الأحكام السلطانية للماوردي - (19) تقليد الإمارة على الجهاد 2

منذ 2014-08-29

وَالصِّنْفُ الثَّانِي: لَمْ تَبْلُغْهُمْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ، وَقَلَّ أَنْ يَكُونُوا الْيَوْمَ؛ لِمَا قَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ مِنْ دَعْوَةِ رَسُولِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ مِنْ وَرَاءِ مَنْ يُقَابِلُنَا مِنَ التُّرْكِ وَالرُّومِ فِي مَبَادِئِ الْمَشْرِقِ وَأَقَاصِيّ الْمَغْرِبِ لَا نَعْرِفُهُمْ، فَيَحْرُمُ عَلَيْنَا الْإِقْدَامُ عَلَى قِتَالِهِمْ غِرَّةً وَبَيَاتًا بِالْقَتْلِ وَالتَّحْرِيقِ، وَأَنْ نَبْدَأَهُمْ بِالْقَتْلِ قَبْلَ إظْهَارِ دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ لَهُمْ

الباب الرابع: في تقليد الإمارة على الجهاد 2

 

فَصْلٌ:
وَالْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَحْكَامِ هَذِهِ الْإِمَارَةِ فِي تَدْبِيرِ الْحَرْبِ، وَالْمُشْرِكُونَ فِي دَارِ الْحَرْبِ صِنْفَانِ:

صِنْفٌ مِنْهُمْ بَلَغَتْهُمْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ فَامْتَنَعُوا مِنْهَا وَتَابُوا عَلَيْهَا، فَأَمِيرُ الْجَيْشِ مُخَيَّرٌ فِي قِتَالِهِمْ بَيْنَ أَمْرَيْنِ يَفْعَلُ مِنْهُمَا مَا عَلِمَ أَنَّهُ الْأَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَنْكَأُ لِلْمُشْرِكِينَ؛ مِنْ بَيَاتِهِمْ لَيْلًا وَنَهَارًا بِالْقِتَالِ وَالتَّحْرِيقِ، وَأَنْ يُنْذِرَهُمْ بِالْحَرْبِ وَيُصَافَّهُمْ بِالْقِتَالِ.

وَالصِّنْفُ الثَّانِي: لَمْ تَبْلُغْهُمْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ، وَقَلَّ أَنْ يَكُونُوا الْيَوْمَ؛ لِمَا قَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ مِنْ دَعْوَةِ رَسُولِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ مِنْ وَرَاءِ مَنْ يُقَابِلُنَا مِنَ التُّرْكِ وَالرُّومِ فِي مَبَادِئِ الْمَشْرِقِ وَأَقَاصِيّ الْمَغْرِبِ لَا نَعْرِفُهُمْ، فَيَحْرُمُ عَلَيْنَا الْإِقْدَامُ عَلَى قِتَالِهِمْ غِرَّةً وَبَيَاتًا بِالْقَتْلِ وَالتَّحْرِيقِ، وَأَنْ نَبْدَأَهُمْ بِالْقَتْلِ قَبْلَ إظْهَارِ دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ لَهُمْ، وَإِعْلَامِهِمْ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ وَإِظْهَارِ الْحُجَّةِ بِمَا يَقُودُهُمْ إلَى الْإِجَابَةِ، فَإِنْ قَامُوا عَلَى الْكُفْرِ بَعْدَ ظُهُورِهَا لَهُمْ حَارَبَهُمْ، وَصَارُوا فِيهِ كَمَنْ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اُدْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] .
يَعْنِي: اُدْعُ إلَى دَيْنِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ، وَفِيهَا تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: بِالنُّبُوَّةِ.
وَالثَّانِي: بِالْقُرْآنِ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَفِي الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: الْقُرْآنُ فِي لِينٍ مِنَ الْقَوْلِ، قَالَهُ الْكَلْبِيُّ.A
وَالثَّانِي: مَا فِيهِ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ.
{وَجَادِلْهُمْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} .
أَيْ: يُبَيِّنُ لَهُمُ الْحَقَّ وَيُوَضِّحُ لَهُمُ الْحُجَّةَ، فَإِنْ بَدَأَ بِقِتَالِهِمْ قَبْلَ دُعَائِهِمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَإِنْذَارِهِمْ بِالْحُجَّةِ وَقَتْلِهِمْ غُرَّةً وَبَيَاتًا ضَمِنَ دِيَاتِ نُفُوسِهِمْ، وَكَانَتْ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَدِيَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَقِيلَ: بَلْ كَدِيَاتِ الْكُفَّارِ عَلَى اخْتِلَافِهَا اخْتِلَافِ مُعْتَقِدِهِمْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا دِيَةَ عَلَى قَتْلِهِمْ وَنُفُوسُهُمْ هَدَرٌ، وَإِذَا تَقَاتَلَتْ الصُّفُوفُ فِي الْحَرْبِ جَازَ لِمَنْ قَاتَلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ بِمَا يَشْتَهِرُ بِهِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، وَيَتَمَيَّزُ بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْجَيْشِ، بِأَنْ يَرْكَبَ الْأَبْلَقَ[1] وَإِنْ كَانَتْ خُيُولُ النَّاسِ دُهْمًا وَشُقْرًا، وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنَ الْإِعْلَامِ رُكُوبَ الْأَبْلَقِ، وَلَيْسَ لِمَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ وَجْهٌ، رَوَى عَبْدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: «تَسَوَّمُوا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ قَدْ تَسَوَّمَتْ»[2].
ـــــــــــــــــــــ
[1] البلق: سواد وبياض، وكذلك البلقة بالضم.
[2] ضعيف: (رواه ابن أبي شيبة في مصنَّفه [32722]، وفي إسناده عمير بن إسحاق).

الكتاب: الأحكام السلطانية
المؤلف: أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفى: 450هـ)
الناشر: دار الحديث  القاهرة
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

المصدر: الموسوعة الشاملة
  • 2
  • 0
  • 2,019
المقال السابق
(18) تقليد الإمارة على الجهاد 1
المقال التالي
(20) تقليد الإمارة على الجهاد 3

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً