طول الأمل
معنى طول الأمل ومضاره
الأمل لغة:
هو الاسم من قولهم: أملته آمله أملا وإملة، وهو مأخوذ من مادّة (أم ل) الّتي تدلّ على التّثبّت والانتظار.
الأمل اصطلاحًا:
قال القرطبيّ: "الأمل: الحرص على الدّنيا والانكباب عليها، والحبّ لها والإعراض عن الآخرة".
وقال المناويّ: "الأمل: توقّع حصول الشّيء، وأكثر ما يستعمل فيما يستبعد حصوله".
أمّا طول الأمل: فهو الاستمرار في الحرص على الدّنيا ومداومة الانكباب عليها مع كثرة الإعراض عن الآخرة.
الفرق بين الأمل والطّمع والرجاء:
قال المناويّ: "من عزم على سفر إلى بلد بعيد يقول أملت الوصول ولا يقول طمعت، لأنّ الطّمع لا يكون إلّا فى القريب، والأمل في البعيد، والرّجاء بينهما، لأنّ الرّاجي يخاف ألّا يحصّل مأموله".
قال ابن حجر: وفي الأمل سرّ لطيف لأنّه لولا الأمل ما تهنّى أحد بعيش، ولا طابت نفسه أن يشرع في عمل من أعمال الدّنيا، وإنّما المذموم منه الاسترسال فيه وعدم الاستعداد لأمر الآخرة، فمن سلم من ذلك لم يكلّف بإزالته.
دوافع طول الأمل:
قال الإمام الغزاليّ رحمه اللّه: اعلم أنّ طول الأمل له سببان، أحدهما: الجهل، والآخر: حبّ الدنيا.
أمّا حبّ الدّنيا: فهو أنّه إذا أنس بها وبشهواتها ولذّاتها وعلائقها ثقل على قلبه مفارقتها، فامتنع قلبه من الفكر في الموت الّذي هو سبب مفارقتها، وكلّ من كره شيئا دفعه عن نفسه.
وأمّا الجهل: فهو أنّ الإنسان قد يعوّل على شبابه فيستبعد قرب الموت مع الشّباب ولو تفكّر هذا الغافل وعلم أنّ الموت ليس له وقت مخصوص من شباب وشيب وكهولة ومن صيف وشتاء وخريف وربيع من ليل ونهار لعظم استشعاره واشتغل بالاستعداد له، ولكنّ الجهل بهذه الأمور وحبّ الدّنيا دعواه إلى طول الأمل وإلى الغفلة عن تقدير الموت القريب.
علاج طول الأمل:
وسبيله أن يقيس نفسه بغيره، ويعلم أنّه لا بدّ وأن تحمل جنازته ويدفن في قبره، ولعلّ اللّبن الّذي يغطّي به لحده قد ضرب وفرغ منه وهو لا يدري فتسويفه جهل محض. وإذا عرفت أنّ سببه الجهل وحبّ الدّنيا فعلاجه دفع سببه.
أمّا الجهل فيدفع بالفكر الصّافي والحكمة البالغة.
وأمّا حبّ الدّنيا، فالعلاج في إخراجه من القلب شديد وهو الداء العضال الّذي أعيا الأوّلين والآخرين علاجه؛ ولا علاج له إلّا الإيمان باليوم الآخر وبما فيه من عظيم العقاب وجزيل الثّواب، ومهما حصل له اليقين بذلك ارتحل عن قلبه حبّ الدّنيا، فإنّ حبّ الخطير هو الّذي يمحو عن القلب حبّ الحقير.
بيان مراتب الناس في طول الأمل وقصره:
اعلم أنّ النّاس في ذلك يتفاوتون؛ فمنهم من يأمل البقاء، ويشتهي ذلك أبدا. قال اللّه تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} [البقرة:96].
ومنهم من يأمل البقاء إلى الهرم وهو أقصى العمر الّذي شاهده ورآه وهو الّذي يحبّ الدّنيا حبّا شديدًا.
ومنهم من يأمل إلى سنة فلا يشتغل بتدبير ما وراءها فلا يقدّر لنفسه وجودا في عام قابل، ولكنّ هذا يستعدّ في الصّيف للشّتاء وفي الشتاء للصّيف. فإذا جمع ما يكفيه لسنته اشتغل بالعبادة.
ومنهم من يأمل مدّة الصّيف أو الشّتاء، فلا يدّخر في الصّيف ثياب الشّتاء ولا في الشّتاء ثياب الصّيف.
ومنهم من يرجع أمله إلى يوم وليلة، فلا يستعدّ إلّا لنهاره وأمّا للغد فلا.
الآيات الواردة في (طول الأمل):
1- {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ} [البقرة:96].
2- {الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ . رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ . ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:1- 3].
بعض الأحاديث الواردة في ذم طول الأمل:
- عن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال: خطّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خطّا مربّعا، وخطّ خطّا في الوسط خارجا منه، وخط خطوطا صغارا إلى هذا الّذي في الوسط من جانبه الّذي في الوسط وقال: « » (البخاري).
- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: « » (البخاري).
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ (طول الأمل):
- قال عليّ رضي اللّه عنه: "إنّ أخوف ما أخاف عليكم اتّباع الهوى وطول الأمل، فأمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ، وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة. ألا وإنّ الدّنيا ارتحلت مدبرة".
- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "لا يطولنّ عليكم الأمد ولا يلهينّكم الأمل فإنّ كلّ ما هو آت قريب، ألا وإنّ البعيد ما ليس آتيا".
- قال سلمان الفارسيّ رضي اللّه عنه: "ثلاث أعجبتني حتّى أضحكتني: مؤمّل الدّنيا والموت يطلبه، وغافل وليس يغفل عنه، وضاحك ملء فيه ولا يدري أساخط ربّ العالمين عليه أم راض".
- قال الأبشيهيّ:
أيا من عاش في الدّنيا طويلا *** وأفنى العمر في قيلٍ وقال
وأتعب نفسه فيما سيفنى *** وجمع من حرامٍ أو حلال
هب الدّنيا تقاد إليك عفوًا *** أليسَ مصير ذلك للزّوال
من مضار (طول الأمل):
(1) نسيان الآخرة وما أعدّ اللّه فيها من النّعيم المقيم لأهل طاعته ومن العذاب الأليم لأهل المعاصي.
(2) قلّة الصّبر عن الشّهوات، وشدّة الغفلة عن الطّاعات.
(3) إنّ طول الأمل يجلب السّعادة الظّاهرة في الدّنيا ويسقي صاحبه كؤوسا مترعة من اللّذّة الفانية.
(4) يقسي القلب ويجفّ دمع العين، ويزيد في شدّة الحرص على الدّنيا.
(5) يدفع إلى المعاصي، ويبعد عن الطّاعات.
(6) به يتعدّى على الآخرين فيسلب الحقوق، وينتهك الحرمات.
من كتاب: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم.
- التصنيف:
- المصدر: