الهمة العالية - (43) خاتمة
الناس في شأن الهمة أصناف أربعة، أحدهم: عظيم الهمة، وهو من يشعر بأن فيه الكفاية لعظائم الأمور، ويجعل هذه العظائم همته، والثاني: صغير الهمة وهو من فيه الكفاية لعظائم الأمور، ولكنه يضع همه في سفاف الأمور، والثالث: المتواضع، وهو الذي لا يكفي لعظائم الأمور، ويحس بذلك، فيجعل همته وسعيه على قدر استعداده، والرابع: المتعظم الفخور، وهو الذي لا يكفي للعظائم، ولكنه يتظاهر بذلك.
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبعد: ففي نهاية التطواف في ثنايا البحث هذا ملخص لأهم ما ورد فيه:
1- الناس في شأن الهمة أصناف أربعة، أحدهم: عظيم الهمة، وهو من يشعر بأن فيه الكفاية لعظائم الأمور، ويجعل هذه العظائم همته.
والثاني: صغير الهمة وهو من فيه الكفاية لعظائم الأمور، ولكنه يضع همه في سفاف الأمور.
والثالث: المتواضع، وهو الذي لا يكفي لعظائم الأمور، ويحس بذلك، فيجعل همته وسعيه على قدر استعداده.
والرابع: المتعظم الفخور، وهو الذي لا يكفي للعظائم، ولكنه يتظاهر بذلك.
2- تختلف همم الناس، وشهواتهم، وأمانيهم بحسب أنصبتهم من علو الهمة ودنوها.
3- الناس تتفاوت أقدارهم بحسب تفاوت هممهم.
4- دنو الهمة هو إيثار الدعة، والرضا بالدون، والقعود عن معالي الأمور.
5- دنو الهمة خلق ساقط، ومسلك شائن، لا يليق بالعقلاء، ولا ينبغي من الفضلاء النبلاء.
6- لدنو الهمة مظاهر عديدة منها:
أ- دنو الهمة في طلب العلم، والكسل في الدعوة إلى الله، والتهرب من المسؤولية.
ب- البخل، والمنة، والتكاسل في أداء العبادات، والتكلف والتصنع، والإغراق في المظهرية الجوفاء.
ج- الانهماك في الترف، والاشتغال بما لا يغني، وبسفاسف الأمور.
د- التحسر على ما مضى وكثرة التلاوم، وكثرة الشكوى إلى الناس، والتسويف، والاسترسال مع الأماني الكاذبة.
هـ- الافتخار بالآباء العظام والعيش على أمجادهم.
و- كثرة المزاح، والإسفاف فيه، واليأس من الإصلاح.
ز- استجداء الناس ومسألتهم وقلة الحياء.
ح- الكبر، والكذب، والحقد، ومجاراة السفهاء، وتتبع العثرات.
7- لدنو الهمة أسباب عديدة تحول بين الفرد والجماعة، وبين الترقي في مدارج الكمال، ومنها:
أ- طبيعة الإنسان وبيئته وتربيته المنزلية.
ب- قلة وجود المربين الأفذاذ، وقلة التشجيع، وصحبة الأشرار، والأثر السيىء للإعلام.
ج- هم الزوجة والأولاد، وضعف الإيمان، وضعف الغيرة على الحق.
د- الإعجاب بالنفس، والاستبداد بالرأي واستشارة النوكى والمخذلين.
هـ- التردد، والخور، والمبالغة في احتقار النفس، والاندفاع الزائد والمبالغة في تطلب الكمال.
و- قلة الصبر، وكثرة الشواغل والقواطع، واختلاف المعاذير، وقلة الحياء، وقلة الإنصاف، والحسد والطمع والتقليد الأعمى.
ز- الفرقة والاختلاف، والانحراف في باب العقيدة عموماً، وفي مفهوم الإيمان بالقدر على وجه الخصوص.
8- علو الهمة هو استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور.
9- علو الهمة خلق سام، وأسمى ما فيه ما كان مقترناً بشرف المقصد ونبل الهدف والغاية.
10- الإسلام دين السمو والعزة، ولذلك فهو يوجه المسلمين إلى اكتساب الهمة العالية، ويدلهم على الطرق الموصلة إليها.
11- الهمة العالية خلق جبلي فطري، وهو في الوقت نفسه خلق اكتسابي يأتي بالدربة والممارسة والمجاهدة.
12- هناك أسباب تبعث الهمة، وسبل تعين على اكتسابها ومنها:
أ- طبيعة الإنسان، واستعداداته الفطرية، ودور الوالدين في التربية الصحيحة، والنشأة في مجتمع مليء بالقمم.
ب- تقدير النوابغ، ورعاية المواهب ووجود المربين الأفذاذ، والتوجيه السليم ومراعاة الميول.
ج- الإيمان بالله، وسلامة العقيدة، والجهاد، والدعاء، والحياء، وقراءة القرآن بتدبر وتعقل.
د- الأحداث التي تمر بالأمة، والمواقف التي تمر بالأفراد وتوجه الإعلام للخير.
هـ- الشورى، والتوازن، وقبول النقد البناء والنصيحة الهادفة.
و- التجافي عن الترف والنعيم، وحسن النية، وإخلاص العمل، وعزة النفس والسخاء.
ز- الإعراض عن الجاهلين، والعفو، والصفح، ومقابلة الإساءة بالإحسان.
ح- التواضع، ولزوم الإنصاف، والصدق، وإباءة الضيم، والغيرة الصادقة.
ط- قصر الأمل، وتذكر الآخرة، وإدامة النظر في السيرة النبوية، والنظر إلى من هو أعلى في الفضائل، وإلى من هو أدنى في أمور الدنيا، ومطالعة سير الأبطال والمصلحين والنابغين، والرحلة والتقلب في كثير من البلاد.
ي- استشعار المسؤولية، ومصاحبة الأخيار وأهل الهمم العلية.
ك- التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب، والتفاؤل، وإحسان الظن بالله، والقدرة على السرور والابتهاج بالحياة، والصبر والمصابرة، والاعتدال حال السراء والضراء واستثارة الهمة، وتقوية الإرادة وانتهاز الفرص واغتنام الأوقات.
ل- السلامة من الغرور ومن المبالغة في احتقار النفس، والشجاعة والإقدام وإطراح المبالغة في تعظيم شأن الخوف.
13- ورد في البحث ذكر لنماذج رائعة في الهمة العالية، وهذه النماذج تتمثل في شخصية نور الدين محمود، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمهم الله جميعاً، هذه صورة عامة لأهم ما ورد في هذا البحث، فأسأل الله أن ينفع به، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم.
وأخيراً لا يسعني وأنا أضع يدي عن شباة القلم إلا أن أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن تجد هذه الصفحات قبولاً في القلوب وأثراً في النفوس، وأن تكون سبباً لبعث الهمم من مراقدها، وإيقاظ الأمة من سباتها وطول غفلتها، ثم إن لنا بعد الله عز وجل لأملاً في علماء الأمة ودعاتها الأخيار وقادتها ورجالاتها الأغيار، وشبابها الأبرار الأطهار أن يعيدوا ما مضى لأمتنا من مجد تليد، وعز شامخ، وأن ينفخوا الروح في الناس وينذروهم موتة اليأس والجبن والخمول، عسى أن نسير إلى حياة سامية، وعز لا يبلى، وما ذلك على الله بعزيز،
ولا بُعْدَ في خيرٍ وفي الله مطمعٌ *** ولا يأسَ من رَوْح وفي القلب إيمان
هذا ما أردت بيانه، وهذا ما أؤمل حصوله، فإن ند بيان أوعى لسان، فالعذر العذر، ولا غنى للمرء عن تسديد إخوانه: {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وسلام على المرسلين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
- التصنيف: