تدبر - [202] سورة طه (3)

منذ 2014-07-20

ويظن البعض أن الدنيا ليس فيها إلا المشقة والتعب والحزن والألم، والحقيقة أن هذا غير صحيح بإطلاق، في الدنيا يمكنك أن تتذوق شيئًا من نعيم الجنة، بل يمكنك إدراك ما هو أعلى بأن تحول حياتك إلى جنة، أن تنعم وأنت بين ظهراني الحياة الأولى بشىء من لذات الأخرى

الشقاء.. 
عافانا الله منه، إنه لفظ ومعنى تكرر أكثر من مرة فى سورة (طه)، أين يكون؟ ومتى ينتفى؟ 

من بداية السورة نجد هذا المعنى مطلًا علينا {طه . مَآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءَانَ لِتَشْقَىٰٓ} [طه:1-2]، ​ثم يتكرر مرة أخرى فى قوله تعالى {فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ} [طه من الآية:123]. ومرة ثالثة فى قوله تعالى عن الشيطان {إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّۭ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰٓ}

و الملاحظ هنا؛ أن الشقاء نُفى فى موضعين وأثبت فى موضع، نُفى مرة حال ملازمة القرآن، وأخرى عند اتباع منهج الله وهداه، وتلك جنة الدنيا المؤدية لجنة الآخرة التي ينتفي فيها الشقاء تمامًا. و أثبت مرتبطًا بالخروج من الجنة، حال الاستجابة لنزغات الشيطان {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰٓ}. 

و المعنى الذى يتجلى بجمع الآيات؛ أن الشقاء إنما يكون خارج الجنة، والنعيم يكون فقط داخلها فى الدنيا قبل الآخرة، 
فلا شقاء حال المكث فى جنة الدنيا التى حدثنا عنها العباد والصالحون وكرروا ذكرها. 

ويظن البعض أن الدنيا ليس فيها إلا المشقة والتعب والحزن والألم، والحقيقة أن هذا غير صحيح بإطلاق، في الدنيا يمكنك أن تتذوق شيئًا من نعيم الجنة، بل يمكنك إدراك ما هو أعلى بأن تحول حياتك إلى جنة، أن تنعم وأنت بين ظهراني الحياة الأولى بشىء من لذات الأخرى، وهذا النعيم قد أدركه البعض ووصفوه، فمن جنة بن عباس رضى الله عنهما الذى وجد من لذة العبادة ما جعله يقول عن أهل جنة الآخرة أنهم لويجدون مثل ما يجد فما أطيب عيشهم، إلى جنة بن تيمية التى أخبر أن محلها فى صدره، إن سجن فسجنه خلوة فى تلك الجنة، وإن قتل فقتله شهادة تنقله منها إلى جنة الآخرة، وإن نفى فنفيه سياحة وتأمل فى أرض الله، تدفع القلب دفعًا إلى ذكره ليجوب وارف ظلال جنة الدنيا، أو جنة الحسن البصرى الذى أخبر أنه ومن كانوا مثله يجدون فيها من النعيم واللذة ما لوعلمه أبناء الملوك والسلاطين لجالدوهم عليها بالسيوف.

إذن فالدنيا ليست دوما شقاءً خالصًا خصوصًا للمؤمنين، الأمر ممكن والبعض بالفعل أدركه وعاينه وتقلب في حدائق بهجته وبساتين لذته، جنة الدنيا موجودة إذن، جنة معرفة الله والأنس به، وذكره ومناجاته، وتلاوة كلامه، واتباع هداه التى هى طريق لجنة الآخرة، حيث لا شقاء، ولا نصب ولا وصب، ولا جوع ولا ظمأ.

من ذاق الأولى تقلب بإذن الله فى الأخرى، أسأل الله أن يمتعنا بجنة الدنيا ولا يحرمنا جنة الآخرة.

  • 1
  • 0
  • 2,772
المقال السابق
[201] سورة طه (2)
المقال التالي
[203] سورة طه (4)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً