نبي الملحمة، صلى الله عليه وسلم.. جهاد حتى الممات [1/2] الجهاد في سبيل الله عبادة لها من ...

نبي الملحمة، صلى الله عليه وسلم.. جهاد حتى الممات
[1/2]

الجهاد في سبيل الله عبادة لها من الإسلام ذروة السنام، ومقامها فيه أرفع مقام، وليست تنقطع حتى قيام الساعة كما أخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو الذي قاد المجاهدين وأرسل السرايا وجيّش الجيوش، بعد هجرته إلى المدينة بفترة يسيرة، واستمر في جهاد أعدائه حتى لقي ربه.

فقد وصل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة بعد هجرته من مكة، يوم الجمعة الثاني عشر من ربيع الأول، على رأس ثلاث عشرة سنة من النبوة كما يذكر أصحاب السير، وانشغل وأصحابه في بناء المسجد وتنظيم أمور المدينة والمؤاخاة وغيرها من الأمور الأساسية في بناء الدولة النبوية، ولم يتأخر -صلى الله عليه وسلم- عن الجهاد، فبعد أشهر من تاريخ مقدمه أرسل أولى سراياه.

ذكر ابن سعد في الطبقات أنَّ «أول لواء عقده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحمزة بن عبد المطلب بن هاشم، في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم»، وتوجهت هذه السرية لاعتراض عير قريش ولم يحدث بين الفريقين قتال، فسبعة أشهر بعد الهجرة كانت كافية عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليبدأ جهاد الطلب لأعداء الله وشن غاراته عليهم، ثم تجد أنه -صلى الله عليه وسلم- في الفترة الفاصلة بين هذه السرية وغزوة بدر الكبرى في رمضان من السنة الثانية للهجرة (التي تقدر بسنة واحدة فقط)، قد أرسل وشارك بنفسه في سبع سرايا وغزوات؛ أي لا يمر شهران دون أن يرسل سرية أو يخرج في غزوة، بل أقل من ذلك إذا احتسبت المدة التي تقضيها السرية أو الغزوة في الخروج ولقاء العدو والرجوع ثم الخروج بعدها لغزوة أخرى.

وهكذا كانت سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- جهادا غير منقطع طلباً لأعداء الله ورداً لهم عن حياض المسلمين، وكم كان -صلى الله عليه وسلم- يَوَدُّ أن يخرج في كل سرية تغزو في سبيل الله، ولكنَّ شدّة الوضع في المدينة تمنعه.

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لولا أن رجالا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده، لوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل) [رواه البخاري].

فكم هي عظيمة منزلة الشهادة في سبيل الله حتى يتمناها النبي الذي اصطفاه الله وكرمه وختم به الرسالة! وكم هو عظيم أجر الجهاد في سبيل الله حتى يَوَدُّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ألا يتخلف عن سرية تغزو في سبيل الله، ولو عاد المرء إلى السيرة لوجد أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قد خرج بنفسه في إحدى وعشرين غزوة على الصحيح من الأقوال. [انظر: النبي القائد]، «وأما البعوث والسرايا؛ فَعَدَّ ابن إسحاق ستا وثلاثين....» وزاد غيره على ذلك [انظر: النبي القائد]، أي بمجموع سبع وخمسين غزوة وسرية في مدة عشر سنوات، بمعدل خمس إلى ست غزوات وسرايا في السنة.

وحتى بعد عقد الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصلح مع قريش عام الحديبية في آخر السنة السادسة من الهجرة، فإنه -صلى الله عليه وسلم- لم يخلد إلى الراحة والاستقرار بعد ست سنوات خاض فيها الصحابة ما خاضوا من الحروب وفقدوا من فقدوا من الأهل والأولاد والأموال، بل خرج إلى خيبر أول سنة سبع من الهجرة.

قال ابن كثير: «وقال موسى بن عقبة: لما رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الحديبية مكث عشرين يوما أو قريبا من ذلك، ثم خرج إلى خيبر وهي التي وعده الله إياها»، فمكّنه الله من فتح حصونها وقتل اليهود وإخراجهم واغتنام ما بأيديهم، ثم في جمادى الأولى من السنة ذاتها، أرسل الرسول -صلى الله عليه وسلم- جيشاً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل إلى مؤتة من أرض الشام ليؤدب النصارى العرب الذين قتلوا رسوله إليهم؛ حتى لا تضيع هيبة المسلمين ودولتهم، وواجه المسلمون في هذه المعركة مائتي ألف مقاتل من النصارى؛ نصفهم من العرب والنصف الآخر من الروم، وسقط فيها قادة الجيش الثلاثة الذين سماهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شهداء، وهم جعفر بن أبي طالب ابن عمه وحبيبه، وزيد بن حارثه حِبُّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعبد الله بن رواحة، رضي الله عنهم جميعاً.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 42
الثلاثاء 5 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

نبي الملحمة، صلى الله عليه وسلم.. جهاد حتى الممات [2/2] فكم هي عظيمة منزلة الشهادة في سبيل ...

نبي الملحمة، صلى الله عليه وسلم.. جهاد حتى الممات
[2/2]


فكم هي عظيمة منزلة الشهادة في سبيل الله حتى يتمناها النبي الذي اصطفاه الله وكرمه وختم به الرسالة! وكم هو عظيم أجر الجهاد في سبيل الله حتى يودُّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ألا يتخلف عن سرية تغزو في سبيل الله، ولو عاد المرء إلى السيرة لوجد أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قد خرج بنفسه في إحدى وعشرين غزوة على الصحيح من الأقوال. [انظر: النبي القائد]، «وأما البعوث والسرايا؛ فعدّ ابن إسحاق ستا وثلاثين....» وزاد غيره على ذلك [انظر: النبي القائد]، أي بمجموع سبع وخمسين غزوة وسرية في مدة عشر سنوات، بمعدل خمس إلى ست غزوات وسرايا في السنة.

وحتى بعد عقد الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصلح مع قريش عام الحديبية في آخر السنة السادسة من الهجرة، فإنه -صلى الله عليه وسلم- لم يخلد إلى الراحة والاستقرار بعد ست سنوات خاض فيها الصحابة ما خاضوا من الحروب وفقدوا من فقدوا من الأهل والأولاد والأموال، بل خرج إلى خيبر أول سنة سبع من الهجرة.

قال ابن كثير: «وقال موسى بن عقبة: لما رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الحديبية مكث عشرين يوما أو قريبا من ذلك، ثم خرج إلى خيبر وهي التي وعده الله إياها»، فمكّنه الله من فتح حصونها وقتل اليهود وإخراجهم واغتنام ما بأيديهم، ثم في جمادى الأولى من السنة ذاتها، أرسل الرسول -صلى الله عليه وسلم- جيشاً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل إلى مؤتة من أرض الشام ليؤدب النصارى العرب الذين قتلوا رسوله إليهم؛ حتى لا تضيع هيبة المسلمين ودولتهم، وواجه المسلمون في هذه المعركة مائتي ألف مقاتل من النصارى؛ نصفهم من العرب والنصف الآخر من الروم، وسقط فيها قادة الجيش الثلاثة الذين سماهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شهداء، وهم جعفر بن أبي طالب ابن عمه وحبيبه، وزيد بن حارثه حِبُّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعبد الله بن رواحة، رضي الله عنهم جميعاً.

ثم منّ الله -عز وجل- بعد ذلك على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بفتح مكة ثم حنين ثم غزو الطائف ثم ما كان من تبوك وغيرها من السرايا والبعوث التي بذل فيها الصحابة -رضي الله عنهم- الأنفس والأموال، وفقد فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- الأقارب والأحباب، فلم تكن الانتصارات يوما بلا ثمن.

وتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يُعد سرية أسامة (ابن شهيد مؤتة زيد بن حارثة)، جهزه ليقاتل القوم ذاتهم، وتوفي -صلى الله عليه وسلم- قبل إنفاذ بعث أسامة -رضي الله عنه- فأنفذه الصديق -رضي الله عنه- من بعده.
فيا من تدّعون محبّة الرسول -صلى الله عليه وسلم- أين أنتم من سيرته؟ أوليس فيها أسوة حسنة لكم؟ ما لكم جعلتم أسوة لكم الأئمة المضلّين الذين يجهدون كل الجهد في أن يغيروا معالم هذه العبادة العظيمة، أو يجعلوها من نوافل الطاعات بعد أن يشترطوا لها من الاشتراطات ما لم ينزل الله به من سلطان.

أولئك الضالون الذين أطنبوا وأكثروا من الحديث عن السلام في الإسلام وصغروا من شأن الجهاد في سبيل الله، وأدخلوا فيه ما ليس منه تبريراً لقعودهم عنه، ثم قللوا من شأنه بادعائهم أن الجهاد الأكبر جهاد النفس وما عداه أصغر، ودعوا إلى السلم وأوّلوا قوله تعالى: {يا أيُّها الّذِين آمنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كافّةً ولا تتّبِعُوا خُطُواتِ الشّيْطانِ إِنّهُ لكُمْ عدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 208] بالدخول في السلام مع أنّ المراد بها الدخول في شرائع الإسلام كافة دون ترك بعضها، وليس مسالمة الأعداء كما زعموا [انظر: تفسير ابن كثير].
وأين هم من جهاد النبي -صلى الله عليه وسلم- وجهاد أصحابه والتابعين؟ وأين هم من قوله تعالى: {فإِذا انْسلخ الْأشْهُرُ الْحُرُمُ فاقْتُلُوا الْمُشْرِكِين حيْثُ وجدْتُمُوهُمْ وخُذُوهُمْ واحْصُرُوهُمْ واقْعُدُوا لهُمْ كُلّ مرْصدٍ فإِنْ تابُوا وأقامُوا الصّلاة وآتوُا الزّكاة فخلُّوا سبِيلهُمْ إِنّ اللّه غفُورٌ رحِيمٌ}[التوبة: 5]؟ وأين هم من قوله تعالى: {يا أيُّها الّذِين آمنُوا قاتِلُوا الّذِين يلُونكُمْ مِن الْكُفّارِ ولْيجِدُوا فِيكُمْ غِلْظةً واعْلمُوا أنّ اللّه مع الْمُتّقِين} التوبة: 123]؟ أم أنّ هذه الآيات نزلت تخاطب قوما آخرين ولا تعني مدّعي العلم بشيء؟

وأما أنتم يا جند الخلافة فهنيئاً لكم اتباع سنة نبيكم، وسيركم تحت لوائه وائتماركم بأمره في جهاد أعداء الله مهما كثروا ومهما تجهزوا، فأنتم جند الله -عز وجل- وأتباع رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: {ولقدْ سبقتْ كلِمتُنا لِعِبادِنا الْمُرْسلِين * إِنّهُمْ لهُمُ الْمنْصُورُون * وإِنّ جُنْدنا لهُمُ الْغالِبُون} [الصافات: 171-173].

حشرنا الله وإياكم تحت لواء النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة، وسقانا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 42
الثلاثاء 5 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

وَسَتُسْأَلِينَ عَنْ عُمْرِكِ فِيمَا أَفنَيْتِهِ [1/2] كم من الوقت يقضيه الناس بين قيل وقال، ...

وَسَتُسْأَلِينَ عَنْ عُمْرِكِ فِيمَا أَفنَيْتِهِ
[1/2]

كم من الوقت يقضيه الناس بين قيل وقال، وكم من الفراغ يمضونه بين سفاسف الأعمال، وكم من العمر يهدرونه بين تفريط وتقصير، وكم من النعم يضيعونها دونما شكر أو تقدير!

ولعل الرجال في هذا الشأن أهون حالا من النساء، إذ إنهم وبحكم القوامة التي ألزمهم الله بها، والتكاليف التي فُرضت عليهم دون النساء، هم بين عمل وجهاد ورباط -هكذا حالهم في دولة الإسلام- أما النساء فيا لطول فراغهن، فراغ ستسأل عنه المرأة كما الرجل، وقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)، قال المباركفوري: «المغبون أي الخاسر في التجارة مأخوذ من الغبن في البيع. والمعنى: لا يعرف قدر هاتين النعمتين كثير من الناس حيث لا يكسبون فيهما من الأعمال كفاية ما يحتاجون إليه في معادهم فيندمون على تضييع أعمارهم عند زوالها ولا ينفعهم الندم» [تحفة الأحوذي].

قال ابن حجر في شرحه لهذا الحديث: «ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- للمكلف مثلا بالتاجر الذي له رأس مال، فهو يبتغي الربح مع سلامة رأس المال، فطريقه في ذلك أن يتحرى فيمن يعامله، ويلزم الصدق والحذق لئلا يُغبَن، فالصحة والفراغ رأس مال، وينبغي له أن يعامل الله بالإيمان، ومجاهدة النفسِ وعدوِ الدين، ليربح خيري الدنيا والآخرة» [فتح الباري]، فلتحذر المسلمة فإن عمرها رأس مالها، وأنَّى لتاجر ضيع رأس ماله أن يفوز ويربح!

فالفراغ إذن نعمة لا يثمنها كثير من النسوة، إذ نجد الواحدة منهن تهدر وقتها في أمور قد تعمر بها دنياها، ولكنها حتما تخرب بها أخراها؛ من جلسة إلى جلسة، ومن حديث إلى حديث، ومن اتصال إلى اتصال، وكل ذلك لا يكاد يخلو من غيبة، أو نميمة، أو إرجاف، أو تناقل إشاعة كاذبة وإذاعتها بين الناس، إلا من رحم ربي وهن قليلات.
وعن أبي برزة الأسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيمَ أفناه، وعن علمه فيمَ فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه، وعن جسمه فيمَ أبلاه) [رواه الترمذي].

فهلّا تأملتْ المسلمة في عمرها فيما أفنته؟ وهلا حاسبت نفسها الأمارة بالسوء عن وقتها فيما أضاعته؟ والله تعالى يقول: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92-93]، وقال الحسن البصري، رحمه الله: «يعرض على ابن آدم يوم القيامة ساعات عمره، فكل ساعة لم يحدث فيها خيرا تقطعت نفسه عليها حسرات».
هذه ساعات لم يحدِث المرء فيها خيرا تتقطع نفسه عليها حسرات، فكيف بساعات يحدثِ فيها شرا؟ كيف بساعات أسخط فيها ربه وأفرح الشيطان ولم يكُ من المفلحين؟

أيتها الأخت المسلمة إن الناس لم يُخلقوا عبثا حتى يفنوا أعمارهم فيما يضرهم في الآخرة ولا ينفعهم، كيف والله تبارك وتعالى يقول: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115]، بل خُلقوا ليعبدوا الله -عز وجل- وحده ويعمروا هذه الأرض وفق ما أراده الخالق وشاء، إذ يقول الله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، فكيف ستتحقق هذه العبادة للمرأة المسلمة إن هي أهدرت عمرها تلهث وراء الشهوات والملذات، وكانت من اللاهيات الغافلات؟

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل وهو يعِظه: (اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) [رواه الحاكم].
قال المناوي: «(اغتنم خمسا قبل خمس)، أي افعل خمسة أشياء قبل حصول خمسة أشياء؛ (حياتك قبل موتك)، يعني اغتنم ما تلقى نفعه بعد موتك، فإن من مات انقطع عمله، وفاته أمله، وحق ندمه وتوالى همه، فاقترض منك لك، (وصحتك قبل سقمك)، أي اغتنم العمل حال الصحة، فقد يمنع مانع كمرض فتقدم المعاد بغير زاد، (وفراغك قبل شغلك)، أي اغتنم فراغك في هذه الدار قبل شغلك بأهوال القيامة التي أول منازلها القبر، فاغتنم فرصة الإمكان لعلك تسلم من العذاب والهوان، (وشبابك قبل هرمك)، أي اغتنم الطاعة حال قدرتك قبل هجوم عجز الكبر عليك فتندم على ما فرطت في جنب الله، (وغناك قبل فقرك)، أي اغتنم التصدق بفضول مالك قبل عروض جائحة تفقرك فتصير فقيرا في الدنيا والآخرة، فهذه الخمسة لا يُعرف قدرها إلا بعد زوالها» [فيض القدير].


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 42
الثلاثاء 5 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

وستُسْألين عنْ عُمْرك فيما أفنيْته [2/2] أيتها الأخت المسلمة إن الناس لم يُخلقوا عبثا حتى يفنوا ...

وستُسْألين عنْ عُمْرك فيما أفنيْته
[2/2]

أيتها الأخت المسلمة إن الناس لم يُخلقوا عبثا حتى يفنوا أعمارهم فيما يضرهم في الآخرة ولا ينفعهم، كيف والله تبارك وتعالى يقول: {أفحسبْتُمْ أنّما خلقْناكُمْ عبثًا وأنّكُمْ إليْنا لا تُرْجعُون} [المؤمنون: 115]، بل خُلقوا ليعبدوا الله -عز وجل- وحده ويعمروا هذه الأرض وفق ما أراده الخالق وشاء، إذ يقول الله سبحانه: {وما خلقْتُ الْجنّ والْإنْس إلّا ليعْبُدُون} [الذاريات: 56]، فكيف ستتحقق هذه العبادة للمرأة المسلمة إن هي أهدرت عمرها تلهث وراء الشهوات والملذات، وكانت من اللاهيات الغافلات؟

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل وهو يعظه: (اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) [رواه الحاكم].

قال المناوي: «(اغتنم خمسا قبل خمس)، أي افعل خمسة أشياء قبل حصول خمسة أشياء؛ (حياتك قبل موتك)، يعني اغتنم ما تلقى نفعه بعد موتك، فإن من مات انقطع عمله، وفاته أمله، وحق ندمه وتوالى همه، فاقترض منك لك، (وصحتك قبل سقمك)، أي اغتنم العمل حال الصحة، فقد يمنع مانع كمرض فتقدم المعاد بغير زاد، (وفراغك قبل شغلك)، أي اغتنم فراغك في هذه الدار قبل شغلك بأهوال القيامة التي أول منازلها القبر، فاغتنم فرصة الإمكان لعلك تسلم من العذاب والهوان، (وشبابك قبل هرمك)، أي اغتنم الطاعة حال قدرتك قبل هجوم عجز الكبر عليك فتندم على ما فرطت في جنب الله، (وغناك قبل فقرك)، أي اغتنم التصدق بفضول مالك قبل عروض جائحة تفقرك فتصير فقيرا في الدنيا والآخرة، فهذه الخمسة لا يُعرف قدرها إلا بعد زوالها» [فيض القدير].

وهل إضاعة الوقت فيما يضر ولا ينفع من هدي خير معلم وقدوة محمد، صلى الله عليه وسلم؟ أو من هدي أصحابه من بعده أو التابعين؟ حاشاهم حاشاهم أجمعين.

فقد روي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء؛ جزءا لله، وجزءا لأهله، وجزءا لنفسه، ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس» [رواه الطبراني]
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلّم أصحابه كيف يستثمرون أوقاتهم، جاء في الحديث: (بادروا بالأعمال سبعا، هل تنظرون إلّا إلى فقر منسٍ، أو غنى مطغٍ، أو مرض مفسد، أو هرم مفند، أو موت مجهز، أو الدجال فشرُّ غائب يُنتظر، أو الساعة؟ فالساعة أدهى وأمر) [رواه الترمذي].

وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: «ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت فيه شمسه، نقص من أجلي ولم يزدد فيه عملي»، وبعض السلف كان يعد كلامه من الجمعة إلى الجمعة! وقال الحسن البصري، رحمه الله: «لقد أدركت أقواما كانوا أشد حرصا على أوقاتهم من حرصكم على دراهمكم ودنانيركم»!

ولتعلم المسلمة أن الشيطان عدو متربص بالعباد إلا من عصم الله، فما من خير إلا ويسوّفه لهم ليثنيهم عن فعله، وما من شر إلا ويزيّنه ويزكيه ويستعجلهم لاقترافه، وإن ذهب أحد يعُدّ مداخل الشيطان ومكايده لما أحصاها.

وعليه فحريّ بالمسلمة الكيّسة أن تتفطن لحيل الشيطان، فتكثر من الزرع للآخرة حتى لا تندم يوم الحصاد وجني الثمار، فتموت حسرة وكمدا على ما فرطت في جنب الله تعالى.

قال ابن الجوزي: «الكسل عن الفضائل بئس الرفيق، وحب الراحة يورث من الندم ما يربو على كل لذة، فانتبه وأتعب نفسك، واندم على ما مضى من تفريطك، واجتهد في لحاق الكاملين ما دام في الوقت سعة، واسق غصنك ما دامت فيه رطوبة، واذكر ساعتك التي ضاعت فكفى بها عظة، ذهبت لذة الكسل فيها، وفاتت مراتب الفضائل، وإنما تقصر الهمم في بعض الأوقات، فإذا حثت سارت، وما تقف همة إلا لخساستها، وإلا فمتى علت الهمة فلا تقنع بالدون».

وإن للمسلمة في سير الصحابيات والصالحات من السلف أسوة حسنة، تشحذ الهمم وتنير الدرب، فهن اللاتي لم يخدعهن بريق الدنيا الزائف، وما غرتهن الحياة بمتاعها الفاني، فكان الفلاح في الآخرة مبلغ همهن، وكن خير النساء وخير الزوجات وخير الأمهات، والله حسيبهن.
فهذه هجيمة الوصابية، أم الدرداء الصغرى، اشتهرت بالعلم والعمل والزهد، ترجم لها الذهبي فكان مما قاله عنها: «كانت فقيهة عالمة عابدة واسعة العلم وافرة العقل».

وهذه معاذة بنت عبد الله العدوية وتكنى أم الصهباء البصرية، تلميذة عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- وقد روت معظم أحاديثها، وكانت مثلها من المستكثرات من العبادة، قال الذهبي عنها: «بلغني أنها كانت تحيي الليل وتقول عجبت لعين تنام وقد علمت طول الرقاد في القبور».

وغيرهن من الصحابيات والتابعيات اللواتي حافظن على أوقاتهن، وحرصن على أعمارهن، في الصالحات الباقيات، فهن المتبعات في الخير، لا الغافلات المفرطات.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلّ اللهم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 42
الثلاثاء 5 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

لماذا يرتعد العالم خوفاً من الدَّولة الإسلامية؟ » لأن كفار العالم لم يتعوّدوا على سماع أحد ...

لماذا يرتعد العالم خوفاً من الدَّولة الإسلامية؟


» لأن كفار العالم لم يتعوّدوا على سماع أحد يخاطبهم بهذه اللهجة منذ عقودٍ مضت عندما خاطب أمير المؤمنين أبو بكر البغدادي العالم أجمع مُقسماً على الله قائلاً بلسان العزَّة: "فوالله لنثأرن والله لنثأرن ولو بعد حين لنثأرن ولنردَّ الصاع صاعات والمكيال مَكاييل" ثم أكمل قائلا:
"وعمَّا قريبٍ بإذن الله ليأتينَّ يوم يمشي فيه المُسلم في كلِّ مكان سيداً كريماِ مهاباً، مرفوع الرأس محفوظ الكرامة، لا تتجرأ عليه جهةً إلا وتؤدب، ولا تمتدُّ إليه يدُ سوءٍ إلا وتُقطع"


» عندها استفاقت أمريكا على هذا الخطر العظيم فحشَّدت وألَّبت العالم أجمع على هذه الطائفة، عندما سمعوا لهجة الشيخ البغدادي علموا أن هذه الطائفة ليست كغيرها عندما أكمل قائلا: "ألا فليعلم العالم أننا اليوم في زمان جديد، ألا مَن كان غافلاً فلينتبه، ألا مَن كان نائما فليفق، ألا فليعِ من كان مصدوماً مذهولاً، إن للمسلمين اليوم كلمة عالية مدوّية وأقداماً ثقيلة، كلمةً تُسمع العالم وتفهمه معنى الإرهاب، وأقداماً تدوس وثن القومية وتحطم صنم الديمقراطية وتكشف زيفها، فاسمعي يا أمة الإسلام، اسمعي وعي وقومي انهضي"

عندها فقط أدرك #العم_سام أن لا تفاوض مع هؤلاء القوم
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً