هل زواجي باطل؟
السَّلام عليْكم ورحمةُ الله وبركاته،
أنا في دولة أوربية، وتعرَّفت على فتاة متزوِّجة، وحدَث بيْننا ما لا يُرْضي الله من كلِّ الأشياء، وبعد فترة من علاقتِنا سنتين، طلِّقت الفتاة من زوجِها، وجاءتْ عندي لتسكُن هي وطفلها من زوجِها الأول، وهما نصرانيَّان، وبعد فترة حَملتْ منِّي وقرَّرنا الزَّواج، والحَمل كان في الشَّهر الرَّابع فقط في البداية، وكان حضور النَّاس من الأصدقاء المسلمين وهناك أيضًا من النصارى، وكان إعلان الزَّواج أمام الجميع، وكان الشُّهود لنا امرأتين ورجلاً متزوجين، وكانت أم الفتاة حاضرة ولم يسألوا ما هو رأيها، والأب مطلق ولا أعرف عنه شيئًا.
هل هذا الزَّواج باطل؟
ولدي ابنٌ منها الآن عمره 6 أشهر، ولكن الآن وبعد التَّوبة والرُّجوع إلى الله - جلَّت قدْرتُه - أدركتُ الأخطاء التي ارتكبتُها طوال الفترة المظلمة، وأريد أن أرضي الله، وقرَّرت أن أصلح كلَّ شيء، فقد قرأت الكثير عن هذا الموضوع، ونفس الأحداث، وقلقت كثيرًا، وطلبتُ من زوجتي أن نُعيد العقد في دار المفتي الإسلامي عندنا، وهي ترفض وبإصْرار، وترفض أن تدخُل في الإسلام، ومشغول بالي فقط على ابني ماذا سيكون مصيره؟ وأنا المسؤول عنه أمام الله.
أرجو أن ترشدوني بالله عليْكم، وقد دخل الوسواس في قلبي، وأنا أريد أن أصلِح كلَّ شيء قد فعلتُه، وأريد إرْضاء الله - جلَّت قدرتُه - فهل إن طلَّقْتُها يكون هذا هو الصواب؟ وأتزوَّج من مسلِمة متديِّنة، علمًا أنَّ زوجتِي عفيفة، ولا تدخِل في البيت من الكحول واللحوم مثل الخنزير، أرجو إجابتي بسرعة عن هذا الموضوع والاهتمام منكم، وجزاكم الله خيرًا على هذا الموقع.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فلا شكَّ أنَّ ما حدث بيْنكما كبيرة عظمى، وفاحشة مقيتة، توعَّد الله فاعِلَها بالعقوبة؛ قال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء: 32].
وقد تقدَّم بيان حكم الزِّنا والتَّوبة منه في الفتويين: "أريد أن أتوب!" و "التوبة من الزنا"، فلتُراجعا.
وأمَّا عن الولد النَّاتج من الزنا، فلا يلحق بكَ ولا ينسب لك باتفاق أهل العلم؛ وقد ذكر ابن عبدالبر - رحمه الله تعالى - "أنَّ وَلَدَ الزِّنا في الإسلام لا يُلْحَقُ بالزَّانِي بالإجماع". كما في (التمهيد 8/19). وقد سبق تفصيل ذلك في فتوى: "الأحكام المتعلقة بالابن غير الشرعي".
أمَّا عن زواجِك بتلك المرأة، فباطلٌ من عدَّة وجوه:
الأوَّل: لا يَجوز الزَّواج بالزَّانية ولا الزَّاني إلاَّ إذا تابا إلى الله توبةً نصوحًا؛ قال تعالى: {الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المُؤْمِنِينَ} [النور: 3]، وراجع الفتوى: "حكم الزواج بمن زنا بها".
الثاني: أنَّ من شروط نكاح الكتابيَّة أن تكون عفيفة، وما حدث بيْنَكما رغم أنَّها متزوِّجة لا يدلُّ على عفَّتِها، وراجع: "الزواج بنصرانية زنا بها".
الثالث: أنَّ من شروط صحَّة عقد النّكاح: وجودَ وليٍّ للمرأة وشاهدَي عدْل، وهذا لم يتوفَّر عند العقد، وراجع: "تزويج المرأة لنفسها"، "مَنْ وليُّ المرأة في النكاح"،
وعليه، فيجب عليك الابتعاد عن هذه المرأة، وليس الولد ولدًا لك وإنما هو ولد زنى.
لكن إن أسلمت هذه المرأة، وأصبحت عفيفة، وصدقت أنت في توبتك فالراجح من أقوال أهل العلم أنه يجوز لك الزواج بها بعقد مكتمل الشروط والأركان، فإن أبت فابحث عن امرأة مسلمة ذات خلق ودين تأمنها على أولادك وعرضك؛ قال تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: 34].
والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام