الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89 الافتتاحية: حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89
الافتتاحية:

حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ

في الوقت الذي لا يزال جنود الخلافة يسطّرون صفحات مجد وعز جديدة في سِفر ملحمة الموصل، يخرج علينا طواغيت الرافضة من مشارق الأرض ومغاربها ليعلنوا تحقيقهم النصر في هذه المعركة، التي تلقوا فيها درسا لن ينسوه في تاريخهم.

إذ ظهر طواغيت أحزابهم وفصائلهم في إيران والعراق والشام واليمن، يبارك بعضهم لبعض انتصارا لم يحققوه بعد، وانتهاء حرب لم تحسم معاركها.

بل والأكثر إثارة للسخرية من فصول هذه المهزلة، أن يعلن هؤلاء السفهاء أنهم في معركة الموصل انتصروا على الولايات المتحدة الأمريكية، وخربوا مشاريعها في المنطقة، وانتصروا على الطواغيت الحاكمين لبعض بلاد المسلمين، وأضعفوا من نفوذهم وتأثيرهم.

والحقيقة أن هؤلاء الطواغيت ما كانوا ليجرؤوا على إطلاق هذه الأكاذيب، وترويج هذه الأوهام، لو كانوا ينتمون إلى أمة واعية عاقلة، ولكن الروافض أمة لا عقل لها ولا نقل، يقوم دينهم كله على الأساطير، والكذب عندهم عبادة، ولذلك استخفهم طواغيتهم، وتجرؤوا أن يبشروهم بانتصارات لم يحققوها، وإنجازات لم يصنعوها، بل ويقلبوا لهم ظهر الحقيقة، ويصوروا لهم الأمر على أنه معركة الرافضة ضد الصليبيين، رغم أن صغار القوم وكبارهم يدركون أن حقيقة الأمر بخلاف ذلك، ولكن كيف لهم أن يخالفوا طواغيتهم، أو يعترفوا بحقيقة ما جرى ويجري على أرض العراق.

وإلا كيف يجرؤ طواغيت الرافضة أن ينكروا فضل أمريكا عليهم في حربهم ضد الدولة الإسلامية، وهم يعلمون يقينا أن أمريكا هي التي قادت الحرب كلها ضد الدولة الإسلامية منذ إعلانها في العراق قبل عشر سنين وإلى يومنا هذا، وأنه لم تمض على انسحاب أمريكا من العراق شهور قليلة إلا وبدأت المناطق تسقط تباعا في يد جنود الدولة الإسلامية حتى كان الفتح الكبير، وهروب عشرات الآلاف من جنود الجيش الرافضي من الموصل أمام بضع مئات من المجاهدين، الذين ظلوا يلاحقون فلولهم حتى أبواب بغداد، التي طرقوها وكادوا أن يحطموها لولا قدر الله الذي حال بيننا وبينهم بمقتضى حكمته، وهرب على إثر ذلك طواغيت المنطقة الخضراء وازدحم بهم مطار بغداد، وتدخل الصليبيون لإنقاذ عبيدهم الروافض من أن تطأهم أقدام أهل التوحيد في بغداد وكربلاء والنجف، وغيرها من المدن التي يحتلونها.
وكيف يجرؤون أن يزعموا أنهم في حربهم مع الدولة الإسلامية يحاربون أمريكا وطواغيت الحكم التابعين لها، وهم لا يستطيعون أن يتقدموا على الأرض شبرا دون غطاء من طيران التحالف الصليبي الذي تقوده أمريكا، ولا يستطيعون أن يثبتوا في موقع من مواقع القتال دون غطاء من الطيران، فهل تقدم لهم أمريكا كل هذا الدعم لتحارب نفسها؟ وهل يستجدون هم كل هذا الدعم من أمريكا ليحاربوها به؟!

وكيف يجرؤون أن يفتخروا بجيشهم المهزوم، وحشدهم المهلهَل، بعد هزائمهم المذلة طوال السنوات الثلاث الماضية، وكل هذه الخسائر التي مُنوا بها في معاركهم الكثيرة مع جنود الخلافة، والتي بلغت حدا جعلت جيشهم الذي صُنع بيد الأمريكان وتحت إشرافهم أثرا بعد عين، وذكرى من الماضي، والتي لا تقل عنها خسائر تلك الميليشيات رديئة المستوى في التدريب والقتال، والتي تعتمد على كثرة العدد فقط، فيحاولون أن يسبغوا عليها صفات بطولة زائفة، وهم يعلمون أن دور مقاتلي هذا الحشد لم يتجاوز في هذه المعركة التي أدارتها أمريكا إمساك الأرض بعد أن تسويها طائرات التحالف الصليبي، ثم التخلي عنها، والفرار أمام أي هجوم للمجاهدين إن تأخرت طائرات الصليبيين عن نجدتهم ساعات قليلة، تاركين أسلحتهم وآلياتهم غنائم للمجاهدين، وجثث إخوانهم المرتدين لتأكلها السباع، وتحرقها النيران.
إن الروافض يعرفون جيدا من يقاتلون اليوم، ويعرفون أنفسهم جيدا أنهم لا طاقة لهم بجنود التوحيد إلا بدعم من اليهود والصليبيين وطواغيت الشرق والغرب، ويعرفون أن حربهم مع الموحدين طويلة جدا، ولذلك فهم يطلبون بطرق غير مباشرة من الصليبيين والطواغيت أن يستمروا في دعمهم، ويعرضون أنفسهم عليهم لاعتمادهم بشكل دائم في قتال الدولة الإسلامية في كل مكان.

وهم بذلك يضعون أنفسهم في الوظيفة التي يريد منهم الصليبيون أن يقوموا بها، وهي وظيفة العدو الطبيعي للخلافة كما كانوا على مدى تاريخ الحملات الصليبية، حيث لا يمكن لدينهم أن يقوم، ولرايتهم أن تعلو في الأرض بوجود خلافة وفي ظل قيامها بمحاربة الشرك وأهله، وهو ما سيكون -بإذن الله- على يد الدولة الإسلامية.

ولن تنفع الرافضة استعانتهم بالصليبيين على قتال الموحدين، مثلما لم ينفعهم شركهم بالله العظيم، واستغاثاتهم بالأموات والمقبورين، ونعدهم –بإذن الله- بمشاهد عظيمة، تنسيهم أهوال الموصل وسبايكر وبيجي، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون، وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة الصحيفة وللأعداد الجديدة.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89 قصة شهيد: أبو مجاهد الفرنسي تجارة مع الله تعالى.. ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89
قصة شهيد:

أبو مجاهد الفرنسي
تجارة مع الله تعالى.. إيمان وجهاد بالمال والنفس

1/6

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: 10 - 13].

هذه التجارة الرابحة يطلبها كثير من الموحدين، ويحرصون عليها، ويبذلون في سبيل الفوز بها المال والنفس، طلبا لثمن تلك التجارة الذي وعد الله به، ومن هؤلاء التجار الفائزين، أبو مجاهد الفرنسي، تقبله الله، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا.

مكرم أبروقي، شاب تونسي الأصل أمضى طفولته وشبابه في الضواحي الفرنسية البائسة، همّه الدنيا التي حصّل منها نصيبا كبيرا، لاهيا عن الآخرة التي لم يتعلم من أمرها شيئا.

رجل عصابات جريء، كسب أموالا ضخمة من عمليات السطو الكثيرة على أموال الكفار، حتى امتلك سيارات فارهة، وصار يزاحم أغنياء باريس ومشاهيرها في نواديهم وحفلاتهم، وهي أكثر ما يطمح إليه أفراد هذا العالم الموبوء.

مرهوب الجانب، كان معروفا بين أقرانه بالشجاعة والإقدام، وعدم الخوف من مواجهة أو التهرب من صدام، خاصة في جولات الصراع التي لا تنتهي بين أحياء البؤساء في ظل جاهلية الضواحي الفرنسية، ولم يكن يكترث لعناصر الشرطة الفرنسية، فطالما اشتبك معهم بالسلاح، ونجح في الإفلات منهم أثناء عمليات السطو والسرقة أو بيع المخدرات.

كريم النفس، شهم الأخلاق، رغم انغماسه بشهوات الدنيا، فلا يتأخر عن مساعدة صديق، ولا الدفاع عن جار، ولا بذل المال مهما كثر لسد حاجة محتاج، أو كف يد قريب.

ذو عقلية إدارية منظَّمة، فلا يخطو خطوة إلا وقد هيَّأ لها أسبابها، ودرس عواقبها ومآلاتها، فاستخدم هذه الخصلة في عمله بشكل فعال، فلا يسطو على منزل إلا وقد استطلعه بشكل جيد، وإن اقتحمه يكون قد تجهز لأسوأ الاحتمالات، وهيأ لنفسه أسباب النجاة من القتل أو الاعتقال.

كل هذه الصفات كانت مؤهلات كافية ليكون زعيم عصابة خطير، أو تاجر مخدرات كبير، ولكن هيأ الله له السبيل إلى طريق آخر، عَكَس مجرى حياته بالكلية.

ومن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام
على عادة الكثيرين من المنتسبين إلى الإسلام، الذين لا يتذكرون دينهم إلا في رمضان، فيهرعون إلى المساجد طلبا للمغفرة، وتعويضا عما فات، وتكفيرا للخطايا والسيئات، قرر مكرم أن يقضي أياما من الشهر معتكفا في أحد مساجد باريس، حيث قدَّر الله له الاجتماع بأحد الدعاة إلى الله، رآه وهو يعلم بعض المسلمين أصول الإسلام، فانجذب إليه، والتزم حلقته، وسمع منه كلاما عن أحكام الإيمان والكفر ومعاملة الكفار، فازداد به تعلقا، ومن يومها قرر مكرم أن يتوب إلى الله، ويسلك طريقا جديدا فيما تبقى من حياته، هو طريق الهداية والعمل لدين الإسلام، وعن طريق هذا الأخ الداعية، تعرف مكرم على مجموعة من الشباب المسلمين، الدعاة إلى التوحيد، المناصرين للمجاهدين، فصار منهم، داعيا إلى الله، ساعيا إلى نصرة دينه بالمال والنفس.

كان الخياران أمام هذه المجموعة أن ينفروا إلى ساحات الجهاد، فيقاتلوا هناك حتى يُقتلوا، أو ينفذوا عمليات داخل فرنسا ضد النصارى، ولكن موانع كثيرة صدتهم عن الجهاد في سبيل الله، فاختاروا الانشغال بالدعوة في ذلك الوقت ريثما يهيِّئ الله لهم من أمرهم رشدا.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة القصة كاملة.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89 قصة شهيد: أبو مجاهد الفرنسي تجارة مع الله تعالى.. ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89
قصة شهيد:

أبو مجاهد الفرنسي
تجارة مع الله تعالى.. إيمان وجهاد بالمال والنفس

2/6

• على خطى عثمان (رضي الله عنه)..

كتب الله للدولة الإسلامية النصر والتمكين، فأقامت الدين، وجدَّدت الخلافة، وخرج أمير المؤمنين يخطب في الناس، ويحث المسلمين على الهجرة والجهاد، ويبشِّرهم بقيام دولة لهم يأرزون إليها، وإمام يقاتلون من ورائه.

كانت هذه الخطبة لحظة حاسمة في حياة أبي مجاهد وإخوانه، فلم يعودوا يطيقون صبرا على العيش في ديار الكفر، وقد أيقنوا أن الله منَّ على عباده بدار إسلام، يُقام فيها شرعُه، وتعلُوها أحكامه، فصار الهاجس الأول للمجموعة أن يهاجروا من فرنسا، خُفية عن أعين المخابرات التي كانت تراقبهم، وقد منعت بعضهم سلفا من السفر إلى خارج البلاد، وكذلك تحريض أكبر عدد ممكن من الشباب على الهجرة، خشية أن تنقطع بهم السبل بعد أن يصلوا إلى أراضي الدولة الإسلامية، ويصبح التواصل معهم صعبا عسيرا.

فبدأ الإخوة يُعدون العدّة للهجرة، ويهيِّئون أهلهم للرحيل، وقاموا بجولة على كل من يعرفونه من الشباب ويثقون به، ليحرضوه على النفير، فكان مكرم -الذي اتخذ لنفسه منذ هدايته كنية جديدة هي أبو مجاهد- يجالس الإخوة ويذكرهم بفضل الهجرة، وبنعمة العيش تحت ظل الشريعة، وتربية أطفالهم في ديار الإسلام، فإذا وجد من أخ اعتذارا بمانع من موانع الدنيا، سعى لإزالة هذا المانع بأي وسيلة كانت.

فمن كان ممنوعا من السفر، يشتري له جوازا مزورا مهما بلغ ثمنه، ومن كان لا يملك تكاليف الرحلة تعهَّد له بدفع تكاليفها مهما كبرت عائلته، بل ويشتري له سيارة ليستقلها في رحلته إن لزم، ومن كان عليه دَين أدى عنه الدين مهما كبر، هذا عدا عن شراء كل ما يحتاجه من لباس وتجهيزات للسفر والهجرة.

وبالإضافة إلى ذلك كله، دفع تكاليف كبيرة لشراء أجهزة ومعدات إلكترونية، وأجهزة كمبيوتر، طلبها بعض الإخوة ليستعملوها في خدمة دين الله، فور وصولهم إلى أرض الدولة الإسلامية.

وبالمحصلة، كان جميع الإخوة الذين حوله يشعرون أن هذا الرجل همّه أن ينفق ماله في سبيل الله، حتى باتوا يشبِّهون فعاله بفعال عثمان -رضي الله عنه- الذي موّل جيشا كاملا من ماله الخاص، طلبا لمرضاة رب العالمين.

• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة القصة كاملة.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89 قصة شهيد: أبو مجاهد الفرنسي تجارة مع الله تعالى.. ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89
قصة شهيد:

أبو مجاهد الفرنسي
تجارة مع الله تعالى.. إيمان وجهاد بالمال والنفس

3/6

• هجرة في سبيل الله..

تجهزت العوائل للهجرة في سبيل الله، والسفر إلى دار الإسلام، وكان أكثر الرجال من المتابعين أمنيا، ولهذا كان لزاما على المهاجرين أن يرتبوا أمر الرحلة جيدا حتى لا يشعر بهم أعداء الله، فيصدوهم عن سبيل الله، ويحولوا بينهم وبين الوصول إلى أرض الدولة الإسلامية.

فاستمر الإخوة في أعمالهم حتى يوم الرحيل، فيما كانت العوائل قد تجهزت للانطلاق فور رجوع الرجال من أعمالهم، لتنطلق السيارات التي تحملهم والأخرى التي تحمل العوائل وتسير في مسارات مختلفة، وعبر دول عديدة، حتى الوصول إلى اليونان، لتعبر عندها حدود "الاتحاد الأوروبي" إلى تركيا، ومنها إلى أرض الشام.

على عادته كان أبو مجاهد قد رتَّب كل شيء للرحلة، وهيأ لها كل أسباب النجاح مهما بلغت التكاليف، وصاغ لها القصة المقنعة لكي لا يثير انتباه المراقبين، أو شبهات المتطفِّلين، ووضع لها المخطط المحكم، من لحظة خروجهم من فرنسا، إلى لحظة وصولهم إلى داخل دار الإسلام، باستثناء حلقة هي الأهم في هذه الرحلة، وهي التواصل مع الإخوة في الدولة الإسلامية، ليساعدوه في تجاوز العقبات الخطيرة في طريقه، إذ توكَّل على الله أن يهديه ويعينه لتأمين تواصل معهم فور وصوله إلى تركيا، مستعجلا الرحيل، خوفا من انقطاع السبيل.

كان ترتيب الرحلة الذي وضعه أميرها أبو مجاهد يقضي بعزل العوائل عن الإخوة المعروفين، وإرسالهم مع عائلة أخ غير معروف ليعبر بهم الحدود، في حافلة صغيرة اشتراها أبو مجاهد لهذا الغرض، فيما اشترى لنفسه وبعض الإخوة الذين تعرفهم أجهزة المخابرات سيارة فارهة، كجزء من الغطاء الأمني الذي رسمته المجموعة، وهو اتخاذ صفة رجال أعمال راغبين في الذهاب إلى تركيا لعقد صفقات تجارية هناك، وهيَّأ لهذا الغرض اللباس المناسب والأوراق المزورة التي تثبت مزاعمهم، بالإضافة إلى جوازات السفر المزورة الضرورية لعبور الحدود.

تمكنت القافلة من عبور إيطاليا، ودول البلقان، وصولا إلى اليونان حيث المرحلة الأكثر خطورة في الرحلة، وعندما وصلوا إلى النقطة الأخيرة قبل الحدود، أوقف أبو مجاهد العوائل وبقية الإخوة في إحدى الاستراحات، وصمم أن يكون أول من يحاول العبور، خشية أن يكون في الأمر خطر، فيقع عليه، وينجو الآخرون من الاعتقال.

عندما فحص مسؤولو الحدود اليونانيون جواز سفره، وطابقوه مع الصور الموجودة عندهم، عاد أحدهم ليخبره بالعودة من حيث جاء، وألا يحلم بعبور الحدود مرة أخرى، ليكتشف أبو مجاهد ومن معه أن حكومة فرنسا قد عممت صورهم على كل الحدود الأوروبية قبل 10 أيام من انطلاق رحلتهم.

أُسقط في أيديهم، فهل بعد هذه العزيمة على الهجرة يرجعون أدراجهم؟ وهل ذهب كل تدبيرهم مهبّ الريح؟



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة القصة كاملة.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89 قصة شهيد: أبو مجاهد الفرنسي تجارة مع الله تعالى.. ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89
قصة شهيد:

أبو مجاهد الفرنسي
تجارة مع الله تعالى.. إيمان وجهاد بالمال والنفس

4/6

• قدر الله غالب..

كانت الدنيا تدور بهم، ولما علموا بأمر المذكرة الفرنسية تكوَّن لديهم هاجس الإفلات من الاعتقال، والتفكير بالخروج من اليونان قبل أن تطلب فرنسا إلقاء القبض عليهم وإعادتهم إليها مكبَّلين بالحديد.

جرّب الأخ الذي يصحب العوائل العبور، فتمكن -بفضل الله- من ذلك، إذ لم يكن هو أو أحد من النساء اللواتي بصحبته على قوائم المنع من المغادرة، فدخل إلى تركيا بعد أن زوّدهم أبو مجاهد بكمٍّ كبيرٍ من الأموال، على أمل أن ينتظروه هناك لفترة وإلا عبروا جميعا إلى دار الإسلام دونه ومن معه.

صار الهمّ الأول لأبي مجاهد، وقد حمل أمانة هذه المجموعة الكبيرة من المسلمين، أن يوصل العوائل إلى أراضي الدولة الإسلامية، وبعد أن يطمئن عليهم، تصبح الخيارات أمامه هو ومن معه مفتوحة، فإما أن يزيل العوائق التي تحول بينهم وبين دار الإسلام فيلحقوا بمن سبقهم، أو أن يعودوا أدراجهم إلى فرنسا، ليبدؤوا عملهم الجهادي هناك، في أرض الصليبيين التي تحارب الدولة الإسلامية، وتمنعهم من الهجرة إليها.

فكان من رحمة الله بهذه الثلة من المهاجرين أن يسَّر الله لهم التواصل مع أحد منسقي الهجرة في الدولة الإسلامية، فاتصلوا به وبيَّنوا له حالهم، وطلبوا مساعدته في إخراجهم من اليونان بأسرع وقت ممكن خشية أن يعثر عليهم الصليبيون فيعتقلوهم، فوعدهم المنسِّق خيرا، ومكثوا أياما ينتظرون جوابه.

وما هي إلا أيام حتى عبروا الحدود إلى تركيا، تاركين خلفهم في اليونان سيارتهم الفارهة، وأمتعتهم، مقدّمين الإفلات من الاعتقال على كل شيء، فوصلوا إلى إسطنبول، والتقى الإخوة بعوائلهم، وبدأت مرحلة التخطيط لعبور الحدود من جديد إلى أراضي الدولة الإسلامية، فقرر أبو مجاهد أن يرسل الإخوة جميعا لعبور الحدود، وتخلف عنهم لترتيب عبور أحد الإخوة الذي علق في اليونان، مصرّا أن لا يدخل دار الإسلام من دونه، فقد كان عزم على نفسه أن يكون آخر المجموعة دخولا إلى أرض الدولة الإسلامية، وأن لا يحقق حلمه بدخولها حتى يكون قد اطمأن على وصول كل المجموعة من المهاجرين التي تحمَّل أمانة إيصالهم إلى مبتغاهم، منذ وافقوا على الهجرة معه.

فلما تراكمت المشكلات على هذا الأخ في اليونان، وتعثرت محاولاته المتعددة لعبور الحدود مرارا، ألحّ على أبي مجاهد بالطلب، أن يكف عن انتظاره، ويبادر بإكمال رحلته فورا، فوافق أبو مجاهد على مضض، بعد أن أرسل له مبلغا كبيرا من المال ليتدبر أمر نفسِه وعائلتِه، ويستعين به في فترة ترقُّبه.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة القصة كاملة.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89 قصة شهيد: أبو مجاهد الفرنسي تجارة مع الله تعالى.. ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89
قصة شهيد:

أبو مجاهد الفرنسي
تجارة مع الله تعالى.. إيمان وجهاد بالمال والنفس

5/6

• وأخيرا.. في دار الإسلام

وصل أبو مجاهد الفرنسي أخيرا إلى دار الإسلام، ووجد في انتظاره على الحدود إخوانه من جنود الدولة الإسلامية، بلباسهم المميَّز، وأقنعتهم السوداء، وهيئاتهم ذاتها التي طالما رآها في الإصدارات المرئية، فعانقهم وعانقوه، عناق المحب للمحب، فقد سبقته سيرته الحسنة إلى أراضي الدولة الإسلامية، مع إخوانه الذين سبقوه بالوصول، والذين رووا قصة هجرتهم، وحدثوا عن أميرهم الذي بذل كل ما يملك في سبيل تمكينهم من الهجرة إلى دار الإسلام، وكشفوا لهم عن جوانب من شخصيته، ونصحوهم بالاستفادة منه في أي عمل جهادي ضد فرنسا.

وهكذا صار أبو مجاهد جنديا من جنود الخلافة، بعد أن أنهى دوراته الشرعية والعسكرية، وصار يعمل في أحد دواوين الدولة الإسلامية ناصحا لإخوانه في المجالات المختلفة، ينفعهم بما لديه من خبرات في إدارة الأعمال، وتنظيم المشاريع، مساعدا للإخوة المسؤولين عن العمليات الخارجية، عارضا كل ما لديه من جهد ومال ومعلومات في أي عمل جهادي يستهدف الصليبيين في فرنسا.

كان أبو مجاهد توَّاقا للقتال في سبيل الله تعالى، وكان نعم الجندي في كتائب ولاية الخير، حيث شارك في عدة معارك لجيش الخلافة فيها ضد الجيش النصيري، ثم انتقل إلى ولاية دمشق، حيث أمضى أيامه مرابطا في بادية الشام، تلفح وجهَه شمس الصحراء وغبارها، ويقرص عظامه بردها، مشاركا في الغزوات، مغيرا مع الأبطال في الصولات.

أبو مجاهد الشهم الكريم في فرنسا، ازداد شهامة وكرما في دار الإسلام، فكان لا يترك فرصة لمساعدة أحد من إخوانه إلا واستغلها، مقدّما أقصى ما في وسعه لذلك، مركزا في إحسانه على أرامل الشهداء وأيتامهم، يتفقد أحوالهم، ويعينهم بماله ونفسه.

وأبو مجاهد الداعية البسيط الذي كان يجذب حديثه السهل الشباب الصغار إليه في ضواحي باريس، استمر على عادته، يستغل أي موقف مع المجاهدين أو عوام المسلمين، ليأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويدعوهم إلى اتباع السنن، فلا يسأم من أن يقف مع بائع في دكانه لساعات يدعوه إلى الله، ويحرضه على الجهاد في سبيله، حتى إذا اشتكى منه رفاقه لتأخرهم في طريق سفر، أو حاجتهم إلى الإسراع في مسير، عاتبهم على ذلك، وذكرهم بأنه كان غافلا عن الدين مثل هؤلاء الناس، فهيّأ الله له من يذكره بالله، ويدعوه إليه، وإنه من الواجب عليه أن يشكر نعمة الله عليه بدعوة الناس، والسعي في هدايتهم.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة القصة كاملة.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89 قصة شهيد: أبو مجاهد الفرنسي تجارة مع الله تعالى.. ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 89
قصة شهيد:

أبو مجاهد الفرنسي
تجارة مع الله تعالى.. إيمان وجهاد بالمال والنفس

6/6

• بعد المال.. بذل النفس في سبيل الله

أثناء هجوم جنود الدولة الإسلامية لفك الحصار عن غوطة دمشق، والذي استهدف مطاري السين والضمير، ومدينة الضمير، ومنطقة المحطة الحرارية، وغيرها من المواقع، والذي توقف بسبب اتفاق الصحوات المرتدة في القلمون الشرقي مع الجيش النصيري على عرقلته، واستهدافهم طرق إمداد المجاهدين في المنطقة، كان أبو مجاهد يقتحم مع إخوانه منطقة المحطة الحرارية جنوب شرقي دمشق، وأثناء الاشتباكات استهدفت دبابة للجيش النصيري موقعهم، فأُصيب إصابات بالغة في رأسه ويده، وغاب عن الوعي، فلما أفاق وجد أنه قد فقد يده اليمنى التي بترتها القذيفة المنفجرة أمام وجهه، فنُقل إلى الخطوط الخلفية للعلاج، ونجّاه الله تعالى- من القتل في هذه الحادثة.

لم تكن خسارته ليده، لتقعده عن الجهاد في سبيل الله، ولا لتصده عن البذل طلبا لمرضاته نحسبه كذلك، بل قضى فترة نقاهته وهو يترقب العودة إلى ساحات القتال، واعتذر من إخوانه عن تولي أيّة أعمال إدارية تناسب حالته الصحية الجديدة، مصرّا على الخروج إلى المعارك من جديد فور قدرته على ذلك، واستبدل لهذا الأمر ببندقيته الروسية، أخرى أمريكية خفيفة الوزن، صغيرة الحجم، كي يستطيع القتال بها بيد واحدة.

بلغه أن إخوانه يعدّون العدة للهجوم على مواقع الصحوات المرتدة في القلمون الشرقي، فأعد للخروج العدة على عجل، وسافر ملتحقا بكتيبته، دون أن يخبر أحدا من أصدقائه مخافة أن يتمسكوا به ويأخِّروه عن الغزوة، متعللين بسوء صحته، أو بحاجتهم إليه في عمل ما.

كان جنود الدولة الإسلامية ينكلون بالمرتدين، ويسيطرون على مواقعهم في جبال البتراء في تلك الفترة، ويتقدمون باتجاه معاقلهم في قلب القلمون الشرقي، عندما وصلهم أبو مجاهد، وانطلق إلى خط القتال، رافضا البقاء في المواقع الخلفية للمجاهدين، وصاحبه في ذلك أخ مهاجر آخر، هو أبو إحسان، من جنوب فرنسا، تعرّف عليه في ساحات القتال، وتآلفت أرواحهما، كما تشابهت طباعهما، فمن عرف أبا إحسان، كان يصفه بالأوصاف ذاتها التي اتصف بها أبو مجاهد، من شجاعة، ومروءة، وحرص على إعانة المسلمين، وبذل كل ما يملك نصرة للدين، وسعيا لإرضاء رب العالمين.

وكعادته في التأهب، وأخذ الحيطة، رفض أبو مجاهد أن يسلك طريقا سلكه بقية المجاهدين، مكشوفا للعدو، يستهدفونه بالأسلحة الثقيلة والقناصات، مفضلا سلوك طريق آخر، أكثر وعورة، ولكنه مستور عن أعين المرتدين، فوصل إلى خط المجاهدين الأول، حيث كانت مجموعة من المجاهدين تستهدف المرتدين بطلقات رشاش ثقيل منصوب على سيارتهم التي وقفت في أعلى تلة، استتر خلفها أبو مجاهد ورفيقه أبو إحسان فور وصولهما إلى الموقع.

حاول المرتدون استهداف سيارة المجاهدين التي تطلق النار عليهم بصاروخ موجه أطلقوه عليها، وأخطأ الرامي توجيهه إلى الهدف، فسقط الصاروخ خلف التلة التي انتصبت السيارة في قمتها.

وقع الصاروخ الذي أخطأ هدفه بين أقدام أبي مجاهد وأبي إحسان، وانفجر لتمزق شظاياه أجسادهما، ويقتلا على الفور، تقبلهما الله.

وصل الخبر إلى أهل أبي مجاهد وإخوانه، فبشروا إخوانهم في فرنسا، سائلين الله له الشهادة، وبلغ الخبر المخابرات الفرنسية، فأعلنت لوسائل الإعلام الفرنسية أن أبا مجاهد -تقبله الله- قُتل بقصف جوي نفذته طائرات فرنسية، أثناء تحضيره لهجمات جديدة ضد الصليبيين في فرنسا.

قُتل أبو مجاهد تقبله الله، ونحسبه ولا نزكي على الله أحدا أنه نال ما تمنى وصدق فيما عاهد الله عليه، وجاهد بماله ونفسه في سبيل الله تعالى، وتاجر مع الله التجارة الرابحة، ونسأله -تعالى- أن يكون ممن فاز فيها الفوز العظيم.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة القصة كاملة.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

إن في خلق السماوات والأرض لآيات • نكدح في حياة أوجدها الله لأمر عظيم، وخلق السماوات والأرض ...

إن في خلق السماوات والأرض لآيات


• نكدح في حياة أوجدها الله لأمر عظيم، وخلق السماوات والأرض وسخر الشجر والدواب من أجله، ألا وهو الإيمان بالخالق وتوحيده، وتعظيمه حق تعظيمه.

وقد أنزل الله القرآن هدى للناس يبيِّن لهم طريق السلامة، الذي يُسلِّمهم من النار ويُسلِمهم لجنة فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذّ الأعين.

وإن من يقرأ القرآن يطوف بفكره آفاق السماء وجنبات الأرض، ويقف على النبات والزروع والدواب، ويسمو بنظره فيرى النجوم، يتأمل لينظر إلى عِظم الخالق وحسن صنعه، ويعرف بعد كل ذلك أنه -سبحانه- يستحق أن نَذل له ونعظِّمه ونتبع شرعه، يستحق أن نعبده بكل جوارحنا، وفي كل أوقاتنا، وفي كل حركاتنا وسكناتنا، ولا نلتفت لمن يصرف العبادة لغيره من الأصنام والقبور والقوانين، وغيرها من الطواغيت، ونأنف أن نلتجئ لغني أو نخاف من جبار أو ننكسر لعبد.

ومنهج القرآن في التفكُّر لا شك أنه منهج عظيم، إذ غايته الوصول إلى تعظيم الله، ونظير ذلك أنك لو وقفت على آلة معقدة أُحسن صنعُها وترتيبها، وجُوِّدت مداخلها ومخارجها، أو بناء عظيم فيه من الإتقان والتفاصيل المثيرة شيء كثير، لعجبت من ذلك وعرفت به مقام صانعه، والله أجلّ وأعظم وله المثل الأعلى.

أمرنا الله بالنظر في خلقه وشكره على أنعُمه
والحديث عن الكون وآياته مثير طويل مشوق، يستفز المشاعر ويصوِّب الفكر، والنظر فيه من الذكرى التي تنفع المؤمنين، وهم مأمورون به، كما قال تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: 101]، وقال {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق: 5]، وقال: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} [عبس: 24]، فنريد أن نستعرض بشكل مختصر بعض هذه الآيات، تِبيانا للجاهل وتذكيرا للغافل وإيقاظا للمتجاهل، عسى الله أن يشرح صدورنا لذلك.

قال تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} [عبس: 24]، كيف أوجدناه، وأنزلنا المطر لإنباته، وشققنا الأرض لاحتوائه، ثم يسرنا قطفه واستخلاصه، {أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 25 - 31]، ولم نجعله نوعا واحدا بل أنواعا مختلفة لكلٍّ فيها ما يشتهيه، فكانت: {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [عبس: 32] وذكر الله قبل هذه الآيات أن الإنسان كفور لا يعظِّم من أنعم عليه: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَہُ} [عبس: 17 - 19] فهو خُلق من نطفة فقدَّره وسوَّاه بشرا سويا، وأتقن قواه الظاهرة والباطنة، كما ذكر مبدأ ابن آدم وأنه {لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان: 1].

عن بُسر بن جِحاش القرشي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بزق يوما في كفه، فوضع عليها أصبعه، ثم قال: (قال الله: ابن آدم! أنى تعجزني، وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين، وللأرض منك وئيد، فجمعتَ ومنعتَ، حتى إذا بلغت التراقي قلت: أتَصَدَّقُ! وأنى أوان الصدقة؟!) [رواه أحمد].

ثم أتم الله -تعالى- القول: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ * كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} [عبس: 20 - 23]، فالله -سبحانه- هو المدبّر الذي يدبر الأمور بحكمته، فهو الرب القادر على التدبير لا رب سواه، ولا يقدر أحد أن يقوم بأفعال الربوبية من الخلق والرزق والتدبير ومع هذه القدرة والتدبير التي تدل على عظمة الخالق فإن الإنسان لا يمتثل أوامر الله ونواهيه ولا يقوم بما فرضه الله عليه.

فهذه الفواكه المتنوعة من تمر وعنب وزيتون وتفاح وغيرها كثير، نعمةٌ من نعمٍ ومظهرٌ من مظاهرَ كثيرة لتنظيم الله هذا الخلق الهائل وترتيبه وجعل بعضه يخدم بعضا، وليست هذه النعم مجرد شهوات نشتهيها ومُتع نتمتع بها، بل الأمر أعظم يا عبد الله، فكن ممن ينظر ويعتبر، ولا تكن غافلا عن آيات الله فتكون من الخاسرين الخائبين الكافرين لأنعمه سبحانه، وامش بين الناس بعينٍ بصيرةٍ لا بعينٍ غافلةٍ، فالبصيرة بأن تنظر من حولك، كيف قدَّر الله لنا هذه النباتات نقتات منها، وأنها لم تأتِ عبثا، بل سخر الله الغيث وسخر لنا الأرض ومياهها، ويسَّر لنا حفرَها وتوثيق بنيانها، وإخراج الماء من بطن الأرض لنسقي به هذا الذي نأكله؟!

ليس هذا فحسب، بل يسر لنا تقطيعه بالأسنان ثم بالمعدة ثم عصره في الأمعاء، لنستخرج منه ما يقوينا، وما يداوينا، ثم لم يحبس ما فضل منها داخل أجسامنا، بل يسَّر إخراجه، كل ذلك بتقدير العليم الخبير.إن نظرت لهذه المألوفات نظر بصيرة أورثك ذلك تعظيم المُقدِّر، ثم أورثك شكره بالقلب واللسان والجوارح. وإن نظرت إليها نظر غافل، لم ترع لله حقا، وكنت كالجاحد الذي جحد نعمة من ينعِم عليه، أرأيت لو أن ولدا عق أباه بعد أن سعى في تربيته وتنعيمه بقدر ما يستطيع، ألا يعدُّه الناس خسيس الطبع؟ فكذا من لا يشكر الله على نعمه، ولله المثل الأعلى.

• تسخير الله للكون إصلاحاً لحياة بني آدم

خلق الله الكون وسخره لبني آدم وقدره لتصلُح به حياتهم: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} [الملك: 23].
وإذا تلونا مطلع سورة الزخرف تبين لنا عظم تقصير بني آدم في حق الله عز وجل، قال -تعالى- إخبارا عن سنَّته مع بني آدم في تذكيرهم بحقه عليهم في عبادته: {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ} [الزخرف: 6]، ويكون حال بني آدم مع هؤلاء الرسل: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الزخرف: 7]، ثم يذكر -تعالى- أن الرسول لو سأل هؤلاء المشركين: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: 9]، فإذا كانوا معترفين بأفعال الربوبية لله -سبحانه- كالخلق والرزق والتدبير والإحياء والإماتة فمن العجب من هؤلاء أن يشركوا به من لا يخلق ولا يدبر الأمر من رزق وغيره ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا!

ثم ذكر الله نعمه على عباده: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا} [الزخرف: 10]، أي صالحة للعيش وذلَّلها لندرك منها كل ما تعلقت به حاجاتنا من غرس وبناء وحرث، {وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الزخرف: 10]، أي جعل منافذ بين سلاسل الجبال المتصلة نعبر إلى ما وراءها من الأقطار النائية والبلدان الشاسعة.

ثم واصل ذكر بعض النعم: {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا} [الزخرف: 11]؛ أنزل الماء بقدر الحاجة لا يزيد فيفسِد ولا ينقص فتُجدب، فتغاث به الأرض ويخرج به النبات وتحيا البلاد وتنشر من الموت، ثم ذكَّرنا أن حالنا في الآخرة كحال هذه الأرض بعد نزول الغيث: {كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} [الزخرف: 11].

وقال بعد ذلك: {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف: 12 - 14].

والمراد بيانه من كل هذه الآيات أن الرب -سبحانه وتعالى- الموصوف بإفاضة النعم على خلقه هو المستحق للعبادة وأن الشرك من أعظم الظلم في حقه، فقال الله مستنكرا على بني آدم بعد ذكر هذه النعم: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ} [الزخرف: 15]، وقال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] فلا تكن يا عبد الله ممن وصف الله حالهم مع كثرة نعمه عليهم، فتدبر آيات الله حتى تكون من الشاكرين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة الصحيفة وللأعداد الجديدة.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (1) [1/4] الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على ...

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (1)

[1/4]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين. أما بعد...
فلقد عمد الدجالون من علماء السلاطين على تحريف فقه الجهاد كما حرفوا التوحيد الذي جاء به الأنبياء والمرسلون، فجعلوا أهل الكتاب والمجوس والمشـركين إخوةً للمسلمين وأولياء بزعمهم، وقاربوا بين الأديان ووحدوا الملل فعصموا دماءهم وأموالهم بفتاواهم وكتاباتهم، وحالهم كحال اليهود الذين قال تعالى فيهم: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: ٤٦]، وقد كانت مسائل قتل الكفار في ديارهم غيلة أو أخذ أموالهم تلصصاً وخفية من المسائل الشائعة عند الفقهاء، إلا أن هؤلاء الطواغيت روجوا لفقه الانبطاح وسعوا بمكرهم لمَحْوِها من دين الإسلام واستبدال منهج الذل والتبعية للكفار بها، وتطويع الناس لما يقررونه من دين جديد، الذي من أصوله "التعايش بين الأديان" وترسيخ "مبادئ السلام" وكف اليد وتعطيل الجهاد.

فأصبحتَ تجد كثيرا من المنتسبين للإسلام والعلم يكادون أن يجتمعوا على تحريم أمر قد أجمعت الأمة سابقا على جوازه، ولا غرابة في ذلك إذا تأمّلنا قول أنس بن مالك -رضي الله عنه- عندما دخل عليه الزهري بدمشق، فقال له الزهري: (ما يبكيك؟) فقال: (لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضُيِّعت) [رواه البخاري].
فكيف لو أدرك زماننا الذي طُمست فيه أحكام واضحة في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وإجماع السلف؟ ومن هذه الأحكام التي طُمِست حكم دماء وأموال الكفار الحربيين، وأنه لا عصمة لها إلا بإيمان أو عهد معتبر شرعا، فيجوز للمسلم أن يسفك دماءهم ويأخذ من أموالهم ما يشاء تأسيًا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه الكرام، رضوان الله عليهم.

فتجد علماء السوء ودعاة الضلالة اليوم يتهمون الموحدين بتشويه صورة الإسلام ويعيبون عليهم أفعالا هي عينها أفعال الصحابة الكرام، أمثال أبي بصير وأبي جندل، رضي الله عنهما، وفي المقابل لا تسمع لهم كلمة عندما ينهب أسيادهم من طواغيت الشرق والغرب أموال المسلمين.

ولقد أخذت الدولة الإسلامية على عاتقها أن تجاهد أعداء هذا الدين من الكفار والمرتدين، بالسيف والسنان وبالحجة والبيان حتى يكون الدين كله لله وحتى يرجع للمسلمين دينهم نقيا صافيا كما كان، قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال: 39].

وسنُبين في هذه المقالة حكم أموال الكفار الحربيين في ديارهم، وأن المأخوذ منها قد يأخذ أحكام الغنيمة، أو الفيء، أو التلصص والاحتطاب، كما سنذكر أقوال بعض أهل العلم في هذا الموضوع، وسنردُّ في القسم الثاني منها على بعض شبهات المخالفين ونذكر فيه بعضا من فوائد أخذ مالهم في إطار الحرب الشاملة بين دولة الخلافة وأمم الكفر جمعاء، إن شاء الله.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (1) [2/4] • الكافر الحربي حلال الدم والمال الأصل ...

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (1)


[2/4]

• الكافر الحربي حلال الدم والمال

الأصل في دماء وأموال أهل الحرب عدم العصمة، وقد أجمع أهل العلم على أن حكم الله في الكفار الحربيين أنه لا عصمة لدمائهم ولا لأموالهم، بل هما مباحان وحلال للمسلمين.

قال الإمام ابن تيمية، رحمه الله: "والكفر مع المحاربة موجود في كل كافر فجاز استرقاقه كما يجوز قتاله" [مجموع الفتاوى].

وإن الكفار الحربيين في اصطلاح الفقهاء غير محصورين في الكفار الذين بينهم وبين المسلمين حربٌ قائمة وقتال، بل هم الكفار الذين لم يؤمِّنهم أهل الإسلام بميثاق من ذمة أو أمان أو هدنة، سواءً كانوا من المقاتلين أو غيرهم من سائر الكفار، فدماؤهم وأموالهم مباحة للمسلمين، وهذا الحكم يشمل المشركين في كل مكان، قال الله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 5]، وقال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}
[التوبة: 11]، فسبب إباحة دمائهم هو الشرك، فإن تابوا من الشرك عُصمت دماؤهم، قال ابن قدامة: "ولا قصاص على قاتلِ حربيٍّ، لقول الله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]، ولا على قاتلِ مرتدٍ كذلك، ولأنه مباح الدم، أشبه الحربي" [الكافي في فقه الإمام أحمد].

وفي السنة عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله) [متفق عليه].
فإن دماء الكافرين وأموالهم تعصم بالدخول في الإسلام.

قال الإمام الطبري رحمه الله: "وفي إجماع الجميع على أن حكم الله في أهل الحرب من المشركين قتلُهم" [جامع البيان في تأويل القرآن].

قال الإمام الشافعي -رحمه الله- فيما يعصم دم الكفار: "وأباح الله -تعالى- دم الكافر وماله إلا بأن يؤدي الجزية أو يستأمن إلى مدة" [الأم].
وقال -رحمه الله- في المعاهَد أيضا: "والعهد الذي وصفت على الأبد إنما هو إلى مدة إلى المعاهد نفسه، ما استقام بها كانت له، فإذا نزع عنها كان محاربا حلال الدم والمال" [الأم].

• دار الكفر دار إباحة

إن دار الحرب أو دار الكفر هي دار إباحة وذلك لما أسلفنا من الأدلة في أن الشرك بالله -تعالى- يبيح المال والدم، فدماء وأموال الكفار حلال للمسلمين.
قال الإمام الشافعي -رحمه الله- في كتابه "الأم": "الدار مباحة لأنها دار شرك".

وقال الجصاص الحنفي: "ما كان في دار الحرب فليس بملك صحيح لأنها دار إباحة وأملاك أهلها مباحة" [أحكام القرآن].

وقال ابن أبي زيد القيرواني المالكي: "قال سحنون: وإذا أسلم قوم بدار الحرب حلَّ لهم قتل من أمكنهم وأخذ أموالهم" [النوادر والزيادات].


• أموال الكفار إما مال غنيمة أو مال فيء أو مال احتطاب

قال الإمام ابن تيمية رحمه الله:"فأما الغنيمة فهي المال المأخوذ من الكفار بالقتال" [مجموع الفتاوى].

وقد أحلَّ الله الغنيمة للمسلمين فقال سبحانه: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال: 69].

وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أُعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي؛ نُصرتُ بالرعب مسيرة شهر، وجُعلتْ لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ، وأُحلتْ لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأُعطيتُ الشفاعة، وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة وبُعثتُ إلى الناس عامة).

أما الفيء: "فهو ما أُخذ من الكفار بغير قتال" [مجموع الفتاوى].

قال الله تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ} [الحشر: 6].
وأما الاحتطاب أو التلصص فهو سلب أموال الكفار على وجه الختل والاحتيال، وهو مال مباح إذا لم يصرح لهم بالتأمين، ولا يوجد خلاف معتبر بين أهل العلم من حيث الجملة في إباحته، ولكنهم اختلفوا في كونه غنيمةً يخمس أو اكتساباً مباحاً يكون لآخذه خاصة.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (1) [3/4] • فصل في مذاهب العلماء عما يدخل فيه الخمس من ...

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (1)


[3/4]
• فصل في مذاهب العلماء عما يدخل فيه الخمس من أموال:

• الاحتطاب

يحصل التلصص بالإغارة بإذن الإمام وبدون إذنه، وبوجود المنعة وعدمها، وبغير إغارة كتلصص الأسير بعد خلاصه وكتلصص التاجر عن طريق السوم وجحد المال وكتلصص من أسلم في دار الحرب أو كان مسلما مقيما، وفي هذه الحالات يأتي التفصيل عن أهل العلم فيما يخمس أو لا يخمس.

أولاً: التلصص بالإغارة

اتفق الجمهور على تخميس الأموال التي يأخذها الواحد أو المجموعة من المسلمين الذين تحصل بهم القوة والمنعة سواء أغاروا على دار الحرب على وجه القوة والقهر أم على وجه الاحتيال، ولم يشترط الجمهور عدداً معيناً تحصل به القوة وذلك لعموم آية الخمس، قال الإمام البغوي الشافعي رحمه الله: "سواء قل عددهم أو كثر، فالخمس لأهل الخمس والباقي لهم، حتى لو دخل رجل واحد دار الحرب، فقاتل حربياً، وأخذ منه مالاً يخمس، والباقي بعد إفراز الخمس له" [التهذيب في فقه الإمام الشافعي].

أما عند الأحناف، اشترط أبو يوسف تسعة فأكثر من المسلمين للتخميس لأن المنعة والقوة حاصلة بهم، وأما الإغارة من آحاد المسلمين فلا يرون فيها الخمس ويعدونها من الاكتساب المباح إلا إذا كان المغير على دار الحرب بإذن الإمام، لأنه معزز بقوة الإمام فحكمه حكم السرية.

والصحيح مذهب الجمهور أن الأموال تخمس إذا حصلت الإغارة بمجموعة غير محددة العدد، ويخرج من قول الجمهور فعل الواحد إذا كان أصلا في داخل دار الحرب ونوى التلصص فلا يخمس ماله، كمن أسلم بدار الحرب وكالأسير الناجي وكالتاجر الذي جحد مالا وهرب به.

ثانياً: الإغارة والتلصص بإذن الإمام وبغير إذنه
لم يفرق الجمهور بين إذن الإمام وعدمه وذهبوا إلى أن من خرج بإذن الإمام أو بدون إذنه وأخذ أموال الكفار فإن هذه الأموال تخمس، قال الإمام البغوي الشافعي رحمه الله: "ولو غزت طائفة بغير إذن الإمام يُكره لهم ذلك، لأنهم إذا خرجوا بإذنه يتفحص عن حالهم، ويُعينهم بالمدد، فإذا فعلوا دون إذنه، وغنموا يخمّس ما غنموا" [التهذيب في فقه الإمام الشافعي].

قال أبو محمد الثعلبي البغدادي المالكي: "ومن دخل دار الحرب وحده متلصصاً فغنم، أُخذ منه الخمس، ولم يفصّل مالك بين دخوله بإذن الإمام أو بغير إذن" [عيون المسائل للقاضي عبد الوهاب المالكي].

وهذا مذهب الجمهور وهو أحد الروايات عن الإمام أحمد، قال ابن قدامة حاكيا رواية الإمام أحمد: "أن غنيمتهم كغنيمة غيرهم، يخمسه الإمام، ويقسم باقيه بينهم. وهذا قول أكثر أهل العلم، منهم الشافعي، لعموم قوله سبحانه: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]، الآية. والقياس على ما إذا دخلوا بإذن الإمام" [المغني].
أما الأحناف ففرقوا بين إذن الإمام وعدمه، قال أبو يوسف: "سألت أبا حنيفة، قلت: أرأيت الرجل والرجلين يخرجان من المدينة أو المصر فيغيران في أرض الحرب فيصيبان الغنائم هل يخمس ما أصاباه؟ قال: لا يخمس ما أصاباه، لأن هذين بمنزلة اللص فيما أصابا فهو لهما، قلت: فإن كان الإمام بعث رجلا طليعة من العسكر فأصاب غنيمة، هل يخمس تلك الغنيمة ويكون ما بقي بينه وبين أهل العسكر؟ قال: نعم، قلت: فمن أين اختلف هذا والرجلان؟ قال: لأن هذا بعثه الإمام من العسكر والعسكر ردء له، والرجلان الآخران لم يخرجا من العسكر، إنما خرجا من المصر أو المدينة متطوعين بغير إذن الإمام" [السير الصغير].

وهذا المذهب هو إحدى الروايات عن الإمام أحمد، قال ابن قدامة حاكيا الرواية الأخرى للإمام أحمد: "هو لهم من غير أن يخمس. وهو قول أبي حنيفة؛ لأنه اكتساب مباح من غير جهاد، فكان لهم أشبه بالاحتطاب، فإن الجهاد إنما يكون بإذن الإمام، أو من طائفة لهم منعة وقوة، فأما هذا فتلصص وسرقة ومجرد اكتساب" [المغني].

وهناك مذهب ثالث وهو رواية عن الإمام أحمد أنه لا حق لهم فيه بل هو للمسلمين لأنهم عصاة بخروجهم بغير إذن الإمام، قال ابن قدامة: "قال أحمد، في عبد أبق إلى الروم، ثم رجع ومعه متاع: فالعبد لمولاه، وما معه من المتاع والمال فهو للمسلمين؛ لأنهم عصاة بفعلهم، فلم يكن لهم فيه حق" [المغني].

والصحيح هو مذهب الجمهور لأن الإغارة حاصلة بالقوة فتخمس الأموال لعموم آية الخمس ويكره الخروج من دار الإسلام للإغارة على دار الحرب بغير إذن الإمام فإذا منع الإمام الإغارة والتلصص فحينها تكون الإغارة بغير إذنه معصية.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (1) [4/4] • فصل في مذاهب العلماء عما يدخل فيه الخمس من ...

الغنيمة والفيء والاحتطاب مسائل وأحكام (1)

[4/4]

• فصل في مذاهب العلماء عما يدخل فيه الخمس من أموال:


ثالثاً: تلصص التاجر والأسير بعد خلاصه والمقيم في دار الكفر ومن أسلم في دار الحرب

من ينظر في اختلاف أهل العلم في هذه المسألة يجد أن علة الخمس هو الغنم بالقوة وهذا شرط الغنيمة، واختلف أهل العلم بوصف القوة في العدد وإذن الإمام، أما غير ذلك فأخرجه أهل العلم من مسمى الغنيمة كالفيء وكالتلصص الذي اعتبروه كسباً مباحاً كالاصطياد والاحتطاب، وهو كتلصص التاجر والأسير بعد خلاصه وكالمسلم المقيم بين ظهراني الكفار وكمن أسلم بدار الحرب، أو ولد مسلما وأقام فيها، ودليل ذلك ما نقله الإمام الطبري -رحمه الله- في تفسيره عن سالم بن أبي الجعد في قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} قال: "نزلت في رجل من أشجع أصابه الجهد، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له: (اتقِ الله واصبر)، فرجع فوجد ابنا له كان أسيرا، قد فكه الله من أيديهم، وأصاب أعنزاً، فجاء، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هل تطيبُ لي يا رسول الله؟ قال: (نعم)" [جامع البيان في تأويل القرآن].

فهذه الأعنز سلبها هذا الأسير المسلم من الكفار بعد خلاصه منهم فلم يخمسها النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنها حصلت خارج سلطان المسلمين في دار الحرب من غير قتال وبغير إذنه -صلى الله عليه وسلم- فلم يعتبرها غنيمة، ولذلك يشترط في أموال الاحتطاب أن تُسلب في دار الحرب وأن تكون بغير إذن الإمام، وهذا الحكم متحقق في التاجر إذا سلب المال في دار الحرب، قال الإمام البغوي رحمه الله: "ولو دخل دار الحرب، فأخذ من حربي شيئاً على جهة السوم، ثم جحد، وهرب فهو له خاصة، ولا يخمس" [التهذيب في فقه الإمام الشافعي].

ونفس الحكم لمن أقام في دار الحرب ولم يؤمِّنهم، أو أسلم في دار الحرب وتلصص من الكفار لتحقق الشروط التي تحققت في من أخذ الأعنز على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا دليل لمن قال إن هذا المال المأخوذ من الكفار يخمس، قال ابن أبي زيد القيرواني: "قال سحنون: وإذا أسلم قوم بدار الحرب حل لهم قتل من أمكنهم وأخذ أموالهم" [النوادر والزيادات].

ويؤخذ مال الرجل والمرأة والطفل من الكفار على وجه الحيلة والتلصص لا فرق بينهم في ذلك.
وسنبحث في القسم الثاني من هذه المقالة -بإذن الله- مسألتي تقسيم الأموال التي تؤخذ من الكفار وأحكامها، والأمان الذي يعطيه المسلم للكفار وأحكامه، وسنرد -بإذن الله- على الشبهات التي أثارها علماء السوء ودعاة الضلال حول هذه القضية، والله الهادي إلى سواء السبيل.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 89
الخميس 19 شوال 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً