرض لا مجرد تبديل طاغوت بطاغوت آخر وهي نتيجة حتمية لتغيير يكون تحت رعاية دول الصليب وبرضاها وموافقتها، وظن أولئك الأغرار السذج أن بهم من الحذاقة والدهاء ما يخدع العالم كله فنشروا الأوامر وبثوا الرسائل والتوجيهات يحذرون من العمل المسلح أو استهداف الطواغيت الجدد حتى لا يخسروا الجماهير ولا تتكسر صورة بعض أفرعهم التي روجتها بعض الجهات الإعلامية المستفيدة، ولم يعلموا أنهم قد أضحوا ألعوبة بأيدي الصليبيين وبعض طواغيت العرب فتم عن طريقهم تهدئة الشباب وحرف مسارهم وتشتيت العمل بل وتعطيل شرع الله في بعض المناطق التي سيطر عليها بعضهم وتسليم الحكم لمجالس محلية في محاولة لكسب رضاهم.

وكان تقييم نجاح العمل لدى أكثر هؤلاء ممن غرقوا في الضلالة، هو عدم قضاء الصليبيين عليهم والمحافظة المؤقتة على أعدادهم التي تفرقت فيما بعد منهم بعد العطالة عن العمل أو ممن هداهم الله فالتحقوا بصفوف المجاهدين السائرين كما أمرهم الله، فتدمير الصليبيين لمدينة من المدن ودفاع المجاهدين عنها لآخر رمق فيه تهلكة وتدمير لأراضي المسلمين وسوء تصرف وتدبير وغير ذلك من التهم الفارغة، أما تسليم الدول إلى الطواغيت بل ومنع العمل ضدهم والثناء على بعضهم، وتعطيل شرع الله والجهاد في أغلب بقاع الأرض التي كان فيها بعض النشاط أو يسهل العمل فيها في تلك الظروف، كل ذلك لا يعد في معاييرهم فشلا ولا في عرفهم جريمة.

واليوم بعدما وصل الحال إلى ما وصل إليه، يطل علينا السفيه الخرف ليتراجع عن بعض ما كان يدعو له فصار ينتقد السلمية بعدما طبل لها ويشتم الطواغيت الذين كان له يد في تثبيت حكمهم علم ذلك أو لم يعلم، ويحاول جمع شتات جماعته على شيء غير قتال الدولة الإسلامية، وليس ذلك بأنه قد أفاق من غيه وضلاله وإنما أراد استرجاع بعضاً من أفراد جماعته الذين هجروه، ومحاولاً بث صورة أخرى له لدى شباب المسلمين بعدما شوهها بنفسه وبعد التلاعب به من جميع الأطراف، يحاول ذلك وكأن دين الله لعبة بأيديهم يتصرفون به كيف شاءوا ويتلاعبون بديار المسلمين ويجربون فيها مشاريعهم التي أملاها الشيطان عليهم ولم يفرح بها أحد أكثر منه.

وقد سارت الدولة الإسلامية منذ تأسيسها كما أمر الله سبحانه، وحملت على عاتقها إنقاذ ما يمكن إنقاذه من ديار المسلمين وتطبيق شرع الله فيها ولو ساعة من نهار ومنع انتشار أحكام الطواغيت بالسنان وبالدماء فوفق الله جنودها وقادتها بتطبيق شرع الله على رقع كثيرة في بقاع شتى من الأرض لسنوات عدة ولله الحمد، ولن يقر لهم قرار بإذن الله حتى يعيدوا حكم الله للأرض كافة رغم أنوف الكفار والمنافقين أجمعين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 158
الخميس 21 ربيع الأول 1440 هـ
...المزيد

تنبيه - مؤسسة آفاق الإلكترونية تحذر مؤسسة آفاق الإلكترونية من أي حسابات تواصل أو نشر تدّعي ...

تنبيه - مؤسسة آفاق الإلكترونية


تحذر مؤسسة آفاق الإلكترونية من أي حسابات تواصل أو نشر تدّعي صلتها بالمؤسسة على أي منصة تواصل اجتماعي أو تطبيق تواصل.

كما تؤكد المؤسسة على أن مركز إنتاج الأنصار هو المصدر الوحيد للنشر والتواصل مع المؤسسة من خلال قنواته وحساباته على مختلف منصات وتطبيقات التواصل. ...المزيد

أسود إفريقية استمروا بغزواتكم وجهادكم فأنتم رجال لا تخافون المنية، ترغمون أنف الكفر لا تعطون ...

أسود إفريقية


استمروا بغزواتكم وجهادكم فأنتم رجال لا تخافون المنية، ترغمون أنف الكفر لا تعطون الدنية نحسبكم والله حسيبكم، ونبارك لكم صولاتكم وعملياتكم المباركة، فواصلوا المسير، واجعلوا تحت أقدامكم حكومات الطواغيت، وتبرأوا من حولكم وقوتكم إلى حول الله تعالى العليم الخبير.

• مقتبس بتصرف من كلام الشيخ أبي حمزة القرشي (تقبله الله)
...المزيد

"الحُجَّة فِي بَيَانِ نَوَاقِضِ الحُكومَاتِ الطَّاغوتيَّةِ المُرتَدَّةِ" -٢- لَا يُجَادِلُ فِيهِ ...

"الحُجَّة فِي بَيَانِ نَوَاقِضِ الحُكومَاتِ الطَّاغوتيَّةِ المُرتَدَّةِ" -٢-

لَا يُجَادِلُ فِيهِ إِلَّا جَاهِلٌ لَا يَعرِفُهُ أَو مُتجاهِلٌ لَا يُرِيدُ أَن يَعرِفَهُ، وَقَدْ قَالَ اللهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى -: ( أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) [ يُوسُف : ٣٩].

- وَيَكفرونَ مِنْ بَابِ طَاعَتِهم للمُشَرِّعينَ المَحَليينَ مِنهُم وَالدَّوْلِيينَ وَغَيْرِهِم، وَاتَّبَاعِهِم لِتَشريعاتِهِمُ الكُفريَّة، قَالَ اللهُ - تَعَالَى -: ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ) [ الشَّورَىٰ: ٢١]، وَقَالَ - سُبحَانَهُ وَتَعَالَى -: ( إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ۙ الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ (25) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ ۖ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ) [مُحَمَّد : ٢٥-٢٦]،
فَهذا فِيمَن قَالَ للكُفَّارِ: سَنْطِيعُكُم في بعض الأمرِ، فَكَيفَ بِمَن انبَطَحَ وَسَلَّمَ قِيادَهُ لَهُم وَلأَوامِرِهِم وَمَناهِجِهِم وَقَوَانينهم وَتَشريعاتِهِم وَقَالَ: سنُطيعُكُم في كثيرٍ مِن الأَمرِ أو سَنُطيعُكُم في كُلِّ الأَمرِ، وَأَسلموا قِيَادَهُم لِمَشَرِّعيهِم وَلِطَوَاغِيتِهم وَسلّموا لِتَشريعاتِهِم تَسليمًا؟!


● يُنْظَر كِتَاب (الآياتِ وَالأحاديث الغَزِيرَة عَلَى كُفْرِ قُوَّاتِ دِرعِ الجَزيرَة) للشَّيخ فَارِس آل شويل الزَّهرَانِي (أَبي جَنْدَلِ الأَزدي) - تَقَبَّلَهُ اللهُ تَعَالَى -
"الحُجَّة فِي بَيَانِ نَوَاقِضِ الحُكومَاتِ الطَّاغوتيَّةِ المُرتَدَّةِ" -٣-


- وَيَكفرونَ مِن بَابِ تَوَلّيهِم للكُفَّارِ مِنَ النَّصَارَىٰ وَالمُشْرِكِينَ وَالمُرتَدينَ وَحِمَايَتِهِم وَنُصرَتِهِم بِالجُيوشِ وَالسّلاح والمالِ وَالاقْتِصَادِ، بَل قَد عَقَدوا مَعَهُمُ اتَّفَاقِيَّاتِ وَمُعَاهَداتِ النُّصرَة بِالنَّفْسِ وَالمَالِ وَاللِّسَانِ وَالسَّنَانِ ضدَّ المُجَاهِدِينَ المُسلِمِينَ، فَتَوَلَّوهُم تَوَلِّيَا حَقِيقِيًّا، وَقَدْ قَالَ اللهُ - تَعَالَى : ( وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) [ المَائِدَةِ: 51 ].

- وَيُكفرونَ مِن بَابِ أُخوَّتِهِم للكُفَّارِ الشرقيينَ وَالغُربيينَ وَمَودَّتِهِم وَمَحَبَّتِهِم لَهُم، قَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ-: ( لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) [المُجَادِلَة : ٢٢]، وَهَذَا لَيسَ مِن التَّكفيرِ بِبَوَاطِنِ الأُمورِ وَأعمالِ القُلوبِ، بَل بالأعمال والأقوالِ الظَّاهِرَةِ الصَّرِيحَة، إِذْ إِنَّهُم يُفاخرون بهذهِ الأُخوَّةِ وَالمَوَدَّةِ وَيُصَرِّحونَ بِهَا وَيُظهِرُونَها فِي كُلِّ محفلٍ، وَوَسَائِلُ إِعْلَامِهِم طَافِحَةٌ بِهَا.


● يُنْظَر كِتَاب (الآياتِ وَالأحاديث الغَزِيرَة عَلَى كُفْرِ قُوَّاتِ دِرعِ الجَزيرَة) للشَّيخ فَارِس آل شويل الزَّهرَانِي (أَبي جَنْدَلِ الأَزدي) - تَقَبَّلَهُ اللهُ تَعَالَى -
...المزيد

مقال / هجر القرآن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وآله وصحبه أجمعين ...

مقال / هجر القرآن


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وآله وصحبه أجمعين وبعد:

لقد خلق الله الإنسان وأبدعه وسخر له ما في السماوات وما في الأرض واستخلفه فيها وحملة هذه الأمانة الثقيلة. ولم يترك ربنا سبحانه عباده هملاً فكلما ضل منهم جيل أرسل لهم من يعيدهم إلى الجادة ويعلمهم ويزكيهم من الأنبياء والرسل، قال تعالى : {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:2] وكل نبي كان يؤتى من المعجزات ما على مثله آمن أتباعه وكانت معجزة النبي صلى الله عليه وسلم كتاب الله الكريم تلك المعجزة التي تحدّى الله بها الإنسَ والجنّ أن يأتوا بمثله أو بسورة من مثله فعجزوا جميعًا إنسهم وجنّهم، قال جل شأنه: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88] ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء اتباعًا قال صلى الله عليه وسلم : (وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إلي فأرجوا أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة) [أخرجه البخاري، ومسلم].

فكتاب الله هو حبله المتين وصراطه المستقيم من تمسّك به اهتدى ومن عمِل به أُجر ومن دعا إليه فقد دعا إلى صراط مستقيم، لا تختلط به الأهواء ولا يشبع منه العلماء ولا يَخلَق على كثرة الرد.
لقد بين ربنا سبحانه واجب المؤمن تجاه كتابه في أكثر من آية، فمن هذه الواجبات قراءته وتدبره والعمل به والتحاكم إليه والإيمان به وسماعه والإنصات له.

قال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}[المزمل:4]،{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} [البقرة:4]، {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[ص:29]، {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}[الأعراف:3] {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}[الشورى:10] وقال جل شأنه : {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الأعراف:204]، ولكن أكثر الناس أعرضوا وهجروا كتاب ربهم.

• ظاهرة هجر القرآن

لقد أخذ الله العهد على أهل الكتاب أن يقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم فخاطبهم سبحانه بقوله : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}[المائدة:68]، وكنا أيضًا - أمة أقران - مخاطبين بنفس الخطاب قال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ}[المائدة:49]، فأما أهل الكتاب فنقضوا عهد الله من بعد ميثاقه فكانت العقوبة الربانية التي لا محيد عنها قال تعالى:{وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ }[المائدة14]، وابتلاهم الله بقسوة القلب، {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ}[الحديد:16]، ثم النهاية المحتومة في نفس الآية السابقة {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}.

وكذلك نحن إن سلكنا سبيلهم لابد أن نلقى جزاءهم فهي سنة الله التي لا تتبدل ولا تتخلف، وقد ظهرت بين المسلمين ظاهرة هجر كتاب الله سبحانه على تفاوت بين الناس فمنهم من هجر قراءته ومنهم من هجر تدبره وأكثر الناس من هجر أهمّ واجب وهو التحاكم إليه واتباعه، ومن صور هجر القرآن:

أولاً: هجر الإيمان به.

وهذا أهم واجبٍ وأعظمُه ولا يقوم إسلام المرء وإيمانه إلا به، كيف لا وهو من أركان الإيمان قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} [النساء:136]، والإيمان ليست كلمة تقال باللسان وإنما هو جهاد يحتاج إلى جهد، وأمانة ثقيلة ذات تكاليف وكما قال الحسن البصري رحمه الله:" ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتّمني ولكن ما وقر في القلب وصدّقه العمل".
• ثانياً: هجر التحاكم إليه.

لقد ذم الله أناسًا في كتابه زعموا الإيمان والزعم يعني الكذب وذلك عندما أرادوا التحاكم لغير شرعه، قال الله جل شأنه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء:60]، وأخبر جل شأنه أن حال المؤمنين هو التسليم المطلق لحكم الله والرضا المطلق بما شرع ونفى الإيمان عن الذي لا يرضى بحكمه فقال جل وعلا: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65] وقال عز من قائل: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور:51].

• ثالثاً: هجر تدبر القرآن.

بين لنا ربُّنا في كتابه بيانًا محكمًا أنّ أهمَّ أغراض إنزال الكتاب العزيز هو تدبر آياته و التفكر فيها قال تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29]، وقال المولى جل جلاله محرضا لنا على تدبر الكتاب الكريم: { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }[محمد:24]، فالقلوب التي لا تتدبر كتاب الله قلوب مقفلة لا يدخل لها نور الإيمان ولا تنال من فيض النور إلا ما شاء الله، أما القلوب المتدبرة فهي التي تَحظَى بالنور المتجلّي من ثنايا الآيات البيّنات التي تزكّي الروحَ والعمر وتبارك العمل وتنمّي الإيمان وتعمر القلب بالتقوى والخشية، فترى المعرض عن تدبر آيات القرآن كئيبَ النفسِ ضيقَ الصدر مكفهِرَّ الوجه لا بركة في عُمُره ولا في ساعاته فهو على شفا الانهيار، وصدق سبحانه {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} هذا في الدنيا أما في الآخرة {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}[طه:124].

شروط تدبر القرآن:
1- القلب الحي.
2- حضور السمع.
3- إعمال الفكر.

وقد جمعها الله في هذه الآية {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37].

قال ابن القيم رحمه الله كما في كتابه النافع (الفوائد): "فقوله تعالى لمن كان له قلب هو المحل القابل وهو القلب الحي الذي يعقل عن الله كما قال تعالى: {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} أي: حي القلب.
وقوله تعالى: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} أي أصغى سمعه وحاسة سمعه وهذا شرط التأثر بالكلام.
وقوله: {وَهُوَ شَهِيدٌ} أي شاهد القلب غير غافل ولا لاهٍ عن الكلام وهذا إشارة إلى انتفاء المانع.
فإذا كان المحل قابلا والسمع مصغيًا والمانع من الفهم منتفيًا بحضور القلب والعقل، كان للتدبر تلك الفائدة العظيمة التي تنشرح بها الصدور وتنقاد بها الأبدان إلى طاعة الله فإن القلب إذا تأثّر فإن السلوك يتغير كما أن القلب إذا أصغى للباطل فإن القلب يرضى الباطل ثم بعد ذلك يأتي السلوك السيء قال تعالى: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام:113]،

فالواجب اغتنام الأوقات الطويلة في تدبر القرآن كما كان حال سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: "لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم."

فهذه الأنواع من هجر كتاب الله قد ابتلي بها أكثر الناس ولا يسلم منها إلا من سلّمه الله سبحانه، فطوبى لمن رزقه الله العيش مع كتاب ربه سبحانه قارئًا ومتدبرًا وعاملاً.

• وصية للمرابطين

أمضوا أوقاتكم مع كلام ربكم تالين متدبرين ولْتعلموا أنكم من أجله تقاتلون وعنه تذودون ولتحكيمه تسعون فلا يكن حظ أحدكم من كلام ربه الوقت القليل فإن المحروم من حرم العيش مع كلام ربه ولا يحتجُّ أحدُكم بقلة الوقت، فإن وقت الفراغ كثير لمن تدبر كم يضيع من وقته، ولو قرأ الواحد ورقتين من كتاب الله بعد كل صلاة لأكمل جزءً كل يوم ومن أكثر كان خيرًا له.

والحمد لله رب العالمين


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 157
الخميس 14 ربيع الأول 1440 هـ
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 516 الافتتاحية: • الإيمان والأماني "ليس الإيمان ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 516
الافتتاحية:

• الإيمان والأماني

"ليس الإيمان بالتمنّي ولا بالتحلّي، ولكن ما وقر في القلب وصدّقه العمل". بكل هذا الوضوح والجلاء والدقة والصفاء؛ وصفَ أئمة السلف حقيقة الإيمان وضابطه وناظمه، تلك كانت زبدة فهمهم وخلاصة فقههم لهذه الحقيقة التي هي غاية الخلق وسبيل النجاة، وعليها مدار الممات والحياة.

بينما يتمنى الناس اليوم أماني كثيرة ويبنون عليها أحلاما وأوهاما كبيرة، بغير برهان، تماما كما فعل الذين من قبلهم ونعى الله عليهم ذلك في كتابه فقال سبحانه: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}.

نقل الإمام الطبري وغيره في سبب نزول هذه الآية عن قتادة: "أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا، فقال أهل الكتاب: نبيّنا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم، ونحن أولى بالله منكم، وقال المسلمون: نحن أولى بالله منكم، نبيُّنا خاتم النبيين، وكتابنا يقضي على الكتب التي كانت قبله، فأنزل الله الآية إلى قوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}، فأفلج الله حُجَّة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان". أهـ.

والمعنى في هذه الآية كما بيّنه المفسرون وفهمه السابقون المهديون: "أن الدين ليس بالتحلّي ولا بالتمني، وليس كل من ادعى شيئا حصل له بمجرد دعواه، ولا كل من قال: إنه هو المحق، سُمع قوله بمجرد ذلك، حتى يكون له من الله برهان، ولهذا قال تعالى: {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} أي: ليس لكم ولا لهم النجاة بمجرد التمنّي، بل العبرة بطاعة الله، واتباع ما شرعه على ألسنة رسله الكرام". أهـ.

ومِن تمام عدله تعالى، رغم تفضيله الإسلام وشريعته على سائر الأديان لا شك في ذلك ولا ريب، وقضائه -سبحانه- في كتابه أنّ من يبتغي غير الإسلام دينا فلن يُقبل منه؛ ومع ذلك فقد جعل -سبحانه- الضابط والمعيار في هذا الدين ليس مجرد الانتساب إليه كما هو حال الكثيرين اليوم، بل قيّد ذلك بالاتباع والعمل، ولذا أتبع الآية بقوله: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}، وقوله: {وهو مؤمن} شرط وقيد بريده العمل، ثم حسم المسألة -تبارك وتعالى- وحدّها وقيّدها وأكّدها بقوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}، وقوله: {وهو محسن} كقوله: {وهو مؤمن}؛ كلاهما يدلان على الاتباع والإخلاص والانقياد التام لله الفرد الصمد ودينه الحق العدل.

ثم أوجز سبحانه حقيقة الإسلام بكلمات معدودات جامعات واضحات بيّنات محكمات غير متشابهات فقال: {وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}، قال ابن كثير: "الحنيف هو المائل عن الشرك قصدا، التارك له عن بصيرة، المقبل على الحق بكليته، لا يصده عنه صاد، ولا يرده عنه راد، وقال: هم محمد وأتباعه إلى يوم القيامة". أهـ. فهذا هو الإسلام يا أمة الإسلام، ليس بالأماني ولا الدعاوى والأوهام.

واليوم يدّعي كثير من الأفراد والجماعات أنهم على الحق، ويتوهمون أنهم على الجادة، وأنهم أهل الطريقة المُثلى والراية الفُضلى وغيرها من أوصاف التزكية والتفضيل ونعوت الثناء والتبجيل، ويسيطر عليهم الوهم بذلك، وهم في الحقيقة خلاف ذلك، بل هم يتقلبون في الضلالة وينغمسون في الغواية حتى أخمصهم، لكن زيّن لهم الشيطان سوء أعمالهم فرأوها على غير حقيقتها كما أخبر تعالى: {أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُم}.

يقودنا ذلك للحديث عن الوهم، وهو داء عضال ومرض خطير قتّال، يتفوّق على جذم الأطراف وقطع الأوصال، ذلك أنه دقيق يسري في الأفهام والأذهان سريان الدم في العروق والأبدان، ومع ذلك قلّما يُنتبه ويُتفطن إليه، فالواهمون يغرقون في أوهامهم وهم يعتقدون اعتقادا جازما أنهم بُعداء عنه بُرآء منه.وأسباب هذا الوهم كثيرة بعضها من البيئة المحيطة وبعضها من خارجها، بعضها متصل بالنفس البشرية وبعضها منفصل عنها، إلا أن أبرز أسبابه وأكثرها شيوعا قديما وحديثا: التقليد الأعمى كما فعل الكافرون الأوائل حين قلّدوا آباءهم في شركهم ورفضوا الاتباع وقالوا: (حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا)، ومن أسباب الوهم التعجُّل والتسرُّع في ضبط الانفعالات والمواقف خصوصا في زمن طغيان العواطف على العقائد! وغلبة المظاهر على البواطن، ومنها الجهل واتباع الظنون، وأسوأ منه الجهل المركّب فهو مرتع الأوهام ومحضن الواهمين، ومنها اتباع الهوى وبين الوهم والهوى وئام لا ينقضي، ومنها الكبر والغرور وهما متجذران في نفوس الواهمين حتى تكاد تراه رأي العين، ومنها ضعف الحجة وفقدان البصيرة، والوهم والبصيرة في عداء لا ينتهي.

وخطورة الوهم تكمن في أنّ له سلطانا كبيرا على العقول والنفوس، وتعظم خطورة الأوهام والأماني عندما تكون في أبواب المعتقدات، وأكثر الناس اليوم صرعى وأسرى أوهامهم وأمانيهم التي درجوا عليها حتى عشعشت في عقولهم ورانت على قلوبهم وبنوا عليها أحكاما وتصورات أنزلوها منزلة المسلّمات الراسخات وهي في حقيقتها ضلالات وسرابات.

والمتأمل يجد أنّ الوهم والتوهم وكل تصاريفه ومشتقاته ومعانيه ومدلولاته، قواسم مشتركة بين أعداء الجهاد على اختلاف مشاربهم، فتراهم جميعا يهيمون على وجوههم في بحار الأوهام والأهواء والأحلام والشكوك والظنون والجهل والأكاذيب والتخرّصات والأماني الخدّاعات.. وعدِّد ما شئت من معاني ومدلولات الوهم والريبة والاضطراب، فهؤلاء لمّا فارقوا سبيل الجهاد؛ حرمهم الله الهداية فأضلهم عن سبيله، واقرأوا إنْ شئتم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}.

لذا ينبغي للمؤمن أن يُعرف بتوحيده إذا أشرك الناس، وبهدايته إذا ضلّ الناس، وبثباته إذا تراجع الناس، وبفهمه إذا زاغ الناس، وبرويّته إذا طاش الناس، ينبغي للمؤمن أن تغلب عقيدتُه عاطفته وأن يوجّه إيمانُه عملَه، وأن يكون هواه تبعا لما جاء به نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فهذا هو الإيمان وما سواه أمانٍ وأوهام.



• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 516
السنة السابعة عشرة - الخميس 17 ربيع الآخر 1447 هـ
...المزيد

الثمار اليانعة لمن داوم على الأعمال الصالحة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ...

الثمار اليانعة لمن داوم على الأعمال الصالحة


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فليس يخفى على ذي بصيرة أَن هذه الدار ليست بدار مقر وإنما هي دار ممر، والناس فيها غرباء مسافرون والدار الْآخرة مقصَدُ سفرِهم، وزمان الحياة مقدار المسافة، ولكل إنسان عند الله عمر مقدر لا يزيد ولا ينقص وقد رغَّب الله الخلق ودعاهم إلى دار السلام وسعادة الأبد، فقال تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس:25]

قال الإمام الطبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره لعباده: أيها الناس، لا تطلبوا الدنيا وزينتَها، فإن مصيرها إلى فناءٍ وزوالٍ، كما مصير النبات الذي ضربه الله لها مثلاً إلى هلاكٍ وبَوَارٍ، ولكن اطلبوا الآخرة الباقية، ولها فاعملوا، وما عند الله التمسوا بطاعته، فإن الله يدعوكم إلى داره، وهي جناته التي أعدَّها لأوليائه، تسلموا من الهموم والأحزان فيها، وتأمنوا من فناء ما فيها من النَّعيم والكرامة التي أعدَّها لمن دخلها، وهو يهدي من يشاء من خلقه فيوفقه لإصابة الطريق المستقيم، وهو الإسلام الذي جعله جل ثناؤه سببًا للوصول إلى رضاه، وطريقًا لمن ركبه وسلك فيه إلى جِنانه وكرامته" ا.ه

وهذا السفر الذي نحن فيه لا يفضي إلى المقصد الأسمى والمطلب الأعلى إلا بزاد وهو التقوى ولذلك قال تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:197] فمن لم يتزود في دنياه لآخرته بالمواظبة على العبادة وانقضى عَلَيْهِ نفس من أنفاسه وَلم يتقرب لله فيه بِطَاعَة فَهُوَ مغبون لضياع ذَلِك النَّفَس فَإِنَّهُ لَا يعود قطّ.

أما من صرف عمره إِلَى دنياه فقد خَابَ سَعْيه وَضاع عمله كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[هود:15]، وقال: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا }[الإسراء:18]،
وَمن عمل لآخرته فَهُوَ الَّذِي أفلح سَعْيُه وحَسُنَ عمله كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء:19].

ومن مقاصد الشرع في الأعمال المداومة عليها، قال تعالى: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج:23،22]،

وهي من أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: «أدومها وإن قل»

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم يداومون على الطاعات ففي الصحيحين عن علقمة، قال: سألت أم المؤمنين عائشة، قلت: يا أم المؤمنين، كيف كان عمل النبي صلى الله عليه وسلم، هل كان يخص شيئا من الأيام؟ قالت: «لا، كان عمله ديمة، وأيكم يستطيع ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستطيع».

وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل» قال سالم: فكان عبد الله، بعد ذلك، لا ينام من الليل إلا قليلا.

وفي صحيح مسلم: "وكان آل محمد صلى الله عليه وسلم إذا عملوا عملا أثبتوه". وفي رواية له:" وكانت عائشة إذا عملت العمل لزمته"

وما من شيء عمله النبي صلى الله عليه وسلم ولزِمه إلا كانت له ثمرات، إذاً فما هي ثمرات المداومة على العمل الصالح وإن قل؟

اعلم أخي المبارك أن المداومة على الأعمال الصالحة لها ثمرات كثيرة وفضائل عديدة، وأعظم تلك الثمرات أنها سبب لدخول الجنة.

ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: (عند صلاة الفجر يا بلال فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة» قال: ما عملت عملا أرجى عندي: أني لم أتطهر طهورا، في ساعة ليل أو نهار، إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي " قال أبو عبد الله: «دف نعليك يعني تحريك»
ومن ثمرات المداومة على العمل الصالح أنها سبب لمحبة الله تعالى لصاحبها، ودوام اتصال قلوبهم بربهم ومولاهم الذي يرشدهم إلى الخير ويدلهم عليه ويثبتهم على الحق ويهديهم إليه.

فقد روى الإمام البخاري رحمه الله عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه.

والشاهد من الحديث حين قال: (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).

ومن ثمراتها أنها سبب للنجاة من الكرب والشدائد في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى عن يونس عليه الصلاة والسلام: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: 144،143].

قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره: {فَلَوْلا أَنَّهُ} يعني يونس {كَانَ مِنَ} المصَلِّينَ لله قبل البلاء الذي ابتُلي به من العقوبة بالحبس في بطن الحوت {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}، يقول: لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة، يوم يبعث الله فيه خلقه محبوسا، ولكنه كان من الذاكرين الله قبل البلاء، فذكره الله في حال البلاء، فأنقذه ونجَّاه". ا.ه

وقد جاء في مسند الإمام أحمد رحمه الله من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا غلام، أو يا غليم، ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن؟» فقلت: بلى. فقال: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إليه في الرخاء، يعرفك في الشدة"، ورواه الترمذي بمعناه وقال: "هذا حديث حسن صحيح".

فيا عبد الله تذكر وأنت في الرخاء أن الدنيا دار بلاء فتزود من الطاعات في الرخاء ما يعينك الله به على الثبات في أيام الشدة والبلاء.

ومن هذه الثمار أن العبد إذا كان يداوم على العمل الصالح، ثم عرض له عذر من مرضٍ أو سفر، كُتِب له ما كان يعمل حال صحته وإقامته.

فقد روى الإمام البخاري رحمه الله عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مرض العبد، أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا»

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وهو في حق من كان يعمل طاعة فمنع منها وكانت نيته لولا المانع أن يدوم عليها".

ومن هذه الثمرات أنها سبب لتكفير الخطايا والسيئات.

كما في الصحيحين عن أبي هريرة، رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (رأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟) قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: (فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا)، ومعنى الدَّرَنُ: الْوَسَخُ.

ومنها أن المداومة على الأعمال الصالحة سبب لحُسْن الخاتمة، كما قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27].

اللهم ثبتنا على الحق حتى نلقاك غير مبدلين ولا مغيرين والحمد لله رب العالمين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 157
الخميس 14 ربيع الأول 1440 هـ
...المزيد

مقال / ساحة واحدة عندما خلف أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ...

مقال / ساحة واحدة


عندما خلف أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مماته كان من أول أموره تسيير جيش أسامة رضي الله عنه إلى أطراف الشام، مع ما كان يحيط بالمدينة من خطر بعد ردة أكثر العرب، إلا أن إيمان أبي بكر رضي الله عنه رجح بكفة طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنفاذ جيشه الذي عقد لواءه دون تردد وغلّبه على غيره من المصالح، فكان في ذلك خير عظيم للمسلمين وقد أدى هذا الأمر لتخويف المرتدين من العرب ففعل بهم الخوف ما لا تفعله الجيوش وردهم عن غزو المدينة وتخطف المسلمين فيها مع قلتهم وقالوا لو كانوا قلة ما بعثوا جيش أسامة.

وفعل الصدّيق الذي وفقه الله له فيه قاعدة عامة في كل صراع بين الأمم وهو أن القتال مع العدو في مجمله يصب في سياق واحد فكل نصر أو تحرك في أي بقعة من الأرض أو زمن من الأزمان مؤثر في غيره ولو بعد عنه زماناً ومكاناً، وعلى هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل فقد نصر بالرعب مسيرة شهر فيغزوا القوم فيخافه آخرون وينزلون له أو يطلبون السلامة منه، وكذا كان فتح مكة فقد كان لغزوة بدر وأحد والأحزاب أثر واضح فيها فلم تقم قريش إلى قتال المسلمين بل طلبوا السلامة واستسلموا لدخول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى مكة بالقوة بعد أن منعوهم منها قبل أشهر عندما جاؤوا معتمرين.

إنما يكون ذلك كله بأمره الله ووفق سننه وتقديره، وعلى هذا السياق أمر ربنا سبحانه نبيه بالإثخان في الكفار والمشركين بادئ الأمر ليكون ذلك رادعا ومرعبا لهم قال تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67]، فالتداول بين الحق والباطل قدّره الله لحكم كثيرة يعلمها سبحانه {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد: 4].

وفي زماننا هذا أصبح العالم أكثر تقاربا والمعلومات والأخبار أسرع وأكثر انتشارا، وكانت سنة الله في عباده ظاهره، فقد عمل المجاهدون في العراق بعد الغزو الأمريكي للعراق بكل وسيلة يملكونها فيكسبون معركة ويخسرون أخرى ويميلون على الكفار والمرتدين تارة ويمال عليهم تارة أخرى فلا زمن ولا مكان واضح للمعارك، ومع ذلك فخلال سنوات قليلة فتح الله لعباده فأعلنوا دولة العراق الإسلامية على رقعة من الأرض كتبها الله لهم، لم يكن لهم يد ظاهرة باختيارها، وبعد ذلك ابتلى الله المجاهدين مرة أخرى فعادوا إلى ما كانوا عليه قبل ذلك ولكن في رقعة ونطاق عمل أوسع وأكبر وكذلك كان الزمن أمد وأطول، حتى فتح الله لهم بعدها فتحاً أشمل وأكبر فلم يكن فتح الموصل في مجرد أيام قليلة، بل يسر الله للمجاهدين التوطئة لذلك الفتح بسنين طويلة من النكاية في الكفار فقد فتحت الموصل بعد أمر الله بغزوات الأسير في بغداد وصولات المجاهدين في الأنبار والجزيرة وهجومهم على سامراء فملأ صليلُ صوارمِ المجاهدين نفوس المرتدين هلعا ورعبا، ففروا مدحورين لا يلوون على شيء.

وأما اليوم فميدان الجهاد أكبر والحرب مع الكفار أشد وأكثر استعارا، فإن كان العمل فيما مضى متوزع على أرجاء العراق ثم في بعض مدن الشام وكان بعد ذلك ما كان من فتح وتمكين، فالميدان اليوم هو العالم بأسره والحرب على الكفار قائمة على جميع الأصعدة فأسود الخلافة في جبال خراسان وأدغال الصومال وفرسانها في غابات غرب إفريقية وجزر شرق آسيا وصحراء سيناء وتلال اليمن كما أكمل جندها الأوفياء مسيرهم من أرض الملاحم في الشام وأهل السبق في العراق بل حتى ديار الكفار التي كانت بعيدة عن ميادين الصراع يلهث أهلها خلف دنياهم التي بنوها على جماجم المسلمين، أصبحوا اليوم في خوف ورعب من سيارة تدهسهم أو من نار تحرق ممتلكاتهم وتبث الخوف في نفوسهم أو أسد من أسود الإسلام يلاحقهم بأي سلاح يسره الله له.

وهذه الملاحم العظام والحرب المستعرة على أعداء الله لها ما بعدها، فلم يسبق للمجاهدين في الأزمنة المتأخرة أن ساروا خلف حكم واحد وببيعة لإمام يسوس أمورهم كما هو الحال اليوم، وإننا نحسن الظن بالله بأن الفتح القادم سيكون أضعاف ما مضى وأهل الكفر حينها أذل وأقل حيلة بإذن الله، فاصبروا يا جنود الخلافة واثبتوا واعلموا أن كل طلقة أو عملية يقوم بها أحدكم في أي وقت وصقع من الأرض فهي لبنة في صرح دولة الإسلام فلا تحقروا من عملكم شيئا ولا تستهينوا بأي معركة فمجرد ثباتكم فيه إضعاف لأمم الكفر، واعلموا أنما أنتم وإخوانكم في كل مكان في ساحة واحدة، وإنما حالنا مع أعدائنا كقوله تعالى: {فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة: 52].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 157
الخميس 14 ربيع الأول 1440 هـ
...المزيد

صحيفة النبأ – العدد 516 - اقتباسات • همة المؤمن بين بيداء الشوق وصحراء الخوف همة المؤمن ...

صحيفة النبأ – العدد 516 - اقتباسات

• همة المؤمن
بين بيداء الشوق وصحراء الخوف


همة المؤمن متعلقة بالآخرة، فكل ما في الدنيا يحركه إلى ذكر الآخرة، وكل مَن شغله شيء، فهمّته شغله.

ألا ترى أنه لو دخل أرباب الصنائع إلى دار معمورة، رأيت البزّاز ينظر إلى الفرش، ويحزر قيمته، والنجّار إلى السقف، والبنّاء إلى الحيطان، والحائك إلى النسج.

والمؤمن إذا رأى ظلمةً، ذكر ظلمة القبر، وإن رأى مؤلمًا، ذكر العقاب، وإن سمع صوتًا فظيعًا، ذكر نفخة الصور، وإن رأى الناس نيامًا، ذكر الموتى في القبور، وإن رأى لذة، ذكر الجنة؛ فهمته متعلقة بما ثم، وذلك يشغله عن كل ما تم.

وأعظم ما عنده أنه يتخايل دوام البقاء في الجنة، وأن بقاءه لا ينقطع، ولا يزال، ولا يعتريه منغّص، فيكاد إذا تخايل نفسه متقلبًا في تلك اللذات الدائمة، التي لا تفنى؛ يطيش فرحًا، ويسهل عليه ما في الطريق إليها، من ألم، ومرض، وابتلاء، وفقد محبوب، وهجوم الموت، ومعالجة غصصه، فإن المشتاق إلى الكعبة يهون عليه رمل زرود -رمل كثيف في طريق القادم من الكوفة إلى مكة المكرمة-.

والتائق إلى العافية لا يبالي بمرارة الدواء، ويعلم أن جودة الثمر ثم على مقدار جودة البذر ها هنا، فهو يتخير الأجود، ويغتنم الزرع في تشرين العمر -موسم الزراعة الشتوي- من غير فتور، ثم يتخايل المؤمن دخول النار والعقوبة، فيتنغص عيشه، ويقوى قلقه، فعنده بالحالين شغل عن الدنيا وما فيها، فقلبه هائم في بيداء الشوق تارة، وفي صحراء الخوف أخرى، فما يرى البنيان.

فإذا نازله الموت، قوي ظنه بالسلامة، ورجا لنفسه النجاة، فيهون عليه، فإذا نزل إلى القبر، وجاءه من يسألونه، قال بعضهم لبعض: دعوه، فما استراح إلا الساعة.

نسأل الله -عز وجل- يقظة تامة، تحركنا إلى طلب الفضائل، وتمنعنا من اختيار الرذائل؛ فإنه إن وفق؛ وإلا فلا نافع.

[صيد الخاطر/ لابن الجوزي]



• المصدر:
اقتباسات - صحيفة النبأ – العدد 516
السنة السابعة عشرة - الخميس 17 ربيع الآخر 1447 هـ
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً