أمير ديوان الزكاة (نسأل الله أن يعيننا حتى نكفي حاجة كل فقراء المسلمين) موضحا لكثير من الجوانب ...

أمير ديوان الزكاة
(نسأل الله أن يعيننا حتى نكفي حاجة كل فقراء المسلمين)

موضحا لكثير من الجوانب عن فريضة الزكاة واداءها في الدولة الإسلامية.
ومبينا حقيقة العلاقة بين ديوان الزكاة وغيره من دوواينها.
وكاشفا لكيفية توزيع أسهم الزكاة على المستحقين.

- الدولة الإسلامية في حرب مع دول الشرك كلها، ألم يكن ممكنا تأجيل تطبيق الزكاة حتى الانتهاء من هذه الحرب؟


الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد
لقد شرع الله عز وجل الجهاد في سبيل الله لإقامة الدين، وجعل الزكاة من شروط التمكين الشرعي، قال تعالى (الذين إن مكنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور)، فنحن لم نجاهد لمجرد الاستيلاء على الأرض، وامتلاك السلطة فيها، وإنما لنقيم فيها دين الله.

والمجاهدون إنما يرابطون على الجبهات ويبذلون دماءهم هناك وهم حريصون أن يروا شريعة الله تقام في الأرض التي يفتحونها كاملة غير منقوصة.

ونحن بإذن الله ما إن يمكننا الله من قطعة من الأرض مهما صغرت، ولو لفترة محدودة، فإننا سنطبق شرع الله فيها، فنقيم الصلاة ونؤتي الزكاة ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ولله عاقبة الأمور.

- وهل جباية الزكاة وتوزيعها من تطبيق الشريعة؟ الكثير من الناس يظنون أن ذلك ينحصر بفتح المحاكم التي تحكم بشرع الله، وتقيم الحدود على الجناة؟

كل ما بلغنا به رسول الله عليه الصلاة والسلام هو من شريعة الله، فما بالك بالزكاة التي هي أحد أركان الإسلام، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل المشهور (الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا)، فالمحاكم قد تمر عليها فترات طويلة دون أن تقضي في قضية واحدة إذا لما ترفع إليها خصومة، والحدود قد لا تقام لشهور أو سنوات إذا انصلح الناس ولم ينتهكوا حدود الله، ولكن الزكاة تقام في كل حال ما دام هناك أغنياء لديهم مال يتجاوز النصاب.
- ولماذا لا تتركون الناس يدفعون زكاة أموالهم بأنفسهم للفقراء؟ لماذا يتولى ديوان الزكاة مهمة جباية الزكاة من الأغنياء وأداءها للفقراء؟
لأن هذا هو الأصل في أداء الزكاة، أن يؤدي الأغنياء الزكاة للإمام، ويتولى هو ردّها على الفقراء، قال تعالى لإمام المسلمين عليه الصلاة والسلام (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها)، وفي وصيّة النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل عندما أرسله إلى اليمن (فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس) فالنبي عليه الصلاة والسلام يأمر عامله أن يأخذ الزكاة من غنيهم ويردّها على فقيرهم، وكذلك لنا في فعل الصحابة سنّة حسنة، حيث قاتل الصحابة رضوان الله عليهم مانعي الزكاة لأنهم رفضوا أداءها، ولم يقروهم على أدائها بأيديهم، حتى قال أبو بكر رضي الله عنه (والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه)، ومن كل ذلك يتبين أن أخذ الزكاة من الأغنياء وأداءها للفقراء إنما هو من مهام الإمام الذي هو خليفة المسلمين، أو من ينوب عنه في ذلك، وفي حال وجوده وتمكنه من أخذ الزكاة، فلا يجوز الافتئات عليه بالتصرف فيها.

وفي الدولة الإسلامية يقوم ديوان الزكاة نيابة عن أمير المؤمنين حفظه الله بالقيام على هذه الشعيرة العظيمة من شعائر الإسلام.

والجانب الآخر الذي يزيد من فرضية إشراف الديوان على أخذ الزكاة وأداءها هو كثرة الفقراء في أراضي الدولة الإسلامية وقلة الأغنياء، وخاصة بسبب الحرب وما تفرضها من تهجير للمسلمين وتدمير لممتلكاتهم وتعطيل لأشغالهم، وذلك إعراض الكثير من أغنياء المسلمين عن أداء زكاتهم كما ينبغي، فالبعض لا يؤدي زكاته إطلاقا، والبعض الآخر يؤخرها عن وقتها، وآخرون لا يؤدون كل ما عليهم منها، وهذا ما يحرم الفقراء من أخذ حقهم الذي كتبه الله لهم في أموال الأغنياء، لذلك يجتهد ديوان الزكاة في تحصيل هذا الحق بكل وسيلة مشروعة، من أجل إيصاله للفقراء، ومن أجل ضمان قيام المسلمين بهذه الفريضة.

فإذا وجد الإمام أن حاجة الفقراء والمساكين قد تم سدّها من أموال الزكاة أو من سواها، وأن المسلمين يؤدون هذه الفريضة، وأجاز لهم أداءها بأنفسهم وكلاء عنه، فعند ذلك يجب على من ملك النصاب أن يؤديها بنفسه إلى من يحتاجها، ونسأل الله أن يكون هذا اليوم قريبا، فيتحقق فينا وصف حال الأمة في آخر الزمان أن يطوف المسلم بصدقته فلا يجد من يأخذها منه.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 31
الثلاثاء 10 شعبان 1437 ه‍ـ

مقتطف من:
حوار مع أمير ديوان الزكاة
...المزيد

اليهود داخل معركة الأحزاب لم تتحرك الروم لقتال النبي عليه الصلاة والسلام إلا بعد أن تيقنوا ...

اليهود داخل معركة الأحزاب


لم تتحرك الروم لقتال النبي عليه الصلاة والسلام إلا بعد أن تيقنوا من عجز قبائل العرب عن هزيمته، وتأكّدهم من أن النظام الذي ارتضوا هم وأعداؤهم الفرس بقاءه سائدا في جزيرة العرب لقرون آيل للسقوط، وسيقوم مكانه نظام جديد لا يعرض هيمنتهم على تلك الصحاري للخطر فحسب، بل سيهددهم في عقر دورهم أيضا، فكانت تحركاتهم الأولى للقضاء على هذا الخطر في مؤتة وتبوك، وكان تهديدهم الآخر في آخر حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي تراجعوا عن إنفاذه بعد أن ظنوا أن ردّة الأعراب ستكفيهم مؤونته، فخاب سعيهم وكان ما كان للإسلام من عز وتمكين بفضل الله وحده.

واليوم لم تحزم أمريكا الصليبية أمرها بالعودة لقتال الدولة الإسلامية بعد أن فرت من نزالها قبل سنوات خشية الهلاك إلا بعد أن تيقنت من عجز المرتدين عن هزيمتها ودرء خطرها الذي بات لا يهدد فحسب نظام سايكس – بيكو الذي صاغوه منذ قرن من الزمن لإدارة بلدان المسلمين، بل بات يهددهم في عقر دورهم بإعلان الدولة الإسلامية الصريح أن جهادها لن يتوقف - بإذن الله – حتى يخضع العالم كله لشرع الله.

ولذات السبب خرج اليهود اليوم لقتال الدولة الإسلامية، وما أخرجهم إلا يقينهم بخطر داهم بات يتهدّدهم، وهم الذين وصفهم الله عز وجل أنهم لا يقاتلون المسلمين (إلا في بروج مشيّدة أو من وراء جدر)، فانهيار دويلات سايكس – بيكو التي كان من وظائفها حماية دولة اليهود، والاقتراب الكبير لمجاهدي الدولة الإسلامية من حدودها، وخشيتها من انتشار منهجها بين المسلمين المستضعفين داخل تلك الحدود، والعجز الظاهر للدول الصليبية الحامية لليهود عن حسم المعركة معها، كلها أسباب تبرر للدولة اليهودية أن لا تقعد ساكنة إزاء هذا الخطر.

ولم يعد كافيا للحكومة اليهودية وجيشها وأجهزة مخابراتها الاقتصار على تقديم الدعم لأنظمة دويلات سايكس – بيكو الطاغوتية المحيطة بها، لعجز هذه الأنظمة عن استثمار هذا الدعم في تحقيق انتصار على الدولة الإسلامية، فانطلق اليهود ليخوضوا حربهم الخاصة ضدّها، قصفا بالطائرات، واستطلاعا بالمسيّرات، وبثا للجواسيس والعيون، وخاصة في سيناء التي يخوض مجاهدوها حربا ضد جيش الطاغوت السيسي تحت قصف الطيران اليهودي لم تغن عنهم شيئا، وفي ولايات الشام التي تخوض أجهزتها الأمنية حربا مع جواسيس اليهود وعيونهم، لنا فيها الغلبة بحمد الله.

هذه الحرب وإن كانت في بداياتها فإنها – بحمد الله – مؤشر جيد على إمكانية حدوث المزيد من التورط لجيش اليهود فيها، وذلك بتسارع وتيرة الانهيار في أنظمة دويلات سايكس – بيكو الطاغوتية، وفشل الحملة الصليبية على الدولة الإسلامية، والقضاء التام على مرتدي الصحوات، وفصائل الفرقة والشتات.
إن هذه المعركة بالنسبة لليهود لن تكون – بإذن الله – كباقي معاركهم التي خاضوها ضد الأنظمة الطاغوتية، والحركات العلمانية القومية والشيوعية، ولا كمعاركهم مع الفصائل الديموقراطية المنتسبة للإسلام زروا، إذ كل تلك المعارك كانت تجري في إطار قواعد «النظام الدولي» الطاغوتي، فكانت حدود الصراع واضحة المعالم لكل الأطراف، ومن يتجاوزها يعرض نفسه للعقاب، في حين أن الدولة الإسلامية بفضل الله كافرة بهذا «النظام الدولي»، محاربة لكل الطواغيت القائمين عليه، وعلى رأسهم الدول الصليبية الحامية لدولة اليهود، وليس لصراعها مع أعدائها حدود إلا التي فرضها الله عز وجل على المسلمين في جهادهم بأن يخضع المشركون لحكم الإسلام فيهم، وكل الأرض ساحة لجهادها، وكل المسلمين جنود محتملون في جيشها، وكل المشركين المحاربين في الأرض ومنهم اليهود أهداف مشروعة لها.

إن الدولة الإسلامية – بفضل الله – ليست دولة شعارات، ولكنها دولة عزيمة وتوكل على الله، وكل تهديد ووعيد من قادتها لليهود إنما هو من حسن الظن بالله عز وجل أن يمكّنهم منه، فكما قال الشيخ أبو مصعب الزرقاوي تقبله الله من قبل، أنه ومن معه يقاتلون في العراق وعيونهم على بيت المقدس، وكما قال أمير المؤمنين أبو عمر البغدادي تقبله الله لليهود من قبل، فإن المسلمين قادمون لقتالهم من العراق والشام واليمن وخراسان ومغرب الإسلام وإفريقية والقوقاز، ومن كل مكان، وإننا لن نزيد على ما قال مشايخنا من قبل شيئا، ولكننا – بحمد الله- على تحقيق ما وعدوا أقدر، ومن أرض الصراع مع اليهود أقرب.

فليقصف اليهود بطائراتهم، فليست علينا بأشد من طائرات الصليبيين وقد صبّرنا الله عليها، وليبعثوا بجواسيسهم وعيونهم فسيفضحهم الله ويمكننا من رقابهم، وليدعموا دويلات سايكس - بيكو الطاغوتية، فستكون أموالهم التي أنفقوا حسرة عليهم، وبإذن الله سيغلبون، ثم إلى جهنم يحشرون.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 31
الثلاثاء 10 شعبان 1437 ه‍ـ

مقال:
اليهود داخل معركة الأحزاب
...المزيد

كُونِي مُثبِّتة لاَ مُثبِّطة في ظروف الحرب والفتن والشدة، تزداد الهموم، وتبلغ القلوب الحناجر، ...

كُونِي مُثبِّتة لاَ مُثبِّطة


في ظروف الحرب والفتن والشدة، تزداد الهموم، وتبلغ القلوب الحناجر، فمن الناس من يثبتهم الله بإيمانهم وحسن ظنّهم بالله، ومنهم من يهلك فينقلب على عقبيه، منتكسا عن دينه، موليا الدبر، وخائنا لإخوانه، بل تجد أن كثيرا من هؤلاء لا يكتفي بانهزامه، بل يحاول سعيه أن ينقل تلك الهزيمة إلى غيره، ويشيعها في المسلمين كافة، فيهوّل من شأن أعدائهم، ويسعى لإخافة المسلمين منهم، وصدهم بذلك عن قتالهم والوقوف في وجههم.

وهذا الفعل من الأفعال المشهورة عن المنافقين، المنتشرة بين ضعيفي الإيمان ومسلوبي اليقين، من الرجال والنساء، فأما شأنهم في الرجال معروف، ودورهم فيما مضى من كلام مبسوط وموصوف، أما في النساء، فإن المصيبة من قبلهن تكمن في نقل هذا الإرجاف من بيوت المنافقين وألسنتهم لتدخله إلى بيتها وبين زوجها وأولادها، لتقع في أفعال المنافقين من حيث شعرت أم لم تشعر.

- الإرجاف فعل المنافقين:

والإرجافُ هو الخبر الكاذب المثيرُ للفتنِ والاضطرابِ. قالَ القرطبي رحمه الله في تفسيره: (الإرْجافُ الْتِمَاسُ الْفِتْنَةِ، وَإِشَاعَةُ الْكَذِبِ وَالْبَاطِل لِلاِغْتِمَامِ بِهِ)ا.هـ

وقد ذمّ الله تعالى الإرجافَ وأهله في مواضعَ كثيرةٍ من القرآنِ الكريمِ، فقد قالَ عزّ وجلّ: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا} (الأحزاب 18)، وقالَ أيضًا: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61)] (الأحزاب)، قال الجصاص في (أحكام القرآن): (فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِرْجَافَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَالْإِشَاعَةَ بِمَا يَغُمُّهُمْ وَيُؤْذِيهِمْ يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّعْزِيرَ وَالنَّفْيَ إذَا أَصَرَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْتَهِ عَنْهُ، وَكَانَ قَوْمٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَآخَرُونَ مِمَّنْ لَا بَصِيرَةَ لَهُ فِي الدِّينِ وَهُمْ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَهُوَ ضَعْفُ الْيَقِينِ يُرْجِفُونَ بِاجْتِمَاعِ الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ وَتَعَاضُدِهِمْ وَمَسِيرِهِمْ إلَى الْمُؤْمِنِينَ فَيُعَظِّمُونَ شَأْنَ الْكُفَّارِ بِذَلِكَ عِنْدَهُمْ وَيُخَوِّفُونَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِيهِمْ، وَأَخْبَرَ تَعَالَى بِاسْتِحْقَاقِهِمْ النَّفْيَ وَالْقَتْلَ إذَا لَمْ يَنْتَهُوا عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةُ اللَّهِ وَهُوَ الطَّرِيقَةُ الْمَأْمُورُ بِلُزُومِهَا وَاتِّبَاعِهَا). ا.هـ

ومن خطورة الإرجاف أن حذر المجاهدين من الاختلاط بالمرجفين، لأنهم يوهنون الصف بكلامهم، ويضعفون المسلمين بتخذيلهم، كما قال تعالى {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}، قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَهْطٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ، يُشِيرُونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إلَى تَبُوكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: أَتَحْسِبُونَ جَلَّادَ بَنِي الْأَصْفَرِ كَقِتَالِ الْعَرَبِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا! وَاَللَّهِ لَكَأَنَّا بِكَمْ غَدًا مُقَرَّنِينَ فِي الْحِبَالِ، إرْجَافًا وَتَرْهِيبًا لِلْمُؤْمِنِينَ.


- الإيمان بالقدر والثقة بوعد الله درع المرأة المؤمنة:

وأحكام النساء في هذا الباب كأحكام الرجال سواء بسواء، فمن وقعت من المسلمات في شيء من ذلك بتخويف أهل بيتها أو غيرها من المسلمين، وإشاعة الإشاعات التي تضعف القلوب بينهم فعليها أن تستغفر الله من هذا الذنب، وأن تصحح إيمانها بقضاء الله وقدره، وأن تعيَ جيّدًا قولَ اللهِ تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (التوبة 51)، وحديثَ النبيِّ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلمّ لعبدِ الله بن عبّاس وهو رديفٌ خلفه: (يَا غُلامُ، إِنِّي مُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، وَإِذَا سَأَلْتَ فاَسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ) [رواه أحمد والترمذي].

وإن المرأة المسلمة عليها دائما إذا ما سمعت شيئا من إرجاف المرجفين، عن قوة أعدائنا، وتحضيراتهم لغزونا، وتحشيدهم علينا بالعدة والعتاد، أن تضع نصب عينها قوله تعالى حكاية عن النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه، لما حشد لهم الروم الذين كانوا يمتلكون أقوى جيوش العالم آنذاك {الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)}.

فهكذا يكون جواب المرأة المسلمة للمرجفين والمنافقين، أن ترد عليهم بقولها «حسبنا الله ونعم الوكيل»، ليقينها أن مدد الله يكفي عباده مهما كانت قوة أعدائهم، ولإيمانها أنه لن يصيبها وأهلها وسائر الناس، إلا ما كتب الله لهم، ولمعرفتها أن تخويف الشيطان إنما ينطلي على أوليائه لا على المؤمنين.


- أم المؤمنين خديجة بنت خويلد تثبت رسول الله:

ويزداد هذا الواجب في زوجات المجاهدين وأمهاتهم وأخواتهم، أن يكنّ لهم ظهورا في بيوتهم وأهلم، يحمينها من إرجاف المرجفين، وكلام المنافقين، فلا يقلن لهم من الكلام إلا ما يثبت الأقدام ويربط القلوب، وإن من أروع قصص النساء المؤمنات في هذا الجانب قصة أمّ المؤمنين خديجة -رضي الله عنها وأرضاها- في تثبيتِ زوجِها النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلمّ ، إذ يفزع إليها يوم أتاه جبريل أوّل مرّة وهو في الغارِ يتعبّدُ: («زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي» فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ...) [متفق عليه]، وكانت أول المؤمنين بدعوته من النساء، وظلت تشد من أزره وتقويه من عزيمته حتى توفاها الله، وبقيت محبّتها في قلب رسول الله صلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلمّ شاهدة على عظم ما قامت به، حتى قال فيها عليه الصلاة والسلام: (قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ) [مسند أحمد].


- أسماء بنت أبي بكر تدفع ابنها للموت صابرا:

ومن الأمثلة أيضا أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها، يوم حوصر ابنها خليفة المسلمين عبد الله بن الزبير في مكة من جيش البغاة الذي يقوده الحجاج الثقفي، فجاء يستشيرها للخروج لقتاله بعدما اشتد عليه أذاهم، وقال لها: «خذلني الناس حتى ولدي وأهلي، فلم يبق معي إلا اليسير ممن ليس عنده من الدفع أكثر من صبر ساعة، والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا، فما رأيك؟ فقالت: أنت والله يابني أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على الحق وإليه تدعو فامش له، فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك يتلعّب بها غلمان بني أمية، وإن كنت إنما أردت الدنبا فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك، وأهلكت من قتل معك،، وإن قلت: كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفا، فهذا ليس من فعل الأحرار، ولا أهل الدين، فكم خلودك في الدنيا، القتل أحسن»، فدنا منها أمير المؤمنين وقبل رأسها، وقال: «هذا والله رأيي، (....)، ولكني أحببت أن أعلم رأيك، فزدتني بصيرة مع بصيرتي، فانظري يا أمه، فإنّي مقتول من يومي هذا، فلا يشتد حزنك، وسلمي الأمر لله».

ثم انصرف ابن الزبير عنها وهو يقول:
«إني إذا أعرف يومي أصبر وإنما يعرف يومه الحرُّ»

فسمعت والدته رضي الله عنها قوله فقالت: «تصبر والله، إن شاء الله، أبوك أبو بكر والزبير، وأمك صفية بنت عبد المطلب».
فهكذا يكون حال الزوجة المؤمنة مع زوجها، وهكذا يكون حال الأم المؤمنة مع ابنها، فيمضي في طريقه يجاهد أعداء الله، ويقوم بما أمره ربه، ولها من عمله نصيب بإذن الله.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 31
الثلاثاء 10 شعبان 1437 ه‍ـ

مقال:
كُونِي مُثبِّتة لاَ مُثبِّطة
...المزيد

كُونِي مُثبِّتة لاَ مُثبِّطة - أسماء بنت أبي بكر تدفع ابنها للموت صابرا: ومن الأمثلة أيضا ...

كُونِي مُثبِّتة لاَ مُثبِّطة

- أسماء بنت أبي بكر تدفع ابنها للموت صابرا:

ومن الأمثلة أيضا أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها، يوم حوصر ابنها خليفة المسلمين عبد الله بن الزبير في مكة من جيش البغاة الذي يقوده الحجاج الثقفي، فجاء يستشيرها للخروج لقتاله بعدما اشتد عليه أذاهم، وقال لها: «خذلني الناس حتى ولدي وأهلي، فلم يبق معي إلا اليسير ممن ليس عنده من الدفع أكثر من صبر ساعة، والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا، فما رأيك؟ فقالت: أنت والله يابني أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على الحق وإليه تدعو فامش له، فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك يتلعّب بها غلمان بني أمية، وإن كنت إنما أردت الدنبا فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك، وأهلكت من قتل معك،، وإن قلت: كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفا، فهذا ليس من فعل الأحرار، ولا أهل الدين، فكم خلودك في الدنيا، القتل أحسن»، فدنا منها أمير المؤمنين وقبل رأسها، وقال: «هذا والله رأيي، (....)، ولكني أحببت أن أعلم رأيك، فزدتني بصيرة مع بصيرتي، فانظري يا أمه، فإنّي مقتول من يومي هذا، فلا يشتد حزنك، وسلمي الأمر لله».

ثم انصرف ابن الزبير عنها وهو يقول:
«إني إذا أعرف يومي أصبر وإنما يعرف يومه الحرُّ»

فسمعت والدته رضي الله عنها قوله فقالت: «تصبر والله، إن شاء الله، أبوك أبو بكر والزبير، وأمك صفية بنت عبد المطلب».
فهكذا يكون حال الزوجة المؤمنة مع زوجها، وهكذا يكون حال الأم المؤمنة مع ابنها، فيمضي في طريقه يجاهد أعداء الله، ويقوم بما أمره ربه، ولها من عمله نصيب بإذن الله.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 31
الثلاثاء 10 شعبان 1437 ه‍ـ

مقتطف من مقال:
كُونِي مُثبِّتة لاَ مُثبِّطة
...المزيد

كُونِي مُثبِّتة لاَ مُثبِّطة - أم المؤمنين خديجة بنت خويلد تثبت رسول الله: ويزداد هذا الواجب ...

كُونِي مُثبِّتة لاَ مُثبِّطة

- أم المؤمنين خديجة بنت خويلد تثبت رسول الله:

ويزداد هذا الواجب في زوجات المجاهدين وأمهاتهم وأخواتهم، أن يكنّ لهم ظهورا في بيوتهم وأهلم، يحمينها من إرجاف المرجفين، وكلام المنافقين، فلا يقلن لهم من الكلام إلا ما يثبت الأقدام ويربط القلوب، وإن من أروع قصص النساء المؤمنات في هذا الجانب قصة أمّ المؤمنين خديجة -رضي الله عنها وأرضاها- في تثبيتِ زوجِها النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلمّ ، إذ يفزع إليها يوم أتاه جبريل أوّل مرّة وهو في الغارِ يتعبّدُ: («زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي» فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ...) [متفق عليه]، وكانت أول المؤمنين بدعوته من النساء، وظلت تشد من أزره وتقويه من عزيمته حتى توفاها الله، وبقيت محبّتها في قلب رسول الله صلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلمّ شاهدة على عظم ما قامت به، حتى قال فيها عليه الصلاة والسلام: (قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ) [مسند أحمد].


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 31
الثلاثاء 10 شعبان 1437 ه‍ـ

مقتطف من مقال:
كُونِي مُثبِّتة لاَ مُثبِّطة
...المزيد

كُونِي مُثبِّتة لاَ مُثبِّطة - الإيمان بالقدر والثقة بوعد الله درع المرأة المؤمنة: وأحكام ...

كُونِي مُثبِّتة لاَ مُثبِّطة

- الإيمان بالقدر والثقة بوعد الله درع المرأة المؤمنة:

وأحكام النساء في هذا الباب كأحكام الرجال سواء بسواء، فمن وقعت من المسلمات في شيء من ذلك بتخويف أهل بيتها أو غيرها من المسلمين، وإشاعة الإشاعات التي تضعف القلوب بينهم فعليها أن تستغفر الله من هذا الذنب، وأن تصحح إيمانها بقضاء الله وقدره، وأن تعيَ جيّدًا قولَ اللهِ تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (التوبة 51)، وحديثَ النبيِّ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلمّ لعبدِ الله بن عبّاس وهو رديفٌ خلفه: (يَا غُلامُ، إِنِّي مُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، وَإِذَا سَأَلْتَ فاَسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ) [رواه أحمد والترمذي].

وإن المرأة المسلمة عليها دائما إذا ما سمعت شيئا من إرجاف المرجفين، عن قوة أعدائنا، وتحضيراتهم لغزونا، وتحشيدهم علينا بالعدة والعتاد، أن تضع نصب عينها قوله تعالى حكاية عن النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه، لما حشد لهم الروم الذين كانوا يمتلكون أقوى جيوش العالم آنذاك {الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)}.

فهكذا يكون جواب المرأة المسلمة للمرجفين والمنافقين، أن ترد عليهم بقولها «حسبنا الله ونعم الوكيل»، ليقينها أن مدد الله يكفي عباده مهما كانت قوة أعدائهم، ولإيمانها أنه لن يصيبها وأهلها وسائر الناس، إلا ما كتب الله لهم، ولمعرفتها أن تخويف الشيطان إنما ينطلي على أوليائه لا على المؤمنين.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 31
الثلاثاء 10 شعبان 1437 ه‍ـ

مقتطف من مقال:
كُونِي مُثبِّتة لاَ مُثبِّطة
...المزيد

كُونِي مُثبِّتة لاَ مُثبِّطة في ظروف الحرب والفتن والشدة، تزداد الهموم، وتبلغ القلوب الحناجر، ...

كُونِي مُثبِّتة لاَ مُثبِّطة


في ظروف الحرب والفتن والشدة، تزداد الهموم، وتبلغ القلوب الحناجر، فمن الناس من يثبتهم الله بإيمانهم وحسن ظنّهم بالله، ومنهم من يهلك فينقلب على عقبيه، منتكسا عن دينه، موليا الدبر، وخائنا لإخوانه، بل تجد أن كثيرا من هؤلاء لا يكتفي بانهزامه، بل يحاول سعيه أن ينقل تلك الهزيمة إلى غيره، ويشيعها في المسلمين كافة، فيهوّل من شأن أعدائهم، ويسعى لإخافة المسلمين منهم، وصدهم بذلك عن قتالهم والوقوف في وجههم.

وهذا الفعل من الأفعال المشهورة عن المنافقين، المنتشرة بين ضعيفي الإيمان ومسلوبي اليقين، من الرجال والنساء، فأما شأنهم في الرجال معروف، ودورهم فيما مضى من كلام مبسوط وموصوف، أما في النساء، فإن المصيبة من قبلهن تكمن في نقل هذا الإرجاف من بيوت المنافقين وألسنتهم لتدخله إلى بيتها وبين زوجها وأولادها، لتقع في أفعال المنافقين من حيث شعرت أم لم تشعر.

- الإرجاف فعل المنافقين:

والإرجافُ هو الخبر الكاذب المثيرُ للفتنِ والاضطرابِ. قالَ القرطبي رحمه الله في تفسيره: (الإرْجافُ الْتِمَاسُ الْفِتْنَةِ، وَإِشَاعَةُ الْكَذِبِ وَالْبَاطِل لِلاِغْتِمَامِ بِهِ)ا.هـ

وقد ذمّ الله تعالى الإرجافَ وأهله في مواضعَ كثيرةٍ من القرآنِ الكريمِ، فقد قالَ عزّ وجلّ: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا} (الأحزاب 18)، وقالَ أيضًا: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61)] (الأحزاب)، قال الجصاص في (أحكام القرآن): (فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِرْجَافَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَالْإِشَاعَةَ بِمَا يَغُمُّهُمْ وَيُؤْذِيهِمْ يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّعْزِيرَ وَالنَّفْيَ إذَا أَصَرَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْتَهِ عَنْهُ، وَكَانَ قَوْمٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَآخَرُونَ مِمَّنْ لَا بَصِيرَةَ لَهُ فِي الدِّينِ وَهُمْ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَهُوَ ضَعْفُ الْيَقِينِ يُرْجِفُونَ بِاجْتِمَاعِ الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ وَتَعَاضُدِهِمْ وَمَسِيرِهِمْ إلَى الْمُؤْمِنِينَ فَيُعَظِّمُونَ شَأْنَ الْكُفَّارِ بِذَلِكَ عِنْدَهُمْ وَيُخَوِّفُونَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِيهِمْ، وَأَخْبَرَ تَعَالَى بِاسْتِحْقَاقِهِمْ النَّفْيَ وَالْقَتْلَ إذَا لَمْ يَنْتَهُوا عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةُ اللَّهِ وَهُوَ الطَّرِيقَةُ الْمَأْمُورُ بِلُزُومِهَا وَاتِّبَاعِهَا). ا.هـ

ومن خطورة الإرجاف أن حذر المجاهدين من الاختلاط بالمرجفين، لأنهم يوهنون الصف بكلامهم، ويضعفون المسلمين بتخذيلهم، كما قال تعالى {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}، قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَهْطٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ، يُشِيرُونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إلَى تَبُوكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: أَتَحْسِبُونَ جَلَّادَ بَنِي الْأَصْفَرِ كَقِتَالِ الْعَرَبِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا! وَاَللَّهِ لَكَأَنَّا بِكَمْ غَدًا مُقَرَّنِينَ فِي الْحِبَالِ، إرْجَافًا وَتَرْهِيبًا لِلْمُؤْمِنِينَ.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 31
الثلاثاء 10 شعبان 1437 ه‍ـ

مقتطف من مقال:
كُونِي مُثبِّتة لاَ مُثبِّطة
...المزيد

لقد كنا هناك! ليست الدولة الإسلامية متلهفة لتبني كل ما يجري في العالم من هجمات كما يظن البعض، ...

لقد كنا هناك!

ليست الدولة الإسلامية متلهفة لتبني كل ما يجري في العالم من هجمات كما يظن البعض، وإن كانت على طريقتها ومنهاجها، بل حتى لو كانت ثمرة تحريضها أو أكثر من ذلك! وبريدها يمتلئ بالرسائل المتصلة بكثير من الهجمات حول العالم لكنها لم تجتز محدِّدات معيّنة لتبنيها وإنْ باركتها وشكرتها وأشادت بها وهي على كل حال مما تفردت به في زمن التهافت على توطيد العلاقات مع الصليبيين حكومات وأقليات!

لقد حبست أمريكا الصليبية أنفاسها وهي تراقب وتترقب بقلق إعلام الدولة الإسلامية خشية تبنيه رسميا الهجوم الدامي على أرضها، الذي نفذه رجل أمريكي متأثر بخطاب ودعاية الدولة الإسلامية التي أنفقت أمريكا وحلفها البائس ملايين الدولارات لحربها وحجبها عن الناس في شرق الأرض وغربها، فإذا بها ترتد عليها في عقر دارها.

بعض الهجمات المخططة بلغت كلفتها أزيد من مئة ألف دولار، بينما الكلفة التشغيلية لهذا النوع من الهجمات لا تكاد تذكر، مجاهد إعلامي متيقظ في هجعة الليل يبث خطابا تحريضيا باللغة العربية، يترجمه مناصر يجيد الإنجليزية ينشره ناشر، يتلقف الخطاب مسلم بقلب حي يترجمه ولكن إلى أفعال، وينقله إلى حيز الميدان، صراخ كبير ورعب أكبر، ما الذي يحدث؟ أمريكا تحت الهجوم في يوم زينتها! من الفاعل؟ إنه شبح الدولة الإسلامية الذي يطاردهم منذ نحو عقدين ولم يجد سحرة أمريكا أي "تعويذة" تخلصهم من هذا "الكابوس" الذي لا يضرب إلا في اليقظة.

الجديد في الأمر أن المهاجم استخدم هذه المرة تقنية حديثة في الرصد والتصوير، لكنه لسبب ما لم يفعّل خاصية البث المباشر لينقل مشاهد الفشل والموت الأمريكي عبر البث الحي! وعلى كلٍّ فالفشل الأمريكي والصليبي في حرب "الإرهاب" لم يعد بحاجة إلى بثٍّ يُثبته، ومع ذلك سيحرص المجاهدون في المرات القادمة على استقبال البث من "المرسل" لينتشر في أعماق العالم.

على الهامش كانت "نظارة ميتا" بمثابة طرد ملغوم وصل إلى "الرئيس التنفيذي" للشركة الصليبية المتورطة في حرب إعلام الخلافة، الهجوم برمته قام على حسن التوظيف والاستغلال الأمثل للموارد والتقنية الأمريكية في حرب أمريكا ذاتها، إنها حرفيا: "بضاعتكم ردت إليكم".

وبينما "بايدن" يحزم أمتعته للرحيل بعد فترة رئاسية بدأها وختمها بوعود القضاء على الجهاد، يصر "المتأثرون" بالدولة الإسلامية على تنغيص رحيله كما نغّصوا قدومه، ولن يختلف الحال كثيرا بقدوم "ترامب" فبانتظاره ميراث ثقيل من الفشل الأمني والاستنزاف والهجمات وراء الحدود.

لقد سعت أمريكا جاهدة لوضع حد للهجمات العابرة للقارات التي تهدد الدول الصليبية ورعاياها حول العالم، لكن دون جدوى، وبينما هي تحارب الدولة في بوادي العراق والشام وقمم خراسان وشعاب اليمن وأدغال إفريقية وغيرها؛ إذا بأنصارها يفجعون أمريكا وسط شوارعها وأشهر أحيائها، إنها معادلة عادلة جدا.

بات هذا النوع من الهجمات خطرا يهدد أمن الدول الصليبية بلا حلول في الأفق، إذْ ليس هناك قادة أو جنود أو معسكرات معينة تنصبّ عليها جهود التحالف الصليبي لمهاجمتها أو قصفها كما جرت العادة، إنهم يواجهون أشباحا يخرجون من العدم، حالة افتراضية تتحول إلى قنبلة أو بندقية أو شاحنة تدهس بلا رحمة أكوام أمة الصليب التي لوثت الفطر ووصل شرها إلى الفضاء.

لقد بقي أعداء دولة الإسلام ينعتونها بالافتراضية حتى أصبحت مصدر إلهام لحالة تهديد فريدة من نوعها، جنودها ينشطون وينظّمون ويجنّدون في الفضاء، لكنهم يضربون على الأرض، إنها حالة افتراضية "فرط واقعية".

طريقة الرجل الأربعيني في إظهار تأييده أو تبعيته للدولة الإسلامية عبر اقتحام الحشد الصليبي بعربة عليها راية عقاب مطوية؛ طريقة تقليدية اتّبعها الانغماسيون مطلع الألفية الثالثة، مثل وضع المهاجم ورقة مطوية في جيبه تحتوي وصيته، إنها طريقة سهلة لمن انقطعت به سبل التواصل والتوثيق، قصاصة ورقية تحتوي بيعة للدولة الإسلامية أو حتى راية عقاب بأبعاد "سينتيمترية" في جيبك الصغير أيها المجاهد ستكون كافية لإغاظة المحققين الصليبيين وتأكيد مخاوفهم! قصاصات البيعة أو رايات الجيب هذه ستكون بمثابة تذكار ثقيل للحكومات الصليبية في مسرح الموت المتسلسل!

على جبهة المناوئين للجهاد، تعالت أصوات المنافقين والمغرضين بالتشكيك في دوافع الرجل وطعنوا حتى في دينه وإسلامه ومنعوا حتى توبته! وعيّروه بماضيه! لماذا يتحول الإخوان والمرجئة إلى "خوارج" عندما يتعلق الأمر بالدولة الإسلامية؟!

في نهاية كل عام إفرنجي تتعرض حسابات الدولة الإسلامية إلى موجة حذف جنونية، ويهدف هذا الإجراء السنوي الذي تشارك به "اليوروبول" إلى التشويش على أي مراسلات لتنسيق وتخطيط الهجمات التي تستهدف الأعياد النصرانية، ومع ذلك وقع ما كانوا يحذرون.

لقد غيرت الدولة الإسلامية "روزنامة" الدول الصليبية فصارت مواسم الأعياد عندهم مرتبطة ارتباطا شرطيا بالتحذير والقلق والطعن والدهس والموت الزؤام، غير أن ذلك لم يبلغ ذروته بعد! ومع ذلك فهذا تنبيه وتذكير للمجاهدين المنفردين في عقر أوروبا وأمريكا بضرورة عدم الاكتفاء بمواسم الأعياد السنوية فأيامهم تمتلئ بمناسبات كثيرة يحتشدون فيها بالمئات بل الألوف، وليبحث كل مجاهد في الشبكة العنكبوتية عن موعد حفل موسيقي حاشد أو معرض للكتاب أو سوق تنزيلات أو تظاهرة أو مناسبة رياضية أو ثقافية... فكلها أهداف مشروعة ولا تدع أحدا من دعاة جهنم وفقهاء الأقليّات، يقطع الطريق عليك نحو قتال عدوك والثأر لدينك، فقد حافلتك وانغمس وأسمعهم صوت الارتطام وتكسير العظام.

ولتضع أيها المجاهد نصب عينيك هذه الآية: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ}، خصوصا أنها تتعرض لمحاولات نسخٍ معاصرة! بعد قرون على انقطاع الوحي، والمعنى كما قال الإمام البغوي: "أي لا تدع جهاد العدو والانتصار للمستضعفين من المؤمنين ولو وحدك، فإن الله قد وعدك النصرة وعاتبهم على ترك القتال، والفاء في قوله: {فَقَاتِلْ} جواب عن قوله: {وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}؛ فقاتل {وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} على القتال والجهاد ورغّبهم في الثواب". فتأمل حال الممتثل لهذه الآية اليوم هل يخرج عن تلك الحالتين المباركتين بنص الكتاب: {فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ}، ومآله في الحالتين الأجر العظيم كما أكّده الحقُّ سبحانه ونسبه إليه فقال: {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}، وواقع الهجمات اليوم يتراوح بين هاتين الحسنيين، على أن ذلك لا يعني التهاون في الإعداد والاحتياط اللازم الذي يحصل به الإثخان والنكاية وشفاء الصدور، وفي الآية ربط لمقام القتال بمقام التحريض ولا ينفك هذا عن ذلك، فانتبه أيها المناصر.

وهذا نداء وتحريض لكل المجاهدين المفترضين في عقر أوروبا وأمريكا وخلف خطوطها، لا تشاوروا أحدا في جهادكم العابر للقارات، وارصدوا من الأهداف أدسمها واضربوا بلا هوادة، فإن دماء النصارى قاطبة لا تعدل قطرة دم واحدة من دماء المسلمين النازفة كل يوم، وإن هذه الهجمات بعض الثأر لا كله، فاجعلوها دائمة مستمرة لا مؤقتة بميقات أو ميعاد.


◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 477
السنة السادسة عشرة - الخميس 9 رجب 1446 هـ

المقال الافتتاحي:
لقد كنا هناك!
...المزيد

لقد كنا هناك! (2/2) لقد سعت أمريكا جاهدة لوضع حد للهجمات العابرة للقارات التي تهدد الدول ...

لقد كنا هناك!
(2/2)

لقد سعت أمريكا جاهدة لوضع حد للهجمات العابرة للقارات التي تهدد الدول الصليبية ورعاياها حول العالم، لكن دون جدوى، وبينما هي تحارب الدولة في بوادي العراق والشام وقمم خراسان وشعاب اليمن وأدغال إفريقية وغيرها؛ إذا بأنصارها يفجعون أمريكا وسط شوارعها وأشهر أحيائها، إنها معادلة عادلة جدا.

بات هذا النوع من الهجمات خطرا يهدد أمن الدول الصليبية بلا حلول في الأفق، إذْ ليس هناك قادة أو جنود أو معسكرات معينة تنصبّ عليها جهود التحالف الصليبي لمهاجمتها أو قصفها كما جرت العادة، إنهم يواجهون أشباحا يخرجون من العدم، حالة افتراضية تتحول إلى قنبلة أو بندقية أو شاحنة تدهس بلا رحمة أكوام أمة الصليب التي لوثت الفطر ووصل شرها إلى الفضاء.

لقد بقي أعداء دولة الإسلام ينعتونها بالافتراضية حتى أصبحت مصدر إلهام لحالة تهديد فريدة من نوعها، جنودها ينشطون وينظّمون ويجنّدون في الفضاء، لكنهم يضربون على الأرض، إنها حالة افتراضية "فرط واقعية".

طريقة الرجل الأربعيني في إظهار تأييده أو تبعيته للدولة الإسلامية عبر اقتحام الحشد الصليبي بعربة عليها راية عقاب مطوية؛ طريقة تقليدية اتّبعها الانغماسيون مطلع الألفية الثالثة، مثل وضع المهاجم ورقة مطوية في جيبه تحتوي وصيته، إنها طريقة سهلة لمن انقطعت به سبل التواصل والتوثيق، قصاصة ورقية تحتوي بيعة للدولة الإسلامية أو حتى راية عقاب بأبعاد "سينتيمترية" في جيبك الصغير أيها المجاهد ستكون كافية لإغاظة المحققين الصليبيين وتأكيد مخاوفهم! قصاصات البيعة أو رايات الجيب هذه ستكون بمثابة تذكار ثقيل للحكومات الصليبية في مسرح الموت المتسلسل!

على جبهة المناوئين للجهاد، تعالت أصوات المنافقين والمغرضين بالتشكيك في دوافع الرجل وطعنوا حتى في دينه وإسلامه ومنعوا حتى توبته! وعيّروه بماضيه! لماذا يتحول الإخوان والمرجئة إلى "خوارج" عندما يتعلق الأمر بالدولة الإسلامية؟!

في نهاية كل عام إفرنجي تتعرض حسابات الدولة الإسلامية إلى موجة حذف جنونية، ويهدف هذا الإجراء السنوي الذي تشارك به "اليوروبول" إلى التشويش على أي مراسلات لتنسيق وتخطيط الهجمات التي تستهدف الأعياد النصرانية، ومع ذلك وقع ما كانوا يحذرون.

لقد غيرت الدولة الإسلامية "روزنامة" الدول الصليبية فصارت مواسم الأعياد عندهم مرتبطة ارتباطا شرطيا بالتحذير والقلق والطعن والدهس والموت الزؤام، غير أن ذلك لم يبلغ ذروته بعد! ومع ذلك فهذا تنبيه وتذكير للمجاهدين المنفردين في عقر أوروبا وأمريكا بضرورة عدم الاكتفاء بمواسم الأعياد السنوية فأيامهم تمتلئ بمناسبات كثيرة يحتشدون فيها بالمئات بل الألوف، وليبحث كل مجاهد في الشبكة العنكبوتية عن موعد حفل موسيقي حاشد أو معرض للكتاب أو سوق تنزيلات أو تظاهرة أو مناسبة رياضية أو ثقافية... فكلها أهداف مشروعة ولا تدع أحدا من دعاة جهنم وفقهاء الأقليّات، يقطع الطريق عليك نحو قتال عدوك والثأر لدينك، فقد حافلتك وانغمس وأسمعهم صوت الارتطام وتكسير العظام.

ولتضع أيها المجاهد نصب عينيك هذه الآية: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ}، خصوصا أنها تتعرض لمحاولات نسخٍ معاصرة! بعد قرون على انقطاع الوحي، والمعنى كما قال الإمام البغوي: "أي لا تدع جهاد العدو والانتصار للمستضعفين من المؤمنين ولو وحدك، فإن الله قد وعدك النصرة وعاتبهم على ترك القتال، والفاء في قوله: {فَقَاتِلْ} جواب عن قوله: {وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}؛ فقاتل {وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} على القتال والجهاد ورغّبهم في الثواب". فتأمل حال الممتثل لهذه الآية اليوم هل يخرج عن تلك الحالتين المباركتين بنص الكتاب: {فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ}، ومآله في الحالتين الأجر العظيم كما أكّده الحقُّ سبحانه ونسبه إليه فقال: {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}، وواقع الهجمات اليوم يتراوح بين هاتين الحسنيين، على أن ذلك لا يعني التهاون في الإعداد والاحتياط اللازم الذي يحصل به الإثخان والنكاية وشفاء الصدور، وفي الآية ربط لمقام القتال بمقام التحريض ولا ينفك هذا عن ذلك، فانتبه أيها المناصر.

وهذا نداء وتحريض لكل المجاهدين المفترضين في عقر أوروبا وأمريكا وخلف خطوطها، لا تشاوروا أحدا في جهادكم العابر للقارات، وارصدوا من الأهداف أدسمها واضربوا بلا هوادة، فإن دماء النصارى قاطبة لا تعدل قطرة دم واحدة من دماء المسلمين النازفة كل يوم، وإن هذه الهجمات بعض الثأر لا كله، فاجعلوها دائمة مستمرة لا مؤقتة بميقات أو ميعاد.


◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 477
السنة السادسة عشرة - الخميس 9 رجب 1446 هـ

المقال الافتتاحي:
لقد كنا هناك!
...المزيد

لقد كنا هناك! (2/1) ليست الدولة الإسلامية متلهفة لتبني كل ما يجري في العالم من هجمات كما يظن ...

لقد كنا هناك!
(2/1)

ليست الدولة الإسلامية متلهفة لتبني كل ما يجري في العالم من هجمات كما يظن البعض، وإن كانت على طريقتها ومنهاجها، بل حتى لو كانت ثمرة تحريضها أو أكثر من ذلك! وبريدها يمتلئ بالرسائل المتصلة بكثير من الهجمات حول العالم لكنها لم تجتز محدِّدات معيّنة لتبنيها وإنْ باركتها وشكرتها وأشادت بها وهي على كل حال مما تفردت به في زمن التهافت على توطيد العلاقات مع الصليبيين حكومات وأقليات!

لقد حبست أمريكا الصليبية أنفاسها وهي تراقب وتترقب بقلق إعلام الدولة الإسلامية خشية تبنيه رسميا الهجوم الدامي على أرضها، الذي نفذه رجل أمريكي متأثر بخطاب ودعاية الدولة الإسلامية التي أنفقت أمريكا وحلفها البائس ملايين الدولارات لحربها وحجبها عن الناس في شرق الأرض وغربها، فإذا بها ترتد عليها في عقر دارها.

بعض الهجمات المخططة بلغت كلفتها أزيد من مئة ألف دولار، بينما الكلفة التشغيلية لهذا النوع من الهجمات لا تكاد تذكر، مجاهد إعلامي متيقظ في هجعة الليل يبث خطابا تحريضيا باللغة العربية، يترجمه مناصر يجيد الإنجليزية ينشره ناشر، يتلقف الخطاب مسلم بقلب حي يترجمه ولكن إلى أفعال، وينقله إلى حيز الميدان، صراخ كبير ورعب أكبر، ما الذي يحدث؟ أمريكا تحت الهجوم في يوم زينتها! من الفاعل؟ إنه شبح الدولة الإسلامية الذي يطاردهم منذ نحو عقدين ولم يجد سحرة أمريكا أي "تعويذة" تخلصهم من هذا "الكابوس" الذي لا يضرب إلا في اليقظة.

الجديد في الأمر أن المهاجم استخدم هذه المرة تقنية حديثة في الرصد والتصوير، لكنه لسبب ما لم يفعّل خاصية البث المباشر لينقل مشاهد الفشل والموت الأمريكي عبر البث الحي! وعلى كلٍّ فالفشل الأمريكي والصليبي في حرب "الإرهاب" لم يعد بحاجة إلى بثٍّ يُثبته، ومع ذلك سيحرص المجاهدون في المرات القادمة على استقبال البث من "المرسل" لينتشر في أعماق العالم.

على الهامش كانت "نظارة ميتا" بمثابة طرد ملغوم وصل إلى "الرئيس التنفيذي" للشركة الصليبية المتورطة في حرب إعلام الخلافة، الهجوم برمته قام على حسن التوظيف والاستغلال الأمثل للموارد والتقنية الأمريكية في حرب أمريكا ذاتها، إنها حرفيا: "بضاعتكم ردت إليكم".

وبينما "بايدن" يحزم أمتعته للرحيل بعد فترة رئاسية بدأها وختمها بوعود القضاء على الجهاد، يصر "المتأثرون" بالدولة الإسلامية على تنغيص رحيله كما نغّصوا قدومه، ولن يختلف الحال كثيرا بقدوم "ترامب" فبانتظاره ميراث ثقيل من الفشل الأمني والاستنزاف والهجمات وراء الحدود.

لقد سعت أمريكا جاهدة لوضع حد للهجمات العابرة للقارات التي تهدد الدول الصليبية ورعاياها حول العالم، لكن دون جدوى، وبينما هي تحارب الدولة في بوادي العراق والشام وقمم خراسان وشعاب اليمن وأدغال إفريقية وغيرها؛ إذا بأنصارها يفجعون أمريكا وسط شوارعها وأشهر أحيائها، إنها معادلة عادلة جدا.

بات هذا النوع من الهجمات خطرا يهدد أمن الدول الصليبية بلا حلول في الأفق، إذْ ليس هناك قادة أو جنود أو معسكرات معينة تنصبّ عليها جهود التحالف الصليبي لمهاجمتها أو قصفها كما جرت العادة، إنهم يواجهون أشباحا يخرجون من العدم، حالة افتراضية تتحول إلى قنبلة أو بندقية أو شاحنة تدهس بلا رحمة أكوام أمة الصليب التي لوثت الفطر ووصل شرها إلى الفضاء.

لقد بقي أعداء دولة الإسلام ينعتونها بالافتراضية حتى أصبحت مصدر إلهام لحالة تهديد فريدة من نوعها، جنودها ينشطون وينظّمون ويجنّدون في الفضاء، لكنهم يضربون على الأرض، إنها حالة افتراضية "فرط واقعية".

طريقة الرجل الأربعيني في إظهار تأييده أو تبعيته للدولة الإسلامية عبر اقتحام الحشد الصليبي بعربة عليها راية عقاب مطوية؛ طريقة تقليدية اتّبعها الانغماسيون مطلع الألفية الثالثة، مثل وضع المهاجم ورقة مطوية في جيبه تحتوي وصيته، إنها طريقة سهلة لمن انقطعت به سبل التواصل والتوثيق، قصاصة ورقية تحتوي بيعة للدولة الإسلامية أو حتى راية عقاب بأبعاد "سينتيمترية" في جيبك الصغير أيها المجاهد ستكون كافية لإغاظة المحققين الصليبيين وتأكيد مخاوفهم! قصاصات البيعة أو رايات الجيب هذه ستكون بمثابة تذكار ثقيل للحكومات الصليبية في مسرح الموت المتسلسل!

على جبهة المناوئين للجهاد، تعالت أصوات المنافقين والمغرضين بالتشكيك في دوافع الرجل وطعنوا حتى في دينه وإسلامه ومنعوا حتى توبته! وعيّروه بماضيه! لماذا يتحول الإخوان والمرجئة إلى "خوارج" عندما يتعلق الأمر بالدولة الإسلامية؟!

في نهاية كل عام إفرنجي تتعرض حسابات الدولة الإسلامية إلى موجة حذف جنونية، ويهدف هذا الإجراء السنوي الذي تشارك به "اليوروبول" إلى التشويش على أي مراسلات لتنسيق وتخطيط الهجمات التي تستهدف الأعياد النصرانية، ومع ذلك وقع ما كانوا يحذرون.


◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 477
السنة السادسة عشرة - الخميس 9 رجب 1446 هـ

المقال الافتتاحي:
لقد كنا هناك!
...المزيد

عادل بن عبد الله المجماج التميمي ناصَر الأسرى في جزيرة العرب، وجاوَرهم... ثم قُتل وهو يسعى إلى ...

عادل بن عبد الله المجماج التميمي
ناصَر الأسرى في جزيرة العرب، وجاوَرهم... ثم قُتل وهو يسعى إلى فكاك أسرهم


أرض القصيم، ودود ولود، نزعت عنها رداء الشرك من قرون، ونصر أهلها التوحيد، فكان منهم أجيال من الموحّدين المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، ولا ينقضي جيل إلا وقد غرس في الذي يليه عقيدة صافية، ونفوسا أبية.

ولم يختلف جيلنا المعاصر عن أسلافهم، فالألوف من شباب القصيم نفروا خلال العقود الماضية ليمدوا ساحات الجهاد في مشارق الأرض ومغاربها، ولم تنفع كل محاولات الطواغيت من آل سلول في القضاء على دعوة التوحيد في هذه المنطقة، رغم التعسف والسجون، ورغم تلبيس الملبسين من السرورية والجامية وأشباههم.

فلا زال فيها بقية باقية من أهل الإيمان، يسيرون على خطى أسلافهم ممن نصر دعوة التوحيد عندما صدع بها الشيخ محمد بن عبد الوهّاب وإخوانه، ممّن لا يعرف إلا طريق العزة والشرف والرفعة، فجعل طريقها يبدأ من الصدع بملة إبراهيم، ويمر على سجون ومعتقلات المرتدين، إلى مناجزتهم بالسيف، ومن هذه الثلة المباركة بطلنا المجاهد أبو عبد الله التميمي (عادل بن عبد الله المجماج) تقبّله الله.

ولد أبو عبد الله في مدينة عنيزة من حواضر نجد عام 1410 هـ، وشب على حب العلم وأهله، وثنى ركبتيه على عدد من علماء مدينته وحفظ القرآن على أيديهم، وكان يتردد على مجالس العلم ليتعلم دين الله عز وجل، ويرفع الجهل عن نفسه.

دخل كلية الشريعة وكان الطالب المجتهد فيها، إلا أنها كانت مليئة بالمناهج الضالة، سواء من جهة كتبها المفروضة، أو من الأفكار التي يروجها المدرسون فيها، وكان -رحمه الله- كما ذكر عنه أحد أقرانه لا يسلّم لهم بما يطرحونه من أباطيل وضلالات، بل يناقشهم ويردّ على شبهاتهم، وكان منهم مدرس يشيع في محاضراته انحرافات في العقيدة، فلم تكن تمر محاضرة لهذا المدرس إلا ويناقشه أبو عبد الله ويرد على ضلاله، ولم يطل به الأمد وترك الكليّة مبكرا.

كان -رحمه الله- من الصادعين بالكفر بالطاغوت، لا يجلس مجلسا إلا ويبّصر الناس بحقيقة طواغيت آل سلول، وحكم عسكرهم، وشرطهم، وعلمائهم المرتدين.

ومن المعلوم من سنن الله الكونية أن الصراع بين الحق والباطل مستمر حتى قيام الساعة، ولذلك سعى طواغيت الجزيرة إلى محاربة الجهاد والمجاهدين في كل مكان، زاعمين أنهم سيوقفون أهل هذه الدعوة المباركة عن نشرها، وأنهم سيمنعون الرجال من القتال والجهاد، فملؤوا سجونهم بالشباب المجاهدين، وزجوا بالموحدين في معتقلاتهم، لا لذنب إلا أنهم صدعوا بالتوحيد، وحاربوا عباد الصليب وأذنابهم.

فكان لهذا الأمر تأثير بالغ على كثير من الشباب ومنهم فارسنا تقبله الله، فكان من أبرز المناصرين للأسرى والأسيرات في سجون الطواغيت، وأسر من أجل ذلك مرتين؛ إحداها حينما خرجت مسيرة نصرة للأسرى في سوق النخيل في مدينة بريدة، حيث قام جنود الطواغيت بالاعتداء على نساء المسلمين، فانبرى لهم الأسد، وتعارك مع جنود الطاغوت حتى يمنعهم من الوصول للنساء حتى اعتقلوه ومكث في السجن أكثر من سنة، حتى أفرج عنه، ثم خرج عزيزا شامخا ينصر دين الله.

وما لبث أن ذهب إلى سجن الطرفيّة مطالباً بفكاك الأسرى والأسيرات من سجون الطواغيت، ومعه أحد إخوانه فاعتقله الطواغيت مرة أخرى، ليزجوا به في معتقلاتهم لأكثر من ثلاث سنين، ثم أفرجوا عنه، بعد أن وضعوه في برنامج الطاغوت ابن نايف للمناصحة، وهو برنامج يضعون فيه الموحدين قبل الإفراج عنهم محاولين صرفهم عن التوحيد الذي دعوا إليه.

حينما خرج من سجونهم وضع الطواغيت في ساقه حلقة إلكترونية لتتبعه، ومعرفة مكانه في كل وقت، وظنوا أنهم بهذه الحلقة سيجعلون بطلنا ذليلا خانعا لهم، فلم يستسلم لهم -تقبله الله- بل تمكّن من الاتصال بالمجاهدين في ولاية نجد بعد فترة قصيرة من خروجه من السجن، ولم يكن ما وضعوه له عائقا له من النفير، فقام بقصها رغم خطورة ذلك عليه، ولحق بالإخوة المجاهدين مبايعاً لخليفة المسلمين.

التحق بجنود الخلافة في جزيرة العرب، وقلبه يحترق على أخواته الأسيرات في سجون الطواغيت المرتدين، وعلى إخوة لهم أعدمهم الطاغوت بسبب نصرتهم للمجاهدين، وقتالهم للصليبيين وأذنابهم المرتدين، فلا يكاد يمر عليه يوم إلا ويذكر من خلّفهم وراءه من إخوانه الأسرى والأسيرات في سجون الكفر، كيف لا وهو اعتقل مرتين نصرة لهم.

انضمّ -رحمه الله- إلى إحدى السرايا، التي قامت بتنفيذ عدد من العمليات التي أرعبت الطواغيت وجنودهم، وكان له خبرة في مجال التقنية وأمن المعلومات، فلم يبخل على إخوانه بإعطائهم الدروس والتعليمات في هذا الأمر المهم لهم.

وما كان لهذه النفس بعد هذا الجهد والنصب والتعب إلا أن تستريح من هذه الدنيا الفانية، فقد قام المرتدون في يوم الخميس (27 رجب 1437 هـ) بمحاصرة مكان السرية في ولاية الحجاز بين الطائف ومكة، ومطالبة الإخوة الموجودين بتسليم أنفسهم للطواغيت، وأنى لهذه الأسود أن تسلم نفسها وقد ذاقت في الجهاد طعم العز.

فاشتبك معهم الإخوة بالأسلحة الخفيفة، وجلب الطواغيت كعادتهم عشرات المدرعات، والمئات من الجنود رغم معرفتهم أن الإخوة قلة قليلة لا يملكون إلا أسلحة خفيفة.

وانغمس أخونا أبو عبد الله على سيارة لقوات الطوارئ المرتدة بحزامه الناسف وفجره فيهم، ليرسل لأعداء الله رسالة أن الأسود لا تسلم نفسها للكلاب، وأن القتل في سبيل الله منية المجاهدين، وأنهم ما خرجوا إلا من أجل نصرة هذا الدين، وإقامة شرع الله المغيَّب، ولكي يبذلوا دماءهم لأجل هذا الهدف، وأن المجاهدين لن يكونوا لقمة سهلة للطواغيت، بل دون الوصول لهم دماء وأشلاء، وأن جنود الخلافة قد رووا بدمائهم أرض جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم.

فليبشر طواغيت الجزيرة بما يسوؤهم، فخلف هذا الرجل رجال، لم يلقوا أسلحتهم بعد، ولن يلقوها أبدا حتى يكون الدين كله لله، في جزيرة العرب، وفي أرض الله كلها، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 30
السنة السابعة - الثلاثاء 3 شعبان 1437 هـ

قصة شهيد:
عادل بن عبد الله المجماج التميمي
ناصَر الأسرى في جزيرة العرب، وجاوَرهم... ثم قُتل وهو يسعى إلى فكاك أسرهم
...المزيد

شهر شعبان بين السنة والبدعة [2/2] هل يُشرع صيام شهر شعبان كله أم بعضه؟ في حديث عائشة -رضي ...

شهر شعبان بين السنة والبدعة
[2/2]

هل يُشرع صيام شهر شعبان كله أم بعضه؟

في حديث عائشة -رضي الله عنها- السابق روايتان؛ هما رواية: «كان يصوم شعبان كله»، ورواية: «كان يصوم شعبان إلا قليلا»، وبالجمع بين الروايتين، يظهر بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم أكثر أيام شهر شعبان، قال النووي: «وقولها كان يصوم شعبان كله، كان يصومه إلا قليلا، الثاني تفسير للأول، وبيان أن قولها كله: أي غالبه» [شرح صحيح مسلم]، وقال القاضي عياض: «وكذلك يفسر قوله: (كان يصوم شعبان كله) (كان يصوم شعبان إلا قليلا)، والكلام الثاني تفسير للأول، وعبّر بالكل عن الغالب والأكثر» [إكمال المعلم في شرح صحيح مسلم]، ويقوّي هذا الرأي ما رواه مسلم عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: «ما صام النبي -صلى الله عليه وسلم- شهرا كاملا قط غير رمضان»، قال النووي: «قال العلماء: وإنما لم يستكمل غير رمضان لئلا يُظن وجوبه» [المنهاج].

الفصل بين صيام شعبان وصيام رمضان:

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجلٌ كان يصوم صومه، فليَصُم ذلك اليوم) [متفق عليه]، وعن عمار بن ياسر -رضي الله عنه- قال: «من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم» [حديث حسن، رواه أبو داود وغيره].

قال الصنعاني: «واعلمْ أن يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا لم يُرَ الهلال في ليلة بغَيْم ساتر أو نحوه فيجوز كونه من رمضان وكونه من شعبان والحديث وما في معناه يدل على تحريم صومه» [سبل السلام]، وعن عطاء قال: كنت عند ابن عباس قبل رمضان بيوم أو يومين فقرّب غداءه فقال: «أفطروا أيها الصِّيَّام! لا تواصلوا رمضان بشيء وافْصِلوا» [رواه عبد الرزاق في مصنفه].

قال ابن عبد البر: «استحب ابن عباس وجماعة من السلف رحمهم الله أن يفصلوا بين شعبان ورمضان بفطر يوم أو أيام، كما كانوا يستحبون أن يفصلوا بين صلاة الفريضة بكلام أو قيام أو مشي أو تقدم أو تأخر من المكان» [الاستذكار].

إحصاء هلال شعبان لرمضان:

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحصوا هلال شعبان لرمضان) [حديث حسن، رواه الترمذي وغيره]، قال المباركفوري: «(أحصوا) بقطع الهمزة أمر من الإحصاء وهو في الأصل العد بالحصا أي عدّوا (هلال شعبان) أي أيامه (لرمضان) أي لأجل رمضان أو للمحافظة على صوم رمضان... وقال ابن حجر: أي اجتهدوا في إحصائه وضبطه بأن تتحروا مطالعه وتتراءوا منازله لأجل أن تكونوا على بصيرة في إدراك هلال رمضان على حقيقة حتى لا يفوتكم منه شيء» [تحفة الأحوذي].

بدع النصف من شعبان:

مما أحدث الناس في دين الله مؤخّرا تخصيصهم ليلة النصف من شعبان (ليلة الخامس عشر) بالقيام، أو تخصيصهم نهاره بصيام، أو قراءة سُوَر معينة في ذلك اليوم، أو الصلاة المسماة عندهم «الصلاة الألفية» والأخرى المسماة «صلاة براءة»، أو إيقاد المصابيح وتوزيع الحلوى... وغيرها مما هو معروف هذه الأيام، وما له مستند سوى أحاديث موضوعة أو ضعيفة جدا، وفيما يلي بعض أقوال أهل العلم في ذلك:

- قال القرطبي: «ليس في ليلة النصف من شعبان حديث يُعوَّل عليه، لا في فضلها، ولا في نسخ الآجال فيها» [الجامع لأحكام القرآن].

- قال أبو بكر الطرطوشي المغربي: «روى ابن وضاح عن زيد بن أسلم قال: ما أدركنا أحدا من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان، ولا يلتفتون إلى حديث مكحول، ولا يرون لها فضلا على سواها» [الحوادث والبدع].

- قال ابن القيم: «ومن الأحاديث الموضوعة: أحاديث صلاة ليلة النصف من شعبان» [المنار المنيف في الصحيح والضعيف].

- قال ابن دحية: «قال أهل التعديل والتجريح: ليس في حديث النصف من شعبان حديث يصح، فتحفَظوا عباد الله من مُفترٍ يروي لكم حديثا يسوقه في معرض الخير، فاستعمال الخير ينبغي أن يكون مشروعا من الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا صح أنه كَذِبٌ خرج من المشروعية، وكان مستعمله من خَدَم الشيطان لاستعماله حديثاً على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يُنزل الله به من سلطان» [الباعث على إنكار البدع والحوادث، لأبي شامة المقدسي].

- قال الشوكاني: «قال المجد في المختصر: حديث صلاة ليلة النصف من شعبان باطل، وهكذا قال غيرُه من أئمة هذا الشأن» [تحفة الذاكرين].

- قال النووي: «وهاتان الصلاتان -يقصد صلاة الرغائب وصلاة نصف شعبان- بدعتان مذمومتان منكرتان قبيحتان» [المجموع، شرح المهذب].

فهذا شهر شعبان قد أهلكم أيها المسلمون، فاغتنموه بالطاعات، وروّضوا النفوس لاستقبال شهر رمضان، بالصيام والقيام والقرآن، واطلبوا بذلك الأجر من الكريم الرحمن.


◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 30
السنة السابعة - الثلاثاء 3 شعبان 1437 هـ

مقال:
شهر شعبان بين السنة والبدعة
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً