حرائرُ الشَّام تقولُ: أنقذونا يا مسلمون!!
العرض عند العرب خط أحمر، يمنع منعاً باتاً الاقتراب منه، فالاقتراب من العرض عندهم يعني الموت المحقق، وكان أهمُّ سبب لوأدهم البنات، خشية العار بهنَّ، بسبب حرب، أو خطف أو غيره..
العرض عند العرب خط أحمر، يمنع منعاً باتاً الاقتراب منه، فالاقتراب من العرض عندهم يعني الموت المحقق، وكان أهمُّ سبب لوأدهم البنات، خشية العار بهنَّ، بسبب حرب، أو خطف أو غيره.
والفرس كانوا يعرفون هذا الخلق في العرب، فإذا أراد فارسيٌّ أن يُهين عربياً اقترب من عرضه، ولذلك خاض العرب أعظم حرب في جاهليتهم، عندما أراد كسرى أن يُهين النُّعمانَ بن المنذر في بناته، والنُّعمان يلبس تاج الحيرة، ويدير مملكتها، فعظم ذلك على النُّعمان؛ فضحَّى بنفسه، وماله، وملكه، والحيرة كلِّها فداء لعرضه، واستودع بناته عند بني شيبان، فلمَّا قضى كسرى على النُّعمان، طلب بناته من بني شيبان؛ فأبوا تسليمهنَّ، فبعث جيشاً لسحقهم، وأخذ بنات النُّعمان عنوة، فاجتمعت العرب كلُّها لردِّ عدوان كسرى على بنات النُّعمان، فكانت معركة ذي قار؛ التي كسر فيها العرب الفرس لأوَّل مرَّة في تاريخهم، فأشعلها العرض، وعلى صيانته وحفظه اجتمع العرب المتفرِّقون.
إنَّ الذي نكأ قلبي قصة جاءتني من الشَّام، لامرأة عفيفة منتقبة، تبلغ من العمر خمسين سنة، قضت صباها في حفظ القرآن، وأكملت كهولتها في تحفيظه، وشغلها القرآن عن الثَّورة والسِّياسة وأحداثها، فكان القرآن مؤنسها والمثبت لها طيلة الأشهر الماضية، حتى اختطفها النِّظام النُّصيري قبل أيام، وعصبوا عينيها، وأوثقوا يديها، وجرَّدوها من جميع ملابسها، ورموا بها في غرفة مملوءة بنساء مثلها، صالحات عفيفات قد جردن من ملابسهن بالكامل، يزدن على عشرين امرأة، منهنَّ شابات في العشرين والثَّلاثين، ومنهنَّ كهلات في الأربعين والخمسين، وكانت الواحدة منهنَّ تقاد مكرهة إلى غرفة الضُّباط والجنود ليفحصوا جسدها، فيختارها أحدهم فيخلو بها، وهكذا دواليك، حتى جاء دور صاحبتنا، فلم يرغب أحد منهم فيها لكبر سنِّها، فعصبوا عينيها، وحملوها عارية، ورموها في العراء، فمرَّ بها رجل وفكَّ وثاقها، وخلع ثيابه فسترها بها، وهي منذ هذه الحادثة تبكي بكاء مراً على ما نالها وأخواتها من الإهانة، وتتمنَّى الموت السَّريع ليطفئ الموت ما في قلبها من لوعة.
وأكاد أجزم أنَّ هذه الحوادث تتكرَّر في الشَّام كلَّ يوم، وهي بالمئات والآلاف، لكن! لم تجد من يحكيها، ومن ينقلها؛ فأحفاد المجوس، وأبناء الشُّيوعيَّة، لا يردُّهم عن إهانة المسلمين في أعراضهم شيء، وليس في قلوبهم رحمة، وقد كاد جدُّهم كسرى أن يهين العرب في بنات النُّعمان، ولكن!! كان وراء بناته رجال، وأمَّا رجال اليوم، فابحث عنهم في مهرجانات الرَّقص والغناء، في الوقت الذي تدنَّس فيه أعراض حرائرهم.
وأصيلة كالشَّامِ عزَّتها *** من غير عجرفة ولا كبر
لــهـفـي عليها إذ يروِّعــُهــا *** وغْدُ الخنا وربيبةُ العُهر
لهفي عليها وهي غـافــلـةٌ *** عـمَّـا يـدبــِّر ثـعـلـب الكفر
لهفي عليهـا بعدمـا نــزفـت *** ويــداهــا مـمـسـكتان بالخُمْر
وهي المصونة، أين معتصم؟ *** لـيـردَّ عـنها مخلـبَ المـكر
لا تــصـرخـي يـا أمُّ مـعـذرة *** فـبنـوك بين الأسر والقبر
أشـهـيدة الإسـلام تـكرمــة *** هذي الدِّما من أطـيـب الـعـطـر
أولادُك الأبــرار قــد وثـبوا *** فــي غـضـبة كـعواصف الـثَّأر
والشَّام ما ركعت لمغتصب *** هـل تـنـحنـي لـلـرُّعب والقهر
فاستبشري يا أخت عائشة *** بـجـحـافـل الـتـَّوحـيـد والـنَّصر
لقد جاءت الأديان السَّماوية كلُّها، والدَّساتير والشَّرائع المختلفة جميعها، لتحافظ وتؤكِّد على حفظ الضَّروريات الخمس المعروفة: حفظ الدِّين، حفظ النَّفس، حفظ العرض، حفظ المال، حفظ العقل، ويجب على الجميع حفظها ورعايتها، وخصوصاً الحاكم الأعلى للبلاد، فحفظها من أهمِّ المهمَّات الملقاة على عاتقه.
ولقد اعتنى دين الإسلام بهذه الضَّروريات الخمس، وإليك بيان ذلك:
1- حفظ الدِّين: قال الله تعالى: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فأولئك حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وأولئك أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217].
وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «من بدَّل دينه فاقتلوه» ( رواه البخاري).
2- حفظ النَّفس: قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93].
وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لا يحلُّ دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثَّيب الزَّاني، والنَّفس بالنَّفس، والتَّارك لدينه المفارق للجماعة» (متفق عليه).
3- حفظ العرض: قال الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32].
وعن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أي الذَّنب أعظم، قال: «أن تجعل لله نداً، وهو خلقك»، قلت: ثمَّ أي؟ قال: «أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك»، قلت: ثمَّ أي؟ قال: «أن تزاني بحليلة جارك» (متفق عليه).
4- حفظ المال: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].
وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرامٌ، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا» (رواه البخاري).
5- حفظ العقل: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90].
وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «كلَّ مسكر حرام، إنَّ على الله عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال» قالوا: يا رسول الله!! وما طينة الخبال؟ قال: «عرق أهل النَّار، أو عصارة أهل النَّار» (رواه مسلم).
أرأيتم -يا مسلمون- إنَّ النِّظام الأسديَّ النُّصيريَّ في سوريَّا، هدر هذه الضروريات، وجعلها مباحة لآل الأسد، فقد أفسدوا دين الشَّعب، وجفَّفوا منابعه، وضعَّفوا مؤسساته، وحجَّموا الدِّين وقصروه، في زوايا ضيِّقة وغير مؤثِّرة، ومن يلتزم بدينه يضيَّق عليه، ويحارب من كلِّ جهة رسميَّة، فمنعوا الصَّلاة في الجيش فترة تأدية الشَّاب الخدمة الإلزاميَّة، ومنعوا الحجاب الشَّرعي للنِّساء ضمن الدَّوائر الحكوميَّة، كما منعوا الدُّروس الدِّينيَّة في المساجد، حتَّى خطبة الجمعة تؤدَّى بضوابط وقيود، وفتحوا البلد كلَّه للتَّشيُّع وللشِّيعة يعيثون فيه فساداً، فيأتون من إيران المجوسيَّة الصَّفويَّة؛ ليبثُّوا سمومهم وعقائدهم الفاسدة في صفوف الشَّعب السُّوريِّ السُّنِّي الأمويِّ.
أما حفظ الأنفس، فقد قتلت عائلة الأسد منذ أن استلمت الحكم، بطريقة غير شرعيَّة، وذلك عن طريق الانقلاب العسكريِّ، مئات الآلاف من المواطنين السُّوريين، وسجنت مئات الآلاف أيضاً، وشرَّدت الملايين من أشراف وأحرار وعلماء ومفكري سوريا، فلا تجد نجمة في السَّماء إلا وتحتها سوريٌّ مشرَّد.
أمَّا حفظ الأموال، فقد جعلت عائلة الأسد من سوريَّة مزرعة لهم، واتَّخذوا الشَّعب كعبيد يعملون لهم بمزرعتهم مقابل طعامهم وشرابهم ومسكنهم، فأكلوا خيرات البلد، ومكَّنوا الأعداء من المشاريع الكبرى، فلم يدعوا مشروعاً إلا وقد أخذت الشَّركات الرُّوسيَّة والإيرانيَّة والأمريكيَّة والغربيَّة الإشراف عليه، بحيث تتمُّ القسمة بالتَّساوي بين عائلة الأسد والشَّركة الأجنبيَّة.
أمَّا حفظ العقول، فقد أفسدت عائلة الأسد عقول الشباب بالخمور والمخدرات، وتعاون حزب الله في لبنان مع عائلة الأسد، في زرع المخدرات المختلفة في الأراضي اللبنانية، وترويجها داخلياً وخارجياً، بالإضافة إلى فتح الخمَّارات والكبريهات والبارات بشكل واسع وممتد، وتقديم كافة التسهيلات لها.
أما حفظ الأعراض، فقد استباحت عائلة الأسد المحارم والأعراض، والمواطن لا يأمن على عرضه في ظلِّ حكم هذه العائلة التي لا تقيم للأعراض وزناً، ففي عام 1982 م وتحديداً في حماة، انتهكت أعراض مئات الآلاف من حرائر وشريفات حماة، وتمَّ اغتصاب أعدادٍ هائلة من الفتيات، حيث كانت تأتي عربات إلى حماة فارغة، ومن ثم يقومون بملئها بالحرائر والفتيات، ثمَّ يذهبون بها إلى رفعت الأسد، ليختار من شاء منهنَّ لنفسه، ثمَّ يهب الباقيات لضباطه وأزلامه، وهاهو المسلسل يعود من جديد في ثورة الشَّام المجيدة الآن، على يد بشار وأخيه ماهر، فما اقتحموا مدينة أو قرية إلا وأوَّل شئ يفعلونه هتك الأعراض واغتصاب النِّساء، وإفساد الحرث والنَّسل ومصادرة الأموال، وتجويع الشَّعب من أجل تركيعه لهم.
والعجبُ كلُّ العجب أنَّ حرائر سوريَّا يصرخن: يا مسلمون! أنقذونا، والمسلمون وكأنَّهم لا يعنيهم الأمر شيئاً، إلا وقفات من بعضهم على استحياء وخجل، أين حكَّام المسلمين من موقف الخليفة المعتصم المشرِّف؟!
ذهبت امرأة مسلمة تتاجر إلى عموريَّة في بلاد الرُّوم، والبلاد بلاد كفر، فبسطت بضاعتها في السُّوق ضحىً، وهي امرأة غريبة بين قومٍ كفَّار؛ مثلما تذهب المرأة المسلمة اليوم إلى بريطانيا أو أمريكا أو إسرائيل، وبينما هي تبيع وتشتري أتى رجل كافر، فربط ثوبها برأسها؛ فلمَّا قامت تكشَّفت عورتها، فصاحت بأعلى صوتها في السُّوق: وامعتصماه... وامعتصماه!! تقول: أين الخليفة المعتصم عن هذا الأمر؟ أيرضى أن تنتهك حرمتي؟ أيرضى وهو خليفة للمسلمين أن يفعل بي هذا؟
فضحك الرُّومي الذي فعل هذا، وقال: انتظري المعتصم حتَّى يأتي على أبلقٍ لينصرك، فسمع رجل مسلم في السُّوق هذا الصُّراخ العجيب الذي يدخل إلى القلوب، ويقرع الأرواح.
وانطلق وركب البحر، ووصل إلى المعتصم في دار الخلافة في بغداد -دار السلام- ودخل على المعتصم، وقال: كنت يوم كذا وكذا في عموريَّة، ووقع للمرأة المسلمة تلك كذا وكذا، فقالت: وامعتصماه!! فضحك منها الرُّوم وقالوا لها: انتظريه على الأبلق حتى يأتيك ينصرك، فوقف المعتصم وقال: والله الذي لا إله إلا هو، لا يصيب رأسي غسلٌ من جنابة، حتَّى أطأ أرضهم بالخيل.
ثمَّ أعلن النَّفير العام في العالم الإسلاميِّ، وقال: لا بدَّ من كلِّ بيت من بيوت المسلمين أن يخرج منهم مجاهد، ومن تخلَّف يضرب عنقه، ثمَّ توجَّه وجعل العلماء في قيادة الجيش يفقهون النَّاس، ومشى حتَّى وصل إلى عموريَّة، ثمَّ قاتلهم فكان يفتح كلَّ مدينة بلا إله إلا الله، فإذا فتح المدينة أحرق حصونها، حتَّى أخذت تشتكي هذه المدينة على هذه المدينة، وترى هذه المدينة نار هذه المدينة، ثمَّ دخل عموريَّة فطوَّقها حتَّى استسلم قوادها، وأنزلهم، وقال: عليَّ بالرَّجل، والله لا أغادر مكاني حتى يأتيني الرَّجل الذي أساء لتلك المرأة، فأتوا بالرَّجل يسحبونه، فأوقفه عند المرأة وقال لها: هذا الرَّجل عبد لك، إن شئت أعتقتيه لوجه الله، وإن شئت فهو عبدٌ لك، قالت: بل أعتقه لوجه الله، فالعفو عند المقدرة من شيم الكرام، قال المعتصم: أنا المعتصم، وهذا فرسي الأبلق، وقد جئت أنصرك بلا إله إلا الله.
أتلقاك وطرفي مطرق *** خجلاً من أمسك المنصرم
كيف أغضيت على الذُّلِّ ولم *** تنفضي عنك غبار التُّهم؟
أو ما كنت إذا البغي اعتدى *** موجة من لهب أو من دم؟!
ربَّ وامعتصماه انطلقت *** ملء أفواه البنات اليتَّم
لامست أسماعهم لكنَّها *** لم تلامس نخوة المعتصم
رغم الجراح والألم ونزيف الدَّم والتَّهجير، فالثَّقة بنصر الله وعد غير مكذوب، فالله لا يهدي كيد الخائنين، ولا يصلح عمل المفسدين، ولينصرنَّ الله من ينصره، وكما أَفَلَتْ أنظمة ظالمة، وسقط جبَّارون، فلا بدَّ من جريان السُّنَّة الرَّبانية في سوريَّا، ولم يعد سراً أن تعلن عدد من الدَّوائر الغربيَّة أنَّ أيام نظام الأسد في عدِّها التَّنازلي، وسيعلم الذي ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون، ولا بدَّ هنا من الإشادة بصبر الشَّعب السُّوري، ولابدَّ من إكبار المقاومة ضدَّ النُّصيريين، رغم القلَّة الذَّاتية، والخذلان، والجبروت والطُّغيان فللشَّعب السُّوري منَّا تحية، وللمقاومين للبغي، علينا الدُّعاء والتَّسديد والنُّصرة.
سعد العثمان
2/5/1433 هـ.
- التصنيف:
- المصدر: