الانتصار للحق والانتصار للمتبوع
هناك من ينتصر لما يظنُّه الحقَّ ولكنه في الواقع ينتصر إرادةَ علوِّ متبوعه وظهور كلمته، وأنْ لا يُنسَبَ إلى الخطأ، وهذه دسيسةٌ تَقْدَحُ في قصد الانتصار للحقِّ..
لمَّا كثُرَ اختلافُ النَّاس في مسائل الدِّين، وكثرَ تفرُّقُهم؛ كثُر بسببِ ذلك تباغُضهم وتلاعُنهم، وكلٌّ منهم يُظهِرُ أنَّه يُبغض لله، وقد يكونُ في نفس الأمر معذورًا، وقد لا يكون معذورًا، بل يكون متَّبِعًا لهواه، مقصِّرًا في البحث عن معرفة ما يُبغِضُ عليه، فإنَّ كثيرًا من البُغض إنَّما يقعُ لمخالفة متبوع يظنُّ أنَّه لا يقولُ إلاَّ الحقَّ، وهذا الظَّنُّ خطأٌ قطعًا، وإنْ أُريد أنَّه لا يقول إلاَّ الحقَّ فيما خُولِفَ فيه، فهذا الظنُّ قد يُخطئ ويُصيبُ.
وقد يكون الحامل على الميلِ إليه مجرَّد الهوى والإلفُ والعادة، وكلُّ هذا يقدح في أنْ يكون هذا البغضُ لله.
فالواجبُ على المؤمن أن ينصحَ نفسَه، ويتحرَّزَ في هذا غاية التحرُّزِ، وما أشكل منه، فلا يُدخِلُ نفسَه فيه خشيةَ أن يقعَ فيما نُهِيَ عنه مِنَ البُغض المُحرَّمِ.
وها هنا أمرٌ خفيٌّ ينبغي التَّفطُّن له، وهو أنَّ كثيرًا من أئمَّةِ الدِّينِ قد يقولُ قولًا مرجوحًا ويكون مجتهدًا فيه، مأجورًا على اجتهاده فيه، موضوعًا عنه خطؤه فيهِ، ولا يكونُ المنتصِرُ لمقالته تلك بمنْزلته في هذه الدَّرجة؛ لأنَّه قد لا ينتصِرُ لهذا القولِ إلَّا لكونِ متبوعه قد قاله، بحيث إنَّه لو قاله غيرُه من أئمَّة الدِّينِ، لما قَبِِلَهُ ولا انتصر له، ولا والى مَن وافقه، ولا عادى مَن خالفه، وهو مع هذا يظن أنَّه إنَّما ينتصر للحقِّ بمنْزلة متبوعه، وليس كذلك، فإنَّ متبوعه إنَّما كان قصدُه الانتصارَ للحقِّ، وإنْ أخطأ في اجتهاده.
وأمَّا هذا التَّابعُ، فقد شابَ انتصارَه لما يظنُّه الحقَّ إرادة علوِّ متبوعه، وظهور كلمته، وأنْ لا يُنسَبَ إلى الخطأ، وهذه دسيسةٌ تَقْدَحُ في قصد الانتصار للحقِّ، فافهم هذا، فإنَّه فَهْمٌ عظيم، والله يهدي مَنْ يشاء إلى صراطٍ مستقيم.
- التصنيف: