سراب التعلق بالنجوم ضياع للدين والدنيا
تتفاوت مقامات ومراكز الناس في الدنيا؛ فمنهم من يقدر الله له أن يرفع ذكره في الناس ويصبح من مشاهيرهم الذين يشار إليهم بالبنان، فإذا قالوا يسمع لقولهم وإذا شفعوا يشفعوا وإذا خطبوا ينكحوا، وعادة ما تطمح لرؤيتهم النفوس خاصة عندما يجمع الله لبعضهم عدة محاسن، فيجتمع له حسن السيرة وخلق وتدين وحسن سمت الرجولة أو حلاوة الصوت أو كثرة العلم أو جودة الحديث، ومن هنا تكمن خطورة كبيرة على نفوس الفتيات المسلمات اللاتي يقعن في فتنة الإعجاب بهؤلاء النجوم المشاهير وينتقل الأمر لديهن إلى صورة تقترب كثيرا من الصورة المحرمة.
تتفاوت مقامات ومراكز الناس في الدنيا؛ فمنهم من يقدر الله له أن يرفع ذكره في الناس ويصبح من مشاهيرهم الذين يشار إليهم بالبنان، فإذا قالوا يسمع لقولهم وإذا شفعوا يشفعوا وإذا خطبوا ينكحوا، وعادة ما تطمح لرؤيتهم النفوس خاصة عندما يجمع الله لبعضهم عدة محاسن، فيجتمع له حسن السيرة وخلق وتدين وحسن سمت الرجولة أو حلاوة الصوت أو كثرة العلم أو جودة الحديث، ومن هنا تكمن خطورة كبيرة على نفوس الفتيات المسلمات اللاتي يقعن في فتنة الإعجاب بهؤلاء النجوم المشاهير وينتقل الأمر لديهن إلى صورة تقترب كثيرا من الصورة المحرمة.
وهذه الفتنة موجودة وقديمة قدم التاريخ، إذ أن المشاهير من أهل الفساد طالما اجتذبوا أنظار الناس عمدا، وأصبحوا فرسانا لأحلام الفتيات الصغيرات، ولكنها جديدة على العاملين في الحقل الإسلامي، فبعد ظهور جيل من شباب الدعاة والقراء والمنشدين ممن يهتمون -وهذا حق وسنة من السنن النبوية- بالظهور أمام الناس في أفضل حلة لهم، ويهتمون بإظهار نعمة الله عليهم وهذا أيضا حق مشروع، إلا أن هناك آثارا سلبية ظهرت في وقوع الكثيرات من الفتيات في الإعجاب بهؤلاء المشاهير؛ بدأ أولا بصورة طبيعية غير متكلفة باعتبارهم أهل الديانة والعلم والتقوى، لكنها تجاوزت الحد مع كثيرات منهن.
ولقد خلق الله عباده ذكورهم وإناثهم وعلم أن فيهم ضعفا ملازما لخلقتهم في جوانب متعددة، ومن أهمها وأكثرها خطرا ذلك الضعف الناجم عن الميل الفطري ببن الذكر والأنثى، فعالجه الإسلام بعدة أمور منها الحث على التبكير في الزواج ومنها الأمر بغض البصر وصيام النوافل التي تعين المسلم وترغبه فيما عند الله حتى تستقيم حياته على منهاج ربه. ويظل دوما الابتعاد عن المنهج القويم بابا لفتح الكثير من الشرور والآلام على النفس المسلمة، فما استقام المسلم على منهاج ربه إلا وجد راحة في نفسه في دنياه وسلامة في دينه لا يعدلهما شئ، فكما قال ربنا سبحانه: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه: 123]، بينما تزداد آلام الإنسان ومتاعبه في دنياه وآخرته إذا فارق المنهج في تناسب مضطرد تصديقا لقول ربنا سبحانه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].
ومبدأ هذا الشر ومستهله من فضول النظر، ولهذا تكمن النجاة من هذا الشر والضرر دوما في غض البصر، فإطلاق النظر باب عظيم من أبواب الفتنة على المسلم والمسلمة، إذ يقع في نفس وقلب المسلم والمسلمة الإعجاب بهذا المشهور أو التعلق به ومن ثم يكثر المرء من الحديث عنه وتناول سيرته وأعماله وفضائله ثم يجتهد أن يقتني كل ما يرتبط به فيعيد ويكرر على نفسه محاسنه حتى لا يجد في قلبه سواه ويفسد على نفسه دينه ودنياه.
ولقد ابتليت الكثير من الشابات من الفتيات الملتزمات العفيفات بمثل هذا نتيجة التكرار الشديد في عرض المرئيات أو الصور الخاصة بهم وذلك مع إظهار هؤلاء النجوم لأنفسهم بصورة مبهجة للقلب من ملبس ومسكن وتعامل وأريحية وانبساط وجه، فتعلقت قلوب كثير من الفتيات بهن وخاصة من حديثات السن قليلات التجربة والخبرة ممن يرون في الناس مظاهرهم فقط، فأفسدت عليهن دنياهن حيث ترفض الكثيرات منهن من يأتي خاطبا لها إذ لا تجد فيها من الوسامة وحسن الكلام ما تراه في النجم المشهور، وأُفسد عليها دينها إذ كانت كل مشاعرها تتجه نحو رجل أجنبي عنها لا يحق لها مجرد النظر إليه ولا التعلق به. وينبغي أن يهتم كثير من المربين بالحديث في درء مثل هذه الفتن التي نجمت عن التقنية الحديثة التي جعلت من المشاهير ضيوفا دائمين على الأسر المسلمة وخاصة إن كانوا من أهل الصلاح الذين لا يخشى الناس من وجود ذكرهم في بيوتهم. ولهذا يجب وأن نتوقف جميعا مع عدة وقفات ضرورية في هذا الأمر :
- الفطرة السليمة بين الرجل والمرأة أن ينجذب كلاهما تجاه الآخر وهذه هي سنة الله في خلقه، وعلى هذا الميل قامت الحياة، فليس في أصل وجود هذا الميل خلل في الدنيا ولا في الدين، ولكننا مطالبون بأن نهذب ونضبط هذا الميل ونوجهه في إطاره الصحيح الذي شرعه الله وأذن به، ولا نحيد به إلى شخص لم يشرع الله صرف هذا الإعجاب أو الحب له، ولهذا كان أمر الله لغض البصر لمن نعتهم بالمؤمنين وللمؤمنات، لأنهم من البشر أصحاب الفطر السليمة فقال سبحانه للرجال: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30]، وقال للنساء: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31].
- لا ينبغي أن تتساهل المسلمة مع الصور عامة لكل الرجال الأجانب عنها، فليس في كونهم من المشاهير ممن ينعتون بالصلاح والتقوى وحسن الخلق باب للتساهل في النظر إليهم، فقد تقف المسلمة وقفة حازمة مع المشاهير من أهل الفساد فلا تستمع لهم ولا تنظر إليهم ولا تدع لهم فرصة في الولوج إلى قلبها. لكنها ومن باب إيجاد البديل الإسلامي قد تفتن بصوت أو صورة أو طريقة حياة لبعض المشاهير من أهل الصلاح، والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، وينبغي صيانتها بعدم إفساح المجال لها دون ضبط، وبعدم إيراد الفتنة عليها ووضعها تحت اختبار قاس قد لا تنجح في اجتيازه، فكل حي لا تؤمن عليه الفتنة، وكل من يتصف بالصفة الشرعية كأجنبي ينبغي صيانة النظر عنه دون الوضع في الاعتبار صلاحه أو فساده.
- ويجب أن يعلم كل مسلم ومسلمة أن الابتلاء سنة الله في عباده المؤمنين وأن كل منا ممتحن، فليس كل من يظهر بسمته للناس سالما من الآلام البدنية أو النفسية، وليس كل من أنعم الله عليه هذه النعم الظاهرة خاليا من فقد نعمة خفية قد لا يدركها الناس ولا يتحدث عنها صاحبها بل قد لا يُشعر من حوله بحرمانه منها، فلا ينبغي الاغترار بما نراه من المظاهر التي لا تعبر على سبيل اليقين عن بواطن أسرار القلوب، ففي كل واد بنو سعد، وكلنا ذوو نقص وألم، فالدنيا كلها بنيت على كدر ولا سعادة حقيقية كاملة إلا عند الله سبحانه في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
- وينبغي على من علم أن هذه حاله من الدعاة وأهل الصدارة في كل أمر أن يحاولوا قدر جهدهم أن يباعدوا بين الناس وبين تعلقهم بهم، فلا شك أن كثيرا من المشاهير من الصالحين لا يتعمدون ذلك، ولكنهم قد يساهمون فيه دون قصد بتعمدهم إظهار أنفسهم في أطيب حلة وأجمل كلام وطريقة تعامل مع مزح محبب للنفوس، وهذه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وحق لهم من حقوقهم لكنه في مثل هذه الأيام التي زادت فيها مثل هذه الفتن ينبغي أن يحاولوا المساهمة في علاجها في أنفسهم وبأنفسهم قدر إمكانهم، فكما صح عنه التجمل والتطيب صلى الله عليه وسلم فقد صح عنه أيضا كما في صحيح الجامع عن أبي أمامة الحارثي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البذاذة من الإيمان»، وقد فسر العلماء البذاذة كما ذكر ابن الأثير رحمه الله في (النّهاية) فقال: "أراد التواضع في اللّباس وترك الافتخار به".
فلا ينبغي التهوين من هذه الفتنة فلكل قلب فتنته، ويعلم الله كم أفسدت هذه الفتنة من قلوب، وكم خببت من زوجة على زوجها، وكم أفسدت من علاقة كانت سليمة، وكم كدرت من صفو. نسأل الله السلامة لقلوب المؤمنين من الفتن ما ظهر منها ومنا بطن.
يحيى البوليني
- التصنيف:
- المصدر: